أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أسعد العزوني - عبد الحسين شعبان :إسرائيل تستعجل تفتيت العالم العربي















المزيد.....


عبد الحسين شعبان :إسرائيل تستعجل تفتيت العالم العربي


أسعد العزوني

الحوار المتمدن-العدد: 4625 - 2014 / 11 / 6 - 17:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأكاديمي والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان :
إسرائيل تستعجل تفتيت العالم العربي
عمان- أسعد العزوني
قال المفكر والكاديمي العربي د.عبد الحسين شعبان أن إسرائيل تستعجل تفتيت العالم العربي، فيما تعمل القوى الكبرى على ذلك ولكن على مهل .
وتاليا نص الحوار:
** أين تضع معادلة الدكتاتورية مع التنمية؟
يمكن لبعض الأنظمة الشمولية أن تُحدث تطوراً تنموياً، ولكن ذلك لن يتم إلاّ لحين، وبعدها سيتوقف النمو الاقتصادي بفعل أزمات سببها طبيعة النظام السياسي. ولعلّ هناك فارقاً واسعاً وعميقاً بين النمو الاقتصادي وبين التنمية بمعناها الشامل والاجتماعي والتي تسمى في أدبيات الأمم المتحدة " التنمية المستدامة" حسب البرنامج الإنمائي، والمقصود بذلك: التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والقانونية والنفسية وغير ذلك.
لقد تطوّرت بعض البلدان في ظل أنظمة الاستبداد والأنظمة الشمولية، لكن ذلك النمو توقف بعد حين. خذ مثلاً تجربة النمو في الاتحاد السوفييتي السابق والتجارب الاشتراكية في أوروبا الشرقية، حيث حققت معدّلات مهمة للنمو الاقتصادي، لكن شحّ الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان أدت إلى توقف هذا النمو وتراجعه قياساً للتطور العالمي، وسبّب ذلك في اختناقات شديدة، شملت الحاجات الأساسية أحياناً، الأمر الذي أدى إلى انهيار هذه التجارب.
وإذا كان هذا في بلدان الأصل التي تبنّت التوجه الاجتماعي والذي سمّي بالاشتراكية طريقاً للتطور فإن البلدان النامية في آسيا وأفريقيا عانت من ذات الأمراض: خذ مثلاً التجرية الناصرية والتجربة البعثية في العراق وسوريا والتجربة القذافية في ليبيا والتجربة البومدينية في الجزائر وتجربة اليمن الجنوبية ذات التوجه الماركسي، وهذه كلّها تعرّضت إلى نفس التحدّيات.
لا بدّ من موازنة النمو الاقتصادي، وبالتراكم، ليتحول إلى تنمية شاملة بالبعد الاجتماعي والتنمية السياسية والقانونية والثقافية والتربوية، وهو ما يكسبها صفة مستديمة.
1- لماذا لم نر تنمية حقوقية في العالم العربي على وجه الخصوص؟
التنمية الحقوقية يمكن أن تندرج في إطار التنمية المستدامة، التي لا تزال غائبة، بسبب شحّ الحريات وخصوصاً حرية التعبير والحق في التنظيم وتشكيل الجمعيات وحق الاعتقاد وحق المشاركة السياسية في إدارة الشؤون العامة ودون تمييز لأي سبب كان سواءً بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق أو الأصل الاجتماعي.
ولا يمكن أن تحدث تنمية حقيقية في المجتمعات العربية دون الإقرار بدور مناسب للمجتمع المدني، وبذلك يمكن أن تقوم التنمية على ثلاث أركان يمكنها التعاون فيما بينها لإحداث التنمية المنشودة وهي: الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، خصوصاً وأن هناك ضرورات لا غنى عنها ليكون المجتمع المدني شريكاً للحكومات في اتخاذ القرار ومكملاً لها في تنفيذه ورقيباً وراصداً لها من حيث الوجهة الإيجابية، ليكتمل المشهد بالتعاون المثمر والفعّال. كما يمكن للمجتمع المدني أن يتحوّل إلى قوة اقتراح أساسية للمشاريع والقوانين والأنظمة، ولا يكتفي بكونه قوة احتجاج واعتراض، وذلك هو الدور الحضاري للمجتمع المدني وهو أساس في التنمية الحقوقية. ولكي تستكمل التنمية الحقوقية فلا بدّ من تأكيد حقوق المجاميع الثقافية الإثنية والدينية واللغوية وغيرها، وكذلك حقوق المرأة.

