أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوان خليل عكاش - فنتازيا السجن الانفرادي - تروتسكي














المزيد.....

فنتازيا السجن الانفرادي - تروتسكي


جوان خليل عكاش

الحوار المتمدن-العدد: 4668 - 2014 / 12 / 21 - 17:22
المحور: الادب والفن
    


في المهجع 11 كان تروتسكي الطويل بشاربه المنسدل يشبه يسارياً تركياً مع لمسةٍ من قرويٍ يقود سيارة بيك آب ويلوح لكل من يمر به، مُبتذلاً في قناعاته العقيمة، قنوعاً بحربه والساحة والراية، بدلته التي نقشت بمربعات سوداء وبيضاء، أسنانه اللامعة، ووجه الأخضر حولاه إلى شبيهٍ لجيم كاري في فيلم القناع، منذ سنةٍ كاملة وهو ينسخ العبارات من الإنجيل ليناقش الرائد منذر ويفحمه بوسطيته واعتداله، الدفتر المنسوج علب سجائر الشام الطويلة امتلأ بالعبارات الفوضوية، ومع مرور الأيام كان فطر العفن الأسود ينمو عبر الصفحات لتنتقل هذه العدوى إلى وجهه، فالعينان اللتان فترتا من السجن الطويل انحسر لونهما الأبيض وأصبحتا رماديتين، أما الحدقة فاتسعت وأصبحت سوداء قاتمة.

الدمامل التي غطت وجهه حملت رؤوساً سوداء، فدعي للنفير بين مدمني استخراج الزيوان، فتحلقوا حوله وسحبوا من تلك الدمامل خيوطاً طويلة تعلقت بها بعض الحروف والكلمات، ورغم أنها كانت تندثر بسرعة بمجرد ملامستها للأرض إلا أن الأسابيع التالية شهدت نمو شجرتين من كتب السحر الأسود.

تروتسكي الرجولي بدأ بجمع محصول تلك الأشجار، وفي كل ليلة غطى رأسه بالغطاء العسكري، ومن الهمهمة الغريبة التي كانت تصدر من تحت البطانية فهمت أن خمس جنياتٍ انضممن لخيمته، ورحن يرددن تعويذةً بلغة المردة مع غناءٍ شجنٍ لشبح السجين الأفغاني، أما هو فردد بصوته المزعج عباراتٍ من كتاب رأس المال. في اليوم التالي اختفى انعكاس وجهه في المرآة، وفي الساعات اللاحقة نما له جناحا وطواط وقبل أن يفرح بهما تحولا إلى أفاعي كاوى الحداد، يدٌ خاطفة امتدت من الجدار وجزتهما لتلقي بهما إلى الرأس الموضوع على السوفاج.

صوت طحن الجمجمة بين أنياب الفم العوسجي جعل الثعالب الشاردة فوق حقل الألغام تبدأ بربيعٍ تسافديٍّ مُبكر، أما الذباب الذي كان في سباته فقد أفاق ورفع حاويات القمامة على ظهر سربٍ من لعناتٍ فرعونية، حتى المعدن الذي صُّنعت منه المستوعِبات صار لدناً كمفاصل يرقةٍ تعشش في عيني كلبٍ ميت، النافذة سئمت من رائحة الرطوبة العلقمية، فأسدلت وجهها نحو البناء الرئيسي، الجميع سمعوا صوتها الذي يشبه احتكاك أظافر البوم، أدارت رأسها حتى انكسرت رقبتها وبدأت تعد الثقوب في جسد تحسين: واحد، واحد، واحد.....

يوم الخميس بعد حمامه البارد، نزع تروتسكي كل ثيابه وخرج راكضاً وهو يلوح بكلسونه المبرقع، حتى شحادة المسكين بفصامه الهادئ أخذته نوبةُ ضحكٍ هيستيرية وردد مصفقاً: جن الولد، تسلق المُنظّرُ الجديد المغسلة، مد رأسه نحو النافذة، حاول الصراخ وبعد عدة محاولات فاشلة للصراخ لبس ثيابه من جديد وجلس على فراشه ليشغل المفاعل النووي في سيؤول.

الانفجارات الصفراء قلَّبت التُربة السوداء في مزرعة العلاجيم، ونُثرت قطع غيار معامل الأسيد، رُفعت الأعلام وعقدت حلقات الدبكة للعاملات، بكل طاقتهن كن قد كدحن لأيامٍ طوال في محاولة اقتلاع ناب الأفعوان من أكياس الحنطة، أما دياب الماشي فكان خلفهن يراقب تنانيرهن التي التفَّت على تعرّق الأجساد الذائبة، وبعد فشله في الاستنماء التفت إلى كاميرا عمر أميرالاي ليقص له حكاية الكلاب التي التهمت جانغ سونغ ثايك، طعم الأجساد في صيدنايا، عشق الغُلمان في شعبة الحزب، ثورة الشك في جهاز المخابرات، ويختتم روايته بوجهٍ مؤمن ويدين تبتهلان بالدعاء. هكذا بدموعه المختلطة بالمخاط وضع لمسات الخاتمة عن حجه إلى حائط القصر الجمهوري يوم تمنى قضيباً من السيليكون؛ فاستجاب له القدر بأربعين عاماً من اللواطة في صرم عشرين مليوناً من أعضاء جوقة "بالروح بالدم".

في مساء نفس اليوم استيقظ تروتسكي كأن شيئاً لم يكن، كأي سجينٍ آخر أمسك قطعةً من المُخمل ومررها على رخامة قبره، قشّر حبات البطاطا وهرسها مع الملح، عدّ ملاعق اللبن، أكل... تكلم ... مات... بُعثَ...

كأي امرأة سقطت في فخ اليأس
فعشقت جسد النور أو تحجبت
نلبس أسمال كعبتنا، ونسْتَرِقُ النظر لمن سيشتري بظرنا
أو يمنحنا منوياً للحَبَل.
....
...
... ما يُنْتَهكْ
تركته في الحياة
وليس معي من الأدعية
سوى مَسْحَةٍ من حُرمة ِالقبر.... فارسمي صليبك قبل الرحيل.



#جوان_خليل_عكاش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حالات تَقَمُص – كائنات الشواش*
- حالات تَقَمُص – فتحة وكسرة
- فنتازيا السجن الانفرادي – كوزيت
- دروس رهبنة – الاصحاح السابع
- فنتازيا السجن الإنفرادي - احتلام صديدي
- فنتازيا السجن الإنفرادي - أرواح طائشة
- فنتازيا السجن الانفرادي - مهبل أفروديت
- فنتازيا السجن الانفرادي - مساحة الشرق
- فنتازيا السجن الانفرادي - الحلم الراقص
- فنتازيا السجن الانفرادي
- اللغم اليوناني ...يبتر حلم السوريين نحو أوروبا
- د . ماريا كاللي: العالم تعامل مع المآسي البشرية كنوع من البز ...
- أوهام حرية الخلافة -على نهج مهدي عامل-
- سجن حلب المركزي : سجناء الرأي والسجناء السياسيون - من حقنا ا ...
- غاليسيا ... كاتالونيا .... الباسك- للخوف والعزلة فيلقٌ في أو ...


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوان خليل عكاش - فنتازيا السجن الانفرادي - تروتسكي