أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شادي عمر الشربيني - حتى تكون ثورة...1- في معنى الثورة















المزيد.....

حتى تكون ثورة...1- في معنى الثورة


شادي عمر الشربيني

الحوار المتمدن-العدد: 3349 - 2011 / 4 / 28 - 11:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كانت عبقرية الحدث التونسي أنه أعاد الثورة على جدول الأعمال المنطقة العربية مرة أخرى. فلسنوات كثيرة، كان التبشير بنهاية عهد الثورات و نهاية التاريخ هو الأعلى صوتا و الأكثر حضورا، و كان هذا خطاب ليس فقط نخب السلطة، بل و أيضا نخب الفكر و العقل التي باعت روحها لشيطان الاستسلام لما هو قائم، و انخرطت في عملية شرعنته و تبريره، و أن السبيل الوحيد للتأثير، هو العمل من داخل الدوائر الحاكمة و المتحكمة في المصير العربي، مستبعده أي إمكانية لانتزاع هذا المصير المصادر، و عودته إلى يد الجماهير من جديد.
الانتفاضة التونسية كانت أول انفجار لينابيع الغضب العربي التي راحت تتجمع في أبار عميقة لسنوات طويلة، و أي مثقف حقيقي كان يستطيع أن يدرك بوضوح أنه ليس فقط تحت الحذاء هو المكان الواجب و الطبيعي لمقولة نهاية الثورات، بل و إن كان لا بد من وصف لهذا الزمن، فلا نملك سوى أن نقول أن هذا هو زمن الثورة.
لقد كان الانفجار الثوري في مصر هو الإثبات القاطع أن ما حدث في تونس ليس مجرد جملة اعتراضيه في كتاب الاستقرار و الثبات في المنطقة العربية، بل هو مجرد إشارة و استهلال أولي لكتاب الثورة. إن معنى الثورة في مصر، مصر بالذات، أكبر من أن يحيط به قلم أو فكر أو عقل، فأي ذي عقل يفهم و يدرك جيدا أن يقظة مصر، هي انتباه الأمة، و انتباه الأمة يعني عالم جديد يتشكل. و أي محلل أو باحث سياسي، استراتيجي، أو تاريخي، يتذكر جيدا أن مقولة نابليون بونابرت أن مصر هي أهم بلد في الشرق الأوسط، و الشرق الأوسط هو أهم منطقة في العالم، لذلك فمصر هي أهم بلد في الدنيا..!!!
لذلك فلحظة الثورية الرائعة التي تعيشها مصر الآن مهددة بالحصار و الاختناق، ليس فقط عن طريق تحرك خارجي يريد حصر ما حدث فيها داخل دائرة الاحتجاج و الانتفاضة و القطع على مسار تحوله و تحققه الثوري، و لكن أيضا بسبب نفوس لم تختبر و لا تستطيع احتمال عبء العمل الثوري و ما يتطلبه من منح الولاء الكلي لإمكانات التحول و التجديد، و بذر بذور الجمال و النبل و الشجاعة، بذور المواجهة و الفداء، و ما تحتمه من تجنيد قوى النفس الفكرية الوجدانية ووضعها في خدمة الإمكانات و البذور، ترعى نموها بالدمع و الدم..!!!
إن الثورة، أي ثورة في الدنيا، ليست مجرد لحظة انفجار تخلف عواصف من نار و غبار، ليست مجرد صرخة ضد الاستبداد، أو رد فعل ضد الظلم، ثورات أكتفت بهذه لحظة، ثم نامت مرة أخرى في حضن نفس المجتمع، و أعادت إنتاج نفس النظام، لم تستحق لقب ثورة، و بقت سجينة في طور الاحتجاج أو الانتفاضة أو الهبة في أفضل الأحوال.
