|
صناعة الثقافة وتنميط الوعي الفردي
خالد مخشان
الحوار المتمدن-العدد: 4541 - 2014 / 8 / 12 - 20:06
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الكثير من التيارات الفلسفية والفكرية في الفلسفة المعاصرة اتخذت نقذ الثقافة مدخلا لمشروعها المجتمعي الذي يرنو إلى ارساء مجتمع حداثي متوازن في أفكاره ويتماشى مع طبيعته " الإنسانية"، مجتمع حر له استقلاليته في اتخاذ قراراته وتحديد نمط عيشه ، كما أنه يقبل بالاختلاف الثقافي والأيديولوجي ينبذ كل أشكال الوثوقيات والدوغمائيات، مجتمع له خصوصياته ويحترم خصوصية الآخر، نقد من هذا القبيل لم يكن وليد الصدفة بل جاء كاستجابة لمجموعة من الإشكالات التي تعرض و يتعرض لها المجتمع الحديث خاصة بعد تزايد النزعة التقنية. ففي مجتمعات تعطي القيمة القصوى للآلة الصناعية وتضفي عليها نوع من "القداسة" لدرجة أصبحت هي المتحكمة فيهم وفي سلوكاتهم وأفكارهم، أصبحت معها الثقافة أيضا خاضعة لها وأصبحت هي الأخرى تصنع وتقدم لأفراد المجتمع كقوالب جاهزة من طرف مصنعيها. مفهوم الثقافة: يعد مفهوم الثقافة من المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع والأنتروبولوجية الثقافية، ويحيل هذا المفهوم على اشكالات متعددة خاصة فيما يتعلق بالتمييز بينها وبين الطبيعة، لأن الإنسان كائن بيولوجي وإجتماعي في الأن ذاته،فالتفريق بين المصطلحين واقعيا أمر صعب لذالك اقترح الأنتروبولوجي "كلود ليفي ستراوس" معيارين من أجل التفريق بينهما وهما معيار القاعدة الذي يحيل على الثقافة وهو يضم خاصيتين رئيسيتين وهما النسبية والخصوصية، ومعيار الكونية والشمولية والذي يحيل على الطبيعة، كما أن اعطاء تعريف جامع ومانع لمفهوم الثقافة يعد أكثر صعوبة من التمييز بين حالة الطبيعة وحالة الثقافة، لكن رغم هذا سنقدم تعريفين من بين عشرات التعاريف الموجودة "وهي تعني مجموع الأنشطة الفكرية التي ينتجها الإنسان في مجتمع معين (فن، تقنية، لغة، مؤسسات، عادات... "، ويعرفها أيضا "تايلور" بأنها "ذالك الكل المركب الذي يشمل على المعارف والفنون والمعتقدات والقوانيين والأخلاق والتقاليد والعادات التي اكتسبها الإنسان بوصفه عضوا فيه". صناعة الثقافة عند الجيل الأول لمدرسة فرانكفورت(1): اذا كانت الثقافة تحيل إلى المعتقادت والقوانيين والأخلاق ... فهذا أمر يُظهر أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتاريخ الإنساني، وأنها أمر موغل في القدم اكتسبها الإنسان مع مرور الوقت وتوافق حولها المجتمع وأصبحت جزء لا يتجزأ من حياته وهويته، أما الصناعة فتحيل وتشير الى تحويل الانسان لمعطيات طبيعية الى منتجات ثقافية، تصبح جزءا من كيانه وهويته الثقافية، لكن أن تتحول الثقافة إلى أمر مصنوع، لم يظهر جليا وللعيان إلا في أوائل القرن العشرين مع التطور الصناعي في الغرب وتحول المجتمع إلى مجتمع استهلاكي ، همه الوحيد تحقيق رغباته واشباع نوازعه، وقد وعت عدة تيارات فلسفية غربية بالخصوص لهذا الأمر الذي أصبح خطرا على المجتمع ويهدد تماسكه ووحدته، ومن بين أكثر تلك التيارات نجد مدرسة فرانكفورت وبالخصوص الجيل الأول منها. لقد تركزت جهود منظري مدرسة فرانكفورت