أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاتف بشبوش - أنمار رحمة الله , ولعبته الإلزامية في عودة الكومينداتور........















المزيد.....


أنمار رحمة الله , ولعبته الإلزامية في عودة الكومينداتور........


هاتف بشبوش

الحوار المتمدن-العدد: 4608 - 2014 / 10 / 19 - 22:44
المحور: الادب والفن
    



أعودُ فتياً ,نشطاً , ومنفتحاً على رياض الكلمات والإبداع , حينما أقرأ مجموعة( عودة الكومينداتور) للفتى القاص أنمار رحمة الله , والتي تتألف من مجموعة من القصص بمساحة المئة صفحة . حينما يوغل أنمار وينغمر في كتابة قصصه القصيرة , فأنّ المهمة ليست بالسهلة , كما وأنّ الورق المعبد والصقيل لا يسهّل على قلمه الإسترسال بشكل سريع كما الراوي , القصة القصيرة تتطلب الذهنية العميقة , الخيال الواسع المركز والكثيف , مثل خيال الطفل الفلسفي الذي لم يتجاوز سن البلوغ . يتطلب من القاص أنْ يكون في عزلة تامة و إنفرادية موحشة في لحظة كتابة السرد , ولذلك أنا أرى أنمار متوجها الى قدسية الكتابة , منفردا بكامل عقله الباطن لإكمال مراسيم القص, أراه ذا موهبة عالية ممزوجة بتقنية الحبكة المنزوية والخفيّة بين السطور, أراه شاباً في عمره وشاباً في رسم الصورة المتينة التي تتمتع بجسدٍ متمرّس على رياضة الكلمات, فيستطيع بذلك أنْ يبني منها مَشاهداً قصصية لامعة , بارزة في حدة صورها , جميلة في تشكيلتها . كلما كان القاص ملماً بتقنية السينما وصناعتها والإطلاع بشكل كبير على مجريات ومشاهدة الأفلام كلما كان قادراً على أنْ يستنبط الكثير من الأفكار لينسج قصصه القصيرة , وحسب معرفتي بالقاص أنمار هو من النوع المثابر والمجتهد في متابعة ما تنتجه السينما العالمية والعربية من روائع .أنمار في مجموعته هذه يحاول أنْ يعطي معنى للأنسانية, يريد أنْ يبعد شبح الحيوانية المتمركزة في ذهن الإنسان وتصرفاته بشكل عام , والهمجية التي تنطلق معه أينما حوصر ووجد نفسه في حالة من الخطر ويتوجب عليه إظهار روح الشراسة والأِفتراس لكي ينقذ نفسه في تلك اللحظة حتى لو كان على حساب أعز مالديه , إضافة الى ذلك( أنّ معظم الناس يموتون كما الحيوانات لاكما الرجال... أرنست همنغواي) , وإنّ الأغلبية من الناس هم فارغون ( هكذا ينتهي العالم لابرجفة عنيفة وإنما بنواحٍ خافت..... ت.س إليوت).نرى في هذه المجموعة القصصية مايدخص كلامنا , فنجد فيها الكثير من الأحاديث عن المرض والجوع والموت والخيانة وكل هذا المفردات لها صلة بمصير الإنسان النهائي , المصير الذي لايليق بكلمة الِأنسانية, مصير أغلبه يكون أقرب الى مصير الحيوانات الاّ القليل من الرجال المبدعين الذين سطروا أجمل الملاحم في سبيل أعلاء كلمتي الإنسانية والِأنسان , ولذلك أنا أرى بأنّ أنمار القاص المبدع هو ذلك الأديب الذي يتخذ من الكتابة فأساً لكي يكسر بها الجليد الذي بداخلنا . أنمار يكتب بالإسلوب الشمولي الإنساني غير التحزبي , أي أنه أديبا مستقلاً لذاته , يكتب لخدمة الفن ألأدبي وليس لحزبٍ أو طائفة كما هو نهج الكثير من الأدباء , إذ أننا نرى هناك أدباء ينتمون الى أدب الحزب والإنتماء العقائدي أمثال مكسيم غوركي وجاك لندن والروائي العراقي غائب طعمة فرمان,وكل هؤلاء وصلوا الى قمة المجد عن هذا النوع من الأدب والإنتماء . أنمار أراه يكتب بدمه ولايفكر بماستؤول اليه قصصه , ولذلك نراه في إبداعه هذا قد خطى خطوة تسجل في مراسيم الأدب الرفيع ,على سبيل المثال رواية بوليسية لجورج سيمنون تكتب في أحد عشر يوما عن الشرطي( ديمتري)بينما رواية لغابرييل ماركيز أو جويس تأخذ عشرين عاما من العمل الشقي , فهناك من يريد الربح الآني , وهناك من يريد الربح الاّ بعد موته , لأنه يكتب بدمه . , لنر المبدع أنمار في أول مجموعته القصصية (عودة الكومينداتور) مع أول قصة فيها ( العائد)......

