|
الأصل الإنساني المَنْسِي بين طه عبد الرحمان و فريديريك نيتشه
خالد مخشان
الحوار المتمدن-العدد: 4630 - 2014 / 11 / 11 - 23:55
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يأتي الإنسان ويذهب وهو يسأل من أنا؟ يحاول إيجاد إجابة عن أصله ومنشأه ، عن قيم وأفكاره ومعتقداته التي تحكمه عن مصدرها ومرجعها. أسئلة من هذه القبيل عرفت إجابات كثيرة ومتنوعة اختلفت من حقبة لأخرى من مبحث لأخر (فلسفي،ديني...)، فكانت الفلسفة جزء لا يتجزأ من هذا البحث، ومبحث لا يمكن تجاوز إجابته على سؤال من قبيل الذي طرح، اختلفت النظريات الفلسفية على مر العصور في إجابتها على أصل الإنسان. باختلاف الفلاسفة وتياراتها، ومن هذه الإجابات نجد "نيتشه" كفيلسوف ألماني غربي و"طه عبد الرحمان" فيلسوف عربي إسلامي، قدموا الجواب عنه. فكان الخيط الناظم لتصورهم هو إن أصل الإنسان تم نسيانه مع مرور الزمن. رغم أن هناك اختلاف صارخ في التصور للأصل يصل لحد التناقض، فالأول يرى أن أصله مادي محض بينما يرى الأخر انه عكس ذلك فهو ميتافيزيقي إلهي، لكن رغم ذلك حاولنا أن نجمع في هذا العمل هاذين التصورين للإجابة عن السؤال السابق، إذ أن هناك خيط ناظم بين التصورين وهو أن الإنسان مع مرور الزمان قد نسي أصله وحقيقته فما كان وهما أصبح حقيقة وما كان حقيقة أصبح وهما في تصورهما. فريديريك نيتشه لا يوجد الإنسان إلا ليتم تجاوزه، هو الأساس الذي يقوم عليه تصور نيتشه للإنسان، إن أهم مميزات أعمال نيتشه الفلسفية هو رفضه التعاطي مع الإنسان على أساس تلك القيم التقليدية لان الإنسان يجب إن يتجاوز الإنسان صاحب الصفات الأخلاقية القديمة. فأكثر الصفات التي تميز الإنسان في التصور النيتشوي هو نسيانه لحقيقته التي تطورت منذ "ملايين السنين" وتوقفت مع ظهور الإنسان الأخلاقي بمفهومه الحالي. فهو منذ قرون طويلة أسير قيم حكمته الطاغية التي خلقها بنفسه، فهو يرى انه حان الوقت لكي يلعب دوره الطبيعي في قيادة نفسه، وابتكار القيم التي تكون أكثر قربا منه واستجابة لإرادته التي لا توجد إرادة غيرها، هي إرادة القوة، إرادته في الرقي إلى أقصى وابعد ما يمكن. لقد رفض نيتشه كل القيم الأخلاقية السائدة في عصره (فلسفة كانط، الديانة المسيحية ...) وقام بانتقاد الإنسان الذي نسي أصله وقدره مع مرور الوقت، لذا فهو يرى انه عليه أن يسموا بنفسه انطلاقا من إرادة القوة. فالأخلاق في تصوره هي (الحساسية المرضية للمنحط مع النية الحقيقية للانتقام من الحياة...)1 فالفلاسفة والحكماء يخلقون المعرفة ويصبحون عبيدا لها مثل الأخلاق،يقول نيتشه حول التصور السقراطي للفضيلة (عقل = فضيلة = سعادة، اغرب المعادلات الممكنة والتي ترفضها على الخصوص كل غرائز الإغريق القدامى )2 فالفلاسفة حولوا العامة إلى نهر تسبح فيه تلك القيم التي تغدوا أصناما، فقيم الحكماء خطر على العامة لما تحمله من خنوع، لذا على الفلاسفة والحكماء التراجع قليلا حتى يفسحوا المجال للحياة التي لا تكون إلا بالهدم لكل القيم التي تم صنعها ونسيانها بعد ذلك، حتى أصبحت حقيقة مطلقة لا يمكن تجاوزها . وأول من بدأ معه الانحطاط هو أفلاطون الذي كان أول من قلب القيم والحقائق فجعل الوهم حقيقة, (...