أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - زقنموت (رواية) 7















المزيد.....

زقنموت (رواية) 7


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 4637 - 2014 / 11 / 18 - 23:29
المحور: الادب والفن
    


هارباً من وجه الحياة،جالساً على صخور تطل محاذية لوادي البلدة،صخور ليست طبيعية،ترجع لسنوات بعيدة،يوم جاء(اليهود)وأدخلوا القاطرة البخارية إلى أحشاء الزمن،أحتشد الناس جامدي العيون،تكاد قلوبهم تنخلع،وقفوا خاشعين لسلطة الخوف،أيديهم على أفواههم،ألسنتهم تتعوذ وتستجير،وقلوبهم توحدت في النبض والهلع،عيونهم تحجرت على مشهد يوم مخيف،هالهم منظر قضبان حديدية طويلة كثعابين تمشي،كان التصور واضحاً أن(اليهود)خلقهم الله سحرة كفرة،في كل عصر وفي كل مصر يسحرون الناس بمعتقد جديد،فجاءوا بقضبان لا نهائية،تماشي التطور العقلي للبشرية،لم تعد العصي المتحولة إلى ثعابين تنفع ناس الوقت كي يعيدوا حساباتهم الإيمانية ويبقوا رعايا المعابد وخرفان الكهنة المطيعين،جاءت الثورة الصناعية تعويضاً عن البدائيات اللسانية والنبوءات العقلية،يمكنها إعادة بناء الإنسان الحائر،ويرصه من جديد ضمن صفوف الباحثين عن سعادة الآخرة الأبدية.
بقت الرهبة متواصلة،لم يتجرأ إنسان من البلدة المخاطرة بحياته وعقيدته،ليقتحم جوف ثعبان ينفث بخار ودخان ونار،كانوا من وراء النوافذ ومن فوق الأسطح ومن خلال شقوق الأبواب،يتعوذون،شاتمين(اليهود)، قبل أن تمضي الأيّام لتقتنع نفوسهم،وترضخ إرادتهم في نهاية المطاف لواقع مرير.
رصفوا حافة الوادي الكبير بحجر،خشية انهيار سكك الحديد جرّاء الفيضانات المتواصلة،يوم كانت السماء كثيرة البكاء،كانت السيول المائية تزحف بشكل متواصل طيلة أيّام الشتاء،أعطت الصخور المتراصة حصانة زمنيّة من آفة الفصول وتقلباتها،ومن جهة أخرى وظيفة إبراز منظراً جانياً أخاذاً للجانب الشمالي للوادي.
(جلبلاء)بلدة تتخصر كتف نهر يتشكل من إتحاد فرعين،فرع ينحدر من الشمال يسمونه(سيروان)،قبل أن يتعاشق مع فرع شرقي خابط الماء،يسمونه(ألون)،يشكل الاتحاد نهراً يجري محاذياً البلدة قبل يتفاجئ في منتصفه بوادي يدس فيه مساريب مجاري مياه المنازل طوال العام وسيول جبلية غاضبة أوان سنوات الخير.
تمتلك البلدة تأريخاً مشتتاً،لم ينبرِ مؤرخ ليتصدى لمكانتها بين المدن ذات الأثر والقيّم الحضارية،كي تتوفر لها فرصة الاحتفال السنوي بميلادها،وقيام ملتقيات تاريخية وثقافية فيها،ربما لدوافع سياسية معروفة،فمن يكتب تأريخ المدن لابد أن يمرر كل صغيرة وكبيرة،شرط أن لا تتقاطع مع أفكار وتوجهات السلطةالحاكمة.
في(جلبلاء)جملة ثوابت راسخة،تمررها الألسنة سراً،راهنوا عليها أولئك الذين يقرؤون ويحملون الكتب دائماً، كل الثورات التحررية رغم دكتاتوريتها في نهاية الأمر،سواء أفلحت في قلع الأنظمة السابقة أو زعزعتها وأفرغت نصف محتوياتها،تبدأ شراراتها الأوّل من بلدة(جلبلاء)،على اعتبار منطقي أن في البلدة موقعاً عسكرياً حيويا،ومدرسة قتال تعلم وتخرِّج أصناف الدروع،رماة وسوّاق ومخابرين وأمراء طوائف،يوجد مخزن حصين لعتاد نصف جيش البلاد،وتقع في منطقة ذات أثر رجعي،بالنسبة لمن يبغي البدء بثورة لتسنم زعامة البلاد،إذا ما فشل في حملته ووشي به،يجد الشمال الآمن في مرمى حجر منه،بإمكانه أن ينفد بجلده ويخلّص رقبته من حبل الشنق،معظم الضبّاط،أصحاب الأنفس الثورية والأحلام الرئاسية،عاشوا في هذا المعسكر،ومنه تبلورت في رؤوسهم فكرة تغيير أنظمة الحكم طمعاً بـ ثياب العز،فمن بوسعه الكتابة عن بلدة حاضنة لـ جراثيم الدكتاتورية،الحكومة الجديدة خنقت البلدة وكبستها في سطرين،بعدما قررت إعادة كتابة التأريخ للبلاد،قالت: ((كانت البلدة ممراً حيوياً لجيش ـ سعد أبن أبي وقّاص ـ بقيادة ـ هشام بن عتبة بن أبي وقّاص ـ لدحر الفلول المتبقية للساسانيين في واقعة ـ حلوان ـ التي تبعد عن ـ جلبلاء ـ بعدة فراسخ.))
