أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل كلفت - أحلام مُحالة إلى التقاعد














المزيد.....

أحلام مُحالة إلى التقاعد


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 4709 - 2015 / 2 / 3 - 08:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أحلام تحولت إلى كوابيس وكوارث ... هذه العبارة، التى لا سبيل إلى دحضها، تلخص بلا شك حالتنا منذ انطلاق ثورات "الربيع العربى".
حلَّقت أهداف نبيلة فى سماوات أحلامنا فلم يتصور أحد فى ذلك الحين هذه الكوابيس. وكنا نطمح إلى حياة كريمة بعد الزوال "الوشيك" للفقر وأسبابه، والقضاء "العاجل" على الطغيان والفساد.
غير أن أحلامنا الوردية أُحيلت إلى التقاعد، وحل محلها بؤس البكاء على الخرائب والأطلال، عندما انقلبت أحلام الخيال إلى خرائب الواقع.
ولكى نفهم هذا بوضوح علينا أن ننظر إلى وهج أحلامنا لحظة انطلاق الثورة، ثم إلى معاناة سنوات الطريق الوعر بكل محطاته، ثم إلى المحصِّلة الكابوسية. وقد دارت خلال المسيرة صراعات ضارية وطاحنة وغرقت شعوبنا فى الدم فى سبيل استخلاص ما طمحنا إليه من بين أنياب الماضى المسيطر على الحاضر.
ويمكن أن تتمثل طريقة بسيطة لفهم ما حدث فى أن نتذكر كيف تفجرت فى قلوبنا وعقولنا ينابيع الحلم، وكيف اتسعت أمامنا آفاق الأمل، بعد أن كادت الطبقات الحاكمة تدفننا أحياء، بعد أن دفنت قدرتنا على التطلع إلى حياة أفضل. ونعود من الذكرى لنشهد حالتنا الآن فيرتد البصر وهو حسير.
لقد حلّ محلّ المشهد القديم المفعم بالأمل مشهد رقصة الموت، وانتقلنا من بحر المياه الدافئة والرياح الرخية إلى بحر الظلمات والرياح السوداء.
ويذكِّرنا بعض الزلنطحية بمقولة أن الثورة تستغرق سنوات، وأن الثورة مستمرة، وأنه ما يزال هناك متسع من الوقت لنحقق كل أحلامنا. لأنهم لا يدركون أن الفترة الأولى لكل ثورة هى أفضل فتراتها إنْ استمرت أطول من دورتها القصيرة المعتادة، ولا تأتى الكوارث إلا بعد ذلك. وهذه الحقيقة العامة استقراء من مصائر مئات الثورات الشعبية طوال التاريخ.
وتجد الشعوب التى ثارت ضد أنظمة الاستغلال والفساد والاستبداد نفسها اليوم فى قلب الخرائب الدائرية.
وكنا جميعا مفعمين بالأمل بل ذهب الحماس ببعضنا إلى خلق عالم افتراضى سعيد ثم استيقظنا لنجد شعوب بلدان الثورة غارقة فى دمائها بمئات الآلاف من القتلى، وملايين اللاجئين والنازحين خارج بلادهم أو داخلها.
وعندما تلحق الهزيمة فى سوريا بالشعب والنظام معًا، سيعود السوريون إلى سوريا ليجدوها ممزقة إلى أشلاء، ليجدوا أنفسهم مشردين هائمين على وجوههم فى العراء بلا مأوى بعد دمار بيوتهم، ليعودوا إلى غابات وصحارى العصر الحجرى القديم، محرومين حتى من الثقافة التى تميزوا بها من قبل.
فهل هذه هى الثورة المنشودة؟ لقد صُدمنا جميعا بالحالة الجديدة التى انتقلنا إليها باستثناء أولئك الذين لا يريدون أن يتعلَّموا شيئا جديدا فيرفضون التفكير خارج أقفاصهم الضيقة. وإذا كان هذا المصير المفزع يلفُّه إبهام كثيف فى مصر وتونس رغم المخاطر التى ما تزال تحيط بهما، فإن الليبيين والسوريين واليمنيين سيفهمون هذا على الفور.
فهل كانت هذه ثورات حقا؟
بالطبع كانت ثورات لأن الشعوب ثارت بالفعل. ولكن كل شخص جاد ونزيه ومنطقى سيواجه السؤال الأهم: هل هذا المصير هو "قانون" الثورات الشعبية و"طبيعتها"؟ أم أننا وقعنا ضحايا لمصادفات عبثت بنا، أو مؤامرات اتخذت شكل ثورات، أو ثورات انقضت عليها مؤامرات ونجحت فى تبديد أحلامها الوردية؟
وكنا نعتقد أن الثورات الشعبية هى محرِّك التاريخ، وإذا فكرنا بطريقة علمية فى تاريخ الثورات طوال آلاف السنين فإننا سنجد أنها لم تكن محرك التاريخ، لأن كل ثورة منها كانت منحة ضئيلة إنْ لم تكن معدومة، ولكنها كانت دائما محنة كبرى تتبين الشعوب حقيقتها عندما تغرق مع ثوراتها فى الدم، وتنتج عنها أنظمة أكثر رجعية واستغلالا وطغيانا، وما حدث عندنا فى ثورات "الربيع العربى" يُثبت أنها ليست محرك التاريخ.
ويمكن أن تفرض الثورات نجاحات ومكاسب حقيقية وحتى كبرى، كما حدث عندنا فى مصر، غير أنها لا تمس الجذور الضاربة فى أعماق أنظمة الاستغلال والحرمان والقهر والطغيان.
ولا أحد ينصح الشعوب بعدم الثورة التى تدل بالفعل على أنها ما تزال حية. غير أن المثقفين يأتون فيعقِّدون الأمور بإجاباتهم الخاطئة على أسئلتهم الخاطئة، بحيث لا نتبين حتى نجاحاتنا وإنجازاتنا الحقيقية. ولن تكفّ الشعوب عن الثورة عندما تغدو حياتها لا تُطاق، حتى إذا عرفت مصيرها سلفا قبل انفجارها.
ولكننا أمام تاريخ طويل من التحولات الكبرى انتقل فيها البشر من العصر الحجرى إلى ذروة التطور الرأسمالى الحديث فى الغرب، فهل حدث كل هذا دون ثورات الشعوب؟
نعم بالطبع بلا ثورات! ذلك أن التطورات التقنية-الاجتماعية التصاعدية التراكمية البطيئة، وليس الثورات الشعبية، هى التى تُحوِّل المجتمعات، وهى التى رفعتها بالتدريج من قاع الحياة البدائية إلى العصر الرأسمالى الحديث الذى يضع الأساس الراسخ لتطورات اجتماعية لاحقة.
ولا مخرج مما نحن فيه سوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية البالغة السرعة فى سبيل التحرُّر من التبعية الاستعمارية التى تسير بنا على الطريق إلى الجحيم. ودون ذلك بالطبع جبال من التحديات؛ فهل نرتفع إلى مستوى المواجهة المطلوبة؟!



