|
العدوان على سوريا... ماذا تريد إسرائيل؟؟
شادي عمر الشربيني
الحوار المتمدن-العدد: 4667 - 2014 / 12 / 20 - 21:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ستظل الكتابة هي فاتحة الحضارة و طريق التنوير و التقدم الإنساني نحو المستقبل و معانقة الحياة... لذلك قبل أن نلتقي بالصفحات البيضاء و نمسك بالقلم يجب أن يكون لدينا ما يستحق أن يقال، ما نعتقد أنه نور يبدد ولو شيء من الظلام ويجعل القارئ أكثر فهما و إدراكا لما يدور حوله... أما الثرثرة على الورق فهو ذنب لا يغتفر، هي الخروج من الحضارة و الردة إلى البربرية و إطفاء لمصابيح العقل أو بمعنى أدق... تحطيمها.... لكن حجم الثرثرة و العبث و التلفيق الخداع الذي يتلقاه العربي ليل نهار فاق أي حدود حتى أصبحت الكتابة هي وسيلة للتجهيل و فرض الاضطراب على العقل العربي، فكان من ضمن الحصاد فيالق جذ الرقاب و ذبح الحضارة، و إلقاء المنطقة العربية في عتمة زمان بربري كريه... لذلك فعندما أكتب إنما أتوجه بالأساس لهؤلاء الذين لم تطير أعاصير الربيع العربي عقولهم، لهؤلاء الذين يشعرون بفطرتهم النبيلة حجم الخديعة و الخداع الذي يمارس على هذه الأمة و يلتمسون الطريق إلى الحقيقية بكل ما يتطلبه ذلك من إرادة عظيمة و جهد استثنائي في زمن نشر الخرافة و التجهيل... و من ضمن الخرافات التي تم حقنها في الجسد العربي، أن إسرائيل تريد الحفاظ على النظام السوري، أنها تراه الصديق و الحليف، تخاف عليه و تراه ضامن لأمنها و سلامتها... و القارئ الذي قبل ببلع تلك الأكاذيب حتى وهو يرى العدوان الصهيوني المستمر على سوريا، هو بالتأكيد ليس مدعوا لقراءة هذا المقال... القارئ الذي يطالع تقرير قوة فصل القوات في الجولان السوري "أندوف"، التابعة للأمم المتحدة، و الذي يكشف تفاصيل اتصالات دائمة بين متزعمي التنظيمات المسلحة في سوريا وضباط ومسؤولي جيش العدو الإسرائيلي، حيث تم رصد 59 لقاء تم بين متزعمي هذه التنظيمات وقيادي وضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك فقط خلال الفترة من مطلع مارس الماضي وحتى نهاية مايو، حيث تم خلالها نقل 89 مسلحاً مصابا إلى مشافي الاحتلال الإسرائيلي للعلاج وإعادة 19 مسلحاً منهم مع جثتين إلى الأراضي السورية مبيناً بذلك حصول التنسيق الكامل بين هؤلاء المسلحين ومشغليهم من العدو الإسرائيلي وجيشه... ثم بعد كل ذلك يصر هذا القارئ على إغلاق عينيه و تجاهل حقيقية أن مظهر الحرب على سورية هو ثورة وانتفاضة شعبية في حين أنه مشروع تقويض لسورية كلها، استخدمت فيه إسرائيل كل أدواتها وما تملكه من آليات ومن ضمنها «القصص الديني» وفشلت... فهو بالتأكيد لن يجد في هذا المقال ما يؤيد أوهامه و يدعم أكاذيبه. إن تقرير الأمم المتحدة المشار إليه، هو أول تقرير صادر عنها يعترف بتنسيق بين جبهة النصرة و إسرائيل في الجولان السوري المحتل.. ولكن التقرير لا يتخلى عن بعض العبارات المراوغة و المخاتلة.. وأحيانا الوقحة.. والتي تتهرب من التسديد على الكلمات الصحيحة دون اعتبار لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.. الأمم المتحدة مهووسة دوما بتطبيق الشرعية الدولية وتأديب المخالفين حتى وإن اقتضى الأمر استلال الفصل السابع من غمده وقتل مليون عراقي.. ولكن عندما تخردق إسرائيل القرارات الدولية فإن الفصل السابع يدخل إلى غرفته