(1)
الصحف الأمريكية والبريطانية تستخدم في وصف ما يحدث في مصر و تونس كلمات مثل «protest» (احتجاج)، و «rebellion» (تمرد)، أو «uprising» بمعني انتفاضة أو تمرد أيضاً. وهذا يعني أن هذه الصحف بتفاديها استخدام كلمة «Revolution»، لا تري فيما يحدث ما يحمل معني الـ «ثورة»، و هذا صحيح إلى حد كبير، إن هذا المقال، و إن كان يستخدم وصف «الثورة» لما يحدث في مصر الآن، إلا أنه يستخدم هذا الوصف لبيان الإمكان العظيم لتحقق الحدث المصري و اكتماله كثورة، و هو إمكان، مثله مثل أي إمكان آخر، مهدد بالإجهاض دائما، تحاصره، إلى درجة الوأد، ادعاءات أن المهمة انتهت و الأهداف تحققت...!!! و هكذا يتم السيطرة على الحدث المصري و اختزاله في استنسخ نظاما جديدا محسنَا من نظام قديم تداعى ، بعد أن لحقت ببنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية ، كل عوامل التآكل والانهيار، فنغير الواجهات أو أن نعيد طلاءها ، وأن نغير الدستور أو بعض بنوده ، وأن نوسع دوائر الحريات العامة ، ثم تبقى أساليب ومناهج العمل الوطني على حالها.
سيناريو إجهاض الإمكان الثوري للحدث المصري، ليس نتاج هواجس أو كوابيس، بل هو تهديد قائم و واضح، يزداد رسوخا كل يوم، أو خلخلة طبقا لحركتنا على الأرض، و إدراكنا الحقيقي لمعنى الثورة و حتميتها من أجل العبور إلى المستقبل، عبور إلى مستقبل الحرية و العدل و الكرامة، مهما كانت و ستكون ضخامة التحديات، أو مهما كان حجم و مدى و أتساع و عمق التضحيات الواجب تقديمها فداءا لهذا المستقبل...!!
لكل هذا، رأيت أن أفضل ما يمكن تناوله و الاقتراب منه في هذه اللحظة، هو الكتابة عن كيفية التحقق الثوري لما هو حادث و جاري في بر مصر الآن. فيقيني أن كتابات و دراسات من هذا النوع، من هذه الزاوية، تنطوي على نتائج مهمة بالنسبة لمستقبل ما هو جاري في مصر، لأن إدراك بنية العمل الثوري هو مدماك أول في بناء أي ثورة.
هذه المقالة مجرد بداية في سلسلة ستمتد لتتناول أبعاد التحقق الثوري في جميع المستويات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، و قبلها الفكرية و الثقافي أو بمعني آخر الإيديولوجية، البداية ستكون محاولة لوضع تحديد عام مركز و سريع لمعنى كلمة الثورة، كما تحددت في مجرى التاريخ، و تجلت في أكثر حركاته و أشكاله حده و تأثيرا، نقاءا و اكتمالا.
(2)
الثورة Revolution : يطلق علم الميكانيكا اسم الثورة علي دوران الجسم 360 درجة حول محوره، ومن هذه الخاصية استعار علم الاجتماع السياسي تلك التسمية ليسبغها علي كل حركة اجتماعية تؤدي إلي انقلاب في المفاهيم الفكرية و الإيديولوجية و الطبقية لمجتمع ما. وجد لوروا في عرضه التاريخي لمعنى الثورة أن الكلمة كانت تعني، حتى القرن التاسع عشر، اضطرابا شعبيا فقط، و أنها اتخذت معناها السياسي قبل عام 1789 ، عام اندلاع الثورة الفرنسية، بمدة وجيزة. و لكن حدث في القرن التاسع عشر، أن اتخذت كلمة الثورة معنى جديدا وليد موقف عام تجاه الثورة الفرنسية، يمتد من بابوف إلى سان سيمون و كونت. و هو الموقف الذي يقول بأن هذه الثورة لم تتكامل بعد، و بأن من الضروري إكمالها و إنهاءها، لأنها كانت سلبية تقوم على النقض، و أصبح من الضروري إقامة مبدأ فلسفي إيجابي جديد، ينظم المجتمع على أساس جديد، و بذلك يقود الثورة إلى خاتمتها الطبيعية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الثورة أصبحت تقوم على صعيدين متماسكين: صعيد النقض و التدمير و صعيد البناء باسم مبدأ جديد. هذا يفيد، بكلمة أخرى، أن الثورة أصبحت تعني علاقة جديدة تنبع من مفهوم حياتي جديد. هذا المفهوم يكون ثوريا عندما ينكر الوجود التقليدي القائم، بما ينطوي عليه من نظم و قيم، و خصوصا من شخصية عقائدية / أيديولوجية.