بدا هذا السبب أكثر الفاتاً للنظر وأوضح سبيلاً كي يمر قلم التاريخ من غير تهميش على بلدة حافظت على أسمها وجغرافيتها عبر كل الأنظمة المتعاقبة،سبب لا يثير اهتماماً ومجلو من غبار الشك وأقاويل المتبطرين،بـ جرّة قلم من متعطش خدوم،جعلها أن تمر مرور الكرام عبر سطرين في جبل التأريخ،فهي مكان وسط يربط شمال غاضب ووسط مهمل،تلتقي فيه شبكات السكك الحديدية،كعروق الأوعية الشعرية الدموية،مروراً بالقرى والأرياف لتربط مدن حيوية،يتم نقل خيرات البلد منها وعبرها وإليها،منها تتخرج عسكر البلاد بعدما تنهي تدريباتها بالذخيرة الحيّة في(ميدان الرمي).
أربعة منازل كانت تقتسم الوادي،تزرعه صيفاً لوفرة الماء المتراكم من جرّاء السيول العابرة،أحد تلك البيوت كان بيت أبو(ماهر)،قبل أن تزحف اثنا عشر منزلاً لعائلات أعلنت أنها(رحل)،جاءت تبحث عن فرص أفضل للعيش،بعدما أتت(الهنود)تحت إمرة(اليهود)وقيادة(الإنكليز)لمد(سكة الحديد)وتمرير قاطرات بخارية قبل منتصف القرن العشرين،وبناء بيوت للعسكريين ولعمّال السكك،العسل الذي شجع الناس هجرة قراها وأريافها لتدخل البلدة في زمن آخر،زاخرة بفرص العيش الرغيد.
يوم مجيء الحكومة الجديدة،بدأت السماء تكتئب،جفت دموعها،كانت الغيوم تتراكم،ترسل غضبها عبر بروق راعدة،قبل أن تتكشف عن غبار يهطل خانقاً جمال الحياة،الناس ربطت عدم نزول المطر بنوعية البشر،الحكومة بعدما أعلنت حربها على الداخل والخارج،بعدما أبعدت بيوت الأكراد إلى الصحاري لتفكيك شملهم وتضعيف عرقهم،بعدما رفعت قبور الموتى من أماكنها،وبنت بيتاً لعرض الفساد،بعدما جعلت حافة النهر،الرقعة المشجرة،ملاذاً ليلياً لأصحاب الفراغ،تدار كؤوس الراح وتضج فضاء البلدة بريح سكرانة مضججة بقهقهات الآثام،الأمر الذي هيّج أمخاخ الكثير من الشباب تحت سن البلوغ،فاندفعوا متحمسين للظفر بهذيانات وجنون الليل،لم تنفع الجهود لردعهم قبل أن يتم التوصل إلى فكرة البيع المباشر،فتحوا كوّة صغيرة في زاوية مختنقة بالأشجار،تطل على النهر،يتم التسرب إليها في عتمة دائمة،ومن يومها تصاعدت أصوات أصحاب المحال في أغلب الصباحات،بعدما اصطدموا بكسر أقفال دكاكينهم وسرقة نقود قاصاتهم الخشبية،لم يتم التوصل إلى جاني،قبل أن تجتمع الآراء على تأجير حرّاس ليليين مقابل أجور يدفعونها هم، وبعدما رفعت سكك الحديد وألغت القطارات ونقلت مئات العائلات العمّالية إلى دوائر صحراوية،صارت البلدة والبلاد ساحة مفتوحة لكل وباء يبحث عن حاضنة ولودة.
ضفادع تنق في ملحمة حياتها،حرة كريمة،لم يعر(ماهر)أدنى اهتمام لرائحة حريفة يدلقها ماء أخضر متخثر ،يتشكل على مدار الأسابيع والأشهر من مجاري البيوت،تغدوا مستنقعات صغيرة،تزحف بتململ مضوّعة المكان برائحة مقيتة،تضم في تحشدات مفزعة جحافل بعوض وحشرات ضجيجية متنوعة.
العالم بالنسبة له،في تلك الساعة،استحال إلى غول شره جائع،يزحف للانقضاض على ما يمتلك من بقايا أحلام،ليس أحلامه فحسب،بل أحلام الناس من حوله،يجيء بكامل السلاح وكل التكنولوجيا لدحر بصمات الجمال المتبقي في البلدة وفي سائر البلدات.
حين يجلس(ماهر)منفرداً،ينشغل ذهنه،مشوشاً،مشتتاً،مخّه مصادر،تائهاً في متاهة،يبحث عن ملامح هالة ممكنة،فقرات حياة بدأت خطوات نهايتها تهيمن على كل شيء.
