أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - الله والكون جدل العلم والدين















المزيد.....



الله والكون جدل العلم والدين


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 23:30
المحور: الطب , والعلوم
    


محاضرة ألقيت في المنتدى العراقي في باريس بعنوان :الله والكون جدل العلم والدين
د. جواد بشارة
الأخوة والأخوات الحضور مرحباً بكم:
أفتتح هذه المحاضرة بمقولة عزيت إلى العالم الفيزيائي العبقري الشهير ألبرت آينشتين في بدايات القرن العشرين تقول: الدين بدون علم أعمى والعلم بدون دين كسيح، وهو ما يبرر اختياري لعنوان هذه المحاضرة الله والكون جدل العلم والدين. ويحضرني اعلان غاليلو غاليله الأليم وتراجعه تحت تهديده بالموت عن موقفه أما طغيان وجبرون الكنيسة وهو يقول: أُمرتُ من قبل هذا المجلس المقدس ـ المجلس الكنسي البابوي ـ بالتخلي كلية عن الرأي " الكاذب" الذي يؤكد مركزية الشمس وثباتها، كما أمتنع أيضاً عن التمسك والدفاع عن تعليم ونشر أو بث تلك النظرية الكاذبة أو الزائفة باي شكل من الأشكال وأنكر وألعن وأبغض كافة الهرطقات والأقوال الخاطئة، إن كانت أقوال أخرى، أو دعوات أو طائفة تخالف قول الكنيسة المقدس". لكنه ردد مع نفسه بحزن شديد وهو يعود لزنزاته :" ومع ذلك إنها تدور" أي الأرض التي رفضت الكنيسة حركتها واعتبرتها ساكنة في مركز الكون.
ما هو الله؟ وما هو الكون؟ ومن الذي سيقودنا باتجاه حقيقة كل منهما، العلم أم الدين؟
بعيداً عن المسلمات والأفكار والمفاهيم السائدة، يتعين علينا هنا أن نتجرد من تحيزنا وميولنا العاطفية ومعتقداتنا الراسخة في الأذهان بدون أساس منطقي مقبول عقلياً، ونتعاطى مع هذه المفاهيم بتجرد وحيادية وعقلانية مجردة.
الله هو مفهوم ديني لاهوتي بحت صاغته الأديان السماوية كل على طريقتها ومنحته صفات وقدرات متباينة حسب نوع العقيدة، أما الكون فهو كينونة مادية بحتة، له تاريخ ومكونات وخصائص ومزايا وتحكمه قوانين جوهرية علمية صارمة.
الدين ، حسب التعريف القاموسي، هو الإيمان بوجود قوة أو قوى إلهية أو فائقة للبشر يلزم طاعتها وعبادتها من قبل البشر باعتبارها الخالقة والحاكمة للكون وما فيه. وكذلك هو عبارة عن مجموعة من المعتقدات المتعلقة بمسببات الكون وطبيعته والهدف منه، والمفروض من قبل قوة عليا هي الله واعتباره خالقاً لكيان أو لكيانات فائقة للبشر ويتضمن الطاعة والإذعان للشرائع الإلهية والطقوس التعبدية ووضع قواعد أخلاقية تحكم العلاقات الإنسانية. بينما العلم هو آلية منهجية عقلانية صارمة للبحث وتقصي الحقائق عبر التجربة للكشف عن قوانين الطبيعة عن طريقة التجربة والمشاهدة والرصد والتحليل والحسابات الرياضية وإعمال العقل والوعي والتمعن والتفكير العقلي من خلال الشك بغية الوصول إلى اليقين.
فالعلم يهدف للوصول إلى صورة مادية تنبؤية بإمكانها تفسير كيفية عمل الأشياء ولذلك فإن العلم يتناول الحقيقة المادية في حين يتناول الدين الحاجات والرغبات البشرية الاجتماعية والنفسية.
تقول الأسطورة الدينية، نقلاً عن أحاديث نبوية، توراتية وإنجيلية وقرآنية، أن الله مجد العقل واعتبره أثمن وأفضل ما خلق من الخلق أجمعين، ولكن ماهو العقل؟ إنه ملكة التفكير الموجودة في الدماغ البشري، وهي القادرة على الإدراك والاستدراك، الفهم والاستجابة، التحليل واتخاذ القرار. وتقول الدراسات العلمية أن العقل البشري الأولي أو البدائي راقب الطبيعة وظواهرها وتأمل فيها، واهتدى إلى اختلاق الأساطير، وصدقها، وأخضع نفسه لقدرات مكوناتها الخارقة.
كان أجدادنا في حقبة ما قبل التاريخ البشري، في العصر الحجري وما قبله، في فترة ما عرف بالإنسان النياندرتال، أول من صدم بظاهرة الموت، وأول من بادر إلى دفن الأموات بصحبة طقوس ابتكروها، وكانوا مرعوبين من الموت وفقدان الأحبة دون أن يدركوا لماذا يموت الإنسان خارج دائرة الصراع من أجل البقاء حيث يمكن أن يسقط بين أنياب وحش مفترس، أو ضحية لكارثة طبيعية أو حادث ما. ما نعرفه اليوم عن تلك الحقب هو أن البشر كانوا يضعون في قبور ذويهم من الأموات، عدداً من الأدوات والأسلحة البدائية والملابس والأطعمة الضرورية للاستمرار في " رحلة ما بعد الموت" لمساعدتهم على اجتياز مغامراتهم الغامضة والخوض في اللغز الكبير الذي ينتظرهم فيما وراء جدار الحياة. وكان ذلك بمثابة تجسيد لأمل ميتافيزيقي. وقد تم اكتشاف آثار تدل على ذلك في مغارات منتشرة في ربوع أوروبا وآسيا ولكن علماء الانثروبولوجيا لا يعرفون الكثير عن أساطير إنسان النياندرتال. من الواضح أن هؤلاء البشر الأوائل صمموا أو ابتكروا نظاماً معيناً من المعتقدات يوفر لهم نوعاً من الاطمئنان والسكينة بأنهم يمكن أن يقهروا الموت أو يتغلبوا عليه دون أن يفلتوا منه، وذلك بالذهاب إلى ما وراء الموت. وهذا يعني أنهم توصلوا إلى أن عالمهم ليس عبثي أو فوضوي بل هو عالم محكوم بقوى غيبية غير مرئية، ومنظمة، وحيث يمكنه، بطريقة ما، وببعض الممارسات، التعرف عليها، وربما تطويعها لخدمته. واعتقد أنه يمكن أن يناشد تلك القوى عن طريق ممارسات تدل على خضوعه وانصياعه لها كتقديم القرابين، حيث تم العثور على آثار لتلك الطقوس في الكهوف والمغارات المكتشفة مؤخراً ويعود تاريخها إلى 250 ألف سنة قبل الميلاد. إن خوف البشر من ظواهر الطبيعة الغامضة جعلهم يبحثون عن حلول لتلك الألغاز في قصص نسجوها وصرنا نسميها اليوم أساطير.
فالأساطير قديمة بقدم الإنسان نفسه كما يقول خبير الأساطير جوزيف كمبل. والأساطير حية في الأذهان والعقول إلى يوم الناس هذا، وتشكل الأسس والدعائم التي تستند إليها جميع الأديان المعاصرة، السماوية منها والأرضية، وتمنحها قوتها وتأثيرها على عقول البشر، منذ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وبوذا إلى أنبياء العصر الالكتروني اليوم. الأسطورة كما نوردها هنا ليست مرادفاً للفنتازيا أو الحكاية الخرافية، أو تتضمن أكاذيب وقصص مختلقة، بل على العكس، هي تعني هنا، بتعريفها الكلاسيكي المستمد من جذرها الإغريقي، "الكلام"،legende لكنه كلام يتم التعبير عنه بسلطة وقناعة لا تقبل الجدل أو الدحض. الأسطورة حسب كمبل تكشف لنا كيف نكون بشراً، وتكشف لنا أهم ما في أعماقنا من حقيقة. وإن قوة الأسطورة تكمن في التفسيرات غير المحدودة التي يمكن أن تعطى لها، وفي قوة رموزها وكناياتها ومجازاتها وامتداداتها الشمولية التي تربطنا بجوهرنا وبأهم ما في أعماقنا بطريقة يعجز معها المنطق والعقل وحدهما القيام بذلك. وحسب هذا التعريف، يتعين على الأديان أن تقوم أو تبنى على الأساطير إذا أرادات أن تقول للإنسان شيئاً جوهرياً. وبهذا المعنى يمكننا أن نقول أن قصة المسيح أسطورة حتى لو كانت موجودة كحقيقة تاريخية لكنها اتخذت أبعاد الأسطورة. الموت هو الذي دفع الإنسان للتفكير، والخوف منه هو الذي حثه على البحث عن حماية منه عبر الآلهة والأديان والقوى الخفية.
عندما أعلن الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه سنة 1885 عبارته الشهيرة" لقد مات الله " فهو يعني أن الله لم يكن موجوداً في الواقع، وليس أنه وجد ومات، بل يقصد موت فكرة الله أو الوجود الإلهي في أذهان البشر، في فترة ساد فيها الفكر العقلاني وبزغ فيها عمالقة الفكر العالمي في القرنين التاسع عشر والعشرين كماركس وفرويد وجيمس فرازير ولودفيغ فيورباخ وبرتراند رسل وسبينوزا وديكارت وروسو وجان بول سارتر وبالطبع نيتشه. فهذا الأخير اعتبر فكرة الله قديمة مستهلكة من قبل الأديان السماوية وليست سوى أثر من الماضي، وهو ماضي ليس علمياً قطعاً، تجاوزته الإنسانية في عصر الثورة الفكرية والصناعية التي بدأت منذ أواخر القرن السابع عشر. وبعد أن دخل العالم مرحلة التحولات الجوهرية والثورات الفكرية والعلمية والتكنولوجية، ارتفع مستوى التعليم والتربية وترسخ مفهوم حرية التعبير والمعتقد وتوفرت شروحات وتفسيرات مادية لألغاز الوجود بالطرق العلمية وفقدت الأديان بريقها وقدرتها على الإقناع، واختفى تألقها، ومعها خفتت صورة الله في رؤوس البشر، وعادت نغمة الصراع بين الدين والعلم
والحال أننا نعيش اليوم في مطلع القرن الواحد والعشرين حالة معاكسة فلم يتقهقر الإله أمام تلك الهجمة المادية ـ العلمية. فبالرغم من الانجازات التكنولوجية والعلمية في الألفية الجديدة التي خلفت عصر الأنوار ما يزال الدين، والنزعة الروحانية، يعيشان حالة من الازدهار والعودة المظفرة التي عرفت إعلامياُ بالصحوة الدينية. ولو كان نيتشه وأترابه يعيشون هذه الظاهرة لقالوا أن عودة الله للحياة هي انتصار للجهل على العقل لأنهم مقتنعون أن الوعي الديني والإيمان الروحي والعقيدة الإلهية مبنية على الشعوذات والأوهام والغيبيات والماوراءيات، وإن البشر يتعلقون بفكرة الإله لأنهم يفتقدون الشجاعة والقوة لمواجهة هذا العالم اللامتناهي بدون الله. ولا أحد من العقلانيين يمكن أن يشكك بصدقية هذه البديهية. الحقائق تدفعنا للتفكير بأن الجذور العميقة للأديان تكمن في التجربة الصوفية والصيغة التواصلية الرهبانية مع العالم اللامادي وغير المرئي والذي هو ليس بالضرورة غير علمي. فكل الأديان السماوية والوضعية تشترك بما يسمى باليقظة الروحية لدى مؤسسيها تجاه المطلق. فالنفس البشرية لم تفتأ تبحث عن المطلق وتسعى للإجابة على تساؤلات وجودية وفلسفية جوهرية عميقة من قبيل" أين ولماذا وكيف ومتى"، التي تطرق إليها الشيخ نديم الجسر في كتابه " قصة الإيمان"، وذلك منذ أن ظهر الإنسان على وجه الطبيعة وسيستمر إلى نهاية الدهر. تقول نظرية ذكرها دوغلاس آدمز في كتابه الممتع " مطعم في تخوم الكون":" لو حدث أن اكتشف أحد ما بماذا يفيدنا الكون ولماذا هو موجود وماهو سره الحقيقي فإن هذا الكون سيختفي على الفور وسيحل محله كون آخر أكثر تعقيداً وغموضاً واستحالة في كشف أسراره. وتقول نظرية أخرى أن هذا الأمر سبق أن حصل بالفعل في تاريخ الوجود. والفكر الصوفي يبحث دوماً عن " سر الأسرار" ولو كشف هذا السر فسيختفي موجده". فالكون غامض وعصي على الفهم والكشف، حتى مع كل التقدم العلمي والتقني والتكنولوجي الذي حققه الإنسان على الأرض. ولا يوجد مفهوم أكثر غرابة وعسراً وعدم قابلية للتفسير من تأكيدات المتصوفة على "وجود آخر" أكثر واقعية من واقعنا المادي لكنه موجود على صعيد آخر، غير مرئي من قبلنا، وهو عالم متسامي، ومصنوع من مادة غير المادة التي نعرفها. فالكشف العلمي البشري المحدود والقاصر سمح لنيتشة بالقول بموت الله على يد العلم وهو يقصد به الله الخالق للعالم والكون الذي جاء ذكره في التوراة والإنجيل والقرآن، ولكن لا يوجد في نصوص العلم أو في منجزات العقل البشري ما يدحض وجود واقع آخر موازي لواقعنا يشبه الواقع الافتراضي كما توحي به نظرية الكوانتا " نظرية الكم" البالغة التعقيد والغرابة. والذي يعرف بلغة العلم والفيزياء الكونية بالكون الموازي. أما عن أصل الحياة فقد تقدمت الأديان بنظرية الخلق الإلهي الجاهز من خلال قصة آدم ورد عليها العلم بنظرية التطور والانتخاب الطبيعي لشارل داروين، التي أثارت الكثير من الجدل والسجال والردود والاعتراضات والطعون. وتقول نظرية فنتازية ثالثة أن الحياة بكل أشكالها وألوانها وتنوعها هي من صنع كائنات بشرية لكنها لا أرضية، أو تشبه البشر وأقدم منا بـ 60 مليون سنة، ومتقدمة علينا بملايين السنين، تعيش في كوكب بعيد جداً، الحياة فيه تشبه إلى حد بعيد الحياة في الجنة التي وصفتها الكتب السماوية المقدسة. جاءوا إلى الأرض في بعثات استكشافية عدة مرات، ويمتلكون تكنولوجيا مذهلة تجعلهم بمثابة الإلهة في نظر البشر، ولديهم قدرات لا محدودة، متمكنين إلى حد الكمال من تقنية الاستنساخ البشري الفوري وتقنية الحامض النووي الـ ADN أي الجينات الوراثية والهندسة الوراثية، ويجوبون أرجاء الكون بسفن فضائية متطورة جداً لا يتصورها بشر، تطوي المسافات التي تحتاج لملايين السنين الضوئية، وبرمشة عين، نجحوا في تغيير الظروف المناخية على الأرض القديمة الجدباء، وأوجدوا النباتات والمياه والأوكسجين ووفروا شروط وظروف نشوء الحياة وتطورها بعد تجارب عديدة استغرت آلاف السنين، وتسمى تلك الكائنات "الإيلوهيم" ، وقد ورد هذا الإسم في التوراة، ورئيسهم يدعى يهوه، أي الله باللغة العبرية، ومعارضه الرئيسي، ولكن بصورة حضارية جداً، كائن يسمى إبليس لم يكن موافقاً على تلك التجارب التي قادت إلى خلق البشرية على الأرض . وقد اختار الإلوهيم من بين البشر نخبة من العقلاء والمتميزين أي الصفوة التي يمكنها قيادة بني البشر العاديين وفرض القيم الدنيوية والاجتماعية والأخلاقية التي من شأنها خلق تماسك المجتمعات وتوازنها وسميت تلك النخبة بالأنبياء والأولياء والعلماء والأقطاب، الذين أنيط بهم مهمة قيادة وتنظيم مجتمعاتهم وأقوامهم وفق جملة من القيم الاجتماعية والأخلاقية المحددة بدقة. بيد أن هناك حضارات وكائنات كونية أخرى زارت الأرض وأجرت اتصالات مع بني البشر، كالأوميينLes Ummites وساعدتهم على تطوير أنفسهم وتعليمهم تدريجياً أسرار التكنولوجيا الحديثة، ونحن مدينون لهم بما أنجزناه نحن البشر من تطور تقني وعلمي منذ أربعينات القرن الماضي. وكان علماء مشهورين على اتصال بشكل مباشر أو غير مباشر بتلك الحضارات الكونية كآينشتين وزاخاروف، وجون بيير بتي، وبفضلهم نجح الإنسان في تطويع الذرة وفلقها والحصول على طاقتها والتمكن من تكنولوجيا الرقائق الالكترونية والكومبيوترات والألياف الضوئية أو البصرية والتقنيات السمعية البصرية كالراديو والتلفزيون والسينما والفيديو والانترنت والهواتف المحمولة ورحلات الفضاء وكشف شيفرة الـ ADN والهندسة الوراثية وعملية الاستنساخ الحيواني والنباتي والبشري وغيرها من التقنيات المعاصرة والمستقبلية التي أحدثت طفرة في التفكير والفهم الإنساني ورؤيته للعالم والكون. وفي مقال لاحق سوف نتطرق لما سينجزه الإنسان في المائة سنة القادمة من تقنيات وأجهزة هي الآن في خانة الخيال العلمي ومنها خلق آلهة المستقبل.
من ذلك نستنتج أن العلم والدين منهجين مختلفين لمعرفة العالم والحقيقة، كل بوسائله الخاصة به. ولنعلم أن كل شيء نسبي عدا مطلق واحد ميتافيزيقي يتشارك به العلم والدين على حد سواء الدين يطلق عليه تسمية الله والعلم يطلق عليه تسمية الكون المطلق.
ومنذ أن بدأ الإنساني البدائي يعي ويفكر ويتساءل، نشأت في عقله الفكرة الميثولوجية الغيبية أو الماورائية التي تبلورت إلى صيغ وعقائد أو معتقدات دينية، ولم يكن العلم قد ولد بعد للتعامل مع التساؤلات الوجودية التي طرحها الإنسان على نفسه وما يزال يطرحها إلى يوم الناس هذا.
نشأت الأساطير مرفقة بكم هائل من الخرافات والغيبيات والتصورات الميتافيزيقية لتتصدى لهذا الخوف الدائم من المجهول الذي يواجه الإنسان منذ فجر البشرية. وتحدثت تلك الأساطير عن مجمع الآلهة في زمن الإغريق وفي العهود السومرية والآشورية والبالية والفرعونية. ثم تطورت إلى مفهوم الإله الواحد كما وردت قصته في سفر التكوين التوراتي الذي فرض تصوراً خارقاً لعملية الخلق الرباني وأخذت عنه باقي الأديان السماوية، أي المسيحية والإسلام، هذه القصة بحذافيرها مع بعض التنويعات على بعض التفاصيل كموضوع الخطيئة الأولى والشيطان ودوره والملائكة والجن والكائنات غير البشرية. ولكن تجدر الإشارة إلى وجود فكر آخر نشأ وتبلور منذ عهد الإغريق وتمثل بالفلسفة المادية والمذهب الذري تحدث بهما العديد من الفلاسفة القدماء مع وجود أوليات علم الرياضيات منذ مدرسة فيثاغورس وما قبله ولم يتوان الفلاسفة الإغريق آنذاك في الحديث عن الكون وشكله وأصله وتكوينه ومنهم تاليس واناكسيمين واناكساغور وسقراط وارسطو وافلاطون حيث حاول بعضهم تقديم أجوبة عقلانية على الأسئلة الميتافيزقية بل حكم على بعضهم بالإعدام بتهمة الإلحاد كما هو الحال مع سقراط .وكانت هناك تصورات عن الكون والحياة والخلود في العهود القديمة خاصة في بلاد مابين النهرين وقصة الآنوناكي وغيرها، وقد وصلنا البعض منها عن طريق الحفريات الآركيولوجية والرقم الطينية التي أطلعتنا على ملاحم من هذا القبيل كملحمة جلجامش وقصة الطوفان وغيرها لا مجال للخوض فيها بالتفصيل الآن. أما ملخص القصة التوراتية الانجيلية القرآنية عن الخلق الرباني المباشر والناجم عن الإرادة الإلهية، فتقول إن الله الأزلي البدئي أراد أن يخلق الكون وما فيه فخلق الأرض والسماء وما فيهما أي البشر والنبات والحيوان في ستة أيام ثم استوى على العرض ليستريح. وهذا يعني أن هناك شيء، ومكان وزمان، يسبق عملية الخلق. وهناك كينونة عليا وكائنات أخرى سبقت كائنات الأرض، وهناك مكان ما يتواجد فيه العرش الإلهي إذا أخذنا مصطلح العرش بمعناه اللغوي المباشر وليس المعنى والمغزى الرمزي الذي يلمح له البعض. إلى جانب مدة الخلق التي تحددت بستة أيام وقد وقع هذا الحدث قبل خمسة آلاف سنة كما أشارت المصادر الدينية الكنسية واليهودية التوراتية. تسابق العلم والدين في تقديم الإجابات حول التساؤلات العميقة والجوهرية حول الوجود وكيفية بدء الكون المرئي وهل سينتهي وكيف وماهي الحياة وماهو والموت او ما بعد الحياة. وبات في السنوات الأخيرة في مطلع القرن الحادي والعشرين في متناول اليد نظرية علمية شبه متكاملة ونظرية روحانية قديمة لم تتزحزح عن قصة الخلق ومحاولة فهم لغز الكون المعقد وكيفية خروجه إلى حيز الوجود. وهل حدث ذلك تلقائياً بدون تدخل خارق وفق نظرية الخلق الذاتي للكون، أم حدث نتيجة تدخل خارجي خارق للقوانين الفيزيائية وفق أطروحة الخلق الإلهي المباشر للكون المرئي؟ يتمتع الدين في الوقت الحاضر بهيمنة كبرى على غالبية سكان الأرض ويمارس نفوذا متعاظماً على البشر ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم وكيفية إدارتهم لشؤونهم لا سيما تعاظم دوره في صناعة القرارات السياسية والاجتماعية والفكرية للناس. أما العمل فقد اجتاح في العقود الأخيرة حياتنا وللكن على نطاق محدود ولم يتجذر كثيرا على المستوى الفكري لأن غالبية الناس لا تفهم مبادئ العلم ولغته وذلك لأننا لا نزال نعيش في عالم أساسه دينياً رغم المظهر العلمي البراق الذي يغلفه. ولقد بزغت منذ بضعة عقود انتقادات ضد رجال الكهنوت الديني لتأثيرهم السلبي المضلل في السلوك البشري خاصة عندما يقحمون أنفسهم في المعترك السياسي ويحتكرون القرار الدنيوي. مستخدمين مسلمة الخوف من الله وعقابه. يقول أصحاب الرسالات السماوية: في البدء خلق الله السماء والأرض ويرد ستيف وينبيرغ صاحب أجمل كتاب علمي تبسيطي عن الكون وهو الدقائق الثلاث الأولى من عمر الكون: ولكن لم يكن هناك أحد ليرى ذلك". فهل كانت هناك عملية خلق رباني حقاً؟ ولو كانت قد حدثت بالفعل فمتى كان ذلك؟ وما هو السبب في ذلك؟
كل منظومة فكرية، سواء كانت دينية أو علمية، تزعم أن لديها ما تقدمه لفهم العالم المادي وتطرح تصوراتها حول أصل العالم سواء كان الكون موجوداً دائماً ومنذ الأزل بشكل أو بآخر، أي قديم لا نهائي، أو مستحدثاً، أي بدأ على نحو مفاجئ في لحظة بعينها في الماضي السحيق. يتفق علماء الكونيات والفيزياء الفلكية والنظرية اليوم على نظرية الانفجار الكبير أو العظيم كبداية محتملة أو مفترضة للكون المرئي قبل 13.8 مليار سنة وهناك تقدير بأن هذا الحدث وقع قبل 18 مليار سنة أو 20 أو 30 مليار سنة أو أكثر. لكن أجهزة الرصد والمشاهدة التي لدينا في الوقت الحاضر قدرت الرقم الأول. وتقول النظرية أن الكون في حالة توسع وتمدد مستمرين حسب ما نعرفه من طبيعة المكان والزمان والحركة من خلال نسبية آينشتين الخاصة والعامة وتركيزه على أن قوة الجاذبية تحكم كل ظواهر الكون المرئي الواسعة النطاق على مستوى اللامتناهي في الكبر وهي التي تمدد الزمكان وتحرفه وهي موجودة في كل مكان في الكون المرئي حتى في المادة السوداء والطاقة المعتمة أو الداكنة أو السوداء أيضاً. ولقد طرح أحدهم على آينشتين سؤال عن سبب خوضه في الكونيات فأجاب: أريد أن أعرف كيف خلق الله العالم".
أين، ولماذا، وكيف، ومتى؟:
إن الخوض في مسألة الكون من الناحية العلمية الصرفة أمر ممتع لكنه بالغة التعقيد والصعوبة نظراً لما يكتنفه من مصطلحات ومعادلات رياضية معقدة وصعبة ولا يكفي ساعة أو يوم أو حتى شهر كامل للحديث على نحو متواصل للإحاطة بهذا الموضوع المتشعب، فهناك تساؤلات جوهرية وجودية يريد أن يعرفها الإنسان من قبيل: ماهو الكون؟ وماهو حجمه،؟ وما هو عمره؟ ومماذا تتكون نجومه ومجراته وكواكابه وغازاته وسدمه؟ لماذا تبقى النجوم والكواكب والمجرات تدور في أفلاك ومدارات دون أن تفلت وتبتعد عن مداراتها؟ ماهي القوى الجوهرية التي تحكم وتسير الكون ولماذا هي موجودة وكيف وجدت ومن الذي أوجدها وما الحكمة والغاية من وجودها؟ كيف تكونت الأرض والشمس والقمر وباقي كواكب المنظومة الشمسية؟ هل هناك شكل معروف ومحدد للكون؟ ماهي الثقوب السوداء ؟ وماهي الثقوب الدودية؟ وما هي المادة السوداء؟ وماهي الطاقة الداكنة أو المعتمة أو السوداء؟ وما هي المادة المضادة ولماذا اختفت أمام المادة الطبيعية بينما يفترض أنها مساوية لها ؟ هل نحن وحيدون في هذا الكون؟ وهل من الممكن السفر عبر الزمن؟ وهل قوانين الفيزياء ثابتة لاتتغير أبد الدهر وماذا سيحدث لو تغيرت ولو على نحو طفيف؟ هل هناك أكوان أخرى متعددة متوازية أو متجاورة أو متداخلة؟ ماهو مصير الكون؟ وهل هناك دلائل وإثباتات كوزمولوجية عن وجود أو عدم وجود الله؟ هل الكون مخلوق أم أبدي وسرمدي وأزلي؟ ما هو البغ بانغ أو الانفجار العظيم وهل هناك شيء ما سبق حدوثه؟
قد تنطوي القوانين الفيزيائية الأساسية أو الجوهرية على بعض العشوائية الظاهرية ، خاصة في مستوى اللامتناهي في الصغر حسب معطيات ميكانيك الكموم أو الكوانتوم، لكن هدفها الأساس هو احتواء نظام يمكن من خلاله ، على الأقل، اعتبار بعض جوانب الكون المرئي ظواهر يمكن التنبوء بها ، فالكون في حقيقة الأمر ليس عشوائي بل هو غير مكترث أو لامبال فلا يبحث العلماء عن الغاية المقصودة منه مثلما يفعل الدين. فهذا الأخير يتناول أسئلة تقع خارج نطاق العلم، فهو يسأل عن الأسباب والغايات" لماذا" بافتراض وجود هدف خفي في حين يسأل العلم عن الكيفية " كيف" ولا يعتمد العلم على فكرة وجود هدف خفي في الطبيعة فهو يترك ذلك للدين والفلسفة. فقبل غاليليو اعتمد العلم على الملاحظات المباشرة والتفكير الخالص وكان ذو منحى أرسطي وقد نموذجاً للأسلوب الذي حاول الناس بواسطته ومن خلاله فهم العالم واستخدام الرياضيات البسيطة في عمليات الاستدلال لكن الافتراضات الأساسية كانت تقوم على المعتقدات الغيبية أو الماورائية أو ما يتفق مع الملاحظة البشرية المباشرة رغم قصورها ومحدوديتها.
أصل الكون:
هناك الأصل الميثولوجي الديني الذي صاغته الكتب المقدسة ، وهناك الأصل العلمي الذي صاغته الفيزياء النظرية وعلم الكونيات أو الكوسمولوجيا، التي رسمت لنا لوحة عن مكونات الكون مؤخراً وأعلمتنا أن المادة العادية في الكون تشغل ما نسبته 4% من مكونات الكون الكلية فقط بينما تشغل المادة السوداء نسبة 23% والباقي هو طاقة مظلمة أو معتمة أو داكنة أي 73% التي يتعقد بعض العلماء أنها هي التي تقف وراء سر تمدد وتوسع الكون.
إن الاكتشاف الذي يقول بأن كوننا متسارع في تضخمه ، قد أثار جدلاً فلسفياً مهماً حول ماهية علم الكون. يأتي هذا في وقت توافر بيانات ومعلومات جديدة قادمة من سطح مجرة كبيرة، تحاول توفير أجوبة عن أسئلة ملحة عن وجود المادة السوداء والطاقة المظلمة أو المعتمة .
لم يتم الاعتراف بالكوسمولوجيا باعتباره علماً حقيقياً وفرعاً من فروع الفيزياء إلا منذ فترة قصيرة ، بل عدّ أقرب الى الفلسفة منه الى علم الفيزياء.
اذا أخذنا بالاعتبار "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" للعالم نيوتن، هذا الكتاب الرائع الذي وضع أسس الفيزياء الحديثة من خلال توفير قوانين من الطبيعة قابلة للاختبار استطاعت أن تفسر مجموعة متنوعة من الظواهر القابلة للملاحظة بداية بالسقوط الحر، وحتى حركة الكواكب. فقواني نيوتن ونظرياته كانت صحيحة ومثبتة وفاعلة ونافعة لكنها كانت غير مكتملة وتفقد فعاليتها عند حدود سرعة الضوء التي تحتاج أن تطبق عليها قوانين ومعدلات نظرية آينشتين في النسبية الخاصة والعامة.
