أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - زهير الخويلدي - فلسفة جاك دريدا في مواجهة عولمة الإرهاب















المزيد.....

فلسفة جاك دريدا في مواجهة عولمة الإرهاب


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 4693 - 2015 / 1 / 16 - 00:30
المحور: المجتمع المدني
    



" إذا كان ثمة من صدمة قد أحدثها الحادي عشر من أيلول ... فإنها لا تقوم على الأثر الجارح الناجم عما جرى فعليا وعما جرى حاليا وقد يتكرر مرة أخرى بل من تصور يقيني لخطر أسوأ مقبل"1
لقد ضرب الإرهاب مجددا في عاصمة الأنوار والحرية وخلف القتل والرعب والحيرة على وجوه الناس وارتبط بالالتباس والألغاز والغموض وحالت عدة صعوبات وعراقيل وتحفظات دون فهم هذه الظاهرة ولعل هذه العملية المدانة قد عرفت من جهة التنفيذ والضحايا ولكنها تظل مجهولة من جهة المخطط والمستهدف، ولذلك استنجد المتابعون بالصحافة والإعلام وعلماء السياسية والاجتماع والنفس والأنثربولوجيا الثقافية والأديان للمساعدة والتعمق في التحليل والتوضيح، ولكن للفلاسفة رأي سديد ومنهج فريد ولقد سبق لجاك دريدا أن حاول تشخيص هذه المعضلة إبان أحداث 11 سبتمبر 2001 وقدم نظرة تفكيكية عن هذا المرض المزمن وتوقع قبل غيره الانتشار العالمي لهذه الظاهرة واستفحالها.
في هذا الصدد تتوقف الفلسفة كثيرا أمام الأحداث الحاسمة في التاريخ التي تولد الدهشة والذهول وتمارس فن التفكير بحذر شديد ولكنها تقدم جوابا يضع هذا الحدث الهائل موضع مساءلة جذرية وتنقيب مستمر وتقليب من جميع جوانب وجوده ولا تتسرع إلى تعويم المسألة وتلخيص الأسباب والدوافع وتحديد الأدوات والأساليب ولا تنتهي بسرعة إلى توقع النتائج والتداعيات ولا تبادر بعجالة بتقديم وصفات علاجية مفترضة. بطبيعة الحال مع جاك دريدا هذا الحدث الإرهابي لا يوقظ الفلسفة من سباتها الدوغمائي فحسب بل يدفعها إلى التفكير في نفسها، كما لا يمكنها التفكير فيه بالمسلمات المفهومية المنقوشة في الخطاب المعتاد والمكرر وإنما تنحت تفكير فلسفي جديد تساءل فيه موروث الفلسفة السياسية وعدم التعويل على الخطاب الذي يتم تداوله من قبل الميديا والخطابة الرسمية الذي يستسهل تعريف مفاهيم دقيقة وشائكة مثل الحرب والإرهاب .
في هذا الصدد يعود دريدا إلى تمييز كارل شميث بين الحرب الكلاسيكية التي تتفجر بإعلان المواجهة بين دولتين عدوتين والحرب الأهلية بين المجموعات داخل الدولة الواحدة وضدها في الآن نفسه. ولكنه يخالفه في مصطلح الحرب على الإرهاب ويعتبره مصطلحا غامضا ويحمل الكثير من المغالطات والمصالح وعاجز عن تحديد العدو الذي يحاربه والجهة التي تعلن الحرب وأكثر من ذلك لا يعتبر العنف المتفشي الآن سليل ظاهرة الحرب فقط بل يتأتى من مصادر متنوعة وتغذيه روافد نفسية واجتماعية وثقافية. يتحدث دريدا عن الحرب الجديدة التي وقودها الشبكات الإرهابية ويتم فيها استعمال أكثر التكنولوجيات الحربية شراسة وقسوة ويندلع الصراع بالأساس حول امتلاك المعلوم والسيطرة على الدعاية والإعلام.
لقد تحول الإرهاب إلى خطر مجهول وغير حكومي ومصدره القادم من بعيد ويهدد الجميع دون استثناء وذلك لقدرته الفائقة على التدمير وإحداث الصدمة وسيطرته الدقيقة على المكان وسرعة احتجاز الرهان.
لم تعد العمليات الإجرامية تتم بإلقاء القنابل واختطاف الطائرات وتفجير المباني وطريقة الكاميكاز وإنما أصبحت تجري على الصعيد الرقمي باختراق المنظومات الإعلامية والهجوم الالكتروني والتشويش على الفضائيات وإحداث البلبلة في المصادر المعلوماتية والمالية والعسكرية لدولة معينة وممارسة الضغط الديبلوماسي والحصار الاقتصادي والتضييق التجاري وفرض منظومة من الرقابة القانونية الدولية. هنا يظهر إرهاب الدول ضد إرهاب المجموعات والأفراد ويرتقي التعنيف الممنهج إلى درجة الاستراتيجيات. لقد غيرت التثنية الصناعية العلاقة بين الأرض والأرضية وأدخلت اضطرابا في التمييز بين الإرهاب والحرب وزادت من قدرة الفتك وطاقة التدمير وضاعفت من احتياطي الإمكانيات الكارثية للفوضى. هذه الشبكات الجاهلة بالعالم تكشف بين الفينة والأخرى مشاهد من العنف على المسرح العالمي تصدم الخيال.