وينام خلف البحور السبعة ويصبح بابا نويل.. بل ويصبح فصلا من فصول مسرحية "شاهد ماشفش حاجة".. وبان كيمون يقول لنا: امسكوا أعصابكم حتى وإن كانت إسرائيل تفتح السياج الالكتروني للمسلحين وتسمح بمرور الدبابات التي أعطاها العرب للإرهابيين تحت ناظريها لضرب نقاط تخص القوات السورية.. كما أن قرار ملاحقة جبهة النصرة الإرهابية لا يطبق على قطر وإسرائيل وهما اللتان تقومان علنا بالتفاوض مع الإرهابيين بل و يفتح لدى جبهة النصرة حساب بنكي رسمي في قطر دون أن يحتج أحد. إن تقرير الأمم المتحدة لم يمس سوى قمة جبل التعاون و الدعم بل و الاحتضان الإسرائيلي للجماعات المسلحة في سوريا، لم تكن الأمم المتحدة تملك أن تغمض عينيها بالكامل عن الدعم الإسرائيلي للمسلحين في سوريا، خصوصا بعد أن أسفر بشكل مباشر عن اعتداءات متتالية على قوتها (قوة فصل القوات في الجولان السوري "أندوف") وصلت إلى حد الخطف و تحويلها إلى رهائن لدى جبهة النصرة. لم تكن الأمم المتحدة تستطيع التمسك بالصمت التام عن ما يحدث عبر حدود الأردن و الجولان، خصوصا أنه أمر أصبح مشهورا و تتناوله بكثرة مراكز البحوث السياسية و الاستراتيجية وتسلط عليه الضوء الصحافة الغربية المعروف عنها دعمها الكامل للمتمردين والمسلحين في سوريا. أخر تلك التقارير هو ما كشفت عنه كشفت مجلة "تشير ماجزين" الاميركية، أن معسكراً تدريبياً كانت تديره القوات الخاصة الأميركية في الاردن لتدريب المعارضة المسلحة ضد الحكومة السورية، تحولت القوات التي تدربت فيه بعد انتقالها الى سوريا عبر تركيا الى عناصر جماعة "داعش" الارهابية.
وتكمل المجلة: إنه "منذ ما يقرب من عام واعتماداً على مصادر موثوقة كانت القوات الأميركية الخاصة تدير معسكراً في بلدة شمال الأردن تدعى الصوافة تقوم بتدريب وتجهيز قوات يفترض أنها ستقوم بإسقاط نظام الأسد وبتنسيق سري عسكري اسرائيلي وتعاون اردني واضح"، مشيرة الى أن "هذه القوات قامت بشق طريقها من الأردن الى تركيا ومنها الى سوريا لتتحول بمعجزة العبقرية العسكرية التكتيكية الى جماعة "داعش" والتي استولت خلال ثلاث سنوات على اجزاء من العراق وسوريا".
وتضيف المجلة في مقالها الذي كتبه باري تشامش: انه "مع عمليات قطع الرؤوس التي تم الترويج لها جيداً يتم اعادة الولايات المتحدة مجدداً الى منطقة الشرق الأوسط لمحاربة تلك الوحوش البشرية"، موضحة انه "باختصار فان الولايات المتحدة وبمساعدة اسرائيلية انشأت اسوأ اعدائها وهذا ما كشفت عنه روسيا عبر تصريح احد مساعدي بوتين الكساندر بورخانوف الذي قال إن الموساد الإسرائيلي كان يقوم بتدريب جماعة "داعش" في العراق وسوريا". وترى المجلة، أن "المثير في الأمر أن موقع ديبكا التابع للمخابرات الإسرائيلية كان قد كشف الغطاء القبيح قبل بضعة اشهر ثم تم اغلاقه لثلاثة اسابيع فجأة، ليعود بعدها مجدداً وموسعاً ليصبح في احسن حالاته مع العملية"، مشددة بالقول "ربما يبدو هذا متناقضا مع الحقيقة التي حاولت تل ابيب إخفائها لكن هجوم المسلحين السوريين لانتزاع منطقة القنيطرة لم يكن ليتم لولا مساعدة "اسرائيل" وليس فقط من خلال الرعاية الطبية التي كانت تقدم للجرحى فحسب، بل ايضا في بعض الامدادات للأسلحة والاستخبارات والمواد الغذائية وقد تصرفت "اسرائيل" كعضو في دعم الجماعات المسلحة في جنوب سوريا الى جانب الولايات المتحدة والأردن".