مع ذلك لم تفسر لنا فيزياء نيوتن الرياضية وضع حركة الكواكب في بداية الكون، أو بشكل عام، لم توضح لنا كيف تشكلت الكواكب والنجوم، وكيف تطورت، ثم كيف وضعوا في هذه الحركة؟ لذا وضعت هذه المهمة في القرن الثامن عشر في سياق آخر مثل نقاشات نيوتن عن الفلسفة الطبيعية، أو نقاشات الميتافيزيقا.
مثلاً، الفيلسوف الألماني الكسندر بومغارتن في كتابه "الميتافيزيقيا"، زعم أنه بما أن علم الكونيات يتضمن المبادئ الأولى في الفيزياء وعلم اللاهوت والغائية، والفلسفة العملية، فإنه يجب أن ينتمي إلى الميتافيزيقيا!
وضرورة إلحاق فيزياء نيوتن بأسس الميتافيزيقيا تجد تعبيرها الأكثر تأثيرا في أعمال ايمانويل كانط. إحدى أولى المحاولات للتفسير الميتافيزيقي الحديث لأصل الكون وفقا للنيوتونية يمكن العثور عليها في كتاب كانط "التاريخ العام للطبيعة و نظرية السماء"، تحت العنوان الفرعي، "مقال عن الدستور وأصول الميكانيكية للكون كله وفقاً للمبادئ النيوتونية". في هذا النص ادعى كانط أنه عند بداية الكون، لم يكن الفضاء فارغا كما زعم نيوتن، بل كان يشغله مواد صلبة ومعتمة تسبح بسرعه هائله في الفضاء ثم اصطدمت هذه الأجسام ببعضها البعض بقوة الجذب، ونتيجة هذا الاصطدام واحتكاكها ببعضها ولدت حرارة عالية جدا ونتجت عن هذه الحرارة غازات متوهجة كالغازات التي يتكون منها السديم، وأخذت الغازات بالدوران حول نفسها بسرعة عظيمة جداً ثم انفصلت عن نطاقها الاستوائي إلى حلقات غازية بفعل القوة الطاردة المركزية، ومن هذه الحلقات تكونت الكواكب السيارة ومنها الأرض أما الجزء الأسفل فكون الشمس.
في حين أن كلا من قوتي التجاذب والتنافر يمكن العثور عليها عند نيوتن كقوى أساسية في الطبيعة سواء في كتابه "المبادىء" أو في "البصريات"، فإن كانط قام باستخدام هاتين القوتين ليقدم تفسيرا للآلية المفترضة لبدء الكون. في القيام بذلك، وضع كانط أساس ما أصبح يعرف فرضية كانط-لابلاس السديمية، وهي واحدة من أولى المحاولات العلمية لتفسير أصل الكون.
وهنا نلاحظ الصلة المثيرة للاهتمام بين الفلسفة والعلوم. كتاب كانط في عام 1755 "نشأة الكون" قدم الأسس لتطوير بعض الأفكار الأصيلة في علم الكونيات. ومع ذلك، كان كانط نفسه يشكك في إمكانية تطوير علم الكونيات كعلم، لأن الفكرة الميتافيزيقية جدا أن الكون له بداية في المكان والزمان بدت محفوفة بالتناقضات.
وهكذا في نهاية القرن ال18، بدت إمكانيات تطوير علم الكونيات كفرع من الميتافيزيقيا قاتمة، والطريق إلى علم الكون باعتباره علما لا يزال طويلا جدا. فلا يتعلق الأمر فقط بأن علم الكونيات محفوف بالتناقضات كما قال كانط. كانت هناك ثلاثة مشاكل رئيسية وقفت في طريق علم الكونيات قبل أن يصبح علماً حقيقياً.
كما نعلم، النظريات العلمية تسمح للعلماء بأن يقوموا باستدلالات على أساس قوانين الطبيعة. على سبيل المثال، بإعطاء قانون نيوتن عن الجاذبية، يمكن للعلماء القيام بالاستدلالات حول سقوط تفاحة أو أوقات المد والجزر.
تنشأ مشكلة محددة في علم الكونيات عندما نحاول استخدام قوانين الطبيعة لوضع استنتاجات حول أصول الكون. كيف يمكننا أن نعرف أن قوانين الطبيعة التي نعرفها ونحبها اليوم تنطبق على أصل الكون؟ ألم تأتي هذه القوانين إلى حيز الوجود مع الكون؟ وكيف يمكننا استقراء أصول الكون من الفيزياء الحالية و قوانينها لدينا؟
لكي يعتبر علم الكونيات علماً تجريبياً، ينبغي أن يكون بالإمكان إجراء تجارب لاختبار الفرضيات. ولكن إجراء التجربة عادة ينطوي على القدرة على تكرار الاختبار أكثر من مرة، وعلى عدة عينات مختلفة من نفس المادة. إذاً، إذا كان تكرار الاختبار على عينات متعددة في ظروف مختلفة هو المفتاح للتجارب، يتبين أن آفاق علم الكونيات كعلم تجريبي تبدو غير واعدة. حيث ليس لدينا سوى كون واحد لمراقبته ولتنفيذ التجارب عليه، وهو كوننا هذا.
المشكلة الثالثة مع علم الكونيات تتعلق بالمدى الذي يمكن استقراء المعلومات من وجهة نظرنا الحالية، التي هي كوكبنا الأرض، للكون ككل. تسمى هذه المشكلة "مشكلة الأفق". حيث أخذاً بالاعتبار حدود سرعة الضوء الذي يحد من قدرتنا في أن نعود إلى تاريخ كوننا، ومراقبته، اذا جاز التعبير، فإن كمية المعلومات التي يمكن الوصول إليها، مقصورة على أحداث فيما يسمى "مخاريط الضوء الماضية"، وهي أجزاء من الكون قادرة على إرسال المعلومات لنا.
فالأجسام التي على بعد أكثر من حوالي CT ، حيث C هي سرعة الضوء، لا يمكن أن ينظر إليها قبل الوقت T. هذه نظرياً لا تعد مشكلة كبيرة لأننا سنفترض أن أفقنا سوف ينمو وعندها سنكون قابلين لرؤية أي جسم. ولكن تذكروا أن كوننا يتسارع في التوسع والتمدد أيضاً. وهذا يعني أن هنالك مناطق واسعة من كوننا ستبقى حتما غير قابلة للرصد إلى الأبد، ويقدر نطاق الكون المتسع اليوم بحوالي 45 مليار سنة ضوئية.
على الرغم من هذه المشاكل المنهجية الثلاث، فإن علماء الكون قطعوا شوطاً طويلاً من وقت فرضية كانط-لابلاس السديمية ووضعوا أسساً لعلم الكون كعلم قائم بذاته في ما لايزيد عن قرن من الزمان.
ولكن لابد عودة عاجلة ومختصرة لصيرورة الأصل والعلاقة الجدلية بين الوجود وعملية الخلق في هذا الكون المترامي الأطراف:
عندما تواجه العلم والدين وحوكم العقل إبان محاكمة غاليليو غاليلي في القرون الوسطى، كانت الحدود بين الدين وعلم الفلك الآسترونوميا، astronomie غير واضحة المعالم بعد وكانت عبارة غاليليو ثاقبة وحادة في ذلك الزمان عندما قال:" تعلمنا التوراة كيف نذهب الى السماء لكنها لاتخبرنا كيف هي السماء" ، ومنذ القرن السابغ عشر وبداية تبلور الفهم العلمي للطبيعة والحياة والكون،طرحت معضلة الله ووجوده وكانت موضع خلاف دامي بين علماء الفلك والكنيسة، وبالطبع لا أعني هنا فقط الكنيسة المسيحية بل المؤسسة الدينية برمتها التي تشرف على سير وعمل ونشاط الأديان السماوية التنزيلية. يقول بعض العلماء أن قوانين كوننا المرئي منظمة ومحددة بدقة متناهية بطريقة تؤدي حتماً الى ظهور الحياة، ولكن لو كان كوننا المرئي ليس سوى وجه أو جزيء بسيط من كون أكبر أو مجموعة لا متناهية من الأكوان multivers، فسوف لن يكون ما فيه حالة استثنائية ولن تكون هناك ضرورة لتدخل إلهي، وهي النتيجة التي انتهى إليها آينشتين قبل وفاته بقليل، وأعلنها صراحة وجهاراً العالم البريطاني الفذ ستيفن هوكينغ مؤخراً.
أراد غاليليو في ذلك الوقت أن يقول للفقهاء وعلماء الديني واللاهوتيين في الفاتيكان وهم يحاكمونهن ألا يقوموا باي ثمن بتفسير وتأويل التوراة La Bible لشرح ميكانيزم أو آليات الكون، وإذا كانت مهمة علم الفلك والفكر العقلاني هي الكفيلة بكشف اسرار وطبيعة عمل الكون، فإن التوارة تبقى هي المرشد للأرواح الهشة نحو الخلاص.
وعندما نشر إسحق نيوتن نظريته في الجاذبية الكونية سنة 1678، تعرض هو الآخر لهجمات وانتقادات المؤسسة الدينية. فنظريته تشرح حركة الأجرام السماوية والكواكب السيارةوكل أنواع الحركة في الكون المرئي من زاوية علمية صرفة، بينما تقول الكنيسة أن الأرض ساكنة لا تتحرك وإن الشمس والقمر والكواكب الأخرى هي التي تدور حول الأرض لأنها مركز الكون وكل ما حولها مسخر لها، ولذلك إتهمت نيوتن بالتبشير بالإلحاد ونشره من خلال نظريته. وكلنا نعلم ان نيوتن كان رجل إيمان ولصيق بالكنيسة ، فرد على الاتهامات المصوبة نحوه، أن قانونه لا يشرح الجاذبية بل يصف تأثيراتها وهي موجودة منذ الأزل ولم يفعل سوى أنه اكتشفها لأنها قوة إلهية ويمكن التحقق من دور الله من خلال تجلياته في الطبيعة وبالأخ من خلال فهم طبيعة الجاذبية. وبعد بضعة قرون أعلن آينشتين أنه يرفض الاعتقاد بتدخل إلهي، خاصة التدخل الواعي والمقصود للتلاعب بالواقع، بيد أن آينشتين أعرب عن استعداده لتقبل فكرة أن يتجسد الله في قوانين الفيزياء.وقال عبارته الشهيرة في بداية حياته العلمية:" أعتقد بإله يظهر أو يتجلى في الهارمونية المشروعة للعالم وليس بإله يتدخل بمصير ومسلك البشرية". إن تأملات وتفكير هؤلاء الرواد في العلم يؤشر مدى الاختلاف الذي نشأ بين العلم والدين منذ القرن السابع عشر، إذ قبل ذلك كانت هيمنة الدين تامة على الذهن البشري، وبلا منازع. فالعلم يستند على حقائق دقيقة وملموسة يمكنها اختبارها وتجربتها مختبرياً أو عقلياً وعلى نحو متكرر للتأكد من صحة النتائج، في حين أن الدين يستند على مفاهيم ومباديء مرنة وطيعة وقابلة للتكيف. لذلك عندما يواجه عالم الفلك أو عالم الفيزياء النظرية بسؤال عن الله ، يرد هذا الأخير ببداهة:" أي إله تقصد؟ بعبارة أخرى كيف يمكننا تعريف الله؟ من وجهة النظر العلمية؟.
لو تقبلنا وصدقنا بحقيقة حدوث المعجزات المذكورة في الكتب الدينية المقدسة، مثل انفلاق البحر لموسى وتحويل الماء لنبيذ وإحياء الموتى وغيرها، فهذا يعني بوضوح لا يقبل اللبس بأن الله يتموضع خارج حدود القوانين الفيزيائية الصارمة، وبالتالي لاتوجد حجة علمية تعترض على وجوده لأنه قادر على إخضاع الطبيعة لإرادته فهو متعالي فائق أو لامتناهي القدرة، والذريعة التي يلجأ إليها العلماء اليوم لتجاهل وجود الله، هي أنه لا شيء في هذا الكون المرئي أو المنظور الذي يعرفونه يدل على مثل هذا الحضور الرباني. وبغية تحديد مكان الله في الكون ودوره يلجأ العلماء إلى دراسة الطبيعة على أمل اكتشاف ظواهر غامضة لغزية لا يمكن شرحها وتفسيرها بطريقة عقلانية وبالتالي ستكون مرتبطة بالضرورة بتدخل إلهي ما. بيد أن ما كان غامضاً أو لغزاً غير مفهوم في الماضي أصبح اليوم معروفا ومفسراً علمياً بفضل تقدم العلوم والتكنولوجيا. ففي القرن السادس عشر قبل كوبرنيكوس وكبلر وغاليليو ونيوتن، لم يفهم العلماء في ذلك الوقت سر حركة الكواكب، وعزوها إلى خضوعها لإرادة إلهية ونسجوا حولها الأساطير والخرافات، ولم يكن بوسع أحد كشف سر هذا اللغز في ذلك الوقت. ولكن منذ أشغال وأبحاث وتجارب تيكو براه ، الذي كرس حياته لدراسة مواضع الكواكب، مما أتاح لكبلر استخلاص ثلاث قوانين تصف حركة الكواكب حول الشمس، ثم جاء غاليليو ليصر على دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، ومن ثم جاء نيوتن ليشرح أن قوانين كبلر ناجمة عن قوة كونية إسمها الثقالة أو الجاذبية، ومن بعدهم جاء لآينشتين في القرن العشرين، ليعرف بدقة علمية هائلة ماهية هذه الثقالة أو الجاذبية وليتحدث عن نسيج فضائي مؤلف من المكان والزمان إسمه الزمكان قابل للانحاء والانبعاج والتمدد كالمطاط بكافة الاتجاهات حسب كتل الأجرام والأجسام المتواجدة فيه، الأمر الذي قاد العلماء إلى نظرية الانفجار العظيم التي اعتبرها البعض بمثابة لحظة ولادة الكون المرئي.
ومن هناك يمكن القول أنه كلما تقدم العلم وتطور وقدم تفسيرات للظواهر اللغزية الغامضة في الطبيعة، كلما تلاشت إحتمالية التدخل الإلهي. ومع ذلك ماتزال هناك إلى اليوم تساؤلات تتسم بالغموض ولا يوجد لها تفسير علمي قاطع ومقنع متفق عليه، مثل ظهور الحياة على الأرض، وهي الظاهرة التي اعتبرتها المؤسسات الدينية دليلاً على وجود الله بينما يقول العلماء أنهم سيعثرون حتماً على إجابات علمية دقيقة ونهائية في المستقبل القريب، لهذه المسألة، فالعلم صنو لليقين، فقوانين كبلر ونيوتن، بعد أن ثبتت صحتها، أتاحت للعلماء الاستنتاج بأنه يمكن حساب كل شيء وتوقع حدوث كل شيء لو كان بوسعهم حساب موقع الجسم وحركة أحد مكونات أي نظام فبإمكانه أن يحسبوا بدقة سيرورة العمل المستقبلية لهذا المكون من مكونات النظام. والحال أنه حتى في العلم وبالرغم من هذه الثقة بالنفس التي ابداها العلماء بحماس عند اكتشاف تلك القواني الفيزيائية وتطبيقها، ظهر مجال علمي لا وجود فيه لليقين المطلق، ألا وهو العالم الكمومي أو الكوانتي le monde quantique . النظرية الكمومية أو الكوانتية تدرس الإحتمالات ولها علاقة وطيدة بفرضية تعدد الأكوان، فالمعادلات الكمومية أو الكوانتية لاتتقبل الأحداث المستحيلة، وتتيح لأحداث ضئيلة الإحتمالية أن تتحقق. ولقد أوجدت وطورت هذه النظرية العلمية لوصف سلوك الجسيمات ما دون الذرية وهي أصغر العناصر المعروفة في الطبيعة والمادة. أحد مهندسي هذه النظرية الثورية هو العالم الألماني فرنر هيزنبيرغ Werner Heisenberg، اكتشف عام 1926 بأنه على مستوى اللامتناهي في الصغر، في عالم الجسيمات ما دون الذرية، يدار الكون بعامل الصدفة hasard وليس اليقين la certitude، وهذا معطى علمي غريب رفضه آينشتين بقوة ، لأنه اعتقد باستحالة تأثير الصدفة في القوانين الفيزيائية المحكمة، وإن غياب أي قانون محدد لتوقع حدوث تفاعل بين الجسيمات المادية سوف يترك المجال مفتوحاً لإقحام التدخل الإلهي لذلك صرح ساخراً " الله لا يعلب بالنرد" . كانت فكر هيزنبيرغ التي صدمت آينشتين وأثارت غضبه هي أن الفضاء لايشكل نسيجاً صقيلاً أملساً من الكتلة والطاقة إلا في المستويات الكبرى، أي اللامتناهي في الكبر، ففي مملكة مادون الذري حسب هيزنبيرغ، تتكون الجسيمات على نحو فطري وطوعي أو عفوي spontanément، ثم تختفي في أقل من لمح البصر، ثم اكتشف هيزنبيرغ أن بعض أزواج الخصائص الفيزيائية، كالزمن والطاقة، الموقع وكمومية الحركة، مرتبطة عضوياً و لا يمكن الفصل بينها inextricablement liés، وكلما كان قياس أحد تلك الخصائص دقيقاً كلما غدى قياس الخاصية الثانية للزوج الفيزيائي غير دقيقة ، وإن هذه اللادقة أوعدم اليقين لا علاقة لها بدرجة دقة أجهزة القياس ومنهجية أو طرق الحساب المتبعة، بل هي مرتبطة بالمفهوم الجوهري المبرمج في صلب الكون المرئي والمعروف اليوم بمبدأ اللايقين أو الريبة لهيزنبيرغ principe d’incertitude. ولتوضيح علاقة الموقع بكمية أو كمومية الحركة لجسيم أولي، بمثال قابل للفهم من قبل الجميع، لنتخيل موقع أو موضع كرة بلياردو وهي تتدحرج على منضدة أو طاولة بليارد في غرفة معتمة أو مظلمة تماماً. ولكي نقيس تقدم الكرة ونحن في الظلام الدامس، نطلق كرات أخرى بنفس الاتجاه، عندما نسمع، ولا نرى، تصادم الكرات عندها نستنتج أنها مساراتها تقاطعت وتصادمت عندها يمكن تخمين موقع الكرة الأصلية الأولية لكننا قمنا أيضاً بتحويل أو تغيير مسارها وانزياحه وعدلنا من سرعتها مؤثرين بذلك على كمومية أو كمية حركتها، فنحن نخمن أين تتواجد لكننا نجهل اتجاهها. الزمن والطاقة زوجين كوانتيين أو كموميين ، ولقد تجلت عبقرية هيزنبيرغ بفهمه لقانون حفظ الطاقة ــ الذي يقول أن الطاقة لاتفنى ولا تستحدث من العدم بل تتغير من شكل لآخر أي من طاقة الى مادة وبالعكس ــ لايمنع الظهور العفوي الذاتي للطاقة بفاصل زمنية قصيرة جداً، وكانت نتائج هذا الكشف تنطوي على تبعات وتداعيات علمية مدهشة: فهي تقول أن أزواج من الجسيمات، إحداها من المادة والأخرى من المادة المضادة، يمكن أن ينبثقان أو يظهران فجأة من اللامكان وسرعان ما يفني أحدهما الآخر في أقل من جزء من مليار من الثانية. وإن مبدأ الريبة أو عدم اليقين هو الذي يفرض حدود مدة حياتها. ووفق استنتاجات علماء الرياضيات بهذا الصدد، فكلما احتاج الجسيم لطاقة لكي يوجد ، كلما كانت كتلته مهمة وكبيرة كلما كانت مدة حياته محدودة. ومهما بدا ذلك مدهشاً ويتسم بالغرابة، فإن مبدأ الريبة أو اللايقين لا يطبق على الجسيمات الأولية فقط، فمن الناحية النظرية يمكن لأي شيء أن يخلق أو يظهر في هذا النوع التفاعل المعروف علمياً باسم التموجات أو التقلبات الكمومية أو الكوانتية FLUCTUATIONS QUANTIQUES، حتى الجماد والبشر ، فلا شيء يمنع ذلك في القوانين الفيزيائية. بل وحتى يمكن ظهور كينونة واعية ومفكرة في فترة زمنية لامتناهية في القصر وبفضل طريقة توصيل دماغها بما حولها في تلك اللحظة الزمنية، يمكنها تخيل ذكريات ومعارف معينة حول الكون الذي انبثقت فيه.
إن مبدأ الريبة أو اللايقين في ميكانيك الكموم أو الكونتوم أمر مثبت علمياً وه العمود الفقري لنظرية الكموم فلولاه لم سطعت الشمس بنورها فدرجة حرارة قلب الشمس أو مركزها يقدر بحوالي 16 مليون درجة وهي درجة منخفظة جداً بالقياس الى ماتحتاجه عملية الدمج النووي لنوى الهيدروجين من خلال التصادمات. ولا يمكن لهذا الاندماج النووي أن يصبح ممكناً إلا إذا أدرجنا هذا المبدأ في الحسابات : فبما أن مواقع النوى الهيدروجينية غير دقيق أو غير محدد بدقة ، فبإمكانها والحالة هذه أن تتواجد في أي مكان داخل حيز أو مدى ضيق مقدر وبالتالي الاقتراب بما فيه الكفاية من حالة الاندماج. وفي الفيزياء على ما يبدو تكون التموجات أو التقلبات الكمومية أو الكوانتية باباً مشرعة أمام المعجزات. فبعض جوانب وملامح الميكانيك الكوانتي أو الكمومي تسمح للجسيمات بتفاعلات غير متوقعة. فبعض النتائج التجريبية لايمكن شرحها إلا إذا اعتبرنا الجسيم المعني بالتجربة يتواجد في مكانين في آن واحد، حتى لو كان هذا الأمر عسير على التقبل. وأن هناك تفسير عقلاني لجميع الظواهر الطبيعية مهما كانت غرابتها ولسنا بحاجة لتدخل إلهي لشرحها وتفسيرها. وتجدر الإشارة إل أن قبول مبدأ الريبة واللايقين لا يعني باي حال من الأحوال أن بإمكان أي شيء أن يحدث. ففي كونلامحدود حتى لو وجدت فرصة غاية في الضآلةلوقوع حادثة ما فإنها سوف تحدث لا محالة ولكن، في حالة كون احتمالات وجودها مساوبة للصفر فسوف لن تقع الحادثة مطلقاً، حتى لو كان ذلك على مدى زمني لامحدود ولا نهائي، ومن هنا فإن قوانين الفيزياء ما تزال ضرورية ولا بد منها للفصل والتفريق والتمييز بين الممكن والمستحيل.
وعلى النقيض من ذلك نجد في المجال الثيولوجي أن كل شيء ممكن بالنسبة للقدرة الإلهية حتى في المجالات التي تمنعها القوانين الفيزيائية وبالرغم من عدم تقبل آينشتين لمبدأ الريبة أو اللايقين إلا أنه تقبل فكرة أنه لايترك بالضرورة المجال للتدخل الإلهي وكتب سنة 1954 :" إن إسم الله بالنسبة لي ليس سوى نتاج أو تعبير عن ضعف البشرية".
هنالك أيضاً موضوع ظهور الحياة والحامض النووي والشفرة الوراثية للكائن ADN وتكون عنصر الكاربون الضروري لظهور الحياة من تفاعل عنصري البرليوم والهليوم وما يحتاجه هذا التفاعل من درجة معينة من الطاقة ومبدأ الأنثروبي principe anthropique واذي يعني بالإغريقية الإنسان وعلمياً المقصود به معدل احتمال ظهور الحياة على كوكب ما بعد توفر الشروط والظروف اللازمة منها الكربون والماء والكهرباء ودرجة الحرارة اللازمة والملائمة والمسافة المطلوبة بين الكوكب وشمسه الخ. تصرح جماعة التصميم الذكي الأمريكية أن الله صاغ الكون بطريقة معينة وأحكمه بقوانين فيزيائية صارمة تسيره على نحو محدد يسمح لظهور الحياة فيه في كل مكان أي أن الله هو الذي منح للكون إمكانية إظهار الحياة الذكية والعاقلة فيه وعند ذلك الحد يتوقف تدخل الله ودوره ، وتدخل داروين سنة 1859 ليقول أن اشكال الحياة يمكن أن تتطور وتتكيف على مر الزمن وفق الظروف المحيطة بها ووفق مبدأ الانتخاب الطبيعي ونشوء التطور وأصل الأنواع حسب المحيط المادي والظروف الطبيعية وحصول الطفرات الوراثية . ويطبق هؤلاء مفهوم التصميم الدقيق والذكي على الكون برمته حيث يخضع الكون الى عملية تطور عضوي شبيه بتطور الحياة لأنه كون حي ومن هذه الثغرة دخلت نظرية تعدد الأكوان والنظرية م وبموجبها كل أشكال وأنواع الأكوان ممكنة الوجود وبجميع التركيبات الممكنة والمتخيلة للثوابت الفيزيائية فلكل كون له قوانينه وثوابته نظراً لوجد عدد لامتناهي من الأكوان لكل خصائصها وقوانينها وثوابتها المشابهة أو المناقضة أو المختلفة لقوانيننا وثوابتنا وخصائصنا الكونية التي نعرفها وندرسها ولقد أفلح أحدها وهو كوننا المرئي أن يسلك طريقه الخاص به ويوجد الحياة في ثناياه وبالتالي فإن الكون النمطلق ليس بحاجة لخالق لأنه هو الله وهو ماقل به الكابالا اليهود والعرفانيون المسيحيون والمتصوفة المسلمون وعرف بمبدأ وحدة الوجود.
الضوء ذاكرة الكون:
الذي يعرفه العلماء ولا يجادلون فيه هو أن الجسيمات الأولية، الوحيدة عديمة الكتلة، كالفوتونات، هي القادرة على الرحيل بسرعة الضوء، وهي 854 297 992 متر في الثانية أو 300000 كلم في الثانية،وأي جسم مادي ذو كتلة، مهما صغرت، بأنه بالضرورة يرحل بسرعة أدنى من سرعة الضوء، وكلما امتلك الجسيم طاقة عالية ازدادت سرعته ويمكنه الاقتراب من سرعة الضوء لكنه لن يتمكن أبداً من بلوغها، وهذا ما يتعين عليها إدراكه وحفظه في أذهاننا، لأنه عندما تقترب سرعة جسيم ما من سرعة الضوء فإن سرعة الضوء ذاتها تبقى ثابتة بالنسبة لهذا الجسيم. فلو تخيلنا فوتون يتنقل بسرعة الضوء، وحاولت أن تطارده بسرعة وبلغت سرعتك 299000 كلم في الثانية ، فربما تغرك سرعتك الهائلة أن تسرع أكثر كيلومتر واحد إضافي في الثانية لتبلغ نفس سرعة الفوتون أي بسرعة الضوء، فإن ذلك لن يكون ممكناً، لأنه لايمكن لأي جسم مادي ذو كتلة أن يسير بسرعة الضوء ناهيك بسرعة أكبر من سرعة الضوء، وبالتالي فإن تقبل هذه المسلمة يتطلب استعداداً وانفتاحاً ذهنياً خاصاً، والمقصود هنا بالطبع الضوء الفيزيائي، لكن الضوء والأنوار هي قضية فلسفية أيضاً. فهناك روحية وعصر الأنوار الذي أتاح تفوق الرؤية العلمية على الرؤية الخرافية، وهي التي فرضت غاية ومحدودية أفعالنا البشرية، باعتبارنا ورثة عصر الأنوار، فما هي المسافة التي تفصلنا عن روحية ونمط تفكير رجال عصر الأنوار؟ نوقش هذا الموضوع خلال اللقاءات الفيزيائية والتساؤلات الجوهرية في المؤتمر الذي نظمته الجمعية الفرنسية للفيزياء في المكتبة الوطنية في فرنسا يوم السبت 24 نوفمبر 2014 والمكرس للضوء الفيزيائي والأنوار الفلسفية".
إن طرح هذا التساؤل لا يعني الاعتقاد بمثالية عصر الأنوار بل مجرد اعتباره إحدى المرجعيات الفكرية. لقد أوضح غاستون باشلار بأن:" الضوء يلقي دائماً ظلالاً في مكان ما" وهذه المقولة تنطبق على الضوء الفيزيائي مثلما تنطبق على فلسفة الأنوار، التي تحتوي على منحدرات معتمة، فيما تحدث الفيلسوف الفرنسي بيير بورديو عن :" ظلامية الأنوار، التي يمكن أن تتخذ شكل التيمية أو عبادة العقل أو تأليه وتقديس العقل والتعصب للشمولية ". كما يمكن تطبيقها على قرن الأنوار ذاته، الذي تجاورت فيها الانسكلوبيديا أو دائرة المعارف والاحتفالات الباذخة والمقصلة. بقي أن نعترف أنه في قرن الأنوار بزغت فكرة التقدم ومعها بزوغ الأمل بتحسن مستقبلي لظروف حياتنا ففكرة التقدم تعني تحقيق درجة إضافية من الأمل، ولذلك لا يمكن أن نوقف التقدم.
فالتفكير بالعلم يتم باعتباره انعكاساً موثوقاً به للعالم الخارجي وإطاراً يضم القواعد التي تحكم العالم المادي. فالأبحاث العلمية الفعلية تجري على نحو شبه محتوم في إطار من الإبهام نطمح من خلاله إلى تحقيق التقدم بالرغم من عدم تمتعنا بيقين حقيقي.
والحال إن الأبحاث التي تجرى، وأهم الأسئلة العلمية التي تطرح، في مجال فيزياء الجسيمات وميكانيك الكموم أو الكوانتوم وعلم الكونيات أو الكوسمولوجيا، تملك القدرة على تغيير جذري لفهمنا للعالم من حيث بنيته وتطوره والقوة أو القوى الأساسية التي تحركه وتسيره ومعرفة طبيعة المادة المكونة له، المرئية منها والمعتمة أو المظلمة أو السوداء وكذلك الطاقة الملموسة والمظلمة أو الداكنة. فأدواتنا للبحث هي الرياضيات الحديثة والمتطورة جداً وكذلك الضوء الذي هو بمثابة ذاكرة الكون.
