أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ربعة وأربعون عاما وأربعة وأربعون شهرا/ 4- فلسطنة السوريين وحال العالم المعاصر















المزيد.....

ربعة وأربعون عاما وأربعة وأربعون شهرا/ 4- فلسطنة السوريين وحال العالم المعاصر


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4681 - 2015 / 1 / 3 - 14:28
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أقدرت الأمم المتحدة أن عدد اللاجئين السوريين إلى بلدان مجاورة وأبعد سيصل إلى 4,1 مليون في نهاية 2014، وهو لا يكف عن التزايد أيضا. لكن نحصل على رقم أكبر، حين نجمع معطات البلدان البلدان المجاورة. نحو مليون وربع في الأردن، في نهاية 2014، ونحو مليون ونصف في لبنان، وأكثر من مليون وستمائة ألف في تركيا، وكان المسجلون في مصر 140 ألفا في الشهر الأخير من 2014، وفوق 150 ألف في العراق. ورغم أن المصادر المختلفة تعطي أرقاما مختلفة، يمكن للمجموع الكلي أن يكون أعلى بعد لأن هناك نسبة عالية من اللاجئين غير المسجلين عند أية جهات إقليمية أي دولية.
وربما يبلغ عدد النازحين داخليا في سورية 7 ملايين، ما يعني أن التهجير شمل نصف السوريين. وهذا يجعل من الأوضاع الإنسانية السورية من الأسوأ عالميا منذ أمد طويل.
تساهم مجموعات سلفية عسكرية في قتل السوريين والفلسطينيين السوريين وإذلالهم، وأبرزها داعش المسؤولة عن تهجير أعداد كبيرة من السوريين من المناطق الشمالية والشرقية. لكن لا يزال يسقط كل يوم عشرات السوريين على يد دولة الأسد، ولا يزال أي أفق سياسي مغلقا لرفض الطغمة الأسدية، مدعومة من إيران وروسيا، التفاوض الجدي.
ما يجري بصورة مجملة هو شكل بالغ القسوة من فلسطنة السوريين، وفلسطنة مضاعفة للفلسطينيين السوريين. لكن بدل إسرائيل واحدة هناك ثلاثة إسرائيلات على الأقل. النظام الأسدي المستمر في حربه، ثم داعش والمجموعات السلفية الجهادية، ثم الآن الأميركيين الذين "قادوا من الخلف" الخراب السوري.
أوضاع اللاجئين السوريين تختلف بحسب البلدان، لكنها متدهورة وسائرة نحو تدهور أكثر عموما. العالم المعاصر مبني على وحدات تسمى الدول- الأمم، وهي لا ترحب بـ"الأجانب" إلا كزوار عابرين. أما أن يكونوا مهجرين مضطرين، عددهم كبيرة، ومواردهم محدودة، وإقامتهم مفتوحة، فهذا يثير أسوأ غرائز معاداة الأجانب في هذه الشكل من الاجتماع السياسي.
وليس تعامل الدول مع اللاجئين غريبا عن تعاملها مع الأضعف بين رعاياها. موقف السلطات اللبنانية من السوريين لا يختلف في شيء أساسي عن موقفها من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وموقف قطاعات من المجتمع اللبناني حيالهم ينحدر من المنابع ذاتها لتعامل قطاعات المجتمع اللبناني مع بعضها. لكن ربما ما صار متعذرا ممارسته بحق لبنانيين آخرين، بفعل توازنات اجتماعية وسياسية لبنانية، ليس محرجا القيام به بحق سوريين لا كيان سياسيا لهم، ولما ينظموا قواهم بصورة تتيح لهم الدفاع عن أنفسهم.
والأمر مثل ذلك في الأردن، حيث يشغل السوريون اليوم موقعا سبق للفلسطينيين أن شغلوه. وتتكثف درجة الضبط والتحكم هنا في حال اللاجئين السوريين الأفقر، وقد عزلتهم الحكومة الأردنية في مخيم الزعتري.
وفي مصر عكس تدهور أوضاع اللاجئين السوريين منذ انقلاب السيسي في نهاية حزيران 2013 أوضاع فقراء المصريين ومحروميهم. صارت مصر أضيق على اللاجئين السوريين مع طي صفحة الثورة والضيق بها.
