أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - زقنموت (رواية) 10















المزيد.....

زقنموت (رواية) 10


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 4640 - 2014 / 11 / 22 - 13:32
المحور: الادب والفن
    


منحوهم أجازة قصيرة،خمسة أيّام فقط،استقبلته أمّه بزغرودة فرح،أتت بديكٍ هيأته للنحر أمام قدميه،هكذا فعلت حسب ما قالت له يوم ولد ويوم مشى ويوم طهروه ويوم دخل المدرسة،لابد أن تفعلها كما ـ عاهدت نفسها ـ يوم يعود في أوّل إجازة عسكرية،وستفعلها يوم يتزوج،ويوم يرزق بأوّل طفل.
ذبح الجار(أبو مازن)الديك.
تغدوا في ذلك اليوم لحماً مكتنزاً بالعافية والحبور.
تنزاح هموم الجندي ما أن يترك معسكره أو جبهة الحرب،ويضع قدميه في واحة الحياة،كل المتعلقات المروّعة تتبخر،حياة جديدة مسالمة تستقبله،لا يهم ما يجري في البلاد من فوضى،الحرب يشمل كل مفاصل الحياة،لكن الإجازة العسكرية بطاقة نجاة من الموت إلى أجل مسمى.
وجد(ماهر)شغله الشاغل نصاعة رأسه،وقف كثيراً أمام المرآة،أراد أن يقتنع بأنه بشر،إنسان يمتلك حياة ويمكنه أن يعيش في مجتمع خاضع للرقابة الفكرية والغيبية.
فشل أن يقنع نفسه بأنه كائن يمكنه أن يمشي عالي الرأس من غير شعر يخفي طاسة رأسه،وجد الخجل آفة تلجمه من الخروج من غير غطاء لـ(كرعيته)،لم يحتر(ماهر)أكثر من دقائق معدودات.
قالت أمّه:
((ماذا بك.؟))
((رأسي..))
((أنه جميل،يليق بك أكثر من ـ خنافسك ـ أيام زمان.))
((أشعر بأنني كائن منبوذ بهذا الرأس منزوع الشعر.))
((لدي ـ غترة ـ جديدة،مات أبوك قبل أن يستعملها.))
((لم أتعود على وضع الأشياء السخيفة على رأسي.))
((لا تستحي يا ـ ماهر ـ رأسك هكذا أجمل.))
مع الغروب تسلل إلى السوق،اقتنى طاقية رأس وعاد.
قبل الدخول إلى البيت وقف عند رأس الزقاق،محترقاً لرؤية(مها)،مالئاً جيبه برسائل غرام وقصائد كتبها ليلاً بعيداً عن أعين الجنود،مرت الدقائق وربما ساعة لم يجد ريحاً تقنعنه أو تروض لهفته.
ضاق ذرعاً.
قلبه يشتد،أنفاسه تضيق،والليل سيغدو طويلاً عليه،سيفقد يوماً من إجازته من غير(مها)،شعور مفاجئ بدأ يهيمن ويضغط على صدره.
حائراً عاد إلى البيت.
في غرفته شبه يائس،نصف مشلول،أشبه بجسد تطرحه علّة مزمنة.
لم يجد دافعاً يرغمه على تناول العشاء،كانت أمّه تنظر بعينين فيهما بقايا شك يفتضح،وكمية هائلة من بوح صريح،تحاول لملمة جملة توقعات كلها أبواب تقود إلى ما يسكنه.
قال:
((لحم الديك في بطني سيحتاج إلى أسبوع كي يهضم.))
انشغل بقراءة الرسائل مرة أخرى،وجدها مليئة بأخطاء نحويّة عبرت عليه،عزا ذلك جراء الخوف المترسب فيه وهو يكتب،فالكتابة بين الجنود وبين أي حشد في بلدان(الشرق)تفسر لصالح الوشاية،الوشاة في كل مكان،أينما تكون تجمعات ناس تراهم بارزين من خلال حركة رؤوسهم،ومن خلال نظراتهم المفضوحة، يدونون مصائر الناس بأقلام نفوس مريضة،يخيطون على مقاساتهم تهم باطلة.