إن الدليل القاطع على إن القس "بما في ذالك القساوسة المقنعين اي الفلاسفة" قد غدا سيدا لا داخل حدود طائفة دينية محددة فحسب بل على العالم بصفة عامة، وان أخلاق الانحطاط وإرادة النهاية قد غدت أخلاق في حد ذاتها...) 3 لهذا قام بإعلان الحرب على ما يسميه تاريخ الأوهام/ بوصفها سببا رئيسيا للتخلف وشقاء للبشر، وذاك من اجل تحرير الفرد من الديانة المسيحية والفلسفات الميتافيزيقية. (بدين الشفقة يدعون المسيحية)4 لأنها تدعوا إلى قيم تشكل في نظره خطر على الإنسان مثل قيم التآزر ، فما دامت مثل هذه القيم موجودة وتلقن الإنسان من طرف الراهب فلا يمكن معرفة وتذكر الحقيقة الإنسانية الأصلية المنسية على مر العصور, (فحينما يصل تأثير أولائك ألاهوتيين فإن حكم القوة يصبح مقلوبا، ومفاهيم (الحقيقي) و(الزائف) تغدو حتما واقفة على رأسها)5 إن رغبة الإنسان في إن يعيش مع الآخرين داخل المجتمع تدفعه إلى مسالمة الغير، ويصاحب حالة المسالمة هذه ما يشبه الخطوة الأولى نحو اكتساب غريزة الحقيقة الغامضة، أي إن استتباب السلم يتم معه تثبيت وإقرار ما ينبغي أن يكون "حقيقة" إن الإنسان لا يبتغي الحقيقة سوى في معناها الضيق، أي تلك التي تحفظ الحياة، أما المعرفة الخالصة وغير المثمرة فهو لا يكترث بها، بل انه مستعد لمعاداة الحقائق المؤدية والهدامة... إن الحقائق هي أوهام نسينا أنها كذلك، واستعارات فقدت من فرط الاستعمال قوتها فالإنسان مع مرور الزمن حسب نيتشه أنشئ منظومة قيمية لكي يحافظ بها على حياته لكنه نسي انه هو من أنشأها وردها إلى قوى خارجية متعالية، وأصبحت بالنسبة له بعد ذلك هي المطلق لا يمكن تجاوزها بعد أن كانت شيء نسبي من صنعه هو وحده. فهو برى أن مشروعه هو إنقاذ الإنسان من التحطيم الذاتي والتدمير الذي تعرض له عن طريق تلقينه القيم التي تدعوا للانحطاط. وهذا الإنقاذ سيؤدي إلى ما يسميه ظهور "الإنسان الأعلى" الذي يمكن أن يوجد في أي مكان إذا ما توفرت الظروف له وعناصر النجاح، وعناصر النجاح هي تواري الأوهام أمام إرادة القوة. -;---;-- إرادة القوة إن القوة حسب نيتشه كامنة في الإنسان ومتجذرة فيه إنها ما يحرك البشر والتاريخ، فالتاريخ لا يتحرك إلا بها، لا ينبغي فهم إرادة القوة بمعناها الحرفي للكلمة أي القوة الفيزيقية التي تقهر ما عداها، بل إنها إرادة قبل كل شيء، وهي إرادة غير محدودة الطموح، و بها يكون الإنسان حيا وراغبا في كل ما يرغب، ولا يمكن تصور الإنسان بدونها. وهي لا تتعلق بالقوي فزيائيا، بل تتعلق بكل الناس كيف ما كان وضعهم فالعبد على سبيل المثال عندما يقوم باستعطاف سيده فانه بذلك يمارس إرادة قوته في قلب الموازين لصالحه، وكلمات الحب والرحمة وما يشبهها تكمن فيها قوة ورغبة قاتلة للتحكم والسيطرة والغلبة، ينتج عن هذا أن الأخلاق والقيم هي من صنع الإنسان، أو بالأحرى من نتاج صراعات وإرادة القوة لا تنقضي. -;---;-- الإنسان الأعلى يقول نيتشه: (إنني أعلمكم الإنسان الأعلى، الإنسان شيء لابد من تجاوزه فما الذي فعلتم حتى تتجاوزوه؟ كل الكائنات ظلت حتى الساعة تبدع أشياء فوق منزلتها وانتم... تفضلون العودة إلى منزلة الحيوان على مجاوزة الإنسان؟ فما القرد بالنسبة للإنسان؟ أضحوكة أو موضوع خجل أليم، لقد سلكتم الطريق الطويل من الدودة إلى الإنسان لكنكم ما زلتم تحملون الكثير من الدودة في داخلكم كنتم قردة ذات يوم، والى ألان ما يزال الإنسان أكثر قردية من أي قرد). 6 فالإنسان الأعلى هو الإنسان الذي يجب أن يستعيد حريته اتجاه أخلاق الندم، وعليه أن ينتصب ضد قيم الخنوع والهزيمة التي يروج لها مبدعو وموزعو الفضائل من الفلاسفة. فالبشرية لا تمثل تطور نحو الأفضل أو نحو الأكثر قوة أو نحو الأرفع، بالطريقة التي نعتقد اليوم.( ولعل فكرة الترقي حديثة بمعنى فكرة خاطئة. الأوربي صار اليوم أدنى من أوربي عصر النهضة، التوسع المتتالي لا يعني إطلاقا، ولا بأي ضرورة تساميا وتناميا واقتدارا).7 -;---;-- العَود الأبدي بإرادة القوة وتحقيق الإنسان الأعلى سيتم تحقيق العَود الأبدي حسب نيتشه، أي عودة الإنسان إلى أصله المنسي الذي نسيه مع مرور الزمن، بفعل تحكم قيم الأخلاق والفضيلة التي تم صناعتها لغاية محددة وهي حفظ السلام والأمن للإنسان، لكنه في النهاية محكوم عليه بأن يقوم بتجاوز ذاته، ونبذ كل قيم العبيد لتحقيق قيم السادة. طه عبد الرحمان يعتبر طه عبد الرحمان انه لا وجود لكائن انسي من الإنسان في هذا الوجود، فهو يعرفه على انه (الموجود الذي ينسى انه ينسى)8 فهو ينسى انه لا يملك من أمره شيئا لا خلقا ولا رزقا، ينسى انه كان في ظلمات العدم وانتهاء بظلمات الحس، فالنسيان حسبه هو أول بلاء ابتلى به الإنسان 9 فعكس الإنسان الأمور فما كان أسفل الرتب من الموجودات صار يراه في أعلاه وما كان أعلاه صار أسفله، فاضحي يقلب الحق باطلا والباطل حقا ويقلب الخير شرا والشر خيرا من قوة نسيانه، فتحول بذلك من إنسان عمودي يذكر ما يبصره وتراه بصيرته إلى إنسان أفقي لا يذكر إلا ما يبصره. والنسيان الأكبر الذي أصاب الإنسان أن نسيانه أن التدبير والعبادة يأتلفان في حياة الإنسان ائتلافا حقا، فإذا دبر كان عابدا وإذا عبد كان مدبرا، فالإنسان مزدوج في أفعاله وتصرفاته، ولا يمكن الفصل بين الاثنين (التدبير والعبادة) بل هما أصلان في الإنسان موجودان في فطرته التي فطر عليها من طرف الله عز وجل, فالإنسان نسي أصله الحق وهو انه إنسان عمودي وليس أفقي، يجمع بين ما هو ديني وسياسي في تركيبته الأصلية. -;---;-- ازدواجية الوجود الإنساني ترى جل التيارات الفلسفية والسياسية الغربية المعاصرة حسب طه عبد الرحمان أن الإنسان "موجود في هذا العالم" أي انه ذي وجود أحادي في هذا العالم، فهنا ينجلي النسيان العلماني لوجود الإنسان الغير المرئي، فما لا يراه الإنسان من وجود يضاهي ما يراه منه، بل يجاوزه قدرا ومقدارا، فما يرى عبارة عن "شهادة" وما لا يراه عبارة عن "غيب" فقد تبين حسب طه عبد الرحمان أن الإنسان (محاط بالغيب إحاطة الشهادة به، بل إن إحاطته به فوق إحاطتها)10 لقد قام الإنسان في الفترة الحديثة بالفصل بين العلمين (الغيبي والمرئي)، لكنهم لم ينسوا كمالاته فقاموا بنقلها إلى العالم المرئي، ومن هذه الكمالات هو (الجلالة) التي أطلقوا عليها اسم (السيادة) فقد نسبوها إلى