وبالعودة للضوء الفيزيائي فإنه ينطوي على شيفرة كونية وبفك هذه الشيفرة وتحليلها يمكننا الولوج إلى لغز التركيب الكيميائي للنجوم والمجرات ومعرفة سر تحركها وذلك لأن الضوء يتفاعل مع الذرات المكونة للمادة المرئية في الكون المرئي أو المنظور. إذ لايمكننا إدراك الضوء إلا من خلال تفاعله مع الأجسام، كما لو إن النور الذي يضيء كل شيء يكون غير مرئيا بدون المحيط المادي الذي يعترض طريقه أو مساره فلكي يظهر ويكو مرئياً لا بد أن تعترضه الأجسام المادية سواء كانت حزقة العين أو بتلة أو تويجة الزهرة أو لوحة الرسام أو مرآة التلسكوب، فالضوء والحالة هذه يعتمد على التركيبة الذرية للمادة التي يتفاعل معها حيث يتم امتصاص أو عكس الضوء في مستويات معينة من الطاقة . فلو تلقينا الطيف الضوئي لنجم أو لمجرة، أو بتعبير آخر لو فككنا التكوين الضوئي عبر موشور لمختلف مكوناته من الطاقة أو الألوان المختلفة للضوء لأكتشفنا أن أن هذا الطيف ليس مستقيم بل مقطع إلى خطوط امتصاص أفقية تتناسب مع الطاقات التي تمتصها الذرات.
إن توزيع تلك الخطوط الأفقية الناجمة عن تفكيك الضوء إلى أطيافه عبر الموشور ليس عشوائياً بل هو إنعكاس أمين لتنظيم مدارات الإلكترونات في نوى الذرات وهذا التنظيم يكون خاصاً لكل عنصر من عناصر المادة. فهو بمثابة بصمات أو بطاقة هوية للعنصر الكيميائي الذي يسمح للعالم الفيزيائي بالتعرف عليه على نحو قطعي وبلا أدنى شك أو تردد. وبالتالي فإن الضوء يكشف لنا التركيبة الكيميائية للكون. كما يسمح الضوء بدراسة حركات الأجرام السماوية فلا شيء ثابت أو ساكن في الفضاء فكل شيء يتحرك . فالجاذبية تجعل كل محتويات الكون المرئي، من كواكب ونجوم ومجرات وسدم وحشود وعناقيد مجرية وغازات كونية وكل شيء في الكون، في حالة حركة وتجاذب لكنها لاتسقط فوق بعضها البعض لوجود قوة نابذة أو طاردة مساوية أو معادلة وهي قوة التمدد أو التوسع الكوني التي تسببها الطاقة السوداء أو الداكنة. فالكون في حالة تغير وحركة دائمة. وبذلك ماتت الفرية الآرسطوطاليسية التي تبنتها الكنيسة كمذهب رمسي لها بخصوص الكون،والتي تحدثت عن ثبات وسكون واستقرار السماوات. لكننا على مستوى البشر ، وفي زاوية مهملة في أحد الكواكب العادية في نظام شمسي عادي جداً، لايمكننا أن ندرك ذلك الهياج الكوني وتلك الحركة الدائمة في الكون المرئي وذلك بسبب المسافات الهائلة التي تفصلنا عن النجوم والكواكب الأخرى وبعدها المهول عنا، وقصر عمر البشر. وتتغير ألوان الطيف حسب حركة الجرم السماوي أو مجموعة الأجرام سواء كانت نجوم أو مجرات، بالنسبة لموقع المراقب لها، فكلما ابتعدت مال لونها للأزرق، وكلما اقتربت مال لونها للأحمر وبواسطة قياس هذا التحول اللوني للطيف الضوئي يتمكن العلماء من تصميم التحركات الكونية، ومعرفة اللحن السري أو النغمة السرية للكون la mélodie secrète de l’univers على حد تعبير العالم تران كزيوان تيوان Trinh Xuan Thuan الذي نشر كتاباً بهذا العنوان.
ما هي نظرية الأوتار؟
تُمثل أحد أهداف الفيزياء إيجاد نظريةٍ واحدة تُوحّد القوى الأربعة الموجودة في الطبيعة. تلك القوى هي: القوة الكهرومغناطيسية Electromagnetic Force، الجاذبية Gravity Force، والقوتين النوويتين القوية Strong Force والضعيفة Weak Force، فضلاً عن الفكرة الأهم التي تشغل بال الفيزيائيين طويلاً: إيجاد إطار يمكن عبره توحيد الميكانيك الكمومي مع النظرية النسبية.
القوتان المذكورتان أولًا مألوفتان بالنسبة لنا: فالكهرومغناطيسية هي القوة التي تُمسك بمغناطيس الثلاجة (المستعمل للتزيين)، بينما تُحاول الجاذبية سَحب الثلاجة نحو الأرض. أمّا القوة النووية القوية - أو الشديدة كما تعرف ببعض المراجع - فهي مسؤولةٌ عن الحفاظ على ارتباط الجزء المركزي للذرات (النواة)، في حين تتدخل القوة النووية الضعيفة عند تفكك تلك النوى، ويتم تعريف القوة النووية الضعيفة أيضاً وفقاً للنموذج المعياري على أنها القوة المسببة للتفاعل الضعيف Weak Interaction عند امتصاص أو إصدار البوزونات W و Z.
وفي حين تحقق النجاح الفعلي لأول محاولة توحيدية للقوى الأساسية الأربعة في سبعينيات القرن الماضي، عندما تم الإعلان عن اكتشاف "القوة الكهروضعيفة Electroweak Force" والتي تمثل المظهر المشترك للقوة النووية الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية، فإن قوة الجاذبية والقوة النووية الشديدة لا تزالا بعيدتين عن أي مظهر مشترك يجمعهما مع القوى الأساسية الأخرى.
وفي محاولةٍ لمُوازنة القوى الأربعة معاً، تمّ اقتراح الكثير من الأفكار والنظريات المُهمة. من النظريات الواعدة ضمن هذه النظريات الجديدة نجد نظرية الأوتار "string theory". ففي سعيٍ منها لتوحيد الجاذبية مع القوى الثلاثة الأخرى، تتطلب منّا نظرية الأوتار تغيير طريقة رؤيتنا للكون.
قبل أن نوضح ماهية النظرية، علينا أن نوضح أمراً هاماً: أحد المساعي التي يبحث عنها الفيزيائيون على الدوام هي الجواب على السؤال الجوهري : ما هو الجسيم الأساسي الذي تشكلت منه كل الجسيمات الأخرى؟ هذا السؤال يفترض أنه يوجد جسيم أساسي تشكلت وانبعثت عنه كافة الجسيمات الأخرى وصولاً لتركيب الذرات والجزيئات والأنسجة والخلايا وكل شيء. بالنسبة لنظرية النموذج المعياري، فإن هذا الجسيم هو جسيم هيغز-بوزون (والذي أعلن عن اكتشافه عام 2012). بالنسبة لنظرية الأوتار، الأمر مختلف قليلاً.
وفقاً للنظرية، فإن الوحدة الأساسية لتشكيل المادة - أي الجسيمات - هي أوتارٌ مُهتزة "vibrating strings" ويعود كل نمط من أنماط الاهتزاز إلى نوعٍ مُعين من الجسيمات. تُشابه الجسيمات المُختلفة النغمات الموسيقية المختلفة التي يمكن عزفها خلال حركة القوس على وتر الكمان. على أية حال، من المؤكد في الغالب أنّ أوتار نظرية الأوتار لن تكون كأوتار الكمان.
تتطلّب نظرية الأوتار أيضاً القبول بوجود أبعادٍ إضافية في الكون. نحن معتادون على الأبعاد الأربعة: فوق-تحت، أمام-خلف، يمين-يسار، إضافةً إلى الزمن. إلا أن نظرية الأوتار تتطلب وجود سبعة أبعاد إضافية! تخيل هذا الأمر: كونٌ بإحدى عشر بُعداً، أليس أمراً غريباً بالنسبة لنا؟ على الرغم من ذلك، يعتقد الكثير من الفيزيائيين أنّ هذه الأبعاد الإضافية مُمكنة الوجود وهناك سعيٌ حثيث لإيجاد طرقٍ ما لكشفها وإثبات وجودها.

أحد التعليلات المثيرة للجدل على فكرة الأبعاد الأحد عشر هي فكرة "التفاف الأبعاد". ففي خطوةٍ نظرية تهدف لتفسير المعادلات الرياضية الواصفة لنظرية الأوتار، تم اقتراح أن هذه الأبعاد تلتف على بعضها البعض، ولا يمكن تمييزها على المستوى المرئي بالنسبة لنا، وإنما يمكن تمييزها على مستوى الأوتار المهتزة نفسها!
وعلى الرغم من انتشارها الواسع، إلا أن نظرية الأوتار تلقى نقداً شديداً من العديد من الفيزيائيين المرموقين، مثل شيلدون غلاشو الذي يعتقد أن نظرية الأوتار مجرد "هراء" رياضي. السبب الأساسي بانتقاد نظرية الأوتار هو تعقيد توصيفها الرياضي، والتفسيرات الخيالية التي تطرحها للواقع الذي نعيش به. وفضلاً عن كل شيء، لا يوجد إلى اليوم أي دليل تجريبي يثبت صحتها.
يُعد السعي إلى توحيد قوى الطبيعة الأربعة واحداً من أكثر مجالات الفيزياء إثارةً وأتمنى أن أكون موجوداً إذا ما كان هناك نجاح، سواءً تعلق الأمر بنظرية الأوتار أو بأي مُرشحٍ آخر.
من ناحية أخرى، تُوجد امكانية بعدم وجود أي نظرية يُمكنها وصف كل قوى الطبيعة بطريقةٍ أنيقة ومُنظمة كما نريدها.
مها كانت النتيجة، فإن العُلماء من كافة أنحاء العالم يعملون معاً من أجل اكتشاف ما هي طبيعة النظرية النهائية لكل شيء.
إن توضيح فكرة نظرية الأوتار الفائقة يمكن أن يتم عن طريق المقارنة مع أوتار العود أو الكمان أو الغيتار، فالعازف ينظم إيقاع الوتر والصوت بواسطة شد أو رخي الوتر الواحد بواسطة المفتاح الذي يرخي أو يشد الوتر وهذا ما يجعل بالإمكان الحصول على نغمات مختلفة بشد أو إرخاء وتر معين، وبالمقابل فإن الذرات في المادة بدءًا من جسد الكائنات الحية وانتهاءً بالنجوم البعيدة تتكون من أوتار دقيقة مهتزة وبحسب هذه النظرية فإن الكون ما هو إلا سيمفونية أوتار فائقة متذبذبة فالكون عزف موسيقي ليس إلا، ومن الممكن معرفة الكون ومما يتكوّن من خلال معرفة الأوتار ونغماتها.
إن الفرق بين وتر الآلة الموسيقية والوتر في نظرية الأوتار الفائقة هو أن الأوتار في الأخيرة عائمة في الفضاء وغير مربوطة كما هو الحال في الأوتار المربوطة بالآلات الموسيقية وبالرغم من حالة الحرية هذه فإن هناك توتر أو ضغط على هذه الأوتار ومقدار هذا التوتر يمكن الإشارة إليها بالمعادلة: 1/(2 p a )، حيث تشير a إلى مربع طول الوتر الذي هو عبارة عن مقدار صغير جدًا يصل إلى 10^-13 سنتيمتراً أي أصغر بمقدار مئة مليار مليار مرة من نواة الذرة، و p إلى طول بلانك الذي هو عبارة عن كمية صغيرة لدرجة فائقة من السلم النووي، أصغر بحوالي 10^20 مرة. وللتعبير عن ذلك هنالك طريقة تقول بأن نسبة سلم بلانك على مقاس الذرة كنسبة هذا إلى مقاس المنظومة الشمسية. وهذه الأوتار على نوعين إما وتر مغلق يمكن أن يتحول إلى وتر مفتوح، أو وتر مغلق لا يمكن أن يتحول إلى وتر مفتوح. ويمكن القول هنا إن الفرميونات هي جسيمات المادة والبوزونات جسيمات تنقل القوى بين جسيمات المادة.
هناك نظريتان، نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين التي تفسر قوة الجاذبية في عالم الكبائر وهي تمنح الإطار النظري لفهم العالم في أبعاده الكبرى: النجوم والمجرات وتجمعات المجرات، وحتى ما وراء المدى البعيد للكون نفسه، والنظرية الأخرى هي ميكانيكا الكم التي تفسر القوى الأساسية المؤثرة في عالم الصغائر (القوة النووية الضعيفة، القوة الكهرمغنطيسية، والقوة النووية القوية)، وهي التي تفسر الاطار النظري لفهم العالم في أصغر أبعاده: الجزئيات والذرات وحتى الدقائق ما دون الذرة مثل الإلكترونات والكواركات. وبالرغم من أن النظريتين متكاملتان كل على حدى إلا أن الجمع بينهما يؤدي إلى نتائج كارثية في فهم الكون من أصغر الأجزاء إلى أكبرها حيث أن نظرية النسبية العامة ونظرية ميكانيكا الكم، إحداهما تنفي الأخرى بحيث لا بد من أن تكون واحدة منهما فقط على صواب وهكذا فإن النظريتين اللتين تشكلان أساس التقدم الهائل في الفيزياء خلال المائة عام الماضية غير متوافقتين.[9] وقد ثار تساؤل البعض عن غرض جمع النظريتين من الأساس، وكان الجواب التقليدي هو: "تصور العيش في مدينة يسودها نظامين مختلفين من أنظمة السير والمرور فهذا يؤدي إلى فوضى كارثية، والدمج بين النظريتين هي الطريقة الوحيدة لفهم منشأ الكون وماحصل عند الانفجار العظيم، حيث أن هذا الكون العملاق نشأ من جسم صغير كروي مفلطح في أجزاء منه، تشبه قشرة الجوز في حجمها وشكلها".
استنادًا إلى نظرية الأوتار الفائقة، فإن الأفكار التي كانت تعتبر محض خيال مثل الانتقال عبر الزمن والانتقال من مكان إلى آخر هائل البعد في لحظات يمكن اعتبارها غير مستحيلة. ولتوضيح هذه الفكرة يقول العلماء: "تصور أن الكون هو عبارة عن المدينة التي تعيش فيها، ففي هذه المدينة إذا أردت الانتقال من منزلك إلى مكان عملك فإنك تحتاج إلى واسطة نقل ووقت للوصول إلى مكان العمل، لكن حاول للحظة أن تنسى المفهوم التقليدي الخطي المسطح للكون أو المدينة وتصور ان المدينة تحتوي على طيات بحيث يكون مكان عملك فوق منزلك بدلا من كونها تقع على بعد عدة كيلومترات وأن هنالك نفق أو جسر يوصلك بسرعة إلى مكان عملك ولنطلق تسمية ثقب دودي على هذه الأنفاق، كانت هذه فكرة ألبرت أينشتاين".
طرح ألبرت أينشتاين فكرته الجريئة في إضافة بعد الزمن إلى الأبعاد الثلاثة المعروفة لإنتاج نسيج واحد زمكاني أشبه بشبكة الصيادين وعلى هذا النسيج كانت الكواكب والنجوم والشمس وكل منها يحدث تقعرًا حسب ثقله. فعلى سبيل المثال، التقعر الذي تحدثه الشمس في هذا النسيج أكبر من التقعر الذي تحدثه الأرض مما يؤدي إلى دوران الأرض حول الشمس في أطراف التقعر الذي أحدثته الشمس على نسيج الكون. كانت هذه ثورة على مفهوم الجاذبية القديمة لنيوتن وسميت هذه النظرية بنظرية النسبية العامة. لكن أينشتاين كان يحلم أيضًا بتوحيد قوة الجاذبية مع القوة الكهرومغناطيسية وكان معجبًا جدًا بما حققه جيمس ماكسويل من توحيد للقوتين الكهربائية والمغناطيسية، وكان حلم أينشتاين أن يتمكن من توحيد فكرته الجديدة عن قوة الجاذبية مع القوة الكهرومغناطيسية في شكل معادلة رياضية الهدف منها التقرب أكثر من فهم الكون.
وخلال عقد العشرينات من القرن العشرين، تمكنت مجموعة من العلماء، على رأسهم نيلز بور، من اختطاف الأضواء من أينشتاين. كان هؤلاء العلماء، على العكس من أينشتاين مهتمين بالأجزاء الصغيرة من الكون مثل الذرة والإلكترونات والبروتونات. ولعجز نظرية الجاذبية التي طرحها أينشتاين بتفسير التجاذب بين الكواكب العملاقة عن تفسير هذا العالم الصغير غير المرئي في الذرة الواحدة، وضعت نظرية حاصة بذلك أطلق عليها ميكانيكا الكم. لم يكن هنالك أي دور للتنظيم والحتمية في هذه النظرية وإنما كان كل شيء عبارة عن احتمالات. فحتى إذا كان هنالك 1000 احتمال لشيء ما فإن هناك احتمالاً لحدوث هذه الاحتمالات الألف، وحتى الأشياء التي تعتبر مستحيلة مثل اختراق جدار فإن ميكانيكا الكم وبالرغم من تأكيدها على أن احتمالية وقوع هذا الشيء هو من الصغر بحيث أنه قد يتطلب دفع الجدار إلى ما لا نهاية ولكنه احتمال قائم. مجمل القول أن ميكانيكا الكم كانت تؤمن بالاحتمالات وبأنه لايوجد يقين لايقبل الشك بنتائج أي تجربة أو نظرية وهذا ما كان يرفضه أينشتاين فيونظرية النسبية العامّة، حيث كان يؤمن بأن هناك تنظيم لكل شيء في الكون، ولكن التجارب المتلاحقة أثبتت خطأ أينشتاين في هذه النقطة.
حاول العديد إيجاد وسيلة للتقريب بين التناسق الرائع للنظرية النسبية وعدم التناسق والاحتماليات غير الحتمية لنظرية الكم، وفي عام 1968 وعندما كان الفيزيائي الإيطالي غابريال فينيزيانو، المتخرج حديثًا يحاول فهم القوة النووية الشديدة اكتشف أن معادلة رياضية قديمة لعالم الرياضيات السويسري ليونارد أولير (1707-1783) تطابق مفهوم القوة النووية الشديدة وكانت هذه المعادلة بمثابة ولادة لنظرية الأوتار. الثورة التي أحدثتها هذه النظرية هي قابلية هذه الأوتار الدقيقة للتمدد إلى غشاء هائل بحجم الكون متعدد الأبعاد، وجود هذا الغشاء الهائل المتعدد الأبعاد يفتح الباب لفكرة جريئة وغريبة وهي أن الكون ماهو إلا غشاء واحد ضمن فضاء أوسع متعدد الأبعاد. ويستعمل البعض مثال الخبز الذي يمكن قطعه إلى عدة شرائح، فالكون ماهو إلا شريحة واحدة فقط وعليه فإن هناك العديد من الأكوان المجاورة وقد تكون هذه الأكوان مشابهة لهذا الكون أو قد تكون خاضعة لقوانين فيزيائية مختلفة تمامًا.
علماء الفلك ينجحون بتكوين أول نموذج افتراضي للكون

هل شاهدت فيلم "المصفوفة The Matrix" ؟ أليست عملية المحاكاة الحاسوبية لواقع افتراضي يعيش ضمنه البشر أمراً رائعاً وفكرة متميزة؟
حسناً، قام علماء الفلك بما هو أفضل من ذلك، لقد قاموا بتصميم أول محاكاة واقعية كاملة للكون الذي نعيش فيه وذلك باستخدام برنامج لإجراء نمذجة حاسوبية يُعرف بـ "Illustris". يُمكن لـ "اللوسترس Illustris" أن يُعيد، بدقةٍ لا مثيل لها، خلق 13 مليار سنة من التطور الكوني ضمن مكعبٍ بأبعاد 350 مليون سنة ضوئية.
"حتى الآن، لم تتمكن أي محاكاة من إعادة انتاج الكون على مقياسين صغير وكبير معاً". هذا ما قاله المؤلف الأساسي للورقة البحثية Mark Vogelsberger، من مركز هارفارد-سميثسونيان للفيزياء الفلكية بجامعة هارفرد ومعهد ماساتشوستس للتقنية MIT، قام Vogelsberger بالعمل بالتّعاون مع باحثين من مراكز مختلفة مثل معهد (هايدلبيرغ للدراسات النظرية في المانيا). سيتم نشر نتائج بحثهم في عدد شهر آيار/مايو في مجلة Nature.
في البداية اُعيقت محاولات إعادة تمثيل الكون بسبب النقص في قدرة الحواسيب وتعقيد الفيزياء المُرافقة لمثل هكذا محاكاة. لهذه الأسباب، كانت النتائج الأولية إمّا محدودة النقاء أو تُركز على جزءٍ واحدٍ وصغير من الكون. عانت عملياً عمليات المحاكاة السابقة من تعقيدات في عملية النمذجة نَتجت عن ردود الأفعال المتعلقة بتشكّل النّجوم وانفجارات المستعرات الفائقة "سوبرنوفا" أو حتى الثقوب السوداء.
"اللوسترس" هو برنامج عالي التقنية يعمل على إعادة تصوير تطور الكون بدّقةٍ عالية، وهو يتضمن المادّة العادية (normal matter) والمادّة المظلمة (dark matter) على حدٍ سواء، وذلك عبر استخدام 12 مليار بكسل ثلاثية الأبعاد أو عناصر عالية الوضوح.
كرّس فريق العمل خمس سنوات لتطوير برنامج "اللوسترس"، كما استغرق ثلاثة أشهر من التشغيل باستخدام 8000 وحدة مُعالجة مركزية CPU تعمل بصورةٍ مُتزامنة، لو تم استخدام الحاسوب المنزلي العادي لإتمام هذه المهمة لاستغرقت منه عملية إجراء الحسابات أكثر من 2000 سنة.
بدأت المُحاكاة عند حوالي 12 مليون سنة بعد الانفجار العظيم - أي بدء الكون. عندما وصلت المحاكاة إلى يومنا هذا، تَمكّن العلماء من إحصاء أكثر من 41,000 مجرة داخل مُكّعب محاكاة الكون، والأهم من ذلك، أنّ البرنامج استطاع إظهار مجرات لولبية "حلزونية" كمجرّة درب التبانة، بالإضافة لمجراتٍ بيضوية الشكل. كما تمّ إعادة تمثيل البُنى المجرّية العملاقة كعناقيد المجرات والفُقاعات والفراغات الموجودة في الشبكة الكونية، وتمَّ أيضاً، على نطاقٍ صَغير، مُحاكاة لكيمياء المجرات المُنفردة.
بما أن الضوء يَعبر بسرعةٍ محددة، فهذا يعني أنه كلما نظر العلماء أبعد، كلما عادوا بالزمن إلى الوراء أكثر، فمثلاً مجرة تبعد مليار سنة ضوئية نراها كما كانت منذ مليار سنة. يُمكن للتلسكوبات، مثل هابل، أن تُعطينا مشاهد مُبكرة للكون من خلال النظر إلى مسافاتٍ أبعد، ومع ذلك، لا يُمكن للفلكيين استخدام هابل لمتابعة تطور مجرة واحدة مع مرور الوقت.
سيقوم الفريق بنشر فيديو عالي الوضوح يُظهر المُكونات المختلفة في المحاكاة، كما أنّه سيلقي الضوء على أمور مُختلفة ككثافة المادة المظلة وحرارة الغاز والكيمياء، بالإضافة إلى نشر فيديوهات صغيرة أخرى مُرفقة بالعديد من الصور، ويمكنكم متابعتها على الرابط التالي: http://www.illustris-project.org/
هل فرضية الأكوان المتعددة multiverses علم أم خيال علمي؟
طرح هذا السؤال العالم الفيزيائي ماكس تيغمارك Max Tegmark من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في اجتماع الجمعية الفلكية الأمريكية في سياتل. وهو عالم الفيزياء النظرية الشهير ومؤلف كتاب الرياضيات الكونية الصادر سنة 2014 ، من خلال دراسة التضخم، الذي يعتقد هذا العالم أنه يمكن إثباته مختبرياً وبالتجربة، كما يمكن أن يكون هناك مسارعلمي لاختبار النظريات المتعلقة بفرضية الأكوان المتوازية،
و يقترح تيغمارك أربعة مستويات من الأكوان المتعددة الممكنة. المستوى الأول يتحدث عن نموذ من الأكوان المتوازية التي تطبق عليها نفس قوانين الفيزياء التي تسير وتنظم كوننا المرئي ، لكنها تختلف عنه في الظروف الأولية عند نشأتها أي في مرحلة الفرادة الكونية، وفي المستوى الثاني توجد أكوان متوازية ، ولكنها أكوان لديها قوانين فعالة مختلفة عن القوانين الفيزيائية التي نعرفها،المستوى الثالث يحتوي على أكوان متوازية ذات نكهة مختلفة، وذات ماهية مختلفة نوعياً. وفي المستوى الرابع، هناك أكوان متوازية حيث القوانين الأساسية للفيزياء تكون مختلفة تماما من كافة النواحي وبالتالي ليست لدينا أدنى فكرة عنها وهي التي يمكن أن نسميها الأكوان البديلة.
وبالتمعن بإشعاعات الخلفية الكونية الميكروية (CMB) التي تحمل آثار البدايات المفترضة لكوننا المرئي، يدفعنا ذلك للاعتقاد أنه قد تكون هناك إشارات لنشوء أكوان أخرى موازية لكوننا المرئي في لحظة الانفجار العظيم. لقد تطورت آراء ورؤى ومعلومات الفيزيائيين على مر العقود وصاروا يعتقدون بوجود طرق أخرى لدراسة الاحتمالات والبحث عن دلائل على وجودها، مع وجود مقاومة عنيدة من قبل العديد من الفيزيائيين لفرضية تعدد الأكوان لأنها ما تزال بالنسبة إليهم ميتافيزيقية أو تندرج في سياق الخيال العلمي.
إلا أن العالم آلان غوث مقتنع بهذه الفرضية من خلال دراسته لنظرية التضخم الفجائي للكون المرئي في اللحظات الأولى بعد الانفجار العظيم حيث تضاعف مليارات المرات فجأة قبل أن يتبع طريق التمدد والتوسع العادية الحالية.
يرى طريقا إلى أدلة على الأكوان الأخرى في دراسة أقرب خصائص عالمنا. تشرح النظرية التضخمية كيف توسع الكون بسرعة في أجزاء القليلة الأولى من لحظة. واقترح لأول مرة من قبل الفيزيائي آلان غوث، وتفاصيل كيف كوننا تضاعف مستمر في حجم التريليون من الثانية قبل أن تتوقف فجأة.
في تجاور لمصطلح الانفجار الكبير، وقال انه يصف العملية بأنها أكثر من "البارد، سووش قليلا."
ويقول Tegmark لديك فقط لقبول شيء واحد بشأن التضخم: أن هناك مادة التي لن يخفف خلال هذا التوسع. الطاقة المظلمة يمكن أن توفر مثل هذه المواد.
ويعتقد كثير من علماء الفلك أنه من فرضية غير قابل للفحص، ولكن ذلك لم يمنع جهدا كبيرا من قبل مجموعة واسعة من المشاريع الدولية في العثور على أدلة عن التضخم.
الطريق المفضل لتؤكد التضخم عن طريق اكتشاف الاستقطاب في CMB، الذي يحيط بنا مع القريب التوحيد باعتباره من بقايا الانفجار الكبير. يستخدم العلماء هذه الأشعة لتحديد بدقة سن وشكل الكون، وبعض الشك في أن موجات الجاذبية يمكن أن تتداخل مع هذا CMB والسماح بالتضخم لإظهار نفسها.
يعتقد فريق BICEP2 مراقبة CMB من القطب الجنوبي انهم عثروا على مثل هذا الاستقطاب في العام الماضي، الأمر الذي أدى إلى موجة من التكهنات على جائزة نوبل. لكن بيانات من المركبة الفضائية بلانك وكالة الفضاء الأوروبية قلل تلك الآمال مع مرور عام على، واقترحت بدلا من ذلك BICEP2 يمكن رؤية الغبار الكوني، أو على الأقل مزيج من الاستقطاب التي يسببها التضخم والغبار الكوني.
تحليل مشترك من فرق بلانك وBICEP2 النظر في هذه الأدلة هو التضخمية inflation التي تم مناقشتها في اجتماع الجمعية الفلكية الأمريكية في سياتل إذ أعتبر هذا الجدل على نحو مؤكد بأنه جهد علمي للتوصل الى نتائج مرضية..
هل بوزون هيغز قطعة من لغز المادة و المادة المضادة؟
ساعدت بضعة تجارب، بما في ذلك تجربة BaBar التي جرت في مختبر المسرع الوطني SLAC في وزارة الطاقة الأمريكية، على شرح بعض –وليس كل –الخلل الموجود بين كميات المادة والمادة المضادة في الكون. اليوم، وضع فيزيائي نظري من SLAC وزملاء له طريقة محتملة من أجل تحديد فيما إذا كان بوزون هيغز موجوداً في هذه العملية.
في ورقة علمية نُشرت في مجلة Physical Review D، اقترح الفريق قيام العلماء الموجودين في المصادم الهادروني الكبير في مركز الأبحاث النووية الأوروبي (CERN)، حيث تم اكتشاف بوزون هيغز، بالبحث عن نوع معين من تفكك هيغز، وذلك عندما يتم تشغيل المصادم من جديد في هذا العام. يُمكن لتفاصيل ذلك التفكك أن تُخبرنا فيما إذا كان لدى هيغز شيئاً يقوله في قضية لا توازن المادة-المادة المضادة، أم لا شيء لديه!

يقول مات دولان (Matt Dolan)، وهو باحث مساعد في SLAC من مجموعة فيزياء الجسيمات، وهو مؤلف مشارك في الورقة العلمية: "الآن هو وقت التخطيط لاستراتيجية البحث. وبهذه الطريقة، عندما يبدأ المصادم الهادروني الكبير بالعمل، سنكون جاهزين".
