أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - السلفية الجهادية كظاهرة مسرحية














المزيد.....

السلفية الجهادية كظاهرة مسرحية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4668 - 2014 / 12 / 21 - 14:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


هناك عناصر مسرحية في تكوين السلفيين، والجهاديين منهم بخاصة، على نحو ما صرنا نراهم في سورية في عامي 2013 و2014. تبدأ هذه العناصر من الزي الخارجي، وتطال الطلعة، وتشمل لغة الكلام، وتمتد إلى القناع. الزي النمطي هو الثوب الأفغاني القصير وتحته سروال فضفاض، ويفترض أن هذا هو الزي الإسلامي. وطلعة الرجل يعلوها شعر طويل قد يكون مُجدّلا، ولحية طويلة كثة غير مشذبة، وشارب محفوف. أما المرأة فلا وجه لها ولا جسد، ولا اسم، ولا كلام. الكلام للرجال، وهم يتكلفون عربية فصحى لا يجيدها معظمهم. وكان شائعا أن يرتدي عموم الدواعش وغير الدواعش من التشكيلات السلفية أقنعة وقت ظهورهم في الفضاء العام.
كل شيء يعطي الانطباع أن الجماعة لا يكتفون بقناع واحد، يراكمون أفنعة وراء أقنعة، اللغة قناع والزي قناع وقيافة الجسم قناع، فضلا عن قناع على الوجه. هل من أجل ألا يعرفهم الغير؟ من أجل أن ينفصلوا عن الغير؟ نعم، ومن أجل أن ينفصلوا عن أنفسهم في تصوري، عن صور أسبق لهم. كي "يلبسوا" دورهم الجديد، ينفصلون عن الماضي، جاهليتهم الخاصة، ويهيلون عليه طبقات من الأقنعة لئلا ينبعث. يمثلون طوال الوقت دورا لا يستطيعون المضي فيه إلا إذا مثلوا على أنفسهم أنهم لا يمثلون؛ أنهم عثروا، أخيرا، على حقيقتهم.
التوقف عن التمثيل لحظة واحدة يهدد بانهيار اللعبة كلها، كما أن التوقف عن التمثيل أثناء مسرحية يهدد بمحو الفرق بين التمثيل والواقع، فيدمر المسرحية. يجب أن تكون المسرحية السلفية لاهثة الإيقاع محتدمة لا تترك مجالا لالتقاط الأنفاس، "مشرحية" من الدم والقتل والأشلاء، ليس فقط من أجل أن يبقى الجمهور مسلوب اللب وهو يتابعها مذهولا، ولكن كي يبقى الممثلون أنفسهم منشغلين بأدوارهم، لا تتسلل إليهم الهواجس. داعش تجسيد للمسرحة التامة للحياة. كل شيء مصمم هنا كيلا يتسرب شيء من الواقعي إلى المسرح، إلى الجمهور والخشبة. والطموح هو التوسع العالمي من أجل أن يعم المسرح العالم، ويكون سكان الكوكب جمهورا، بحيث يزول أخيرا الفرق بين الخشبة والعالم، بين التمثيلي والواقعي. المسرحية لا تنجح دون ذلك. يبقى كل شيء مهددا بالانهيار إن بقيت هناك مساحات خارج المسرح أو مواقع تحتفظ بالتمايز بين المسرح والحياة الواقعية.
ينكر الإسلاميون المسرح بقدر يتناسب طردا مع جعل الحياة كلها مسرحا. ما يلغونه في النهاية ليس المسرح بل الحياة. وبدل أن يكون التمثيل فسحة مغايرة وانفصالا موقوتا عن جريان الحياة العادي، تغدو الحياة مسرحية مكرورة لا تنتهي. بعد قليل تتراجع جاذبية المشهد ويمله الناس. وحتى قطع الرؤوس الرهيب والصلب المروع والرجم المثير والإعدام الخلاب في الساحات يغدو مضجرا بعد أن نكون قد تفرجنا على 1000 رأس مقطوع و100 عملية صلب، وعشرات عمليات الرجم المثيرة.
لذلك يجب فتح العالم. هذه مهمة تأخذ وقتا طويلا، لكنها توفر رؤسا كثيرة لتقطع وأجسادا لتصلب ونساء ليرجمن.
ولـ"المشرحية" أن تستمر.
لكن ما أصل هذا الميل المسرحي؟ وما الحدث الأصلي الذي أطلق المسرحية وجعل التمثيل جذابا لكثيرين؟