في نقد الثقافة السائدة، بكل عناصرها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفنية والأدبية، وقد قصروا مهمة الفلسفة أو وضيفتها الاجتماعية، على الإنسان وتمكينه من مقاومة الواقع السائد وعدم الاستسلام لقيمه التي تصور له "النظم" على أنها أبدية راسخة وعلى تشخيص مرض العصر وعلاجه، لم يكن هذا المرض المستشري في النظامين الشموليين - الرأسمالية والشيوعية "سابقا" - غير التسلطية التي تبرر نفسها تبريرا عقلانيا "فكريا وفلسفيا وعلميا"، وتحتوي وعي الفرد والجماعة وطاقاتهما لتسويغ أوضاعها التي تجرد الإنسان من الوجود الحر المستقل، والحياة المباشرة الحميمية المبدعة(2). فمنظري فرانكفورت في عملية نقدهم للمجتمع الحديث وللعقلانية التي أسسته يتفقون كلهم على أن أزمة العقل تتجلى بشكل واضح في أزمة الفرد، فمشكلة الزمن الحديث هي المحافظة على الذات في الوقت الذي لم تبق هناك ذات للمحافظة عليها، فالفكر الذي أنتجه مفكرو هذه النظرية تَعبُره أزمة الفرد من كل الجوانب، وبكل مايستتبع ذالك من قيم ثقافية جديدة أفرزتها الحداثة وخطابها الليبرالي(3). لقد اهتم رواد مدرسة فرانكفورت منذ تأسيس معهد البحث الاجتماعي بالعائلة وسلطة الأب وموقع الفرد في المجتمع الحديث، فقد لاحظوا تراجع دور الأب وتفكك الأسرة، ومن نتائج هذا التفكك انهيار مؤسسة الأسرة نفسها، التي وإن كانت تقمع الفرد فإنها مع ذالك كانت تحافظ عليه، وتكرس أهم ما كان يوفر شروط "التشخص" لأن الفرد عند أصحاب النظرية النقدية لا يقصدون به وجود عنصر بشري في مكان وزمان معين بل " إنه الوعي بخصوصية فردانية باعتباره كائنا بشريا ومتعرفا على هويته الخاصة". فالفرد المنعزل بشكل عام هو وهم، لأن القيم الشخصية الأكثر اعتبارا مثل الاستقلال وإرادة الفعل الحر والعدل... كلها فضائل اجتماعية وفردية في نفس الوقت، لذالك "فالفرد التام التطور هو التجسيد المكتمل للمجتمع التام التطور"(4). إن أبرز مثال على غياب العقل وانسحاب الفرد وتلازم السلطة والمعرفة يتجلى بما يسمى ب "ثقافة الجماهير". فقد تدنت الثقافة الرفيعة إلى ثقافة جماهيرية، لاسيما بعد أن بات خبراء التقنية يحلون كل المشاكل، فحتى موسيقى الروح المروجة إعلاميا هي موسيقى تجارية و"كل عقلانية النظام القائم ترتكز على القيمة التبادلية" هذه القيمة التبادلية مسحت القيم الكبرى المحملة بالتسامي، وبزوالها زال المثال الأعلى، وهذا الزوال هو الملمح الأبرز لانحطاط الثقافة(5). فتحليل آليات هذه الثقافة يفضي إلى الملاحظة بأن كل شيء قابل للتلاعب به وتوجيهه حسب مخططات "فرق الإنتاج" التي تجعل من رغبات الناس مادة أولية في يد رجال الإشهار، فالحياة الجنسية - مثلا- والتي تبدو متحررة ظاهريا، هي في واقع الأمر منظمة من طرف المصالح الكبرى ومستغلة وموزعة في سوق التبادل العام، " وهذا التنظيم للجنس في المجتمع الصناعي المتقدم يحول الآلة الوجودية للجنس ويغير المعنى الإنساني للرغبة الشبقية، ففي الوقت الذي يرفع فيه الطابع الجنسي وتقصى الموانع التي تحول دون تحقيق الرغبة فإن الحب يفقد أساسه الحقيقي"(6). فصناعة الثقافة وإنتاجها الزائف باتت تشكل خطر كبير على محتويات النتاج الفني