وتختتم المجلة مقالها، أن "عملية تنسيق الجهود في هذا المجال كانت تتم من خلال غرفة عمليات قامت وزارة الدفاع الأميركية خلال العام الماضي بإنشائها بالقرب من عمان"، لافتة الى أن "الضباط الأميركيين والإسرائيليين والأردنيين كانوا يتشاورون في تلك المنشأة في دعم الفصائل المسلحة وتعزيز معسكرات التدريب لهم في الاردن ويتسلمون منه الأسلحة". ....................... ....................... و لكن بعد كل هذا يطرح سؤال نفسه، لماذا لا تكتفي إسرائيل بدورها كداعم مباشر من وراء الستار لمجاميع المسلحين و الجهاديين في سوريا، و تتدخل بنفسها أحيانا في العدوان على سوريا...؟؟!!
لماذا تخاطر إسرائيل و تكشف نفسها كطرف أصيل في العدوان على سوريا، كمثل ما حدث أخيرا من غاراتها على سوريا عبر استهداف منطقتين في ريف دمشق في كل من الديماس وقرب مطار دمشق الدولي المدني...؟؟!! إن الإجابة على هذا السؤال مهمة جدا للكشف عن مجرى الأحداث و تطوراتها و بيان الدوافع التي تحرك أطراف العدوان على سوريا. و يمكن، بعد الاطلاع على مجمل التقارير و تحليل الأحداث الأخيرة التي جرت في المنطقة و سوريا بالأخص، تلخيص أسباب العدوان الإسرائيلي كالتالي:-
1) من المعروف أنه منذ عام و نصف تقريبا، انقلبت بوصلة الأحداث في سوريا، فلم تعد الأمور تسير لصالح الجماعات المسلحة، بمختلف تشكيلاتها و انتماءاتها، على الإطلاق، فبالإضافة إلى تحقيق الجيش السوري انتصارات ساحقة ، استراتيجية و نوعية، ضد تلك الجماعات و التنظيمات، فإن ذلك ترافق مع انفجار الخلافات و الاقتتال فيما بينها. لكن في الأسابيع الأخيرة بالذات، ارتفعت وتيرة انتصارات وتقدم الجيش السوري، حيث تم حسم جملة معارك بالعاصمة دمشق وبريفها الشرقي، لتأمين دمشق من جهة الجنوب استعدادا على ما يبدو لبداية معارك كبرى بالجنوب السوري، كما تم الاطباق على باقي حصون المسلحين بريفي حماه وحمص بشمالي وشرقي أرياف المدينتين وبعمليات نوعية وخاطفة، أما بحلب فقد أقترب الجيش السوري من الأطباق على بعض الأحياء بالمدينة التي يتحصن بها المسلحون، وبالريف الحلبي هناك أيضاً تقدم ملحوظ للجيش السوري بريفي حلب الشمالي والشرقي. إن تلك الانتصارات المتتالية للجيش السوري، أرهقت المسلحين و استنزافهم بشدة مما نتج عنه انهيار حاد لمعنويات تلك الجماعات و تفكك الكثير منها و لجؤهم إلى تسويات مع الدولة السورية. في ظل هذه الأجواء جاءت الغارة "الإسرائيلية" على ريف دمشق، لتؤكد للجماعات الإرهابية أنهم ليسوا وحدهم، ولضمان بقاء "جبهة النصرة"، وأنها ستبقى معيناً وإمداداً لها. لقد كان من الحيوي وقف الانتصارات السورية أولاً، وثانياً، صرف الأنظار عن هذه الإنجازات والانتصارات بأي ثمن، ولو بغارة صهيونية قد تشعل