سرعة كتابة رسائله تحت ضغط الخوف،جعلته يكتب من غير تدقيق إملائي،كانت اللهفة قاسية والرغبة نار تلتهم غابات مشاعره،لا يريد إضاعة فكرة جميلة أو يبدد تعبيراً ضاغطا،كل ما يجده يلاءم قلب(مها)يحشره سريعاً،من غير مراجعة،في أوراق يحرسها أكثر مما يحرس جسده من نيران عدو يلهث لوأده.
ضعف الإنارة داخل القاعات،سبب آخر وجيه ومؤثر،يبعث النفور في النفس لمراجعة أي عمل منجز، فكيف بالكتابة تحت المراقبة وصخب جنود تقتلهم لهفة الفضول وحشر أبوازهم في آلام الآخرين.
لم يجد وازعاً يرغمه تصحيح الكلمات الخاطئة،رغبة كسولة ناصفت مزاجه وظلّت تقنعه أن الحبيبة تقرأ بعين القلب،بعين بصيرتها،لا تقرأ ببصرها،هاجسها الأساس نفحات السعادة المتغلغلة إلى تباريح جسدها عبر موسيقى العشق الصادح للكلمات.
أعطِ فتاة عاشقة رسالة كلّها أغلاط ستقرؤها عشرات المرات صائبة من غير أغلاط،تفشل في تشخيص أي خطأ وارد،كونها تكون لحظة القراءة سكرانة بمسيل العشق المندلق على الورقة من قلم الحبيب.
لم يجد(ماهر)رغبة تدفعه لتصحيح بعض الكلمات المغلوطة.
تشربت روحه بسعادة،وجد حماسته تتضاعف،طوى الأوراق وخرج إلى الزقاق،وصل الشارع الرئيس،وجد أرتل الدبابات تمزق بجنازيرها لحم الشارع الأسود،رغم تواجد معلومة عسكرية تشير على أن المسرفات يجب أن تسلك جانبي الشوارع للمحافظة على الممتلكات العامة للبلاد.
في زمن الحرب يسود العماء،يهيمن الغباء،تموت الغيرة،تعم الفوضى،ينام القانون،لا أحد يهمه الوطن،لا أحد يحترق قلبه على أملاك الناس،الكل ينشغل بنفسه،هذا السبب الوجيه دفع الحياة أن تنسلخ من تألقها وتنحدر أمور الناس نحو مأزق البلادة.
كل شيء يتحرر وفق المزاج،تتراكم الأخطاء وتمضي أبخرة لتشكل غيوم التعاسة لتمطر فيما بعد ركام ويلات تحرف الحياة عن جادة الحقيقة،هكذا تمضي من غير بادرة أمل أو بصيص ضوء يمنح الحائر فرصة لمواصلة سيره من جديد.
الحياة تندحر،تتقهقر من جيل لجيل.
تمر المركبات.
جنود يصرخون،يرقصون،يتغنون،لا أحد يعرف سبب هذا الـ هرج الحاصل في البلاد،لم الناس تستقبل الكوارث المدمرة استقبالهم أيّام أعراسهم،لا فرق عندهم بين الموت والحياة،بالطبع ليست شجاعة أو (مرجلة)،بل غباء عام،قلب لا يشعر بآلام البشرية قد من حجر،عين لا تدمع من أجل الآخرين مجرد كرة زجاجية.
الهرج الليلي الحاصل كهرب قلوب النسوة بعاطفة وطنية جارفة،صعدن إلى أسطح منازلهن،رحن يمزقن الغبار الصاعد وهدير الدبابات اللاهثة بزغاريد فوق العادة،شجَّع بعض الجنود على إطلاق عيارات نارية ابتهاجاً بالمناسبة،تسببت في قطع أسلاك كهربائية،فعم الظلام نصف البلدة.
لم يحتمل(ماهر)فوران دمه،قلبه يرسل صفيراً عبر شهيقه وزفيره،لم يحتمل نفسه،عاد،وجد شبح(مها) واقفاً،رجف بدنه،جاءت محاولة عفوية أفرغته من كل الخوف المتراكم فيه،وألقت بالكابوس الجاثم من على صدره خارج واقعه،فرح برؤيتها،لم يكن هناك أحد،حتى لو كان هناك مستطرق،كانت الرؤية شبه معدومة بسبب انقطاع الكهرباء،في تلك اللحظة شكر(ماهر)مسبب الظلام رغم أنه لعنه لحظة أصابت طلقته السلك.
