أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء هاشم مناف - إشكالية البنية في قصة يوسف















المزيد.....



إشكالية البنية في قصة يوسف


علاء هاشم مناف

الحوار المتمدن-العدد: 4669 - 2014 / 12 / 22 - 15:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    






اشكالية البنية في قصة يوسف






الدكتور علاء هاشم مناف





المدخل
سورة يوسف من السور المكية وهي مائة واحدى عشرة آية وسورة يوسف تختلف عن سواها من طوال السور بأنها تعالج موضوعاً واحداً فقط هو الحياة المتعلّقة بيوسف، باستثناء بضع آيات في النهاية، لكنها على العموم لها صلة بالآيات الاخرى.()
غموض الحروف التي تسبق عملية السرد في القرآن
تقع في بداية سورة القرآن وتحديداً في (29) سورة من القرآن حروف مفردة أو مجموعات من الحروف تعتبر في النص التراثي وهي الجزء المنزل، وسورة يوسف هي من هذه السور وتبدأ : بـ (الر) وهذه الحروف هي مختصرات لكلمات أو جمل:
(الر) انا الله أرى.()
يتكئ فن الحكاية في السرد القرآني على محورين:
المحور الاول المحتوى اللساني السردي الذي يضم القصة في طياتها واحداثها المحددة.
المحور الثاني هو تعيين الطريقة التي يتم تحديد المنظومة الدلالية داخل تغيرات المعاني فهي إلى حدِّ بعيد تتوافق والاسلوب البلاغي في تحليل الصور وهي طريقة الحكي وهذه الطريقة نطلق عليها (سرداً) إضافة إلى ذلك تكون القصة الواحدة قابلة للحكي بالعديد من الطرق وعليه يتم الاعتماد على السرد بوصفه هو المحدد والمسؤول عن حكي قصة ما بطريقة معينة.() من جهة اخرى فإن السرد (الحكي) يقتضي بالضرورة وجود قصة ما وبصورة منطقية كذلك وجود سارد لهذه القصة، كـذلك يفترض وجود من يحكي له هذه القصة ونطلق عليه (المسرود له) أي المتلّقي للبنية الحكائية والمنوط به التفاعل مع المعاني والاحداث والمشار إليها سردياً في القصة.()
كذلك فإن الحكي هو كل خطاب يدفعنا إلى الاستدعاء لعالم مدرك مثل الواقع المادي أو الواقع الروحي، وهي الاشارة إلى زمكان محددين، لأنه يعكس على الاغلب فكراً محدداً سواء على مستوى الشخص أو مجموعة الاشخاص، إضافة إلى الراوي.
فالنية القص بهذا الشكل تتحدد بتواصلات ما بين الطرف الاول:
الراوي.
السارد إضافة إلى الطرف الثاني:
هو المروي له / اي المسرود له، لأن عملية التواصل تتأكد بتشكيلات الحكي النسقية القائمة على السرد.



الشكلانيون الروس وقناة الإتصال
عند الشكلانيين الروس وحصراً عند (توماتشفسكي) فهو يميز بين نوعين من السرد:
الاول يطلق عليه السرد الموضوعي (Objective) وفيه يكون الراوي يمتلك رؤية عن افكار الابطال بشكل عام.
اما النوع الثاني فيطلق عليه السرد الذاتي (Subjective) فهو يعتمد فيه على تفسير المتلقي (المروي له) لكل احداث الحكاية أي أنه يقوم بتفسير الاحداث المتعلقة بالحكي، والسيميولوجيا كما يقول سوسير (هي عبارة عن علم يدرس حياة الاشارات في قلب الحياة الاجتماعية) واللغة هي نسق من الاشارات المعبرة عن أفكار وعليه فهي تقارن بالكتابة.
فكرة الفاعل الدلالي البنائي
وتتحد طبيعته بالتصورات ذات الاهمية التفاعلية وهو يختلف بطبيعة الحال عن منطق الفاعل النحوي وبالطبع هناك حدود معروفة في إطار القضية النقدية لمنطق الفاعل الدلالي. نقول أن الفاعل الدلالي في النص القرآني من سورة يوسف ((إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ))()
في هذه الاية حدد يوسف الرؤية بشكل دقيق وهي العلاقة المتركبة والمزدوجة من احد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين، فالفاعل هنا هي الرؤية المسندة والمرسلة إلى الأب وهي الفاعل المرسل إلى المرسل إليه وهو الأب اي أب يوسف .
وهنا يجب ان نميز بين الفاعل النحوي والفاعل الدلالي ففي النص القرآني من سورة يوسف وتقع العملية الدلالية في منطق الرؤيا، والأب يستقبل هذه الرؤيا، هنا يختلف الفاعل النحوي عن الفاعل الدلالي، إذاً ان الفاعل الدلالي يمر بأربعة مراحل ثم يضاف إليها دوران وهو غير مهم ويتحدد بالرموز التالية أدناه:
الفاعل الدلالي ويرمز له بفاعل الرؤية A وموضوع الفاعل أو الواقعة، وتكون بالسجود لاحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين حيث يرمز له بموضوع الرؤية B والمرسل له ويرمز له بـ C والمرسل إليه ويرمز له بـ D.
هناك تطبيقات مختلفة لهذه النظرية مثال على ذلك:
هناك توزيع للعديد من الادوار الدلالية ولنأخذ هذا المثال:
الفاعل في النص القرآني من سورة يوسف:
الرؤية عند يوسف
الفعل المتركب بالرؤية.
الموضوع هو الكون والخليفة وهما المعنيان في هذه الاشكالية.
المرسل للرؤية أو الحدث الفعلي هو ـ الله.
المرسل اليه هو الانسانية جمعاء.
والمساعد في ذلك هو منطق الروح.
ثم يأتي العائق المادي والمتكون من الفعل البشري والمتركز في أخوة يوسف وهم العائق في هذه السورة.
كفاية المتلّقي تساوي الباثّ في سورة يوسف
هذا الموضوع المطروح باطار تواصلي حيث إنتهى إلى التبسيط التالي مُرسل (اوباثّ) او رسالة ، مرسل إليه (أو متلقِّ) وفي اطار هذا السياق تتكون الرسالة بناءً على أرموزة يُعبَّر عنها من خلالها . ونحن بتنا ندرك ان أرموزات المرسل إليه تختلف من الناحية الكلية أو الجزئية من ارموزات المُرسل (او الباث) من جهة اخرى فإن الارموزة ليست أيقونة بسيطة ، إنما تأتي في الغالب نسق معقد من تلك الانساق القواعدية ، اضافة إلى هذا فإن الارموزة اللسانية لا تكون كافية لكي يحرر المرء ويفقه في رسالة لسانية:
((قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ))()
هذا النص القرآني قابل لأن يتم تفكيك رموزه من الناحية اللسانية باعتبار أن هذا النص قابل وقادر على تأسيس الجواب الشرطي في النص القرآني ((إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ))() وهذا يدل على جري عادة من تلقّي السؤال؛ والاجابة هنا في النص القرآني حيث تتخذ مدلول سياقي تداولي يتعلّق بالنصيحة واللياقة في اتخاذ الرد في النص القرآني من السورة باعتباره يتضمن تعاضداً نصياً وفق التأكيد الهرمينوطيقي، وجاء الجواب ليشكل تعزيزاً لسانياً يقع في صلب التواصل اللفظي، فكان النص القرآني من السورة معنياً في التواصل اللساني الصرف وبالمعنى الصريح داخل انشطة سيميائية بالمعنى التواصلي الشامل ، حيث تكامل انساق وعلامات عديدة فيما بينها.
خطاطة رقم (1)
توضح المسار التفكيكي للمرسِل "(و الباثّ) والمرسل اليه (او المتلقِّ)



