تساعدنا الفلسفة على فهم ما حدث حسب دريدا بالتأكيد على أن الهجوم الإرهابي أينما وقع وفي أي اتجاه مورس ومهما كانت عواقبه ومخلفاته وبأي الطرق والتكتيكات تم تنفيذه هو حدث من قيمة مضافة يحمل بطريقة مجهرية ولغة صامتة وبسرعة غير متوقعة وبشكل لصوصي إلى غد البشرية شرا لا يمكن تحمله. أي دولة في العالم مهما كانت عظمتها وقوتها المادية والأمنية معرضة للخطر الإرهابي ويمكن أن تصاب حياتها الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية بالشلل والعطالة عند وقوع أي هجوم إجرامي داخل أراضيها. هل الهجمات الإرهابية هو واحدة الأشكال المخففة من الحرب الأخيرة في الأزمنة الغابرة قد أعيد إحيائها؟
يبدي دريدا دهشته من الدقة والناظم في التنفيذ ويشير إلى تقنية النانو والمنطق الذري وعالم البكتيريا والمجهريات ونظام الهائل والعظيم في الفنون الذي يجعل اللاوعي يصاب بالرعب ويحس بالخوف ، وينتهي إلى القول بأن الإرهاب تسمية جديدة لمفهوم جديد يصعب تمييزه بصورة دقيقة لكونه يختلف عن الحرب الكلاسيكية بين الدول وعن حرب التحرير التي يخوضها السكان ضد الاحتلال وعن الحرب الأهلية ولأنه يجوب الأرض بالطول والعرض ويعشش فوق المسطح بلا مركز وينتشر في الفضاء. كما يدعو دريدا إلى الحذر من هذه الظاهرة وعدم الخلط بين الحرب الباردة والحرب الساخنة وبين الحرب الغاشمة والحرب العادلة والتمييز بين الرعب والخوف والقلق والانتباه إلى الأشكال الواعية واللاواعية والظاهرة والمخفية للعنف والمخاطر التي تحمل تهديدا عاجلا وآجلا لمستقبل الحياة البشرية على الكوكب.
لقد دخلنا إلى مرحلة سبرنيطيقية تتحكم وتوجه وتغذي الإرهاب عن طريق التقنية الصناعية وظهر الإرهاب المنظم والمسلح بأكثر الوسائل تطورا والمثار بمنهجية وفي أوقات عصيبة ومنتقاة ببراعة. لقد تحولت الدولة نفسها من شرط سياسي لتنفيذ سلطة القانون إلى أداة تمتلك لنفسها حق الردع وتبادر بالدفاع عن نفسها بالقوة الكافية التي ترهب بها المتطاولين على هيبتها والخارجين عن مؤسساتها ونظامها العام. لقد ساعدت تحليلات هوبز وشميث وبنيامين على تحديد العلاقة بين القوة والقانون وبين الدولة والعنف ولكن خصوصية تجربة الإرهاب لا تستند إلى تقليد سابق ولا يمكن اشتقاقها من الرعب الثوري طالما أننا لازال يمارس باسم الدولة أو ضدها ويتضمن طاقة من العنف الشرعي أو غيره من وجهة نظر القانون.
الإرهاب يحيل إلى جريمة ضد الحياة الإنسانية باختراق القوانين الوطنية أو الدولية وعدم التمييز بين المدني والعسكري والتحرك وفق غائية سياسية تهدف إلى التأثير أو التغيير في سياسة الدول وقناعات الشعوب. ولا يعفي هذا التعريف الأنظمة السياسية والدول من مسؤولية التورط في ارتكاب هذا الشر وبالتالي يوجد إرهاب دولة مثلما يسطع إرهاب المجموعات ولا يمكن تبييضه مهما كانت المسوغات.
من يشجع الإرهاب؟ ومن يقف وراء انتشار الشبكات الإرهابية في أنحاء العالم؟ هل الفكر المتطرف الذي يستند إلى نص مغلق أم الدول الامبريالية ذات المصالح المادية؟ ومن المسؤول عن تخليف الأضرار؟
بعض الدول الكبرى والقوي العظمي ارتكبت مجازر وفضاعات في حق الشعوب البريئة وخاصة في مرحلة الاستعباد والاستعمار وأثناء الحروب العالمية ولما تم إلقاء القنابل النووية والعنقودية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات وحيث تمت ممارسة التطهير العرقي والتصفية على الهوية وابادة الأبرياء.