وتؤدي إلى الانحلال والذوبان داخل العملية الطاغية الاستهلاك مما أدى إلى غياب الفن بمعنى تأديته لوظيفته الحقيقية في النقد والتحليل والتثوير(7). وبذالك غدت الثقافة أيضا يومية واستهلاكية وأحادية البعد، هو البعد المباشر والعيني، وكفت عن ان تكون ثقافة جذرية وتحويلية، (وغدا الجنس مكملا لاستيعاب الطاقة الدينامية للغة والثقافة بتجسيده لميكانيكية وآلية التكامل القمعي)(8). فرواد المدرسة يرون أن المجتمع الصناعي لم تعد تمزقه تناقضاته الاقتصادية والبنيوية، بل أصحبت المسألة الرئيسة هي دمج الأفراد بالمجتمع دمجا ناجحا، "فماركيوز" في كتابه "الإنسان ذو البعد الواحد" يتحدث عن كيفية صناعة الثقافة "للحاجات الزائفة" وهنا يجب التميز بين حاجات حقيقية وحاجات زائفة، فالحاجات الزائفة هي الحاجات التي تفرضها مصالح اجتماعية معينة لتبرير العدوان والظلم، وهي تحقيق الشعور بالسعادة لكنه شعور زائف كونه يمنع الفرد من إدراك الشقاء العام، وبعبارة أخرى "تجعله يرى الرفاه في الشقاء"(9). فحسب "ادورنو" فالنظام الرأسمالي مازال يولد شعورا بعدم الأمان الاقتصادي، فمن اجل أن يخلق شعورا بالأمان فإنه يهيأ الثقافة لإنتاج "شعور فعال رغم زيفه". ويتم خلق الشعور الزائف عن طريق: ـ توحيد الصفات القياسية لمنتجات الثقافة، حيث تحاول وسائل الثقافة الشعبية - التمثيليات التلفزيونية العاطفية، وأغاني الشباب المتداولة والنشاطات الرياضية- جميعها كل بطريقتها الخاصة التركيز على الاطمئنان والسكون، وفي الوقت ذاته تبدوا على هذه المنتجات المتشابهة "النمطية" مسحة فردية زائفة، بحيث تترك انطباعا بحرية الاختيار وبأنها تعبر عن معاني فردية وعلى هذا الشكل يمكننا أن نتجادل عن أي الأغاني الشعبية هي الأفضل أو عن أحسن فريق كرة قدم، أي أننا نتجادل ونختلف على فروقات واختلافات مصطنعة، دون أن نعلم أننا نكتسب إحساسا زائفا بالأمان بفعل التشابه الكامل بين هذه الأشياء.
الاستلاب والهيمنة: صناعة الثقافة كما رأينا أنفا لها مجموعة من التبعات فهي ظاهرة ليست مستقلة ومنعزلة بذاتها بل لها ارتباط وثيق بظواهر عديدة، ومن بين الإشكالات التي تخلفها على متلقي الثقافة المصنوعة هي الاستلاب والهيمنة. يعتبر مفهوم الاستلاب من المفاهيم التي يتفق رواد فرانكفورت حولها، وأفضل معنى للهيمنة هو المعنى الدارج: فلو أن أحدا هيمن علي فإنه قادر بشكل ما على جعلي أعمل ما يرغب هو أن أعمله، وما يهم منظري فرانكفورت هو الكشف عن الطريقة التي يهيمن بها النظام على الأفراد. فرغم أن الهيمنة تدخل في صناعة الثقافة إلا أنها تتطلب أيضا سمات شخصية معينة لا تكتفي بالاستجابة للهيمنة بل تبحث عنها، ويستخدم "ماركيوز" في هذا المستوى بعض أفكار "فرويد" لتطوير نظرية حول الحياة الجنسية للمجتمع الحديث ويتعلق الأمر هنا بأبرز أفكاره الأساسية المتعلقة بدرجة القمع "الكبت". ويذهب منظرو مدرسة فرانكفورت إلى أن التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج لم يعد تناقضا قائما، فقد أضحت القوى المنتجة تنتج في الوقت الحالي مقدارا من الثروة يبلغ من ضخامته الكثير، وأخذت قوى الإنتاج "العمال" تدعم الملكية الخاصة بدلا من الدخول في