2- ما هو أثر اللجوء على كرامة الإنسان وحقوقه في العيش والأمن والسلام
اللجوء حق للإنسان وهناك اتفاقية دولية لتنظيم هذا الحق وقد صدرت في العام 1951 بخصوص لاجئي أوروبا الشرقية، ولكنها تطورت وأضيف إليها الكثير مما تقتضيه اللوائح الدولية لحقوق الإنسان، بالبروتوكول الإضافي الملحق بها الذي دخل حيّز التنفيذ في العام 1967.
هذا الحق يضمن كرامة الإنسان وحمايته من التعرّض للاضطهاد أو التعذيب كما يضمن له الحق في العمل والحق في التعليم كحقوق أساسية، مثلما يضمن له حق العيش بسلام وأمن كاملين. ولعل جميع منظومة حقوق الإنسان تنطبق على اللاجئ باستثناء الحق في الترشح والحق في الانتخاب للمجالس البرلمانية، وعدا ذلك فإن جميع الحقوق تنطبق عليه، مثلما عليه مراعاة قوانين البلد المضيف واحترامها.
اللاجئ ليس متسولاً أو عبئاً على المجتمعات المستقبِلة إنه إنسان مثله مثل غيره، تعرّض أو شعر بالتعرّض للاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو اجتماعية أو غيرها، فاضطر لمغادرة بلده حفاظاً على حياته وكرامته، وينبغي احترام ذلك حسبما تقرره المواثيق والاتفاقيات الدولية وحقوق اللاجئين، كما أن الكثير من اللاجئين يقدّمون إسهاماتهم للبلدان المضيفة ويعملون على تنميتها وتقدمها بكفاءاتهم وجهودهم.

3- ماذا عن الإرهاب في العالم العربي؟
إن هذه المسألة تتطلب وقفة جدّية، خصوصاً وقد صدر الآن قرار عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 15 آب (أغسطس) الماضي 2014 وهذا القرار رقمه 2170 يلاحق الإرهابيين من تنظيم الدولة الإسلاميّة ويدعو لتجفيف الأموال، ويسائل من يحاولون تقديم المساعدة لداعش وتنظيم النصرة وغيرها من التنظيمات، علماً بأن هناك قرارات دوليّة قد صدرت بخصوص الإرهاب الدولي بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر الإرهابية الإجرامية التي حصلت في الولايات المتحدة العام 2001 وهي ثلاث قرارات من أخطر القرارات الدوليّة التي صدرت في تاريخ المنظمة الدوليّة.
القرار رقم 1368 وصدر يوم 12 أيلول/ سبتمبر أي بعد يوم واحد من أحداث 11 سبتمبر هذا القرار يدعو لتحالف دولي لمحاربة الإرهاب الدولي. الفكرة التي التقطها وأسّس عليها جورش دابليو بوش بصدد محاربة الإرهاب الدولي وعلى أساسه شنّ الحرب على أفغانستان العام 2001 ثم الحرب على العراق واحتلاله العام 2003.
القرار رقم 1373 الذي صدر يوم 28 أيلول (سبتمبر) العام 2001، وهو أخطر قرار في تاريخ المنظمة الدوليّة وقد ألغى هذا القرار عملياً قواعد القانون الدولي ورماها جانباً وحلّ محلّها قواعد تعود إلى الماضي والقانون الدولي التقليدي، الذي كان يجيز حق الفتح وحق الغزو كلما اعتقدت الدولة أن مصالحها مهدّدة بالخطر أو أنّ مصالحها القوميّة تقتضي ذلك. وهنا يتم تفسير مصالحها القوميّة على أساس رغبتها وإرادتها. بموجب هذا القرار يحق للدولة إذا شعرت أن هناك خطراً ما وشيك الوقوع أو عمل إرهابي أو عنفي يمكن أن يحدث، فيمكنها أن تشنّ الحرب حتّى قبل البدء من جانب الطرف الآخر الذي يُتّهم بالإرهاب وقد أسس هذا القرار لفكرة الحرب الإستباقية أو الحرب الوقائية.
أما القرار الثالث فهو القرار رقم 1390 الذي صدر يوم 16 كانون الثاني/يناير عام 2002 أي بعد بضعة أشهر من أحداث 11 أيلول سبتمبر الإرهابي. وألزم هذا القرار الدول بالتعاون لمكافحة الإرهاب الدولي، وإلاّ فإن عقوبات يمكن أن تتخذ بحقها، وبالطبع فإن اليد الطولى في هذا الميدان هي لواشنطن.
وهذه القرارات تشكل سلّة كاملة وهي خلفية للقرار 2170 الذي صدر في 15 آب/أغسطس الماضي 2014. وبموجب هذا القرار اتخذت واشنطن خطة لقيادة تحالف دولي يضم 40 دولة وحدّد له الرئيس أوباما 3 سنوات وخصص له 30 مليار دولار ولكن الحرب قد تطول لدرجة أن وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا قال أنها قد تمتد إلى ثلاثين سنة، وكأننا عدنا إلى الصراع الآيديولوجي وفترة الحرب الباردة والصراع بين الشرق والغرب، وكأن داعش هي الاتحاد السوفييتي السابق "محور الشرّ".
ومثل هذه الاستنتاجات تثير أسئلة جديدة، مثلما أثارت خطة الرئيس جورج دبليو بوش الذي كما قال قبل عشر سنوات ونيّف إن الحرب على الإرهاب قد تستمر إلى عشر سنوات وتشمل 40 بلداً وتستهدف 60 حركة بما فيها حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية والحركات غير المرغوبة من جانب واشنطن، لأنّه لا أحد يستطيع أن يحدد نهاية للحرب. يستطيع الإنسان أن يحدد بداية للحرب لكن لا أحد يستطيع أن يحدد نهاية لهذه الحروب، خصوصاً إذا ما استمر الإرهاب.
فهل ستثمر الضربات الجويّة لوحدها وكيف يمكن القضاء على الإرهاب الدولي من الجو؟ وهل سيمثل ذلك عودة للولايات المتحدة إلى المنطقة؟ وهل هو احتلال ثاني للعراق بعد احتلال عام 2003؟ ثم كيف يمكن التفريق بين مهمة واشنطن في العراق عن مهمته في سوريا بشأن مكافحة الارهاب الدولي؟