أعتقد أن الأساس العام للمسرحية كلها هو البحث عن البطولة أو المجد. هذا نازع إنساني عام، وهو يمكن أن يدفع إلى مآثر نبيلة وإلى جرائم رهيبة. الحداثة عممت البطولة ودمقرطتها. صار المجد ينتج بالجملة، والبطل يمكن أن يكون أي إنسان. لكن عند أكثر العرب والمسلمين المعاصرين إنتاج فقير للبطولة: الأبطال العسكريون نادرون، والدول لا تحارب غير محكوميها، أبطال العلم قليلون، أبطال الأدب والفن قليلون، والأدب والفن قلما يطعمان خبزا. أبطال الرياضة قليلون جدا، لكون الرياضة اليوم صناعة واستثمار. النضال السياسي مقموع وباهظ الكلفة. وبعد أن كان للحي بطله أو أبطاله، وللقرية بطلها، وللعشيرة أبطالها في أيام ما قبل حداثتنا، صار لدينا بطل واحد متوحش للجميع: حافظ الأسد مثلا أو صدام حسين أو معمر القذافي. بدل تعميم المجد والتوسع في إنتاج الأبطال، حداثتنا أنتجت أبطالا أقل من تقليديتنا المفترضة.
ماذا يفعل شاب يتطلع إلى حياة كبيرة؟ إلى أن يكون له دور في العالم؟
يريد الإنسان المعاصر، في مجتمعاتنا كما في كل مكان، أن يكون له "دور"، وأن "يمثل" دوره على "مسرح" العالم. السلفية وليدة هذا الميل الكوني والحديث، وإن كانت تستفيد من احتقان مخيلة المسلمين بدراما الإسلام الباكر بفعل انحطاط حداثتنا، وتعثر تأليف نص أصيل جديد. في نصنا القديم حبكة وصراع يسهل نقلهما إلى عالم اليوم وتمثيلهما فيه. نريد أن نمثل وأن نرى، ويحول الطغيان دون أن نمثل ونرى ونمارس البطولة. ولا تقترح علينا غير أدوار كومبارس تافهة في مسرحية الغرب الكبيرة. فلم لا نمثل مسرحيتنا "الأصلية" إذن؟ مسرحية "الجهاد" الملحمية المفعمة بالصراع؟
المشكلة أنه لا أصالة البتة في استعادة ما مضى وانقضى، وما نجح مرة لا ينجح مرتين. هذا فوق أن إيحاء المسرحية أتى من الغرب، من دراماه التاريخية الأصيلة.
أتى من مخابراته أيضا، أي من شياطينه ومنابع شره. في المسرح الأفغاني صنعت الفرقة المسرحية التي اسمها القاعدة. يحيل ما قبل تاريخ الفرقة إلى رعاية أجهزة مخابرات أميركية وسعودية ومصرية وباكستانية. وبحكم هذه التجربة المكونة فإن الرابط بين السلفية المسرحية والمخابرات أصلي، وجهان لعالم الظلام. يجمعهما أيضا شغف "مشرحي": القتل الفظيع للبشر. وفي 11 أيلول 2001 قامت الفرقة السلفية بمشهدها البطولي الخارق، وأجبرت العالم كله على أن يتفرج عليها، وصنعت ذاكرة وسلسلة نسب لنفسها.
كانت هناك مسرحية ممكنة أخرى: الثورة. بالفعل اقتحم المسرح كثيرون، مثلوا أدوارا بطولية. لكن هذه المسرحية الديمقراطية سحقت بعنف، وقتل أكثر الأبطال أو حبسوا أو نفيوا.
السيرة معروفة، وبمحصلتها لم تبق فرصة لغير المشرحيات. داعش هي الفرقة المتمرسة بهذا الفن.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما 3- مقاومة إسلامية، مق ...
- الحق في الدين بوصفه أساساً للحرية الدينية
- خصوصية قضية مخطوفي دوما الأربعة
- مغيّبون: تجارب السوريين في التغييب السياسي خلال جيلين
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 2- حروب ضد العامة
- امرأتان ورجلان من سورية
- سميرة ورزان: وقائع أسطورة معاصرة
- هل الضمير الإنساني واحد؟ والمسلمون شركاء فيه؟
- من تصورات الديمقراطية إلى «النظرية الديمقراطية» في المجتمع؟
- هل سلفيو داعش بشر مثل كل البشر؟ وعقولهم مثل عقول جميع الناس؟
- في أية بيئات سورية ظهرت السلفية العسكرية؟
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 1- طماشتان
- أنماط الاعتقال السورية من وجهة نظر الأهالي
- علمانيو سورية وإسلاميوها: شراكة غير مؤسسة أو مخاصمة غير تحرر ...
- أنماط الموت السورية، مصنفة حسب القاتلين
- جانب من سيرة الإشاعات السياسية في سورية
- ياسين الحافظ وعبالله العروي
- طفرة في التفكير لفهم طفرة -داعش-
- كرد، عرب وترك، وأميركيون...
- بعد ركود مديد، هذه الجِدّة السورية التي لا تطاق


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - السلفية الجهادية كظاهرة مسرحية