الفصل الاول
الزمن الدال في القصة والحكاية
إن للحكاية مقطوعة زمنية، فهناك الزمن المروي للشيء ، وزمن الحكاية هو (زمن المدلول وزمن الدال) وهذه الابتداءات الثنائية الزمنية تأتي على ضوء اللقطات من الصور المركبة وهي تدعونا إلى ملاحظة وظائف الحكاية وهي إدغام زمن من الناحية الثنائية في زمن آخر. والثنائية الزمنية الي يتم التشديد عليها، تأتي بين زمن القصة، وزمن الحكاية، وهي سمة لا تميز الحكاية السينمية فحسب بل تميز الحكاية السردية والشفوية على مستويات البلورة الجمالية، بما فيها مستوى القص الاسطوري إضافة إلى اشكال أخرى من التعبير السردي كالرواية ـ الصورة أو القصة التي تصور الحدث الشمولي للشخصية مثل قصة يوسف في القرآن.
والزمن الدال في دراسة معنى القص ودلالته والحكاية ودلالتها، فحين يطلق المرسل (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ()
في الاصل الاشتقاقي اللغوي لكلمة تأويل وهي التي وردت في القرآن الكريم سبع عشرة مرة في حين أن كلمة (تفسير) لم ترد سوى مرة واحدة.
وهذا بلا شك يدل على أن كلمة (تأويل) كانت هي أرتكازاً في اللغّة وبشكل عام وفي النص القرآني بشكل خاص من ارتكاز كلمة (تفسير) ولعل الارتكاز وراء هذا الدوران. هو ان التأويل كان مفهوماً ومعروفاً في الثقافة قبل مجيء الاسلام وقد ارتبط اصلاً بتفسير الاحلام وتأويل الاحاديث كما نعلم من تأويل رؤيا ربيعة بن مضر التي قام بها كل من سطيح وشق بن أنمار.
وفي سورة يوسف نجد أن هذه القصة قائمة البناء على (حلم يوسف) في بداية القصة، وهو الحلم الذي تحقق تأويله في خاتمة القصة، بالإضافة إلى (حلم الملك) الذي يقوم يوسف بتأويله ثم يقوم بعد ذلك بتأويل حلم السجينين، وهذا تأكيد آخر لنبوءة أبيه يعقوب بمستقبله حين يقوم برواية حلمه الاول (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ).()
ومنطق تأويل الاحاديث هو تأويل الاحلام وهو استبدال كلمة (احلام) بكلمة (احاديث) ولفظة (حديث) أطلقت على الحلم في سياقه التأويلي ويرجع كذلك إلى أن المفسر أو صاحب التأويل لا يقوم بتأويل الحلم ذاته ، بل يقوم بتأويل (الحديث) الذي يقصه صاحب الحلم عن حلمه، بمعنى آخر هو يقوم بتأويل الجمل والعبارات اللغوية الي ينطق بها صاحب الحلم الصور التي رآها في حلمه. من هنا يكون التأويل منصباً على الصور من خلال الوسيط هو (الحديث)()كذلك نجد في قصة يوسف اضافة إلى المنظومة التأويلية إلى الاعلام وإلى الاحاديث وإلى الرؤيا وهي تأتي بدلالات متقاربة وبشكل دقيق، وفي هذه القصة يستوي في هذه المنهجية في القص هو أن يكون المتحدث يعقوب كما في النص السابق من الآية السادسة أو أن يكون حاشية الملك أو يكون (المتكّلم بالنص) (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).()
النسق البنائي في قصة يوسف
حين يشير يوسف إلى (حلمه) وبعد التحقق يشير باسم (الرؤيا) (} وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ).()
إن اللغة في هذه القصة هي لغة نسقية مركبة كما قلنا سابقاً وهي تتركب من أدوات تعبيرية. ومن الصعب في هذه القصة تصور النسق اللساني خارج إطار المنطق الكلي للقراءة النسقية بشكل عام والبنوية على وجه الخصوص.
ومحور الخبرة في هذا الاطار الجوهري في نظرية اللغة حتى عند سوسير ونظام القرآن بشكل خاص من الناحية اللّغوية هو نسق يحمل نظام خاص لأنه نسق سيميائي يقوم على المنظومة الاعتباطية للعلامات ولا قيمة لكل الاجزاء إلاّ ضمن الاطار الكلي، والآيات من الناحية البنوية هي تتشكل من منظومة أنساق، ومن ثمرات هذا المفهوم هو التصور المتفرد في هذه القصة فهي تتفرد بتاريخ التفكير اللغوي داخل منظومة العلامات، وقد إنبثقت من هذه التصورات في هذه القصة مرتكزات بنوية في مجال الحركة التزامنية، إضافة إلى التعريف السيميائي الذي يحظى بالافضلية على باقي الانساق في هذه القصة.
فالنسق يتحدد مفهومة أكثر عندما تثار علاقته في البنية في إطار هذه القصة. ومفهوم النسق التأويلي في الاستخدام القرآني لهذه القصة هو ليس قاصراً على (الاحاديث) المرتبطة (الاحلام) وبالرؤى ، فإن يوسف يقول لرفقائه في السجن بعد أن اخبراه بما رأياه في النوم: (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ).()
عموماً، أن توليد انتاج الحكاية يقع في عملية إنتاج اللغة من الناحية البنائية، والمعروف أن العملية التداولية في قصة يوسف لها علاقة وطيدة في الجذر اللغوي إضافة إلى علاقاتها في الدلالة المركزية والحكاية أو القصة لا يمكن أن تتجاوز الجذر اللغوي والدلالي.
وإذا عدنا إلى موضوع النسق البنائي في قصة يوسف سنجد المفهوم المركزي الذي هو النص، حينها نبدأ بالبحث في مركزية اللغة.() والقراءة لقصة يوسف من الناحية النصية، تأخذ معنى في استخلاص الدلالة من القراءات الاعمق حين تحدد النظام اللغوي في التمحيص والتحليل والتركيب في زوايا رصد لهذا النظام اللغوي باتجاه منظومة الاجتهاد وفق تركيب قواعد اللغة الدلالية والتفسير الدقيق لصيرورتها البنائية.()
وهناك السيميولوجيا القرآنية داخل قصة يوسف وهي تحدد أنساق الإشارات، وهذه الدراسة تجعل اللغة القرآنية جزءاً من منظومة العلامة وهناك وقائع وإتفاقات عامة لإعطاء اللغة البنائية في سورة يوسف مكانة مرموقة ومستقلة من ناحية السرد البنائي، تقوم بالسماح بالتعريفات السيميولوجية، بأنها تعمل على دراسة الانساق الإشارية غير اللغوية، والسيميولوجيا كما هو معروف وكما صممها (سوسير) هي علم دراسة الاشارات في قلب الحياة السسيولوجية، والنص الذي تحدده السيميولوجيا هو النسق اللغوي وهو نسق من الاشارات والتي تعبر عن حياة يوسف وعليه فهي تقارن بالحروف البكمية والصمية، والطقوسية، والرمزية ، وبعبارات الآداب العامة وحياة يوسف في سورة يوسف جزءاً من هذه الحياة اللغوية والاشارية.
مثال على ذلك في النص التالي (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) مثال على ذلك في النص التالي (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) والنص التالي يوضح ذلك ( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ)().
وهنـا يأتي المعنى من خلال الوجه الهرمينوطيقي البنائي، هو العودة إلى اصل الشيء سواء استقر على فعلٍ أو حدثٍ وذلك هو اكتشاف للدلالة أو الاشارة وهكذا هو ان العبد الصالح كشف عن أفعاله من الناحية السببية والعلّية من خلال الخطاب الموجه من السارد البنائي إلى المسرود له وهو الإنسان.
والمنطق الهرمينوطيقي في هذه الآيات وعموم الآيات في قصة يوسف تعني بالرجوع إلى اصل الغاية أو الهدف.
من الجوانب الأساسية في شخصية يوسف بطل القصة، فهي شبيهة باسطورة (برومثيوس) التي يلفها الغموض في الاساطير الاغريقية ، لم يكن برومثيوس من آلهة الادليمب، ولكنه كان مارداً، يقل عنهم في المكانة وهو الذي وصف نفسه على انه آله أو وصف الآخرون بهذا الوصف ، وكلمة الإله تعبر عن الذات أو عن الحقيقة المكانية في منظومة أخرى من الاساطير وهذا لم يدركه الاغريق بالشكل الكامل .هذا الانتماء المؤكد منحه قدرات تنبؤية، لقد كان عرافاً الامر الذي جعله بعيد البصيرة، فهو يعرف ما سيحدث ويفسر هذه القضية قبل حدوثها.