لماذا تُوجد المادة بكميات أكبر من المادة المضادة؟ وهذا السؤال واحد من بين أكبر الأسئلة التي تواجه فيزيائي الجسيمات وعلماء الكون؛ كما أنّ هذا السؤال يلجأ إلى قلب مسألة وجودنا. في الوقت الذي تبع الانفجار العظيم، وعندما برد الكون إلى درجة كافية من أجل تشكل المادة، ظهرت معظم أزواج المادة-المادة المضادة إلى حيز الوجود ومن ثمَّ أفنت بعضها البعض؛ لكن حصل شيء ما جعل من كفة التوازن تميل لصالح المادة، وإلا ما كنَّا لنوجد –نحن، والنجوم، والكواكب، والمجرات، والحياة.
تم ربط الاكتشاف المؤخر لبوزون هيغز بشكلٍ مباشر بقضية الكتلة والمادة؛ ويبدو السؤال المتعلق بوجود بوزون هيغز من عدمه في مسألة المادة والمادة المضادة سؤلاً منطقياً.
تعتمد الورقة العلمية على ظاهرة تُعرف بـ CP -أو انتهاك تكافؤ الشحنة؛ وهي نفس الظاهرة التي تم دراستها بوساطة BaBar؛ ويعني انتهاك CP أن الطبيعة تقوم بمعالجة الجسيمات ونسخها المرآتية-معاكسة الشحنة بطرق مختلفة.
يقول دولان: "البحث عن CP في المصادم الهادروني الكبير أمر مخادع. لقد بدأنا للتو في النظر إلى خواص بوزون هيغز، ويجب أن تكون التجارب مصممة بشكلٍ حذر جداً إذا ما أردنا تحسين فهمنا لكيفية تصرف بوزون هيغز بوجود ظروف مختلفة".
في البداية، يحتاج العلماء إلى التأكد من أن هيغز يتلائم مع النموذج القياسي –أفضل التفسيرات التي نملكها حالياً للمادة، والطاقة، والعمليات التي تُحولهم إلينا؛ وإذا كان بوزون هيغز يتلائم مع النموذج القياسي حيث يحصل انتهاك CP، فإننا ندعوه CP-even وإن لم يكن متلائماً، فإننا ندعوه CP-odd.
اقترح الفيزيائيون النظريون أنه يجب على التجارب، البحث عن عملية يُعطي فيها تفكك هيغز جسيمات تاو –الأقارب الأكبر حجماً للالكترونات، في حين يتحول فرق الكتلة الناجم عن تصادم بروتون-برتون إلى طاقة تنتشر باتجاه الخارج من التدفقين الحاصلين؛ ويتم الكشف عن أي مزيج من CP-even، وCP-odd بالإعتماد على الزاوية الحاصلة بين التدفقين.
يقول فيليب هاريس (Philip Harris)، وهو فيزيائي في مركز CERN والمؤلف المشارك في الورقة العلمية مع مارتن جانكوفياك (Martin Jankowiak) من جامعة هايدلبيرغ وميشيل سبانوفسكي (Michael Spannowsky) من جامعة دورهام: "هذا تحليل رفيع المستوى جداً"؛ وركز عضو الفريق هاريس على تفككات هيغز إلى تاو-تاو (Higgs-to-tau-tau decays) وهي التفككات التي تم بدأت مؤخراً فقط بالتصاعد.
يقول هاريس: "أردت أن أُضيف قياس انتهاك CP إلى تحليلنا، وما اقترحه مات، وميشيل، ومارتن كان السبيل الأفضل"؛ ويضيف بأنه يتطلع قدماً إلى كل مشاهدة كل البيانات التي سيُولدها المصادم الهادروني الكبير عندما يعود إلى العمل من جديد في وقت مبكر من العام القادم وبقدرته التصميمية الكاملة.
ويقول: "حتى بوجود البيانات الخاصة بعدد قليل من الأشهر، يُمكننا البدء بالإجراءات الحقيقية المتعلقة بانتهاك CP وبوزون هيغز".
‫-;-
الكون بين الأطروحة العلمية والأطروحة الدينية :

قد يكون ما سأطرحه الآن ما هو إلا محاولة للسير في حقول متشابكة وبشكل معقد سواء في المحتوى أو في طريقة العرض، وهناك من يتقبل أو لا يتقبل هذا النوع من الأطروحات حتى لو كانت معروضة على نحو علمي ممتع يعتمد على الواقع والملموس والتعامل مع الموجود من خلال الملاحظة والمراقبة والمتابعة مثلما هو شأن الإنسان العالم والواعي بمسؤوليته. إن نظرية الأوتار التي تطرقت إليها في كتب ومقالاتي على سبيل المثال، وتطبيقاتها في الحياة، استخدمها البعض، لا عن دراية بل عن تقليد، ليثبت لنفسه ما يضمره من معتقدات ومسلمات راسخة في ذهنه وأعماقه في حين ما يزال العلماء في أول حبوهم في هذا المضمار، فهل بالإمكان فعلاً التوصل إلى حقيقة المكون المادي للوجود الذي نحن جزء منه؟ وأين محل المحرك الأول للأجسام المادية الحية " الذي يسميه البعض" الروح" في خضم المعادلات والأفكار والنظريات والمقولات العلمية التي عرضتها في دراسات ومحاضرات سابقة؟ ماهو الزمن وهل هناك زمن خارج الكون وقبل ظهور هذا الأخير؟ هل هناك زمن بين المجرات والنجوم والكواكب وهل هو ذات الزمن الموجود في المجرات والنجوم والكواكب والمواكب لها؟ والمعروف أن الزمن لا يمكن أن يكون إلا بتوفر عنصرين أساسيين هما المكان والحركة وارتباطهما معاً وأن أي خلل في أحدهما يلغي الزمن كما أشرت في أحد مقالاتي، فإن كان هذا صحيحاً فهل هناك زمن في الفراغ القائم. " الفراغ الكوني أو الفراغ الكوانتي" ؟. إذا كانت الحركة مثبتة في الكون فإن المكان ليس مطلقاً وبالتالي هناك الفراغ أو اللامكان الموجود فوق وتحت وبين المكونات المادية الملموسة للكون فكيف يمكن أن ننظر إلى هذه المسألة؟ أعتقد بأننا سنبقى إلى الأبد أمام لغز الـ " ما قبل " وذلك إن عقل الإنسان بتركيبته الحالية عاجز عن تصور أو إدراك وجود اللاوجود، ولا يمكنه أن يتخيل أو يتصور ما قبل كينونته، لأن ذلك من المستحيلات عليه، أما العدم فلا يعني اللاوجود بأي حال من الأحوال وإنما هو حالة لا ندرك ماهيتها الآن. هذا هو باختصار شديد مضمون ما ورد في أحد التعليقات الكثيرة جداً، وتحتوي على العديد من المشتركات، التي أفرزتها أقلام القراء وأثارت في نفسي نوع من الحبور والامتنان لأن ما يكتب وينشر لا يذهب هباءاً بل يؤثر ويحث النفوس والعقول على التفكير والتأمل والمشاركة.
فالتصديق بالأطروحات والنظريات العلمية عن الكون هو أيضاً مسألة إيمان واعتقاد لا يختلف كثيراً عن الإيمان والاعتقاد بالأطروحات الدينية وما جاءت به الأديان السماوية من قصص ونظريات اعتبرتها حقائق مطلقة لا تقبل الجدل أو النقاش ناهيك عن الشك والطعن أو الدحض، إذ يتعين على العقلانيين أن يفرقوا هم أيضاً، بين الحقائق المجردة والمثبتة مختبرياً والمضاربات والظنون والتكهنات والفرضيات أو التصورات الافتراضية حتى لو كانت تكتسي المظهر العلمي. فمنذ أكثر من نصف قرن يتواجه بشراسة أنصار نظرية الانفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang وخصومها أو المناوئين لها من العلماء وكل واحد من الفريقين لديه أدواته وحججه ومعادلاته وفرضياته العلمية، حتى لو كانت خيالية أو غير معقولة أو شبه خرافية. ويمكننا القول أن نظرية البيغ بانغ هي أسطورة عصرية صاغها العلم خلال القرن المنصرم وحولها إلى دين علمي مقدس لا يسمح لأحد المساس به وبأسسه، في حين لا تتعدى أن تكون قصة جميلة مفترضة عن تاريخ الكون من البداية إلى اليوم، كما هو حال سفر التكوين الإلهي المنصوص عليه في التوراة أو العهدين القديم والجديد وفي القرآن وباقي الكتب المقدسة التي تحدثت عن قصة الخلق الإلهي المباشر، لكن هذا لايعني أنها غير صحيحة. كانت الولادة العسيرة للنظرية الكونية المعروفة اليوم بإسم البيغ بانغ سنة 1917 على يد آينشتين دون أن تحمل هذا الاسم بعد، وكانت بمثابة ثورة حقيقية ومهولة في مجال التفكير العلمي أثارت الرعب في نفس مؤسسها نفسه الذي كتب لزميله العالم بول إيهرنفست Paul Ehrenfest : " ارتكبت بخصوص الجاذبية أو الثقالة شيئاً يعرضني لخطر أن أوضع في مستشفى المجانين أو أستحق أن أسجن في مصحة للأمراض العقلية".
من المعروف أن علم الكونيات أو الكوزمولوجيا La Cosmologie كان علماً ممنوعاً منذ قرون من قبل الكنيسة الرسمية، وبالذات منذ القرن السابع عشر لانعتاقه من أسر الكنيسة ورجال الدين وتحرره من سطوتهم منذ عهد كوبرنيك، الأمر الذي لم يتحقق آنذاك للأفكار الفلسفية أو المعتقدات الدينية. وانجر العلم آنذاك إلى متاهة اكتشاف سر القوانين التي تسير الطبيعة وتتحكم بالظواهر الطبيعية بعيداً عن التفسيرات الدينية الجاهزة والخرافية. وحاول رجال الدين المتنورين من أمثال القديس أوغسطين وجورج لومتر saint Auguste et Géorges Lemaitre، التوفيق بين الطرح الديني الموجود في النصوص المقدسة وبين ما صاغه علماء الكونيات وعلماء الفلك ولم يفلحوا فاضطروا إلى القبول بفكرة فصل المجال العلمي عن المجال الديني، وبقي كل منهما متمترساً خلف مسلماته.
يعتمد علم الكونيات على الرصد والمراقبة بيد أن نتائج هذه العملية يمكن أن تكون خادعة في بعض الأحيان، فأنصار نظرية الانفجار العظيم يؤكدون أنهم رصدوا إشعاعات تعود إلى مرحلة ماضية مغرقة في القدم من تاريخ الكون، قد يكون هذا صحيحاً وقد يحتمل تأويلاً آخر لأنهم في الواقع يمتلكون وقائع وملاحظات عن الكون كما هو موجود اليوم لذلك يلجأون إلى المحاكاة لإعادة ترتيب وتشكيل الماضي وهي عملية مبنية على الظنون والافتراضات والمضاربات العلمية. فالاشعاعات الحفرية " المتحجرة" التي يفترض هؤلاء أنها قادمة من أعماق الكون والتي يسبح فيها هذا الأخير، من المفترض أنها تعطينا انطباعاً عن الحقبة التي كان فيها عمر الكون يناهز الـ 380000 سنة بعد لحظة الصفر التي انطلقت منها عملية الانفجار العظيم، ولكن بعض العلماء يعتقدون أن ما نشاهده من تلك الاشعاعات هي ما هو موجود الآن كما وصل إلينا، والقابل للرصد والمراقبة والدراسة والقياس والباقي ليس سوى هرطقات أو تخيلات فنطازية يقوم أنصار البيغ بانغ بتفسيرها وترجمتها أو بالأحرى تأويلها ليعززوا افتراضاتهم، ويقومون بالبحث في خصائصها وسماتها ومزاياها الحالية وعلى الأخص التفاوتات والتماوجات أو التقلبات التي تميزها عن غيرها من الاشعاعات الراهنة بالاستناد إلى نظرية تربطها بأحداث افتراضية وقعت في بدايات الكون بيد أن تلك النظريات ، لاسيما نظرية التضخم الكوني، والتضخم الأبدي للأكوان ـ الفقاعات، التي تحدثنا عنها في المقال السابق، تخرج عن نطاق الفيزياء المعروفة عند البشر والتي لا يمكن التحقق من صوابها عبر التجارب المختبرية. وكذلك ما يتعلق بفرضية أن الجزء الأكبر من الكون يتكون من شكل من أشكال المادة غير المعروفة وغير المرئية والتي لا تبث إشعاعات مرئية قابلة للرصد والمسماة المادة السوداء أو الداكنة أو المعتمة حيث نجهل طبيعة وماهية هذه المادة المفترضة إذ أنها ليست " مادة طبيعية" على حد ادعاء أنصار البيغ بانغ توازي المادة التي تكون النجوم والكواكب والكائنات الحية وغير الحية والسبب هو ما تنطوي عليه هذه الفرضية وهو أن كمية كبيرة جداً من عنصر الدوتريوم deutérium، وهو الشكل الثقيل للهيدروجين، قد تم إنتاجه في مرحلة طفولة الكون أو في حقبة الكون البدائي والحال أن هذا غير وارد في سياق وحيثيات نظرية الانفجار العظيم. إذ لو تم اكتشاف المادة المعتمة أو السوداء حقاً وبشكل علمي ومختبري عبر التجارب لبات علينا أن نعيد النظر في أسس أنموذج البيغ بانغ، ومن أجل إنقاذ هذا الأنموذج القياسي أو المثالي اضطر العلماء لابتكار نوع جديد من المادة سميت بالمادة الغريبة أو المدارية exotique التي نجهل عنها كل شيء ولم يرصدها أحد. ونفس الشيء ينطبق على النوع الثاني من الطاقة المبتكرة أو المفترضة والمسماة الطاقة السوداء أو الداكنة التي اقترحوها لإنقاذ أنموذج أو موديل البيغ بانغ ولتفسير تسارع التمدد الكوني الغامض والذي يحتاج إلى تبرير علمي. فلقد اعتقد العلماء قبل عام 1990 أن توسع الكون أو تمدده يتباطأ إلا أن رصد نموذج معين من النجوم المعروف باسم السوبرنوفا supernovae، وهي النجوم التي وصلت إلى آخر عمرها قبل انفجارها وصارت تشع بقوة وهي ناصعة جداً ، بين لهم عكس ما كانوا يعتقدون وهو أن التمدد والتوسع يتسارع بوتيرة عالية جداً مما يعرض أنموذج البيغ بانغ للمراجعة، فعمد أغلب علماء نموذج البيغ بانغ إلى استخراج مقولة الثابت الكوني من الأدراج، وهو المعامل الثابت الذي اقترحه آينشتين قبل عقود وبالتحديد سنة 1916 ، وأضافه لمعادلاته الرياضية ليوافق بين نظريته النسبية وأنموذج الكون الثابت والمستقر الذي كان يعتقد به آنذاك، لكنه سرعان ما تخلى عنه، بعد أن أعتبره أكبر حماقة علمية وأكبر خطأ ارتكبه في حياته. ومن أجل إنقاذ التواؤم بين الأنموذج السائد ونتائج الرصد والمراقبة الفلكية أضطر العلماء إلى الاستعانة مرة أخرى بهذا الثابت الكوني على شكل الطاقة السوداء أو الداكنة والمعتمة التي لا يعرف أحد ماهيتها وطبيعتها ومصدرها وقالوا عنها أنها شكل مكثف من " طاقة الفراغ" تترجم إلى قوة طاردة هائلة، الأمر الذي يفسر تباعد المجرات عن بعضها بتسارع مضطرد وتمدد للكون. والحال أن مراقبة ودراسة السوبرنوفا لا يترتب عليه حتماً إفتراض أن الكون في حالة توسع وتمدد متسارع كما يعتقد العالم الهندي المتخصص في الفيزياء الفلكية جايانت نارليكار jayant v. Narlikar المناويء لنظرية البيغ بانغ الذي يفسر نتائج الرصد بوجود أغبرة بلورية على شكل أبر أو صنارات aiguilles وهي عبارة عن أغبرة كونية تكونت من تكاثف الحديد الذي لفظته أجيال سابقة من نجوم السوبرنوفا المنفجرة عبر مليارات السنين وهذا التفسير يستند لحقائق انبثقت عن تجارب مختبرية عكس فرضية الطاقة السوداء أو الداكنة التي لم تنتج عن تجارب مختبرية، لذلك فإن تعنت العلماء المناصرين لنظرية الانفجار العظيم بأي ثمن برأي العالم الهندي فيه نوع من التعصب لا يختلف عن التعصب أو التشدد الديني، فهم لا يتركون مجالاً لأي نظرية بديلة أو منافسة لنظريتهم. ويفسر نارليكار هذا الموقف بأن هناك علاقة ربما غير مباشرة أو لا واعية بالمفاهيم الميتافيزيقية والدينية الغربية التي تؤمن بوجود بداية ما ولا يستطيعون إدراك أو تصور كون بلا بداية وبدون عملية خلق. في حين يمكن لشعوب وحضارات أخرى أن تتخيل ذلك بسهولة كالبوذيين الذين يعتقدون بإمكانية استمرار تولد المادة إلى ما لا نهاية وبلا بداية بدلاً من الركون إلى فكرة الانفجار العظيم كبداية لعملية الخلق.
يعتقد نارليكار أن فرضية تمدد وتوسع الكون تستند إلى بديهية أو ظاهرة جوهرية تتعلق بالانزياح الطيفي نحو الأحمر للأجسام. فكلما كان الجسم بعيداً عنا فان سرعة ابتعاده عنا تزداد بسبب تباعد مكونات الكون الذي هو جزء منها، كلما مال طيفه نحو الأحمر أكثر فأكثر. والحال أن مراقبة هذا الانحياز محدودة بمسافة لا تتجاوز الـ 10مليار سنة بينما يتجاوز أنموذج أو موديل البيغ بانغ هذه المسافة بكثير عندما كانت كثافة الكون آنذاك أكبر بمائتي مرة من كثافته الحالية وهذا لا يتلاءم مع القوانين الفيزيائية المتعلقة بمعدل الكثافة. لذلك يلجأ العالم الهندي إلى ترجمة مختلفة لتفسير الانزياح الطيفي نحو الأحمر، وهو تفسير غير مرتبط بتوسع أو تمدد الكون. فلو أخذنا حالة تشابك مجرتين تبدوان مرتبطتين بشبكة ألياف filament فإن هذا الارتباط يوحي لنا بأن الجسمين الكونيين مرتبطين فيزيائياً ومتواجدين على مسافة واحدة، ولكن عندما نقيس الانزياح الطيفي لكل منهما نحو الأحمر نحصل على قيمتين مختلفتين أي على مسافتين مختلفتين وهذا يعني أن الانزياح غير مرتبط بالتوسع أو التمدد وإلا كانت المسافة واحد للمجرتين بالنسبة لنا. وللدلالة على صحة فرضياته يقول رالينكار المؤيد للنموذج الكلاسيكي الثابت والمستقر للكون الواحد الذي قال به أستاذه فرد هويل Fred Hoyle ، "ينبغي اكتشاف ورصد مجرات بعيدة جداً غير مرئية حالية بتلسكوباتنا الحالية وذات إشعاعات ضعيفة تنزاح نحو الأزرق بدلاً من الأحمر ولن يكون بوسع الموديل الشائع حالياً للكون وهو موديل البيغ بانغ أن يفسر هذه الحقيقة العلمية التي يتوقعها خصوم نظرية التوسع الكوني"، حيث يعتقد خصوم النمط الكوني السائد أن هناك مجرات يعود عمرها إلى 40 و 50 مليار سنة وهو رقم يتجاوز بأضعاف عمر الكون التقديري الحالي الذي تعطيه نظرية الانفجار العظيم والذي يقدر بـ 13.7 مليار سنة .
هناك في فرنسا اليوم بعض العلماء الذين لا يؤيدون نظرية الأوتار الفائقة بل ولا حتى نظرية الانفجار العظيم لكنهم يشعرون أنهم محاصرون منهم السيدة العالمة شوكيت بروهات Choquet-Bruhat و المهندس والعالم الفلكي جون بيير بتي jean pierre petit وغيرهم، وكان هذا الأخير قد قدم نموذجه للكون استناداً إلى أنموج الكون التوأم الذي قال به العالم الروسي الحائز على جائزة نوبل أندريه زاخاروف بعد أن قدم أطروحة عن التماثل الهندسي لموديل أندريه زاخاروف الكوني عن الكون التوأم " géométrisation du modèle cosmologique d Andréi Sakharov".
الحل الذي اقترحه زاخاروف لحل معضلة إمكانية تعايش وتواجد مشترك لجسيمات ذات طاقات متعارضة ومتباينة، إذ بدون اقتراح مثل هكذا حل فإن الكون سيختفي كلياً وكذلك الفوتونات، تمثل بفرضية تقول بأن تكون حركة الجسيمات مندرجة في صفحتين مختلفتين متماثلتين كلياً كالتوأم حيث تخيل عالم الفيزياء الروسي سنة 1967 وجود خلل طفيف في التماثل في اللحظات الأولى للكون في عملية خلق المادة والمادة المضادة نتج عنه فيما بعد رجحان كفة المادة على اللامادة وطغيان عملية إنتاج المادة على حساب اللامادة ، فأين ذهبت اللامادة أو المادة المضادة ؟ يقول زاخاروف أنها شكلت بدورها كوناً توأم من المادة المضادة يماثل ويشابه كوننا المادي تكون فيه الجسيمات ذات شحنة كهربائية معاكسة، ولكن في الوقت الحاضر لا يوجد أي ميكانيك فيزيائي مقبول أو مرضي نابع من فيزياء الجسيمات يمكن أن يفسر ظاهرة التماثل الكوني الأمر الذي حث بعض العلماء للجوء إلى فرضيات جريئة كفرضية الطرد أو التنابذ الثقالي بين المادة والمادة المضادة مما يفسر كيف ولماذا تباعد الشقيقان اللدودان في بدء التكوين وإمكانية تخيل نشوء كون موازي أو عدة أكوان موازية تحتوي على مجرات مكونة من المادة المضادة. والجدير بالذكر أن زاخاروف كان من بين الذين تم الاتصال بهم من علماء الأرض ومنهم الفرنسي جون بيير بتي من قبل الأوميون Les Ummittes وهم علماء من حضارة كونية في الفضاء البعيد في كوكب أومو Ummo متقدمون على حضارتنا بآلاف السنين اختاروا وسيلة مبتكرة للاتصال بسكان الأرض وهو انتقاء شخصيات معينة من مختلف المهن والجنسيات والمناطق في كوكب الأرض ليرسلوا لهم رسائل تبحث في مختلف العلوم والمناهج والاختصاصات وتتضمن معلومات متقدمة ومتطورة جداً تتجاوز بكثير ما توصل إليه البشر من مستويات علمية وفلسفية وفكرية بشهادة كبار العلماء ممن اطلعوا على تلك الرسائل التي تشكل بمجموعها موسوعة علمية ودائرة معارف لا تقدر بثمن وبضمنها معلومات عن الكون ساعدت زاخاروف وجون بيير بتي على وضع نموذجيهما عن الكون، بصورة تختلف عن النماذج السائدة في الوقت الحاضر. كما ظهرت في الآونة الأخيرة عدة موديلات ونماذج للكون تتحدث عن بدايات ونهايات لم يألفها البشر من بينها أنموذج أو موديل " القفزة أو الإنبثاقة REBOND " الذي نشر في شهر أيلول / سبتمبر 2008 في المجلة الفيزيائية العلمية المتخصصة فزيكال ريفيو physical Review بقلم العالم الفرنسي باتريك بيتر Patrick Peter من معهد الفيزياء الفلكية في باريس والعالم البرازيلي نيلسون بينتو بيتو Nelson Pinto Neto من مركز الأبحاث الفيزيائية في ريو ودي جانيرو، ويتحدث هذا الأنموذج أو الموديل عن كون ما قبل التاريخ Univers Préhistorique يتلخص في أنه: بعد فترة كثيفة من التقلصات والتشنجات حصلت عملية قفزة أو انبثاق أدت إلى ولادة " كون جديد" في حالة تمدد وتوسع هو الذي نعرفه اليوم. وقد جاء هذا الموديل لسد الثغرات الكثيرة التي تعتور موديل البيغ بانغ وموديل التضخم الكبير الذي يدرس اليوم في الجامعات والمعاهد المتخصصة بالفيزياء الفلكية. ففي سنوات العشرينات من القرن الماضي راقب عالم الفك الأمريكي إدوين هوبل Edwin Hubble تباعد المجرات بسرعة متصاعدة فاستنتج تمدد وتوسع الكون مما يعني بالنسبة ولعلماء عصره أن الكون كان مركزاً ومنكمشاً في نقطة صغيرة جداً وهائل الكثافة، وهو الأمر الذي نظر له سنة 1922 العالم الروسي الكسندر فريدمان Alexander Friedmann و في سنة 1927 الراهب والعالم البلجيكي جورج لوميتر GeorgesLemaitre وقالا أن الكون ولد من حالة لامتناهية في الصغر، كثيفة وساخنة جداً، وفي لحظة الصفر للزمكان كانت المادة منكبسة داخل نقطة عرفت باسم الفرادة الكونية، دخلت فجأة في حالة توسع. وقد تهكم عليهما العالم الانجليزي فرد هويلFred Hoyle وأطلق تعبيره الساخر واصفاً تلك الحالة بالانفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang وشاع هذا التعبير وحاز شهرة عالمية كبيرة، التي يعود عمرها إلى 13.7 مليار سنة، كما اكتشف العلماء لاحقاً في سنة 1964 لاسيما العالمين الأمريكيين آرنو بنزياس وروبير ويلسونArno penzias , Robert Wilson، أن كوننا مسطح ومتناسق ومنظم من خلال المراقبة والرصد وهو أمر يثير الدهشة والاستغراب فكيف يمكن لمناطق متباعدة عن بعضها البعض بآلاف المليارات من السنوات الضوئية أن تتطور بنفس الطريقة المتشابهة والمتماثلة ولديهما درجات حرارة متساوية ومتماثلة؟ جاء الرد سنة 1981 على يد عالمي الفيزياء آلان غوث وأندريه ليند Alan Guth , Andrei Linde اللذين تصورا فترة زمنية بالغة القصر شهد فيها الكون حالة تضخم استثنائية بمعدل مئة مليون مليار المليار مرة انتشرت خلالها المادة بالتساوي وبتناسق مدهش كما لو أنها انفجرت بفعل قوة طاردة عنيفة حيث بدا الكون على إثرها مسطحاً وباتت خصائصه الفيزيائية متماثلة في كل مكان . المشكلة أن هذا السيناريو شبه الخرافي تضمن العديد من الثغرات أهمها أنه لا يقدم إجابة شافية لمسألة " الفرادة الأساسية "، وتجدر الإشارة إلى أن الفرادات هي مفاهيم رياضية تؤشر لنقاط زمكانية تبطل عندها كل قوانين الفيزياء التي لم تعد صالحة أو قابلة للتطبيق. فالثقب الأسود على سبيل المثال يمثل حالة فرادة لأن خصائصه كلها تنحو باتجاه اللانهاية، وكذلك نقطة الصفر بالنسبة لكوننا المرئي، كما وصفتها نظرية الانفجار العظيم، تمثل الفرادة الأصلية أو الأساسية. لذلك حاول العالمان الفرنسي والبرزيلي ، باتريك بيتر و نيلسون بينتو نيتو، في الوقت الحاضر تفادي حالة الفرادة في أنموذجهما الكوني الجديد، وقالا أن قوانين النسبية العامة لآينشيتن لا تطبق على هذه اللحظة البدئية المرموز لها بالحرف ت T وطبقا طريقة أو منهج الكوزمولوجيا الكمية أو الكوانتية La méthode de la cosmologie quantique التي تصف ما يحدث على مستوى اللامتناهي في الصغر أي عالم الجسيمات التكوينية الأولى. وعلى مر المعادلات الرياضية وتطورها من معادلة إلى أخرى ولد تاريخ جديد للكون. فهناك ما يمكن أن نسميه بـ " قبل " نقطة الصفر، حيث كان يوجد وجود كوني عديم الملامح شبه مسطح لا متناهي في سعته وشاسع إلى ما لا نهاية موجوداً منذ الأبد لانعرف عنه شيئاً لحد الآن، لم يكن في حالة تمدد أو توسع بل في حالة تشنج ويعاني من تقلصات وانقباضات كحالة الطلق التي تصيب المرأة أثناء الولادة تقاربت مكوناته تدريجاً من بعضها البعض، وبما أن قوانين النسبية تقول أنه عندما تغدو التشوشات والاختلاطات promiscuité كبيرة جداً ينهار كل شيء وينضغط أو ينبعج وينكمش في حالة " فرادة" ، وعندما يصبح الكون مكثفاً في نقطة صغيرة جداً عند ذلك لن تمارس قوانين النسبية فعلها عليه بل قوانين الميكانيك الكوانتي mécanique quantique التي تفعل فعل القوة الطاردة أو النابذة وكلما تقلص الكون كلما ازدادت أهمية التأثير الكوانتي أو الكمومي quantique l’effet مولدة قوة معاكسة تتحول في نهاية المطاف إلى حركة تمددية أو توسعية، وهكذا ولد كوننا المرئي حسب رؤية وموديل باتريك بيتر. فنموذج القفزة أو الانبثاق من حالة سابقة للكون يستغني عن تعقيدات حالة الفرادة فلن يبلغ الكون أثناء عملية الطلق والتقلصات مطلقاً لا حالة الصفر dimension zéro ولا الكثافة اللامتناهية densité infinie لأنه يقفز أو ينبثق قبل ذلك ، كما تستغني هذه النظرية عن مرحلة " التضخم الكوني" وتتحرر منها إذ أن مسألة التجانس والتماثل تحل أثناء عملية الطلق والتقلصات التي تسبق الولادة وكلما كانت التقلصات والانقباضات بطيئة أمكننا إهمال تأثيرات الثقالة في تلك المرحلة حيث يتحلل الغاز وينتشر قبل حدوث حالة الانبثاق rebond وحيث يكون الكون في حالة تناسق وتجانس ما يفسر كونه متماثلاُ ومتشابه الخصائص بعد الولادة. وهذا الموديل يأخذ في الاعتبار كافة نتائج الرصد والمراقبة الحالية وربما اللاحقة التي سيقدمها مرصد أو تلسكوب الفضاء بلانك الذي أطلق في شهر آيار/ مايو 2009 والذي سيقدم خارطة دقيقة للإشعاعات الكونية المتحجرة التي تعود للـ 380000 سنة الأولى من عمر الكون المرئي الذي نعيش فيه، وإذا لم تستوعب هذه النظرية حقائق الاكتشافات القادمة بفضل تلسكوب بلانك فإنها ستسقط كغيرها في بئر النسيان وتركن في أدراج العلماء، بانتظار الأفضل والأكمل. وكذلك ينبغي التأكد من قيمة التقديرات التي قدمها علماء هذه النظرية والتي تقدر بأن المادة الطبيعية التي نعرفها والمادة السوداء يشكلان معاً 27% فقط من محتويات الكون وهذا يعني أن 73% من باقي المحتويات يتكون من الطاقة الداكنة أو المعتمة مما يؤشر على أهمية " طاقة الفراغ"، والحال أن هناك خلاف جوهري بين علماء الكونيات وعلماء الجسيمات بشأن هذه القيم. ومن أجل أن يكون وصف الفريقين للكون منسجماً ومتوافقاً ومقبولاً من قبل الجميع، افترض علماء الجسيمات أن كثافة طاقة الفراغ يجب أن تبلغ 1091 أس 91 غرام في السنتمتر الواحد، والحال أن علماء الكونيات يتفقون على قيمة 1029 أس 29 من أجل تفسير التوسع أو التمدد الكوني وهما رؤيتان يصعب التوفيق بينهما تجاه الكون ذاته. وقد تخيل بعض العلماء أنواع أو نماذج أخرى من الطاقة الداكنة أو المعتمة إحداها سميت الكانتيسينس quintessence والتي ليس لها مقابل باللغة العربية وتعني حرفياً الجوهر أو العنصر الخامس، الذي، كما يقول الإغريق القدماء، يملأ الكون مع العناصر الجوهرية الأربعة الأخرى وهي التراب والنار والماء والهواء. كما يلعب هذا النوع من الطاقة دور العنصر الخامس الذي يسبح فيه الفضاء بعد المادة الـ BARYONIQUE، المكونة للذرات، والفوتونات، وهي جسيمات الضوء، والنوترينوات neutrinos وهي جسيمات تبث عند التفاعلات النووية من بين الكثير غيرها من الجسيمات الأخرى، والمادة السوداء المجهولة الهوية والماهية لحد الآن. هناك افتراض أن تقل كثافة مثل هذه الطاقة المفترضة مع مرور الزمن مما يقلل من عزم واندفاع تسارع التمدد الذي تثيره هذه الطاقة المجهولة الطبيعة والماهية هي الأخرى، بدرجة أقل مما تقوم به طاقة الفراغ. كما توجد فرضية أخرى عن طاقة داكنة أو معتمة سميت بالطاقة الشبحية énergie sombre fantôme التي تقوم بفعل معاكس أي أن كثافتها تزداد مع مرور الزمن مما يقود إلى تضخيم تسارع التمدد والتوسع الكوني بالمقارنة مع معدل التسارع الناجم عن طاقة الفراغ. ولن يكون الاختيار سهلاً بين كل هذه الفرضيات الخيالية أو شبه الخرافية إلا بعد الحصول على نتائج وحقائق واكتشافات علمية جديدة بفضل التلسكوبات الفضائية المستقبلية المتطورة جداً التي يزمع إطلاقها خلال العقدين القادمين. والحال أن لكل ذلك تأثير مباشر على مصير الكون كما ترسمه لنا تكهنات العلماء. فلو تم إثبات تسارع التمدد والتوسع الكوني المفترض حالياً بثابت كوني مثبت، فإن المادة والطاقة الموجودتان في الكون سيذوبان se diluer في الفراغ الكوني وبعد بضعة مئات المليارات من السنوات ستبقى مجرتنا درب التبانة، بعد تطور طويل في أعماق الكون، وحيدة في فضاء هائل بلا حدود وسيكون فضاء فارغ إذ أن بقية مكوناته ستكون بعيدة جداً إلى درجة يستحيل معها رصدها أو رؤيتها مهما تطورت أدواتنا العلمية. إلا إذا كان تسارع التمدد لا يحدث بفعل طاقة شبحية، في هذه الحالة، وفي نفس المدة الزمنية، سيبلغ تسارع التمدد درجة من الكثافة بمكان يؤدي إلى تفكك وتفتت كل أنواع المادة في الكون بما فيها أجسادنا المادية التي ستنتشر في أجزاء الكون غير المرئية. يتنبأ العلماء بثلاث سيناريوهات عن مصير الكون وهي لا تخرج عن كونها مجرد تكهنات سوداوية تستند إلى أحد النظريات الكونية القائمة اليوم. ففي سنوات الثمانينات من القرن المنصرم كان مصير الكون كما صاغته نظرية الانفجار العظيم يتلخص باستمرار التوسع إلى ما لا نهاية مع حدوث تباطؤ تدريجي مع مرور الوقت ويبدأ الكون بالبرودة تدريجياً إلى أن يصل إلى حالة الموت الحراري السالب la mort thermique، بيد أن اكتشاف الطاقة الداكنة أو المعتمة غير منحى التوقعات فبرزت احتمالا أخرى مثل الانكماش أو الإنهيار العظيم Big Crunch والتجمد العظيم Big Freeze والتفكك أوالتمزق الكبير le Grand déchirement – Big Rip. فالسيناريو الأول ظهر في الأفق في سنوات السبعينات في القرن العشرين وهو عبارة عن انفجار عظيم معكوس حيث يتوقف التوسع وينعكس اتجاهه ويعود أدراجه لنقطة البداية أو لحظة الفرادة وربما ينفجر مرة أخرى في بيغ بانغ آخر ليعيد الكرة إلى ما لا نهاية. السيناريو الثاني كان ممكناً قبل هيمنة فرضية المادة السوداء والطاقة الداكنة والمعتمة فهذه النهاية الباردة والمتجمدة، في حالة دعم تسارع التمدد بثابت كوني مثبت، حيث تبتعد المجرات إلى ما وراء الأفق الكوني وتبقى مجرتنا وحيدة في فراغ شاسع وموحش ومن ثم تنطفي نجومها الواحدة بعد الأخرى بعد احتراقها الكلي مع مرور الزمن ويعم البرد جميع أنحاء الكون ويصيبه التجمد التام. أما السيناريو الثالث فهو ألأحدث حيث تخيل العلماء طاقة داكنة شبحية وطاردة تزداد كثافتها وتؤدي في نهاية المطاف إلى تمزق وتفتت كل أشكال المادة في المجرات والنجوم والذرات بينما تتناقص كثافة الكون، عندها يحدث تمزق عظيم في كون فارغ أكثر فأكثر. وهذه هي آخر الخرافات العلمية التي حلت محل الخرافات الدينية عن الوجود ومصيره بانتظار اليوم الآخر وهو يوم الحشر أو يوم القيامة حيث العقاب والثواب بانتظار الكائنات الحية وغير الحية التي سيكون مصيرها إما الجنة أو الجحيم.
الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول
تربع إله الأديان، بمختلف مسمياته، عبر آلاف السنين، على عرش الاعتقاد وهيمن على الأرض ومن عليها وما فوقها من الأجرام المنظورة، المسخرة لترويج فكرة الهيمنة المطلقة للخالق، وتفشي الخشية من بطشه وعقابه الآخروي، من خلال فكرة العقاب والثواب، والجنة والنار، أو الفردوس وجهنم، وهو المصير الذي ينتظر البشر منذ أول إنسان خلقه الخالق، وأسماه آدم، إلى آخر كائن بشري سيموت قبل يوم القيامة ويوم البعث والحساب، وهي اللوحة التي روجتها وبشرت بها كافة الأديان السماوية. واتسمت مفردات الخطاب الديني في هذا المجال، بالرغم من تنوع الأديان والأطروحات، باحتقار الحياة الفانية وتمجيد الموت باعتباره المدخل للحياة الأبدية التي ستفرز وتقرر مصير الكائن البشري الذي سيعيش، إما في جحيم أبدي أو نعيم دائم. كما تميزت الأطروحة الدينية بضرورة الخضوع والطاعة والإذعان وتقديس النصوص والأشخاص والاعتقاد أو الإيمان بالغيبيات بلا أدنى مجال للمناقشة أو الجدل، وتقبلها كمسلمات لا تقبل الدحض أو الشك. من هنا طرح الوعي الإنساني على نفسه عدداً من الأسئلة الجوهرية والوجودية المتعلقة بماهية هذا الإله المتناقض الصفات، المنتقم الجبار، والرحمن الرحيم، ذو القدرة الكلية اللامتناهية، والعاجز عن منع الشر، ورمزه الشيطان، من التأثير وإغواء أحب مخلوقات الله أي الإنسان، والذي لا يمكن للبشر معارضته أو عصيانه. ثم تحولت هذه العملية إلى مشكلة حساسة تتعلق بوجود أو عدم وجود هذا الإله الخالق، وتعذر القيام بمقاربة هذا الموضوع على نحو عقلاني، لا سيما في القرون الوسطى وما قبلها حيث كان بوسع الفلاسفة فقط مناقشة هذه القضية وبصورة سرية جداً خوفاً من سطوة وغضب وبطش المؤسسات الدينية ومحاكم التفتيش لأنها تمس صميم الإيمان والاعتقاد وتهدد بتقويض دعائم الصرح الديني برمته. البعض اعتبر المسألة محض إيمان والآخر اعتبرها من لوازم الذكاء والمعرفة والتأمل وقابلة للمناقشة. تطرق لهذا الموضوع في القرون الوسطى علماء الدين والفقهاء والثيولوجيين théogogiens فيما تخصص بمناقشته الفلاسفة في القرن السابع عشر وما بعده إلى أن وصل إلى يد العلماء في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، والسبب في ذلك هو تغير مفاهيمنا ومعلوماتنا عن الكون وتجددها المستمر مما أثر بشكل جوهري على طريقة تناول هذا الموضوع وإعادة النظر في كثير من مسلماته الدينية والغيبية. وبعد أن أعلن نيتشه موت الله المعنوي في نفوس أغلبية الماديين والعلمانيين والعقلانيين هاهو الله اليوم يعود بقوة بعد الصحوة الدينية الملحوظة في العالم اليوم، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم الحر والدولة الأعظم في مجال القوة العسكرية والتكنولوجيا والتقدم العلمي، حيث بات الإيمان بالله يمثل ضمانة ورمزاً للوطنية ونموذجاً للامتثالية والتقيد بالأعراف الدينية وشرطاً للنجاح الاجتماعي، مما جعل بعض العلماء يخلطون بين البحث العلمي والبحث عن الذات الإلهية. واعتبر هؤلاء أن هناك يداً إلهية تقف خلف كافة الظواهر التي عجز العلم حتى اليوم عن تقديم إجابات ناجعة عنها والتي وصفت بالمعارف الخفية. فعلى سبيل المثال لا الحصر: هل الانفجار العظيم Le Big Bang حدث بفعل قوانين طبيعية كما قال ستيفن هوكينغ Stephen Hawking وغيره أم بفعل أثر إلهي ونتيجة عملية خلق منظمة على يد خالق، وهل هناك حقاً بيغ بانغ أو إنفجار عظيم أم هو مجرد فرضية وهمية؟ وهل هناك انفجارات عظيمة أخرى سبقته وأخرى ستليه في سلسلة لا متناهية ليس لها بداية ولا نهاية كما تقول بعض النظريات؟ وهل كوننا المرئي واقع حقيقي ملموس أم مجرد وهم أو هولوغرام كما تقول نظريات أخرى؟ وهل يمكن أن يكون الكون المرئي مجرد حاسوب أو كومبيوتر عملاق؟ إن هذا الحدث ذو الفرادة الكونية بدأ من نقطة لا متناهية في الصغر infiniment petit حيث اللامكان واللازمان بل مجرد معلومة information رياضية حاسوبية، ووقع الحدث بفعل جاذبية هائلة في قوتها وتسبب في خلق الزمان والمكان والمادة في آن واحد انطلاقاً من طاقة جبارة مركزة ومكثفة في حيز لا متناهي في الصغر، ثم انتشرت تلك المادة ومازالت تتمدد وتتوسع وتنتشر، وهي التي شكلت المجرات بما فيها من نجوم وكواكب وغازات كونية ومحتويات أخرى مجهولة الماهية. ومهما بدت هذه الفرضية غير قابلة للتخيل والإدراك البشري إلا أنها باتت اليوم من القوة والمتانة بمكان أنها فرضت نفسها على مجمل الوسط العلمي لشرح الكون ومعضلاته إلى حين ظهور نظرية أخرى أقوى منها وأكمل، تزيحها عن عرشها وتحل مكانها، مما يعني بالتالي تراجع حدود معارفنا ومعلوماتنا الحالية عن الكون. بعض الأذكياء من منظري عملية الخلق الإلهي المباشر قالوا أن يداً ربانية هي التي تقف وراء الانفجار العظيم لتعضيد مواقف أديانهم المرتبك تجاه هذه النظرية العلمية التي فرضت نفسها و بشروا بتدخل الإله، وبهذا التدخل وحده أمكن لهذا الحدث أن يقع ويكون الشرارة الأولى لولادة الكون المرئي. والحال أنه لو ثبت وقوع الانفجار العظيم ووجود نقطة الصفر كبداية لانبثاق الكون فإن ذلك لن يشكل بأي حال من الأحوال دليلاً على الله كما يقول مناوئيهم من الماديين والعلمانيين والعقلانيين ممن تبنى جانب العلم وحده. كما استغل المتدينون بعض الحقائق العلمية الجزئية السائدة اليوم والتي تقول إن بعض الثوابت الكونية في الكون المرئي constantes cosmiques والثوابت الفيزيائية constantes physiques لا يمكن أن تختلف عما كانت عليه منذ لحظة البدء إلى يوم الناس هذا، وإلى مستقبل غير منظور. فلو كانت قوة الجاذبية أو الثقالة La Force de Gravitation أكثر كثافة حتى ولو بمقدار لا تدركه أية أجهزة قياس لانهار الكون على نفسه بعد حدث الانفجار العظيم مباشرة، ولو كانت أضعف بقليل ولو بجزء من مليار المليار المليار لما أمكن تكون النجوم والمجرات والكواكب. وكذلك لو كانت الخصائص الفيزيائية لعنصر الكاربون، الأساسي والجوهري للكيمياء العضوية مختلفة ولو على مستوى دون الذري، لما أمكن نشوء الحياة، مما يعني، برأي هؤلاء، أن هناك قوة عاقلة وذكية وذات قدرة مطلقة تقف وراء مثل هذا التنظيم والتقدير الدقيق في كوننا المرئي وبالتالي لابد من وجود معجزة إلهية أو عقل يمتلك نية مسبقة، لتنفيذ هذا السيناريو، وليس الصدفة العبثية، لأن احتمالية أن يخلق العالم نفسه بنفسه من العدم معدومة كلياً من وجهة نظرهم، لذلك فإن العقل الإلهي هو الذي حدد تلك القيم والثوابت الكونية التي يستند إليها الوجود المادي اليوم. ويرد عليهم أنصار عملية الخلق الذاتي أو التلقائي بأن الإنسان، وبسبب خوفه من المجهول، يحب دائماً أن يدهن جدار جهله بالألوان الإلهية، وإن العلم قادر على الولوج إلى كنه الوجود، وبمقدوره مع تطور التكنولوجيا، اكتشاف القوانين الثابتة في الكون بقراءة كتاب الطبيعة وكشف أسرارها من خلال الأدوات الرياضية، كما يمكنه الفرز بين الخطأ والصواب استناداً إلى التجارب المختبرية الدقيقة في جميع المجالات والاختصاصات العلمية التي تمس كافة أوجه النشاط البشري، وحيث أن المعلومة الحاسوبية الرياضية، السابقة لثلاثية المادة والزمن والمكان، قادرة في لحظة ما، عند توفر الطاقة اللازمة، للتحول إلى كون فيزيائي. فالعلم يتقدم وقد اقترح العالم الفيزيائي أندريه ليند Andrei Linde من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا نظرية تعدد الأكوان La théorie des Multivers - Univers multiples وافترض حدوث مليارات من الانفجارات العظيمة تقوم بدورها بخلق مليارات من الأكوان في أبعاد لايمكننا إدراكها أو اكتشافها في مستوانا العلمي البدائي اليوم، والكثير منها يجهض لحظة ولادته بسبب ثوابت فيزيائية عشوائية أو صدفوية، غير مناسبة أو غير ملائمة constantes physiques aléatoires inappropriées، فيما البعض الآخر يثابر ويتطور ذاتياً بفعل توفر تناسق وضبط في الثوابت كما هو حال كوننا المرئي، مثلما يحصل في لعبة اللوتوloto حيث هناك واحد فقط من بين ملايين اللاعبين من يصدف أن تأتي أرقامه مطابقة لما يخرج من قارورة الكرات المرقمة. كما أنظم العالم البريطاني الفذ ستيفن هاوكينغ stephen Hawking إلى جوقة المتشككين بعد أن أصدر مؤخراً كتابه الجديد والمثير للجدل "التصميم الكبير"the grand design، والذي يعتقد أنه قدم فيه إجابات جديدة حول القضايا القصوى في الحياة والمقصود بها التساؤلات الميتافيزيقية التي تؤرق البشر عن وجود أو عدم وجود الله. والذي قال في خاتمته: طالما وجدت قوانين مثل الجاذبية فإن بوسع الكون أن يخلق نفسه انطلاقا من لاشيء، ولم يقل العدم، أي أن الخلق التلقائي هو السبب في وجود الشيء وليس العدم، وذلك إجابة على سؤال قديم يقول لماذا يوجد شيء ما بدلاً من لاشيء، وبالتالي يعتقد هاوكينغ أنه ليس من الضروري أن يكون هناك إله لكي يضغط على زناد لإطلاق الشرارة الأولى والشروع في عملية انبثاق الكون وقد استند هاوكينغ إلى النظرية الفيزيائية الجديدة المعروفة بـ "نظرية م M théorie أو نظرية العوالم المتعددة لتعزيز رأيه، رغم أنها لا تزال فرضية غير مثبتة مختبرياً بعد. ولم يشرح هاوكينغ في كتابه الجديد ماهية المفارق الذي أوجد الجاذبية وباقي القوانين الفيزيائية، هل هو إله متعالي لا يريد هاوكينغ الاعتراف بوجوده؟ أم هو الكون المطلق ذاته باعتباره " كان حي أزلي وأبدي لابداية له ولا نهاية، لم يلد ولم يولد، ولا حدود له لا في الزمان ولا في المكان، سواء أكان الزمن والمكان النسبي في كوننا المرئي، أو الزمان والمكان المطلقين في الكون المطلق، وهو الوجود المكون من عدد لا متناهي من المليارات من الأكوان على غرار كوننا المرئي، وبذلك سنسقط مرة أخرى في هوة الميتافيزيقيا، لكنها ميتافيزيقيا ذات نكهة علمية. وهذا يعني في رأي أتباع عملية الخلق الرباني Les créationnistes أن مباحث النشأة والأصل ليست من اختصاص العلوم التجريبية الوضعية التي تبحث في الظواهر الطبيعية وليس في أسباب وجودها. هناك نظرية أخرى هي الفيزياء الرقميةLa théorie de la physique numérique التي تقترح فكرة أن كل ما يكون العالم الواقعي الذي نعيشه ونلمسه مادياً إن هو إلا موجات كهروـ مغناطيسية ذات معلومات مبرمجة للحمض النووي الكونيséquences d’ADN cosmiques مروراً بالذرات ومكوناتها حيث البرمجة على غرار برمجة الحاسوب من صفر وواحد 0 ـ 1 مما يوحي بأن الكون ليس سوى حاسوب أو كومبيوتر عملاق L’Univers est un ordinateur géant ووجودنا ليس سوى برنامج حاسوبي programme informatique. وتستند هذه الفرضية الفنطازية fantastique إلى ثلاث مسلمات تقول إن الحسابات والمعادلات الرياضية يمكن أن تصف كل شيء نظرياً وإن كل الأشياء يمكن حسابها رياضياً وكل ما هو قابل للحساب يشكل حداً واحداً. وهي الفكرة التي بنيت عليها ثيمة التحفة السينمائية بأجزائها الثلاثة ماتريكس Matrix حيث العالم الذي يعيش فيه الأبطال افتراضي virtuel وليس واقعي réel وعندما نتحدث عن " برنامج" فإننا حتماً نفكر بحاسوب أو كومبيوتر لتنفيذ هذا البرنامج والإجابة تكمن في هذا " الآخر" الذي أوجد الكومبيوتر، فهو قد يكون، كون أو أكوان أخرى، أو بعد أو أبعاد أخرى غير مرئية، وها نحن ننزلق مرة أخرى إلى متاهات الميتافيزيقيا. واختزل البعض هذه الفكرة عندما اعتبر كوننا المرئي هو الكومبيوتر العملاق وسيحتاج حتماً إلى من يصنعه على المستوى الكوني بالطبع وليس المستوى البشري. ومن هنا أعتبر أن الله هو الكود أو الشيفرة الأصلية أو المصدر Dieu est le code source والمبرمج le programmeur أي أن الكون هو الكائن المطلق الأول L’univers est l’Etre Suprême .
هل هناك شيء مطلق أم أن كل شيء نسبي؟:
هل يمكن لإنسان، مهما بلغ ذكائه وعبقريته، أن يقدم وصفاً علمياً دقيقاً لمفهوم الكائن المطلق الأول وماهيته وغايته وضرورته وأصله ومصيره وموقع تواجده؟ الجواب قطعاً سيكون بالنفي لأن ذلك ضرب من المستحيل. من هنا لا يمكن أن نعتبر كوننا المرئي، الذي لا نعرف غيره في الوقت الحاضر، هو الكائن المطلق الأول كما نوه بعض العلماء، بل هو مجرد إطار جامع لكل ما هو موجود وملحوظ وقابل للرصد والمشاهدة والمراقبة والحساب أو القياس. والحال أننا لو منحناه صفة " الكائن" فسوف نكون مرغمين على اعتباره عاقلاً ويمتلك وعياً ويفكر ويتصرف بنوايا مسبقة ومدروسة ومبرمجة وإرادة في القيادة والتوجيه، والحال أنه لا يوجد ما يجعلنا نفترض ذلك فضلاً عن تأكيده، ولا إنكاره أو نفيه بالطبع، إلا إذا آمنا بمقولة الكون هو الله والله هو الكون التي قال بها البعض للخروج من معضلة علة الصدور الأولى للموجودات. إلى ذلك، يتفق العلماء والنخب المثقفة في العالم، على أن العلم لا يقدم، حتى يومنا هذا، سوى كم ضعيف من المعلومات والمعرفة العلمية الدقيقة عن الكون المرئي وأسراره الغامضة، رغم التقدم التكنولوجي المذهل المنجز بالنسبة لعقولنا ومستوى إدراكنا القاصر اليوم، لذلك نحن لا نتجرأ في تجاوز الواقع الممكن إدراكه بحواسنا المحدودة، كما يتعذر على العلم حالياً أن يعرض ما يتجاوز المعرفة اليقينية الملموسة، أو الولوج إلى الكم العلمي اللامرئي المعروف باسم المعارف الخفية، والذي يفلت منا ولا يمكننا تصوره أو استيعابه، حتى لو دمغناه بالرؤية الميتافيزيقية. وفي نفس الوقت لا يجوز لنا وضع فرضيات ونظريات فنتطازية لن يكون بوسعنا إثبات صحتها مختبرياً، لا الآن ولا في المستقبل المنظور. فهناك من يترصد لاستغلال الفرضيات ذات الظاهر الميتافيزيقي للتبشير بمعتقدات جديدة أو للتدليل على صحة معتقدات قديمة قابلة للتأويل. وحتى لو اعتمدنا مفهوم إن " الكون المرئي هو الكائن المطلق الأول" واعتبرناه صحيحاً من الناحية الفكرية والنظرية الافتراضية، إلا أنه سوف يبدو مفهوماً تجريدياً يكون بمثابة البديل للمؤمنين الذين خاب أملهم من الأديان الكلاسيكية أو التقليدية لا سيما الأديان السماوية، كما كان بعض الفلاسفة الإلهيين يعتقدون من أمثال هيبرت فون شيربوري Herbert Von Cherbur y وتولاند Toland وفولتير Voltaire ،على سبيل المثال لا الحصر، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، عندما كانت الفكرة مغرية إلا أنها لم تلق صدى كبيراً بين الأتباع. لذلك اختار البعض الانحياز نحو صيغة الإلحاد الوضعي أو الإيجابي L’athéisme positif أي عدم التفكير بالكائن ألأعلى دون إنكاره بالضرورة، والالتفات للإنسان والمجتمع الإنساني أي الإنسانية الأكثر قرباً للإدراك العقلي والقادرة على تقديم بعض الإجابات عما ينتظره البشر وما يطرحونه على أنفسهم من تساؤلات. وقد لخص المفكر ماكس نوردوMax Nordeau هذه الحالة بجملته الشهيرة التي تقول:" إن الله هو الإسم الذي أطلقه البشر على جهلهم منذ البداية وإلى يوم الناس هذا". وقال بعضهم متندراً بشأن وصف الإله:" أنه مخالف لكل ما يخطر على بال بشر". وبما أن الإنسان يخاف من المجهول فقد اقنع نفسه بأفضلية الإيمان بشيء ما بدلاً من عدم الإيمان بشيء وفق مقولة المنفعة الذاتية التي تقول:" إذا كان الله موجوداً فإن إيماني به سينفعني وإذا لم يكن موجوداً فإن إيماني به لن يضرني". أما من يمتلك ذهنية عقلانية أو علمية فإن لديه مقاربة مختلفة لموضوع الإلوهية لأنه لا يعتقد ولا يصدق بما تقوله الأديان عن الله والآخرة والحلال والحرام وغير ذلك من الخزعبلات والتناقضات، فالصورة التي لديه عن المهندس أو العقل الأول متسامية وأرقى بكثير من صورة الله الدينية التقليدية، ووسيلته لمعالجة هذه المسألة الوجودية هي العلم وأدواته ونظرياته وقوانينه، وكان العالم الفرنسي لوي باستور Louis Pasteur يقول: " إن القليل من العلم يبعدك عن الله والكثير منه يقربك منه". والمقصود هنا بالعلم باعتباره مجموعة المعارف النظرية والعملية في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني وكذلك بشأن جميع الظواهر والأشياء. وإن هذه المعارف مبنية على عدد من المبادئ البديهية التي يمكن إثبات صحتها وصلاحيتها، إما من خلال طرق تفكير وتأمل قابلة للتدقيق عبر التجارب المختبرية وغيرها، أو من خلال التأمل والتفكير والتدبر النظري والفلسفي. فيوجد هناك من العلوم والعلماء والمتخصصون العلميون بقدر ما يوجد من مجالات خاضعة للدراسة، حيث أن المناهج والوسائل والطرق العامة المستخدمة للحصول على تلك المعارف متماثلة. فالمعرفة الموصوفة بالعلمية تكون غالباً خاضعة للتدقيق من خلال الوقائع والحقائق والمشاهدات والتجارب بحيث تكون النتائج دائماً موضوعية. فالعلم يعارض دائماً الرأي الذي يعكس تأكيداً كيفياً واعتباطياً أو تعسفياً وذاتياً لأي حدث أو ظاهرة، لأن مثل هذا الرأي غالباً ما يكون مبنياً على شعور غمامي، عام وغامض أو مشوش، عن الواقع بدون معرفة علمية مثبتة، سواء أكانت تجريدية، كالرياضيات والمنطق، أو تجريبية كالفيزياء والكيمياء والأحياء أو البيولوجيا والطبيعة. والحال أن الأديان بمجملها تقدم إجابات قطعية لا تقبل الشك أو الطعن حول الطبيعة وأصل الحياة ومصير الإنسان ونشوء الكون، وتعطي إجابات ميتافيزيقية وغيبية مستمدة من نصوص يدعى أنها مقدسة وأزلية تنقل ما يدعون أنه كلام الله، وبالتالي فهي نصوص منزلة من السماء، أي أنها تشكل إجابات تستلهم مقولة المصدر الأول اللامتناهي القدرة والمجهول الماهية والذي لا نعرف عنه سوى الصورة الممسوخة التي ترسمها عنه الأديان وتدمغه بصفات متناقضة. إن اللجوء إلى التفكير العقلاني والتحرر التدريجي من هيمنة الفكر الديني، الذي استغرق قرون عديدة، أتاح إمكانية تقهقر الرؤية الميتافيزيقية أمام النظريات التفسيرية المستندة إلى برهنة وطرق تفكير واستدلالات وحجج وملاحظات منطقية، والتوصل إلى عملية استقراء واستنتاج منطقي وعقلي مقبولة وإن كانت في بعض الأحيان تصطبغ بصيغة نظرية محض، وتفكرّية غير قابلة باستمرار للتجريب. ثم دخلت العلوم المعاصرة في قرون التنوير في مرحلة الحداثة، ووعت ما كان يعتبر آنذاك مستحيلاً بسبب وعي العلماء بمحدودية القدرة الإنسانية في اختراق المجهول نتيجة للظروف المحيطة بها في ذلك الوقت، والتي تمنعها من اكتساب المعارف المتطورة والمتقدمة فيما يتعدى التجربة، والوقوع في حالة من الخيلاء والغرور بشأن قدرتها على البحث عن المطلق. وفي خضم الصراع والتنافس بين الدين والعلم، تمكن هذا الأخير، بفضل صرامته وطرقه ومناهجه وتواضعه من كسب الجولة، لأنه لم يدع آنذاك أنه قادر على تقديم إجابات قاطعة وناجعة لكل ما هو مطروح في الساحة الفكرية ـ وفي نفس الوقت نجح العلم في تقديم نتائج ملموسة وقابلة للتدقيق تجريبياً ومختبرياً، ونجم عن ذلك قبول واسع للعديد من تلك الإجابات رغم الحرب الشعواء التي شنها دعاة الخلق الإلهي المباشر Les créationnistes ضد المحاولات العلمية لدحض المسلمات الدينية الغيبية غير المعقولة وغير المقبولة منطقياً، مما أرغم المؤسسات الدينية على التراجع والتقوقع في مختلف مراحل الصراع، وإعادة النظر في تأويلاتها للنصوص المقدسة التي استندت إليها واعتبرت أن الباطل لا يمكن أن يمسها لا من فوق ولا من تحت، فهي الحق بذاته والحقيقة بعينها بالنسبة لهم، في محاولة يائسة للتوفيق بينها وبين النتائج العلمية. ففضول البشر ورغبتهم وسعيهم لمعرفة ما يدور حولهم، خاصة تلك المساءل التي لم يتمكن العلم لحد الآن من تقديم إجابات ناجعة عنها، ازدادت وتزدادا وتتسع كل يوم، مما شكل أرضية خصبة للأديان والميتافيزيقيا الدينية، التي تتغذى عادة من جهل الإنسان وتستغل عجزه الفكري، لاستعادة بعض مواقعها التي خسرتها في حربها مع العلم والمنطق العلمي. من هنا تعايشت رؤيتان: الأولى دينية، إلهية المصدر، مليئة بالخرافات والأعاجيب والأساطير والمعجزات الخارقة لقوانين الطبيعة، والثانية علمية، لكنها شبه تجريدية في العديد من جوانبها، لأنها تستند إلى مفهوم الصدفة، وقد علق الكاتب الوجودي الفرنسي البير كامو Albert Camus في رواية السقوط La chute :" إن الإلوهية المنطقية الوحيدة هي الصدفة" ، وقد سبقه بقرون الفيلسوف الإغريقي ديموقريطس Démocrite 460-370 قبل الميلاد بالقول:" إن كل ما يوجد في الكون هو ثمرة للصدفة والضرورة". بينما علق العالم الفيزيائي العبقري ألبرت آينشتين Albert Einstein في منتصف القرن الماضي قائلاً:" إن الصدفة هي الله وهو يتجول متخفياً". بينما ذكر الكاتب الفرنسي أناتول فرانس Anatole France 1844-1924 في كتابه " حديقة أبيقورLe Jardin d’Epicure الصادر سنة 1894:" ينبغي علينا في هذه الحياة التمييز بوضوح بين الأشياء، وأن نمنح الصدفة حقها، فالصدفة في نهاية المطاف هي الله ذاته، و هي أيضاً الإسم السري لله عندما لا يريد هذا الأخير التوقيع باسمه الصريح". واختتم الكاتب الفرنسي البيرت جاكار Albert Jacquard في كتابه " العلم لغير المتخصصين La science à l’usage des non scientifiques الصادر سنة 2003: إن حساب احتمالية حدث ما لا معنى لها طالما وقع هذا الحدث. فظهور الحياة، والديناصورات، والإنسان، وغيرها من الكائنات الحية، جاء نتيجة لعدد كبير من التفرعات والتشعبات أو التحولات في سياق الصيرورة التي حدثت على كوكبنا الأرض، وكل واحدة من هذه التفرعات والتحولات حدثت نتيجة أو ثمرة لعدد مماثل من الممكنات والاحتمالات، ولكل واحدة من الممكنات احتمالية سواء أكانت ضعيفة أو قوية، وتطلب الأمر في نهاية المطاف أن تتحقق إحدى تلك الممكنات، البعض يقول أنها حدثت بفضل الصدفة والبعض الآخر يقول بفضل تدخل اليد الإلهية". وأخيراً نذكر رأي الفيلسوف الألماني فردريك نيتشة 1844-1900 Friedrich Nietzsche في كتابه"المسيح الدجال" L’Antéchrist :" حتى يكون لدينا أقل حس من التقوى والورع أو التدين بإله يشفينا من مرض أو وعكة صحية في الوقت اللازم، أو يخبرنا بضرورة الركوب في عربة في لحظة هطول وابل من الأمطار ووقوع الطوفان، سيبدو لنا كأنه إله عبثي يجب تحطيمه حتى لو كان موجوداً بالفعل، فهو في هذه الحالة ليس سوى ساعي بريد ومروج للتنجيمات ولكشف الطالع حسب بروج السماء، ولا يوجد هنا في واقع الأمر ليس سوى كلمة تصف أغبى الصدف، وقد مات مثل هذا الإله في رؤوس وأذهان العقلاء ". وبهذا الصدد كان أحد أتباع الفيلسوف ديموقريطس في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو لوسيب دوميليه Leucippe de milet يقول :" لا شيء يحدث بالصدفة إنما يحصل كل شيء بسبب ما أو لضرورة ما" وهي المقولة التي دفعت العالم الفرنسي جاك مونود Jacques Monod لوضع كتابه الشهير " الصدفة والضرورة Le Hasard et La Nécessité " الذي بحث فيه أساسات التطور البيولوجي وفق ما طرحته نظرية التطور والانتخاب الطبيعي لتشارلس داروين Charles Darwin في كتابه " أصل الأنواع " L’ Origine des Espèces "، الذي أثار ضجة مازالت تداعياتها قائمة إلى اليوم في الجدل الدائر بين المؤمنين والملحدين، في حين أن البيولوجيا ـ علم الأحياء ـ يؤكد مسلمة قانون فيزيائي يقول : أن النظام يجب أن ينبثق دائماً من نظام سابق له وليس من فوضى أو من العدم كما يدعي الماديون، وعكس ما يدعيه جاك مونود. فالمتدينون يحرصون، ويبذلون كل ما في وسعهم، لإثبات وجود الله لأنه سبب وجودهم وهدفهم الأسمى، فلو ثبت علمياً وبالبرهان العلمي القاطع عدم وجود الله فهذا سيعني نهاية الأديان والمؤسسات الدينية ونسف التاريخ الديني من جذوره، بينما يسعى الماديون وبكل ما لديهم من قوة للاستغناء عن فرضية الله وما يترتب عليها من أنظمية ثيوقراطية.