نجد في التاريخ تحولات كثيرة لا تقتصر على طرد الطبقة الحاكمة أو إلغاء النظام القائم، و لا تقف عند إنشاء نظم سياسية اجتماعية جديدة تقلب العلاقات الطبقية التقليدية بل تتجاوز ذلك إلى تغيير شامل لتركيب المجتمع الثقافي العقائدي، فتعطيه شخصية تاريخية جديدة يبدأ منها دور حضاري جديد. إن تحديد عام جامع للتجارب الثورية يجب أن يمتد إلى جميع الخصائص و الميزات تلك و يجب ألا يقتصر على بعض منها فقط. لهذا مفهوم كلمة الثورة هنا لا ينطبق على حركات تمرد محدودة أو جزئية، مهما كانت عنيفة، كما أنه لا ينطبق على الحركات الثورية الفاشلة التي كان ينقصها الاندفاع الثوري الشامل كثورات 1848، أو كثورة سبارتكوس مثلا، أو ثورات فلاحين أوروبا في القرن السادس عشر، أو ثورة البارونات و المجناكارتا، أو الاضطرابات و حركات العصيان التي تقوم ضد مظالم اجتماعية و اقتصادية محدودة، فهذه كلها تمثل درجات من الثورة، و لكنها لا تبلغ درجة النموذج الثوري العام الذي تشارك فيه جماهير شعبية كثيفة، تشعر أنها ذليلة منبوذة، و الذي يرمي إلى تدمير المجتمع القائم ككل، والذي يدرك أن هذا التدمير يجب أن يبدأه أولا بأسسه الأيديولوجية لأنها هي التي تعطيه وحدته و تبرره، و الذي يتحد صوفيا بايدولوجيا جديدة تنبثق من فلسفة اجتماعية تفسر التاريخ و المجتمع على أساس ثوري، و تعطي الإنسان معنى جديد لا يمكن أن يتحقق دون مجتمع جديد، لا يعرف أو يتعرف على الوجود التقليدي بل يحاول مستميتا الانفصال عنه و قطع كل صلة به.
لكن هذا لا يعني أن الثورات قديما و حديثا تنبثق من فكر بعض الأشخاص و الهيئات انبثاق أثينا من رأس ذيوس، إن هناك، في الواقع، ميولا و اتجاهات و مشاعر تهيئ الطريق للثروة و تتقدمها، و إن هناك تركيبا نفسيا خاص تولده الثورة في نفوس الشعب، و لكن هذه الميول و المشاعر النفسية الجديدة ، نجد جذورها في تغييرات و تحولات اجتماعية تاريخية مادية جعلت ظهروها ممكنا. هذه التحولات و التغييرات لا تنطوي على أي معنى في ذاتها، بل تعرض نفسها في الصيرورة التاريخية الدائمة، كأحداث و وقائع منفصلة تتابع بشكل آلي. و من هنا يتضح عمل الايدولوجيا التي تصنع الثورة، إذ أنها هي التي توحد هذه التحولات و التغيرات و تنسقها في كل ينبثق منه التركيب النفسي الروحي الجديد. الايدولوجيا الثورية تحتاج إلى دور تاريخي يتميز بقوى دافقة عنيفة تقتلع جذور النظام القديم، و تهشم كل الموانع القائمة، و تحرر العقل فتجعله عاريا أمام ذاته. ففي هكذا دور فقط يمكن للثورات الكبرى أن تنشأ و أن تؤكد ذاتها فتفرض موقفها الإيديولوجي على التاريخ. و بإمكاننا أن نجد أدوارا تاريخية طويلة لا تعرف مثل هذه المواقف، بينما نجد هناك أدوارا أخرى تكاثرت فيها. إن العصور الوسطى مثلا لم تعرفها لأنها كانت خاضعة لايدولوجيا حية تضبطها من كل جانب، و لم تتعرض لأسباب تاريخية حضارية تفكك تركيبها الاجتماعي فتحدث فيه تغييرا كبيرا يقود إلى تحول إيديولوجي. لم يعرف الشرق كله، طيلة قرون، مثل هذا الموقف، و أوروبا نفسها لم تتعرف إليه بشكل منظم إلا ابتداء من الثورة الفرنسية، و لكن بعد تلك الثورة نراه يتكاثر و يمتد في انقلابيته، و ذلك يعود إلى ظهور أسباب حضارية لم يرى التاريخ شيئا يماثلها أو يضاهيها في ثوريتها و سرعة تغيرها و تحركها.
(3)
منذ أواخر القرن التاسع عشر تقريبا، تعيش مصر، و المنطقة العربية بأكملها، مرحلة انتقالية كبرى، مرحلة انتقال من وجود تقليدي إلى وجود جديد يفترض به أن ينقضه في جميع أبعاده و من الجذور.
