أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمود جرادات - المتمرد : قراءة في متاهة كامو الخالدة















المزيد.....

المتمرد : قراءة في متاهة كامو الخالدة


محمود جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 4512 - 2014 / 7 / 14 - 22:30
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


(على غرار شروحات الأفلام السينمائية ، قرائتك لهذا المقال قبل أن تقرأ الكتاب قد تجعلك متحيزاً في وجهة نظرك عنه منذ البداية ، و ما أسعى إليه هو أن تنسى أيها القارىء كل كلامي و تضرب به عرض الحائط إذا أردت قراءة الكتاب، أما لمن سبق له قرائته، أظن تمام الظن أنه سيكون ملماً بالتفاصيل و الكلام الوارد في هذا المقال ، سواءاً اتفق معي أم لم يتفق ).
ماذا كان يقصد ألبير كامو من خلال المتمرد ؟؟ لست هنا لأشرح أفكاره لأن شبكة الانترنت مليئة بالشروح و التفاصيل ، و لن يكفي لهذا الغرض مقال متوسط الحجم أو حتى مقال من القياس الطويل ، أنا هنا أعرض وجهة نظري في هذه المتاهة الفكرية ، إن صح التعبير.
يقول ألبير كامو في تعليقه على (المتمرد) ، أن هدفه الأساسي كان هجوماً على العدمية ، تلك الأفكار التي تمنح الحق في تقليص الدور البشري و الانحطاط فيه نحو المجهول . لكن الأصدق من هذا التعبير ، إن جاز لي التكلم بلسان كامو ، هو ما قاله في مقدمة الكتاب : نحن لا نبحث عن عالم يختفي فيه القتل ، نحن نبحث عن عالم لا يكون فيه القتل مبرراً .
دعونا نبحث في حيثيات و ظروف تأليف هذا الكتاب ، تلك المتعلقة بكامو و تلك المتعلقة أيضاً بالظروف المحيطة المؤثرة في تأليفه .
كتب ألبير كامو كتابه (المتمرد) في عام 1950م ، و نشره عام 1951 ، أي بعد سنوات قليلة من نهاية الحرب العالمية الثانية ، و التي كان من الشهود عليها، بل و مشاركاً فيها من خلال مقاومته للاحتلال النازي في وطنه الأول فرنسا (على اعتبار وجود وطن ثانٍ ينتمي إليه كامو و هي الجزائر التي ولد و عاش طفولته فيها) . كامو كان بلا ايدولوجية محددة، رغم انضمامه فترة من الزمن إلى صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، حيث تعرف هناك إلى نخبة من المفكرين الفرنسيين العظماء في تلك الحقبة ، و على رأسهم جان بول سارتر و موريس ميرلوبونتي و سيمون دو بوفوار و روجيه غارودي ، و احتفظ بصداقته مع الحزب و اعضائه بعد ذلك فترة طويلة حتى نشره هذا الكتاب ، و الذي ستبين معنا لاحقاً ، لماذا بالذات حتى نشره هذا الكتاب بالتحديد.
ظروف أخرى كانت تحيط بتلك الفترة الزمنية ، و هي حقبة الحكم الستاليني للاتحاد السوفييتي ، و التي اصبحت أقوى كثيراً بخروجها منتصرة في حربها ضد ألمانيا ، كان توجه كامو معارضاً ( و بشدة) لحكم ستالين ، ففي الوقت الذي هاجم فيه النازية و أفرد لها فصلاً في كتابه بعنوان (الإرهاب اللاعقلاني) جاء الفصل اللاحق ، و هو أكبر فصول الكتاب ، بعنوان (الإرهاب العقلاني) و هو النعت الذي وصف فيه الاتحاد السوفييتي ، بل و أكثر من ذلك ، الشيوعية بشكل عام.