إننا سبق وأن أشرنا في صفحات سابقة من أن يوسف كان يؤكد لزملائه في السجن قدراته الهرمينوطيقية، فهي التي لا تقتصر على الفعل الهرمينوطيقي في الاحلام والاحاديث بل تجاوزت ذلك إلى الاخبار عن الاشياء قبل وقوعها على الارض، لقد كان يوسف يصل إلى دلالة الحدث وصولاً مباشراً ويتنبأ به قبل حدوثه . وعند برومثيوس كانت القوة الخلاقة التي خلقت الجنس البشري من الصلصال في احدى الحكايات وفي حكاية آخر قامت هذه القوة الخلاقة ببعث الحياة في إطار الصلصال وفي حكاية اخرى قامت بعملية الخلق وبعث الحياة معاً لقد كانا برومثيوس ويوسف أقرب إلى البشر منهم إلى الآلهة، وكانا أكثر تعاطفاً مع البشر وإحساسا بمشاكلهم، وكانا يلقبا بالصديقين، وكان برومثيوس شبيهاً بنوح حيث انقذا البشر من دمار الطوفان الذي اطلقه زوس المتاج الذي لم يرض بنقائض البشر، وقد كلفا كل من برومثيوس ونوح ببناء سفينة تطفو فوق الماء، وعندما انحسر الطوفان هبطت السفينة على قمة جبل برناسوس، والحكاية تختلف من مكان إلى آخر حول مكان الطوفان، منها جبل برناسوس ، وثيساليا، وهيموس، وسكثيا، ومصر، وتقول إحدى الحكايات الاسطورية إن الطوفان حدث في الحبشة وهو الشبيه اي برومثيوس بموسى ، حيث تقول إحدى الحكايات إنه حشا عصاه المجوفة باللهب من ورشة هفستوس وأثينا، حيث تصل في نهاية هذه الحكايات وهي كثيرة إن نار برومثيوس ارتبطت بالشعلة والعصى حيث تظهر على انها عشيقة برومثيوس.
وهكذا فإن قصة يوسف تبقى حدودها وفي جميع الحالات بنية وأن استعمال الشكل المركب في الخطابات الموجهة وفق شروط زمكانية حتى في الحالات التي تبدو لأول وهلة مسترابة، وفي بعض الاحيان يكون الفعل الهرمينوطيقي أكثر صعوبة على سبيل المثال في الاية التاسعة ()(اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ) وفي الاية العاشرة() يتغير وجه الخطاب فيصبح منهم (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) ولكن بين اقتلوا يوسف فهو خطاب تشكل موضوعياً ولا تقتلوا يوسف فهو الخطاب الذي تشكل ذاتيا فهما خصوصية تقريبية للتضمين ورغم ذلك هناك مقاربة تضمينية تقاربية تقترن بالمحتوى الدلالي للخطابين واسترسالاً يحتويه التماثل بواسطة فيزيولوجية الحراك المنطقي بالخطابين ، ثم يأتي خطاب الاستدراك في الحكاية في الآية الحادية عششر : (} قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) إن التشكيلة الخطابية لهذه الاية كان من الافضل ان تكون قبل الاية الثامنة، لأن الحوار الذي دار بين الاخوة والمناقشة للأب جاءت متأخرة وحتى الآية التاسعة جاءت متأخرة والمفروض أن تكون الاية الثانية عشر قبل هذا.
إن الحقيقة السردية باعتبارها حياة كاملة خاصة إننا نتحدث عن حكاية تواشجية استحكامية، وهنا المماثلة تأتي بين حياة يوسف والخطابات الموجهة سردياً إلى اتجاهات عديدة، فهي جاءت متركبة بين التقديم والتأخير فهي تقع بين طائلة الشك النقدي لأنه العمل المعرفي المتطور.
الحبكة في الحكاية
الحبكة في حكاية أو قصة يوسف بوصفها تركيباً خطابياً ، جاءت عناصره متنافرة ، وقصة يوسف تركبت من عناصر عديدة:
جاء التأليف والتركيب بين الخطابات والاحداث والعوارض والتي هي متعددة، وبين القصة أو الحكاية الواحدة والمكتملة التي تحكي حياة يوسف في هذه الحكاية أو القصة، ووجهة النظر الاولى هي التي تقوم على عناصر الحبكة التي تقوم على وظيفة القصة التي تقع في أحداث متعددة، أو هي تحولات في الاحداث العرضية المتعددة والكثيرة والتي تشرحها الآيات ، ثم تنصب هذه الاحداث والخطابات في قصة واحدة. (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) الاية الخامسة عشر() (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) الاية السادسة عشر() (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) الاية السابعة عشر.()
من هنا فإن الحدث مجرد شيء عابر في هذه الحكاية أو القصة ما نريد أن نقوله أنه ليس أكثر من شيء حدث، وهو ما يسهم في عملية السرد ومجراه مثلما يسهم في مجرى بداية الخطاب ونهايته. هناك الراوي الذي يروي هذه القصة، وهو مجرد خطاب يأخذ جانبه الوعظي، وبالتالي فالقصة فهي مجرد إحصاء متعدد الجوانب لآيات متعددة ومتقاطعة بين المعنى في التقديم والتآخير والتركيب في نظام معين لم يكن متسلسلاً او متعاقباً للاحداث أو العوارض التي تنظمها الخطابات، والحبكة في هذا النص هو تركيب خطابي من الوجهة الثانية فهي عملية تنظيم للمكونات التي لا تقبل تنافراً تحت وضيع من التركيب المزدوج.
هناك كشوف تؤدي إلى منظومة الافعال التي تفتقر إلى الروابط الدقيقة من ناحية الوعي النقدي للقصة.
هناك المصادفات والمواجهات المخطط لها مسبقاً، وهناك اشتباكات للفاعلين ابتداءً من منظومة الشك بالأب وإنتهاءً بالصراع بين الأب ويوسف من جهة واخوة يوسف بعد ان حصلت المواجهة بين الابناء والأب. ((وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ))() هناك اللاترابط بين نصوص القصة أو الحكاية، هناك ترابط من ايقاع خطابي للحدث ، هناك اتقان معد كما قلنا مسبقاً، إن جمع كل هذه الآيات في قصة أو حكاية يجعل من هذه الحبكة هي ليست حبكة كلية وليست كاملة وشاملة، يمكن ان نقول أنها متوافقة من ناحية الخطابات، ومختلفة في وقت واحد، والحديث هنا حول التوافقات الخطابية أو التضارب الخطابي، ونحن نقرأ قصة أو حكاية يوسف، تقودنا هذه المناقشة إلى نتائج الحوار في هذه القصة، ليس هناك حوار وإنما هناك راوي لهذا الحوار وهو حوار موضوعي مطلق، مثل:
وجاؤو على قميصه بدم كذبِ.
قل بل سولت لكم أنفسكم.
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ.
وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ.
إن فعل المتابعة للقصة تقودنا إلى توقعات حول نتيجة القصة فبناء القصة على حبكة منغّمة هو تركيب بين المتنافرات من الحوارات أي بمعنى أكثر عمقاً وهو المعنى الذي يستعمل لوصف الزمكان الخاص بالمنطق السردي، ويمكننا القول إن هناك اشكالين من الزمكان في القصة المروية، أي هناك تعاقب متقطع ومفتوح ولا نهائي من تلك الحوارات يعقبها سلسلة من الاحداث، تتركب بين آونه وأخرى، فالقصة المروية تقدم جانباًً زمكانياً يتسم بالتكامل والنضج حتى تكون خاتمة القصة خاتمة منطقية.
في قصة يوسف من هذا التحليل للقصة باعتبارها تركيباً داخل ايقونة من المتنافرات ، ونحن بامكاننا أن نحتفظ بثلاث سمات منها:
الوسطية التي تنتج الحبكة.
الاحداث المتشكلة بالتعدد وبالقصة المؤَّحدة.
هنـاك المقدمة في أولوية التوافق على حقيقة التضارب .
إضافة إلى عملية التنافس بين المتعاقبات والصياغات التصويرية للحدث في القصة. ((وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)) الاية التاسعة عشر.()
هناك لازمة في هذه القصة وهي لازمة تتعلق بالاطروحة في بناء الحبكة والتي يفهم منها في هذا النص بوصفه تركيباً بين تلك المتنافرات، حيث اللازمة في كل نهاية نص متعلق بآية من الآيات وبنوع من المعقولية التي ينبغي تأكيدها من خلال اللازمة الزمكانية التي نعزوها إلى فعل الصياغات التصويرية وهي مبنية بناءً محكماً داخل العملية السردية للنص، وقصة يوسف كشفت عن جوانب ذاتية وموضوعية الذاتية هي الكشف عن حياة يوسف والموضوعية هي الشمولية في الوضع الإنساني، لأن الايقاع في هذه القصة هو الاكثر منعرجا من الناحية الفلسفية والاكثر اتساعاً من تاريخية هذه القصة، والقصة تطرقت إلى الجوانب العرضية في هذه الحياة وهي جنس ملحمي في التطور النوعي الذي يمكن ان نسميه المنحى السردي المختصر، وهو أقرب إلى الحكمة الاخلاقية، وهكذا هي نصوص القرآن القصصية.