صراع المفاهيم:
هنالك قول شائع بين المثقفين يدعي أن الفلسفة ولدت من رحم الدين وأدت بدورها إلى ولادة العلم، ومن ثم تمرد العلم على الفلسفة والدين معاً مثلما تمردت الفلسفة قبله على الدين وحاولت التخلص من تبعات التنزيل الذي هو بمثابة العمود الفقري للأديان السماوية واستعاضت عنه بالمنطق العقلي لبناء نماذج بديلة للعالم من دون الحاجة إلى استبعاد أو إلغاء ما اقترحته الأديان السماوية من أصل غيبي ومصير طوباوي. فيما حاول بعض الثيولوجيين ومفكري المؤسسات الدينية المزاوجة بين النصوص المقدسة المنزلة والتنظيرات الفلسفية الوضعية في محاولة يائسة للتكيف والتأقلم مع النظريات المعاصرة عن العالم والوجود والحياة والموت. يقول القديس أوغسطين Augustin d’Hippone، أحد أهم العقول الدينية في الأكليروس المسيحي التي أثرت في تأريخنا الديني، أنه عثر في أعماقه على إله ذو بعد روحاني حيث لم يستطع العلم العثور عليه أو إثبات وجوده. وهو نفس الاله الذي تحدث عنه سفر التكوين وباقي أسفار العهد القديم والمعروفة بنصوص التوراة والتي تروي أصل الزمان ومصدر الوجود المخلوق من العدم على يد الخالق الذي خلق كل الأشياء، وكان إلهاً طيباً، وهو الذي خلق الإنسان على صورته وأمره أن يسكن الأرض ويعمرها ويملأها بنسله وإخضاعها لإرادته مقابل خضوعه غير المشروط لخالقه. وكلنا يعرف انهيار هذه الصورة الرومانتيكية بسبب فعل الخطيئة الأولى وباقي الأسطورة معروف لأتباع الديانات السماوية الثلاثة بشأن طرد آدم وحواء من الجنة لأكلهما ثمرة شجرة المعرفة، ومأساة هابيل وقابيل ولدي آدم وحواء وقصة نوح والطوفان وإبراهيم والذبيحة أو القربان، وملحمة موسى وشعب الله المختار، ومعجزات عيسى المسيح حامل خطايا البشر في أناجيل العهد الجديد وأخيراً رسالة محمد المنقذ الأخير للإنسان من الظلال. تتحدث النصوص المقدسة عن البداية، والمقصود بها بداية الزمان والمكان، هذا الزمان الذي يسير باتجاه واحد مستقيم، من الماضي مروراً بالحاضر باتجاه المستقبل إلى نقطة محددة في عمر الزمن حيث ستكون معلماً لنهايته. والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعي أنه سيموت حتماً وهو الوحيد الذي يسكن في ذاكرته ومخيلته الجمعية، على مر الزمن، خوف كبير من نهاية الزمن، وإن كل لحظة تمر به تقربه من تلك النهاية المحتومة، وبالرغم من ذلك يظل يبحث عن البداية والأصل، التي تحولت إلى معضلة ينبغي الهروب منها أو تجنبها وتلافيها L’esquive de l’origine. ومن ناحية أخرى فإن الميتافيزيقيا والعلم يعيشان حالة طلاق بائن وانفصال تام في أيامنا هذه. فمنذ عام 1826 ساهمت الفلسفة الوضعية la philosophie positiviste لأوغست كونت August Compte بشكل واسع في تنظيف الفكر وإجلاء الغشاوة عن الأنظار إزاء المساءل التي تتعلق بمبدأ الغائية la finalité والسببية أو العلية la causalité، مانعة على نحو منتظم أي تساؤل بشأن وجود كائن علوي يكون هو أصل ومصدر العالم، في حين كان الفيلسوف الشهير لايبنز Leibinz في نهاية القرن السابع عشر، يرى في العلم هدفاً مزدوجاً يتمثل بالتدبر والتأمل والانبهار والإعجاب admirer بحكمة الله الخفية وفي نفس الوقت معرفة الأشياء. والحال أن العلماء يضحون اليوم بالشطر الأول من مقولة لايبنز لصالح الشطر الثاني فقط. وباتت مهمة العلماء في أيامنا هذه، الاهتمام بكل شيء ما عدا مسألة الإلوهية فهذه من شأن الثيولوجيين والللاهوتيين والسحرة والمشعوذين، لذا يتعين على العلماء الماديين والعقلانيين التخلي عن الجوانب والمواضيع الميتافيزيقية والغيبية التي تؤرق ذهن البشر. ترتيباً على ذلك يصح القول إن النظريات العلمية في ميادين التجربة والمشاهدة تتوقف بصورة عامة على مبدأ العلية La causalité وقوانينها على نحو أساسي، وإذا أسقط هذه المبدأ من الحسابات الكونية فسوف يغدو من المتعذر صياغة نظرية علمية في أي حقل من حقول المعرفة كما يعتقد بعض الفلاسفة الإلهيين. فالمادة بنظرهم ليست سوى قناع للحقيقة المطلقة غير المرئية التي ينطوي عليها وجود العالم، ويبنون على ذلك أن الكشف العلمي لا يمكنه أن يبرهن على وجود الواقع الموضوعي المستقل عن وعينا بينما يمكنه أن يدلل في نفس الوقت على عدم لزوم الصفة المادية له. والحال أن مبدأ العلية يقول أن لكل حادث سبباً، وقانون الحتمية يقول أن كل علة أو سبب يولد النتيجة الطبيعية له بالضرورة، بمعنى أنه لا يمكن فصل النتائج عن أسبابها كما يقول مبدأ التناسب بين الأسباب والنتائج، أي أن كل مجموعة متفقة في حقيقتها ينبغي أن تتفق في العلل والآثار كما في الأسباب والنتائج. ومرد ذلك أن مبدأ العلية هو الركيزة التي تستند إليها كافة محاولات الاستدلال. وعلى الصعيد المعرفي، عندما تصطدم بعض العلوم بعقبات تعجز عن تذليلها و لا تحبذ اللجوء إلى الغيبيات والماوراءيات، فإنها تلجأ إلى، أو تتوسل بطرق ومناهج ومبادئ أخرى كالصدفة Le Hasard كما نلاحظ غالباً في علم الأحياء أو البيولوجيا La biologie الذي كثيراً ما يستنجد بالصدفة حيال الظواهر التي يرصدها ويراقبها، مما جعل البعض يعقب بالقول أن الكون لا يحتوي على الصدف بل على مستويات مختلفة من الأنظمة التي يتوجب علينا الكشف عن مراتبيتها، وإن ما ندعوه بالصدفة ليس سوى عجزنا نحن البشر عن فهم وإدراك درجة قصوى من النظام الكوني. وقد يفلت منا ويغيب عن استيعابنا سبب ما أو علة ما مهما كانت صغيرة في حين قد تكون تلك العلة هي السبب الذي يحسم ويحدد نتيجة جوهرية مهمة لم يكن بمقدورنا إدراكها أو التنبؤ بها أو استشعارها pressentir وذلك بسبب أن الكائن البشري غير قادر على معرفة كل شيء يحيط به، لذلك تراه يرمي على عاتق الصدفة مسؤولية جهله. فعلم الهندسة الوراثية، على سبيل المثال، يستشهد بالفيزياء الكمية أو الكوانتية physique quantique ليبرر وجود الصدفة في الطبيعة بالاستناد إلى مبدأ اللايقين أو اللاحتمية principe de l’incertitude. فعلماء الخلايا الحيوية biologistes moléculaires يقولون إنه إذا كانت المادة مدموغة باللاحتمية indéterminisme فإن البنى والتركيبات البيولوجية بالأحرى مدموغة بذلك أيضاً a fortiori لأنها مادية matérielles. وهكذا، ويالها من مفارقة، تنبثق مرة أخرى فكرة الفوضى chaos في قلب علم يدرس حتمية déterminisme برنامج غاية في الدقة. والجدير بالذكر أن العالم الفيزيائي ويرنر هايزنبيرغ Werner Heisenberg كان أعلن سنة 1925 عن مبدأ اللايقين أو اللاحتمية وأظهر أنه في المستوى مادون الميكروسكوبي ومادون الذري، ليس بوسع العالم الفيزيائي أن يحدد في آن واحد موقع وسرعة الجسيمات الذرية كالالكترونات. فمعرفة إحدى المعطيين في لحظة ما يحكمنا بالضرورة بجهل المعطى الآخر، بعبارة أخرى يستحيل علينا أن نقيس بصورة دقيقة كمية الحركة التي يقوم بها جسيم بسيط أو أولي كالفوتون وأن نحدد ونقيس في الوقت عينه موقعه في الموجة المرتبطة به حسب الميكانيكا الموجية التي تحدث بها العالم الفرنسي لوي دي بورجلي louis de Broglie. وكلما كان قياس موضع الالكترون دقيقاً يغدو هذا الأخير عاملاً في تعديل كمية الحركة، أي تغيير في سرعة الجسيم بصورة لا يمكن التنبؤ بها، والعكس صحيح، دون أن يحدث ذلك اضطراباً غير قابل للقياس، بعبارة أخرى، لا يمكن الفصل بين الجسيم الملاحظ أو المرصود وأداة الرصد أو جهاز المراقبة الذي يؤثر فيه، كما لا يمكن فصله عن الشخص أو العالم الذي يلاحظ ويراقب ويرصد الجسيم. أي لو استخدم شخصان أو مراقبان نفس أداة الرصد لنفس الجسيم وعلى موضع واحد، فسوف يصلان إلى نتائج ومقاييس مختلفة. من هنا نشأ مبدأ اللاحتمية الذي يناقض بشكل مطلق مبدأ العلية والقواعد الأساسية والجوهرية التي سارت عليها الفيزياء الكلاسيكية أو التقليدية.
ومن خلال مبدأ اللاحتمية دمغت الفيزياء الحديثة على جبينها معرفتها المتواضعة بجهلنا أو يقيننا المتواضع عن عدم اليقين. فبالنسبة للعالم هايزنبرغ والمفكرين الوضعيين، لا يوجد واقع غير الظواهري أو الظاهراتي phénoménale والحال أن الظواهر les phénomènes لا تقبل سوى القوانين الاحتمالية probabilistes التي تنطوي على الـلاحتمية indéterminisme . وبالمقابل بالنسبة للواقعيين من أمثال آينشتين Einstein فإن نظرية هايزنبرغ غير مكتملة بقدر ما هي حسابية statistique فهايزنبرغ يصر على أنه لا توجد آلية mécanisme تختفي أو تقف وراء علاقات اللاحتمية. وعندما سئل آينشتين لما لا يتفق مع مبدأ اللاحتمية indéterminisme أجاب:" النكتة الجيدة لا يجب أن تكرر دوماً" والمعروف أن آينشتين قال أن الله لا يلعب بالنرد أو الزهر وهو يعتقد بالصرامة الجوهرية rigueur fondamentale للعلية la causalité والحتمية déterminisme ويعارض من يعتقدون بمبدأ الاختيار الحر وتقرير المصير من قبل الالكترونات، وقد رد عليه عالم آخر مازحاً أنه يعتقد بأن الله يلعب بالنرد لأنه واثق من النتيجة. وأعلن العديد من العلماء عجزهم عن إدراك مبدأ تداخل الحالات la superposition d’états الذي سنتحدث عنه بإسهاب فيما بعد.
يستغل بعض المنظرين الإلهيين في مختلف الأديان السماوية هذه المبادئ والفرضيات التي يحتويها العالم الغريب للفيزياء الكمية أو الكوانتية physique quantique والتي يستحيل إدراكها بالحواس البشرية الستة لتعزيز رؤاهم الغيبية أو ما وراء المادية خاصة مبدأ تداخل الحالات، المقصور حالياً على مستوى اللامتناهي في الصغر ويعتقدون أن هناك ما يقابله في مستوى اللامتناهي في الكبر. لقد حاول العلماء على مر العصور وعبر قرون عديدة، تقليص الهوة بين ما نعرفه وما ندركه بحواسنا، وبين فهمنا وتقبلنا للعالم الممتد من اللامتناهي في الصغر infiniment petit وما دونه واللامتناهي في الكبر infiniment grand وما يتعداه، وما ينكشف أمام أنظارنا ومسامعنا وما يخفي عليها. فالأرض تبدو للإنسان الذي يعيش فوقها مسطحة وساكنة غير متحركة نظرا للفرق الكبير بين حجم الإنسان وحجم الأرض لكنها تظهر كروية متحركة تدور حول نفسها وحول الشمس عندما ينظر إليها الإنسان من خارج مدار الكرة الأرضية، من داخل مركبة فضائية مثلاً. كما تظهر انعكاسات وتبعات وتأثيرات غريبة كلما اقتربنا من سرعة الضوء، الى درجه ان الجسم المادي يختفي كليا عندما تبلغ سرعته سرعه الضوء، لذلك فإن أغلب النماذج الفيزيائية تمتلك سلسلة من الخواص تفصل بين رؤيتين أو كونين أحدهما مألوف لدينا والآخر يخضع لقوانين تتنافى مع حدسنا أو مداركنا. وهناك إدراك بشري على مستوى ماكروسكوبي macroscopique ومعلومة علمية يصعب، إن لم نقل يستحيل، إدراكها من قبل الإنسان العادي على المستوى الميكروسكوبي microscopique وما دون الذري والمقصود بهذا الأخير عالم الذرة ومكوناتها من الالكترونات électrons وفوتونات photons وكواركات Quarks وربما جسيمات أو جزيئات أصغر من ذلك بكثير لم تستطع أجهزة القياس التي نمتلكها حالياً اكتشافها حيث تنتشر فرضيات خيالية فنطازية تتحدث عن أكوان بأكملها توجد على مستوى ما دون الذري مثلما يشاع عن وجود أكوان لا متناهية في عددها ولا يمكن للبشر إحصائها، على المستوى الكوزمولوجي، وما كوننا المرئي ، بما يحتويه من مئات المليارات من الحشود والسدوم المجرية والغازات الكونيه ومئات المليارات من المجرات وما تحتويه من مئات المليارات من النجوم والكوكب التي تفصل بينها ملايين المليارات المليارات من السنين الضوئيه، سوى جسيم في ذرة كوزمولوجية في جسد كون مطلق لامتناهي الأبعاد ليس له بداية ولا نهاية، عاقل وحي ودائم الخلق والتطور، كما أشارت إلى ذلك نصوص ووثائق تعود لحضارات فضائية متقدمة ومتطورة تتقدم علينا بعشرات الملايين من السنين، استطاعت السيطرة على مختلف أنواع الطاقة والمادة الكونيتين، سواء المرئية والملموسة منها أو الخفية واللامرئية، وبمقدورها التنقل بين المجرات في كوننا المرئي بلمح البصر. فهناك عدد لامتناهي من المكونات الجوهرية المنتشرة في ثنايا الكون المطلق لا تخطر على بال بشر حتى بعد مليارات السنين، ومهما تقدم الإنسان في العلم والتكنولوجيا ووصل بعلمه إلى مصاف الآلهة. فعندما يبحر الإنسان في رحلة محفوفة بالمخاطر في عمق المجهول، بين اللامتناهي في الصغر L’infiniment petit واللامتناهي في الكبر L’infiniment grand ، بين علوم الحياة Les sciences de la vie وعلوم الوعي Les sciences de la conscience، سيصل حتماً إلى استنتاج بأن رؤيته الكلاسيكية أو التقليدية عن نفسه وعن العالم المحيط به وأسباب وجودهما، غير دقيقة وإن لم تكن رؤية لاهوتية ـ دينية كما كانت عليه نظرته لهما في القرون الوسطى وما سبقها، خاصة عن الكون، حيث كانت صورة الكون في تلك العصور القديمة لا تتعدى الأرض باعتبارها مركزاً للكون والشمس تدور حولها ومسخرة لها وفوقها قبة السماء المرصعة ببعض النجوم الموجودة للزينة ولإضاءة ظلمة الليل إلى جانب القمر التابع الأمين والمخلص للأرض، مع ما ترتب على تلك النظرة ولحقها من أساطير وخرافات رسختها وغذتها النصوص الدينية المقدسة والمنزلة من السماء حسب ادعاء أصاحبها والمروجين لها. لم يخطر على بال أحد في تلك الأوقات المبكرة من عمر الوعي الإنساني أن هناك عدة مستويات للواقع، منها ما هو منظور ومنها ماهو خفي على الحواس البشرية الخمسة ويتعذر استشعارها أو التكهن بوجودها، ولم يفكر أحد بأن الوعي البشري أعمق وأعقد بكثير من مجرد جملة من الوظائف والأنشطة العصبية activités de neurones وإن الحياة مدرجة على صيغة شيفرة جينية ـ وراثية code génétique ضمن قوانين الكون الجوهرية وجزء أساسي من الشيفرة الكونية code cosmologique السابقة للوجود المادي. فمبدأ اللايقين أو اللاحتمية incertitude لهيسنبيرغ Heisenberg أحد أعمدة نظرية الكم أو الكوانتا théorie quantique، يقول لنا أن هناك لاحتمية جوهرية توجد في الكون لا سيما على مستوى الجسيمات الأولية المكونة للكون المادي المرئي وإن الحتمية déterminisme ليست شمولية أو كونية. وإن تجربة شقي يونغ fentes de young ، التي لا يمكننا ان نتطرق لها بتفصيل أوسع هنا رغم أهميتها ، أظهرت لنا أن جوهر المادة وماهيتها الحقيقية ليست فقط جسيمات مادية فحسب بل هناك مكونات أخرى غير مرئية فضلاً عن أنواع أخرى غير معروفة من المادة والطاقة التي تملأ الكون ولا نعرف عنها شيئاً. كما تم إثبات وجود بعد غير محلي dimension non locale صوري أو شبحي holistique في الكون عبر تجارب مختبرية. بمعنى آخر، أن أية نظرية مستقبلية تتعلق بالواقع عليها أن تأخذ بالحسبان بأنه في بعض الحالات يتوجب علينا اعتبار جسيمين كأنهما جسم أو شيء واحد unique objet مهما كانت المسافة الفاصلة بينهما حتى لو كانت على طرفي الكون المرئي، أو يوجد بينهما مليارات المليارات من السنين الضوئية. وقد تبين لنا مؤخراً، من خلال التجارب العلمية، بأن مفاهيمنا التقليدية بخصوص الزمن والمكان والأشياء والاتجاهات والمسارات Les trajectoires والعلية أو السببية La causalité لا يمكن تطبيقها على الميكروـ فيزياء microphysique. وإن العالم المحيط بنا، أي عالم الظواهر، لا يمكن وصفه بدقة علمية دون أن نأخذ بالاعتبار الطريقة التي نقيس بها وأدوات القياس وشخص المراقب الذي يقوم بالقياس. هذا ملخص ما سبق طرحه هذه الدراسة، التي هي تبسيط التبسيط لبحث معمق وطويل بعنوان إله الأديان وإله الأكوان استمر عامين وبلغ أكثر من ثلاثمائة صفحة. واليوم تمكن الإنسان المعاصر، بفضل مسرعات الجزئيات العملاقة أو مصادمات الجسيمات ما دون الذرية، من الحصول على مستويات قصوى من الطاقة ودرجات حرارة تقرب من تلك التي كانت سائدة في اللحظات الأولى من عمر كوننا المرئي. واكتشف الإنسان القوى الجوهرية الأربعة المسيرة للكون المرئي، وهي الجاذبية أو الثقالة، La gravitation, والقوة الكهرومغناطيسية La force électromagnétique, ـ المكونة بدورها من قوتين هما الكهرباء والمغناطيس ـ والقوة النووية الشديدة force nucléaire forte la والقوة النووية الضعيفة، La force nucléaire faible حيث لكل قوة وظيفة جوهرية في تناغم وتماسك وتجانس وبقاء الكون بانتظام مدهش وحياة دائمة. والجدير ذكره أن هذه القوى الأربعة كانت موحدة في لحظة النشوء الأولى كما يعتقد الكثير من العلماء، وحلمهم الكبير اليوم، كما كانت أمنية آينشتين وحلمه الأخير، هو التوصل إلى توحيدها مرة أخرى بفضل نظرية موحدة وجامعة وحيدة. بعد أن اكتشف اسحق نيوتن الثقالة أو الجاذبية، اهتمت نظرية نسبية آينشتين بها ونظرت لها في حين تكفلت نظرية ميكانيك الكم أو الكوانتا mécanique quantique بالقوى الثلاثة الباقية، والحال أن هاتين النظريتين ترفضان التزاوج والاتحاد فيما بينهما أمام حيرة واضطراب العلماء حيث يسعى العلماء اليوم للعثور على نظرية واحدة تضمهما تعرف باسم الثقالة الكوانتية gravitation quantique والتي كرس لها آينشتين آخر عشرين سنة من عمره بلا طائل وتوفي دون أن يحقق حلمه الأخير هذا. هنالك معضلة أخرى في كوننا المرئي تتمثل في أنه لا يوجد زمن أقصر من 10-43 و لا يوجد مكان أصغر من 10-35 من السنتمتر حسب ماكس بلانك Max Planck وهي الحدود الدنيا أو المستويات الأدنى المعروفة بمستويات بلانك والتي لا يمكن تجاوزها للمادة، فبتجاوزهما يتوقف الزمان والمكان لأن قوانين الفيزياء الحالية، بما فيها النسبية العامة تنهار هناك، مما يعني أن كوننا المرئي مخفي أو محجوب voilée بأبعاد وأكوان أخرى، ويمكننا تلخيص تاريخ الكون المرئي الحالي بأنه عند ولادته وهو بعمر 10-43 من الثانية كان قطر الكون لا يتجاوز 10-33 من السنتمتر وحرارته بلغت 1032 درجة وإن كل الطاقة المرئية والملموسة المعروفة اليوم كانت موجودة ولم يضف لها شيء فهي لا تفنى و لا تستحدث من العدم. وكلما زاد اتساع وتمدد الكون زادة برودته حيث يتكثف جزء من الطاقة ويتحول إلى مادة ومن هذه الأخيرة تتكون الغازات الكونية والمجرات والنجوم والكواكب الغازية والصلدة telluriques إلى جانب العناصر الخفيفة والثقيلة ومن بينها عنصر الكربون الذي هو أصل نشوء الحياة.
بقيت هناك مسألتان جوهريتان ترتب عليهما تداعيات خطيرة وحساسة على المستوى الفكري والمعنوي والفلسفي والأخلاقي ناهيك عن المستوى العلمي وهما أولاً: لماذا كان الكون متناسقاً ومتجانساً homogène ومتناظراً symétrique ؟ فالأفق الكوني horizon cosmique شكل مجالاً يحدد رؤيتنا لكل ما نشاهده ونراه ونرصده ونراقبه اليوم. أي أننا عندما ننظر إلى نجم ما يبعد عنا مليار سنة ضوئية فإنه يبدو أمام أعيننا اليوم كما كان عليه حاله قبل مليار سنة لأن الضوء القادم منه استغرق مليار سنة ضوئية لكي يصل إلينا، أي أننا ننظر إلى ماضي ذلك النجم وليس حاضره، وليس كما هو عليه الآن، فقد يكون النجم قد انفجر ومات واختفى منذ بضعة ملايين من السنوات. وبالرغم من تباعد المسافات بين مناطق الكون المرئي ومجراته بسبب التمدد والتوسع expansion المثبت علمياً، فإن الإشارات القادمة من مختلف مناطق الكون المرئي تبدو متناظرة ومتجانسة ومتناسقة homogène بالرغم من انعدام التبادل الطاقوي بينها. ولحل الإشكالية، طور العالم الفيزيائي آلان غوث Alan Guth في سنة 1980 نظرية التضخم الكوني théorie de l’inflation ويمكننا الإطلاع على تفاصيل هذه النظرية في كتاب العالم الفيزيائي بريان غرين Brian Greene المعنون " الكون الأنيق L’Univers élégant الصادر سنة 2005. ثانياً: لماذا لم يكن كوننا المرئي مثالياً وتاماً في تماثله وتجانسه totalement homogène ؟ إذا وجدنا جميع الخصائص propriétés للكون المرئي متماثلة ومتناظرة ومتساوية في جميع الاتجاهات isotropie، وإذا كان الشعاع المتحجر أو الضوء القادم من أعماق الكون rayonnement de fond متجانساً homogène، فكيف نفسر عدم تماثل وتجانس الكون المرئي بشكل تام ومتكامل complet et totale كما ظهر في الصورة التي أخذتها الأقمار والتلسكوبات الفضائية مثل كوب Cobe و WMAP و بلانك Planck خلال العقدين الماضيين، خاصة الضوء أو الإشعاع المتحجر القادم من فترة حدوث الانفجار العظيم أو الكبير Big Bang قبل 13.7 مليار سنة؟ وهو الضوء أو الإشعاع الغني والمليء بالمعلومات، من هنا بات من المؤكد أن كوننا المرئي جاء من نقطة مادية بالغة الصغر وهائلة الكثافة ومرتفعة الحرارة جداً، والتي انفجرت على مرحلتين قبل ما يقارب 14 مليار سنة. ينبهنا العلماء إلى أننا لا ينبغي أن نتصور أن هذا الإنفجار حدث في فراغ سابق له، إذ أن المكان والزمان بدءا معاً وتطورا مع نشأة وتطور الكون المرئي ذاته في نفس الوقت. وبذلك أقر العلماء بوجود بداية لهذا الكون المرئي تؤرخ بالانفجار العظيم أو الكبير مما أعتبره البعض من أتباع أو أنصار الخلق الإلهي المباشر دليلاً على وجود عملية خلق مقصودة ومبرمجة من قبل كائن عاقل كلي القدرة قادر أن يقول للشيء كن فيكون اسمه الله كما فعل البابا بيندكت الثاني عشر Pie XII سنة 1951. وهو الأمر الذي رفضه مؤخراً عالم فيزيائي فذ هو ستيفن هوكينغ Stephen Hawking في كتابه الأخير المعنون التصميم العظيم في محاول للإجابة على تساؤل وجودي حول طريقة نشوء الكون حيث اعتبر عملية انبثاق الكون المرئي نتيجة طبيعية ومنطقية معقولة لوجود الجاذبية أو الثقالة كإجابة عن تساؤل لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء، وهو يعتقد أن وجود الكون المرئي حدث مستقلاً عن إرادة إلهية مسبقة، وحتى في حالة وجود إله فإنه لا يتدخل في قوانين الطبيعة والكون، بالضد مما يعتقد المؤمنون بوجود يد إلهية في كل شيء. بعبارة أخرى يرفض هوكينغ شخصنة الإله متتبعاً خطى آينشتين الذي رفض هو الآخر الإيمان بإله الأديان والمؤسسات الدينية إلا أنه عجز عن الإجابة عن سبب وهدف نشأة الكون، حتى لو لم يكن هذا الكون بحاجة للرب لوجوده، ولم يقدم إجابة ناجعة عن علة وجود الثقالة أو الجاذبية. فبوسع العلم الإجابة عن كيفية نشوء الكون ولكن ليس عن أسباب نشوئه.