عودة لأهداف و تفاصيل هذه المتاهة الفكرية ، فبعد أن ذكرنا الظروف المحيطة ، و التوجهات الفكرية الامنتمية لألبير كامو ، يتبين معنا أن هذا الكتاب قد جاء بالأساس ، رد فعل على هذه الظروف و التفاصيل ، رد فعل على اهوال الحرب العالمية،و ما حصل في وطنه فرنسا، رد فعل على القمع و الديكتاتورية السوفييتية/الستالينية ، لكنه لم يكن رد فعل اجوف و سطحي ، لم يكن مجرد مقال ، بل كان استحضاراً لكل الافكار الفلسفية التي شكلت تمرداً على الواقع الذي جائت فيها ، ليس بدءاً من سقراط و سبارتاكوس و ليس انتهاءاً بالحرب العالمية و من قبلها الثورة البلشفية ، كان استحضاراً لحركات التمرد السلمية منها (بالوسائل الأدبية و الفنية) مع التركيز أكثر على الوسائل العنيفة و الأفكار التي قادت لهذا التمرد العنيف، الذي ينتهي بانتصار مبني على قتل البشر للبشر، إنه سلسلة من النصوص التي تدمج فلسفات عدة بشريط تاريخي يبدو في بعض الأحيان، غير منتظم ، لقد تحدث عن التمرد الماورائي (التمرد على الدين) ثم التمرد الرومانسي ثم نيتشة و عدميته و دوره (البريء و غير البريء) في صناعة النازية لاحقاً، مروراً بالحركة السريالية و مؤسسها المهووس اندريه بريتون ، ثم يعود إلى ثورة سبارتاكوس و ينتقل بعدها الى الثورة الفرنسية ثم إلى الأناركية و بعدها تمرد الشعراء و بالأخص شعراء العدمية السوداوية من أمثال بودلير و ارتور رامبو .
يأتي بعد ذلك الجزء الأهم ، الفصل المتعلق بالحركات الفاشية ، حيث يرفض كامو اعتبارها نوعاً من التمرد، بل يعتبرها نوعاً من الجنون و التعصب العرقي الإجرامي ، رغم أن هذا الفصل لم يكن بهذا الحجم الكبير ، لكن ما يبدو واضحاً أن هذا ما هو إلا تمهيد للفصل اللاحق (الذي جئنا على ذكره سابقاً و سنعود إليه) : الإرهاب العقلاني .
كامو هاجم العدمية ؟؟ نعم لكن لغته غير المتجردة ابدت تعاطفاً إلى حد ما ، مع التمرد بوصفه تمرداً ، بغض النظر عن تفاصيل الأفكار ، و التي أوردها في كل فصل ، نعم لقد أيد نيتشة الشخص ، و ليس الأفكار ، أيد (شهداء الأناركية) أولئك الذين قاموا بنشر رسالتهم بالتفجير و الاغتيالات ، في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين ، في حين لم يبدِ نفس التعاطف مع مؤسسي هذا الفكر ، و اسماهم بالممسوسين (المجانين) و هم نيتشاييف و باكونين و بيزاريف ، كذلك أبدى تعاطفاً جزئياً من الحركة السريالية بقيادة اندريه بريتون ، المعاصر له في تلك الفترة (و التي وجدت صعوبة كبيرة في فهمها، أقصد السريالية) .
نعم لم يكن كامو متجرداً ، و لم يطلب منه التجرد في مثل هذا الكتاب ، في مثل هذا التفسير الفلسفي لرفض السلطة العليا ثم بنائها ثم إعادة رفضها و هكذا ،بدءاً بالسلطة الإلهية التي كتب مراراً و تكراراً في ضرورة التخلص منها في البداية كأساس للتمرد البشري، في مثل هذه الظروف تكلم العقل لكنه اختلط مع العاطفة. البشر يقتلون بعضهم من اجل التطور ، و الارتقاء ، لا بل أيضاً من أجل السلطة ، و أكثر من ذلك ، من أجل القتل في حد ذاته، و من ثم تقمص دور الإله الحاكم للعالم . البشر يقتلون بعضهم من اجل تأليه أنفسهم !!
عودةً إلى الفصل الأهم ، التمرد العقلاني ، الهجوم الكاسح الذي شنه كامو على الشيوعية، على الديكتاتورية ، على الاتحاد السوفييتي ، لكن بالأخص ، على جوزيف ستالين شخصياً . و هنا يجرد بنا أن نذكر ما أورده موريس ميرلوبونتي، أنه في عام 1946م ، و بعد أن قام ستالين بتصفية عدد من رموز الثورة البلشفية بتهمة الخيانة ، كان موريس مع سارتر و كامو في مقر الحزب الشيوعي الفرنسي ، حين دافع سارتر عما فعله ستالين بحجة الحفاظ على مكتسبات الثورة ، و سارتر معروف عنه دعمه اللامحدود لستالين و سياساته، فاستشاط كامو غضباً و خرج من مقر الحزب يكيل الشتائم لسارتر و ستالين ، لقد كان ذلك الموقف الأول الذي ظهر فيه كامو بهذه الطريقة، و كأنه انفجر بكل ما كان يحتويه من مواقف مناهضة لم يستطع اخفائها أكثر من ذلك .
