أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نبيل عبد الأمير الربيعي - اشهر عوائل يهود الديوانية في ميدان الزراعة والتجارة (الحلقة الأولى )















المزيد.....


اشهر عوائل يهود الديوانية في ميدان الزراعة والتجارة (الحلقة الأولى )


نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)


الحوار المتمدن-العدد: 4629 - 2014 / 11 / 10 - 11:54
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



يرجع تاريخ تواجد اليهود في العراق إلى عهد الامبراطورية الآشورية الأخير , التي دامت ثلاثة قرون كاملة منذ بداية القرن السابع قبل الميلاد , وذلك في أعقاب عدة حملات قام بها الملك سرجون الآشوري على فلسطين (722- 705 ق.م) , نقل معهُ من الأسرى اليهود ما قدرَّ بنحو عشرة آلاف يهودي حيث تم اسكانهم في المنطقة الكردية بكردستان العراق, . كما تذكر المصادر الآشورية , فإن الملك "سرجون" قام بسبي حوالي 27290 من سكان السامرة وارسلهم لبلاده .. اما السبي البابلي الأول وسقوط مملكة يهوذا, المعروفة بقوتها بفضل الملك " نبوخذ نصر" (الثاني) Nebuchadnezzar (630-563ق.م) , و السبي البابلي الثاني سنة (578ق.م) , وإن كان تقدير عدد المسبيين نحو 62 ألف إلى 70 ألف شخص حيث يقال إنه لم يبق في مملكة يهوذا سوى مساكين شعب الأرض , ولم يترك "نبوخذ نصر" في يهوذا سوى فئة قليلة ممن يعملون مزارعين في الأرض( ) . بعد هذا السبي على يد الاشوريين والبابليين انتشر اليهود في عدة بلدان مثل بابل وآشور ونينوى , كما هرب كثيرون من اليهود إلى أرض مصر . وبهذا تكونت جماعات وتجمعات كثيرة مما يمكن أن يطلق عليهم "يهود الشتات" وقد أختلط هؤلاء اليهود بشعوب البلدان الأخرى التي عاشوا فيها ( ).
كان للأحتلال الفارسي دور في بلاد الرافدين بقرار كورش بعودة اليهود إلى فلسطين (546-530ق.م) و العودة الأولى لأرض فلسطين سنة 538ق.م .
يعتبر يهود العراق من أقدم الطوائف الدينية الموجودة في العراق والعالم ، حيث يرجع تأريخ وجودهم إلى أكثر من 26 قرناً خَلَّت ، وأستطاعوا رغم مناخات العراق وتقلبات الظروف وترادف الغزوات والحروب أن يتشبثوا بترابه إلى وقت متأخر . حتى أنهم شكلوا في أواسط القرن التاسع عشر نصف سكان بغداد ، وفي بدايات القرن العشرين ربعه أو ثلثه ، وتمتعوا دائماً بمكانة أجتماعية مرموقة ، وأمسوا يشكلون الدالة الأجتماعية المتبغددة المترفة ، ويجسدون روح وذوق بغداد الفني والجمالي .
تذكر كتب التأريخ أبان الحقبة العثمانية أن يهود العراق تمتعوا بوضع إقتصادي وبحبوحة أملاها سعيهم الحثيث وجديَّتهم المشهود لها وأمانتهم في التعامل ، ويذكر الجميع قصة اليهودي الذي كان يبيع الغلَّة بسعر الجملة ، لكنه يتربح من ريع الصناديق ، ولهذه القصة دلالات أولها النأي عن الطمع والربح الفاحش على حساب فقراء الناس ، والثاني إيمان اليهودي المتجذر بأن حركة رأس المال وتدويره يحفز نماءه وتكاثره ، وهو المبدأ الأساس للرأسمالية التي أعتمدتها حضارات العراق منذ سومر وبَنَت على أساسها حضارات أخرى . وحدث أن أقتبسها الغرب ذلك بحثاً وتحليلا ومنهجية علمية ، ومازالت شعوبنا لا تستوعب فحوى وتأثير تلك الظاهرة , وتذكر الأخبار أبان العهد العثماني بأنهم أستفادوا من كون بغداد محطة للحجيج والقوافل العابرة من خلال طريق الحرير، ليشتغلوا بالصيرفة ، ورئاسة وظيفة الصرافة ( الصراف باشي ) .
