أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - غائب طعمة فرمان مهندس الرواية البغدادية!















المزيد.....

غائب طعمة فرمان مهندس الرواية البغدادية!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4632 - 2014 / 11 / 13 - 21:01
المحور: الادب والفن
    




" يكاد يكون غائب طعمة " فرمان الكاتب العراقي
الوحيد الذي يركّب أشخاصه وأحداثه ورواياته
تركيباً حقيقياً".
جبرا ابراهيم جبرا

إذا كانت الرواية الروسية قد خرجت من معطف غوغول، فإن الرواية العراقية الحديثة قد خرجت من إحدى حارات بغداد ومحلاتها القديمة، وذلك عندما صدرت رواية "النخلة والجيران" لغائب طعمة فرمان في العام 1966، الذي يعتبر بحق رائد الرواية العراقية، وزادها انتشاراً وذيوعاً إقدام فرقة المسرح الفني الحديث على اعتمادها وإخراجها كمسرحية، الأمر الذي وسّع من نطاق الجمهور الذي تأثّر بها، لاسيّما بالعدد الكبير الذي شارك فيها من كبار الممثلين، إضافة إلى مخرجها قاسم محمد.
وقد عكست رواية "النخلة والجيران" الحياة البغدادية بكل تفاصيلها وتناقضاتها، قاعها وسقفها، لاسيّما خلال فترة الحرب العالمية الثانية، فقد أطلّ غائب طعمة فرمان من خلالها على هموم الناس ومعاناتهم والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى هواجسهم ومخاوفهم. وحسب زهير شليبه في كتابه عن غائب طعمة فرمان الصادر في العام 1996 وهو دراسة أكاديمية لنيل الدكتوراه، فإن النخلة والجيران هي "أول رواية عراقية فنية تتوافر فيها مقوّمات النوع الروائي بمواصفاته الأوروبية الحديثة".
نهل غائب طعمة فرمان من ثلاثة منابع أساسية، وذلك حين تحدث عن تجربته، ويمكن استخلاصها من: الأول- التراث العربي ولاسيّما الشعر، وهو ديوان العرب كما يقال، فقد قرأ عيون الشعر القديم والحديث وحاول أن يصبح شاعراً، لكن القصة والرواية استهوته، فترك ذلك، وكان قد تأثر بكتب النثر الشهيرة منها : أدب الكاتب والكامل والبيان والتبين وكتاب النوادر. الثاني- الأدب المعاصر والحديث من خلال الترجمات التي كانت تصل إلى العراق خلال فترة الحرب العالمية الثانية، سواء من مصر أو سوريا ولبنان، وقد قرأ الكثير من الأدب الفرنسي والإنكليزي والروسي. الثالث – الثقافة والحياة المصرية، حيث كان قد ذهب إلى مصر بعد إصابته بالتدرّن الرئوي لغرض العلاج، ولإكمال دراسته في كلية الآداب، وقد أتاح له ذلك وهو في بدايات تكوّنه وتبلور شخصيته الإبداعية، الاحتكاك واللقاء المباشر بجو القاهرة الثقافي المزدهر آنذاك، إضافة إلى تردّده على مجالس الأدباء المصريين الكبار مثل: سلامة موسى ونجيب محفوظ وغيرهما.
وإذا كانت هذه تشكّل المصادر الأولى لثقافته، فإن عمله في الصحافة الأدبية في منتصف الخمسينيات وعيشه في سوريا ولبنان والقاهرة وبكين وموسكو، واختلاطه بحياة أمم وشعوب صديقة وشقيقة، أكسبه أفقاً واسعاً وشذّب من جملته وأضفى عليها جمالية خاصة، لاسيّما، وقد امتاز أسلوبه بالواقعية النقدية.
وإذا كانت بغداد بأزقتها ونسائها وحاناتها وجوامعها وتجاذباتها السياسية والفكرية حاضرة في "النخلة والجيران" وفي رواياته الأخرى منذ مجموعته القصصية الأولى " حصاد الرحى" المنشورة في العام 1954، فإن رواية "المركب" وهي آخر رواية له، وصدرت في العام 1989، شكّلت خروجاً على هذا المألوف، حين تناولت "المنفى والحنين إلى الوطن"، لكنه استلهم ذلك بسرديته الذاتية، ومن استعادة مخزونه الكبير الذي يتمثّل في بغداد وحياتها وديناميكيتها، وتناقضاتها، وقد ظلّت بغداد القديمة المكان الأثير الذي ينهل منه حتى آخر قطرة من حياته، لاسيّما وقد عاش في الغربة نحو ثلاثة عقود من الزمان. وحاول في رواية "المرتجى والمؤجل" التي تناولت شؤون الاغتراب،الابتعاد قليلاً، لكن جذوره الأصلية ظلّت لصيقة بالمكان والزمان الذي عاش فيه، فغائب طعمه فرمان مثل نخلة عراقية باسقة ضربت جذورها عميقاً في الأرض العراقية، وقد لا تستطيع العيش في غير تربتها، فتراه دائم العودة والحضور لبغداده التي يستعيدها كسرديات لرواياته التي ظلّت تسبح في دجلة وتحلّق في سماء بغداد.