لقد فرغ كامو كل افكاره المناهضة لشيوعية الاتحاد السوفييتي و رئيسه في ذلك الزمن ، ستالين، في هذا الفصل من كتابه ، نعم كامو لم يكن شيوعياً ، كان متعاطفاً إلى حد كبير مع ماركس و بدرجة أقل مع لينين، لكن ليس مع خليفته (الإرهابي) على حد وصفه ، و لم يكن في المقابل رأسمالياً ، فهو و إن لم يكن قد هاجمها (الرأسمالية) بشكل واضح في كتابه، فذلك لأنه اعتبر موضوع نقدها (مفروغاً منه) فمسألة انهيارها مسألة وقت ليس إلا . لكن ليست الشيوعية هي البديل ، لن نستبدل إرهاباً بإرهاب آخر ، لن نستبدل استغلال العمال و الفقراء بقتلهم من أجل الجنة الموعودة في قانون (الحتمية التاريخية) !! لن يكون ستالين هو البطل المحرر للكرة الأرضية ، كما لم يكن من سبقه على مر العصور ، هناك مبدأ واحد كان كامو متأكداً منه : التمرد هو فعل لانهائي مستمر بالضرورة ( أنا أتمرد إذاً أنا موجود) ، لكنه قصد التمرد الشريف و ليس الإرهاب على حد وصفه .
نقد الشيوعية استهلك ما يزيد على ربع الكتاب ، لقد دفع ثمنه قطيعةً نهائية مع الحزب الشيوعي الفرنسي ، و مع صديقه الشيوعي المتعصب : جان بول سارتر.
هل الهدف الأساسي هو محاربة العدمية كما قال كامو ؟؟ تلك العدمية المسؤولة عن قتل الملايين من اجل لا شيء سوى العدمية في حد ذاتها ، عدمية الوجود البشري و نفي صفة العقلانية عنه ؟؟ إن كان كذلك ، فإنه فعلياً لم يطرح بديلاً مناسباً ، حتى في الفصل الأخير من كتابه ، أورد كلاماً هو أشبه بالأمنيات أكثر منه شبهاً بالحلول، راهن على التطور البشري مع عامل الزمن ، نعم تحقق جزء من أمنياته، لكنه أمنيته الرئيسية (عالم لا يبرر فيه القتل) لا زال بعيد المنال ، بل و شديد البعد . كامو هاجم الكل ، كل الافكار و الايدولوجيات، بغض النظر عن تعاطفه الشخصي الذي لا يعني في الحقيقة شيئاً . إن كان قد حارب العدمية فإنه استبدلها بالعبثية ، عبثية اللاإنتماء . عبثية التوصيف الرائع لكن مع نهايات مفتوحة ، لا يلام عليها لأن أحداً لم يقدر على انهائها .
السؤال الملح هنا : هل هذا هو الهدف الحقيقي أم أن جزئية محددة هي الهدف ؟؟ أم أن كل ما سبق كان تمهيداً للهجوم على ستالين و الاتحاد السوفييتي (و هذا هو رأي سارتر) . لا لم يكن كامو بريئاً في كتابه ، لقد كتب مقدمة طويلة ، و أسماها كتاباً عن تاريخ التمرد، و تفكيكه نفسياً و فلسفياً ، لكن الكتاب الأصلي كان ذلك الذي استهدف فيه الشيوعية ، ذلك الهدف الذي كان يطارده منذ زمن ، و أخيراً تجرأ على عرضه .
كلُ سينظر من وجهة نظره إلى هذا الكتاب، و الألغاز الفكرية المزروعة فيه ، لا يمكن فعلياً أن تتخذ موقف الحياد من هذه المتاهة الفكرية ، متاهة الدياكتيك التمردي ، أو بالأحرى ، الهدف المخفي في هذه المتاهة الخالدة .



#محمود_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام و العلمانية : خرافة التوافق


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمود جرادات - المتمرد : قراءة في متاهة كامو الخالدة