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف والسلطة بين التناقض والتحالف
- الرسوم المسيئة وتأجيج الإسلاموفوپيا
- الثورة الشعبية بين سياقين تاريخييْن مختلفين
- نحو نظرية علمية للثورات الشعبية
- زيارة جديدة إلى ثورة يناير
- العيد الرابع لثورة يناير
- الطابع القانونى للثورات
- تسييس محاكمة مبارك؟
- الثورات الشعبية عفوية بالضرورة
- انظر أمامك فى غضب
- مفهوم جديد للثورة الشعبية
- تسييس محاكمة مبارك وعصابته
- تهجير رفح المثير للجدل
- مصير الثورات الإسلامية الراهنة
- تاريخ وتحليل الثورات الشعبية فى مصر عند لويس عوض
- المسألة الفلولية
- العنف .. فى جوهر الإسلام؟
- الثقافة ومستقبل مصر
- ثورة أم ثورتان؟
- الثورة الشعبية: داية أم احتجاج؟


المزيد.....




- بكلمات -نابية-.. ترامب ينتقد إسرائيل وإيران بشكل لاذع أمام ا ...
- قمة حلف الأطلسي: نحو زيادة تاريخية في ميزانية الإنفاق الدفاع ...
- من هو نورمان فوستر الذي سيتولى تصميم نصب تذكاري للملكة إليزا ...
- قطر تستدعي سفير طهران بعد الهجوم الإيراني على قاعدة العديد
- قبل ساعات من الهدنة.. إسرائيل تشن غارات عنيفة على أهداف في ط ...
- ما هي جماعة -سرايا أنصار السنة- التي تبنت تفجير كنيسة مار إل ...
- إسرائيل تقول إنها -امتنعت- عن ضرب إيران بعد مباحثات مع ترامب ...
- ميرتس يأمل في التوصل إلى اتفاق في النزاع الجمركي مع واشنطن
- بعد إعلان وقف إطلاق النار.. ما الجديد في إسرائيل؟
- اجتماع حاسم لحلف الناتو.. الدول الأعضاء تتجه نحو زيادة نفقات ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل كلفت - أحلام مُحالة إلى التقاعد