الفصل الثاني
التجسيد الحقيقي للعوالم الامكانية في قصة يوسف
إنما يدخل المرء في حالة إنتظار الكشف عن معنى النص، هو أن يُجري توقعات إحتمالية على تفاصيل معنى الاحتمال في قصة يوسف ، والقارئ النموذجي يكون هو الآخر مدعواً إلى المساهمة في تنمية الحكاية حيث أنه يستبق المراحل المتوالية داخل قصة يوسف، ذلك أن الاستباق الذي يفعّله القارئ، فهو يشكل حصة موضوعية من هذه الحكاية أو القصة والتي ينبغي ان تتوافق مع رمزية الوعي القيمي للواقع السسيولوجي، وهنا يأتي رمز القراءة وحلمها حيث تتم له مجسات هذه القراءة على نحو معرفي وهو يَثبَّت مما إذا كان النص في قصة يوسف مطابقاً لتوقَّعه في إطار الدراسة العميقة لواقع القصة القرآنية ، من هنا جاءت حالات الحكاية وهي تتفاوت من نص إلى آخر من شأنها أن تثبت الحصة الحقيقية للحكاية والتي تقدمت حدس القارئ والحل الذي اتمت به القصة كما هو معروف ومقرر لاهوتياً في النص، من هنا يأتي الاستباق من قبل القارئ للنص بالاضافة إلى بعض الحدوس التي افرزها القارئ ، حيث يشكل تقويماً مضمراً للطاقات المتوقعة والتي دل بها القارئ على الجدارة على مدى الفهم والإستيعاب لكل المسارات الهرمينوطيقة.
إن تنامي هذه الجدلية التعالقية بين النص والقارئ، إذ تجري هذه التوقعات وفق موقف قضويّ في اعتبارات متعددة المقادير الذهنية في (يظن، يرغب، يودّ، يأمل، يعتقد) وهذا يتعلّق بـ: ((وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) الاية العشرون.()
من هنا يكون بناء العوالم الموضوعية في قصة يوسف وهي مجرى من الاحداث المتوالية وهنا تتشكل فرضيات حول بناء العوالم المفترضة سلفاً.()
المحتوى القيمي في الخطاب
لقد تعددت القيمة الكلامية في الخطاب في قصة يوسف ونجملها بما يلي:
بروز القيمة الكلامية المنطوقة، وهذا ما يحدث في عملية الانتقال من (} وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) الاية واحد وعشرين.
ونحن نشير إلى المحتوى الاجمالي في الخطاب المنطوق، وهذا ما يحدث كما قلنا في القوة واحد اعلاه من المحتوى المضمر في A إلى المحتوى في B والقيمة الكلامية في النص تأتي في الاشارة عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً، كذلك ينطوي القول في الواقع على المعنى في النص كذلك مكّنّا ليوسف في الارض وهنا العودة إلى المكان لأنه المحتوى القيمي الذي يؤكد عليه النص والذي ينتقل من A إلى B في إطار محتوى حرفي والذي ينطوي عليه القول ولنعلمه من تأويل الاحاديث ، وأن القيمة الكلامية المشتقة ليست سوى فعلاً خاصاً من أفعال المحتويات الكلامية المضمرة، وهذا يدعونا إلى الدهشة ، أتطالعنا مجدداً في النص ((وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ)) وهي إشكالية تحديد (الزمكان) في القصة من ناحية الخاصة الانسب حيث يتعين ان نرسم الحدود بين السماء والارض أو بين القيم الكلامية المنطوقة وهي الاولية والمشتقة واشكالية الاوضاع المختلفة التي ينبغي منحها للقيم الكلامية (المشتقة/ المنطوقة).()
من هنا يتعيّن اعتبار قيمة الكلام المنطوق في إطار الملاحظة باعتباره مشتق من الموقف الذي اتخذه النص في القصة، والذي توصل من خلال الوصف في صيغة خطابية من مفهوم أفعال الكلام حيث توسع هذا المفهوم من خلال أتخاذه أفعالاً منجزة بشكل غير مباشر ويتعزز هذا بالنص التالي: ((وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)).
ومن جهة أخرى يمكن تحديد قضايا البحث السسيولوجي عن طريق التركيز على العلاقات الدلالية في النص في تساوي العملية الاختلافية على سبيل المثال ((وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)).
فالنص في قصة يوسف كان ينشد من الرأس، وقد مكنه طقس الإنشاء أن يغيّر من في سريرته بعد ان همّت به لأنه كان يتفاعل مع النص حتى بلغ به الافعال إلى درجة التحديد مع البطل المطلق في نصه، بالاضافة إلى ذلك التوتر الذي احس به لكنه كان الصوت الذي ليس مجرد خاضع للنص الثابت والمغلق لقد كان يوسف في هذه القصة هو المالك لحق الخروج على ذلك النص، والارتجال، بأن النص الذي يتكون من علاقة تفاعلية بين المنشد + الطقس الاحتفالي، إذاً فهو نصاً حراً كلما أنشد المنشد تغير منطق الحكاية في إطار الخطاب، فالسارد في هذه القصة هو الموجه للخطاب داخل قلب الحدث، فهو يبدأ من فوق إلى باطن الارض ثم يرتفع حتى يتلاشى في السحب ثانية. فهي إذاً، تجربة القوة في النص. فكان يوسف يستمع إلى المنشد الشعبي الذي ظهر في النص الشعبي، فهو لم يعد منشدا للحياة ما قبل الحداثة لذلك نرى ملامحه في النص باعتباره سارد لمنظر سينمي()، كما في النص ((} وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)) الاية الرابعة والعشرين.
إن القوة في النص تكمن في القدرة والشدة أو الطاقة في خفايا النص والقوة في النص هي ضد الضعف، لأنها قوة نصية أي قوة فكرية وهنا في قصة يوسف تأتي قوة الغريزة الجنسية لأنها تتبع القهر المادي ، فالصراع المحتدم بين يوسف وإمرأة العزيز، أي بين الغريزة المادية الغريزة الروحية، فهي الضرورة التي لا تستطيع الإرادة المادية مقاومتها وفي قولهم: استولى على الشيء بالقوة، كانت إمرأة العزيز تريد ان تستولي على يوسف بالقوة وإخضاعه مادياً بالقوة المادية، والقوة هنا من الناحية الجنسية مقابلة للحق أي لأنها ليست حقاً، إنما هي وسيلة دفاع عن الحق وهكذا كانت قوة يوسف الايمانية وهي الرادعة لقوة إمراة العزيز المادية، فكانت القوة هي مصدر الحركة عند إمرأة العزيز، وكانت قوة يوسف الايمانية هي قوة الردع ولذلك كانت السبب في المتغيرات التي طرأت على الحركة في النص.()
فالقياس السسيولوجي يعني في هذه القصة هي الطريقة التي يمكن التعرف عليها من خلال العلاقات السسيولوجية بين الافراد طبقاً للمشاعر السيكولوجية تجاه بعضهم البعض، وذلك باعتمادها على آراء الافراد وقوتهم للسيطرة من قبل شخص على شخص آخر، وهذا ما حدث في قصة يوسف استناداً إلى طبيعة الاتصال وطبيعته من حيث كونه مفروضاً على بطل القصة يوسف.() ((وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) الاية خمسة وعشرين.
من هنا نقول ان الفعل التلقائي يأتي نتيجة للتكرار وقد تمثل هذا للفعل بالآلية الفسيولوجية للعادات في النمط الحركي. وعادات الحيوانات اللاشعورية، فكانت أمرأة العزيز تمتلك هذا النمط من العملية الحركية وهي عادات حيوانية لاشعورية، أما يوسف فكان يمتلك فعل تلقائي لكنه فعلاً روحانيا.()
ثم يبدأ المشهد النصي حيث قال يوسف (( قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) الاية السادسة والعشرين.
في هذا النص والنص القرآني الذي يليه، هنـاك تماثلاً سردياً متشكلاً في هذه المماثلة التي تفضي إلى البنية العميقة للمنهج السردي على مستوى القص نفسه، فالتشكيل اللساني تحدده البنى الموضوعية السردية بقدرتها على أدّعاء المماثلة عند المستوى الخطابي الثاني اي في النص الذي يليه.()
إذا اضفنا إلى هذا المنعرج التماثلي النصي والحقيقة اللاشعورية بالانبعاث داخل الطبيعة التركيبية للنص، تحاول قوة المادة السيكولوجية اللاشعورية تعطينا فهماً متركباً لحالة التطور التركيبي للنص وحالة العقل الناقد الذي سخر من هذه الصورة المتعلقة والمطالبة الواقعية بالتجريب النصي الذي يتأكد بالصورة من خلال المواجهة مع الواقع، هناك الانسحاق الكامل للرخويات العقلية التي تشكلت بالمشاريع الظاهراية وهي الاكثر طموحاً لفهم النص، كما عاش حالمو المنطق الصوري، وقصة يوسف هي الاكثر توكيداً لأن النص الذي حدد هذه الاشكالية كما قلنا تلفي ملمحاً ظاهراتياً في هذا الكائن الروحي المغلّق تماماً على ذاته يحمل نبض الذبذبة الكونية العظيمة من الزاوية السيكولوجية فهي ليست مسألة عبثية كما هو وارد في النص، إنها تبرز أمام منطق النص تلقائياً بمجرد أن نعود إلى المنطق ذاته كما يقول الظاهراتيون، أي بمجرد ان يبدأ العقل النصي.
وعندما يتعلق الامر بالنص، فمن النادر أن نجد انفسنا في وضع مستقبل للنصوص، فمن كل خطوة في النص هناك شيء ما يهيمن وينمو بالفعل الكوني بالاشترك مع الفعل الأرضي.()
((وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ)) الاية السابعة والعشرين. ((فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)) الاية الثامنة والعشرين.
إن التشكيل الخطابي في النص تجري حركته في إطار الشيء المنطلق من الخطاب التمثيلي، وهذا يشبه العمليات المحددة بالنسبة إلى التمثيل الخطابي أعلاه. من هنا يتم استخراج الإدانة من خلال التمثيل في التقابل بين (قد قُدَّ مِن دُبُرٍ وقد من قُبل) وهو استخراج إخباري وهكذا نجد التقابل بين الاقتلاع والاخبار من الوجهة المستخرجة من عملية التخيل الاختلافي المتفضل والمتناسق بالمعنى الجنسي لهذا التركيب الخطابي.