المؤسسات والشعوب والإفراد، جاعلين من الإنسان صاحب قدرة على بسط سلطانه على العالم المرئي بسط الإله سلطانه على العالم الغيبي فتحول التسيد إلى "تسلط متأله" إن الإنسان لا يمكنه أن يحي في عالم واحد فالإنسان تتحدد طبيعته بالممارسة التعبدية (الدين) وبالممارسة التدبيرية (السياسة) فالأول يتواجد فيه الإنسان بروحه فقط بينما الثاني يتواجد فيه بروحه وجسمه معا ولا يمكن فصلهما عن بعضهما فمن يروم ترجيح احدهما على الأخر سيجد نفسه واقعا في العالم الذي أراد الابتعاد عنه ، فالمستغني عن العالم المرئي يجد نفسه واقعا في التغييب، كما أن من يسعى إلى الاستغناء عن العالم الغيبي يجد نفسه منزلا به إلى رتبة العالم المرئي. لقد أكد طه عبد الرحمان أن ازدواجية الإنسان اضطرارا لا اختيارا فهو ينوجد في العالم المرئي كما يتواجد في العالم الغيبي، لكن مقادير هذا الازدواج تختلف باختلاف الأفراد والمجالات فقد يصل لدرجة الاندماج بين العالمين كأنه عالم واحد آو يخف حتى كأنه لا صلة بينهما أو قد يتساوى العالمين. -;---;-- مبدأ الفطرة لقد خلق الإنسان أول ما خلق على هيئة تحفظ سابق صلاته بالعالم الغيبي بحيث تحمل روحه قوة خاصة أشبه بذاكرة سابقة على ذاكرته التي يملكها في العالم المرئي وهذه القوة الروحية التي تحفظ ذكريات عالم الغيب، أو قل (هذه الذاكرة "الغيبية" أو "الأصلية" اختصت في الإسلام بمصطلح "الفطرة")11 فرغم نسيان الإنسان لأصله فهو لا يزال يحتفظ به في ذاكرته الأصلية (الفطرة)، والدين حسب طه عبد الرحمان هو الطريق والسبيل الوحيد المؤدي إلى استرجاع تلك الذاكرة الغيبية، "فالدين سلوك فطري غير كسبي" -;---;-- تضيق الوجود الإنساني ترى النظرية العلمانية وجوب التفريق بين العالمين (المرئي والغيبي)، رغم أنها أيضا تتضمن مراتب اخف أشكالها (الأمريكية) وأشدها (الفرنسية) التي تبلغ حد إنكار العالم الغير المرئي ونسيانه، والتشديد على العالم المرئي (الشهادة) فقط وقد وضعت هذه النظريات قوانين وضعية محاولة بها تجاوز ونفي القوانين السماوية فقد كان منطلقها عندما جعل كانط من القانون الأخلاقي قانونا لا يتلقاه المرء من خارجه، تابعا فيه لغيره، وإنما يتولى وضعه بنفسه، فصار مقتضى العمل بهذا التعارض بين (قانون الذات) وقانون (الغير) مقتضى من مقتضيات الحداثة السياسية فأضحى الديني يعرفه بكونه تشريعا خارجيا عن الإنسان ومن فوقه، بينما يعرف السياسي على انه من داخل الإنسان ومن لدنه. لقد انبت هذه الدعوة ذات الافتراضات الباطلة حسب طه عبد الرحمان، والتي ترى أن قدرة التدبير لا تتجلى إلا في القدرة على وضع القوانين، وأن إرادة الله تتعارض مع إرادة الإنسان، فهذه الافتراضات أدت إلى قصر وجود الإنسان على عوالم وهمية غير حقيقية إما بقطع الصلة بين العالم المرئي والغيبي أو بقلب مقاصدهما، كما تضمنت دعوات "فاسدة" منها أن العمل السياسي لا يتدخل في الشأن الخاص، وان العمل الديني لا يتدخل في الشأن العام، إذ لا تعدد فيه، هذه التقديرات قد أدت إلى إضعاف إنوجاد الإنسان بالعالم المرئي وبقطع أسباب تواجده بالعالم الغيبي بحصر إيمانه في داخله ليضطر بعد ذلك إلى أن (أنظمة