أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - هل الضمير الإنساني واحد؟ والمسلمون شركاء فيه؟















المزيد.....

هل الضمير الإنساني واحد؟ والمسلمون شركاء فيه؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4649 - 2014 / 12 / 1 - 13:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لنفترض أن مجموعة من المحايدين النزهاء واجهوا وضعا كان عليهم أن يقرروا فيه الاختيار، لأنفسهم ولغيرهم ولجميع الناس، بين الأزواج التالية من البدائل: المساواة بين الرجال والنساء في القانون والسياسة والعمل والزواج والحياة الأسرية، مقابل التمييز لصالح الرجال، والميل إلى عزل النساء في النطاق الخاص؛ الحرية الدينية لجميع الناس، بما في ذلك حرية عدم الإيمان بأي دين، وحرية تغيير الدين، مقابل إنكار هذه الحرية وقتل من يبدلون دينهم، والتمييز بين منسوبي الأديان المختلفة لمصلحة معتنقي أحدها؛ رجم المرأة والرجل الزانيين حتى الموت، مقابل اعتبار الأمر خاصا ما دام يجري دون إكراه؛ اعتماد نظام عقوبات عام، لا ينال من التكامل الجسدي والمعنوي للمعاقبين، مقابل نظام عقوبات جسدية مذلة معنويا ومؤدية إلى إعاقات جسدية؛ حرية الناس في ما يرتدون من ثياب، مقابل فرض أزياء معينة، على النساء بخاصة، تراقبها السلطات العمومية وتعاقب انتهاكها؛ إلغاء حكم الإعدام مقابل إبقائه والتحمس له؛ تفضيل الإعدام، حيث يمارس كعقاب، بأقل ألم ممكن، مقابل أشكاله الأشد إيلاما، الذبح أو الصلب أو الرجم؟
نفترض أيضا أن المُحكِّمين المحايدين النزهاء غافلون عن تضمينات هذه الأسئلة، ولا يعرفون شيئا عن ارتباطها بنظم دينية أو غير دينية. ما أمامهم ليس إلا مجموعتين من بدائل مفترضة للأسس العادلة لتنظيم المجتمع.
هل هناك احتمال لأن يختار هؤلاء العادلون الزوج الثاني من البدائل المذكورة، ويعتبرونها أكثر عدالة وأرفع إنسانية؟ هل هناك بناء محدد للضمير الإنساني يمكن منه اعتبار الزوج الأول من البدائل غير مقبول إنسانيا، وينبغي التخلي عنه وتبني الزوج الثاني؟ وفي النهاية هل هناك ضمير بشري واحد، يتجه نحو مثال كوني للعدالة، مثلما هناك عقل واحد، أم أن هناك ضميران أو ضمائر متعددة، وأن القيم التي تقررها هذه الضمائر المختلفة متكافئة ولا مفاضلة بينها؟
للإسلاميين موقفان في شأن ما يمكن أن يسمى مبدأ الخصوصية الأخلاقية. موقف دفاعي يرى أن للمسلمين قيم عادلة تخصهم، وتميزهم عن غيرهم، وموقف هجومي يرفض مبدأ الخصوصية الأخلاقية، ويرى أن شرائع المسلمين وأخلاقياتهم أرفع من غيرها، أن الشيء الصحيح همو تعميمها عالميا، وإن بالقوة (بعد مرحلة تبليغ وموعظة حسنة، ربما)، لأنها إلهية المصدر. وليس بين الإسلاميين من يقول جهارا إن قتل "المرتد" و"رجم الزاني والزانية" والتمييز ضد النساء في الميراث والشهادة، وإلزامهن زياً خاصا... أشياء غير عادلة، وينبغي طي صفحتها.
والحال أنه لا يمكن الدفاع عن مبدأ الخصوصية الأخلاقية أكثر مما يمكن الدفاع عن مبدأ الخصوصية الأبستمولوجية، أعني التعارض الجوهري بين نظم المسلمين الاجتماعية والسياسية وتفكيرهم وبين مناهج الإنسانيات الحديثة والمعاصرة. إقرار مبدأ التعارض لايؤول إلى العنصرية في مواجهة المسلمين، وإلى عنصرية المسلمين ضد غيرهم أيضا، أعني تمييز المسلمين ضد غيرهم تمييزا يستند إلى ما يكونه الغير وليس إلى ما يفعله، وتمييز الغير ضد المسلمين تمييزا يستهدفهم كمسلمين لا لأي شيء آخر.
ثم إنه أكثر توافقا مع الوحدانية، وهي عمود المعتقد الإسلامي، رفض الخصوصية، وتقبل مبدأ عقل إنساني عام وضمير إنساني عام، محتواه القيمي شامل للبشر. الدفع بالخصوصية قد يكون مسلكا دفاعيا عارضا عند الإسلاميين، لكن الموقف الإسلامي الأصلي هو موقف كوني.
هذا يعيدنا إلى الافتراض البدئي: هل المبادئ التي يمكن أن تكون أسسا عامة عادلة لتنظيم المجتمعات المحلية والحياة البشرية على الكوكب، تستمد من الزوج الأول من الخيارات أم من الزوج الثاني؟