4- العراق إلى أين وهل ينجح العبادي في إحداث نقلة نوعية؟
حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي استلم العراق بعد تمزّق وتحديات كبرى وانقسامات مجتمعية وتمترسات طائفية ومذهبية. وأعتقد أن مهمته معقدة وصعبة للغاية، وليس بإمكان أحد أن يمتلك عصا سحرية للتخلص من آثار تلك التركة الثقيلة.
لقد حاول التخفيف من حدّة التوتر بين الأطراف ونجح في تشكيل الوزارة واستكمل وزارة الدفاع ووزارة الداخلية (العقدتان المستديمتان)، لكن ذلك لوحده غير كاف. لا بدّ من تحقيق مصالحة وطنية وإلغاء قانون إجتثاث البعث، أما المرتكبون فيمكن تقديمهم للقضاء في السابق والحاضر، وفي كل وقت، والفكرة تحارب بالفكرة والرأي بالرأي والحجة بالحجة، وليس بالتحريم والتجريم المسبق .
يحتاج الأمر القضاء على الارهاب ومخاطره والقضاء على الفساد المالي والإداري وهو وجه أخر للارهاب، كما يحتاج إلى التخلص من عبء البطالة الذي يضرب المجتمع، وكذلك تجاوز الموضوع الطائفي بإعادة الخدمة الإلزامية إلى الجيش وحل المجموعات المسلحة وتحت أي عنوان لا بدّ من خضوعها للدولة وللقوات المسلحة. كما ينبغي إعادة نظام الخدمة المدنية عبر مجلس الخدمة التاريخي، أي العمل على استعادة أساسات الدولة من خلال مبادئ المساواة والمواطنة المتساوية وعدم العزف على موضوع الأغلبية الطائفية، لأن ذلك يلحق ضرراً بالدولة ككل ويؤدي إلى الاحتراب والتمترس.
ويحتاج الأمر في هذا الصدد إلى تنمية تربوية بتغيير المناهج والتخلّص من هيمنة الدين على الدولة الذي يمارسه رجال الدين، خصوصاً ببعده المذهبي، وكل شيء ينبغي أن يخضع للدولة ومرجعيتها وليس إلى أية مرجعية أخرى.
إذا اعتمد العبادي على ذلك على نحو صحيح وفي إطار مشروع وطني يضم الجميع. فيمكن أن يتقدم لمواجهة التحديات وإلا فإن الأمور سائرة إلى التشظي والتقسيم، ولن يتم ذلك إلاّ بعد احترابات أهلية شديدة. وهناك أكثر من مليون و800 نازح عراقي في الداخل، تركوا مدنهم وقراهم وهجروا بلداتهم ومناطق سكناهم بسبب احتلال داعش لها، كما أن شعورهم بالحيف يدفع باتجاه التباعد وإن لم يتم حلّ مشاكلهم على نحو سريع وخصوصاً بالقضاء على داعش وإلغاء التمييز والغبن الذي يشعرون به، فإن الأمور ستأخذ طريق الافتراق أكثر فأكثر.