دنا منها.
همست:
((هلو..ماهر..لم لم تخبرنِ بعودتك.؟))
((وقفت في الظهيرة،لم أرك.))
((لم أكن في البيت،سأنتظرك الليلة.!))
مشى.
شيء ما نهض من داخل قلبه،أستفز جسده،وقف،بقى يلملم كلامها في صندوق رأسه،قالت له كلاماً جديداً، ستنتظره في الليل،أي ليل كانت تقصد(مها)هذا ليل هو تائه فيه،رغب خروجها،يريد كلاماً يوضح كلامها،تملكه خوف أرجف عروقه،رأسه يضج بهدير متواصل،كلامها غير مفهوم،ألقى نظرة،باب بيت(مها) غائب في العتمة،لابد أنه مغلق،يد تدفعه ليقتحم صمت الزقاق،ليطرق الباب،ستخرج(مها)وربما أمها،ماذا يقول،لدي سؤال عندك جوابه،ستضحك(مها).
يد تدفعه،يد تحسسه بقيمته المتبقية،محض إنسان يخوض تجربة عاطفية عابرة تحت خيمة الحرب،قدماه مشلولتان،قلبه يكاد ينفطر،الشهيق ما عاد يسكت عصف أغواره.
لا شيء يمنحه فرصة لفك طلّسم الكلام،توجه إلى البيت،صعد إلى السطح،هناك لمح أشباحاً تتراقص، أندمج مع الأشباح،يأخذ ويرد،يد أفاقته من التوهان:
((ماهر..ماذا بك.؟))
((لاشيء.!))
((مع من تتحدث.؟))
((أنا..))
((أراك تؤشر بيديك..))
((كنت أمارس تمارين سويدية،أشعر بتشنجات في جسدي.))
أنزلته إلى غرفته،ألقى بجسده على فراشه ومضى يقرأ الأشياء المرتسمة على صفحة السقف.
كلام(مها)يضج في صدغيه،ربما أخطأت الكلام من شدة فرحتها،مثلما أخطأ هو في رسائله،ربما أرادت بكلامها(بعد الليل)،لحظة تخرج لرمي القمامة،وجد هذا التأويل مقنعاً،أقر الجواب،تذكر يوم قالت له: ((الساعة تسع..!!))،أيّة فجوة ابتلعته،في بحر أيّة حيرة طمس،ما زال يتحسر على موعد أعدمه ببلادته، ببراءته،بعدم امتلاكه حاسة ذكريّة فعّالة تفسر كلام الإناث تفسيراً شهوانياً.
أنشغل يكتب أشياء جديدة،عن لحظات التخيل من بعد،حيث الأوامر الصارمة والحياة العرجاء،عن مستقبل ملغوم بلهجة الفناء،عن حياة ستغدو جحيماً،ليس هذا من بنات خياله،بل واقع ملموس،تنغمس الحياة في أوحاله،الكتب التي قرأها ترسم هالات مروعة عن حياة ما بعد الحروب،الناس تتجرد من الكثير من صفاتها البشرية،يغدو المرء حيواناً مفترساً يلتهم كل شيء من أجل الحفاظ على روحه.
أيام الحرب العالمية الثانية،التهمت الناس الكلاب والقطط والجيف وكل ما كان محرماً من أجل البقاء لساعات أخر أحياء.
كان لحظات القراءة يفكر بأن البشرية لابد أنها استفادت من الحربين الخاسرتين،لابد أن الساسة وضعوا جملة برامج سلمية تصلح ما بين الأطراف المتنازعة،المتمثلة بهيئة(الأمم المتحدة)،(محكمة العدل الدولية)،منظمة(الصليب الأحمر)،مؤسسات تعمل على إطفاء نيران الأحقاد العالمية،لكن ما يجري هو عكس ما كان متوقعاً،تلك المؤسسات أصبحت ستراً حديدياً لتمرير الحروب تمريراً رسمياً،صارت تمنح التصاريح والتخاويل لشن الحروب المنظمة،كونها(مافيا)تعمل لصالح الشركات الرأسمالية و(اللوبي) الصهيوني،كل بلاد تمتلك موارد طبيعية لا تخضع لإرادة الرأسمالية الغربيّة ستغدو ضحيّة ملائمة لـ فكوك لا تشبع.
