أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهده محمد علي - الورود السوداء - قصة قصيرة














المزيد.....

الورود السوداء - قصة قصيرة


ناهده محمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 4624 - 2014 / 11 / 4 - 07:36
المحور: الادب والفن
    


حلمت ذات يوم بأنني أتجول في حقل واسع وأقطف وروداً سوداء , لم أشأ أن أخبر أمي بذلك وكنت وقتها يافعاً وقد قُبلت لتوي في معهد التكنولوجيا وكان كل ما حولي بهياً ورائعاً , ملابسي الجديدة , كتبي وزملائي والفتيات الجميلات اللواتي من حولي وحتى أساتذتي كانوا على غير شاكلة معلمي الثانوية . أحببت أيضاَ طعام الكفتريا مع الجاي الأسود , كنت أختلس النظر الى الفتيات الضاحكات وتمنيت لو أثير إنتباه واحدة منهن ولكني كنت خجولاً بطبعي , ولا أجيد الحديث مع النساء .
عدت الى البيت سعيداً وحين جاء وقت النوم تذكرت حلم البارحة وقررت أن أخبر أمي به صباحاً . وما أن أخبرتها حتى وجمت وسهمت عيناها الى البعيد , كانت أمي إمرأة طيبة وصبورة وقد عانت الكثير في حياتها ولم أسمعها يوماً تتأوه أو تندب حظها . كانت تقدم لي رعاية إضافية وتقدمني على إخوتي ويريحني صوتها كل صباح ( صباح الخير يُمّه هشام ) وأهرع إليها لآخذ منها مصروفي . لم تكن ساندويجات الكفتيريا ألذ من ساندويجات أمي لكني كبرت على حمل طعامي معي . مرت السنوات وأنا على هذه الحال ولم أفلح خلالها بإقامة علاقة جدية مع زميلة من زميلات الجامعة , ثم تخرجت من المعهد وكان صوت النفير يقرع الأبواب للإلتحاق بالجيش , حاولت الهرب وكنت الولد المدلل لأمي لكن أخي الأكبر أصر على إلتحاقي والمشاركة بالحرب العراقية الإيرانية كما شارك من قبلي أخوتي الآخرين , حاولت التملص لكن الكل كان خائفاً من أن تنتقم السلطة من عائلتنا . أخيراً أذعنت للضغوط وإستسلمت للأمر وذهبت لأودع أمي , كانت تبكي بمرارة لكنها لم تنبس بكلمة واحدة بل جعلت تبكي طويلاً وكأنها تودعني الى الأبد , أقنعتها بأني عائد إليها وتركت سجادة الصلاة مفتوحة لأعود إلى البيت بعد حين . ذهبت وكان كل ما حولي أسود دامس , الكل يقتل الكل , والكل يصرخ ( الله أكبر ) ثم يقتل الآخر . ذات يوم كنت أحدث زميلي في الحفرة ضاحكاً وعيني تنتقل يميناً ويساراً خوف المباغته , وحينما أنهيت كلامي الضاحك والسريع إلتفت فوجدت زميلي مضرجاً بالدماء وقلبته فإذا هو ميت , أحسست أن الموت قاب قوسين مني أو أدنى . أصبحت أكثر حذراً وكنت أسير أحياناً أياماً ولا أجد ما آكله غير العلب الصغيرة التي تسبب لي آلاما في بطني .
إلتقيت مرة ببعض الزملاء فأخبروني بأنهم قرروا الإستسلام للجانب الإيراني لأنهم مرضى وقد تعبوا من القتال , قلت لهم أخاف أن أفعل هذا وأخاف أن يقتلني الذي خلفي .
ناداني الآمر ذات صباح وقال لي قد حان موعد الزيارة فهرعت راكضاً الى السيارة اللاند روفر , وحينما وصلت إلى بغداد لم أصدق بأني أسير في شوارع الحي الذي أسكن فيه , وهرعت إلى أحضان أمي وبقيت في البيت إسبوعين لا أود الخروج منه , ثم حان سريعاً موعد العودة وتمنيت يومها أن لا أصحو أبداً , لكني صحوت وذهبت ونُقلت إلى الجبهة , وكان قتالاً عنيفاً وبشعاً كنت أتمنى فيه الموت كل يوم , وذات يوم قررت أن أعبر الشط وأهرب إلى البعيد , لكن النهر كان عميقاً وأنا لا اجيد السباحة كثيراً ثم قررت ذات صباح أن أرمي بنفسي إلى الماء بعد أن مات من حولي كل أصحابي , ولم يعد يهمني ما يحدث بعدها . ظلت أمي تحافظ على سجادتي مفتوحة في غرفتي لسنوات عديدة , ثم أغلقتها ووضعتها تحت رأسها ربما لكي تحلم بي , وبقيت في إنتظاري كل يوم تخرج بعد صلاة العصر إلى الباب وتنتظر طويلاً حتى يخيم الظلام فتقفل بابها وهي تتمتم سيعود , سيعود إنشاء الله . وبقيت أمي مصدقة بعودتي إليها , حتى أنها كانت تحكي لأخواتي عن ماذا ستطبخ لي وكيف أنها ستدللني وتهدهدني كما كنت صغيراً . لم أكن موجوداً طبعاً في عالمها لكننا كنا نحلم سوياً بنفس الحلم والفرق أني لم أعد أبداً إلى بيتي لتحقيق حلمها , ثم بعد طول إنتظار ماتت أمي في 2003 وهي تحلم بأن الورود السوداء قد تحولت إلى ورود بيضاء , وبعدها قامت أخواتي بزراعة الكثير من الورود البيضاء في حديقة المنزل والتي لم يستطع أحد أن يقطفها وعاشت دورة حياتها الكاملة صيفاً وشتاءً وربيعاً ثم خريفاً . ونامت أمي نوماً طويلاً وهي مطمئنة وبقيت أنا في البعيد البعيد الذي لن يعود أبداً .



#ناهده_محمد_علي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخاك أخاك أن من لا أخاً له .. كساع إلى الهيجا بغير سلاح
- نحن من يزرع الشوك
- البيت العراقي
- من يُعدِل الميزان .
- من يبقى للعراق الجريح !!
- الإرهاب من أين والى أين .
- هل يتبادل الإنسان الأدوار مع الحيوان .
- الطلاق الحر بين الجماعات والأفراد .
- إن كنت تريد غزالاً فخذ أرنباً , وإن أردت أرنباً فخذ أرنباً . ...
- المادة 4 إرهاب ويوم المرأة العالمي وقانون الأحوال الشخصية ال ...
- الشراسة طبع متوارث أم مكتسب لدى العرب .
- ( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا )
- كل يوم يُقتل الحسين فينا .
- أفقر العالم أشد أم فقر العراقيين .
- الإنسان إبن بيئته والمرأة تتبع هذا .
- إحساس الغيرة هل هو مرض أم دافع .
- فلسفة إلغاء الآخر أو فلسفة القتل .
- المغتربات العراقيات والسومريات
- ماذا يفعل الإنسان العربي ببيئته
- حينما يُسحب الرصاص من الأقلام وتُملأ به المسدسات .


المزيد.....




- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهده محمد علي - الورود السوداء - قصة قصيرة