هذه المرحلة الانتقالية جاءت مدفوعة بجدلية التاريخ الحديث، و قوى الحداثة التي تطبق على المجتمع العربي بأكمله من جميع الجهات. إنها مرحلة لا تقتصر طبعا على هذا المجتمع بل تشمل جميع بلدان العالم الثالث التي تشارك فيها بدرجات مختلفة كمجتمعات ما – قبل- حديثة. و ربما يستهول البعض الحديث عن مرحلة انتقالية تمتد إلى أكثر من قرن حتى الآن، لكن مراحل انتقالية جذرية كهذه كانت تتخذ عادة صيرورة تاريخية طويلة تمتد إلى قرون، كما حدث في التجربة الأوروبية، لهذا يمكن القول إنها سريعة الحركة نسبيا في هذه المجتمعات رغم أنها تبدوا بطيئة من ناحية مجردة أو مطلقة.
جميع المراحل الانتقالية هي بطبيعتها ثورية، تفرض التناول و العمل الثوري من أجل عبورها، ثم كانت الـ " بيئة انقلابيّة " التي أفرزها و كــوّنها نظام مبارك في مصر، بمعنى أنها كانت تمتلك في عمق تربتها كافة العوامل الرئيسية الصالحة لخلق حالة ثورية ذاتية خالصة ، أو بفعل عوامل خارجية مساعدة ، فالحقيقة أن مصر لم تعد خلال السنوات الأخيرة مسكونة بأعداد من القنابل الاقتصادية والاجتماعية الجاهزة للانفجار في دوائر بعينها ، بل أصبحت هي ذاتها بحدود جغرافيتها الطبيعية والاجتماعية ، قنبلة موقوتة كبيرة ، جاهزة للانفجار كليا بمساحة مليون كم2 ، فقد كان المطلوب – فقط – مفجـّراً ذاتيا ، لتتوالى الانفجارات متصلة من القلب إلى الأطراف ومن الأطراف إلى القلب في تغذية متبادلة ، استطاعت وفق نظرية " الحث" في الكهرباء ، أن تتجاوز الحدود.
ولقد كان دور هذه القوة الدافقة الأولى من الشباب هو تمثيل دور المفجر الإليكتروني – أما عملية التفجير نفسها فقد اندفعت أمواجها من كافة شرائح الطبقة المتوسطة المصرية ، وغذتها في لحظات حاسمة الطبقات الدنيا الأكثر حرماناً وعوزاً ، ساعد في ذلك دون شك نزعة استحواذ مريضة ضيقة الأفق ، وقدر هائل من سوء تقدير الموقف ، عكسا حالة واضحة من تصلب الشرايين في الرأس قبل الأطراف .
ولهذا فإن التعبيرات الأكثر رواجاً عن " ثورة الشباب " و " ثورة الإنترنت " وغيرها ، لا تعكس الحقيقة مثلها مثل " الثورة الديمقراطية " ، فإذا كانت الأولى تريد أن تعطى انطباعاً بأن الثورة لم تكن أكثر من تعبير عن صراع جيل ، فإن الثانية توحي بأنها لم تكن إلا تمثيلا لمطالب ديمقراطية خالصة ، تبدأ وتنتهي بحرية تذكرة الانتخاب وإذا جرى تقزيم الثورة ، بصـّبها في أحد هذين القالبين الجاهزين ، فإن ذلك لا يشي فقط بسوء فهم ، ولكنه قد يشي – أيضا – بسوء قصد ، لأنه يجرد الثورة من عوامل قيامها، ومن أسباب بقائها.
إن تبلور إيديولوجية ثورية هو طريق أي حركة ثورية إلى النصر و السيادة. فعن طريقها فقط تستطيع هذه الحركة الثورية أن تؤكد ذاتها، لأنها هي القوة و الأسلوب الذي تنتقل فيه الأحداث و الأعمال و الوقائع الاجتماعية التاريخية إلى مواقف فكرية نفسية. إن العنصر العقائدي المحض الذي تنطوي عليه يمثل القوة الفعالة التي تجدد و تبلور هؤلاء الذين تلمسهم. لذلك تحدد الإيديولوجية التي تنطلق منها الحركة الثورية طابع هذه الحركة و شخصيتها، و هي التي توجه عملها و نظمها، و أساليبها السياسية.