حرباً. الخبراء يذكّرون بتجارب عدوانية سابقة للعدو الصهيوني، ترافقت مع انتصارات باهرة للجيش السوري، منها على سبيل المثال إبان معركة القصير، حيث دخلت "إسرائيل" على الخط لتقول إن "القصير خط أحمر"، فكان أن سُرِّعت المعركة وحُسمت. ومع معركة القلمون، وبداية سقوط يبرود، دخلت "إسرائيل" على الخط، فأغارت على منطقة "جمرايا"، دون أن ننسى غارتها على منطقة جنتا في البقاع اللبناني. أعتقد أننا نتفق جميعا الآن أن هناك تكاملا بين المسلحين والجيش الاسرائيلي وهؤلاء المسلحون يشكلون لواء جولاني الثاني بالنسبة إليه، فهو يمدهم بالمعلومات والصور والخطط ويشوش الكترونيا على الأسلحة السورية وأجهزة الاتصالات والرصد. وكل الآراء تتفق رغم تبايناتها على أن هناك غاية معنوية تخص المجموعات المسلحة.. وقد يبدو ذلك فانتازيا عندما يرد على لسان البعض.. ولأنه صار يتكرر في تفسير كل الغارات فإنه يعامل معاملة المشكوك فيه أحيانا.. لكن هذا التفسير رغم ما يحاول البعض اسباغ اللاجدية عليه فإنه فعلا إحدى غايات الغارة ودون أي مبالغة لحرف الحقيقة عن مسارها.. لأن اسرائيل لا تستطيع الابقاء على تحالفها مع المجموعات المسلحة التي تتعرض للتقهقر والضرب الناري الكثيف في كثير من الجبهات أو تواجه الحصار في بعض المناطق دون أمل بتدخل خارجي.. مما يضطر اسرائيل لأن تظهر أنها معنية بالتحالف ودعمه وإظهار جديتها كمتدخل خارجي يصل إلى حد الاستعراض بجسدها العسكري.. خاصة وأن المجموعات المسلحة تعرف أنها في موقف المتهم إسلاميا ووطنيا وهي تقاتل نيابة عن اسرائيل التي لا تقاتل معها.
2) ”إسرائيل” باستهدافها لسورية تحديدا، كانت تعرف مسبقا أن الرد لن يأتي من دمشق، لأنها ليست المرة الأولى التي تشن فيها عدوانا آثما على سورية بل الرابعة منذ سنة 2011، وبسبب ظروف سورية الحالية لن يستطيع الجيش العربي السوري تغيير بوصلة الصراع وفتح جبهة جديدة، وهو الجيش الذي يوجد اليوم في وضع مشتت، بعد أن تحول من فرق منظمة معدة لمواجهة “إسرائيل” إلى كتائب صغيرة موزعة على أكثر من 700 موقع في سورية لمواجهة حرب العصابات التي تتقنها الجماعات المسلحة المدربة من قبل المخابرات الأطلسية والموساد و المدعومة من الأجهزة الأمنية الخليجية، من ما دفع بالقيادة السورية بمساعدة الحلفاء إلى تغيير البنية التنظيمية للجيش وأسلوب عمله الميداني لمنع انتشار الجماعات التكفيرية ومحاصرتها ثم ضربها للقضاء عليها. وبالتالي، فإعادة تجميع هذه القوى لمواجهة “إسرائيل” اليوم عمل شبه مستحيل إن لم يكن انتحارا، وسيعني فيما يعنيه هزيمة سورية بالإرهاب الوهابي الداخلي والإرهاب الصهيوني الخارجي.. وهذا ما تدركه واشنطن وتل أبيب جيدا، ويستحيل أن تسقط القيادة السورية في فخ غبي من هذا القبيل.
