أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خالد مخشان - الفضاء العمومي عند هابرماس















المزيد.....

الفضاء العمومي عند هابرماس


خالد مخشان

الحوار المتمدن-العدد: 4478 - 2014 / 6 / 10 - 23:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعتبر هابرماس كفيلسوف ألماني معاصر واحد من اهم ورثة مدرسة فرانكفورت النقدية، مبدع نظرية الفعل التواصلي كإطار لنقد العقل بالنسبة له، وكتجسيد من خلالها للعقل التواصلي، الذي حاول من خلاله ان يتجاوز الاشكالات التي تعترض العقل الانساني بصفة عامة، والتي تجلت بوضوح بعد التطور الهائل الذي حصل في العلوم التقنية، التي اصبحت متحكمة في العقل البشري لدرجة أنها سيطرت عليه وعلى تفكيره، ويعتبر الفضاء العمومي كأحد أكثر الاماكن التي يتم فيها التواصل بين مختلف الفاعلين، بحيث يتم التّجسيد فيه لمختلف النماذج الفكرية والعقلية والأيديولوجية والسياسية.
يعتبر موضوع الفضاء العمومي من المواضيع الأولى التي تطرق إليها هابرماس في كتاباته وقد خصص لهذا الموضوع كتاب أصدره سنة 1978 يحمل نفس الاسم، (ويمثل الفضاء العمومي في نظر هابرماس حلبة النقاش العام التي تدور فيه المساجلات وتتشكل فيها الآراء و المواقف حول القضايا التي تجسد اهتمامات الناس وهمومهم)1.
فالفضاء العمومي ( يقوم بالدرجة الأولى بمهمة المراقبة كما يمكن أن يمنع بواسطة النقد العمومي إمكانية القيام بمشاريع غير متلائمة مع القواعد العامة)2. وكتاب الفضاء العمومي قدم رصدا تحليليا وتاريخيا موثقا لمسار الدعاية من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر، تناول فيه تطور فكرة الرأي العام وتكون الإرادة الديمقراطية وكيف نشأت مع نشأة الرأسمالية، بحيث صبغت فكرة الديمقراطية الليبرالية على نموذج العلاقات بين المشتري والبائع في السوق، حتى أدت الدعاية في العصر الحاضر إلى الاحتواء الكلي للرأي العام، وإفراغ الوعي الفردي والجماعي من وظيفته النقدية الفعالة، ويرجع التدهور الذي أصاب هذه الأفكار إلى هيمنة القوى ذات المصلحة على صنع القرارات السياسية التي تصدر عن التفهم والتواطؤ بين تلك القوى، لا عن الحوار والنقاش العقلي الحر، كما يرجع إلى سيطرة وسائل الإعلام "كالصحافة والإذاعة المرئية والمسموعة، الانترنت..." التي تسخر لخدمة المصالح التجارية والتسلية والترفيه لا للتثقيف والتواصل وتدعيم الوعي الحر 3.
فحسب هابرماس فقد كانت البدايات الأولى لتشكل الفضاء العمومي في نهاية القرن السابع عشر في إنجلترا والقرن الثامن عشر في فرنسا، فقد اكتسبت الطبقة البرجوازية وعيا بنفسها وشرعت بتكوين استقلال خاص بها تجاه السلطة وذلك عن طريق تأسيس قواعد ومبادئ لخلق حوار ومناقشات حرة وعادلة، وعندما انبثق مبدأ الحوار المفتوح بدأ الفضاء البرجوازي العام بالتمركز أولا داخل الصالونات ثم المقاهي والمنتديات الثقافية العامة حتى عبر عن نفسه وتموضع في النهاية داخل صيغة الدولة الدستورية تحت ظل وغطاء الحوارات الانتخابية والبرلمانية.
أما بخصوص الفضاء العمومي داخل المنازل فقد كان يتجلى بالخصوص في الصالة الرئيسية، حيث تقوم ربت البيت بلعب الدور الرئيسي بين أفراد العائلة البرجوازية ثم أمتد بعد ذلك إلى الواقع الخارجي مجسدا بالتطبيقات الاجتماعية التي نرى من خلالها بأن الوظيفة السياسية للفضاء البرجوازي العام تتوخى تأمين سيطرة المجتمع المدني عبر قوة التجربة المحضة لصميم الحياة الشخصية 4.