صراع معها، وقد كانت الثروة تستخدم لصنع بضاعة عديمة النفع ولخلق حاجات زائفة، وأدى نمو الاحتكارات وزيادة تدخل الدولة على المستويين القومي والدولي إلى السيطرة على حياة البشر بطرق أكثر تعقيدا ونجاحا. وتعتبر أطروحة ماركيوز الأساسية"الإنسان ذو البعد الواحد" هي انبثاق من التفاقم اللامحدود لسلطة الآلة في المجتمعات الصناعية المتقدمة، والتي أفرزت نمطا من العلائق بين الفرد والمؤسسات التي تتحكم بتنظيمه الاجتماعي ووجوده اليومي، وجعلت وعيه يتموضع في نقطة محددة وموجهة نحو الهدف الذي تتوخاه الدولة ومؤسساتها لتكريس ديمومتها وتصعيدها في مستويات نوعية وكمية ذات تناسب يطرد منفعتها الدائمة وقيادة عملية الإنتاج وإعادتها في البناء الفوقي الكلي للقاعدة الاقتصادية التي تلعب داخلها الآلة المتقدمة دورا جوهريا وأساسيا، فالآلة الصناعية - حسب ماركيوز- "نجحت في خلق نزعة من الذوبان داخل تياره المتمكن بحيث جرف معه القوى الكلاسيكية للثورة متمثلة في حقيقة البروليتارية المُسَيَسَة وفق الأداة الطاغية والمهيمنة للنظام القائم، سوء كانت هذه الهيمنة عن طريق تشعب المؤسسات بحيث بلغت هذا المستوى العالي من التطور في وسائل تعاملها التقني مع موضوعها الاجتماعي أو عن طريق النسق الأيديولوجي الذي تفرزه في عملية تكوينية تراكمية لبناء النموذج العام لمنظومتها الفكرية ذات الاتجاه العمودي تطورا مع حركية المجتمع وتصاعد حاجاته الاستهلاكية وذات الاتجاه الأفقي في البنية التنويعية المحتوية للشرائح الاجتماعية الكبيرة المتفاوتة طبقيا وثقافيا أو حتى عرقيا"(10). إن الحرية الجنسية تشوه من خلال ربطها بالقيمة البضاعية، فهي مربوطة بالملابس الرخيصة الثمن والجذابة والاهتمام بالتجميل والصحة وكلها أمور باتت في متناول الجميع، ومستخدمات المكاتب هن من الفاتنات والبائعات من الفاتنات... هذه كلها بضائع ذات قيمة تجارية، وطبعا كل هذا يتم بدعم من ماكينات إعلامية عملاقة. إن الحضارة الصناعية لم تقتصر على السيطرة السياسية والتكنولوجية على كل ماهو متسامي في الوجود البشري، بل أيضا امتدت السيطرة على ساحة الغرائز لتولد إنسانا يقبل الهيمنة (11). فالنظام الرأسمالي قادر على استغلال الأفراد حفاظا على نفسه عبر ما يسميه "ماركيوز" "الترغيب القمعي" فهذه الحالة يقتنع فيها الفرد بإشباع رغباته بطرق تقيد النظام، فالبضائع ترتبط بالجنس، والنساء العاريات يستخدمن في تسويق كل شيء من السيارات إلى منتجات الغسيل، فصورة المرأة العارية - حسب ماركيوز- تمنح هنا لذة جنسية بديلة عن اللذة الجنسية الفعلية، وهكذا أصبحت الأفلام والكتب المتعلقة بالأمور الجنسية "أفيونا جديدا للشعوب". ويذهب ماركيوز إلى أن نتيجة دمج عالم الإنسان الخاص في المجال العام هو حرمانه من شخصيته القوية المستقلة، وهذه الشخصية يحتاج إيجادها "إلى أب قوي ومستقل يتخذه أبناؤه قدوة، يقترنون به ويصارعونه في آن معا أثناء نومهم، أما النوع الأساسي من الصراع فهو ذالك المتمثل في الصراع "الأوديبي"، حيث يصطدم الابن مع أبيه أولا على حيازة الأم، وبما أن الأب راشد واشد قوة فإن النصر سيكون حليفه، ويتكرر هذا الصراع بطرق متعددة في فترة المراهقة، وهذا