ونجد في مدونات تلك السنين أعلام لتلك الحقبة نذكر منهم : حسقيل الياهو ، ساسون بن صالح بن داود نقيب عائلة ساسون ... ويذكر إن مناخ التسامح الديني كان منوطا بطبيعة الولاة العثمانيين في بغداد ، وعدَّ داود باشا الكرجي والي بغداد (1816-1831) ، من أقسى الحكام في معاملته لليهود , وهو آخر المماليك الذين حكموا بغداد بين أعوام (1750-1831) ، وأشتهر بواقعة الطوفان العرمرم والطاعون المبيد الذي ضرب بغداد وأحالها إلى ركام بشري ، وطأت من جراءه الدرّك الحضاري الأسفل ، وعدَّ سكانها حوالي إحدى عشر ألف نسمة لا غير , ويبدو أن تلك النازلة كانت وراء زيادة نسبة اليهود العددية اللاحقة ، وذلك من جراء ممارستهم نظام الحجر الصحي (الكرنتينة) بما أوتوا من علم وأطلاع صحي ، والتي تقتضي عزل المصاب بالوباء عن الأحياء الأخرى ، أو الإعتزال خارج المدينة .
يبدو أن يهود بغداد تنفسوا الصعداء بعد سقوط داود باشا بالطاعون والطوفان، وحلول علي رضا باشا (1831- 1841) ، وتم إستبدال منصب الناسي بالحاخام باشي , كما تأسست قبيل سقوط الدولة العثمانية عام 1910 أول غرفة تجارية في بغداد وكان لليهود أكثر من 50% من مجموع أعضاءها , وبعد دخول الانكليز إلى بغداد عام 1917 , الذي دخل بغداد منتشياً بالنصر دون قتال , كان ليهود بغداد دور جوهري ولولبي في الحياة الحضرية البغدادية , ولا نستبعد في سياق النوازل الغيبية الربانية ما حل تباعاً بنوري السعيد وطبقته ، بعد أن أقترفوا جريمة الفرهود عام 1941 ثم التسفير القسريّ ضد اليهود عام 1950, وهكذا شرع يهود بغداد بعدها بتوطيد نفوذهم بالتجارة .
وجدير بالذكر أن نشير هنا إلى أن اليهود تواجدوا في كل المدن العراقية وشكلوا جزء منسجم في سياق الحياة الإجتماعية لها ، فكانت البصرة تضم إلى صدرها الرحب المتسامح بالفطرة أعدادا غفيرة ترد بالمرتبة الثانية بعد بغداد , والحال سيّان مع مدائن الموصل وكركوك وتكريت والعمارة والناصرية والحلة والديوانية ولا سيما الكفل ، وجدير أن نذكر أنهم شكلوا حتى التسفير عام 1951 حوالي ربع سكان مدينة سامراء مثلاً ، وما زال حيَّهم وكنيسَّهم يقبع في غرب المدينة على بعد خطوات من روضة الإمامين العسكريين , لا نشك بأن نسبة من العراقيين رحبت بدخول الأنكليز بعد أن أنقذوهم من الأتراك ، وهو ما تكرر بالتمام عند سقوط الصنم ودخول الأمريكان عام 2003 إقراراً بما حدث .
بعد استقرارهم في كردستان وجبالها كوًنوا لهم قرى خاصة بهم وانسجموا مع التجمع الكردي والبعض قد اندمج مع السكان الوثنيين والديانة النصرانية عند ظهورها , فقلدوا الأكراد في خط حياتهم إذ يمارسون أعمال الزراعة وتربية المواشي تحت حماية رؤساء القبائل الأكراد مقابل دفع الجزية لهم , فقد انتشروا في مناطق كردستان العراق كالعمادية وكفري ودهوك وعقره وزاخو والزيبار وبرواري العاليا والسفلى والمزوري والدوسكي وصندور , عمل البعض في صياغة الذهب والتجارة والحياكة والبعض عمل في مجال حقول الزراعة وتربية المواشي .