لا نرى أن هناك شكلا ممكنا للضمير يمكن أن يبنى على تفضيل الزوج الثاني، ومحاولة تعميمه عالميا. لماذا؟ لأن هذا الشكل يقوم على تمييز متعدد المستويات، وعلى قسوة منفرة، ويثير حتما مقاومات، لا يمكن تذليلها بغير عنف لا يُحد. وهي تتعارض مع المثال الأعلى الأخلاقي الذي تشكل بفعل كفاح البشر وجهود أعدلهم: قيم الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية ورفض التمييز على أساس الجنس واللون والدين وغيرها. هذا مثال أعلى غير محقق في أي كان، لكن ليس هناك مثال منافس جديا في مناظرة عادلة تجري بين أشخاص نزهاء عادلين. وكثير من المسلمين لا يتطلعون إلى غير هذا المثال أيضا.
لماذا نثير هذه القضية وننشغل بها؟ هل بدافع العدالة، أم أن هذا تنطع وافتعال لقضية بغرض النيل من دين المسلمين؟
ليس هناك أدنى افتعال للقضية في هذه المناقشة. رأينا ورأى ملايين الناس امرأة ترجم بتهمة الزنا، ورأينا أناسا يقتلون ويسحلون، ورأينا أيدي تقطع، ورأينا فرضا بالإكراه والزجر للنقاب على النساء، إلى درجة أن نقابا مطرز الحافة يوجب جلد المرأة أو "مُحرَمها"، ورأينا معاملة غير كريمة للامسلمين، ورأينا قتلا عاجلا لأشخاص لا يعرفون عدد ركعات صلاة الصبح. ليس هناك شكل متسق للضمير يمكن أن يستسيغ هذه المسالك أو يراها عادلة. الضمير الذي يُعدِّل هذه المسالك لا شكل له، تعسفي واعتباطي. والإصرار على أن هذه الأفعال الفظيعة هي العدل، وأن "السيف رحمة للعالمين"، على ما يقول ناطقوا داعش، هو باب لطغيان لا ينتهي، يهرس عقول الناس من أجل القبول بما هو ممتنع منطقيا.
والقول إن هذه ممارسات شاذة لتشكيل شاذ اسمه داعش ليس جديا ولا نزيها. فداعش تطبق قواعد لم يقل أي إسلاميين "معتدلين" إنها غير عادلة ومرفوضة إسلاميا. لا يستطيع المرء المسلح بالكرامة أن يدين داعش، ثم يدافع عن هذه الأحكام.
ليس التنطع ما يدفع إلى هذا التساؤلات بل بالضبط الكرامة، كرامة عقولنا وكرامة ضمائرنا. ليس فقط لا نستطيع أن نتقبل هذه الممارسات دون إهانة أنفسنا، بل إنه لمن المهين أن لا ندينها. السكوت عليها وعدم مقاومتها يعطي فكرة سيئة عن المسملين بقدر ما تعطيه هذه الممارسات ذاتها. أما تبرير هذه الممارسات باسم العدالة فهو إهانة للعدالة وللكرامة الإنسانية والضمير الإنساني. وإهانة لكرامة الإسلام والمسملين أيضا.
لا يستطيع المسلمون صون كرامة دينهم دون التخلي عن هذه الأحكام، المجادل في بعضها إسلاميا، وبعضها يمكن اعتباره صوراً تاريخية متقادمة ومتجاوزة للتنظيم الاجتماعي العادل. هذا ليس ميسورا، لكنه ليس أكثر امتناعا من الاستحالة الأخلاقية لتبرير هذه الممارسات باسم العدل. التوجه العام الذي يصون كرامة الإسلام والكرامة الإنسانية يتمثل في إعادة هيكلة التعاليم الإسلامية بحيث تسود الحرية على الإكراه، والرحمة على القسوة، والمساواة بين الناس على التمييز. هل هذا خروج عن الاعتدال؟ بل هو محاولة للتمسك بالمنطق. الاعتدال مع اللاعدل العنيف تطرف. ما هو الموقف "المعتدل" من الرجم؟ من قتل من فقد إيمانه أو لا يبالي بالدين؟ من استعباد غير المسلمين؟ من استعباد النساء؟
ويقيني أن من يدافع عن هذه الشرائع الجائرة لا يمكن أن يكون عادلا مع المسلمين أنفسهم أو حريصا على كرامتهم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تصورات الديمقراطية إلى «النظرية الديمقراطية» في المجتمع؟
- هل سلفيو داعش بشر مثل كل البشر؟ وعقولهم مثل عقول جميع الناس؟
- في أية بيئات سورية ظهرت السلفية العسكرية؟
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 1- طماشتان
- أنماط الاعتقال السورية من وجهة نظر الأهالي
- علمانيو سورية وإسلاميوها: شراكة غير مؤسسة أو مخاصمة غير تحرر ...
- أنماط الموت السورية، مصنفة حسب القاتلين
- جانب من سيرة الإشاعات السياسية في سورية
- ياسين الحافظ وعبالله العروي
- طفرة في التفكير لفهم طفرة -داعش-
- كرد، عرب وترك، وأميركيون...
- بعد ركود مديد، هذه الجِدّة السورية التي لا تطاق
- تقاطع تاريخي: تشيُّع السنة وتسنُّن الشيعة
- إرهاب أعمى، ومحاربة إرهاب حولاء!
- صراع المناهج: في الحاجة إلى منهج مركب لمقاربة الظاهرات الإسل ...
- العربية والأصولية: تأملات لغوية (ودينية) سياسية
- في شأن التطرف والتطرف الإسلامي، والاعتدال
- حول خرافة عدم التدخل الأميركي في الصراع السوري
- تسعة أشهر، الجريمة مستمرة والمجرم معروف
- ثلاث مستويات لمواجهة داعش


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - هل الضمير الإنساني واحد؟ والمسلمون شركاء فيه؟