لذلك فالأرجح أن ”إسرائيل” بعدوانها على سورية كانت تستدرج حزب الله للرد، وهنا بيت القصيد، لأن حزب الله لو فعل، فهو لا يمتلك الذريعة، وستعتبره تل أبيب وواشنطن وحلفائها وأدواتها في المنطقة “إرهابا” من قبل الحزب ومغامرة غير محسوبة لإشعال المنطقة، ناهيك عن جوقة الداعشية السياسية في 14 آذار (تكتل الحريري و حلفاءه في لبنان) التي تتربص بالحزب الدوائر وتتحين اللحظة للانقضاض عليه، سواء بإرهاب الداخل أو بالإرهاب السياسي في المحافل الدولية. أما السياق، فـ”إسرائيل” بهذه الرسالة، إنما تكشف عن ما أصبح يعرفه الجميع، وسبق للوزير جون كيري أن أكده في كلمة أمام منتدى “سابان” السنوي لبحث العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، بقوله، أن هناك دولا في منطقة الشرق الأوسط (لم يحددها) مستعدة للوقوف وصنع السلام مع إسرائيل، فضلا عن الدخول في تحالف إقليمي جديد، لمكافحة الجماعات الإرهابية. والجماعات الإرهابية التي يقصدها الوزير الأمريكي ليست “داعش” و”النصرة” وأخواتها التي هي صناعة صهيوأمريكية و وهابية صديقة تعمل لمصلحة “إسرائيل”، بل “إرهاب” حزب الله الذي يقض مضاجع الكيان الصهيوني المغتصب، ويرعب السعودية ومشيخات الخليج، ويقلق واشنطن والغرب الأطلسي، بعد أن تحول من مقاومة لبنانية محلية إلى قوة إقليمية ضاربة حين قال سماحة السيد حسن نصر الله ذات خطاب “سنكون حيث يجب أن نكون”، ومن ثم، ها هو الحزب يقاتل في لبنان وفي سورية وإلى جانب الجنرال قاسم سليماني في العراق، وتتهمه السعودية بالتواجد في اليمن لتدريب الحوثيين، ويحمله أعراب الزيت مسؤولية الفشل في إسقاط النظام السوري في “دمشق”، ما يستوجب تدفيعه الثمن. لذلك لم يكن من باب الصدفة أن يعين نتانياهو المدعو ‘جادي ايزنكوت’ رئيسا جديدا لأركان جيش الإسرائيلي والذي قالت عنه الصحافة الإسرائيلية أنه “الرجل المناسب في المكان المناسب”، باعتباره متخصصا في شؤون لبنان واللبنانيين، والحائز أخيراً على شهادة اكاديمية عبارة عن رسالة ماجستير تناولت شخصية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مدعوما بعدد من القيادات العسكرية من الصف الأول الخبيرة بلبنان وحزب الله، من بينهم نائب رئيس الاركان الجديد اللواء يائير جولان، الذي غادر منصب قائد المنطقة الشمالية حديثاً، وخلفه الحالي افيف كوخافي الذي يدرك بدوره قدرات حزب الله ربطاً بمنصبه السابق كرئيس لشعبة الاستخبارات العسكرية، والرئيس الحالي للاستخبارات هرتسي هاليفي الذي خدم اخيرا كقائد لعصبة الجليل في الشمال. و من كل ما سبق نستطيع أن نفهم، خصوصا إذا صدقت الأنباء التي تتكلم عن استشهاد مسئولين من حزب الله في الغارة الإسرائيلية، أن إسرائيل تسعى لجر حزب الله لمعركة معها، تكون فيها الطرف الثاني من الكماشة سحق حزب الله، والتي تشكل الجماعات الجهادية و تكتل 14 آذار طرفها الأول.