الحكم القائمة بما وضعت من أديان مدنية وسياسية تنزل إلى حضيض الوجود النفسي، بدلا من دينه المنزل الذي كان يرتقي به إلى ذروة الوجود الروحي)12 إن هذا الفصل أدى بالإنسان إلى التسيد، والهيمنة على تدبير الشؤون والعلاقات الإنسانية، واتحد أشكال مختلفة تمارس التغييب "وتتعبد للطاغوت" فأصل هذا التسيد الطاغوتي هو تسيد الفرد الذي حقيقته أنه تعبد للذات، فالخروج من هذا الأمر لا ينفع معه سوى طريقة العمل التزكوي الروحي إذ بفضلها يتحقق الفرد بالوصفين الفاصلين، التعبد الله والتشهيد، ومتى تحقق هذا صار قادرا على مقاومة التسيد في محيطه، لا بالسلطان ولا بالبرهان وإنما بالوجدان. لقد حفظت الذاكرة الغيبية للإنسان حدثا فاصلا في قدر الإنسان جعل هذا القدر يستقل عن قدر الكائنات الأخرى كلها وهذا الحدث الفاصل ما هو إلا (العرض الغيبي العظيم الذي إبتلى به الحق سبحانه وتعالى مخلوقاته كلها إذ عرض عليها حمل الأمانة فأبت هذه الكائنات حيها وجامدها حملها إشفاقا منها في حين اختار الإنسان حملها غير مقدر لثقلها ولا متصور لتبعاتها)13 إن تمتع الإنسان بحرية الاختيار منذ وجوده في عالم الغيب يجعله يرجع العمل التعبدي والعمل التدبيري في العالم المرئي إلى أصل واحد هو الائتمان الإلهي)14 فالفلسفة الائتمانية15 التي صاغها طه عبد الرحمان يرى أنها من السبل للعودة إلى أصلنا المنسي، لكونها تفترض التقابل بين أصلين هما "التعبد" و "التدبير" فهي لا تضعهما في رتبة التضاد بل تنقلهما إلى رتبة "التداخل" أو "التماثل" وتقول بوجود أصل واحد هو "الأمانة" والشرط الذي تنبني عليه الأمانة هو "مبدأ الاختبار" فلا ائتمان دون اختيار ولا اختيار دون حرية، فالإنسان محكوم أن يكون حرا كما كان عليه في الماضي الغيبي عندما اختار تحمل الأمانة دون سائر المخلوقات الأخرى، فالائتمانية تبني فلسفتها على مبدأ الاختيار (إذ تعتبر أن القانون الإلهي يكون محل اختيار الإنسان كما يكون القانون الإنساني محل اختيار سواء بسواء) 16 ختاما يمكننا ملاحظة أن هناك اختلافا كبير بين التصورين للأصل الإنساني يصل لحد التناقض فلا رابط بينهم من حيث أصل الإنسان ولا غايته في هذه الحياة، وذلك راجع لمرجعية وأيديولوجية الفيلسوفين. كما ان هناك اختلاف في الزمان (100 سنة تقريبا من الفرق بينهما) والظروف الثقافية والسياسية... لكن يمكن أن نجد الخيط الناظم بينهما وهو أن هناك أصل إنساني تم نسيانه مع مرور والوقت ويجب أن يتم تذكره والعودة إليه, ما يمكن ملاحظته في تصورهم هذا أنهم فارقوا الواقع وأصبحوا مرتهنين بماض بعيد يحاولان أن يعيدانه وان يجسدانه في على ارض الواقع، كبديل عن المشاريع الفلسفية والفكرية الموجودة، فنيتشه بتصوره هذا أسس لفلسفة ما بعد الحداثة التي ثارت على كل التقاليد الفلسفية في القرن الماضي، وبنت تصورات فلسفية خاصة للإنسان والوجود، لكن مع طه عبد الرحمان من الصعب أن نحدد المدى الذي سيصل إليه تصوره هذا بحكم انه لا يزال جديدا في الساحة الفلسفية والفكرية العربية والإسلامية بالخصوص. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فريديريك نيتشه: هذا هو الإنسان، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل، بدون تاريخ. ص 16 2 فريديريك نيتشه: أفول الأصنام: ترجمة، حسان بورقية و محمد الناجي، أفريقيا الشرق المغرب، الطبعة الثانية 2008 ص 18 3 فريديريك نيتشه: هذا هو الإنسان، المرجع السابق ص 107 4 فريديريك نيتشه: عدو المسيح، ترجمة جورج ميخائيل ديب، دار الحوار الطبعة الثانية. ص 30 5 فريديريك نيتشه: عدو المسيح، المرجع السابق. ص 37 6 فريديريك نيتشه: هكذا تكلم زرادشت، ترجمة فليكس فارس، مطبعة جريدة البصير الإسكندرية 1938، ص 40 ـ 43 على التوالي. 7 فريديريك نيتشه: عدو المسيح، المرجع السابق ص 30 8 طه عبد الرحمان: بؤس الدهرانية النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى ببيروت 2014 ص 13 9 سورة طه الآية 15 10 طه عبد الرحمان: روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الثانية 2012، ص 24 11 طه عبد الرحمان: روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المرجع السابق ص 52 12 طه عبد الرحمان: روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المرجع السابق، ص 238 13 طه عبد الرحمان: روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، ص 449 14 طه عبد الرحمان: روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المرجع السابق ص 449 15 لمعرفة المزيد عن الفلسفة الائتمانية ،أنظر مقالنا في موضوع: المبادئ العقلية الأولى للفلسفة الائتمانية عند طه عبد الرحمان، على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=439399 16 طه عبد الرحمان: روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المرجع السابق، ص 455
#خالد_مخشان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المبادئ العقلية الأولى للفلسفة الائتمانية عند طه عبد الرحمان
-
صناعة الثقافة وتنميط الوعي الفردي
-
النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: نشأتها، أسسها الجوهرية، وم
...
-
النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: نشأتها، وأسسها الجوهرية وم
...
-
الفضاء العمومي عند هابرماس
-
أيديولوجية التقنية والعلم في المجتمعات الغربية
-
العقل المستقيل وإشكالية التغيير
-
الرئيس -المقعد- والعقلية الاقصائية العربية
المزيد.....
-
بيسكوف يؤكد عدم وجود أساس للتفاوض مع أوكرانيا.. ويعبر عن الا
...
-
الفصائل المسلحة السورية تتقدم وتقترب من حماة واشتباكات عنيفة
...
-
ناصر: رحلة الأمل من غزة إلى حياة جديدة في بورتلاند
-
كأس ألمانيا ـ ليفركوزن يقصي بايرن عقب واقعة طرد تاريخية!
-
بمشاركة RT.. العاصمة الليبية تستضيف -أيام طرابلس الإعلامية 2
...
-
ماكرون يرد من السعودية على دعوات استقالته ومغادرة قصر الإلي
...
-
بيدرسن يدعو إلى نزع فتيل التصعيد في سوريا ويؤكد عدم وجود حل
...
-
المجموعة العربية بمجلس الأمن تدعو إلى حل الأزمة في سوريا بقي
...
-
كييف تكثف مساعيها للانضمام إلى الناتو قبل تولي ترامب السلطة
...
-
شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على بيت لاهيا
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|