إبراهيم جركس
الحوار المتمدن-العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 17:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ديانة التوحيد القمري 12: (("الله" بوصفه إلهاً للقمر))
# مأرب، جنوب شبه الجزيرة العربية
كانت مأرب العاصمة القديمة لمملكة سبأ، والتي يعرفها العبريون باسم "شيبا"، وتعني "سبعة" أو "قَسَم/عهد"[1]. تقع مأرب فوق تلال على ارتفاع 1190متراُ عن سطح البحر، وتبعد حوالي 225كم عن ساحل بحر العرب.
تبعد مأرب حوالي 123كم شرق صنعاء. بلدة "آوى" خارج مدينة صنعاء فيها معبد للقمر سُمّيتَ تيمّناً بمعبد القمر في مأرب[2] كتب رونالد ليوكوك عن مملكة سبأ التي كانت عاصمتها مأرب:
((يبدو أنّه في القرن الأخير ماقبل الميلاد، وخلال القرون الأولى للحقبة المسيحية كانت هناك دولة "سبأية أكثر عظمة" تدين بتماسكها إلى _وتبدي هويتها من خلال_ العبادة المشتركة لإله القمر "ألمقه"))[3]
معبد إله القمر في مأرب يعرف أيضاً بمحرم بلقيس، ويعني "معبد بلقيس". وبلقيس هو الاسم العربي لملكة شيبا المذكورة في الكتاب المقدس. وعلى الأرجح أنّ المعبد قد تمّ تكريسه لألمقه (إلمقه)، إله القمر والحرب لدى السبأيين[4]
كانت سروه مستوطنة قديمة في الجبال غرب مأرب، ويعتقد أنها كانت القصر الصيفيي لملكة سبأ "بلقيس"، أمّا القصر الشتوي فعلى الأرجح أنّه كان في صلحان التي تبعد 19كم شمال مأرب[5]
كانت ملكة سبأ قد سافرت حوالي 2033كم إلى القدس من مأرب باليمن [6] لزيارة الملك سليمان حسب لرواية التوراتية التي تبنّاها التراث الإسلامي أيضاً. يومها لم تكن ملكة سبأ تعبد إله سليمان كما هو معروف. إذ أنّها من دون شك كانت تعبد إله القمر المتجسّد في ألمقه، إله القمر الرسمي لسبأ[7].
كون أنّ ملكة سبأ قد سافرت إلى القدس سهّل بالنسبة لمحمد الاعتقاد بأنّ إبراهيم قد جاء إلى مكّة. إنّ ملكة سبأ خلال رحلتها إلى القدس قد قطعت 901كم، أي أطول بكثير من رحلة إبراهيم من القدس إلى مكّة. قد تكون ملكة سبأ قد أبحرت على طول ساحل البحر الأحمر حيث يقع الآن ميناء إيلات. فإذا سلكت ملكة سبأ الطريق البري على طول ساحل البحر الأحمر، لابد أن تكون قد مرتّ من مكّة.
لقد أردك محمد أنّ الكتاب المقدس يذكر سفر إبراهيم مسافات طويلة حسب معايير ذلك الزمن. وعلى اعتبار أنّ هذه الرحلة قد حدثت فعلاً، وبالتسليم بأنّ شخصيات الكتاب المقدس هي شخصيات واقعية وحقيقية، يمكننا أن نقيس الرحلة: من أور إلى حران 930كم، ومن حرّان إلى القدس 665كم، ومن القدس إلى القاهرة 425كم. لكنّ محمد لم يكن يعلم أين كانت تقع مدينة أور التي ولد فيها إبراهيم إذ أنّها كانت قد زالت واندثرت ولم تعد موجودة منذ زمنٍ بعيدٍ قبل محمد، حتى أنّه لم يفهم أصل إبراهيم ومن أين هو.