مدينة الديوانية و دور العوائل اليهودية في الميدان الإقتصادي

إن مصدر اسم الديوانية هو المضيف أو القلعة التي أمر ببنائها على فرع نهر الحلة الشيخ ( حمود آل حمد آل عباس) رئيس عشيرة الخزاعل عام 1854 , تمَّ بناء المضيف من مادة الطين في الجانب الغربي من المدينة بواسطة الفلاحين لاستقبال الضيوف , وبالعُرّف العشائري يطلق على هذا المكان الديوانية .
وقد اشتهرت مدينة الديوانية في العهود السابقة بمصطلح الحَسَكَه ( الحسچـة ) أي بمعنى (كلام عراقى غير واضح و لكنه مفهوم) , الديوانية من" مدن الفرات الآهلة بالسكان وذات مركز اجتماعي مرموق , وكانت ذات شهرة ذائعة الصيت بين الأوساط العراقية وخاصة في أوائل القرن الثامن عشر وما بعده" ( ) .
كانت تسكن في مدينة الديوانية بعض العوائل اليهودية التي اشتغلت في ميدان الزراعة والتجارة ومن هذه العوائل عائلة (إسحاق موسى) الذي امتهنت بيع القماش ( البزازة) وقد اشتهر من أبناء هذه العائلة (ساسون سلمان) حيث اشتهر بتجارة الحبوب وتجهيز الأراضي بمضخات ماء السقي , كذلك عرف ابنهُ (خضوري) بتجارة المواد الزراعية ونقل المحاصيل الزراعية و عرف بقصره الفخم (طاق خضوري) الذي ما زال قائم لحد الآن في بداية شارع العَلاوّي وضمن محلة الجديدة في مركز المدينة , ومن العوائل اليهودية عائلة ( بيت جبران) التي توطدت في الديوانية عام 1878 وقد امتهنت مهنة صياغة الذهب ولكنها هاجرت العراق عام 1940 إلى فلسطين , وعائلة (شاهين) التي انتقلت من مدينة الحلة إلى الديوانية وقد سكنت قرية أبو الفضل عام1858 حيث امتهنت هذه العائلة (البزازة) , ومن العوائل اليهودية عائلة (ساسون معلٍم) حيث انتقلت من ناحية الكفل إلى قضاء الشامية عام 1919 بسبب مصاهرتها لعائلة خلاصجي المقيمة في الشامية , و قد أمتهن هذه العائلة الزراعة و تجارة الحبوب وتجهيز المدينة بمادة طابوق البناء , وقد اشتهر من أبنائها الياهو معلٍم وإبنهُ ساسون معلٍم وأحفاده (صالح وعزت) , كذلك من العوائل اليهودية عائلة (قوجمان) وقد هاجرت من مدينة السليمانية إلى مدينة الحلة ثم الاستقرار في مدينة الديوانية , وقد اشتهر من أبنائها الياهو قوجمان بتجارة المحاصيل الزراعية , ولكن بسبب الضغط على الطائفة اليهودية في العراق هاجر سراً إلى إيران ومن ثم إلى فلسطين ومن تصرفات الياهو كان مدين لكبار تجار الديوانية بمبالغ كبيرة , عندما نوى الهجرة إلى إسرائيل عن طريق الحدود الإيرانية كي يختفي عن الدائنين فتح الراديو بصوت عالي ليبين للجيران انهُ موجود في البيت , ولكن بعد غيابه عن التواجد في مكان عمله مما استدعوا الدائنين الشرطة لدخول البيت وتبين أنه غير متواجد وقد هاجر خارج العراق بشكل غير قانوني , باعت محكمة الديوانية ما يملكه الياهو من عقارات لتسديد الديون ولكن كانت المبالغ المدينة اكبر من قيمة عقاراته مما كان التسديد لجزء من ديونه .