خطاطة رقم (2) تمثل الفعل الاستخراجي والخبري في قصة يوسف
إن الاسترسال المرجعي يخضع لتداولية الاستخراج والاخبار على مستوى النص، والاسترسال في النص يظهر أكثر تعريفاً من الناحية الذاتية، لأن الشيء المطلوب هو التشخيص في القراءة الخبرية الجنسية والتي تقع في الذات التصورية.
هناك خطاب يوجه إلى يوسف يقول ليوسف وهو الصوت الآخر (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) وينتقل نفس الخطاب وبالصوت الآخر إلى إمرأة العزيز ويقول لها (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) الآية التاسعة والعشرين. ثم ينتقل الصوت الاخر نفسه (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) الاية الثلاثين .
إن النصوص التي كانت نتائجها السردية المتواصلة لبناء منطق أصيل للسرد، هو موقف ضروري لمنطق الذات والذي يظهر في احسن استعمال لها وهذا هو موضوع ضبط النفس (Enkrateia) وهو غالباً ما نجد صيغة التناوب وهي معان قريبية في قصة يوسف، وهنا يشير(زينون) إلى الاعتدال الذي يتألف من الورع والحكمة والشجاعة والعدل وهي الفضائل الخمس والمعترف بها عادة ويستخدم تارة كلمة (Sophrosune) وتارة أخرى كلمة (Enkrateia) ثم يأتي افلاطون ويقارب الكلمتين وهذا ما يحدده سقراط وهو يجيب على سؤال (كاليكليس) حول معنى ((أن يقود المرء نفسه بنفسه) ويقول بهذا المعنى أن (يكون حكيماً ويسيطر على نفسه وأن يوجّه بذاته اللذات والرغبات. وعندما يتناول دور الفضائل الاساسية الاربع الحكمة والشجاعة والعدل والاعتدال (Sophrosune) وقد أعطى لهذا الاخير تعريفاً قائماً على مضمون ضبط النفس (Enkrateia) وهذا ما تمتع به بطل القصة يوسف.
وقد ميز ارسطو وبمنهجية بين لفظتي (sophrosun) و (Enkratela).
وقد اتسمت الاولى في كتابه (الاخلاق إلى نيكوماك) ، ويكون الانسان يختار عمدا مبادئ سلوكية متوافقة مع المنطق العقلي ، وحيث يكون قادراً على اتباعها وتطبيقها ، ويقف في اعمق تصرف له (موقفا وسطا) بين اللاحساسية والافراط والموقف الوسط هو لا يعني تساوي البعد او الابعاد من جانب آخر فإن الاعتدال هو الابعد بالكثير من الطرف الثاني عن الطرف الاول، حيث يكون شاعراً بلذة في المنطق الاعتدالي الذي يُظهره؛ حيث تقابل الاعتدال الشراهة (Akolasia) التي تجعل الانسان يتبع طوعاً وبالاختيار السيكولوجي المتعمد اعتمادا على مبادئ سيئة ومستسلما إلى أضعف الرغبات ومتمتعاً بهذا السلوك السيء، فالشره لا يعرف الندم لا التراجع ولا الشفاء. وكان يوسف معتمداً على هذا السلوك الحسن كما صورته هذه النصوص.
ثم يأتي صوت الراوي ليقول (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) الاية الواحد والثلاثين.
نقول ان بطل القصة كان قد سيطر على مفهوم تفاهة الحياة، وإن هذا السلوك في هذه القصة من قبل إمرأة العزيز يرجع إلى الظروف الشاذة التي ميزت ذلك النسيج الاجتماعي من حياة تلك الفترة. وحين يضرب سويفت على صدره وبجنون أعمى ولأن القلب الموجود في صدره المصبوغ بالدماء قد جره إلى عالم البشر وكان يوسف لا يعرف نفسه ويفهم لماا (هو غير متفق).
إن صياغة المنطوق في هذا النص اعلاه ومادل عليه اللفظ في محل النطق، فأنه أفاد معنى لا يحتمل غير هذا النص فالنص هو احتمالٍاً مرجّحاً (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ) وفي المنطق الثاني لهذا النص وإن حمل على ذلك المرجّح لدليل فهو منطق هرمينوطيقي ويطلق عليه المرجوح المحمول عليه مؤولاً مثل (إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً) إن الحمل على القدرة في اللوم دون الرؤيا من الطرف الآخر أي الماكرات كما يقول الراوي (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) الخ من النص.
فالنص هنا لا يحتمل سوى معنى واحد ويقابل النص المجمل الذي يتساوى فيه كل النسوة بما في ذلك إمرأة العزيز ويصبح من الصعب ترجيح أحدهما على الاخر على مستوى كل مشاهد النص، فالمعنى الراجح فيه هو المعنى العام للنص، إضافة إلى المعنى الدلالي وهو المعنى القريب بينما يكون معنى المنطق الهرمينوطيقي في النص فهو الاقرب إلى المجمل من حيث المعنى الراجح في النص.





