أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - كرد، عرب وترك، وأميركيون...















المزيد.....

كرد، عرب وترك، وأميركيون...


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4617 - 2014 / 10 / 28 - 14:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


النقطة المهمة التي تفوت عموم السورين العرب حيال الكرد، السوريين وغيرهم، هي أن الكرد لم يتعرضوا للاستعمار الغربي. لم تكن لهم دولة أو كيان مستقل وقت بدأ عصر الاستعمار والقوميات، فلم يمراو بالتجربة الاستعمارية على غرار أكثر شعوب آسيا وأفريقيا. في الهوية الكردية ووعي الذات الكردي ليس هناك شيء اسمه الاستعمار والصراع مع الاستعمار، والاستقلال الوطني، ولا تحضر في الثقافة والذاكرة ثيمات تتصل بتجربة الاستعمارية. مثل كثيرين غيرهم بين خمسينات وسبعينات القرن العشرين تكلم مناضلون ومثقفون كرد على الامبريالية ومواجهة الامبريالية، لكن ظل ذلك كلاما مجردا، يحيل إلى نظام إيديولوجي لا إلى تجربة حية. وشارك كرد في مقاومة الاستعمار في سورية، من أشهرهم ابراهيم هنانو (لكن كانت العروبة هي إيديوولجية مقاومة السوريين لفرنسا، بما في ذلك عند هنانو نفسه)، وكان كرد عراقيون أول من تعرض لقصف البريطانيين بالسلاح الكيماوي في مطلع عشرينات القرن السابق، إلا أن الواقعة انسحبت من الذاكرة التي تغمرها تجارب لاحقة. وقد يقال اليوم إن معاهدة سايكس بيكو الاستعمارية التي قسمت المشرق العربي هي نفسها التي قسمت كردستان بين ثلاثة دول أو أربعة. لكن الأمر يرِد غالبا في قالب سجالي، ولا يحمل شحنة غضب فعلية على تلك القوى المستعمرة.
بالعكس، للاستعمار في الوعي الذاتي العربي، في سورية والمشرق عموما، دور كبير جدا، مرده تجربة الاستعمار الفعلية المتفاوتة الطول، وأسهم في إبقاء الأمر راهنا على الدوام الكيان الإسرائيلي الذي يشكل في وعي أكثر السوريين والعرب استمرارا للاستعمار الغربي في المنطقة. الدعم الغربي الاستثنائي لإسرائيل يمنع هذه التجربة من التقادم.
تشكل الوعي القومي العربي حول تجربة الاستعمار (أخذ بالتشكل في أيامها)، وحول اعتبار الغرب الآخر الماهوي، الذي يجري تعريف الذات بالتمايز عنه. ورغم تدهور وعي الذات القومي العربي وتفككه، تبقي العلاقة مع الغرب إشكالية في أحسن حال، وعدائية في أسوئها. وموقف الغرب العدائي من الإسلام، وللعرب علاقة خاصة به، تبقي هذه العلاقة أقرب إلى قطب العداء.
وضع العرب هو الخاص في هذا الشأن: نحن لم نخرج من زمن الاستعمار. تواطأت عدوانية الكيان الإسرائيلي ودعم الغرب له، مع مصالح نخب السلطة في منطقتنا وتوسل الممانعة استراتيجية حكم في الداخل، مع توسل الإسلاميين لممانعة خاصة بهم (حضارية أو ثقافية أكثر) استراتيجية للسيطرة أيضا، تواطأت هذه العوامل على إبقائنا مزامنين للاستعمار، سياسة وسيكولوجية وثقافة.
هذا ليس حال الكرد، ليس لديهم سبب خاص لمعاداة الغرب، وليس لديهم ذاكرة مرة من الصراع مع الغرب. الواقع أن الحال معكوس هنا. أقرب شيء في الوعي الكردي للتجربة الاستعمارية هو وقوع الكرد تحت سيطرة دول تهمين فيها قوميات أخرى، عربية في اثنتين منها، العراق وسورية، فضلا عن تركيا وإيران، يحصل أن يسمى ذلك استعمارا أو احتلال أجنبيا. وأقرب شيء إلى الاستقلال الوطني في الوعي الكردي هو نشوء كيان كردي مستقل فعلا. الوعي القومي الكردي مثل نظيره العربي، لديه تطلع إلى الخلاص من السيطرات الأجنبية من جهة، وإلى وحدة كردية عامة من جهة ثانية.
وصحيح أن تركيا أيضا لم تقع تحت وطأة الاستعمار الغربي إلا أن كيان السلطنة (وللترك علاقة خاصة بها، إنها سلطنتهم) كان مهددا من الغرب لوقت طويل، والكيان التركي الحال هو وليد مواجهة ناجحة لتركيا مع قوى غربية عملت فعلا على تجزئتها وتمزيقها بعد الحرب العالمية الأولى. وقد قرّ في الوعي القومي التركي أن أعداء تركيا لا يكفون عن التخطيط لتقسيم البلد (نقطة مشتركة بين الكماليين والقوميين المتطرفين وحزب العدالة والتنمية)، وأن كفاح الكرد في تركيا هو أحد أوجه هذه المؤامرة التي يشتبه أساسا في أن قوى غربية وراءها.
ومثل تركيا، لم تمر إيران بتجربة استعمارية، لكن لها تجارب مرة مع الغربيين، البريطانيين قبل الحرب العالمية الثانية، ثم الأميركيين منذ أيام مصدق حتى اليوم، مرورا بالثورة والحرب مع العراق في ثمانينات القرن الماضي.