المزيج من الصراع مع الأب، والاقتران به يولد في نهاية الأمر ابنا قويا ومستقلا على حد سواء. ويتطلب استمرار هذا النمط وجود أب قوي، فضلا عن امتلاكه لقدرا معين من القوة خارج الأسرة"(12). وبتطور الرأسمالية إلى نظام يقوم على وجود شركات عملاقة ووجود دولة مركزية قوية يتناقص دور العائلة وقوت الأب، سواء داخل المنزل أو خارجها، فقد استولت الدولة على عدة وظائف خاصة بالأسرة من خلال التعليم بالدرجة الأولى، ثم إن الأسرة فقدت دورها الإنتاجي وحلت الآلة محلها، وأصبح الأب ملحقا بتلك الآلة يعمل طوال النهار بعيدا عن الأسرة الأمر الذي نتج عنه فقدان الأب للسيطرة شيئا فشيئا، فبغياب الأب عن البيت وجد أبنائه أماكن أخرى ينتمون إليها في المدرسة والشارع... فبذالك أدرك الابن ضعف أبيه وبالتالي فإن "معاركه التي كان من المفترض أن يقارع فيها أباه " والتي كانت ستطور شخصيته إما أنها ما عادت تحصل، أو أنها تحصل ولكن بصورة ضعيفة، لذا فإن النظام الرأسمالي الحديث يولد شخصية نرجسية ضعيفة، يستبد بها القلق والتطلع إلى القدوة القوية للاقتران بها، وبما أن تلك القدوة غير موجودة في البيت فإن هذه القدوة ستكون في العالم الخارجي، فقد تكون تلك الشخصية مطربا أو لاعب كرة قدم مشهور... لما كانت الشخصية في هذه الحالة ضعيفة، فإن نوازع اللاشعور تكون أقرب إلى السطح وأكثر قابلية للاستغلال من قبل هذه القوى. لذا فمنظرو فرانكفورت من خلال تصوراتهم المتعلقة بالاسرة يبدوا أنهم "يدعون إلى العودة إلى نظام أبوي صحيح للعلاقات العائلية، وتظهر في كتاباتهم بعض الأحيان نظرة إلى الأم وكأنها الأقدر على أن تكون القدوة الطيبة للطفل، ولكن الأم هي أيضا مسلوبة الإرادة في المجتمع الرأسمالي المتقدم، ويبدوا أن ثمة صعوبة كبيرة تجابه هؤلاء المنظرين عند محاولة تصور البديل لوضع العائلة الحالي"(13). خاتمة صناعة الثقافة من المواضيع التي شغلت رواد مدرسة فرانكفورت وخاصة الجيل الاول منهم، وذلك من اجل الكشف عن الاليات التي تقوم بها الطبقة الحاكمة بالهيمنة والسيطرة واستلاب الافراد وتشكيل وعيهم الفردي والجماعي، وقولبته وتوجيهه الى نقطة محددة، وقد كان لهذا الكشف الدور الكبير في اندلاع الانتفاضة الطلابية في اوربا عامة وفي فرنسا خاصة نهاية ستينات القرن الماضي. والتي تعتبر الحدث الرئيسي الأبرز للوعي الطلابي العالمي الذي اظهر أنه "عنصر داخل المجتمع لا يمكن تجاوزه بأي حال من الاحوال، رغم كل المحاولات الجادة من جل قولبة وعيه، وتحريف مساره الذي كان يصبوا الى اصلاح المجتمع، والرفع عنه كل اشكال الهيمنة والاستلاب في اواخر الستينات من القرن الماضي". فالوعي بإشكالية صناعة الثقافة والنتائج المترتبة عنها من استلاب وهيمنة وقولبة الوعي الفردي والجماعي، يحتاج الى جيل مؤمن برسالته قوي بعزيمته قادر على طرح مشروع مجتمعي يكون واقعيا وقابل للتحقق على ارض الواقع في اطار منظومة دولية متحكمة في الاقتصاد والسياسة والإعلام، وأن يكون بديلا حقيقيا للمشاريع المجتمعية الموجودة على ارض الواقع. و من اجل التغلب على هذا الاشكال،نحتاج للعودة الى الثقافة الحقيقة "التي هي ثقافة رمزية وتقليدية متجذرة في تاريخ عميق وفي امكنة محددة، والرجوع الى حضارة الرمز والكلمة" كما يسميها المفكر البلجيكي "جلبيرتو هوتوا". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المراجع والهوامش والمصادر 1ـ مدرسة فرانكفورت هي حركة فلسفية نشأت بمدينة فرانكفورت سنة 1923. بدأت الحركة في معهد الأبحاث الاجتماعية بالمدينة. وجمعت فلاسفة مثل ماكس هوركهايمر، أدرنو ،والتر بنجامي، وهيربرت ماركوز، ويورغن هابرماس وهو الممثّل الأكثر شهرة للجيل الثاني للمدرسة. قد هاجرت الحركة إلى جنيف سنة 1933 مع وصول هتلر للحكم في ألمانيا ثمّ إلى الولايات المتّحدة أثناء الحرب، قبل أن تعود مجددًا إلى ألمانيا في بداية الخمسينيات. ارتبط اسم مدرسة فرانكفورت بالنظرية النقدية في معناها الفلسفي والذي ينبغي تمييزه بدقة عن الدلالة الرائجة في النقد الادبي. 2ـ عبد الغفار مكاوي : النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: تمهديد وتعقيب نقيدي، حوليات كلية الاداب جامعة الكويت 1993 ص 64 3ـ محمد نور الدين أفاية :الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة، نموذج هابرماس، افريقيا الشرق الطبعة ااثانية المغرب 1998: ص 34 4ـ نفسه : ص 35 5ـ عبد الغفار مكاوي : المرجع السابق : ص 64 6ـ نور الين أفاية : المرجع السابق : ص 39 7ـ علاء طاهر : مدرسة فرانكفورت من هوركهايمر الى هابرماز، منشورات النماء القومي بيروت الطبعة الاولى بدون تاريخ : ص 72 8 ـ نفسه: ص 76 9ـ هربت ماركيوز: الانسان ذو البعد الواحد، ترجمة جورج طرابيشي، الطبعة الثالثة دار الاداب بيروت 1998 : ص 41. 10ـ علاء طاهر : المرجع السابق: ص 73 11ـ هربرت ماركيوز : الإنسان ذو البعد الواحد : مرجع سبق ذكره : ص 110 12ـ نفسه: ص 293 13ـ إيان كريب : يان كريب:النظرية الاجتماعية من بارسونزالى هابرماس، ترجمة حسين غلوم، عالم المعرفة الكويت عدد 244، 1999: ص 293
#خالد_مخشان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: نشأتها، أسسها الجوهرية، وم
...
-
النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: نشأتها، وأسسها الجوهرية وم
...
-
الفضاء العمومي عند هابرماس
-
أيديولوجية التقنية والعلم في المجتمعات الغربية
-
العقل المستقيل وإشكالية التغيير
-
الرئيس -المقعد- والعقلية الاقصائية العربية
المزيد.....
-
أمريكا تعلن عن تنفيذ ضربتين في سوريا.. وتوضح هل لهما علاقة ب
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يرضخ للبرلمان ويلغي الأحكام العرفية
-
واقعة طرد تاريخية ـ ليفركوزن يقصي بايرن من كأس ألمانيا
-
مندوب سوريا: حجم ونطاق الهجوم يدل أن أطرافا إقليمية ودولية ت
...
-
الولايات المتحدة تدعو إسرائيل إلى التحقيق في مقتل موظفي المن
...
-
بوتين لأردوغان.. ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في سوريا
-
القوات الروسية تسيطر على قرابة 60 بلدة في مقاطعة خاركوف
-
المعارضة التركية تدعو للحوار مع دمشق
-
مشاهد توثق اقتحام الجيش الإسرائيلي مستشفى في مدينة طوباس بال
...
-
الكرملين يعلق على عرض قطر الجديد للمساعدة في إجراء مفاوضات ح
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|