من العوائل اليهودية عائلة (شيث) التي كانت تسكن البصرة ومن ثم انتقلت وتوطدت السكن في الديوانية عام1917 , إضافة إلى عوائل أخرى منها ( عائلة شاؤول راحيل) و(عائلة زبيدة ) التي استقرت في مدينة الديوانية عام1882 و (عائلة حوكي) وقد استقرت في المدينة عام1883 والتي امتهنت الجزارة وصياغة الذهب ثم هاجرت العراق عام1950 إلى فلسطين , وأخيراً (عائلة خلاصجي) وقد استوطنت قضاء الشامية التابعة لمدينة الديوانية عام 1875 , ودخلت ميدان الزراعة والتجارة وقد اشتهر أحد أبنائها ( الياهو خلاصجي) الذي لقبَ بـ ( ملك الديوانية) وهو ملك غير متوج , واشتهرت هذه العائلة بزراعة الرز وكان ( تمن خلاصجي) لهُ شهرة في مدينة الديوانية والمدن المجاورة لها .
بلغت أعداد أبناء الطائفة اليهودية في لواء الديوانية حسب الإحصاء البريطاني لسنة 1920 ( ) .
لواء الديوانية ذكور اناث المجموع
قضاء الديوانية 244 270 514
قضاء الشامية 78 74 152
قضاء السماوة 71 71 142
قضاء عفك 9 8 17
المجموع 825

من العوائل المعروفة في مدينة الديوانية :-
آل معلٍم :
لهذه العائلة تاريخ في مجال الزراعة والتجارة , و بعدَ سنين من العمل المتواصل في البيع والشراء والتجارة بين الشامية والمدن المجاورة ظهر اسم ساسون معلِم الياهو مواليد( 1870 -1958) وله صلة قربى مع آل خلاصجي , فقد أصبح ساسون معلٍم فيما بعد من الأعمدة الأساسية لأزدهار الزراعة في منطقة الفرات الأوسط , وعلاقاتهُ الواسعة مع أبناء عشائر ( الخزاعل , البو شبل , الجبور , الحميدات ) , وبسبب الهدوء الذي يسود المنطقة والأرض الخصبة المعطاء , اتخذَ قطعة من الأرض منعزلة كخطوة أولى في طريق طويل ثمَ ساعده أولاده عزت تولد (1904) اولاد عزت معلم رزق بـخمسة اولاد هم ( سامي , رياض , فاروق , اسعد دكتور بيطري مقيم في كندا مع أخيه سمير ) , وصالح تولد (1917) متزوج من السيدة خالدة معلم وقد رزقوا بـ خمسة من الأولاد والبنات هم (يعقوب تولد 1952 / 7 / 14 , أيلي تولد 1954 / 9 / 24, ريمون تولد 1956 / 1 / 18مقيمة في اميركا , فيلما تولد 1961 / 9 23) , وهارون موريه معلم شريك صالح معلم وعزت معلم رزق بأثنين من الأولاد هم ( أيلي ونبيل ) مقيمين في كندا , فأخذت علاقتهم بالاتساع وبكفاحهم العنيد "أصبح معتمداً من قبل السلطات العثمانية لتجهيز الوحدات العسكرية المرابطة في المنطقة بالمؤن ( الأرزاق الزراعية) على اختلاف أنواعها , مما حفزَ طموحه على إنشاء معمل للخبز والقيام بمعاملات تجارية كبيرة "( ) .
مما أصبح ساسون معلم في مصاف كبار التجار آنذاك , واتخذً بالتوسع في مجال عمله في تجارة الحبوب وتصديرها من الشامية إلى المسيب والسماوة وبغداد والناصرية والبصرة , وبهذه الخطوة ازدهرت أعماله حتى نشوب الحرب العالمية الأولى, لكن في عام 1915 وبشعور السلطات العثمانية في بغداد بتدني أجلها قامت بمصادرة أموال كبار التجار في منطقة الفرات الأوسط ومنها أموال ساسون معلٍم من (سفن نهرية ومخازن في البصرة وبغداد) والتي قدرت وقتذاك بعشرات الآلاف من الليرات العثمانية الذهب , بهذا عاد ساسون إلى درجة الصفر .
