أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في شأن التطرف والتطرف الإسلامي، والاعتدال















المزيد.....

في شأن التطرف والتطرف الإسلامي، والاعتدال


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4582 - 2014 / 9 / 22 - 15:28
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


هل ينبع التطرف السياسي الإسلامي من اعتلال أصاب دين المسلمين في العصر الحديث، أم أن التطرف طبع الإسلام وميله التلقائي؟ وهل إن الاعتدال الإسلامي المرغوب عودة إلى طبع معتدل في الإسلام، أم هو روح جديدة يتعين استحداثها فيه؟

لكن ما المقصود أصلا بالتطرف والاعتدال؟
نرى أن التطرف (ومثله الاعتدال) علاقة بين الناس، تقوم على الإقصاء (أو التقارب)، وتعكس نفسها في صيغ للعلاقة بين أصحاب العقائد وبين عقائدهم، بما يثبِّت أو يضفي الشرعية على موقف الإقصاء أو التقارب. يلغي المتطرفون تحكميا أطرافا أخرى، مع إضفاء شرعية عامة على الإلغاء تحجب أن القائم به طرف خاص.
لا معنى وفقا لها التصور لوصف مذهب ما بأنه متطرف أو معتدل إلا من باب المواضعات اللغوية، من يمكن أن يكون متطرفا أو معتدلا هم البشر في شروطهم العينية، وهم يُسوِّغون تطرفهم واعتدالهم بعقائدهم، لكنهم لا يكفون عن تشكيل هذه بصورة تسوغ لهم إلغاء غيرهم أو التسلط على غيرهم.
في هذا الشأن هناك ما يشبه مفهوم التشيء الماركسي: بينما لا يكف الناس عن إعادة تشكيل عقائدهم بصورة تلبي حاجاتهم الاعتاقدية والسياسية، فإن هؤلاء قبل غيرهم يتصورون عقائدهم شيئا مستقلا عنهم، يتشكلون هم بالصورة التي تطيع أوامره ونواهيه. سيبدو أن الفاعل هو النص الساكن، فيما البشر اللجوجون الذين لا يكفون عن تحريف كل ما يقع تحت أيديهم مواضيع سلبية للنص النشط. سيبدو أيضا أن ما أنتجه البشر هو مُنتِج البشر، وأن هؤلاء ليسوا إلا عبيدا سلبيين لما خلقوه بأنفسهم.

فإذا كان البشر هم الفاعلون في كل حال، فإن السؤال هو في أية شروط يشكل الناس عقائدهم بصورة تسوغ لهم إلغاء غيرهم أو جعل أنفسهم الأطراف كلها؟
الواقع أن التطرف استعداد قوي عند الجماعات البشرية كلها نابع من أنانية البشر وتفضيلهم لأنفسهم على غيرهم. لا يكون الناس معتدلين فيتطرفون في شروط بعينها، بل هم ميالون إلى التطرف، إلى إغفال غيرهم وإلغاء غيرهم، لكن يجنحون إلى الاعتدال في شروط بعينها. ويبدو أن روح الاعتدال تترسخ في الوعي العام بنتيجة صراعات اجتماعية عنيفة، يستخلص منها الناس أن إلغاء طرف يقود إلى صراعات تهدد بإلغاء الأطراف كلها. استيعاب هذه الخبرة ينعكس في المذاهب المتاحة، فيتطور لها بعد تعاقدي، دون تغير في مضمون هذه العقائد نفسها. ما كان ممكنا لنظريات العقد الاجتماعي أن تظهر في العقد السابع عشر والثامن عشر الأوربي لولا هذا التطور.
ولأن التطرف استعداد أصلي، إن جاز التعبير، تجد أن المعتدل على مستوى، في بلده مثلا، متطرف خارجه. هذا ينطبق على الحكومات الغربية عموما خارج بلدانها في عصر الاستعمار، واليوم أيضا بقدر لا بأس به. فإذا حاكينا صيغة لغاستون باشلار، يمكن أن نقول إنه ليس هناك اعتدال أول، الاعتدال دوما ثان، الأول هو التطرف؛ وكذلك إن كل اعتدال هو مراجعة لتطرف سابق أو تعديل له.
هذه عمليات اجتماعية وسياسية وفكرية وسكيولوجية لم تحدث في عالم الإسلام.
بالعكس، حرضت التطورات التاريخية الحديثة والمعاصرة حدوث نقيضها. السمة الغالبة لهذه التطورات هي وضع متوتر لعالم المسلمين، لا تتحكم فيه فئات واسعة منهم بشروط حياتها، وتطور بالنتيجة مواقف غاضبة أو موتورة من عالم تجد نفسها غريبة فيه. ليس كل المسلمين متضايقون موتورون، لكن الذين يجعلون من الضيق التاريخي تجربة المسلمين الأساسية اليوم يجدون بتصرفهم مواد من تاريخ الإسلام وذاكرته ومخيلته تسوغ لهم معاداة العالم أكثر مما يجد من يميلون إلى الاختلاط بالعالم ومشابهته والتشبه به. بل يستطيع الأولون محاصرة الأخيرين وإثارة شعور بالذنب عندهم أو عند من قد يفكرون بمحاكاتهم من عموم المسلمين.
مرجع الأمر أن أولئك يصنعون الإسلام الذي يستخلصون أنفسهم منه، فيما أخفق الأخيرون، "المعتدلون"، في صنع سوابق أو نماذج يمكن الاستناد إليها لتوليد مسالك جديدة وتشريعها. ولذلك لا يزال الاعتدال الإسلامي اعتدالا ذاتيا، مفتقرا إلى مرجع شرعي يخصه بحيث ينافس على الشرعية الإسلامية. لم يتح للمسلمين "جيل ذهبي" شجاع، يحقق الانعطاف التاريخي ويؤسس لرموز ومخيلة وذاكرة جديدة، ونماذج نفسية وسلوكية جديدة، وصيغ جديدة للتفاعل مع العالم.

