أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - حكاية بسمه














المزيد.....

حكاية بسمه


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 4645 - 2014 / 11 / 27 - 10:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حكاية بسمة

جواد بولس



الساعة الرابعة من صباح لم ينع فيه الديك ليل القدس الأسود. مطر ثقيل ينقر على جنبات البيت وكأن شرايين السماء تقطّعت.
من شباك بيتي أرى سيّارة التاكسي تنتظر كي تقلّني إلى المطار لأبدأ رحلتي إلى مرّاكش، المدينة التي تحرّشت بأحلامنا شبابًا، وملأت أفواهنا عسلًا والفضاء أماني.

زرت المغرب، في الماضي، مرّات عديدة؛ جئناه، من فلسطين، والسراب كان سيّدًا في مطارحنا، وفي حلوقنا تخثّر العلقم وتعطٌلت الأوتار.أنّى حططنا فيه، كأننا في حضن أمّ، وارف الحنان، وكلّما طرقنا بابًا غنى فلسطينُ حلمنا ومنتهى الجنان.

قبل وصول التاكسي بساعة أخبرني إخوتي أن صحة عمنا ميخائيل تدهورت فجأةً، وهو في وضع مقلق. في البيت وجع لم ينم، وحيرة.

"أقول لها وقد طارت شعاعًا/ من الأبطال ويحك لن تراعي"
كان الصوت صوته وصورته أمامي على شاشة تلفوني، أفاق من غيبوبة إلى لحظة يقظة، قد تصير تاريخًا، ليتلو على أحباب أحاطوه قصيدة قطري بن الفجاءة، ويشرح لهم عن القصيدة وشاعرها.
بدا في الشريط المرسل إلي بلحظته، مرحًا، يفيض، كعادته، ثقافةً، علمًا وأدبًا.

قبل هذا الخبر الطارئ كنت أضع رؤوس أقلام أخيرة، لمداخلتي التي سأشارك فيها، وأربعة أخوة من الدول العربية الشقيقة، ندوة، اختار لها المنظمون عنوان: حرية الضمير، واقع الحال". والتي تعقد تحت راية المنتدى العالمي لحقوق الانسان.

عن أي ضمير تتحدثون أيٌها الاخوة؟ هكذا كنت أرتّب الكلام في رأسي لأتلوه على من جاءوا ليسمعوا ويُسمعوا عسانا معًا، نحيي عظام العدل في شرقنا وهي رميم. فالضمير لا يصحو إذا نام في خوذة الشيطان وهو في أرضنا غاب منذ قايض العربان، العفة بالغفلة وكلتاهما برحمة السلطان! والضمير، في أرجائنا، يا سادة، ديس بحوافر خيل الليل وتشهد، اليوم، على ذلك أسوار مدينة مقدّسة لم يعرف كهّانها العشق، وهي لذلك، تنام على صدأ الزمان.

جئت إليكم عاصفًا غاضبًا وليس كما يقتضي المقام والمقال، فاعذروني، إذا كان ضمير الشرق، معلّقًا، على فاعل نصّاب ومنصوب، وفعله دائمًا يبنى للمجهول، وعلامة رفعه سكون وتاء تربط على مذاود الأعجام.

هي فلسطين يا إخوتي، حبيبتكم في القصائد وفي لياليكم الشرقية، ولّادة الأسى، أفراحها لا تأتينا إلا على جناحي نورس، وقصص بنيها حيكت من خيوط القز، ولفت برقائق من طين وشمع كشمع الكنائس. هي فلسطين التي خبرت كيف تموت الأسود في الغابات التي يفتش شجرها العاري عن خيمة من ضمائر سكرى، وملائكة وقدر.

اسمعوا يا سادتي، فلقد جئتكم وفي القدس سكين يعربد، وفي الجليل يموت اليمام ويهوي القمر، فالليلة هكذا يبدو، وبلحظة عشق ملائكية، يختصر ميخائيل الحكاية ويتلو علينا ما علّمته الحياة من حكمة وخيبة، ويقول هازئًا من الدنيا: "فصبرًا في مجال الموت صبرًا/ فما نيل الخلود بمستطاع". ولميخائيل، وهو عمي وأبي، قصة بدأت بعد أن نجا من نكبة وأحب "بسمة" والشعر والسهر.

والده كان المعلّم بولس، قرر أن لا يرحل، مؤثرًا حدسه على نداء الحداة، فبقي هو وأبناء بيته. كان بولس وحيدًا في كفرياسيف الجليلية، فأخوه، نعيم، نخّخه الجوع في سنوات القهر، وقرر ككثيرين،عُرفوا حين حطّت رحالهم على أرض دولة السنغال الأفريقية، بالجالية اللبنانية الوافدة.