ويرى هابرماس بأن الفكر النقدي قد شرع يبحث موضوع الفضاء العمومي اعتبارا من القرن التاسع عشر حيث بدأت بعض التنظيرات النقدية، بتنفيذ سيطرت الدولة والسلطة السياسية، وأخذ الفكر النقدي بتحليل السيطرة والهيمنة الرسمية، سوء المرئية منها أو غير المرئية التي تنحى طريقا غير مباشر في تحقيق الغرض النهائي للسلطة، وقد (حدثت تبدلات جذرية في البنى الاجتماعية في الفضاء العمومي ونشأ تدخل ذو صفة طردية متدرجة بين المجالين العام والخاص، وأخذت السلطة السياسية بكسب الفرد والعائلة إلى جانبها عبر تقديم الكثير من "الإغراءات" أو المساعدات على الصعيدين الاجتماعي والأسري، فالمعونة المالية التي أقرتها الدولة أثناء ولادة طفل أو ما شابه ذلك قد جعل العائلة منشدة نحو مركز السلطة السياسية ودفعها لأن تمنح شرعية قوية لها وتقر بوجودها وديمومتها بما أن هذه السلطة "إنسانية"، فالمساعدات المالية للمواطنين والضمان الاجتماعي كانت عوامل تكريس قوية لمشروعية السلطة، قامت بجذب الفرد بشكل متدرج نحو المركز وبالتالي تحقيق، احتواء كلي للمحيط الاجتماعي العام)5. لقد اكتسبت العائلة أهمية خاصة في عملية الاحتواء، فانتقالها التدريجي من الفضاء الخاص إلى الفضاء العام كان معطى لتغير علاقات الإنتاج وانتقال التركيبة الاقتصادية من مراحل على أخرى، وقد طرأ تبدل جذري على الصورة العمرانية للمنزل العائلي، فبعد أن كانت المنازل متقاربة في السابق أو متداخلة بسبب اعتماد الأسر على بعضها البعض، غذت هذه البيوت في العصر الحديث متفرقة ومنفصلة عن بعضها بسبب اعتمادها على المؤسسات الحكومية والتابعة للسلطة، ونرى أيضا تغير الطبيعة العمرانية للبيت العائلي من الداخل، فقد تقلص ماهو فضاء عام داخل المنزل، مثل الصالونات الكبيرة وغيرها بسبب ارتباط العائلة بفضاء وميدان جديدين يقعان خارج المنزل ويرتبطان بالسلطة ومؤسساتها الإدارية.
فالتطور الذي ألغى الحدود بين الفضاء العام والخاص، لم ينعكس على العمران المنزلي فحسب، بل طال عمران وتخطيط المدن ثم امتد إلى الفن والنحت والعمارة وتصميم ديكورات المؤسسات العامة وأماكن التجمع والالتقاء بين الجمهور.
وبشكل مواز للتحول العمراني، حدث تبدل في طبيعة الثقافة واتجاهها، فانتقال الأدب من مرحلته الكلاسيكية والإنسانية الشمولية إلى مرحلة أخرى شبه دعائية، أو في بعض الأحيان قريبة من المباشرة، وقد ساعد تطور الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الناس على ظهور موجة من المقاهي والحانات والمنتديات الأدبية، فخرج الأدب من حلقته الأرستقراطية الضيقة إلى فضاء أكثر اتساعا، كما أن بعض المقاهي التي اعتمدت في السابق على روادها من الرجال أمست الآن مفتوحة الأبواب للجنسين ونشأت منتديات أدبية وثقافية مختلطة عديدة.
ويرى هابرماس أن الثقافة في هذه الفترة قد دخلت مرحلة التبضيع وغدت سلعة ليست في شكلانيتها الظاهرة فحسب بل في محتواها أيضا، فظهرت عملية الإنتاج الجماهيري للكتب مثل كتب الجيب الرخيصة الثمن التي تهم المثقفين الذين يهدفون من اقتنائها الحصول على المعرفة مثل الطلبة، في حين بقيت الطبعات الأنيقة الغالية الثمن مقتصرة على جمهورها من الطبقات الغنية التي لا تقرأ النص بل تقتني الكتب لأجل الديكور أو لمواكبة الموضة العامة.
(لقد نجحت الدعاية في العصر الحديث من خلق وسيلة أخرى للتواصل وقامت بتكوين مذهب علائقي جديد، أو نمط واسع وراسخ من الاتصالية، فالدعاية حاليا قد غدت واقعا فعليا وليس معطى، لأنها أصبحت بحد ذاتها أساسا ومصدر لمعطيات جديدة، فقد شملت كل شيء... حتى النظام السياسي الذي أفرزها قد سقط داخل نطاق احتوائها، وذلك عبر تطورها السريع والمذهل أفقيا على أرضية الواقع السياسي وعموديا داخل هرمية المؤسسات) 6.