وهكذا يعود الله بقوة ليفرض نفسه باعتباره العلة الأولى للكون المرئي كما يعتقد العالم الفيزيائي الفرنسي من أصل فيتنامي تران كسوان توان Trinh Xuan Thuan في كتابه الممتع المعنون " اللحن السري La Mélodie secrète " وكما ذكر في كتابه الرائع الثاني عن الكون المعنون " الفوضى والاتساق أو الهرمونية Le Chaos et L’harmonie" :" إذا قبلنا فكرة وجود كون واحد، هو كوننا المرئي فقط، فلا بد من قبول مسلمة وجود مصدر أو علة أولى cause première تضبط وتدير وتسير قوانين الفيزياء والشروط التأسيسية الأولية لعملية النشوء والتطور" وقد رد عليه متهكماً الكاتب بول إردوس Paul Erdos :" إرتكب الله حماقتين، الأولى هي أنه خلق الكون بطريقة البيغ بانغ الانفجار العظيم، والثانية أنه كان مهملاً إلى درجة أنه لم يترك وراءه أي أثر أو دليل قاطع على عمله ". ويبقى السؤال الجوهري يبحث عن إجابة:" هل الإنسان الأرضي والحياة على الأرض هما من الأسباب الجوهرية في وجود الكون المرئي، أي أنه خلق من أجلهما، أم أنهما عبارة عن حدث وقع بصورة عرضية وبالصدفة ولا قيمة لهما في صيرورة الوجود الكوني الشاسع الاتساع واللانهائي المسافات حيث يبعد أفقه حوالي 14 مليار سنة ضوئية وربما أكثر من ذلك بكثير بما يحتويه من مليارات المليارات من المجرات وأكثر منها من النجوم والكواكب المأهولة وغير المأهولة حسب فرضية أو مفارقة فيرمي Le Paradoxe de Fermi ؟؟ العالم الفلكي والفيزيائي الشهير هيوبير ريفيز Hubert Reeves أجاب على ذلك بشاعرية في كتابه الرائع المعنون " أغبرة النجوم poussières d’étoiles " حين قال إننا جميعاً من هذه الأغبرة النجمية ونحن أبناء النجوم، وهو محق في قوله. فأول العناصر الخفيفة التي نجمت عن الانفجار الكبير أو العظيم هما غازي الهيدروجين والهليوم Hydrogène et Hélium، أما تكون العناصر الأثقل كالكاربون والمعادن الأخرى إلى حد الحديد، فيمكن أنها خلقت في قلب النجوم العادية في حين أن العناصر الأثقل من الحديد فهي نتاج انفجارات لنجوم عملاقة المعروفة بالسوبر نوفا supernovas والتي بلغت درجات حرارة مهولة تتجاوز بملايين المرات درجة حرارة الجحيم الذي تحدثت عنه الكتب السماوية كعقاب ينتظر الكافرين والملحدين والماديين. فإلى جانب ذرات الهيدروجين الداخلة في تركيبة الماء الموجود في أجسادنا، فإن أغلب الذرات الأخرى أعدت داخل نجمة كانت موجودة قبل أكثر من 5 مليار سنة في منطقة من الكون المرئي ستصبح فيما بعد مجموعتنا الشمسية الحالية، وإن تكاثف الغيوم والسحب الكونية التي تحتوي على المواد الناجمة عن انفجار ذلك النجم، هو الذي أدى إلى تكوين نظامنا الشمسي المعروف اليوم. فشمسنا هي نجم من الجيل الثالث بعد الانفجار العظيم، حيث أن الجيل الأول من النجوم حديثة التكوين لا يحتوي على كواكب سيارة صلدة كالأرضLa Terre والمريخMars وفينوس Vénus. ونظراً للوقت المطلوب للتطور بغية إنتاج كائنات معقدة التركيب بما فيه الكفاية لكي تكون عاقلة وذكية وتمتلك وعياً، فمن المستحيل نظرياً أن يغدو بإمكان كائنات واعية أن تراقب وترصد كوناً يتجاوز قطره بضعة عشرات من المليارات من السنوات الضوئية ككوننا المرئي، مهما بلغت درجة تطورها. والحال أن الزمن والمكان متلازمان ومتداخلان ومرتبطان ببعضهما البعض، وكلما مضى مليار سنة ضوئية فإن قطر الكون المرئي يزداد بمقدار مليار سنة ضوئية وبالتالي بما أن الكائنات العاقلة لم تظهر في المليار الأول أو الثاني من عمر الكون المرئي بل بعد ذلك بكثير لذلك، فإنه يتعذر وجود كائن عاقل وذكي، مهما كان عمره، بإمكانه أن يرى ويراقب أبعاد الكون المرئي ويقطع مسافاته اللانهائية كلها على نحو حقيقي بل بإمكانه أن يقوم بذلك من خلال الحسابات والمعادلات الرياضية والقياسات النسبية فحسب كما يقول العلماء الكلاسيكيون، بينما يعتقد علماء منفتحون على جميع الفرضيات والممكنات والتصورات الخلاقة والخيالية، أن هناك كائنات متطورة تمكنت من السيطرة على الطاقة الكونية ، الظاهر منها والخفي، وطوعتها لخدمتها مما أتاح لها الترحال في أرجاء الكون كافة . وأود أن أشير هنا بهذه الصدد إلى أنني لا أكتب من وحي الخيال العلمي كما اتهمني البعض بل انطلاقاً من معطيات علمية صرفه واستناداً إلى منطق علمي تجريبي بحت تقبله واعترف به علماء كبار مرموقين ومشهود لهم بالجدية والصرامة العلمية ولم يترددوا في نشر معلوماتهم في كتب ودراسات وأبحاث نشرتها مجلات متخصصة رصينة. وأزيد على ذلك أن ما كان يعتبر خيالاً علمياً أقرب للخرافة منه للواقع ، في القرون الوسطى وما قبلها بات اليوم حقائق علمية وحقيقة واقعية يومية عادية ومبتذلة لا يفكر مستخدموها بمستواها الإعجازي بنظر سكان تلك القرون الغابرة والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعد و لا تحصى ويكفي أن نتأمل بوسائل النقل البري والبحري والجوي ووسائل الاتصال الحديثة والأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والطائرات العسكرية والمدنية والصواريخ والسيارات والبواخر وحاملات الطائرات والأجهزة والمعدات التكنولوجية المذهلة والسينما والتلفزيون والانترنيت والقنوات الفضائية والكومبيوتر المنزلي والمحمول والهواتف المحمولة والذكية ذات الشاشات التي تعمل باللمس والكومبيوترات العملاقة ومختبرات مسرعات الجسيمات إلخ وغير ذلك كثير من المنجزات العلمية التي يستحيل على العقل البدائي تصديقها وهذا غيض من فيض ونحن ما نزال في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ويكفي إلقاء نظرة على مؤلفات كتاب علم المستقبليات الذين يتكهنون بما سيقدمه العلم من تطبيقات هي من الخيال العلمي حقاً اليوم كالتخاطر Télépathie، وتحريك الأشياء من خلال التفكير والتركيز العقلي والانتقال الآني من موقع لآخر téléportations والمحرك دائم التحرك، وتجديد وترميم الخلايا البشرية لإطالة عمر الإنسان وربما بلوغ مرحلة قهر الموت الخ .. والتي ستصبح من بديهيات واقع المستقبل المنظور.
فمن الذي سيكتشف أصل وجودنا الحقيقي ويقنع البشرية به مرة وإلى الأبد، العلم أم الدين، كل بأدواته ووسائله بالطبع؟؟ فكل واحد من هذين الحقلين يروي لنا قصة الوجود ومولد الحياة والعالم والكون عبر مجموعة من الأبطال والشخصيات، الأسطورية أو الحقيقية، من الذين دمغوا هذا التاريخ بأسمائهم. فتاريخ الأديان، السماوية والوضعية، يروي لنا سيرة مجموعة من الأنبياء والرسل والمصلحين والحكماء ممن يزعم البعض منهم اتصاله بالسماء عن طريق الوحي واستمدادهم للحقيقة الإلهية المطلقة منها بواسطة الملائكة المرسلين من الله الخالق لكل شيء والقابع خارج الزمان والمكان. وفي تاريخ العلم هناك مجموعة من الأسماء والشخصيات، ممن حاول بقدر ما يستطيع، الإتيان بشيء مختلف عما سبقه في هذا المجال بفضل مجموعة من الفرضيات والنظريات العلمية أو من خلال التجارب المختبرية والمشاهدات العلمية التي تمت بواسطة التلسكوبات الأرضية والفضائية والأقمار الصناعية والكومبيوترات الحديثة، وما يزال التنافس جارياً بين الجانبين منذ فجر البشرية وإلى يوم الناس هذا. فهناك أسماء لا يمكن أن تمحى من ذاكرة العلم كجيوردانو برونو Giordano Bruno وكوبرنيكوس copernicus وغاليلو غاليله Galilée وهانس كبلر Kepler و إسحق نيوتن Newton وألبرت آينشتين Einstein وماكس بلانكPlanck من الرواد، و الكسندر فريدمان Alexander Friedmann وإدوين هبل Edwin Hubble وفريد هويلFred Hoyel وجورج غاموف George Gamov وروبير ديك Robert Dick وجيم بيبل JimPeeble وجون ماثر John Mather وروبير ويلسون Robert Wilsonوجورج سموت George Smoot وستيفن هاوكينغ Stephen Hawking و آرنو بينزياس Arno Penzias ومئات غيرهم . وفي سجلات النصوص المقدسة والمنزلة أو الوضعية هناك آلاف الأنبياء والحكماء ممن حملوا الأطروحة السماوية أو الميتافيزيقية وبشروا بها وأقنعوا ملايين البشر بتصديقها أو أرغموهم على اعتناقها طوعاً أو كرهاً، وفي أحيان كثيرة بحد السيف وبالعنف والتعذيب والتهديد بالقتل، منذ نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وموسى وسليمان وداود وأشعيا ويوشع ومروراً ببوذا ومانو وزرادشت وكونفوشيوس وانتهاءاً بيوحنا المعمدان وعيسى المسيح ومحمد ، وكلهم يشتركون بمصدر غيبي أو ما ورائي ، سواء أكان سماوي أو أرضي، كأصل للكون والكائنات. وبالرغم من كل تلك الجهود العلمية والدينية يظل السر قائماً واللغز عصي عن الحل بدون التوصل إلى نتيجة حاسمة وقاطعة لا تقبل الدحض. وفي نفس الوقت تحطمت كل النظريات العلمية على صخرة جدار بلانك Mur de Planck الذي يمثل عقبة كأداء أو حد لا يمكن تجاوزه إذ هو أصغر بعد مادي يمكن تصوره في المكان والزمان حيث لا يتجاوز الـ 10-35 من السنتمتر مكانياً و الـ 10-43 من الثانية زمنياً كما ورد في المقال السابق والحال أن هذه العقبة غير موجودة في الأطروحة الدينية حيث لا حدود ولا عوائق أمام قدرة الله اللامحدودة.
من الممكن تناول أو مقاربة الكون باعتباره رسالة معبر عنها بشفرة سرية Code Secret أو نوع من الهيروغليفية الكونية Hiéroglyphe cosmique على حد قول الكاتب والفيلسوف الفرنسي جون غيتون jean Guitton في كتابه "الله والعلم" Dieu et la Science ، ويبدو أن هذه الرسالة السرية أدرجت في صلب النسيج الكوني البدئي أو الأولي Trame de l’Univers primordial حيث يبدو كذلك أنه في تلك الفترة المتجذرة في القدم، بمقدار جزء من مليار المليارات من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم أو الكبير، تم ترميز أوتشفير Crypté مستقبل كل ما وجد وسيوجد في الشعاع الكوني الأول المنبثق من الانفجار العظيم أو الكبير، وقد يعني هذا أن الأصل للنسيج الكوني trame cosmologique يمكن أن يتواجد situer في مكان آخر غير العالم الفيزيائي monde physique . ولو أمعنا النظر بالدرس والتحليل المعمق للشعاع الكوني الأول أو الضوء الأولي المتحجر rayonnement fossile ، فسوف ترتسم أمام أعيننا ملامح البيضة الكونية المدهشة ونتفهم قول العالم الفيزيائي روبرت ويلسون Robert Wilson بهذا الصدد:" إن ما يلفت الانتباه هو الإنتظام التام و والتناسق والإنسجام شبه الإعجازي régularité parfaite التي نلمسها في هذا الضوء القادم من بداية الزمن. فدرجة الحرارة فيه، على سبيل المثال، لاتحيد ولا حتى بنسبة واحد من مائة ألف من الدرجة، وهي كمية ضئيلة بمكان يمكننا مقارنتها بدرجة حرارة تمس جسد إنسان على الأرض من جراء إشعال عود كبريت فوق سطح القمر، فما هو سر هذا التنظيم والضبط والإحكام الدقيق واللامتناهي تقريباً؟ يتعين علينا ألا ننسى، ونحن نعالج هذا الموضوع، القوى الجوهرية الأربعة التي تسير الكون المرئي. اثنان منها يؤثران في كل مكان، من الأرض إلى تخوم الكون المرئي اللامتناهية في البعد، من المتر المربع الذي تقف عليه قدماي، إلى أبعد مجرة تتواجد داخل هذا الكون المادي والمرئي، وهما قوة الثقالة أو الجاذبية La Gravitation، التي تمنعنا من الطيران في الجو ومغادرة الأرض التي نمشي فوقها، والقوة الكهرومغناطيسية électromagnétique، التي تدخل في إضاءة بيوتنا وتمنع الكراسي من الانهيار على نفسها والتحلل إلى أغبرة من الجسيمات الأولية المكونة لها. أما القوتان الأخيرتان فهما تؤثران في مستوى اللامتناهي في الصغر infiniment petit، وهما القوة النووية الضعيفة والتي بدونها لن يمكن للنشاط الإشعاعي radioactivité للشمس أن يحدث ويكون ضوءها متلألئ وتكون مشرقة وزاهية، والقوة النووية الشديدة والتي تعمل على تلاحم وتلاصق الجسيمات الأولية التكوينية داخل نواة الذرة particules élémentaires. وفي هذا المجال ينبغي التمعن ببعض أرقام هذا الضبط والتنظيم التي تفوق التصور. فإذا كانت القوة النووية الشديدة تمثل رقم واحد 1 فإن القوة الكهرومغناطيسية تقل عنها أو أصغر منها بـ 137 مرة ـ وليس 135 أو 138 ـ في حين أن القوة النووية الضعيفة تقل عنها بمليون مرة، أما الثقالة أو الجاذبية فهي أصغر من القوة النووية الشديدة بألف مليار المليار المليار المليار مرة، فكيف نفسر هذا التفاوت المذهل والدقيق جداً بين القوى الجوهرية الأربعة؟ فهذا الضبط والإحكام ajustemet يثير الدهشة وهو نفس الضبط والإحكام الموجود في حوالي 30 ثابت من الثوابت الرياضية التي يبنى على أساسها واقعنا المادي. ولولا تلك القيم الدقيقة جداً في الثوابت الفيزيائية لما توفرت أدنى فرصة لوجودنا ولا للكون المرئي برمته. وهذه الظاهرة، أو بالأحرى الحقيقة، هي التي دفعت العالم البريطاني المبدع ستيفن هوكينغ Stephen Hawking أن يقول في كتابه السابق " تاريخ مختصر للزمن" الذي صدر في أواخر ثمانينات القرن العشرين:" إن قوانين العالم كما نعرفها حالياً تحتوي على كمية من الأعداد الجوهرية، مثل الشحنة الكهربائية للإلكترون، أو علاقات الكتل بين البروتون والإلكترون. والملفت للنظر أن قيمة هذه الأرقام تبدو مرتبة ومضبوطة ومحكمة بدقة finement ajustée إلى درجة تجعل من الممكن نشوء الحياة وتطورها" فمن الذي يقف وراء هذا التنظيم والإحكام الرائع والدقيق للكون المرئي؟ هذا هو التحدي والرهان الذي سيجابهه العلماء في القرن الواحد والعشرين للإجابة على هذه التساؤلات. وقد يقودنا البحث العلمي في هذا المجال إلى شيء عجيب وغريب ومجهول أو غير معروف لنا اليوم، وربما سيساعدنا في العثور على السبب أو العلة الأولى cause primordiale ، أو السبب الأصلي والأساسي أو الجوهري للظهور المادي للكون المرئي، وهو أن السبب الأول لا يقع داخل كوننا المرئي حسب قول عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل للفيزياء آرنو بونزياس Arno Penzias :" إن ما اكتشفناه هو شعاع لا يوجد له أي مصدر معروف في كوننا المرئي" والتساؤل المنطقي الذي يطرح نفسه يقول:" إذا كان هذا الأثر الكوني غير موجود داخل الكون المادي المرئي الذي نعرفه فأين إذاً يمكن أن نبحث عنه؟ والجواب المنطقي هو إنه موجود ما قبل الوجود المادي، أي ما قبل الانفجار العظيم أو الكبير Big Bang، حيث لم تظهر بعد لا المادة ولا الطاقة، وهذا هو ما عناه بونزياس Penzias بالضبط عندما قال:" إنها عملية خلق تمت من لاشيء De rien مادي ملموس، أي أن كوننا المرئي انبثق من نقطة هي نفسها كانت مسبقاً غير مادية، وانتقلت من الطور اللامادي إلى الطور المادي إثر تدخل طرف مجهول، وما أن أصبحت مادية انفجرت وخلقت بدورها الطاقة والمادة، وبالتالي يتعين علينا أن نبحث عن العلة الأولى هناك أي فيما قبل المادة. وكان العالم الألماني العظيم ماكس بلانك Max Planck ، مؤسس علم اللامتناهي في الصغر وميكانيك الكوانتا mécanique quantique أو الكم، قد توصل قبل أكثر من قرن إلى أن :" كل المادة تجد أصلها ووجودها بفضل قوة ما وعلينا أن نفترض أن خلف هذه القوة توجد روح واعية وعاقلة أو ذكية esprit conscient et intelligent " أو كما قال العالم الفذ ستيفن هوكينغ Stephen Hawking :" توجد حتماً ماهية أو كائن مسؤول عن وجود قوانين الفيزياء حتى قبل الانفجار العظيم " وبعد التقدم العامي والتكنولوجي ووسائل الاتصال والرصد والمراقبة أو المشاهدة والتحليل بواسطة الحواسيب أو الكومبيوترات العملاقة ظهر علم جديد يمكن أن نسميه " علم المعلومة الرقمية والحاسوبية Science de L’information وبدأ هذا العلم يقول لنا أن عالم الطاقة والمادة يستند إلى عالم آخر غير مادي وغير طاقوي ، خفي وغير مرئي invisible لكنه مؤثر وحاسم déterminant ألا وهو عالم المعلومة information ، الذي قد يتكون من مادة وطاقة غير معروفة لدينا نحن البشر. ومثلما يخضع عالم الأحياء للمعلومة المعروفة باسم الشفرة الجينية code génétique ، فإن هذا الكون المادي والمرئي يخضع هو الآخر للمعلومة التي يمكن أن نسميها الشيفرة الكونية code cosmique وهو الأمر الذي أكده العالم الفيزيائي جورج سموت George Smoot، بشأن كوننا المرئي عندما قال:" إن تطور كوننا المرئي سبق أن كان مسجلاً منذ بداياته وما قبلها في ما يشبه الحامض النووي الكوني ADN Cosmique، الذي يمكننا أن نفترض أنه السبب الأول أو العلة الأولى وراء التحول الجوهري والانتقال من العالم الافتراضي ـ التجريدي الرياضي ـ إلى العالم المادي والطاقوي الذي يميز كوننا المرئي". والآن بات من المتوافق عليه بين العلماء أن الكون يرتكز إلى مجموعة من القوانين الفيزيائية إلا أن الأصل يتواجد située خارج واقعنا الملموس في وقت سابق على الانفجار العظيم، وهو الأمر الذي لاحظه أيضاً العالم الفيزيائي الأمريكي بول دافيز Paul Davies سنة 2001 وقال بهذا الصدد:" أن القوانين الفيزيائية غير موجودة إطلاقاً لا في المكان و لا في الزمان على غرار الرياضيات أي أن لها وجود تجريدي abstraite فهي تصف العالم لكنها لا توجد داخله مما يعني حسب هذا الرأي أن قوانين الفيزياء لم تولد مع ولادة الكون المرئي الفيزيائي والمادي L’Univers physique visible . ولكن تبرز هنا مفارقة وهي، إذا كان الكون المرئي وقوانينه قد تحدرت من لا شيء issus de rien عند ذلك لن يمكننا اللجوء إلى تلك القوانين لتفسير أصل الكون. من هنا يتعين علينا تقبل فكرة أن لدى القوانين الفيزيائية خاصية تجريدية caractère abstrait لا زمنية intemporel وأزلية éternel كما جاء في كتاب العالم بول دافيز Paul Davies المعنون " عقل الله The Mind of God" الصادر سنة 1992. وقد علق العالم جورج سموت George Smoot على ذلك قائلاً:" أعتقد أن علم الكون La cosmologie يتمحور عند تلاقي confluent الفيزياء والميتافيزيقيا والفلسفة، وكلما اقترب البحث من المسألة الجوهرية المتعلقة بالأصل والمصدر الأول تذوب الحدود الفاصلة بين هذه المجالات الثلاثة وتغدو غامضة ومشوشة floues وهنا يطرح تساؤلين هما أولاً: لماذا يوجد شيء ما بدلاً من لا شيء ؟ وهو التساؤل الذي تصدى له بجرأة مؤخراً العالم البريطاني الشهير والمقعد ستيفن هوكينغ Stephen Hawking في كتابه الأخير " التصميم العظيم" وتأكيده على أن الجاذبية أو الثقالة، وهي إحدى القوانين الجوهرية الأربعة المسيرة للكون، كافية للإجابة على التساؤل. فيما تصور غيره من العلماء أن السر يكمن في الفرادة التأسيسية Singularité initiale حيث جرى تشفير السيناريو الكوني في قلب الزمن الخيالي أو المتخيل Le Temps imaginaire السابق للزمن الفعلي الذي بدأ من نقطة الصفر. وثانياً: هل الكون هو الذي خلق من أجل الإنسان أم العكس؟ الأديان السماوية تؤمن بأن الإنسان هو أسمى الكائنات التي خلقها الله وكان خلقه فكرة سامية وكامنة في ذهن الله قبل خلق الكون المادي والمرئي لكي يحتويه حين يخلقه الله باعتباره مركزاُ للكون وكل شيء مسخر له بإرادة الله، وهناك حديث ديني على لسان الإله يقول : قال الله كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق ـ أي البشر و ربما غيره من الكائنات ـ لكي يعرفوني أو يعبدوني" والسؤال الذي يفرض نفسه هو: إذا كان الإنسان بهذه الأهمية فلماذا جاء صغيراً وضعيفاً ويفتقد للقدرات الإعجازية التي تمتلكها كائنات أخرى كالملائكة والشياطين، ثم وضعه في كوكب عادي بسيط يدور حول نجم متوسط الأهمية في أطراف إحدى المجرات من بين أكثر من 200 مليار مجرة تحتوي على مئات المليارات من النجوم المتفاوتة الحجم والأهمية أوجدت قبل عشرات المليارات من السنين قبل ظهور الإنسان، والأرض التي يعيش فوقها ا|لإنسان عرضة للدمار والفناء في أية لحظة بمجرد اصطدامها بجرم سماوي أو مذنب فالت من فلكه بسبب انفجار نجم كبير سوبرنوفا supernovae، كما تشير بعض السيناريوهات العلمية، وهل أن هذا الكون المرئي الهائل له وجود عبثي لا وظيفة له سوى أن يكون في خدمة هذا الإنسان؟ أما إذا كان العكس وإن وجود الإنسان حدث عرضي وقع بالصدفة كما تقول بعض النظريات العلمية فمن المنطقي أن نفكر أن هناك أهداف أخرى لخلق الكون المرئي ليضم مليارات المليارات من الأجرام والمجرات والنجوم والكواكب والسدم والغازات الكونية والطاقة والمادة ، المرئية والمعتمة أو السوداء، ومليارات من الكائنات الأخرى التي تقطن في مختلف مناطق الكون المرئي، وتصبح المفاهيم الدينية عن يوم الحساب والقصاص والثواب والعقاب والخير والشر والخطيئة الأولى عديمة الجدوى وفاقدة المعنى وإلا ماهو مصير تلك الكائنات التي لم تحظ برسالة سماوية ولا بأنبياء على غرار أنبياء الجنس البشري، وبالتالي فإن الأفكار الدينية ما هي إلا أيديولوجيات محلية أرضية بحتة تهدف للسيطرة على البشر. فالكائنات الفضائية الذكية والعاقلة تملأ أرجاء الكون المرئي كما يعتقد الكثير من العلماء لكنهم لا يعرفون ماهو أصلهم ومن أي جوهر أو ماهية تتكون أجسادهم أو كينونتهم وماهي الأشكال الأخرى للحياة خارج كوكبنا الأرضي المتواضع وهل بالضرورة تكون التركيبة الكيميائية لهم مبنية على عنصر الكاربون مثلنا، فبعض العلماء يعتقد أن من الممكن نشوء حياة استناداً إلى عنصر السليسيوم SILICIUM على سبيل المثال وقد تكون الحياة خارج الأرض طاقة محض وليس مادة صلدة. وبوسع مثل تلك الكائنات الترحال بين المجرات بفضل طرق مختصرة تعرف علمياً بالثقوب الدودية Trous de Ver وهي غير الثقوب السوداء les trous noirs. والبحث مستمر اليوم عن كواكب صخرية ذات أرضية صلدة قابلة لاحتضان الحياة على غرار كوكب الأرض خارج مجموعتنا الشمسية ولكن داخل مجرتنا درب التبانة، وفيما بعد سيجري البحث عن حضارات كونية متطور في مجرات أخرى، وقد تم العثور على مايقارب الـ 500 كوكب من هذا النوع في مجرة درب التبانة وحدها، وقد علق العالم الفلكي والفيزيائي هيوبرت ريفيز Hubert Reeves قائلاً :" لدي حدس بوجود عوالم أخرى مسكونة، لكننا سنكون حتماً تحت رحمتها ورهن نواياها لأنها تفوقنا في تطورها بكثير" وقد عقب ستيفن هوكينغ Stephen Hawking قائلاً :" إنه لأمر عقلاني أو معقول التفكير بان الكائنات الفضائية موجودة وبكثرة في مجرتنا لكني لا أنصح بالاتصال بها " .



ملاحظات واقتباسات مهمة:
يقول عالم الأحياء وزعيم تيار الإلحاد في العالم ريتشارد دوكينز صاحب كتاب وهم الإله وكتاب الجين الأناني: " نحن آلات حية ـ روبوت ـ مبرمجة بشكل أعمى للحفاظ على جزئيات تعرف بالجينات أو ADN
ورد في التوراة كتاب اليهود المقدس والقرآن كتاب الإسلام المقدس: أن الله خلق الإنسان على صورته:
أجرى العالمان ستانلي ميلر وهارلود يوري سنة 1953 في جامعة شيكاغو تجربة مثيرة في المختبر لخلق الحياة وتحفيز شروط يعتقد أنها سادت الأرض البدائية في أجواء من الميثان والأمونيا والهيدروجين وبركة ماء وبرق أحدثاه بواسطة شحنات كهربائية ومن ثم وجد العالمان بعد أيام قليلة أن البركة تحولت إلى اللون الأحمر واحتوت على مكونات كيميائية كثيرة تعتبر اليوم هامة جداً للحياة مثل الأحماض الأمينية.
إن وجود حياة ذكية خارج الأرض سوف يؤثر بعمق على الدين وسيحطم لمنظور التقليدي لعلاقة الإله الخاصة بالإنسان خاصة بالنسبة للديانة المسيحية التي تفترض أن افله تجسد في يسوع المسيح ليقوم بمهمته في تقديم الخلاص للإنسان على الأرض.