بعدَ أنتها الحرب العالمية الأولى ودخول القوات البريطانية إلى بغداد والسيطرة على المدن العراقية وقيام الأنتداب البريطاني , جددَ ساسون معلم نشاطه وانتقل من الشامية إلى مركز الديوانية عام 1918 , وهناك " عهد إليه بوكالة تجهيز النفط لأغراض تشغيل المضخات والإنارة , كما ساهم بتسهيلات بعيدة المدى لنصب المضخات الزراعية وتوسيع نطاق الاعتماد عليها"( ) .
فقد كانت في لواء الديوانية ثلاث مضخات فقط قوة الواحدة منها (4) حصان , مما تشجع على ساسون شراء مضخات أخرى من شركة (بيت لنج ) بكفالة منهُ لكبار المزارعين واشترك معهم في استغلالها حتى أصبحت (19) مضخة كلها في لواء الديوانية ومن شركاءه ( سلوم المحسن , الحاج علوان المذبوب , مرسول الحسن , خضوري موسى , الحاج عبودي شنين , سلمان العبطان , محمد الخضيري , الحاج عبود العبود , محمد العبطان , زيدان الخشان ) وقد كانَ شريكاً لشيوخ عشيرة (الأ گـرع) تلك العشيرة التي كانت في نزاع دائم مع عشيرة ( الخزاعل) مما حرّم عليه دخول أراضي الحمزة وآل الكوام .
كانَ ساعدهُ الأيمن في أعمال ساسون معلم أولاده (عزت وصالح) , وبعقليتهم التجارية تمكنوا من التحول من الميدان الزراعي إلى ميدان التجارة , فأسسوا أول معمل لإنتاج الطابوق في ناحية السنية التابعة لمدينة الديوانية عام 1946, الواقع شمال مستشفى الحميات في الديوانية , وكان المرحوم الحاج جهاد عزيز الهلالي يعمل كاتباً فيه وأبنه حازم يعمل فيه أيضاً في العطل الرسمية , حيث كان طالباً في الدراسة المتوسطة ( ) , فكانت مساحة أرض المعمل (650000) متر مربع وتضم سكة لنقل المنتجات من الطابوق إلى وسائل النقل الخارجي وتابعة للمكان حديقة غناء , ولحداثة مكائن المعمل فقد بلغ إنتاج المعمل اليومي (250000) لبنة و (120000) طابوقة جاهزة للتوزيع , وعدد العمال في المعمل (400) عامل يتمتعون بإجور ممتازة وطبيعية , بعد ثورة 14تموز 1958 تم صدور قانون الإصلاح الزراعي ومصادرة الحصص الزراعية لآل معلم وتم توزيعها على الفلاحين , خضعت هذه العائلة لأحكام هذا القانون باعتبار أن ملكيتها من الأرض أكثر مما حددته أحكام القانون وقد صدر بحقها قرار الأستيلاء المرقم 19 في 31-3-1964 وملحقهُ المؤرخ في 23-4-1967 ولعدم تصديق القرار وملحقه فقد شمله قانون الإصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970 حيث صدر قرار الاستيلاء المرقم 26 في 22-7-1974 وبعد قرار الاستيلاء المرقم 2 في 2-8-1978 المصادق عليه الذي استولى على المساحات الزراعية والزائدة عن الحد المقرر قانوناً وتم ايجارها إلى الفلاحين الزراعيين فيها .