ذلك أن مناقشة القضايا السياسية أصبحت مرهونة بما يدور في البرلمانات وفي وسائل الإعلام، فيم تجدرت سطوة المصالح التجارية والاقتصادية وهيمنة على الصالح العام، ولم يعد الرأي العام يتشكل من خلال النقاشات العقلانية المفتوحة، بل غدا مصلحة لعمليات الاستمالة والتلاعب والسيطرة المفروضة عليه، كما تبدو على سبيل المثال في الحملات الدعائية والترويجية 7.
ويرى هابرماس أن الإجراءات التقليدية الديمقراطية مثل البرلمانات والأحزاب، لا تمثل الأساس الكافي لاتخاذ القرار الجماعي (ومن هنا فإن علينا إصلاح المسارات الديمقراطية التقليدية وتفعيل التجمعات والهيئات المجتمعية. وصحيح أن وسائل الإعلام والاتصال الحديثة تترك أثارها على حياتنا المجتمعية... غير أن بوسع هذه الثورة الإعلامية الاتصالية أن تساهم بصورة جوهرية في تنمية التوجهات والممارسات الديمقراطية) 8.
فمن أجل ديمقراطية حقيقية حسب هابرماس يجب توسيع الفضاء العمومي الذي يصلح للمناقشة حيث يتم تطارح القضايا السياسية وحيث لا يغلب الاعتبار الإداري الصرف ولا يطغى منطق المصلحة الاقتصادية (بمعنى أخر لا يهيمن منطق الجهاز أكان اقتصاديا "منطق السوق" أو بيروقراطيا "منطق الدولة" أو ما يدعى بالفرنسية "Raison d’Etat" وحيث يساهم الرأي العام في بعث الاهتمام بالسياسة حتى لا تتحول الديمقراطية إلى تكنوقراطية، وحتى لا تغادر السياسة ولا يتحول الفضاء العمومي إلى فراغ عمومي)9.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- أنتوني غدنز: علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى بالعربية 2005 : ص 511
2- مصطفى حنفي: هابرماس والإرث السياسي الكانطي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، عدد رقم 156 : ص 35
3- عبد الغفار مكاوي : النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت:تمهيد وتعقيب نقدي ، حوليات كلية الاداب، جامعة الكويت 1993: ص 91
4- علاء طاهر : مدرسة فرانكفورت من هوركهايمر الى هابرماز ، منشورات الانماء القومي، بيروت الطبعة الاولى بدون تاريخ : ص 101
5- نفسه: ص 103
6- نفسه : ص 105
7- أنتوني غدنز : مرجع سابق ذكره : ص 512
8- نفسه : ص 726
9- عبد العلي معزوز : دولة الحق ونظرية المناقشة : قراءة في الفكر السياسي والحقوقي عند هابرماس، منشورات كلية الآداب الرباط ، عدد 156: ص 114



#خالد_مخشان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيديولوجية التقنية والعلم في المجتمعات الغربية
- العقل المستقيل وإشكالية التغيير
- الرئيس -المقعد- والعقلية الاقصائية العربية


المزيد.....




- أمريكا تعلن عن تنفيذ ضربتين في سوريا.. وتوضح هل لهما علاقة ب ...
- رئيس كوريا الجنوبية يرضخ للبرلمان ويلغي الأحكام العرفية
- واقعة طرد تاريخية ـ ليفركوزن يقصي بايرن من كأس ألمانيا
- مندوب سوريا: حجم ونطاق الهجوم يدل أن أطرافا إقليمية ودولية ت ...
- الولايات المتحدة تدعو إسرائيل إلى التحقيق في مقتل موظفي المن ...
- بوتين لأردوغان.. ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في سوريا
- القوات الروسية تسيطر على قرابة 60 بلدة في مقاطعة خاركوف
- المعارضة التركية تدعو للحوار مع دمشق
- مشاهد توثق اقتحام الجيش الإسرائيلي مستشفى في مدينة طوباس بال ...
- الكرملين يعلق على عرض قطر الجديد للمساعدة في إجراء مفاوضات ح ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خالد مخشان - الفضاء العمومي عند هابرماس