خطاطة رقم 3 تمثل مفهوم النص تفكيكياً
من جهة اخرى فإن المفاهيم هي ركيزة من ركائز كل منطق نظري يسعى إلى وصف اللّغة وإستعمالها ، فمن جهة يبدو أن الكيفية في بناء المفاهيم في هذه النصوص هي رهن بالتجربة الهرمينوطيقية المطلقة ولكن وضع هذه النصوص في بوتقة استقرائية، قد يكون صعباً من جهة أخرى تقوم هذه المفاهيم من خلال هذه النصوص في إطار نظرية مناسبة وبدور مهم في تشكيل السياق المنطقي وفي توليد بعض القواعد الاستدلالية نجد هذا الموضوع يمثل تقاطعاً بين اللغة وحقيقة الادراك للواقع.
((} قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ) الاية الثانية والثلاثين.
إن ما يتحقق في هذا الاسلوب النصي من الناحية السسيولوجية فهي ملاحظة الاستنتاج والتطور الفلسفي للغة النص، وهذه المرحلة في النص هي قانون الحالات الثلاث، ويفترض أن البشرية كانت قد مرت فيها وعلى مراحل متتالية من خلال الجهاد المتواصل لاكتشاف العالم المتعلّق بهذه النصوص وهذه المراحل تأتي كما يلي:
المرحلة الالهية: كانت قد فسرت الاحداث الاختلافية وفق أسباب أولية مرتبطة باشخاص الالهة، وكان التفوق في هذه المرحلة السسيولوجية فهو بلا شك للجماعات الكهنوتية أو الكهّان.
أما المرحلة الثانية فهي المرحلة الفيزيقية وهي المفاهيم الاقل صلة بمفاهيم الآلهة ، حيث وضعوا للاحداث أسباباً أكثر عمومية.
أما المرحلة الثالثة فهي المرحلة الموضوعية وهي تفسر الاحداث بأسباب وهي التي تقوم على الملاحظة التجريبية.
نقول أن في هذا النص أعلاه يحدد الراوي فيقول (قالت) وهو النطق في الحكم. وهنا النص تباعد عن المنطق الصوفي التعبدي واتجه إلى الحتمية القانونية التي تقشر فيها إمرأة العزيز عن القوانين والحوادث وعلاقة ذلك بالاحداث التي جرت في النصوص السابقة، والملاحظة التي نريد ان نقولها، هو أنه مهما تواترت الاحداث من خلال هذه القصة التي تتالت سواءً ربطت بالتشابه أو التفّرع، فإننا حتماً علينا ألاّ نقشر عن أسباب مطلقة أو عن طببيعة تلك الاشياء العميقة، وهنا نريد ان نصل إلى محصلة في هذه القصة ونصوصها، هو أننا دائما نناقش عملاً علاقته تقع داخل منطق سسيولوجي بعيداً عن الاطلاقة.
هناك الانفعال passivity مثل ضروب الكلام والتوسل إلى ربه وهو في ذلك المكان place وذلك الزمان Time ومثل ذلك الوضع position والحال الذي عليه state ((قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ)) الاية الثلاثة والثلاثين.
وهنا مرة ثانية يظهر فعل الراوي كما في قالت وهي حالة النطق مثلها مثل قال وهي في حالة خشوع من قبل يوسف إلى ربه (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ).
وضمه العرض Accident وهي صفة داخلة في حقيقة الدعوة من امرأة العزيز وهنا يوسف هو المحكوم عليه بالجنس genas وهي صفة تمثل جزءاً من حقيقة الشيء المحكوم عليه لكنه زاغ عن هذه الصفة الحيوانية باعتباره نبيا.
من خلال هذا المنطق في القص تظهر قصة يوسف النزوع الواضح إلى سيرة يوسف النبي أو هي ترجمة لحياته الشخصية. والصلة المباشرة بين الاب من جهة، والاخوة من جهة وإمرأة العزيز من الجهة الاخرى، وأن صلة السيرة الشخصية هي الشكل السيري في هذه القصة، إن أهم المحاور في هذه القصة هم أبطالها الذين يرغبون في أن يكونوا مباشرين في مجابهة هذا الحاضر التاريخي وفق سلوكيات نموذجية ، تحدد إشكالية في نضالات الحاضر المكبوتة داخل هذه الحياة.
((فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) الاية اربع والثلاثين.. في هذا النص هناك لغة مرنة ومباشرة أي ان الاستجابة يؤكدها الراوي ولكن تأتي جملة (أنه هو السميع العلم) هذه الجملة أو هذا الشطر من النص لا يتوافق مع النص الاول لأنه هناك قطع وعدم توافق وهناك ركة في الصياغة اللغوية تكشف دلالة الايجاز البلاغي وهو تجاوز للعقد باعتباره غاية نتعّرف فيها على الاشكالية المعرفية في اللغة ، إننا لا نجد اعضاء لاعبين في هذه اللعبة اللغوية سواء من السارد أو المسرود لهم.
وأن اشكالية التحقيب المذكور في قصة يوسف ما هي ألا تغليبات ، وهكذا كان الافتراض أن الحقبة المثالية كانت تتجلى في هرمينوطيطق اللغة داخل اللغة سواء كان تأويل النص جملة بجملة ، أم تأتي متوالية بمتوالية، أم نصاً بنص، وأن الحقبة الواقعة والتجريبية هي التي تؤشر المجهود البشري في ذلك.
نقول أن في بقية هذه القصة فهي تداعيات لما حدث في منطق القصة أو الحكاية من أجمال فردي وروحي ليوسف. مثلاً في النص التالي :(( } وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)) وحين تم الانتقال بالصور من موقع إلى موقع زمكاني كما في النص التالي((وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ)) والقصة يعود حراكها إلى الاشراك بالخالق والعبرة في ذلك ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)).
ومن التداعيات في هذه القصة كما في النص التالي ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ)) في هذه القصة كان الشيطان هو اللاعب الاساسي في هذه الاسطورة هو الاصلاب والتأويل للاحلام. وهنا الخطاب المرسل إلى يوسف هو ((يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ)) والخلاصة في هذه القصة وهي تتشكل من عدة مفاهيم هي:
المفهوم السيكولوجي عند يوسف كما في النص التالي ((وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)) اعني المفهوم السيكولوجي للقوة العليا من خلال شخصية يوسف، ثم ينتقل النص إلى اخوة يوسف ((عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ)). هناك الزمن الصوتي في النص وهو يستمثر بعض الطروحات الاسطورية السابقة في تجزيء للنص القصصي، وهناك نصوص اقتصرت على بعض المسائل التلميحية مثل: التضعيف لكنها مفيدة من الناحية الايقاعية ممّا يجعلها إسهامات حقيقية في تدقيق تلك النصوص من هذه القصة.
التركيز الخاص على المدة للمرسل المصوت أو السارد المصوت وهي مقاربة أداتية . مثال على ذلك في هذا النص ((} قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) ويتصاعد المد الصوتي في النص في إطاره الذاتي من القوة ((اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ)) ويتبين مما سبق أن القراءة لهذه القصة يعد قولاً نظميا لتشييد بنيه نصية دينامية.