كان لإطلاع فرمان على الأدب العالمي وفيما بعد على الثقافة والأدب الروسي وامتلاكه ناصية اللغة الأجنبية للترجمة إلى العربية، أثر كبير في تقنياته الجديدة، ولاسيّما في روايته "خمسة أصوات" التي صدرت في العام 1967، ناهيكم عن تأثّره بالأسلوبية الحديثة، سواء من خلال قراءته وترجماته لدستوفسكي أو غوركي أو ليف تولستوي أو تورغنيف أو غوغول أو بوشكين أو شولوخوف أو الكسي تولستوي أو أتماتوف وغيرهم، وقد ترجم نحو 50 كتاباً من روائع الأدب الروسي حسب الناقد د. علي ابراهيم في أطروحته، المعنونة: الزمان والمكان في روايات غائب طعمة فرمان المنشورة في العام 2002، لكن عبدالله حبه في كلمته بمناسبة الذكرى الـ 20 لرحيله يقول أن عدد مؤلفاته المترجمة يتجاوز 84 كتاباً.
لعلّ هذا الاتساع والاطلاع هو ما أضفى على مخيلته السردية تنوّعاً وأفقاً وظّفه على نحو مثير، بعودته لأصوله الأولى وموطن الصبا والحارة البغدادية الأربعينية والخمسينية، ليستخرج لنا هذه الروائع البغدادية، ذات الأجواء العبقة، وحسب الروائي عبد الرحمن منيف، فإن من يريد أن يبحث في تاريخ العراق في تلك الفترة فعليه قراءة روايات فرمان، وكان مكسيم غوركي هو من قال: التاريخ لا يكتبه المؤرخون، بل الفنانون هم الذين يكتبون التاريخ الحقيقي للإنسان.
وإذا كانت رواية " جلال خالد" لمحمود أحمد السيد تعتبر الرواية الأولى (1928) وأعقبها روايات لعبد الملك نوري وذو نون أيوب وجعفر الخليلي وغيرهم، فإن رواية النخلة والجيران استكملت بنائها الفني وحبكتها الدرامية ولغتها السردية، بحيث يمكن اعتبارها الرواية التأسيسية الحقيقية للرواية العراقية الحديثة، وعلى هذا الرأي ربما يتفق الكثير من النقاد ومتذوقي أدب فرمان من المثقفين، خصوصاً وإن بغداد وحاراتها القديمة ومناطقها الفقيرة شكّلت الدلالة الرمزية المعبّرة، ببعدها الاجتماعي، والسسيوثقافي، من خلال سرديته النقدية تلك التي استخدمها ذاتياً من خلال رواية " خمسة أصوات" و"المخاض" و" ظلال تحت النافذة" وذلك بتقديم مشاهد سريعة وتركيزه أحياناً على شخصيات معينة، ثم تغيب ويعود إليها، ولا فرق لديه في الشخصيات الرئيسية أو الثانوية، حيث تتم عملية السرد ذاتياً أو من خلال الراوي.
عاش غائب طعمة فرمان في موسكو نحو 30 عاماً وتزوّج فيها وأنجب ولداً أسماه سمير، وارتبط بموسكو بوشائح كبيرة، ولعلّ حبّه لها واندماجه في حياتها وانخراطه في ترجمة أعمال أدبية لخيرة أدبائها وتقديمهم إلى القراء العرب عبر دار نشر سوفيتية كان قد وضعه ليس في خانة الأدباء المبدعين فحسب، بل في صف المترجمين المهمين على الصعيد العربي، الذين قدموا لنا روائع الأدب الروسي والسوفييتي في تلك الحقبة: قصة ورواية وشعراً.
كان غائب طعمة فرمان مثالاً للبساطة والشعبية والتواضع والصدق والتسامح، وقد تعرّف كاتب السطور عليه في العام 1973 في لندن التي كان يزورها للإشراف على جمعية الطلبة العراقيين ولحضور مهرجان توركي، حيث ترافقا ومعهما جلال الماشطة في السفر إلى توركي على الساحل البريطاني، وكان فرمان والماشطة قد قدما من موسكو، وكذلك قدِم من بغداد فخري كريم عن جريدة طريق الشعب، حيث كنّا بضيافة د. سعيد اسطيفان. وقد ذهب الكاتب مع فرمان لزيارة بعض المتاحف، وخصوصاً متحف مدام تيسو والمتحف البريطاني ومتحف التاريخ الطبيعي أو متحف آخر وتسكّع معه في الهايدبارك وبيكاديلي سكوير والطرف الأغر سكوير وغيرها واحتسى البيرة معه. وكان ذلك أول تعارف ولقاء مباشر معه، ثم التقى معه في دمشق وموسكو بعد ذلك.
