14-12-2002
في لندن عاصمة الضباب أجتمع الهباب مع الكباب, وكانت الدعوة لكل من يلبي نداء الواجب الأمريكي في إقامة عراق غير حقيقي ينضوي تحت لواء الراية الأمريكية الساعية لحل القضية العراقية بطرق التفافية تستبعد التغييرات الحقيقية وتضع مكانها في الأولوية إسقاط نظام حزب البعث الحاكم واستبداله ببعض من المعارضة التي لا تنسجم حتى فيما بينها وتفتقر إلى اللغة المشتركة والرؤية الواضحة والبرنامج المشترك.
التقت اليوم السبت في أحد فنادق لندن الوفود التي تشارك في المؤتمر الأمريكي للمعارضة العراقية برئاسة السيد زلماي خليل زاده, الممثل الأمريكي المعروف بالسفير فوق العادة لأمريكا لدى المعارضة العراقية المتأمركة,وجلس السفير زلماي زاده في الصف الأول بين الأخوة الأعداء. وقد تم افتتاح المؤتمر بتلاوة آيات من الذكر الحكيم, لا ندري أي من المشاركين قام بتلاوتها لتحليل شن الحرب على بلده ووطنه وشعبه. وفق المصادر المطلعة فأن عدد المشاركين في المؤتمر قدر ب 370 مشارك من بينهم 200 مندوب يمثلون الحركات السبع التي تشارك في المؤتمر بالإضافة لمائة من المستقلين ( على طريقة المجلس الوطني الفلسطيني سابقا). المؤتمر المذكور دعي للأجتماع بناء على طلب أمريكي وبمصاريف أمريكية من جيب المواطن الأمريكي دافع الضرائب. وقد شارك فيه خمسة من قادة المعارضة العراقية وهم السيد أحمد الجبلي( المؤتمر الوطني العراقي ) وعلي بن الحسين ( الحركة الملكية الدستورية) وأياد العلوي ( حركة الوفاق الوطني) بالإضافة لمسعود برازاني وجلال طالباني ( الأكراد). كما تمثل (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) وهو حزب شيعي تابع لإيران بشقيق زعيمه السيد عبد العزيز الحكيم. وهناك حزب الدعوة الإسلامي صغير الحجم بقيادة أحمد الحنفي يشارك أيضا في أعمال المؤتمر. هذا ولم يشارك في المؤتمر المذكور أحزاب ومنظمات وجمعيات وشخصيات عراقية كثيرة, وقد تعددت أسباب التغيب من رفض التعامل مع الخطة الأمريكية التي تستهدف تدمير العراق بحجة تغيير النظام وحقوق الإنسان إلى الاستبعاد الذي تم للبعض الآخر. ومعروف أن الذين يشاركون في المؤتمر يجمعهم قبل كل شيء الدعم الأمريكي السخي والطموح بالحصول على جزء من كعكة تقسيم العراق الذي يتمناه البعض عراقيا فيدراليا أو طائفيا أو أثنيا. هذا هو الجامع الذي يجمع هؤلاء المؤتمرين مع الحزبين الكرديين المتصارعين بدورهما دائما وأبدا على السيطرة والنفوذ في كردستان العراق, حيث المخابرات الصهيونية تسرح وتمرح بكل راحة وسلام. حتى المجلس الإسلامي الذي يتبع لإيران الاسلامية يتحالف الآن مع الشيطان الأكبر ضد الشيطان الأصغر. أنه فعلا لأمر غريب وعجيب. والأعجب أن يطلب العراقيون الحرية من أمريكا التي تسجن كل الشعب العراقي والتي سوف تجعل كل أبناء العراق يدفعون ثمن التغيير الذي سيكلف العراقيين حياتهم ومستقبلهم و أرضهم وثرواتهم التي بيع قسما منها منذ حروب العراق مع جيرانه في إيران والكويت.
هذا المؤتمر الذي سيشجع على الحرب ويحاول إعطائها شرعية عراقية سوف لن يكتب له النجاح لأن الحرية تنتزع ولا تعطى ولا تقدم على طبق من ذهب ولا تأتي على برج دبابة تقتل الأبرياء من أجل مصالح الشركات والدول والأغنياء والطامعين بالورثة بعد الأنتقام.
ثم هل يظن البعض أن قول رئيس الوفد الأمريكي في كلمته لدى افتتاح أعمال المؤتمر من أن وفده يمثل ويضم كل أجهزة الإدارة الأمريكية وأنه سوف يشارك في كل جلسة يدعى إليها,سوف يجعلهم أحرارا في اتخاذ قراراتهم, لا يمكن لإنسان يرهن حريته بقوى تعادي شعوب المنطقة وحضارتها ودينها ودنياها أن يكون حرا في قراراته, ثم أن المال زينة الحياة الحالية يجعل البنون في المؤتمر الحالي مجرد أرقام صغيرة في معادلة كبيرة.