غير أن مصطلح حرب نظيفة ضد الإرهاب الدولي هو كلمة حق أريد بها باطل تشبه كثيرا مصطلحات الحرب العادلة والحرب المقدسة وحرب التخليص ومواصلة للصراعات السياسية بلغة عسكرية قاتلة وبالتالي الترحيب بمثل هذا المصطلح لا يبارح المكان الذي انطلقت منه صيحات التنديد والإدانة له.
ربما يندرج تنظيم حوار فلسفي من أجل التصدي لظاهرة الإرهاب على الصعيد الدولي ضمن الدفاع على القيم الكونية والإنسانية التقدمية باعتبارها خيارا إيتيقيا لا محيد عنه للتعايش السلمي بين الدول والشعوب. لقد مورس الإرهاب من طرف الدول ضد دول وشعوب أخرى في الجزائر وفلسطين وايرلندا الشمالية ولا يمكن نعت الثوار المطالبين بالاستقلال في الجزائر من الاستعمار الفرنسي بكونهم إرهابيين ولا يمكن معالجة قضايا التحرر الوطني وتقرير المصير عن طريق القوة العسكرية، وقتها تصبح الدولة إرهابية.
لكن كيف يستطيع المرء التمييز بين عمل إرهابي مرعب ومقاومة مشروعة ضد الاحتلال والاستعمار؟ ومتي يستوطن السلم في البنية القانونية والمنظومة القيمية للعلاقات بين الشعوب والدول والثقافات ؟ أليس من المطلوب الكف عن الاستغلال والهيمنة وإنهاء الاحتلال والاستيطان ثم نتحدث عن العيش المشترك؟ لماذا يزج بالإسلام من جهة الاعتقاد في معركة ضد الشعوب المسلمة من جهة الثقافة والاجتماع البشري؟
المصدر:
Qu’est-ce que le terrorisme ? par Jacques Derrida, février 2004, lien :
http://www.monde-diplomatique.fr/2004/02/DERRIDA/11005
المرجع:
كتاب ذهنية الارهاب، لماذا يقاتلون بموتهم؟، مجموعة من المؤلفين، ترجمة بسام حجار، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، طبعة أولى، 2003، ص.82.
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آراء سياسية من الفلسفة العربية
- ما سر حضور الأساطير في الفلسفة ؟
- هاني فحص ...مصلح ترك بصمات
- حوار مع الفيلسوف الدكتور زهير الخويلدي
- الذنب العربي والغفران الصعب
- التجربة الفلسفية بين النقد والتأسيس
- الروح العلمي الجديد عند غاستون باشلار
- تقنيات العناية بالذات في النشاط الفلسفي
- سيرورة التثقف وتبدل الأطوار الحضارية
- المشكل الأنثربولوجي في فلسفة موريس مرلوبونتي
- العقلانية العربية بين إحياء التقليد والحداثة المعطوبة
- مفهوم الذاكرة بين الوعي الانساني والديمومة الزمانية
- هل من تناقض بين الرغبة والسعادة ؟
- فنومينولوجيا اللذة والألم
- الدلالة التاريخية للدولة الديمقراطية
- المنعطف الهرمينيطيقي لفلسفة للدين عند بول ريكور
- من التبعية الثقافية الى الاستقلال الحضاري
- كيف يمكن ممارسة فعل التفكير الفلسفي؟
- نقد الدعاية وتفكيك الخطاب الاعلامي
- واجب الدفاع عن الحق في الحقوق


المزيد.....




- كاريس بشار لـCNN: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى ا ...
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: العمل جار لضمان حص ...
- الأمم المتحدة: نزوح أكثر من 50 ألف شخص بسبب المعارك شمال إثي ...
- بعد تقرير -اللجنة المستقلة-.. الأونروا توجه رسالة للمانحين
- مراجعة مستقلة: إسرائيل لم تقدم أدلة بشأن ادعاءاتها لموظفي ال ...
- منتقدة تقريرها... إسرائيل: الأونروا جزء من المشكلة لا الحل
- زاخاروفا: هناك نقطة مهمة غائبة عن الانتقادات الأمريكية لحالة ...
- البرلمان البريطاني يقر قانون ترحيل المهاجرين غير النظاميين إ ...
- لجنة مستقلة: الأونروا تعاني من -مشاكل تتصل بالحيادية- وإسرائ ...
- التقرير السنوي للخارجية الأمريكية يسجل -انتهاكات جدية- لحقوق ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - زهير الخويلدي - فلسفة جاك دريدا في مواجهة عولمة الإرهاب