المصادر
القرآن الكريم
اولا: المصادر العربية والمترجمة
تيودور نولدكه، تاريخ القرآن ، ترجمة :جورج ثامر، ج1، دار نشر جورج المز تهيلدمهايم، زيورخ، نيويورك، ط4، 2000م.
اسامة عبد العزي جاب الله، الجَنْيُ الدَّنيُّ، عالم الكتب الحديث ، عمان، اربد، ط1، 2013.
بييرجيرو، علم الاشارة السيميولوجيا، ترجمة عن الفرنسية الدكتور منذر عياشي، ط1، 1992م.
صلاح فضل، نظرية البنائية في النقد الادبي، دار الشؤون الثقافية بغداد، ط1، 1987م.
امبرتو إيكو، القارئ في الحكاية ، التعاضد التأويلي في النصوص الحكائية، ترجمة انطوان ابو زيد، المركز الثقافي العربي، ط1، 1996م.
جيرار جنيت، خطاب الحكاية ، بحث في المنهج ترجمة محمد معتصم عبد الجليل الازدي، عمر حلي، المجلس الاعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، ط2، 1997م.
ابن هشام ، السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الجبل ، بيروت لبنان، 1975م.
نصر حامد ابو زيد (الدكتور)، مفهوم النص دراسة في علوم القرآن ، المركز الثقافي العربي، ط4، 1998م.
احمد يوسف، القراءة النسقية، سلطة البنية ووهم المحايثة، الدار العربية للعلوم، ط1، 2007م.
حسين خمري، نظرية النص، من بنية المعنى إلى سيميائية الدال ، الدار العربية للعلوم، منشورات الاختلاف، ط1، 2007م.
لويسي عوض (الدكتور)، اسطورة برومثيوس، دراسة في التأثير والتأثر، ترجمة : جمال الجزيري، بهاء جاهين، ايزابيل كمال ، المجلس الاعلى للثقافة ، ط1، 2001م.
بول ريكور، فلسفة بول ريكول، الوجود والزمان والسرد، ترجمة: سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، ط1، 1999م.
كاترين كيربرات ـ اوربيكسوني، المضمر ، ترجمة : ريتا خاطر، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2008م.
جاستون باشلار، جماليات المكان، كتاب الاقلام، وزارة الثقافة والاعلام ، بغداد، ط1، بغداد، 1980م.
روبيرمارتال، في سبيل منطق للمعنى، ترجمة: الطيب البكوش صالح الماجري، المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز الدراسات العربية، ط1، 2006م.
ميشيل فوكو، إستعمال اللذات، ترجمة جورج ابي صالح ، مراجعة مطاع صفدي، مركز الانماء القومي ،بيروت، ط1، 1991م.
كولن ولسون، سقوط الحضارة، ترجمة انيس زكي حسن، دار الاداب، بيروت، ط4، 1987م.
آن روبول، جاك موشلار، التداولية اليوم، ترجمة : د.يوسف الدين دغفوس، د. محمد الشيباني، المنظمة العربية للترجمة ، ط1، 2003م.
غاستون بوتول، تاريخ السسيولوجيا، ترجمة الدكتور ممدوح حقي، منشورات عويدات، بيروت، باريس، ط2، 1984م.
علي عبد المعطي (الدكتور)، الدكتور محمد محمد قاسم، المنطق التصوري، دار المعرفة الجامعية، ط1، 1985م.
جورج لوكاش، الرواية التاريخية ، ترجمة الدكتور صالح جواد كاظم، وزارة الثقافة والفنون، ط1، 1978م.
محمد مفتاح ، المفاهيم معالم نحو تأويل واقعي، المركز الثقافي العربي، ط1، 1999م.
ثانيا: المعاجم
جميل صليبا (الدكتور)، المعجم الفلسفي، ج2، ذوي القربى، ط1، 1385م.
احمد زكي بدوي (الدكتور)، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان ، بيروت، ط1، 1977م.
الموسوعة الفلسفية، وضع لجنة من العلماء الاكاديميين السوفيت، ترجمة سمير كرم، دار الطليعة للنشر بيروت، ط1، 1974م.
ثالثا: الدوريات
صحيفة المدى العراقية ، العدد 2305 السنة التاسعة، الخميس في 17 تشرين الثاني، 2011م.
مجلة فصول ، العدد 80، 2012م.

