أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زهير الخويلدي - الدلالة التاريخية للدولة الديمقراطية















المزيد.....

الدلالة التاريخية للدولة الديمقراطية


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 4435 - 2014 / 4 / 26 - 18:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


" يمكننا أن نعرف السياسة على أنها مجموع الممارسات المنظمة المتعلقة بتوزيع السلطة السياسية ، المسمى بطريقة أفضل السيطرة "1
من الخطأ الاعتقاد بأن الفكر الديني في مجاله الغربي، في نسخته اليهودية والمسيحية، قد شهد تقهقرا وتعرض إلى الخلخلة والتحطيم من قبل الحداثة والتنوير والعلمنة ، ومن الوهم أيضا التسليم بأن الفكر اللاهوتي الكلاسيكي الغربي قد تم القضاء عليه بمجرد القيام بثورات علمية واجتماعية وسياسية وأن الفصل التام والنهائي بين مؤسسة المعبد وأجهزة الدولة قد حدث واكتمل.
بل يجب الانتباه إلى أربع أشياء:
- يتمثل الأمر الأول في تزايد اهتمام الفلاسفة الغربيين بالموروث الديني وتعمقهم في دراسته وغربلته وذلك قصد استيعابه وتجاوزه واستثمار مناطقه النيرة ودفع اشكالياته إلى حدودها القصوى وبناء نظرة علمية منصفة لهذا الرأسمال الرمزي.
- الأمر الثاني هو بقاء الفكر الديني في وضع نشيط ولو بشكل مترسب في العمق واستمرار الاجتهاد والتنظير والتجارب وتحقيق المراكمة في الإنتاج وإحداث القطائع.
- بقاء الكنيسة مهيمنة على الحياة الروحية ومحددة لرؤية الإنسان الغربي للتاريخ ومؤثرة في النشاط الفكري للثقافة الغربية بالرغم من فقدانها لسيطرتها على السلطة السياسية.
- انبعاث الفكر الديني من رماد الفكر النقدي من جديد والتعويل على الموروث القديم من أجل بناء فهم أعمق للمخزون السردي والرمزي للوعي الغربي وبروز رغبة في إعادة الاعتبار للدين في البعد الطقوسي والأخلاقي للخروج من الأزمة الروحية القاتمة2 .
يترتب عن ذلك ضرورة التخلي عن هذه المسلمات الخاطئة لكي يتمكن العقل العربي من معرفة العالم الفكري المحيط به ولكي يفهم ألغاز الطبيعة البشرية وطبيعة حضور الديني في الدولة والمجتمع ولكي يستكمل معرفته بالآخر الغربي ويستكشف الأسس ما قبل السياسية للدولة الديمقراطية ويحكم التساؤل عن تاريخية العلاقة بين العقل والدين وجدلية العلمنة والأشكال الجديدة من السلطة والسياسي و محاولة تخطي الصراع الايديولوجي بين السياسة واللاهوت الذي لا يزال متواصل وتوفير شروط قانونية لاحترام التعددية واجراء حوار بين المتنافسين3 . فهل الديمقراطية فكرة تاريخية؟
ما يشير إليه مفهوم التاريخ هو تنوع سياقات استعمالاته وتفرعها إلى أربع أبعاد:
- مجموع الأحداث الماضية ( مجرى التاريخ) cours de l’histoire.
- الخطاب الذي يروي هذه الأحداث (historiographie) أو علم التأريخ.
- الوضع التاريخي للوجود الذي نكون عليه ويخصنا ( التاريخية historicité ).
- الوجود في حد ذاته وفق تجلياته التاريخانيةhistorialité عبر حقب زمنية متتالية4 .
على هذا النحو ، يميز ريكور أولا بين مسرح التاريخ الحي وشروط امكان حدوثه وينقد المعرفة التاريخية في مرحلة ثانية ، وبعد ذلك يعمل على استنطاق المكونات الأنطولوجية للتاريخية، وفي مرحلة رابعة يخوض في معنى ودلالة الحقب التي يظهر عليها تاريخ الوجود في تعاقب تجلياته.
الديمقراطية ليست فقط فكرة تاريخية معرضة للتغير والصيرورة وتعاني من هشاشة وعطوبية وقابلة للتطوير والتعديل بل هي قيمة كونية امتلكت زمانية وجودها الخاص بنفسها وتحولت الى رؤية تاريخانية للعصر وفرضت نفسها كمصير سياسي لكل الشعوب الرافضة للاختفاء والتلاشي والمتشبثة بالكيان في العالم. لقد ضمت التفكير التاريخاني للديمقراطية ثلاثة عناصر:
تاريخية النظام الديمقراطي: هل الديمقراطية تأسست من عدم أم بالانطلاق من تراث وتقاليد دينية؟
المفارقة السياسية ومتاهة السياسي: لقد حجبت الفلسفة السياسية مفهوم السياسي واهتمت بالاقتصادي والاجتماعي وأهملت القانوني والأخلاقي
فهل أدت القطيعة مع اللاهوت السياسي الى تشكل نمط الحكم الشمولي؟
نهاية اللاهوت السياسي والعلمانية الثالثة: الديني أو السياسيين أيهما أفضل؟ هل الدين ظاهرة سياسية أم ظاهرة ثقافية؟ هل تأسست الديمقراطية الغربية باعادة احياء الديمقراطية الاغريقية أم بالعودة الى التقاليد الرومانية والنزعات الانسانية والوثنية والمادية التي ظهرت في عصر النهضة والاحياء الديني؟
في الواقع لم يتم القطع مع اللاهوت السياسي و مازلت مؤسسة المعبد تمارس سلطة على الثقافة الغربية وتحول دون قيام نظام ديمقراطي مستقر. وبالتالي يتمثل الحل هو العلمانية الثالثة التي تنقد علمانية الدولة المانعة وعلمانية المجتمع المدني المانحة. كما ينبغي الترفيع من منسوب مفهوم السيادة من أجل المحافظة على وحدة الفضاء الجغرافي لاحترام القوانين اذا كانت ارادة العيش المشترك وفق باراديغم العقد الاجتماعي تعاني من هشاشة ذاتية وتبقى تحت رحمة تفاهم القوى والأفراد ويمكن زعزعتها بمجرد ظهور بوادر النزاع والتضارب المصالح. أضف الى ذلك من الضروري التركيز على العلاقة العمودية بين الحاكم والمحكومين وصيانة مفهوم السيادة لكون لا يقبل التوزيع واعادة تأسيس الديمقراطية على مبادىء اتيقية مثل الصداقة والانصاف والاعتراف والكرامة .
من ناحية أخرى يجب أن تكون الدولة مؤسسة سياسية محايدة وفي منزلة موضوعية من كل القوى المتصارعة وليس لها دين وليست معادية للأديان والمعتقدات التي يعتنقها المواطنون وتسمح بالتعددية وبحرية الضمير ولا هي دولة ملحدة ولا هي دولة مؤمنة وانما تكرس قيم التسامح والتعايش والسلام.
أن الديمقراطية هي أول نظام سياسي لا يتأسس على شيء وإنما يغيب أي أساس ينبني عليه ويتقوم من ذاته وعلى العدم ويظل في وضع هش بطريقة قصوى فإن ريكور يخالف في الرأي ويعتبر ريكور الديمقراطية نظاما سياسيا قائما على السبق الذي يحققه بالقياس الى ذاته في اطار جدل الأصل الأزلي والبداية التاريخية ويؤكد أن مشكل الديمقراطية يعود الى تربية المواطنين على الانخراط النقدي في تدبير شؤونهم والى وجودهم في وضعية اجتماعية لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم لإنتاج السياسي.
في الواقع إن أصالة الديمقراطية وجدتها لا تتحدد بقدرتها على التأسيس الذاتي ولا بالتأسيس من فراغ كما يقول كلود لوفور5 بل عند ريكور تبقى الديمقراطية مجرد أنظمة وراثية وتتكون من بنية تراتبية لاهوتية سياسية وتحافظ على علاقة العلو والتفوق من أجل الهيبة والنفوذ والسيادة.
صحيح أن الثيولوجيا السياسية ذات النزعة الثيوقراطية قد ماتت وفقد ادعاء تأسيس السياسي على اللاهوتي معناه ولم يعد بالإمكان التفكير في سلطة سياسية تابعة للسلطة الالهية ولكن الذي احتل مكان المؤسسة التيولوجية ليس النظام الديمقراطي بل الحكم الشمولي ذات النهج التسلطي. كما أن اللاهوت السياسي في كليته مازال يمتلك معنى فقد تبقى منه الشيء الكثير ومازال حاضرا بشكل غير مباشر في المجال السياسي وخاصة لما تجسد ارادة العيش المشترك مبادئ الأخوة الدينية وتسمح النظرة الايمانية للحياة والموت بقيام ثيولوجيا سياسية أصيلة ومبتكرة .