لا أحد يريد إطفاء نيران حربنا.!(قال لسانه)
الدوّل الصناعية وجدت البلاد سوقاً عالمياً للاستهلاك،مقبرة مفتوحة لتصريف آلات حربية عفا عنها الزمن، الحرب ستستمر لسنوات،وربما التبعة ستكون أكثر وبالاً من وقفها،بعدما تنتهي قدرات البلاد،وتفتر عزائم الناس،وتنفلت الأخلاق من أفلاكها السلفيّة.
لا يعرف كم من الوقت استغرق في الكتابة والتفكير،ومتى نام،قبل أن يفاجئه الفجر بصوت الجامع وهو ينفح روح الحياة الخالدة عبر التكبيرات المتواصلة إلى أشلاء بلدة(جلبلاء).





ضجيج يتواصل في رأسه،لم ترغب أمّه قول شيء،ظلّت تسترق النظر،تقرأ أوراق وجهه،تحاشى النظر في عينيها،خاف أن تكتشف التبدل الحاصل فيه.
أمّه تمتلك قدرات(فوقطبيعية)،تفهم التصرفات الغامضة عنده،رغم طبيعته شبه المتواصلة في عدم تناول الفطور باكراً،أجبر نفسه على تبديل تلك العادة القديمة،كي يبعد عن نفسه أو يخنق سيل الأسئلة المتراكمة في عينيها،كانت لعبة مفضوحة تكشف أوراقه أكثر مما تغطيها،أعطاها دليل إدانة صريحة ضد نفسه.
بعدما أنهى فطوره،نهض،اغتسل وعاد.
قال:
((لم تشاركينني الفطور.؟))
((فرحتي بعودتك أشبعتني.))
((لدي بعض المواعيد مع أصدقائي.))
((لا تتأخر عن الغداء.))
((سأكون مع أذان الظهر معك.))
خرج.
عند رأس الزقاق وقف يستطلع بقعته المباركة،موطن حبه.
لم يدم وقوفه كثيراً،وجد رأس(مها)يخترق الصمت والصباح والعالم،أرسلت برقية ثغرها بوميض قلّص المسافة بينهما،كانت ابتسامة فجر سمحت لكل تراكمات التعب أن تفر من عروقه،رفعت يدها،تحية جاءت كبرق خاطف،تحرك سريعاً،لم يعد ذلك الكائن الخجول الذي أذا وقفت أمامه أنثى يرتجف،ولسانه يتوقف،ثبت ثبوت كائن يثق بقدراته الذكورية.
وصل قربها،كانت كما هي،بشوشة،صادقة.
همست:
((صباح الخير..ماهر))
أي صباح يتحرر من بين شفتي فتاة تعلمت سبل اقتحام غابات الحياة الغامضة من غير بوادر تمهيدية،لم يرد تحيتها لساناً،عائماً فوق الغيوم،تدفعه أمواج أحلام نحو شاطئ ظليل بأشجار ندية،ارتضت بابتسامته.
قالت:
((لدي رسالة.!))
هز رأسه ومضى إلى الشارع،وقف يفكر بطريقة تنجيه من حراب العيون،خالها تتبعه،توقف واللهفة قفلت على منافذ التفكير،لم تتبعه،ظنًّ لم يكن في محله،قرر العودة،كانت واقفة،متذمرة،ما أن أشعلت المسافة التي تفصلهما بابتسامة صريحة،ألقت ورقتها،كان يجب أن ينحني وسط الزقاق لالتقاطها،انحنى وتلقفت يده الورقة ومضى مرتجف الأوصال،متضايق النفس إلى البيت.
((عدت باكراً)).استقبلته أمّه.
((لم أجد أصدقائي.))
((سأخرج إلى السوق،لا تخرج حتى أعود.))
((سأنتظرك..))