إن الفراغ الإيديولوجي الذي تعيشه الثورة المصرية، هو أول ما يحد حركتها، و يستنزف طاقتها، و يقف حائلا و سدا منيعا أمام تحققها الثوري. ثم إن في هذا الفراغ الإيديولوجي نفسه تتمدد و تنتشر التيارات السلفية و الرجعية و المحافظة، تستميل بطرحها المحافظ الرجعي، و بميراث طائفي نما و سيطر في رعاية و كنف النظام السابق، جماهير واسعة أرهقها الفقر و العوز و الحرمان، و عانت من تجريف واسع و عميق للعقل و القدرة و الكرامة. تحرير هذه الجماهير من براثن الجاهلية و الرجعية و تيارات العبث و اللامعقول، يستجوب صعود الطرح الإيديولوجي الثوري التقدمي الذي يفتح الباب للمستقبل و لتحقق إنسانية الإنسان و سيادته و كرامته في هذا المجتمع.
(4)
كما ذكرنا من قبل، هذا هو المقال الأولى في سلسلة تمتد، تحاول أن تتلمس الطريق و السبيل لكيفية التحقق الثوري لما هو حادث في مصر، الذي يعيش تحت حصار التهديد بتصفية إمكانه الثوري و تدجينه، في سبيل حصره في دائرة الاحتجاج و التمرد، و الاكتفاء بتغيير الواجهات أو أعادة طلاءها ، ثم تبقى أساليب ومناهج العمل الوطني على حالها، ثم تبقى نفس الشرائح و الطبقات الحاكمة كما هي، ثم يتم إعادة أنتاج نفس المفاهيم و العقل الذي حول الاوطان إلى أطلال من الخرائب نتنفس هوائها العطن الفاسد حتى هذه اللحظة.
البداية كانت محاولة لوضع مقاربة سريعة، شديدة المبدئية و التركيز، فلسفية- اجتماعية – تاريخية لمفهوم الثورة، مقاربة تسعى عبر طرحها إلى دفع القارئ للمقارنة بين الوضع القائم في مصر الآن و بين التركيب السياسي – الاجتماعي- الثقافي الذي ساد جميع مراحل الثورات التاريخية الكبرى، فيرى ضرورة تجاوز هذا الوضع و نقضه، و يستدل من هذه المقارنة على طريقة ما تفتح الطريق للتحقق الثوري. ثم بيان أن التحقق الثوري في مصر لن يكون إلا بمرافقة طرح إيديولوجي عام جديد، يمكن من جذرية الهدم و النقض، و في نفس الوقت يعبد الطريق لبناء مجتمع جديد، مجتمع العدل و الحرية و العقلانية و الكرامة.
لا تحتاج الصعوبة الشديدة التي ينطوي عليها موقف كهذا إلى تعليق، فليس القصد من هذه المقالة، وما سيتبعها من مقالات، اسداء نتيجة نهائية معينة، بل تحريض المثقف بشكل عام و الأجيال الجديدة بشكل خاص على الصراع الراديكالي ضد الوجود العربي الراهن، إن الصراع وحده يكشف عن النفسية الثورية، و هو وحده الذي يحول الحقيقة الثورية المجردة إلى حقيقة حسية، إلى جزء وجداني في كيان الفرد. فدراستها لا تفيد، ولا ينفع الاستقصاء الفكري فيها مهما كان عميقا، إن لم يفرضا عليها حياة تسود تجارب الفرد ذاتها. لهذا على العربي ألا يكتفي بالتعرف على التركيب الثوري العام، بل عليه أن يسأل نفسه: كيف يمكنني أن أصبح ثوريا؟
الطرق المؤدية إلى ذلك عديدة، بيد أن قاعدتها تقوم في الصراع ضد الوجود الحالي و معاناة الألم في هذا الصراع. الثورية الصحيحة تعني نقض هذا الوجود، و الصراع في سبيل هذا النقض يحول الحقيقة الثورية من الصعيد الفكري إلى الصعيد الوجداني الباطني.
* * *
عن الإبداع يكتب نيتشه: " كل إبداع هو إعادة إبداع – و حيثما تعمل أيادي مبدعة يكون هناك الكثير من الموت و الدمار. / و هذا أيضا ليس سوى فعل موت و تشظي: بلا شفقة يضرب النحات على المرمر كي يخلص الصورة التي ترقد في الحجر، لذلك عليه أن يكون بلا شفقة: لذلك (عليكم) علينا جميعا أن نتألم و نموت و نتحول إلى غبار."
الثورة، بطريقة أو بأخرى، هي أقوى مثال للإبداع...!!!



#شادي_عمر_الشربيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شادي عمر الشربيني - حتى تكون ثورة...1- في معنى الثورة