بعد انقلاب تموز عام1968 تم مصادرة معمل طابوق آل معلم بطرق ملتوية مع الأرض والمكائن ومخزن المواد الأولية , حيث بدأت المساومات على مصادرة معمل الطابوق في الديوانية والضغوطات من قبل الحكومة ومعاون شرطة الديوانية "شمسي ", لمحاولة الترغيب والترهيب لأخذ المعمل الذي يعيّل ثلاثة شركاء من أصحابة هم " عزت معلم و أخيه صالح معلم ,آهرون مورية معلم " وقد تم اعتقال أصحاب المعمل وأمين صندوق الشركة "صبيح جبرائيل "بواسطة جهاز الأمن , والمحاولات هي المساومة بين محافظ الديوانية وأجهزة الأمن إلى أن عرف أصحاب المعمل لا مجال للمساومة أو الخروج من هذا المأزق إلا بالتنازل عن حقهم المشروع , مما أدى إلى التوقيع على محضر لم يتم قراءته بسبب الحجز والمحاربة النفسية , فتم اغتصاب هذا الحق والمصدر الوحيد لمعيشتهم , كل هذا لتلبية رغبات الحكومة الظالمة ومعاون شرطة الديوانية "شمسي" ( ) .
ذات صباح استدعي المعاون شمسي السيد صالح معلم وآهرون موريه معلم وقال لهم نحن ذاهبون لتفتيش داركم , كانوا يسكنون داراً في محلة حي الجزائر , كانت اللجنة المكلفة بتفتيش الدار مكونة من معاون شرطة الجانب ومعاون الجانب الكبير وضابط من الفرقة العسكرية الأولى وعدد من أفراد الشرطة , دخلوا الدار ففتشوها تفتيشاً دقيقاً وبعد التفتيش جاءوا بجهاز كشف الألغام مرروه على الأرض للتفتيش عن أسلحة مخبئة , وبعد فحص الغرف بالكاشفة قال معاون الجانب الكبير يجب فحص الجدران أيضاً فقد تكون بعض الاسلحة مخبئة بداخلها , ففحصوها أيضاً ثم أنتقل الجميع إلى حديقة الدار وبدأوا بفحصها بكاشفة الألغام بحثاً عن الأسلحة فلم يجدوا شيئاً ( ) و بهذه الطرق الملتوية والترهيب "هكذا سلبوا المشروع الذي كان يساوي ثروة طائلة دون تعويض بأي شيْ .... في اللواء شكلوا لجنة لتقدير ثمناً لمعمل الطابوق موضوع البحث وإن هذه اللجنة قدرت مبلغ خمسة آلاف دينار عراقي ثمناً للمعمل بكافة منشآته و أفرانه وأدوات المعمل المختلفة مع الطابوق الجاهز للبيع والذي في مراحل الإنتاج بالإضافة إلى الأرض والبالغة مساحتها 650 دونماً , وقد أودعوا المبلغ في خزينة اللواء ولا بد أن المبلغ ينتظر حتى الآن , علماً بأن هذا المبلغ المقدر لا يساوي ثمن ماكينة من مكائنه , إلا أن السلطات أرادت بهذه اللعبة إضفاء الشرعية على استيلائها على المعمل"( ) , لقد وضح لي والدي المرحوم عبد الأمير الربيعي أهمية هذا المعمل في لواء الديوانية آنذاك وكم خسروا أصحابه الشرعيين حينما اقترضوا المبالغ لتطوير هذا المعمل بأحسن حال وأوفر إنتاجية .