من المهم التمييز بوضوح بين العالمين العقلي والمادي فالأخير مأهول بأشياء مادية تشغل مواقع في المكان ولديها صفات مثل الامتداد والكتلة والشحنات الكهربائية وغيرها وهذه ليست أشياء خامدة بل تتحرك وتنتقل وتتغير وتتطور وفق قوانين الجيناميكا وتشكل دراستها أحد فروع علم الفيزياء وبالمقابل فإن العالم العقلي ليس مأهولاً بأشياء مادية وإنما بالأفكار والأفكار لا تقع في المكان أو الفضاء لكنها تشغل كوناً خاصاً بها يتعذر بلوغه على المراقبين الآخرين ويمكنها أن تنشط وتتغير وتتطور وتتفاعل على نحو حيوي وبطرق متنوعة وتشكل دراستها فرعاً في علم النفس وتنشأ المشاكل والتعقيدات من تفاعل وتداخل العالمين العقلي والمادي.

ينبغي التوضيح أن نظرية الكم أو الكوانتوم هي فرع عملي في علم الفيزياء المعاصرة وهي إبداع بارع ولقد منحتنا تطبيقات عملية مذهلة مثل الليزر والمجهر الالكتروني والترانسستور والموصل الكهربائي والقوة النووية وشحرت الروابط الكيميائية لبنية الذرة والنوات والتوصيل الكهربائي للخواص الكيميائية والحرارية المتعلقة بالمواد الصلبة وتماسك النجوم وانهيارها ومجموعة هائلة من الظواهر المادية الهامة والتطبيقات العملية والتكنولوجية كالحاسوب الكوانتي أو الكمومي. لكنها تبقى أصعب وأعقد النظريات وكما قال أحد آباءها الشرعيين نيلز بور : إذا لم تسبب ميكانيكا الكموم في إرتباكك إرتباكاً تاماً فاعلم حينها أنك لا تفهمها".
حدثت اهتزازة عمبقة بل يمكننا القول بحدوث ثورة فكرية في مفهوم الزمن مع ظهور نظرية النسبية لاينشتين. فبعد ان كان الزمن في السابق يعتبر مطلقاً وغير محدد ومستقل عما حوله من مكان ومواد وكوني شامل يسير باتجاه واحد وثابت من الماضي الى المستقبل مستقلا عن الاجسام المادية والمراقبين بات اليوم حيوياً يمكنه التمدد والانكماش والاعوجاج بل حتى التوقف تماماً عند الفرادة الكونية أي ان سير عقارب الزمن نسبيا وليس مطلقا ويتبع حركة المراقب والحاسب لهذا الزمن او وفقا لوضع الجاذبية ، بمعنى آخر يغدو الزمن وجها آخر للمكان في نطاق مفهوم الزمكان ويمكن للزمان ان يتحول الى مكان وبالعكس رغم صعوبة او استحالة ادراك وفهم مثل هذا التحول.
العقل البشري الحالي محدود في إدراكه وفهمه لأوجه الواقع المتعددة الظاهر منها والخفي. ولا شيء يشير الى إمكانية السيطرة فلا على التناقض الرئيس لنظرية الكوانتوم أو الكموم، أي الدور الفريد الذي يلعبه العقل في تحديد ومعرفة الحقيقة فيمكن للملاحظة العقلية المجردة ان تجعل تركيباً شبحياً لحقائق محتملة بمثابة واقع محتمل. اذا كان الامر يعود لأجهزة القياس فالذرة لا يمكنها الخيار بل يجب علينا مراقبتها قبل ان تتحقق أي نتيجة معينة وتؤكد حقيقة ان عليك ان تقرر أتريد حلق ذرة في مكان او موقع أو في سرعتها ولا يمكنك معرفة الاثنين في آن واحد أيا كانت طبيعتها فإن عقلك يصل بمعنى ما الى العالم المادي ولكن الان يمكن ان نطرح السؤال مجدداً لماذا اخترت قياس الموضع مثلا وليس سرعة الحركة او العكس؟ فهذه هي الحرية أي بناء واقع اقوى من الحرية الموجودة بالفعل للتأثير على العالم الخارجي بواسطة تحريك الاجسام المحيطة بمجرد لمسه مثلاً وهذا ما دفع العلماء للميل نحو فرضية الأكوان المتعددة.
مسألة القدرة الكلية اللامتناهية والمطلقة لدى الإله الخالق تثير أسئلة لاهوتية محرجة. مثل: هل الإله حر في منع الشر فالإجابة البديهية هي بنعم إن كان كلي القدرة والسؤال هو لماذا لم يفعل ذلك إذن؟ سبق للفيلسوف دافيد هيوم ان طرح عشرات من أمثال هذه التساؤلات. فإذا كان الشر من خلق وتصميم لإله فهو إذن غير مطبوع على الخير وإذا كان الشر يتعارض مع تصميمها وطبيعته الخيرة كما تدعي الأديان فهو إذن ليس كلي القدرة حيث لا يمكن ان يكون كلي القدرة وخير في آن واحد نظرا لوجود الشر.
هناك مفهوم الثوابت الكونية وقيمها الرقمية الثابتة على نحو دقيق جداً. وما يثير عجب العلماء ليس حقيقة تغير بنية العالم المادية نتيجة حدوث أية تعديلات، مهما كانت طفيفة، في قيمة الثوابت الكونية الأصلية. ولكن الحساسية المفرطة تجاه تعديلات كهذه فإن أي تغيير ضئل في قوة أو قيمة هذه القوى والثوابت سيفضي الى تغيير صارم في البنية الأساسية فربما لاتولد نجوم او تغدو على نسق واحد إما ساخنة مشعة تعرف بــ العمالقة الزرقاء أو باردة محملة حرارياً تعرف بــ الأقزام الحمراء ولن تكون هناك فرصة لنشوء الحياة.
الأفق الكوني أو الحدود القصوى المرصودة اليوم للكون المرئي تقدر بــ 45 مليار سنة ضوئية .
الضوء ذاكرة الكون:
الذي يعرفه العلماء ولا يجادلون فيه هو أن الجسيمات الأولية، الوحيدة عديمة الكتلة، كالفوتونات، هي القادرة على الرحيل بسرعة الضوء، وهي 854 297 992 متر في الثانية أو 300000 كلم في الثانية،وأي جسم مادي ذو كتلة، مهما صغرت، بأنه بالضرورة يرحل بسرعة أدنى من سرعة الضوء، وكلما امتلك الجسيم طاقة عالية ازدادت سرعته ويمكنه الاقتراب من سرعة الضوء لكنه لن يتمكن أبداً من بلوغها، وهذا ما يتعين عليها إدراكه وحفظه في أذهاننا، لأنه عندما تقترب سرعة جسيم ما من سرعة الضوء فإن سرعة الضوء ذاتها تبقى ثابتة بالنسبة لهذا الجسيم. فلو تخيلنا فوتون يتنقل بسرعة الضوء، وحاولت أن تطارده بسرعة وبلغت سرعتك 299000 كلم في الثانية ، فربما تغرك سرعتك الهائلة أن تسرع أكثر كيلومتر واحد إضافي في الثانية لتبلغ نفس سرعة الفوتون أي بسرعة الضوء، فإن ذلك لن يكون ممكناً، لأنه لايمكن لأي جسم مادي ذو كتلة أن يسير بسرعة الضوء ناهيك بسرعة أكبر من سرعة الضوء، وبالتالي فإن تقبل هذه المسلمة يتطلب استعداداً وانفتاحاً ذهنياً خاصاً، والمقصود هنا بالطبع الضوء الفيزيائي، لكن الضوء والأنوار هي قضية فلسفية أيضاً. فهناك روحية وعصر الأنوار الذي أتاح تفوق الرؤية العلمية على الرؤية الخرافية، وهي التي فرضت غاية ومحدودية أفعالنا البشرية، باعتبارنا ورثة عصر الأنوار، فما هي المسافة التي تفصلنا عن روحية ونمط تفكير رجال عصر الأنوار؟ نوقش هذا الموضوع خلال اللقاءات الفيزيائية والتساؤلات الجوهرية في المؤتمر الذي نظمته الجمعية الفرنسية للفيزياء في المكتبة الوطنية في فرنسا يوم السبت 24 نوفمبر 2014 والمكرس للضوء الفيزيائي والأنوار الفلسفية".
إن طرح هذا التساؤل لا يعني الاعتقاد بمثالية عصر الأنوار بل مجرد اعتباره إحدى المرجعيات الفكرية. لقد أوضح غاستون باشلار بأن:" الضوء يلقي دائماً ظلالاً في مكان ما" وهذه المقولة تنطبق على الضوء الفيزيائي مثلما تنطبق على فلسفة الأنوار، التي تحتوي على منحدرات معتمة، فيما تحدث الفيلسوف الفرنسي بيير بورديو عن :" ظلامية الأنوار، التي يمكن أن تتخذ شكل التيمية أو عبادة العقل أو تأليه وتقديس العقل والتعصب للشمولية ". كما يمكن تطبيقها على قرن الأنوار ذاته، الذي تجاورت فيها الانسكلوبيديا أو دائرة المعارف والاحتفالات الباذخة والمقصلة. بقي أن نعترف أنه في قرن الأنوار بزغت فكرة التقدم ومعها بزوغ الأمل بتحسن مستقبلي لظروف حياتنا ففكرة التقدم تعني تحقيق درجة إضافية من الأمل، ولذلك لا يمكن أن نوقف التقدم.
وبالعودة للضوء الفيزيائي فإنه ينطوي على شيفرة كونية وبفك هذه الشيفرة وتحليلها يمكننا الولوج إلى لغز التركيب الكيميائي للنجوم والمجرات ومعرفة سر تحركها وذلك لأن الضوء يتفاعل مع الذرات المكونة للمادة المرئية في الكون المرئي أو المنظور. إذ لايمكننا إدراك الضوء إلا من خلال تفاعله مع الأجسام، كما لو إن النور الذي يضيء كل شيء يكون غير مرئيا بدون المحيط المادي الذي يعترض طريقه أو مساره فلكي يظهر ويكو مرئياً لا بد أن تعترضه الأجسام المادية سواء كانت حزقة العين أو بتلة أو تويجة الزهرة أو لوحة الرسام أو مرآة التلسكوب، فالضوء والحالة هذه يعتمد على التركيبة الذرية للمادة التي يتفاعل معها حيث يتم امتصاص أو عكس الضوء في مستويات معينة من الطاقة . فلو تلقينا الطيف الضوئي لنجم أو لمجرة، أو بتعبير آخر لو فككنا التكوين الضوئي عبر موشور لمختلف مكوناته من الطاقة أو الألوان المختلفة للضوء لأكتشفنا أن أن هذا الطيف ليس مستقيم بل مقطع إلى خطوط امتصاص أفقية تتناسب مع الطاقات التي تمتصها الذرات.
إن توزيع تلك الخطوط الأفقية الناجمة عن تفكيك الضوء إلى أطيافه عبر الموشور ليس عشوائياً بل هو إنعكاس أمين لتنظيم مدارات الإلكترونات في نوى الذرات وهذا التنظيم يكون خاصاً لكل عنصر من عناصر المادة. فهو بمثابة بصمات أو بطاقة هوية للعنصر الكيميائي الذي يسمح للعالم الفيزيائي بالتعرف عليه على نحو قطعي وبلا أدنى شك أو تردد. وبالتالي فإن الضوء يكشف لنا التركيبة الكيميائية للكون. كما يسمح الضوء بدراسة حركات الأجرام السماوية فلا شيء ثابت أو ساكن في الفضاء فكل شيء يتحرك . فالجاذبية تجعل كل محتويات الكون المرئي، من كواكب ونجوم ومجرات وسدم وحشود وعناقيد مجرية وغازات كونية وكل شيء في الكون، في حالة حركة وتجاذب لكنها لاتسقط فوق بعضها البعض لوجود قوة نابذة أو طاردة مساوية أو معادلة وهي قوة التمدد أو التوسع الكوني التي تسببها الطاقة السوداء أو الداكنة. فالكون في حالة تغير وحركة دائمة. وبذلك ماتت الفرية الآرسطوطاليسية التي تبنتها الكنيسة كمذهب رمسي لها بخصوص الكون،والتي تحدثت عن ثبات وسكون واستقرار السماوات. لكننا على مستوى البشر ، وفي زاوية مهملة في أحد الكواكب العادية في نظام شمسي عادي جداً، لايمكننا أن ندرك ذلك الهياج الكوني وتلك الحركة الدائمة في الكون المرئي وذلك بسبب المسافات الهائلة التي تفصلنا عن النجوم والكواكب الأخرى وبعدها المهول عنا، وقصر عمر البشر. وتتغير ألوان الطيف حسب حركة الجرم السماوي أو مجموعة الأجرام سواء كانت نجوم أو مجرات، بالنسبة لموقع المراقب لها، فكلما ابتعدت مال لونها للأزرق، وكلما اقتربت مال لونها للأحمر وبواسطة قياس هذا التحول اللوني للطيف الضوئي يتمكن العلماء من تصميم التحركات الكونية، ومعرفة اللحن السري أو النغمة السرية للكون la mélodie secrète de l’univers على حد تعبير العالم تران كزيوان تيوان Trinh Xuan Thuan الذي نشر كتاباً بهذا العنوان.
ما هي نظرية الأوتار؟
تُمثل أحد أهداف الفيزياء إيجاد نظريةٍ واحدة تُوحّد القوى الأربعة الموجودة في الطبيعة. تلك القوى هي: القوة الكهرومغناطيسية Electromagnetic Force، الجاذبية Gravity Force، والقوتين النوويتين القوية Strong Force والضعيفة Weak Force، فضلاً عن الفكرة الأهم التي تشغل بال الفيزيائيين طويلاً: إيجاد إطار يمكن عبره توحيد الميكانيك الكمومي مع النظرية النسبية.
القوتان المذكورتان أولًا مألوفتان بالنسبة لنا: فالكهرومغناطيسية هي القوة التي تُمسك بمغناطيس الثلاجة (المستعمل للتزيين)، بينما تُحاول الجاذبية سَحب الثلاجة نحو الأرض. أمّا القوة النووية القوية - أو الشديدة كما تعرف ببعض المراجع - فهي مسؤولةٌ عن الحفاظ على ارتباط الجزء المركزي للذرات (النواة)، في حين تتدخل القوة النووية الضعيفة عند تفكك تلك النوى، ويتم تعريف القوة النووية الضعيفة أيضاً وفقاً للنموذج المعياري على أنها القوة المسببة للتفاعل الضعيف Weak Interaction عند امتصاص أو إصدار البوزونات W و Z.
وفي حين تحقق النجاح الفعلي لأول محاولة توحيدية للقوى الأساسية الأربعة في سبعينيات القرن الماضي، عندما تم الإعلان عن اكتشاف "القوة الكهروضعيفة Electroweak Force" والتي تمثل المظهر المشترك للقوة النووية الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية، فإن قوة الجاذبية والقوة النووية الشديدة لا تزالا بعيدتين عن أي مظهر مشترك يجمعهما مع القوى الأساسية الأخرى.
وفي محاولةٍ لمُوازنة القوى الأربعة معاً، تمّ اقتراح الكثير من الأفكار والنظريات المُهمة. من النظريات الواعدة ضمن هذه النظريات الجديدة نجد نظرية الأوتار "string theory". ففي سعيٍ منها لتوحيد الجاذبية مع القوى الثلاثة الأخرى، تتطلب منّا نظرية الأوتار تغيير طريقة رؤيتنا للكون.
قبل أن نوضح ماهية النظرية، علينا أن نوضح أمراً هاماً: أحد المساعي التي يبحث عنها الفيزيائيون على الدوام هي الجواب على السؤال الجوهري : ما هو الجسيم الأساسي الذي تشكلت منه كل الجسيمات الأخرى؟ هذا السؤال يفترض أنه يوجد جسيم أساسي تشكلت وانبعثت عنه كافة الجسيمات الأخرى وصولاً لتركيب الذرات والجزيئات والأنسجة والخلايا وكل شيء. بالنسبة لنظرية النموذج المعياري، فإن هذا الجسيم هو جسيم هيغز-بوزون (والذي أعلن عن اكتشافه عام 2012). بالنسبة لنظرية الأوتار، الأمر مختلف قليلاً.
وفقاً للنظرية، فإن الوحدة الأساسية لتشكيل المادة - أي الجسيمات - هي أوتارٌ مُهتزة "vibrating strings" ويعود كل نمط من أنماط الاهتزاز إلى نوعٍ مُعين من الجسيمات. تُشابه الجسيمات المُختلفة النغمات الموسيقية المختلفة التي يمكن عزفها خلال حركة القوس على وتر الكمان. على أية حال، من المؤكد في الغالب أنّ أوتار نظرية الأوتار لن تكون كأوتار الكمان.
تتطلّب نظرية الأوتار أيضاً القبول بوجود أبعادٍ إضافية في الكون. نحن معتادون على الأبعاد الأربعة: فوق-تحت، أمام-خلف، يمين-يسار، إضافةً إلى الزمن. إلا أن نظرية الأوتار تتطلب وجود سبعة أبعاد إضافية! تخيل هذا الأمر: كونٌ بإحدى عشر بُعداً، أليس أمراً غريباً بالنسبة لنا؟ على الرغم من ذلك، يعتقد الكثير من الفيزيائيين أنّ هذه الأبعاد الإضافية مُمكنة الوجود وهناك سعيٌ حثيث لإيجاد طرقٍ ما لكشفها وإثبات وجودها.

أحد التعليلات المثيرة للجدل على فكرة الأبعاد الاحدى عشر هي فكرة "التفاف الأبعاد". ففي خطوةٍ نظرية تهدف لتفسير المعادلات الرياضية الواصفة لنظرية الأوتار، تم اقتراح أن هذه الأبعاد تلتف على بعضها البعض، ولا يمكن تمييزها على المستوى المرئي بالنسبة لنا، وإنما يمكن تمييزها على مستوى الأوتار المهتزة نفسها!
وعلى الرغم من انتشارها الواسع، إلا أن نظرية الأوتار تلقى نقداً شديداً من العديد من الفيزيائيين المرموقين، مثل شيلدون غلاشو الذي يعتقد أن نظرية الأوتار مجرد "هراء" رياضي. السبب الأساسي بانتقاد نظرية الأوتار هو تعقيد توصيفها الرياضي، والتفسيرات الخيالية التي تطرحها للواقع الذي نعيش به. وفضلاً عن كل شيء، لا يوجد إلى اليوم أي دليل تجريبي يثبت صحتها.
يُعد السعي إلى توحيد قوى الطبيعة الأربعة واحداً من أكثر مجالات الفيزياء إثارةً وأتمنى أن أكون موجوداً إذا ما كان هناك نجاح، سواءً تعلق الأمر بنظرية الأوتار أو بأي مُرشحٍ آخر.
من ناحية أخرى، تُوجد امكانية بعدم وجود أي نظرية يُمكنها وصف كل قوى الطبيعة بطريقةٍ أنيقة ومُنظمة كما نريدها.
مها كانت النتيجة، فإن العُلماء من كافة أنحاء العالم يعملون معاً من أجل اكتشاف ما هي طبيعة النظرية النهائية لكل شيء.
إن توضيح فكرة نظرية الأوتار الفائقة يمكن أن يتم عن طريق المقارنة مع أوتار العود أو الكمان أو الغيتار، فالعازف ينظم إيقاع الوتر والصوت بواسطة شد أو رخي الوتر الواحد بواسطة المفتاح الذي يرخي أو يشد الوتر وهذا ما يجعل بالإمكان الحصول على نغمات مختلفة بشد أو إرخاء وتر معين، وبالمقابل فإن الذرات في المادة بدءًا من جسد الكائنات الحية وانتهاءً بالنجوم البعيدة تتكون من أوتار دقيقة مهتزة وبحسب هذه النظرية فإن الكون ما هو إلا سيمفونية أوتار فائقة متذبذبة فالكون عزف موسيقي ليس إلا، ومن الممكن معرفة الكون ومما يتكوّن من خلال معرفة الأوتار ونغماتها.
إن الفرق بين وتر الآلة الموسيقية والوتر في نظرية الأوتار الفائقة هو أن الأوتار في الأخيرة عائمة في الفضاء وغير مربوطة كما هو الحال في الأوتار المربوطة بالآلات الموسيقية وبالرغم من حالة الحرية هذه فإن هناك توتر أو ضغط على هذه الأوتار ومقدار هذا التوتر يمكن الإشارة إليها بالمعادلة: 1/(2 p a )، حيث تشير a إلى مربع طول الوتر الذي هو عبارة عن مقدار صغير جدًا يصل إلى 10^-13 سنتيمتراً أي أصغر بمقدار مئة مليار مليار مرة من نواة الذرة، و p إلى طول بلانك الذي هو عبارة عن كمية صغيرة لدرجة فائقة من السلم النووي، أصغر بحوالي 10^20 مرة. وللتعبير عن ذلك هنالك طريقة تقول بأن نسبة سلم بلانك على مقاس الذرة كنسبة هذا إلى مقاس المنظومة الشمسية. وهذه الأوتار على نوعين إما وتر مغلق يمكن أن يتحول إلى وتر مفتوح، أو وتر مغلق لا يمكن أن يتحول إلى وتر مفتوح. ويمكن القول هنا إن الفرميونات هي جسيمات المادة والبوزونات جسيمات تنقل القوى بين جسيمات المادة.
هناك نظريتان، نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين التي تفسر قوة الجاذبية في عالم الكبائر وهي تمنح الإطار النظري لفهم العالم في أبعاده الكبرى: النجوم والمجرات وتجمعات المجرات، وحتى ما وراء المدى البعيد للكون نفسه، والنظرية الأخرى هي ميكانيكا الكم التي تفسر القوى الأساسية المؤثرة في عالم الصغائر (القوة النووية الضعيفة، القوة الكهرمغنطيسية، والقوة النووية القوية)، وهي التي تفسر الاطار النظري لفهم العالم في أصغر أبعاده: الجزئيات والذرات وحتى الدقائق ما دون الذرة مثل الإلكترونات والكواركات. وبالرغم من أن النظريتين متكاملتان كل على حدى إلا أن الجمع بينهما يؤدي إلى نتائج كارثية في فهم الكون من أصغر الأجزاء إلى أكبرها حيث أن نظرية النسبية العامة ونظرية ميكانيكا الكم، إحداهما تنفي الأخرى بحيث لا بد من أن تكون واحدة منهما فقط على صواب وهكذا فإن النظريتين اللتين تشكلان أساس التقدم الهائل في الفيزياء خلال المائة عام الماضية غير متوافقتين.[9] وقد ثار تساؤل البعض عن غرض جمع النظريتين من الأساس، وكان الجواب التقليدي هو: "تصور العيش في مدينة يسودها نظامين مختلفين من أنظمة السير والمرور فهذا يؤدي إلى فوضى كارثية، والدمج بين النظريتين هي الطريقة الوحيدة لفهم منشأ الكون وماحصل عند الانفجار العظيم، حيث أن هذا الكون العملاق نشأ من جسم صغير كروي مفلطح في أجزاء منه، تشبه قشرة الجوز في حجمها وشكلها".
استنادًا إلى نظرية الأوتار الفائقة، فإن الأفكار التي كانت تعتبر محض خيال مثل الانتقال عبر الزمن والانتقال من مكان إلى آخر هائل البعد في لحظات يمكن اعتبارها غير مستحيلة. ولتوضيح هذه الفكرة يقول العلماء: "تصور أن الكون هو عبارة عن المدينة التي تعيش فيها، ففي هذه المدينة إذا أردت الانتقال من منزلك إلى مكان عملك فإنك تحتاج إلى واسطة نقل ووقت للوصول إلى مكان العمل، لكن حاول للحظة أن تنسى المفهوم التقليدي الخطي المسطح للكون أو المدينة وتصور ان المدينة تحتوي على طيات بحيث يكون مكان عملك فوق منزلك بدلا من كونها تقع على بعد عدة كيلومترات وأن هنالك نفق أو جسر يوصلك بسرعة إلى مكان عملك ولنطلق تسمية ثقب دودي على هذه الأنفاق، كانت هذه فكرة ألبرت أينشتاين".
طرح ألبرت أينشتاين فكرته الجريئة في إضافة بعد الزمن إلى الأبعاد الثلاثة المعروفة لإنتاج نسيج واحد زمكاني أشبه بشبكة الصيادين وعلى هذا النسيج كانت الكواكب والنجوم والشمس وكل منها يحدث تقعرًا حسب ثقله. فعلى سبيل المثال، التقعر الذي تحدثه الشمس في هذا النسيج أكبر من التقعر الذي تحدثه الأرض مما يؤدي إلى دوران الأرض حول الشمس في أطراف التقعر الذي أحدثته الشمس على نسيج الكون. كانت هذه ثورة على مفهوم الجاذبية القديمة لنيوتن وسميت هذه النظرية بنظرية النسبية العامة. لكن أينشتاين كان يحلم أيضًا بتوحيد قوة الجاذبية مع القوة الكهرومغناطيسية وكان معجبًا جدًا بما حققه جيمس ماكسويل من توحيد للقوتين الكهربائية والمغناطيسية، وكان حلم أينشتاين أن يتمكن من توحيد فكرته الجديدة عن قوة الجاذبية مع القوة الكهرومغناطيسية في شكل معادلة رياضية الهدف منها التقرب أكثر من فهم الكون.
وخلال عقد العشرينات من القرن العشرين، تمكنت مجموعة من العلماء، على رأسهم نيلز بور، من اختطاف الأضواء من أينشتاين. كان هؤلاء العلماء، على العكس من أينشتاين مهتمين بالأجزاء الصغيرة من الكون مثل الذرة والإلكترونات والبروتونات. ولعجز نظرية الجاذبية التي طرحها أينشتاين بتفسير التجاذب بين الكواكب العملاقة عن تفسير هذا العالم الصغير غير المرئي في الذرة الواحدة، وضعت نظرية حاصة بذلك أطلق عليها ميكانيكا الكم. لم يكن هنالك أي دور للتنظيم والحتمية في هذه النظرية وإنما كان كل شيء عبارة عن احتمالات. فحتى إذا كان هنالك 1000 احتمال لشيء ما فإن هناك احتمالاً لحدوث هذه الاحتمالات الألف، وحتى الأشياء التي تعتبر مستحيلة مثل اختراق جدار فإن ميكانيكا الكم وبالرغم من تأكيدها على أن احتمالية وقوع هذا الشيء هو من الصغر بحيث أنه قد يتطلب دفع الجدار إلى ما لا نهاية ولكنه احتمال قائم. مجمل القول أن ميكانيكا الكم كانت تؤمن بالاحتمالات وبأنه لايوجد يقين لايقبل الشك بنتائج أي تجربة أو نظرية وهذا ما كان يرفضه أينشتاين فيونظرية النسبية العامّة، حيث كان يؤمن بأن هناك تنظيم لكل شيء في الكون، ولكن التجارب المتلاحقة أثبتت خطأ أينشتاين في هذه النقطة.
حاول العديد إيجاد وسيلة للتقريب بين التناسق الرائع للنظرية النسبية وعدم التناسق والاحتماليات غير الحتمية لنظرية الكم، وفي عام 1968 وعندما كان الفيزيائي الإيطالي غابريال فينيزيانو، المتخرج حديثًا يحاول فهم القوة النووية الشديدة اكتشف أن معادلة رياضية قديمة لعالم الرياضيات السويسري ليونارد أولير (1707-1783) تطابق مفهوم القوة النووية الشديدة وكانت هذه المعادلة بمثابة ولادة لنظرية الأوتار. الثورة التي أحدثتها هذه النظرية هي قابلية هذه الأوتار الدقيقة للتمدد إلى غشاء هائل بحجم الكون متعدد الأبعاد، وجود هذا الغشاء الهائل المتعدد الأبعاد يفتح الباب لفكرة جريئة وغريبة وهي أن الكون ماهو إلا غشاء واحد ضمن فضاء أوسع متعدد الأبعاد. ويستعمل البعض مثال الخبز الذي يمكن قطعه إلى عدة شرائح، فالكون ماهو إلا شريحة واحدة فقط وعليه فإن هناك العديد من الأكوان المجاورة وقد تكون هذه الأكوان مشابهة لهذا الكون أو قد تكون خاضعة لقوانين فيزيائية مختلفة تمامًا.



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كمبيوتر المستقبل : هل هو الحاسوب الكمومي أو الكوانتي ؟
- الكون المرئي في سطور خلال قرن
- هل سيتعرى الكون أمام أعين البشر يوما ما ويكشف عن نفسه؟
- دورة الحروب الحديثة التي لا تنتهي في العراق
- حرب التحالف الدولي على داعش تبدأ بالمخابرات
- الواقع الظاهر والوقع الخفي في الكون المرئي 2
- الواقع الظاهر والوقع الخفي في الكون المرئي 1
- داعش بين صورتها الحقيقية وقصور الإعلام 1
- الغرب ينظر إلينا بعين واحدة
- نقاط القوة والضعف في كينونة القوة القائدة للعالم
- داعش الآلة الجهنمية التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين
- الولايات المتحدة الأمريكية منجم المشاكل الدولية؟
- ومضات من وراء الحدود
- رحلة في أعماق الكون المرئي من المنبع إلى المصب
- مقابلة مع د. إسماعيل قمندار
- الحياة ظاهرة كونية وليست أرضية فقط ؟
- الشرق الأوسط في إعصار لعبة الأمم
- حكايات الكوانتا الغرائبية
- الموجود والمفقود في الكون المرئي
- التشققات الكونية


المزيد.....




- عضو لجنة الفيروسات: مريض فيروس بى لا يعدى الآخرين طالما يتنا ...
- الفيضانات التي شهدتها دول خليجية لا تعود لاستخدام تكنولوجيا ...
- الصحة العالمية: الشخص المصاب بأنفلونزا الطيور انتقلت إليه ال ...
- امنع الشيبس .. يؤثر على صحة طفلك ويتلف خلايا الدماغ
- G7 تدعو إلى خفض الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة النووية ال ...
- -إيران تهدد بمهاجمة محطات الطاقة النووية الإسرائيلية-
- اضطراب يؤثر على حركة العين وسلامة الرقبة.. اعرفه
- أستاذ كبد: الدولة وفرت أحدث علاج مناعى لسرطان الكبد مجانا.. ...
- -مرض غامض- يثير الهلع في الأرجنتين!
- أفريقيا تواجه أكبر مخاطر تغيّر المناخ رغم أنها الأقل مساهمة ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - الله والكون جدل العلم والدين