الرحلة من القدس إلى مكّة _1231كم_ أطول بعض الشيء من أي رحلة من رحلات إبراهيم. ناهيك عن أنّ محمد _بالنظر إلى الرحلات الذكورة في الكتاب المقدس_ لم يكن يشكّ أبداً أنّ إبراهيم قد زار مكّة، مع أنّ صحارى شبه لجزيرة العربية قاسية وقاحلة، وقاتلة في بعض الأحيان. يوحنّا الدمشقي (~675_~749م) قد سخر من فكرة محمد أنّ إبراهيم _الذي اسمه الأصلي هو أبرام_ قد ضحّى بابنه _إسحاق وليس اسماعيل حسب رواية الكتاب المقدس_ في مكّة:
((بما أنّ العهد القديم يقول أنّه كان هناك تلة مرتفعة من القشّ والحطب، التي كان إبراهيم قد قطعها من أجل المحرقة التي كان يريد وضع إسحاق [وليس إسماعيل] فوقها، فترك حماره خلفه مع الغلامين اللذين اصطحبهما، من أين إذن استقيت قصّتك الخيالية؟ ففي ذلك المكان [مكّة] لا يوجد حطب يمكن جمعه من غابة، ولاحمير يمكن السفر عليها))[8]
يخبرنا القرآن قصة كيف أنّ ملكة سبأ تلقّت توبيخاً مفترضاً من سليمان لأنّها كانت تعبد إله الشمس جنباً إلى جنب مع "الله" إله القمر {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 24]. وقد كتب بريان دو أنّ إله القمر الرسمي لمملكة سبأ كان يسمّى "ألمقه"[9].
وعلى عكس القرآن، يلقي التراث الراباني/الحاخامي/التوراتي اللوم على ملكة سبأ على أنّها هي التي أغوت سليمان وأقنعته بالوثنية. هذه الرواية الرابانية قد ظهرت بسبب الوثنية السليمانية وزيارة ملكة سبأ مذكورة في الكتاب المقدّس/العهد القديم [ملوك الأول 10-11]. إضافةً إلى ذلك، على الأرجح تسبّبت الرواية الرابانية والقرآنية [النمل: 24] في تضليل كاتب الملحمة القروسطية الأثيوبية (مجد الملوك Kebra Nagast)، إلى الاعتقاد بأنّ ملكة سبأ كانت تعبد إله الشمس على أنّه إلهها الأساسي والوحيد.
بينما يروي لنا العهد القديم أنّ كبر سنّ سليمان وزوجاته الغريبات والأجنبيات كل ذلك كان عاملاً في مساومته على الوثنية، وأنّ ملكة سبأ لا علاقة لها بذلك. إذ أنّ الكتاب المقدّس يصرّح وبوضوح بأنّ سليمان قد ساوم بعد أن أصبح عجوزاً، وعلى الأغلب حدثت مساوماته مع الوثنية بعد زيارة ملكة سبأ بفترة طويلة [الملوك الأول 11: 4]
# تناولنا سابقا مدينة النيرب في سوريا ضمن تبويب حرّان، كما أنّنا سبق وتحدّثنا عن قرناو أو قرنو وشبوة في اليمن ضمن تبوين مّكة في المقالة السابقة.
# صحراء سيناء وجبل سيناء
جاء في الموسوعة البريطانية مايلي:
((يبدو أنّ اسم "سيناء/ Sinai" كان معروفاً منذ زمنٍ مبكرٍ جداً وربما قد يكون مشتقاً من الاسم الأصلي لإحدى أقدم المذاهب والطوائف الدينية في الشرق الأوسط، وهي عبادة إله القمر "سِنْ"))[10]
ربما صحراء تسِن، التي تعني باللغة العبرية "مسطّع/مستوٍ"، كانت تسمّى "صحراء سِنْ" في الماضي لكن تحوّل الاسم مع مرور الوقت ليصبح "تسِن". وهذا ليس غريباً أو مدعاةً للاستغراب إذا أخذنا في حسباننا احتمال حقيقة أنّ ميّزات الأرض الأخرى في نفس المنطقة كانت تسمّى على أسماء الآلهة البابلية كجبل نيبو وجبل سيناء.