5- أمريكا قالت أنها أرادت إنقاذ العراق من الحكم السابق، لكننا نرى هذا البلد الغني ينهار يوماً يعد يوم...لماذا؟
قل لي في أي مكان عملت أمريكا غير ذلك، في الفيتنام أم في فلسطين التي تركت الصهاينة يعبثون فيها ويمزقونها إرباً ويرمون الشعب الفلسطيني خارج أرضه، وتستمر إسرائيل بدعم واشنطن بعدوانها المتكرر على العرب، ففي السنوات الثمانية الماضية قامت تل أبيب بأربعة مرات بالعدوان: الأولى حرب تموز ضد جنوب لبنان العام 2006 الثانية بعد حصار غزة العام 2007 فإنها شنت حرباً في نهاية العام 2008 وأوائل العام 2009 وعرفت بعملية عمود السحاب والثالثة في العام 2012 قامت إسرائيل بعدوان جديد على غزة عُرف باسم " الرصاص المصبوب" والمرة الرابعة عدوانها الجديد ضد غزة العام 2014 والمعروف بعملية الجرف الصامد.
في العراق دفعت الأمور باتجاه التصادم وتفكيك البلد بعد احتلاله وتفتيته وزرع الطائفية وإذكاء نارها على نحو شديد بعد أن اضطرّت إلى الانسحاب في العام 2011 بفعل ضربات المقاومة والخسائر التي تعرضت لها والأزمة الاقتصادية والمالية العالمية منذ نهاية العام 2008، يضاف إلى ذلك دور الرأي العام الأمريكي والأوروبي والعالمي المناوئ للحرب ولاحتلال العراق.
أمريكا هي التي كرّست تقسيم العراق إلى سنة وشيعة وأكراد وذلك في مجلس الحكم الانتقالي وفي الحكومات التي أعقبته وكانت قد اشتغلت على ذلك لأكثر من ثلاث عقود، ومنذ بداية الحرب العراقية – الإيرانية، وكان غراهام فولر قد طرح سؤالاً هل سيبقى العراق موحداً العام 2002 وذلك بعد تعرضه للعدوان العام 1991 بعد غزو قواته للكويت وفولر هو مقرّب من الـ CIA ويعمل في مؤسسة راند وكان لفرض الحصار الدولي الجائر على العراق طيلة 13 عاماً سبباً في وصول الأوضاع إلى ما وصلت إليه، فضلاً عن النظام الشمولي الحاكم في السابق. ولعلّ واشنطن كانت وراء الكثير من الفتن الطائفية والمذهبية. ولا نعفي هنا النخب السياسية التي انخرطت في هذا المشروع من مسؤوليتها فقد استمرأ أمراء الطوائف هذه الخلطة العجيبة، لأنها حققت لهم ما يريدون وبدونها قد لا يكون لهم الدول الذي طمحوا في الوصول إليه، خصوصاً في ظل الشحن الطائفي والمذهبي والإثني.