وتتعامل السلطات التركية مع اللاجئين السوريين بأسلوب أبوي، بما يجردهم من المبادرة السياسية المستقلة، والتنظيم المستقل لأنفسهم. ومما يعزز هذا الأسلوب الأبوي أن الحكومات الأوربية تضغط على السلطات التركية من أجل تنظيم وضع السوريين فيها بما يحول دون ذهابهم إلى أوربا. هذا يضع السوريين في تركيا تحت الرقابة، ويصعب حتى سفرهم المؤقت لأغراض عملية. ومثلما قامت الجمهورية التركية على اعتبار بعض سكان الدولة غرباء، تتعامل مع قطاعات من اللاجئين السوريين بوصفهم غرباء، الكرد بخاصة. يجري اعتبارهم ممثلين لكائن سياسي خطر، أكثر مما هم لاجئين في وضع إنساني خاص وبحاجة إلى دعم.
في واقع الأمر، يتنوع استقبال اللاجئين السوريين بحسب تنوع الاجتماعي والثقافي لبيئات الاستقبال، بحيث يصح ما قالته شناي أوزدن، الباحثة التركية، من أن لكل جماعة لاجئيها: الكرد السوريين لاجئون عند الكرد في تركيا، والعلويون عند العلويين، والمسلمون السنيون عند حزب العدالة والتنمية وبيئات متدينة في تركيا. ويسكن الميسورون في مناطق محمية في تركيا، والفقراء في مخيمات اللجوء.
بعبارة أخرى يتوزع اللاجئون بصورة توافق بنية المجتمع المستقبل الطبقية و"الثقافية".
وتسهل سياسات اللجوء الأوربية قبول لاجئين مسيحيين أكثر من غيرهم. فرنسا أعلنت عن استعداد فوري لقبول مسيحيين مهجرين من العراق قبل شهور، وهو ما يبدو أن الحكومة الكندية تفكر فيه حيال السوريين. وبينما لم يستقبل 14 بلدا أوربيا أي سوريين إطلاقا، فإن مجموع عدد اللاجئين السوريين في أوربا حتى حزيران من عام 2014 كان 20 ألفا، وتقول معلومات أخرى إن 55 ألف سوري تمكنوا من الوصول إلى أوربا. الأسوار العالية التي بنتها أوربا حول نفسها لها الفضل الكبير في ازدهار مافيا التهريب من تركيا ومن شمال أفريقيا، وهي تتحمل المسؤولية عن موت فوق 3000 من اللاجئين من سورية في مياه المتوسط.
هنا أيضا تعكس السياسات الأوربية موقفا متعاليا وأرستقراطيا حيال اللاجئين. إنهم أناس أدنى مرتبة، يهددون رفاه واستقرر مجتمعات منعمة، ومن يجري قبولهم منهم ينتظر منهم أن ينضبطوا بأوضاع لا تتفاوض معهم، وليست مرنة حيال احتياجاتهم.
يبدو لي أن أوضاع اللاجئين السوريين، واللاجئين عموما، تكشف الأرضية الحصرية الاستبعادية التي تقوم عليها الدولة الأمة ونظام الدول المعاصرة. المخيمات التي تقيمها بعض الدول، ومعسكرات اللجوء التي تقيمها دول أوربية، هي أحد أوجه الانضباط الذي تتوقعه الدولة من رعاياها، بما في ذلك الدول الديمقراطية. الدول الأكثر ديمقراطية هي الأكثر ميلا إلى عزل الغريب ونصب حواجز غير مرئية دونه. ويجري إدماج من يتقن لغة البلد دون لكنة، والحائز على دخل مجز، ومن لا يختلف في المظهر والعادات. لكن ذا لا يتاح لغير المنحدرين من شرائح عليا من الطبقة الوسطى القيام بها. الباقون يحالون إلى الهوامش، مع فقراء محليين ووافدين.
وفي سلسلة أنساب هذا الانضباط الذي يطلق عليه أيضا اسم "الحضارة"، ثمة عالم السجون والمشافي العقلية مثلما حللها ميشيل فوكو، وأنظمة المعامل في القرن التاسع عشر، وتوريد العبيد وتشغيلهم، وبصورة ما الاستعمار ذاته.
لكن قبل أن تقول أوضاع اللاجئين من سورية شيئا عن العالم تقول كل شيء عن سورية. فلسطنة السوريين تعني أنه لا يعترف لهم بكيان سياسي أو اجتماعي، أن حياتهم مباحة، وإبادتهم ميسورة. تعني أيضا أسرلة دولة الأسد التي تقوم بإباحتهم وإبادتهم، وتحظى بالحماية الدولية. قبل تهجير 4 ملايين سوري من بلدهم كان أكثر السوريين منفيون سياسيا في بلدهم ذاته الذي انتزعت منهم ملكيته، وسمي "سورية الأسد". بعض السوريين، لأسباب يلتقي فيها الطبقي بالطائفي، يتماهون بالنظام، ويشعرون أن سورية الأسد وطنهم، لكن لا حقوق سياسية حتى لهؤلاء. أما من حاولوا امتلاك السياسية والحقوق ووجهت بتحطيم مجتمعهم.