وجد فرصة مثالية لقراءة ورقة(مها):

(عزيزي ماهر..حمداً على سلامتك..لم ترعبنِ بهذه الطريقة،حبك أخرجني من عالم الطفولة،بدأت تفتعل أباطيل كي تتهرب من الحقيقة،لم هذه الغيمة السوداء تعتم فكرك،قل أي شيء يا(ماهر)،كلامك مخيف،لم كل هذا الموت يرتمي على أحلامك،شعرك لبس ثوب الحداد،من أين تأتي بهذه الكوابيس،من أي القواميس،لا تعذبني،دعني مشغولة بك،سعيدة بك،أقف رغم كل شيء،أنتظر مرورك،شروقك بدأ يحسسني بأنك كائن يصنع الحزن،يتمرد عن الحياة،في عينيك ألتمس بسمة مغلفة بشيء من المكر ـ مع اعتذاري الشديد لهذه الكلمة ـ أنا أقصد أنك غير مهتم بما أهتم به،أنتظر مرورك كي أكنس ترسبات الخوف وأجلسك في القلب،هل هناك ما يشكّك بي.؟أنا لم أجرب الحب إلاّ معك،كنت كما تراني أجلس مع الصبايا،ألعب معهن،قبل أن أشعر بسهم من نار أنطلق من عينيك وأصاب مستقبلي بنيران الأمل،شعرك مخيف،هالات جنونية من أين أتيت بها.؟هل رأيت الجبهة.؟هل رأيت جنوداً يقتلون.؟لم تعذبنِ يا(ماهر).؟ لم كل هذه الأخطاء الواردة في لغتك.؟أرجوك أنتظر منك جواباً صريحاً،أنا أنتظر،لا تتأخر عني.. أرجوووووك.!).
***
طوى الورقة.
أحساس غريب نما،شعر بندم راح يثقل نبضه،أعطاها رسائل مليئة بأخطاء غير متعمدة،اكتشفت(مها)كل شيء،يا ترى كيف عرفت تلك الأخطاء.؟سؤال راح يقلقه،حيرته بدأت تتفاقم.
(مها)في الصف الأوّل المتوسط،عمرها أثنتا عشرة سنة،مثلها تكون غير مؤهلة لمعرفة أسرار اللغة،لابد من شيء غامض يحصل،شيء ملموس،يشعر بدبيبه،لا بد أنها وجدت واحدة أخرى تقرأ وتكتب لها،ألم تقسم أنها لن تعرض كتاباته على(كريمة)بنت(أم سليم)،هي عاهدته على ذلك،قد تراجعت عن قسمها،لابد من شيء غامض يجري،فكره أنشغل،طلب توضيحاً،لا يملك راحة بال كي ينجو من كابوس اللحظة،فالوصول إلى الأجوبة الصحيحة يتطلب فكراً صافياً وتأملاً دقيقاً،ربما ما تزال تستعين ببنت أم(سليم)كي تقرأ وتكتب لها،لا خيار آخر يلوح،تشجع وكتب لها كل ما شعر به لحظة الكتابة،كتب عن الوقائع المؤلمة للجندي وهو مثل خروف(عيد الأضحى)يهيأ للنحر،الجندي كائن يمتلك أحلام ورؤى لمستقبله،رغم يقينه بحتمية موته،وأنه قربان يوضع بين أقفاص ويلقن كي يغدو لقمة سائغة لديمومة السلطة،لابد أن يحقن بعقاقير الصبر وقبول واقع حاله المرسوم،وأن الجوانب الحياتية الخانقة لأرادته يتم تذليلها،هكذا كان ومن هذا المنطلق المأساوي هبطت كلماته على بياض الورق،شرح الكثير من الملابسات أثناء الليل داخل قاعات تختلط فيها روائح بشرية مختلفة،كان ضائعاً في صحراء الوحدة والغربة،في ليل الكوابيس،يبحث عن قواميس الشعر،كل ما يقتنصه يغدو محض أشواك تحيطه باستفزازاتها،فجاءت كلماته محطمة النحو،فاقدة لمعانها المعهود،شرح لها أن الشعر يغدو رماداً أوان الحرب ما لم يحرر من علب التعبوية،لم يحتمل ضيقه،كلماته تنطلق متسارعة،قد أحدث أخطاء أخرى،لم يجد رغبة أو بالأحرى وقتاً أو صفاء نفس كي يراجع ما كتب.