3) عبر عشرات الحروب التي خاضتها المنطقة أصبحنا ندرك جيدا مدى ارتباط السياسي بالميداني و الميداني بالسياسي، لذلك كان من الطبيعي و المفهوم أن يفرز صمود الدولة السورية الكبير و انتقالها من مرحلة امتصاص الضربة الأولى إلى الدفاع النشط ثم أخيرا الهجوم والمبادرة، تغيرات سياسية كبيرة وعميقة تعكس التقدم الميداني السوري و خيبات حلف إسقاط سوريا و تدميرها. مظاهر هذه التغيرات عديدة وكثيرة، منها مثلا أنه في الاجتماع الوزاري الأول الذي عقد في مقر الناتو في بروكسل للائتلاف الذي تتزعمه الولايات المتحدة تحت عنوان «محاربة داعش»، فإن إسبانيا عبر مندوبها إلى بروكسل اقترحت البدء بحوار مع الجيش العربي السوري، في إطار مواجهة التنظيم الإرهابي، ورغم عدم وجود اتفاق حالياً على هذا الطرح، لاختلاف أجندات المجتمعين، إلا أن الفكرة طرحت لأول مرة على طاولة اعتاد المجتمعون حولها توجيه التهم والشتائم للمسؤولين السوريين وجيش البلاد، وفي الحقيقية فإن الاقتراح الإسباني لا يمثل اسبانيا فقط، بل يعبر عن تحول عام في المزاج أوروبي من الإصرار على إسقاط الدولة السورية إلى القلق المتنامي من انعكاسات الأزمة في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط عموما علي أوربا، المتمثلة في تضخم التهديد الإرهابي للقارة و تدفق سيل المهاجرين إليها، مما يستدعي بالضرورة بدأ تغير دفة السياسات الأوربية إلى إيجاد تسوية للأزمة السورية و الحفاظ على الدولة ومؤسستها فيها. و حتى السعودية انتقلت لأول مرة من وضع السكون إلى الحركة، وطرح فكرة قريبة من الاقتراح الإسباني تقوم على تدريب مسلحي المعارضة وتمكينهم، مع إمكانية دمجهم في مرحلة لاحقة مع قوات الجيش السوري، طبعاً ضمن «المرحلة الانتقالية للحكم» حسب سعود الفيصل، الذي يدرك مسبقاً أن فكرة المرحلة الانتقالية مرفوضة في دمشق، وهو موقف مستجدّ في السياسة السعودية المتطرفة تجاه سورية منذ بدايات الأزمة، فالروس مثلا لا ينسون رئيس الاستخبارات السعودية السابق الامير بندر بن سلطان وهو يقول حرفيا في موسكو: «نريد تدمير هذا النظام العلوي في سوريا حتى لو جرى تدمير سوريا».. وسط هذه الظروف تعلن الكويت عزمها على إعادة فتح السفارة السورية وتقدم تأشيرات لثلاثة دبلوماسيين سوريين.. مؤشرات يضعها بعض المتابعين في سياق التغيرات التي طالت ظروف الحرب على سوريا. بيان القمة الخليجية في الدوحة مؤخرا دليل آخر. لم يطالب البيان بإسقاط النظام. ذهب باتجاه الحديث عن حل سلمي للأزمة. استراتيجية البيت الأبيض للقتال ضد «داعش» في العراق وسوريا، رغم أنها تحقق القليل من الإنجاز العسكري، إلا أنها انتهت إلى منح السوريين غطاءً سياسياً دولياً في مقاتلة الإرهاب؛ في الواقع، لم تعد هناك قيود سياسية أو إعلامية لنشاط الجيش السوري، بينما أعداء سوريا الإقليميون ــ وأدواتهم في المعارضة السورية ــ وقعوا في ارتباك سياسي عمّق فشلهم وأدى إلى شلّ قدرتهم على التحرك. وبينما تتسع الهوّة بين الأميركيين والأتراك بسبب الخلاف على المسألة الكردية، حمل إليهم الروس جائزة القرن: خط أنابيب الغاز؛ إتمام هذه الصفقة الكبرى سيؤدي، على رغم تصريحات أردوغان الجوفاء بشأن إسقاط النظام السوري، إلى حياد تركي واقعي. تركيا الآن مشلولة عن القيام بمبادرة كبرى للتدخل في سوريا، فهل يفكر الإسرائيليون اليوم في أنه جاء دورهم للقيام بتلك «الضربات الغامضة» التي دعا إليها الفرنسيون ضد الجيش السوري؟ نعم... الإسرائيليون يرون أن تحالف الدولي - الإقليمي ضد سوريا يتفكك و ينهار، لذلك جاء العدوان الإسرائيلي الأخير كمحاولة لترميم هذا التحالف، و إيصال رسالة أن إسرائيل على استعداد لإشعال حرب إقليمية واسعة في حالة التوقف عن مشروع إسقاط الدولة السورية، التي تمثل واسطة عقد محور المقاومة الممتد من طهران إلى جنوب لبنان، وتراه إسرائيل يشكل تهديد وجودي لها.