لا نفهم أوضاع التهجير واللجوء والمنفى دون فهم منابعها في أوضاع سياسية تنكر على السوريين امتلاك بلدهم والسياسة والحياة فيه. وتاليا فإن معالجة جذرية لوضع اللاجئين السوريين تقتضي مساعدتهم في إعادة امتلاك بلدهم، بدل تصرف دول العالم كأن السوريين هجروا من بلدهم بسب كارثة طبيعية. من فلسطن السوريين هو إسرائيل المحلية، أو هو الأسدية بوصفها أسرلة للدولة السورية.
وجوه الأسرلة كثيرة، الظاهر منها احتكار سلاح الجو، والحظوة بأربعة فيتوات وسية صينية في مجلس الأمن من صنف الفيتوات الأميركية لمصحلة إسرائيل، وأقل منها ظهورا الرفض الجذري للتفاوض وإنكار وجود شركاء في أي عملية سياسية أو مالة اصطناع شركاء تفاوض مناسبين يبيدون قضيتهم بأنفسهم، وكذلك تطوير إيديولوجية اسمها الحداثة، تلفي قضية العدالة، تنزع إنسانية السوريين المحتجين، وتتهمهم بالداعشية أو ما يقاربها، وتعطي منظمة أسماء الأسد جائزة من اليونسكو، وللقاتل الذي يحظى بدعم فاشيي الغرب ويساره الفاشي أو الستاليني، مقابلات في صحف "العالم الحر" (باري ماتش الفرنسية قبل أسابيع). وليس الانشغال اليومي شبه الحصري بداعش في الغرب إلا الوجه الآخر لنزع إنسانية السوريين واختزال كفاحهم إلى هذا الكيان الفاشي وأشباهه. يغيب عن هذا التناول مجتمع السوريين في الداخل والمنفى، لا يراهم أحد ولا يسمعهم احد.
وبما أن هذه الأوضاع تقع في عالم مترابط، سورية متشكلة كدولة وفقا لنظامه الدولي، وتشكل نظامها السياسي بالتفاعل مع النظام الدولي، فإنه ليس لأحد في العالم أن يقول أنه غير معني بهذه الأوضاع. لم تعد هناك بلدان بعيدة جدا بحيث لا تكون جارة لغيرها، ومن يغلق أبوابه سينفق الكثير من الموارد على الأبواب والحراس، وسيتعين عليه أن يبرر هذه الإنفاق وينتج من الأفكار والعقائد ما تبرره، وستتدهور شروط حياة ساكني البيت وهم يسلمون أمنهم وحريتهم للحراس والمتحكمين بالموارد.
ليس اللجوء، بل فكرة الوطن والدولة-الأمة، مشكلة العالم، وهما من عليهما تبرير نفسيهما أمام موجات اللجوء، وليس على اللاجئين أن يبرروا أنفسهم أمامهما. بعد الفلسطينين، السوريون شاهد على وجوب تغير هذا العالم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب العقل وظهور تيار العقليين
- السلفية الجهادية كظاهرة مسرحية
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما 3- مقاومة إسلامية، مق ...
- الحق في الدين بوصفه أساساً للحرية الدينية
- خصوصية قضية مخطوفي دوما الأربعة
- مغيّبون: تجارب السوريين في التغييب السياسي خلال جيلين
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 2- حروب ضد العامة
- امرأتان ورجلان من سورية
- سميرة ورزان: وقائع أسطورة معاصرة
- هل الضمير الإنساني واحد؟ والمسلمون شركاء فيه؟
- من تصورات الديمقراطية إلى «النظرية الديمقراطية» في المجتمع؟
- هل سلفيو داعش بشر مثل كل البشر؟ وعقولهم مثل عقول جميع الناس؟
- في أية بيئات سورية ظهرت السلفية العسكرية؟
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 1- طماشتان
- أنماط الاعتقال السورية من وجهة نظر الأهالي
- علمانيو سورية وإسلاميوها: شراكة غير مؤسسة أو مخاصمة غير تحرر ...
- أنماط الموت السورية، مصنفة حسب القاتلين
- جانب من سيرة الإشاعات السياسية في سورية
- ياسين الحافظ وعبالله العروي
- طفرة في التفكير لفهم طفرة -داعش-


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ربعة وأربعون عاما وأربعة وأربعون شهرا/ 4- فلسطنة السوريين وحال العالم المعاصر