ليس لدى الكرد ذاكرة مرة حيال الغرب. هي أقرب إلى ذاكرة حلوة في الواقع. رغم خذلان كرد العراق عام 1974، إلا أن الأميركيين حموا ما يقارب استقلال كردستان العراق بين 1991 و2003. وفي هذا العام حموا الإقليم نفسه قبل شهور من داعش، وتواقتت حربهم ضد داعش في سورية مع هجوم هذه على منطقة عين العرب/ كوباني، وهم (الأميركيون) الذين قلما ساعدوا سوريين مقاومين لنظام، حتى حين واجهوا داعش في مطلع هذا العام.
في حالة العرب من السوريين، المسلمين السنيين منهم بخاصة، وهم "مادة الثورة"، هناك طبقات من الارتياب والشك حيال الغرب، تبدأ من السياسي وتمتد إلى الثقافي والانثروبولوجي، ومن اليوم إلى أعماق تاريخية قديمة. لا يستطيع الأكثر اعتدالا القفز فوق هذه الطبقات لأنها محفورة في الذاكرة والمخيلة، ولأن الحفر مستمر. في حال الكرد الارتياب أقل بكثير، والتوترات والارتيابات العارضة تمحوها مساعدات فعلية، كالجاري اليوم في سورية، وهو يبدو حربا أميركية ضد داعش من أجل الكرد.
ذاكرة الكرد المرة تتجه إلى دول المنطقة. ضد تركيا أولا التي يتركز فيها الثقل البشري الكردي، وكانت حركة المقاومة الكردية المستقلة أنشط فيها من غيرها حتى وقت قريب مضى. وضد العراق ثانيا في وقت سبق، قبل أن يجري إسقاط نظام صدام ويتمتع الكرد بوضع يجمع بين شبه استقلال وبين موقع مؤثر في العراق الفدرالي. في البلدين عانى الكرد من تمييز نشط ودموي مديد، ومورست بحقهم مجازر كبيرة.
أما الساحة السورية فلم تكن مركزية يوما، كان عيون الكرد السوريين موجهة نحو العراق أو تركيا، وهذا حتى سقوط نظام صدام. كانت احتجاجات آذار 2004 الكردية، وقد شملت معظم مناطق وجود الكرد في سورية، بما فيها دمشق، نتيجة التقاء حرمانات حقيقية، سياسية وثقافية وحقوقية قديمة ومتجددة، مع توابع الزلزال العراقي وقتها. سقط في المحصلة نحو 30 شخصا، لأول مرة في تاريخ سورية التي لم تشهد قط تفجر مقاومة كردية مسلحة.
فقط بعد الثورة، ظهرت "وحدات الحماية الشعبية" المرتبطة بالتنظيم السوري المرتبط بدوره بحزب العمل الكردستاني في تركيا وزعيمه السجين عبدالله أوجلان. لم تخض هذه الوحدات معارك مع النظام. بالعكس، استفادت منه ومن أوضاع الثورة عموما كي تفرض نفسها فاعلا أول في مناطق الكثافة الكردية، وضد مجموعات كردية أخرى أولا. لكن عملت تركيا في أوقات سابقة على استخدام مجموعات من "الجيش الحر" ضد الكرد في محافظة الحسكة (أقصى الشمال الشرقي السوري)، ولعلها تهاونت في ضبط حدودها الجنوبية مع سورية وتسهيل مرور جهاديين إلى البلد من باب الضغط على الكرد السوريين.
بالنتيجة، الآخر الذي يعرف الكرد أنفسهم قباله اليوم هو الترك والعرب، وليس بحال الغرب. وهذا يسهل درجة من التماهي بالغرب على المستوى السياسي والثقافي. يحصل أن يدافع ناشطون كرد عن إسرائيل، وهذا ليس مصدره عدم فهم الحساسيات بل هو تعبير عن الدوس عليها. ولا يظهر ناشطون عرب، وذوي الهوى الإسلامي بخاصة، انتباها لحساسيات الكرد النفسية، وبخاصة عدائهم لتركيا الذي يقارب عداء العرب لإسرائيل. يتماهى أولئك الناشطون العرب بتركيا أرودغان تماهيا أعمى، مسيئا للقضية السورية، وليس فقط لحساسيات مواطنيهم الكرد.
هذه أوضاع مفتوحة على كل صنوف التباعد والخصام والذاكرات المسمومة. الأمل ليس قويا بلملمتها بضرر قليل، لكن لا بد من بذل الجهد.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد ركود مديد، هذه الجِدّة السورية التي لا تطاق
- تقاطع تاريخي: تشيُّع السنة وتسنُّن الشيعة
- إرهاب أعمى، ومحاربة إرهاب حولاء!
- صراع المناهج: في الحاجة إلى منهج مركب لمقاربة الظاهرات الإسل ...
- العربية والأصولية: تأملات لغوية (ودينية) سياسية
- في شأن التطرف والتطرف الإسلامي، والاعتدال
- حول خرافة عدم التدخل الأميركي في الصراع السوري
- تسعة أشهر، الجريمة مستمرة والمجرم معروف
- ثلاث مستويات لمواجهة داعش
- حوار/ سين وجيم بخصوص داعش وسورية والعلمانية والحرية
- في الضعف الفكري للاعتدال الإسلامي
- موجة الكتاب السوريون الجدد، بداية ونهاية
- الإسلام، الإسلاميون، والعنف/ نظرات في شأن العلاقة بين دين ال ...
- حوار: سورية، الثورة،النظام، الطائفية، الإسلام والإسلاميين
- في وداع أليسار إرم
- ساقان قويتان للانحطاط: تهميش العدالة وتغييب الواقع
- من أجل مفهوم لحركة تحرر وطني سورية جديدة
- تفكك الدولة السلطانية والتحرر السوري
- أخلاق مقابل لا أخلاق أم صراع بين أخلاقيات؟
- من البعث إلى داعش، عالم مشترك


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - كرد، عرب وترك، وأميركيون...