4) في يوم الأربعاء 26/11/2014 استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزير الخارجية السوري وليد المعلم في المقر الرئاسي في سوتشي، أجواء اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف على مدى يومين تفيد بأنّ الزيارة كانت ناجحة بكلّ المعايير. وبالرغم من أن هذا ليس بجديد إلّا انه يعكس مدى استياء القيادة الروسية من سلوك واشنطن وحلفائها في ظلّ الاجواء الدولية المشحونة بينهما، وهذا ما تمثل بتلويح لافروف برمي ورقة «نعي» الجهود السياسية المتمثلة بمؤتمر جنيف، فالرجل رفض بوضوح فكرة تنظيم مؤتمر دولي واسع النطاق بشأن التسوية في سوريا على نمط مؤتمرات جنيف. لم يكتفِ رأس الديبلوماسية الروسية برفض جنيف بل ذهب أبعد من ذلك، الى إعلانٍ مبطَّن مفاده أنّ الحلّ يكون في موسكو وعبرها وإلّا فلن يكون، وهذا ما اعتبره المراقبون خطوة تصعيدية من موسكو في اتجاه الغرب، رداً على الخطوات الاميركية الاحادية الجانب، خصوصاً التحالف الدولي في سوريا والعراق، ولا سيما اعتباره أنّ العملية في الأراضي السورية تخالف كلّ بنود القانون الدولي. ترافق مع ذلك لقد كان هناك بنداً أساسيّاً في جدول الأعمال بين وزيري الخارجية الروسي و السوري، وهو صواريخ s300 والأسلحة النوعية الأخرى التي تطلبها سوريا و الظاهر أن روسيا وافقت بالفعل على إمداد سوريا بها. كثير من الخبراء العسكريون يرجحون أن هذه الأنظمة الروسية وصلت قبل أيام بواسطة طائرات نقل روسية للجزء العسكري من مطار دمشق الدولي، لذلك لا يمكن استبعاد امكان التنسيق الأمني بين تل أبيب وواشنطن تجاه الغارات الأخيرة التي شنتها طائرات إسرائيلية قرب دمشق، وهي جاءت بعيد اعلان المعلم التزام موسكو بتنفيذ عقود الأسلحة التي وقعتها مع سورية، الأمر الذي فسر على أنه يعني صفقة صواريخ «إس 300» المضادة للطائرات والصواريخ الاستراتيجية. والغارتان الإسرائيليتان بذلك تمثلان رسائل لموسكو ودمشق بأن إسرائيل غير راضية عن اتمام صفقات سلاح جديدة بين الدولتين وأن ما عجزت عنه تل أبيب بالوسائل الديبلوماسية لثني الكرملين من تزويد دمشق بهذه الصواريخ التي ستقلب موازين القوى في الشرق الأوسط، ستعمل على احباطها بالقوة العسكرية ولو كلفها ذلك تصعيد خطير للتوتر في الشرق الأوسط. وبعد أن نجحت الجماعات المسلحة في تدمير ثكنات ومراكز انذار مبكر كانت تحيط بدمشق إن في غوطتيها الشرقية والغربية أو في هضبة الجولان والشريط المحاذي لفلسطين المحتلة مثل مركز تل الحارة الاستراتيجي الذي سيطرت عليه المعارضة خلال الأسبوع الأول من أكتوبر الماضي، قالت مصادر استخبارية غربية إن هذه القاعدة كانت واحدة من أكبر القواعد الاستخبارية الروسية المتطورة خارج الحدود الروسية، وأن المعارضة حصلوا على أجهزة وأدوات استخبارية روسية لم يعرفها الغرب من قبل، ونقل