لقد عفا الزمن عن اللاهوت السياسي الكلاسيكي وانتهى تبادل السلطة الدهرية والمباركة الدينية تجسيدا للنظام الثيولوجي السياسي حيث كان النظام الكهنوتي يمنح بركته للسياسي ويعطي السياسي للنظام الكهنوتي قوة واستمرارية سلطته الدهرية وصار بالإمكان تصور ثيوقراطيا بلا سلطة سياسية وتقوم سلطة سياسية دون مباركة دينية وتشكلت ثيولوجيا سياسية غير استبدادية.
والحق أن طريقة الجمع بين الديني والسياسي اليوم هي مختلفة عن التبرير الالهي للسلطة السياسية البشرية وعن تأسيس السياسي على الالهي وتسمح للديمقراطية بالقطع مع النظام التيولوجي ذي الطابع الاستبدادي ومعارضتها للنزعة الشمولية التي تستلهم عناصرها من الايديولوجيا التيولوجية وتحاول تأسيس حكمها بمحاكاة سلطة مشرع أسمى ومتسيد على الكون. في نهاية المطاف حري بنا طرح هذا الاشكال العصي على الفهم: الديني أم السياسي، أيهما الأكثر أهمية اليوم؟ ولمن تؤول الكلمة في تنظيم حياة الناس؟ لماذا يوجد المواطنون في وضع يعجزون فيه عن انتاج السياسي بالاعتماد على أنفسهم ؟ وهل تعرضت الديمقراطية الى تشويش متعمد أم هي ظلت مصدر ازعاج للأنظمة التسلطية؟
(مداخلة قدمت في إطار يوم دراسي بجامعة منوبة ، كلية الآداب والفنون والإنسانيات، نظمه مخبر النخب والمعارف والمؤسسات الثقافية بالمتوسط ، حول الدين والسياسة في الإسلام، بتاريخ 23 أفريل 2014.)
الهوامش:
[1] ريكور ( بول) ، الذات عينها كآخر، ترجمة جورج زيناتي،المنظمة العربية للترجمة ، الطبعة الأولى، 2005. ص. 487.
[2] هابرماس ( يورغن ) وجوزف راتسينغر ( البابا بندكتسXVI ) ، جدلية العقلنة ، العقل والدين، ترجمة حميد لشهب، دار جداول، بيروت ، طبعة أولى، 2013. ص.ص.19.20.
[3] هابرماس ( يورغن ) وجوزف راتسينغر ( البابا بندكتسXVI ) ، جدلية العقلنة ، العقل والدين، مرجع مذكور، ص.78.
[4] Ricœur ( Paul ) -;- Lecture 2 , Préface à Heidegger et le Problème de l’histoire (1988) , édition du Seuil, Paris, 1992.pp.294.303.
[5] Voir Lefort ( Claude) , L’épreuve du politique, édition Calmann- Lévy , Paris. 1991.
المراجع:
Ricœur ( Paul ) -;- Lecture 2 , Préface à Heidegger et le Problème de l’histoire (1988) , édition du Seuil, Paris, 1992.
Lefort ( Claude) , L’épreuve du politique, édition Calmann- Lévy , Paris. 1991.
ريكور ( بول) ، الذات عينها كآخر، ترجمة جورج زيناتي،المنظمة العربية للترجمة ، الطبعة الأولى، 2005. ص. 487.
هابرماس ( يورغن ) وجوزف راتسينغر ( البابا بندكتسXVI ) ، جدلية العقلنة ، العقل والدين، ترجمة حميد لشهب، دار جداول، بيروت ، طبعة أولى، 2013.
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنعطف الهرمينيطيقي لفلسفة للدين عند بول ريكور
- من التبعية الثقافية الى الاستقلال الحضاري
- كيف يمكن ممارسة فعل التفكير الفلسفي؟
- نقد الدعاية وتفكيك الخطاب الاعلامي
- واجب الدفاع عن الحق في الحقوق
- الحرية بين المعتقد والضمير، مقاربة فلسفية
- فلسفة الدستور ومرونة التأسيس
- نظرية الذات في الفكر مابعد الحديث
- سلام الى روح المناضل نيلسون مانديلا
- أحمد فؤاد نجم وملحمة الشاعر الثائر
- نظرة الذات ومرآة الغير
- اكتشاف الكوناتوس والإقرار بوحدة الوجود عند باروخ سبينوزا
- استراتجية التكوين في اليوم العالمي للفلسفة
- في ذكرى ترجل جيل دولوز ورغبته في الترحل الدائم
- مستقبل القوى الثورية في ظل الارتدادات
- أدوات التفكير وعمليات الاستدلال
- متى نكون ديمقراطيين بالفعل؟
- العنف السياسي وأولوية السلم الأهلي
- طرق مقاومة الارهاب
- علم السياسة والمعطى الديني عند حنة أرندت


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زهير الخويلدي - الدلالة التاريخية للدولة الديمقراطية