خرج.
وجدها واقفة على جمر نار،يتراقص جسدها حيرة،توقف حين رأته،دنا،ماشياً ألقى ورقته،وصل رأس الزقاق، تلفت،رغب أن يتأكد،لم تكن(مها)واقفة،لم يجد ورقته على الأرض.
وقف نصف ساعة،قبل أن يعود،وجدها باسمة الثغر،تنعكس بوادر الصحو من على سحنتها،غمره فرح مباغت،كان لسان حاله ينطق:((لن أتخلى عنك يا..مها))،مرّ بها،تلاقت العيون وندهت الأغوار بما كانت فيها من حرائق بوح.
قالت:
((أنتظرك في الليل.!))
لم يجد جواباً حاضراً،دائماً تأتيه الأجوبة متأخرة،وصل البيت،كانت أمّه عائدة من السوق.
قالت:
((اشتريت لك سمكاً.))
لم يتمالك نفسه،جلس على السرير،دنياه تحولت إلى كرة نارية متوهجة أغشت عينيه،رجف قلبه،جلست أمّه لصقه.
قالت:
((أنت بحاجة إلى زوجة كي لا تشعر بتعاسة الحياة.))
((أنا مقبل على الموت يا أمّي.))
وضعت كفها على فمه.
صاحت:
((بدأت تذبحني بكلامك.))
((أعتذر عن هذا يا أمّي.))
((دع هذه المصيبة يا أبني،يمكنني أن أخطب لك ـ ميعاد ـ بنت أخت جارتنا أم ـ مازن ـ))
((لم أفكر بالزواج بعد،لننتظر ماذا تفعل المساعي غير الحميدة.))
((الناس تقول أن الحرب ستتوقف عن قريب.))
ضحك(ماهر).
((ما الذي يضحكك.؟))
((لا شيء..))
((أنت تسخر من كلامي يا ماهر.!))
((مجرد كلام سمعته في المعسكر مر بخاطري.))
((وهل معكم من يسخر منّي.؟))
((ولم يسخر.؟))
((ربما شباب اليوم يسخرون من النساء القرويّات.))
((ليس هذا ما يضحكني يا أمّي.))
((وما الذي يضحكك.؟))
((كلامك بخصوص توقف الحرب.))
((وما أدراني،الناس تقول أنها ستتوقف عن قريب.))
ضحك(ماهر)من جديد.
((ماهر..لم تضحك.؟))
((من كلامك.!))
((أتسخر منّي.؟))
((كلا..))
((لكنك تضحك من كلامي.))
((كلامك يذكرني بكلام الآمر.))
((وما هو كلام آمرك.؟))
((يشبه كلامك.))
((وهل قال أن الحرب ستنتهي عن قريب.؟))
((كلا..يوم أحترق ـ ماجد شبوط ـ أبو السمك،قال: سيتوقف ـ الضراط ـ في ساحة العرض بعد اليوم.))
أطلق ضحكته وشاركته الضحك.
((لكن الناس كلّها تقول هذا الكلام.))
((أرجو ذلك كي لا يموت الشبّان وتندحر حياتنا القادمة.))
((هيّا قم لتساعدني على طهي السمك))
ساعدها في تهيئة الغداء.



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زقنموت (رواية) 9
- زقنموت (رواية) 8
- زقنموت (رواية) 7
- زقنموت (رواية) 6
- زقنموت (رواية) 5
- زقنموت (رواية) 4
- زقنموت (رواية) 3
- زقنموت (رواية) 2
- زقنموت (رواية) 1
- ليالي المنسية(رواية)جزء38الأخير
- ليالي المنسية (رواية) جزء 37
- ليالي المنسية (رواية) جزء 36
- ليالي المنسية (رواية) جزء 35
- ليالي المنسية (رواية) جزء 34
- ليالي المنسية ( رواية) الجزء 33
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 32
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 31
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 30
- ليالي المنسية(رواية)الجزء 29
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 28


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - زقنموت (رواية) 10