6- كيف نقرأ ملف الربيع العربي ولماذا انخرط الجميع في معارك الدم والقتل والدمار؟
كان الوضع العربي أقرب إلى استثناء، فقد استعصي التغيير الذي كان مؤملاً في نهاية الثمانينات، لكن الموجة انكسرت عند شواطئ البحر المتوسط بسبب عدم رغبة القوى العظمى، إضافة إلى عدم استكمال استعدادات القوى الداخلية الطامحة في التغيير حيث لم تكن جاهزة أو مستعدّة لذلك.
ما حصل في العام 2011 كان موجة جديدة وثالثة للتغيير العالمي، فقد بدأت الأولى في أوروبا الغربية، في أواسط السبعينيات بالتغيير الحاصل على حكم الجنرالات في اليونان وحكم العسكر في البرتغال وبعد موت فرانكو في إسبانيا، حيث تم الانتقال الديمقراطي وتشريع دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية.
التغيير كان مطلباً شعبياً ولا يزال، خصوصاً شحّ الحريات وعدم تكافؤ الفرص والفقر الذي يعاني منه قسم كبير من سكان البلدان العربية والأمية التي تمثل آفة خطيرة، وعدم احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، حيث لا تزال عقوبات غليظة تصدر بحق هذه المطالب، إضافة إلى ملفات الفساد المبتلى به الوطن العربي على نحو شديد. أي أن المطالب تتعلق بالكرامة والحرية واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهي المطالب التي انطلقت منها حركة الاحتجاج التي سمّيت بالربيع العربي في تونس وامتدت إلى مصر، ثم انتقلت إلى ليبيا واليمن وجرى تحرك مماثل في سوريا.
الشرعيات القديمة في الكثير من البلدان تآكلت ولعلّ شعوبها تحتاج إلى شرعيات جديدة لم تقوم حتى الآن، بما فيها البلدان التي حصلت فيها تغييرات. للأسف الشديد أصيبت المجتمعات العربية سجالات من الاحباط والخيبة جراء انهيار الدولة وتفشي الارهاب واستشراء العنف وصعود جماعات متطرفة باسم الدين، اتخذت اسماءً مختلفة تارة باسم القاعدة وأخرى داعش وثالثة جبهة النصرة ورابعة باسم السلفيين، وكل تلك الاتجاهات الاسلاموية كانت قد دفعت الأمور باتجاه الصدام وتحطيم الدولة وأساساتها وقواتها المسلحة.
وإذا كان الأمر قد أنجب تجربة ليست ناجزة في تونس وتحتاج إلى المزيد من التراكم وفي مصر تعرّضت إلى تحديات جديدة ودخل الجيش كعنصر جديد على خط التغيير وعودة الدولة العميقة، فإنه في اليمن سار باتجاه العنف مؤخراً بعد ضمانة مجلس التعاون الخليجي خلال العامين المنصرمين وشهدت اليمن عمليات اغتيال وعنف وسيطرة على العاصمة والاستقواء بالسلاح، فإن ليبيا لا تزال غارقة في الحرب الأهلية، وأصبحت سوريا مرتعاً للارهاب وللارهابيين من داعش إلى جبهة النصرة وضاعت الثورة المدنية السلمية.
التغيير ضرورة كونية وحضارية والشرعيات القديمة ليس بوسعها الاستمرار، لكن على النخب بناء وتأسيس شرعيات جديدة بعيداً عن العنف والمحاصصات الطائفية، ولعلّ الحفاظ على الوحدة الوطنية والدولة الوطنية في أي بلد من هذه البلدان يعتبر مهمة مركزية بعد الفوضى التي ضربت هذه البلدان.