أحسّ جدّي بولس بالخسارة والوحدة، تملّكه الحنين والشوق، خاصة بعدما أفادت الأخبار بأن عائلة أخيه، نعيم، صارت عائلة كبيرة ومعروفة في تلك البلاد. قرر بولس الاتصال بأخيه ودعوتهم لزيارة البلاد التي قامت فيها دولة دعيت إسرائيل.

أخضع سكان البلاد العرب في تلك السنوات، لنظام حكم عسكري منعهم من التحرك الحر والتنقل، وأخضعهم لقوانين طوارئ تعسفية قاهرة.

اقتنعت عائلة العم نعيم بالفكرة وبضرورة السعي لتقريب العائلتين وإعادة لحمتهما، فركب بعضهم سفينة أقلتهم من بعيد حتى ميناء حيفا.

رفض الإسرائيليون نزولهم إلى الشاطئ، وبعد تدخل كثيرين وافقوا على أن يصعد بعض من أفراد عائلة بولس إلى ظهر السفينة. تم اللقاء وكان قاسيًا وحزينًا، لكنه أفضى إلى تعارف العم ميخائيل وابنة العم بسمة.

بعد عام واحد وافقت السلطات الاسرائيلية على السماح لبسمة أن تحضر وحيدة من السنغال كي تتزوج هنا ابن عمّها ميخائيل ويعيدا بذلك أملًا مفقودًا ويحققا حلم عودة صغير.

ما زالت السماء غضبى، فالمطر يعطّل الرؤيا وسائق التاكسي الذي كان يقلني دائمًا، أحس بأنني على غير طبيعتي. لم يسألني لأنه قد سمعني أتحدث مع أولادي الذين رافقوا جدّتهم بسمة بعد أن نقل العم ميخائيل إلى المستشفى في حيفا. وبعدما اتضح له أن زوجتي أبطلت رحلتها في تلك اللحظة، لتنضم إلى العائلة القلقة.

يسألني بلال،السائق، عن وجهة سفري، فأخبره عنها وعن الهدف من ورائها. يتمنى لي السلامة ويصلي بصوت عال من أجل ميخائيل وبسمة، فهو يعرف حكاية حبهما ولا يرى أجمل منها، وينصحني بأن أتلوها في ندوتي في مراكش، فعندنا حكايات الضمير، هذا الذي أنا مسافر وراءه ومن أجله، منثورة على جهات الأرض كلها وفي السماء كذلك، وإذا لم يصدقوا فليسألوا الملائكة ورئيسهم، كما جاء في الكتب، ميخائيل، الذي له تصلي بسمة والعائلة.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة الى وائل كفوري
- دش آيدول
- أحمقُ من ظالم
- عندما يحلم عمر بالحصاد
- القدس عاصمة الخلاف
- أوقاف تنتظر يوم نفيرها
- مستقبل طائش وأطفال الرصاص
- حكاية بير الزيت
- ماذا يقولون بالأرامية: يكفي اللبيب؟
- جنود يصرخون لا للاحتلال
- جنرالات الكذب، صناعة اسرائيلية
- القدس بين النخوة والرغوة
- نحن مع غزة .. من معنا ؟
- لنكسر القوالب ونوسع التحالف
- أنا والكرمل ومحمود
- كلّنا عكا
- ماذا بعد غزة ؟
- أضرّ من بلبلة
- خبز وكرامة وقيادة
- إنخطاف يوم مات جورج


المزيد.....




- رغم اتفاق آذار التاريخي.. مقتل جندي وتوترات متزايدة بين القو ...
- بعد اتفاق أرمينيا وأذربيجان.. مخاوف في إيران من تغييرات جيوس ...
- ترامب يصعّد هجومه على رئيس الاحتياطي الفدرالي: تهديد بملاحقة ...
- حرائق الغابات تهدد القرى في البرتغال وسط ارتفاع شديد في درجة ...
- الاتحاد الأوروبي و26 دولة تطالب بالتحرك -لإنهاء الجوع- في غز ...
- اتفاق أردني سوري أميركي لدعم وقف إطلاق النار في السويداء
- كيف تفاعل مغردون مع إنكار نتنياهو مجاعة غزة؟
- تحذيرات من مجاعة كارثية بغزة و27 دولة تدعو لإجراءات عاجلة
- رصدته كاميرا.. سائق يوجه ألفاظا نابية ضد مسلمين أمام مسجد بأ ...
- خاتم جورجينا: لمَ كل هذا الهوس؟


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - حكاية بسمه