موقع "ديبكا" الإسرائيلي عن مصادره أن هذه الأجهزة الحساسة خرجت من سوريا، وتم نقلها لخبراء استخبارات غربيين؛ بهدف دراستها وفحصها. و هكذا فإن الغارة الإسرائيلية تستهدف الروس أيضا. هي ردّ على التصلب الروسي إزاء النظام السوري، وخصوصًا بعد كلام الرئيس فلاديمير بوتين من تركيا وجولة موفده ميخائيل بوجدانوف في الشرق الاوسط وطرح لمّ شمل السوريين برعاية موسكو.. .......................... .......................... السطور السابقة كانت محاولة لكشف لغز الضربات الإسرائيلية، لفهم أسباب و دوافع العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا، و كما بينا و أوضحنا، فإنه لا يمكن إرجاع تلك الضربات إلى سبب واحد أو هدف أحادي، بل إلى جملة من الأسباب و الدوافع المركبة التي دفعت العدو الإسرائيلي إلى معاودة مجاهرته بالعدوان بدلا من اختبائه و دعمه وتحريكه من وراء الستار للمختلف التنظيمات المسلحة التي تنهش في الجسد السوري منذ اربع سنوات. المسألة هنا ليس الكشف عن وفهم دوافع العدوان فقط، بل قبلها و بعدها محاولة لتسليط الضوء على حدث معين، في سبيل توضيح ولو جزء من الحقيقة للقارئ و المتابع العربي، في سبيل أن يكون الإنسان العربي على صلة حية مع الواقع، مع وقائعه و عناصره، أي أن يعيها كما هي و كما تحدث، فالخلاص العربي لن يكون إلا بتفتح الإدراك وبناء الوعي عربي.... ساعتها فقط يكون للقاء القلم بالأوراق قيمة ومعنى.
#شادي_عمر_الشربيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من الدوحة إلى لندن... لماذا تم التخلي عن جماعة الإخوان المسل
...
-
بعض من ما جرى....؟!! 3- عن ليفي راعي الربيع العربي...!!!
-
بعض من ما جرى....؟!! 2- التقرير السويدي
-
بعض من ما جرى....؟!! 1- ماذا قال طارق علي عن الناتو في ليبيا
...
-
الديمقراطيات لم تعد استثناءا...؟!
-
يوليو...و خيارات يناير 1 - عن رثاء الحقبة الليبرالية
-
حتى تكون ثورة...1- في معنى الثورة
المزيد.....
-
-لن نسمح بعبور صاروخ واحد-.. هذا ما قاله أكاديمي إماراتي عن
...
-
مصدر دبلوماسي لـCNN: المجال الجوي الإماراتي لن يُستخدم لضرب
...
-
بعد أن صارت الدولة الأولى عالميا من حيث وجود الألغام.. أوكرا
...
-
وسط جهود أميركية للتهدئة.. قصف متواصل بين إسرائيل وحزب الله
...
-
هل يمكن أن يكون إعصار ميلتون -مدبراً- بالفعل؟
-
الدول المشاركة في يونيفيل تندد بإطلاق النار على جنودها في لب
...
-
-حزب الله- العراق: إذا استعملت أراضينا لاستهداف إيران فسنبطش
...
-
في حادثة لن تتكرر قبل 80 ألف عام.. مذنب عملاق يقترب من الأرض
...
-
مصدر مطلع لـRT: إيران ستضرب منشآت نفطية وكهربائية ونووية إسر
...
-
الجيش الإسرائيلي يشن غارات جوية على مخيم نور شمس في طولكرم
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|