بدا الصباح ساكناً،قربه،على يمينه مزبلة المنطقة،رهط كلاب تنبش أكوام القمامة،يائسة،لاهثة،تبحث عن شيء مفيد،بقايا طعام عفن قذف من بيت ما،عظام مهروس،كلاب كيف أنسلت إلى أحشاء البلدة.؟من أين أتت.؟،لم يطرح على نفسه السؤال،فهو يعرف ورأى بأم عينيه كيف تم إبادة الكلاب الضالة،في حملة حكومية عملاقة،رأى رجال يمتلكون وحشية الغاب،يتجولون بين الأزقة بحثاً عن كلب أو جراء،بضغطة زناد يجعلون الكلب يرقص طرباً وهو يودع الحياة،أحياناً كانت رصاصاتهم تفلت عن المسار الصحيح لتمزق رأس طفل يراقب،أو امرأة تجرجر عباءتها عائدة من السوق،على ما يبدو أنها كلاب غريبة،تجهل القانون العام للبلدة،دفعها الجوع أن تطارد رائحة المزابل العاجة في كل شبر أرض.
رهط دجاجات وديك يتأهبون لهجوم صاعق،ما أن تنسحب الكلاب متذمرة بحثاً عن مزابل أخرى،ففي زمن الحرب الكل يخضع للتقشف.
أشياء كثيرة تباغت حين يختلي المرء إلى نفسه،فاجئه موج الندم،تألم،لم يعد يعلم لما لم يسع في دروسه،كما سعى في شرب شراب الشعر.
لا شيء ينفع بعد ضياع فرص العمر الذهبية.!.(قال لسانه)
***
قبل خروجه من البيت..قالت أمّه:
((هيأت لك حقيبتك.))
((قد تكون حقيبة حتفي.))
((ماهر أنت تقتلني بكلامك.))
بكت،تقدم منها،احتضنها،قبّل يديها،قبّل رأسها،مسح دموعها..أردفت:
((لا تكرر هذا الكلام ثانية.))
((أعدك يا أمي بذلك.))
((هيّا أجلس.؟!وتناول الفطور معي،لا تهتم الله سيرعاك ويحفظ شبابنا من بلوى هذه الحرب.))
((الحرب يا أمي يعني حياة تافهة وعمراً بلا معنى.))
((ماذا نعمل،كل أرعن،كل ضال يصبح ـ كلباً ـ على الشعب،يبدأ برفع سيف الباطل ليذبح صوت الحق.))
((لا أعرف لم زمر الضلال والظلام دائماً يصبحون رؤساء.؟!))
((يا ولدي..أبوك رحمه الله كان يقول لي،عندما تفسد قلوب الناس،يظهر فيهم ـ أعور محتال ـ كي يعاقبهم حتى يمشون على الصراط المستقيم.))
((حقاً يا أمي،كلامه كان عل حق،الناس بدأت تفقد صلتها بـ الرحم والرحمة،صارت تدوس بأقدامها على النعمة،الناس تستحق هكذا ـ جرذي ـ لينهش لحم أجسادهم بالحروب والسجون.))
((هيّا تناول فطورك معي،ستتركني غارقة في محراب البكاء.))
أجهشت مرة أخرى بالبكاء،مسح دموعها..قال:
((لن أتناول الفطور أن واصلت البكاء.))
توقفت..ابتسمت بوجهه..قالت:
((مات أبوك قبل أن يرى هذه اللحظة الحاسمة في حياة كل شاب.))
((لا أعرف لم يفتخر الأب يوم يساق أبنه جندياً.؟))
((يقولون الجندية تصنع الرجال.))
((وما دور الشارب.؟))
((كثيرون لديهم شوارب لكنهم نسوان يا ولدي.))
صمت.
دمعت عيناه،قام وتوجه خارجاً،صاحت وراءه،لم تنفع صياحها،وصل الوادي وجلس يفكر من غير تمعن وبصيرة،بزمن القادم.



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زقنموت (رواية) 6
- زقنموت (رواية) 5
- زقنموت (رواية) 4
- زقنموت (رواية) 3
- زقنموت (رواية) 2
- زقنموت (رواية) 1
- ليالي المنسية(رواية)جزء38الأخير
- ليالي المنسية (رواية) جزء 37
- ليالي المنسية (رواية) جزء 36
- ليالي المنسية (رواية) جزء 35
- ليالي المنسية (رواية) جزء 34
- ليالي المنسية ( رواية) الجزء 33
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 32
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 31
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 30
- ليالي المنسية(رواية)الجزء 29
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 28
- ليالي المنسية ( رواية ) الجزء 27
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 26
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 25


المزيد.....




- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - زقنموت (رواية) 7