إن روايات فرمان تعيد ذاكرتنا إلى الحياة البغدادية التي عرفناها في مقاهيها وحاناتها ومتناقضاتها وأمكنتها ذات الدلالة الرمزية .. كثير منّا يعرفون مقهى ياسين ومقهى بلقيس وبالطبع مقاهي البلدية وعارف آغا والزهاوي والشابندر والبرازيلية، كما يستدلّون على بار كاردينيا وحانة النصر وغيرها، تلك التي كانت تشكّل مرتعاً لحكايات فرمان.
ولد غائب طعمة فرمان في بغداد في حاراتها الشعبية العام 1927 وتوفي في موسكو في 18 آب (أغسطس) 1990، أي بعد نحو 9 سنوات من وفاة الروائي أبو كَاطع " شمران الياسري" وإذا كان أبو كَاطع روائي الريف بحق، كتب عنه ومنه وإليه ومن خلاله إلى العالم، فإن غائب طعمة فرمان هو روائي المدينة بامتياز، لاسيّما بغداد، وكان شاهداً على تحوّلات مفصلية حدثت فيها منذ الحرب العالمية الثانية وما أعقبها من تغييرات دراماتيكية لم يكن غائب طعمه فرمان، غائباً عنها، بل شكّلت الخزين الذين نسج منه حكاياته وقصصه ورواياته واستطاع من خلاله بناء شخصياته على نحو محكم ووثيق، مثلما حاول أبو كَاطع أن يستمد إلهامه من حياة الريف وتناقضاته وأوهامه، بفلاحيه وسراكيله وإقطاعيه، إضافة إلى حكايات عشق وتمّرد.
وكان الكاتب قد سأل أبو كَاطع عن غائب طعمة فرمان، فقال بعد أن استعدل في جلسته، كنت أسعى لبناء شخصياتي على نحو شديد التماسك مثلما كان فرمان يفعل، بل يعرف كل شخصية ماذا تريد، وكيف بدأت وإلى أين ستنتهي ويتعامل معها كلّها بحنو ورعاية. يقول أبو كَاطع: قرأت رواية النخلة والجيران أكثر من ثلاث مرّات، مثلما فعلت مع رواية خمسة أصوات، ولكنني في كل مرّة كنت أعود لأكتشف شيئاً جديداً في حبكته الدرامية وفي ملمح جديد لإحدى شخصياته غاب عني.
أما فرمان فقد قال عن أبو كَاطع: "إنه إنسان ثابت في أرضه، يعرف كل شبر منها، عاليها وسافلها ، حلوها ومرّها، مذاقها وثمارها وملوحة عرق الكدح فيها... لقد وجدت نفسي أمام وضع دقيق لجوانب حيّة وشخصيات سمعت بحّة صوتها في أذني. كنت أمام ما يشبه موسوعة الريف ولكن كاتبها أديب جعل كل شيء يدبّ حيّاً"
تتلخص أعماله القصصية والروائية بمجموعة مهمة هي: حصاد الرحى (مجموعة قصص) 1954 ومولود آخر 1959 (مجموعة قصص) وروايات هي النخلة والجيران 1966 وخمسة أصوات 1967 والمخاض 1973 والقربان 1975 وظلال على النافذة 1979 وآلام سيد معروف 1980 والمرتجى والمؤجل 1986 والمركب 1989.
أما أهم ترجماته فهي ترجمة أعمال تورغييف (خمسة مجلّدات) والقوزاق لتولستوي ومجموعة قصص لدستوفسكي ومجموعة قصص لغوركي والمعلم الأول لاتماتوف ومجموعة أعمال الشاعر بوشكين، ولاشين عملاق الثقافة الصينية وغيرها.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميناء العطر وثورة المظلات
- المسجد الأقصى.. وماذا بعد؟
- عودة لدور المجتمع المدني
- قضايا الشرق في بوزنان
- الفساد والعدالة الانتقالية واسترداد الأموال المنهوبة!
- تونس والطريق الوعر إلى الانتخابات
- «إسرائيل» النووية!
- محنة الرهائن والرسائل
- اسكتلندا.. ثقافة الاستقالة مرّة أخرى!
- كاتالونيا ما بعد اسكتلندا
- أوروبا والصراع الناعم: هوّيات واقتصاد!
- صناعة صورة “داعش”
- “داعش” والفصل السابع
- استحقاقات وتحديات أمام حكومة العبادي
- عن الدولة والتيار الديمقراطي في العراق
- حوارات ذاكرة عبد الحسين شعبان
- هل أصبحت المفاوضات عقيمة؟
- المجتمع المدني في رؤيته للدستور اليمني
- أمريكا ورحلة العنصرية المتأصلة
- السخرية والأسئلة الملغومة


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - غائب طعمة فرمان مهندس الرواية البغدادية!