@ حاشية: جديرٌ بالذكر أيضاً أنّنا نطلق على الأراضي الرملية القاحلة اسم "صحارى"، وفي نفس الوقت نرى أنّ معنى "القمر" باللغة العبرية هو "صحارون Saharon". وهذا لابدّ أنّه يشير إلى وجود علاقة إيتمولوجية بين إله القمر والصحارى، بالإضافة إلى مذهبنا القائل بأنّ صحراء تسِنْ كان يطلق عليها في أحد الأيام اسم صحراء سِنْ، أو صحراء إله القمر سِنْ.
# تيماء أو تيما أو تيمه (شمال شبه الجزيرة العربية)
قام الملك نبونيدس، آخر ملوك بابل (555-539ق.م) ببناء مدينة تيمه كمركز لعبادة إله القمر، وبشكل خاص لعبادة إله القمر "سن".
تيمه، على غرار العديد من الواحات على طريق القوافل التجارية، كانت مكرّسة لإله القمر. فعلى سبيل المثال، معظم العواصم والمدن الكبرى لممالك جنوب شبه الجزيرة العربية كانت تقع على الطرق القوافل التجارية كطريق التوابل وطرق الحج. وفي كل عاصمة كان المعبد الرئيسي مكرّس لإله القمر والحرب الرسمي[11]
هناك مثال آخر عن واحات مكرّسة لعبادة إله القمر ومنها "بدر". وبدر تعني "القمر المكتمل". كانت بدر تقع على طريق القوافل الرئيسي من الشمال إلى الجنوب بالقرب من البحر الأحمر، وكانت بدر تقع جنوب غرب "المدينة", وبدر هي الموقع الذي خاض فيه محمد إحدى معاركه الأساسية الأولى.
# تحدّثنا عن تمنه في شبه الجزيرة العربية ضمن فقرة "مكّة". كما أنّنا تحدّثنا عن صحراء تسِن ضمن فقرة "صحراء سيناء".
# أور (الكلدانية)، بلاد الرافدين
بقي أن نتحدّث عن مدينة أور القديمة مسقط رأس البطريرك إبراهيم أو أبرام المذكور في العهد القديم. كانت أور من أكبر المدن الكبرى المذكورة في التاريخ المكتوب. وكان إله القمر يعرف باسم "سِنْ" أو "نانا". وأور كانت مشهورةً بأهراماتها/زقّوراتها.
غادر إبراهيم وعائلته أور إلى حرّان [12]. يبدو أنّ حرّان كانت مدينة شقيقة لأور، مركز تجاري متقّدم ونقطة تنطلق منها القوافل التجارية. وكلتا المدينتين _أور وحرّان_ كانتا تعرفان عبر جميع أصقاع العالم القديم بأنّهما مركزين رئيسيين لعبادة إله القمر.
وقد وصلت أور إلى نهايتها كما جاء في الموسوعة البريطانية:
((على الأرجح في عام 317ق.م غيّر نهر الفرات مساره، ومع انهيار نظام الري والزراعة الكامل، تحوّلت حقول أور إلى صحراء، وهُجِرَت في النهاية))[13]
**************
[1] Strong’s no. 07614: Sheba means “seven”´-or-“oath.”
[2] Lewcock. San’a, p. 20
[3] Lewcock. San’a, p. 21
[4] جويل دونيت، البحث عن ملكة: فريق من علماء الآثار ينقّبون في موقع معبد قديم باليمن بحثاً على آثار لملكة سبأ.
Donnet, Joel. “Quest for a Queen “India’s national magazine” from the publishers of The Hindu, vol. 19, Issue 03, 02-15 Feb 2002
[5] Clapp. Sheba.
[6] الملوك الأول 10: 1-13
[7] Doe. Arabia, p. 25
[8] Sahas. Heresy, p. 137.
[9] Doe. Arabia, p. 25
[10] EB, accessed 2 Oct 2002, “Sinai Peninsula” entry
[11] Phillips. Sheba, map inside cover.
[12] تكوين 11: 28، 31. 15: 7. نحميا 9: 7
[13] EB, accessed 15 Mar 2003, Ur entry
#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