معروف أن هذا المؤتمر كان تأجل كثيرا وأكثر من مرة بسبب انعدام الاتفاق والخلافات المستعصية بين المعارضين وعدم اتفاقهم على تصور واحد حول نسب التمثيل في المؤتمر. لكنه انعقد اليوم بالذين حضروا ومنهم كذلك مجموعة السيد كنعان مكية العاملة بعقلية أمريكية. وقد كشف هؤلاء وعددهم 32 شخصا عراقيا (مستقلا !؟) أن هناك وثيقة لبناء عراق ديمقراطي أعدتها واشنطن, وأكدت السيدة رندا رحيم وهي من المجموعة المذكورة أن إعداد الوثيقة أستغرق شهرين.
مهما حاول المجتمعون في لندن التقليل من دور الإدارة الأمريكي في رسم سياسة المؤتمر المذكور والتدخل والتأثير في قراراته ألا أن الحقيقة تبقى واضحة ولا يمكنهم إخفائها مهما تحايلوا في كلامهم واستعمالهم للألفاظ,حتى الصحافة الغربية أجمعت على أنه مؤتمر عراقي بلسان أمريكي.
بالمناسبة فقد بدأ يوم أمس الجمعة الممثل الأمريكي شون بين زيارة إلى العاصمة العراقية بغداد تستمر ثلاثة أيام, سوف يتحقق خلالها بنفسه من الوضع ويمارس حقه كمواطن أمريكي في الاضطلاع على المعلومات بنفسه ومن مصادر الآخر وليس من مصادر الأعلام الأمريكي المنحاز للحرب ضد العراق. وقال شون بين"بصفتي أب وممثل ومخرج ووطني، فان زيارتي إلى العراق هي امتداد طبيعي لواجبي -أو على الأقل لمحاولتي- إيجاد طريقي الخاص في المسائل التي تتعلق بالضمير" و أضاف "آمل بان يعمل كل الأميركيين على الاستعلام من خارج القنوات التقليدية". وكان شون طالب الرئيس الأمريكي قبل حوالي الشهرين إعطاء المفتشين الدوليين عن السلاح في العراق الفرصة. كما كان المئات من الممثلين والمثقفين والفنانين الأمريكان نشروا قبل أسابيع قليلة بيانا رفضوا فيه الحرب الأمريكية في العراق ودعوا الشعب الأمريكي لمقاومة الحرب والقمع اللذين تطلقهما إدارة بوش في العالم.
كذلك قال السيد داليل العضو في حزب العمال الحاكم في بريطانيا أن الحرب الأمريكية البريطانية على العراق لا تحظى بنسبة تأييد عالية حتى في أوساط العسكرية لبريطانية. وحذر داليل وهو برلماني بريطاني معروف من خطورة التلاعب باتجاهات الرأي العام في كل من لندن وواشنطن عبر التركيز على موضوع انتهاكات حقوق الإنسان في العراق من اجل دفع الناس إلى تأييد هذه الحرب. وعن علاقة الحرب بالنفط ومصالح شركات أل بوش وجماعتهم قال السيد داليل أن وزير الدفاع الأمريكي الحالي السيد رامسفيلد كان قد زار العراق في بداية الثمانينات ولم يقم بتوجيه أي انتقاد أو تهديد حيال حقوق الإنسان في العراق.
أنها مصالح النفط التي تتحكم بالصراع على العراق ثاني أكبر احتياطي للبترول في العالم. والسيد داليل أضاف " أن المعارضة العراقية التي تقيم في لندن لا يمكن أن تأخذ مراكز القوة في العراق".
كل الناس من كل الأجناس يتفهمون معاناة الشعب العراقي الحالية ويعرفون أن الحرب الأمريكية البريطانية على العراق لن تحل تلك المشاكل بل ستزيدها تعقيدا وتفاقما,لذا تخرج التظاهرات بشكل شبه دائم ضد تلك الحرب وضد من يدعو لها أن كان عربيا أو أوروبيا. باستثناء هؤلاء الذين يريدون عراقا جديدا كيفما كان وبأي ثمن,لأنهم يفكرون بمصالحهم فقط ولا تهمهم البقية,وهم بهذا يعززون فرص الحكم العراقي في البقاء والاستمرار. الخلاص للعراق شعبا ووطنا وحكما ومعارضة يأتي بالوفاق الوطني والتغييرات الديمقراطية الحقيقة والابتعاد عن تدخلات الغرباء والأعداء في الوضع الوطني العراقي