بعدَ هذه المضايقات لما تبقى من العوائل اليهودية العراقية والملاحقات والإيذاء والتوقيف الذي لحقَ بيهود العراق وعائلتي آل معلم (عزت وصالح) وإبعادهم إلى بغداد , مما اضطرهم في ليلة سوداء الفرار من العراق في 12-12 1970 عن طريق شمال العراق عبر الحدود الإيرانية لا يحملون إلا حطام الدنيا والتعذيب الذي تعرضوا لهُ من قبل رجال أمن النظام وقتذاك , حيث تذكر راحيل خلاصجي زوجة سلمان الياهو ساسون خلاصجي " إن المرحوم (صالح معلم) أبو يعقوب , كان ولشدة الأسف قد انتقل إلى رحمته تعالى في سنة 1998 بعد أن عانى من مرض السكريّ والسرطان نتيجة لتعذيبه في السجن , وقد خرجَ من العراق مع عائلته بالملابس التي لبسوها فقط , وذلك بعد أن سيطرت الحكومة على جميع أمواله بما في ذلك النقدية والمالية وأخذت منهُ ومن أخيه عزت معلم أبو سامي (معمل الطابوق الفني) , فقدوا كل ما كانَ لديهم ما عدى الاسم الطيب الذي يتذكره أناس طيبون أمثالك , وقد حكت لي جارتي أم يعقوب الكثير عن حياتهم في الديوانية وكيف كان صالح أبو يعقوب رجلاً صالحاً بمعنى الكلمة يحب عمل الخير للجميع وكيف كان يقدم خدمات سيارته الخاصة لنقل المرضى إلى المستشفى أو الحوامل للولادة رحمه الله"( ) , وأذكر وأنا بعمر (11) عام كان أبناء محلة حي الجزائر في الديوانية يشكون من سوء طريق المحلة وعدم تبليطها عام 1968 فما كان من صالح معلم (أبو يعقوب) إلا بتأجير العمال ونقل مادة الطابوق من معمله وقاموا بإكساء الطريق حتى الشارع العام , وفي رسالة بعثها يعقوب صالح معلم يتذكر مدينة الديوانية وبساتين ناجي الحاج علي في طريق حي الجزائر ومركز المدينة يقول" إنني جداً مشتاق إلى الديوانية وأهالي المدينة , أتمنى أن أكون طيراً يستطيع الطيران في سماء العراق و مدينتي الديوانية لأشم هوائها العليل , أتذكر من مدينتي شارع الصيادلة في الصوب الصغير القريبة لمكتب والدي , والقريبة لعيادة الأطباء ومنهم الدكتورة ( ماهي الكچچي) والدكتور (حنا) الذي أصبح مدير مستشفى الجمهوري في المدينة والدكتور (أدور شاشا) الذي كان على اتصال دائم مع العائلة و سؤالي عن عائلة التورنجي فهم جيرننا وأخوتنا "( ) .
كانَ عدد أبناء الطائفة اليهودية في الديوانية لا يتجاوز (825) نسمه , وبسبب المضايقات وإسقاط الجنسية العراقية بقرار صادر من قبل حكومة توفيق السويدي عام1950 , فقد هاجر الكثير منهم ولم يبق منهم أي فرد عام 1970 .



#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)       Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلة تحتفي بالشاعر العراقي سعد جاسم
- حوار مع المناضل حميد غني جعفر الاسدي (جدو) , ليروي قصة النفق ...
- سحر الحقيقة ..شخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي
- واقع المرأة في المجتمع العراقي
- كيف نصنع الديكتاتور
- وداعاً ايها المناضل والصحفي سعد حمزة الغريباوي
- د. برهان شاوي وأسرار رواية مشرحة بغداد
- مأساة اكراد حلبچة والسلاح الكيمياوي
- الباحث عدنان حسين أحمد وأدب السجون
- الشخصية الوطنية موسى الطائي يروي المعالم المضيئة من تاريخ تن ...
- حوار مع كاظم محمد الحسن (أبو بسيم ) عن تأريخ تنظيم الحزب الش ...
- بغداد المحروسة
- جدلية المثقف والسياسي العراقي
- فاجعة الفرهود والتهجير في الموصل
- دور الحزب الشيوعي العراقي في مكافحة الصهيونية
- لبنى العاني الفنانة العراقية المغتربة التي تمتلك رخامة الصوت ...
- الإسلام السياسي ..النشأة والحقيقة
- قراءة في كتاب المفكر كريم مروّة (أفكار حول تحديث المشروع الا ...
- ملحمة المجرشة ومعانات المرأة العاملة العراقية
- أشهر مغنيات بغداد مطلع القرن العشرين


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نبيل عبد الأمير الربيعي - اشهر عوائل يهود الديوانية في ميدان الزراعة والتجارة (الحلقة الأولى )