ولكن ما المقصود بأن السوابق والذاكرة والمخيلة تحالف المتشددين أو المتطرفين؟ معناه أنه لا زمن يفصلنا عن الأزمنة التأسيسية، أو أننا حيال زمن متجانس تتكر خلاله الأشياء نفسها، بما يسوغ القول إنه زمن فارغ يمكن طيه والقفز فوقه إلى الوراء دونما إشكال. هذا ما يبدو أن السلفيين يفعلونه بيسر بالغ. وعلى افتراض أن الجماعة نجحوا فعلا في مطابقة السلف تماما، وهذا تام الاستحالة، فإنهم يسقطون مصلحة كبرى لا صلاح من دونها: تغير الأزمنة وتغير الناس.
وهم ينكرون على الإسلام المرونة التي تمكنه من عيش زمان مغاير، محافظا على روحه. محصلة مشروعهم ليس أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، كما لا يكفون عن الصراخ، بل أنه صالح لزمان واحد، وينبغي إكراه الناس على الرجعة إليه، كما يفعلون حقا. التطرف يتناسب طردا مع نفي تغير الأزمنة، أو إنكار ذاتية التاريخ، واعتباره مجرد عرض يسيل على صفحة جوهرنا كما يسيل الماء على الزجاج.
أما منبع ذلك فهو الأنانية الطبيعية في أكثر أشكالها فظاظة. فرفض التغير هو رفض للغيرية أيضا، للتعاون مع الغير وفعل الخير للغير، وقبل ذلك لاكتساب إحساس مغاير ونفس جديدة. التطرف أنانية معممة تعمل على فرض نفسها بالقوة.

ويبدو أننا اليوم في قلب صراع إن لم نخرج منهم بـ"اعتدال"، لا يعدو كونه القبول بتعددية الأطراف ومساواتها الجوهرية، لن تنفتح أبوابه إلا على فناء عام. هذا احتمال وارد اليوم.
بالمقابل، من شأن العمل على توليد نماذج وأدوار وخيال وذاكرة جديدة أن يكون الانعطاف التاريخي الكبير، الذي يحول الزمن إلى مجلى لتطورنا، صديق نثق به ونتعاون معه، بعد أن كان طول كل زمننا تقريبا عدوا نلتف عليه، ونلغيه.
لا اعتدال ممكنا مع إلغاء الزمان، ولا إجماع ممكنا عليه. تغير الزمان حياة الناس وخيرهم العام، وإلغاؤه اعتداء أناني على العموم، مشروع موت عام. الموتى وحدهم لا يمر عليهم زمان.
والخلاصة أن شروط الحاضر تشجع مسالك متشددة، لا تقاومها أجيال أنانية من المسلمين، متواضعة الشجاعة والفكر، وجدت في التشدد سياسة رخيصة. التطرف نتاج مشترك لأوضاع حاضرة واستعدادات موروثة وجيل خرع.
ولا اعتدال دون اعتراف بتغير الأزمنة كخير عام. الاعتدال استحداث لجديد، وليس عودة لقديم.
إنه عودة عن قديم، أو انفصال عنه.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول خرافة عدم التدخل الأميركي في الصراع السوري
- تسعة أشهر، الجريمة مستمرة والمجرم معروف
- ثلاث مستويات لمواجهة داعش
- حوار/ سين وجيم بخصوص داعش وسورية والعلمانية والحرية
- في الضعف الفكري للاعتدال الإسلامي
- موجة الكتاب السوريون الجدد، بداية ونهاية
- الإسلام، الإسلاميون، والعنف/ نظرات في شأن العلاقة بين دين ال ...
- حوار: سورية، الثورة،النظام، الطائفية، الإسلام والإسلاميين
- في وداع أليسار إرم
- ساقان قويتان للانحطاط: تهميش العدالة وتغييب الواقع
- من أجل مفهوم لحركة تحرر وطني سورية جديدة
- تفكك الدولة السلطانية والتحرر السوري
- أخلاق مقابل لا أخلاق أم صراع بين أخلاقيات؟
- من البعث إلى داعش، عالم مشترك
- مملكة إسرائيل ومملكة الأسد في مواجهة عالميهما الثالثين
- عن المثقف والثورة
- بناء القضية السورية
- عن -هامش-، وعن -بلدنا الرهيب-/ حوار
- خلافة داعش: تبقى، على ألا تتمدد
- المنابع الإسلامية السنية للطائفية في سورية


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في شأن التطرف والتطرف الإسلامي، والاعتدال