الهوامش



#علاء_هاشم_مناف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جينيالوجيا البنية التركيبية للتوراة دراسة تحليلية
- كتاب فلسفة الإعلام والاتصال
- عزازيل وفكرة التأمل الثنائي في تشظي الدال
- التعددية في عولمة السوق الرأسمالية
- المكون الحركي لجسد القصيدة
- العشوائية الإيقاعية والتدوير في القصيدة الحديثة
- الثنائية الشعرية في قصيدتي العشاء الأخير ليوسف الخال وأمل دن ...
- المكان... من التناهي إلى الصمت..دراسة نقدية في قصائد الحديقة ...
- حفريات الأنساق الأبستمولوجية في شعر أبي الطيب المتنبي
- فائض المضاربة والاستثمار أنتج تراجعاً في أسعار النفط
- نمط الإنتاج الرأسمالية بين التراكم الدائم وتوزيع الدخل
- الرأسمالية العالمية تجاوز الأزمة ...أم المواجهة مع الشعوب ال ...
- آلية الاعتماد المتبادل للرأسمال الاقتصادي
- فينومينولوجيا الوعي النقدي للأدب
- خفايا المكمن الثنائي الهرمينوطيقي للفينومينولوجيا
- الأدلة الإستقرائية في إثبات المنطق العقلي للكون
- الاستقراء الاحتمالي
- الحلم والتصور المتناهي للثقافة والمثقف والسلطة (اشكالية المك ...
- الدلالي للمعنى الحداثي -Paradigme-
- الاسطورة في شعر الجواهري دراسة نقدية


المزيد.....




- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء هاشم مناف - إشكالية البنية في قصة يوسف