7- هل دخلنا مرحلة تقسيم الشرق الأوسط بعيداً عن حدود سايكس – بيكو؟
للأسف إن التقسيم يسري بيننا، لكنه لن يتم دفعة واحدة، ولعلّ جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين يرغبون في تحقيقه ولكن على مراحل، باستثناء " إسرائيل" التي لا تخفي رغبتها في تقسيم دول المنطقة كيفما شاء، وأي تصدّع لكيانية الدولة الوطنية " نتاج" سايكس –بيكو، فإنه سيخدم " إسرائيل".
وقد كانت هناك تنظيرات منذ عقود من الزمان بخصوص تقسيم دول المنطقة، ومن أبرزها ما طرحه المفكر برنارد لويس في العام 1979 حين دعا إلى تقسيم دول المنطقة إلى دويلات أقرب الى الدوقيات والمناطقيات والكانتونات، لتصل 41 كياناً طائفيا ودينيا وإثنياً وجهوياً. وكان كيسنجر هو من قال علينا تشجيع قيام كيانية وراء أي بئر نفط، وهو ما اشتغلت عليه إسرائيل في مشاريع عديدة، خصوصاً بعد محاولات إخراج مصر من دائرة الصراع العرابي- الإسرائيلي، وتوقيع معاهدة كامب ديفيد والصلح المنفرد معها العام 1978-1979.
إذا ما تم تقسيم المقسّم، فإن الكيانيات " المجهرية" الجديدة حسب بعض الخرائط ستكون غير قادرة على مواجهة التمدد الإسرائيلي، وستظهر إسرائيل ككيان كبير له إمكانات تكنولوجية ويحظى بدعم غربي، ولذلك سيكون مؤثراً على المنطقة إن لم يحاول اخضاعها لنفوذه وسطوته.
لقد طرح جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي الحالي مشروع الفيدرالية الثلاثية في العراق (الشيعية والسنية والكردية) والأمر لا علاقة له بفكرة الفيدرالية الإدارية التي تعني توسيع دائرة صلاحيات الأقاليم على حساب تخفيض المركزية الشديدة والصارمة، وهي فكرة قانونية بحيث تكون الدولة مركّبة وليست بسيطة ويتم تقاسم الصلاحيات والثروات بين الأقاليم والمركز الذي يمثّل السلطة الاتحادية مع ضمان وحدانية القوات المسلحة والعلاقات الدولية والدبلوماسية والعملة والخطط الاقتصادية الكبرى. لكن مشروع جو بايدن هو أقرب إلى الكونفدرالية حيث يتم وضع نقاط تفتيش check point على حدود الفيدراليات وتنظّم هوّيات أقرب إلى الباسبورتات ويتم تشكيل قوة مسلّحة تبلغ نحو 300 ألف جندي تفصل بين الحدود ويتم توزيع الموارد وفقاً لنظام خاص ووضع ميزانية لتنفيذ المشروع تصل إلى مليار دولار، والحجة هي وضع حد للصراع لبن السنّة والعرب والكرد وإنهاء التوتر الطائفي والإثني.
وبالنسبة لسوريا فالمطروح هو دويلة علوية ف يالساحل والجبل دويلتان سنيتان واحد في دمشق والأخرى في حلب ، ودويلة درزية ودويلة كردية وهكذا.
صحيح أن هذا جزء من مخططات غربية ورغبة إسرائيلية، لكنها ليست بالضرورة قابلة للتحقيق، إذا توفرت إرادة للممانعة والمقاومة والرفض، الأمر الذي يحتاج من النخب العربية إجراء مراجعات شاملة ونقد ذاتي لمواقفها والتوافق على برامج للإصلاح والتنمية والديمقراطية، مع الحفاظ على الدولة الوطنية، وتحت سقفها يمكن تصارع البرامج والاتجاهات السياسية، وإلاّ فإن التقسيم قد يصبح أمراً واقعاً ويشجع عليه حالة اليأس والخذلان وعوامل التشظي والاحتراب الطائفي والإثني وهدر الحقوق والحريات.
لعل المعادلة صعبة وقاسية أحياناً وهي تلك التي تقوم على التساوق مع التطور العالمي للتغيير، بتوسيع دائرة الحريات وردم الهوّة بين المحرومين والمتخومين، وتحقيق الكرامة الإنسانية واحترام حقوق الإنسان، ولكن ذلك لن يتحقق في ظل الفوضى الخلاّقة أو غير الخلاّقة، وفي ظل استمرار العنف والإرهاب، بل عبر الدولة الوطنية الموحدة وفي إطار تجديد هيكليتها من خلال تعزيز سيادة القانون واستقلال القضاء وإشاعة الحريات والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية.



#أسعد_العزوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توقيع رواية -أَعْشَقُني- لسناء الشّعلان في المربد
- الأردن الرسمي ..برافو وإلى مزيد
- حفل ”اُمسية في كراكاس- تضيء ليل عمان
- المرصد الأورومتوسطي يصدر تقريرين حقوقيين شاملين حول جرائم ال ...
- رسالة عربية إسلامية – مسيحية
- المؤتمر العربي التركي الرابع للعلوم الاجتماعية يناقش قضايا ا ...
- قراءة في كتاب -الكويت والخليج العربي في السالنامة العثمانية ...
- إشهار -قافلة العطش- في بلغاريا
- د. أبوغزاله متحدثاً رئيسياً في مؤتمر القيادات الاستراتيجية ل ...
- جريمة سيناء الإرهابية الأخيرة تدبير سيساوي
- حمى الله المحروسة مصر ..ولكن
- قراءة في الديوان ا لأول للشاعر المهندس خيري رمضان -وقفت بها-
- الدخان الأسود
- دعوة الدكتور طلال أبوغزاله للانضمام إلى لجنة بريتون وودز الت ...
- الإسلام الأمريكي
- اعتصام أمام مقر الصليب الأحمر في عمان للتضامن مع القائد الأس ...
- في اليوم الأخير لمؤتمر -داعش- والتدخل الأجنبي: التداعيات على ...
- رسالة تضامن مع الشهداء الصحفيين في غزة بعنوان ( شعبنا العربي ...
- في افتتاح مؤتمر للمركز العربي عن -داعش- والتدخل الأميركي عزم ...
- قراءة في كتاب -الأردن وإسرائيل-..علاقة مضطربة في إقليم ملتهب ...


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أسعد العزوني - عبد الحسين شعبان :إسرائيل تستعجل تفتيت العالم العربي