*قصة... العائد.....
القصة تدور حول رجل يُدفن ويودع في قبره , ثم يصحو بعد حين . يُدفن ويذهب الجميع ولم يبقَ غير إمرأة تنوح عليه وبعض النسوة اللاتي تجمّعن حول القبر يولولنَ ويبكين , وعامل تنظيف يجمع مايخلّفه المشيعون من أوساخ . يرحل الجميع ويبدأ الرجل الميت في التفكير كيف يتخلّص من برودة القبر ووحشته وصمته المطبق والجوع والعطش ووليمة الدود التي سوف تنهش جسده , دون أنْ يحرك ساكناً , وهو في القبرسأل نفسه وهو في حالةٍ من الجنون...
(من سيفتح عليّ باباً من التراب , ومن سيفكر بي والكل قد ناموا ليلتهم متناسين الرجل الذي يرقد الآن كما يظنون تحت لحاف التراب , من سيفكر بأنّ الحياة قد عادت اليّ من جديد ليزورني ويزيح عن كاهلي عبئا هو الأثقل في العالم).
هي حالة أشبه بالذي يموت ولكن قلبه مازال يخفق فيتراءى للناس بانه ميت فيدفن وهو لايزال حيا ,فيحس بالتراب جاثماً على صدره بحقيقته الكاملة.....
(ثم شبحان يقومان بنبش قبره ويزيحا عنه القماط الأبدي, فنهض على مهله متأوهاً , نافضاً ترابه ) , فيطلق ضحكة عالية ( حين إكتشف انّ الشبحين اللذين نبشا قبره هما دفان المدينة المعروف والطبيب الذي زرع ساقه البلاتين).
حينما يعود الى الحياة يفكر في حالته التي لم يألفها الناس ,ربما هو أشبه باليعازر الذي أخرجه المسيح من القبر حسب ماتقوله الروايات العالمية , ربما هو مخيف بشكله الممسوخ وبأوصاله الفارغة من أحمر الدم , فيبدو كمصّاص متعطش ينتمي الى العالم السفلي, يختلف حتى في سيره وحركة سيقانه عن سائر البشر , فيأتي بحركات تذبذبية تارة تسرع وتارة تتباطئ حسب كمية الروح المتبقية في جسده وهو خارج من القبرتواً . كيف سيعود الى مدرسته مع التلاميذ , ويفكر في مصروفه اليومي , ذهابه ورجوعه من البيت , وكيف يبدأ الإنسان بالقبر ثم يتدرج بالحياة بعدها , كلها أشياء لم يستطع أنْ يتخيلها ببساطة معهودة , أنها التي لاتتكرر أبدا .
هذه القصة هي أقرب الى الفلم العالمي (حالة بنجامين بوتون الغريبة) من تمثيل النجم الكبير( براد بت )والممثلة الرائعة (كاتي بلانشيت )من إنتاج 2008 والذي يتحدث عن إنسان يولد في عمر التسعين( مسخ وكأنه قادم من القبر) , ثم يبدأ يعيش الحياة بالمعكوس أي يبدأ الحياة من الشيخوخة حتى يموت طفلاً رضيعا بين أحضان زوجته التي تكون حينها عجوزا لأنها عاشت الحياة الطبيعية , يموت وهو طفلاً لايفهم معنى الموت والألم الذي يسببه, هي فكرة مذهلة عن الإنسانية التي تحلم في أنْ تموت بلا عذابٍ يذكر , تموت وهي لاتدري ماذا يدور حولها , تموت وهي غير نادمة على مافعلت من أخطاء ورزايا , تموت بلا ذكرى طفولةٍ وصبا , تموت وهي قد أدت دورها في الحياة بشكل صحيح في هذا الكون المترامي الأطراف , وبعدها ليأتي الموت فوق الصدور الرحبة والأفواه لما تزل بريالتها الناصعة التي تنتمي الى عالم الطفولة الرضيعة , إنسانية تريد أنْ تحلم في أنْ يموت الأنسان شامخاً صامداً بلاخوف , عكس مانعيشه اليوم ونحن نموت شيوخا عالة على أهالينا وذوينا خائفين من سلطان ورعب الموت القاهر . قصة العائد قصة حالمة بالرجوع الى الحياة, كي يُعطى الأنسان فرصة أخرى ليكفّر عن ذنوبه وآثامه التي إقترفها في الحياة الأولى , قصة حالمة أنْ ينال الإنسان فرصىة ثانية, لكي يكون لديه الوقت الكافي للأعتذار الى أصدقاءه وأحبته عما أقترفه بحقهم من أذى وضغينة , عما أقترفته البشرية من دمار في الحروب والقتل بالجملة والأحصائيات .
الكثير من المبدعين تناولوا قضية الموت , وحين يكتب الكاتب عن الموت فهي أشبه بحالة إستحضار لهذا الموت , كي يخفف من شدة وطأته عليه . فهناك إعتقاد سائد لدى المثاليين بأنّ الميّت يستطيع السماع من حوله , لكنه لايستطيع الكلام , هناك من يوصي بحرقه ثم وضع رماده في قنينة صغيرة تركن في أحد رفوف منزله فيشعر بأنه لازال بين أحبته وأقربائه وأبناءه الذين لايستطيع مفارقتهم , هناك من يوصي بأعطاء رماده بعد الحرق الى أسماك البحر , لأنه قد تغذى عليها طيلة سنوات عمره , وهذا هو نوع من الإيفاء بالدّين لهذه الحيوانات البريئة التي لم تشتكي يوما من إصطيادها وموتها وإختفاءها في بطوننا . حينما نقرأ قصة العائد , ونحس أنّ هناك شخصاً ما في القبر , ورغم كل الصمت المطبق , نسمع ثمة ضجة مخلوق تنطلق بين آونةٍ وأخرى عبر هذا الصمت , ومن دهاليز العالم المخيف , عالم ماتحت الأرض , عالم الأسرار المغلق , العالم الذي لم يأتي منه أحدهم فيخبرنا عن ماذا يحصل في تلك الأعماق السحيقة من التراب , لكي يحرّك شكوكنا ويقيننا نحو السكّة التي يجب أنْ ننطلق فيها ونسير نحو الغايات المنشودة ومن ثم أهلا ومرحبا بالموت , فليأتي لنا ونحن فرحين مغتبطين وبالتالي(أننا جميعا موتى على لائحة الأنتظار..... الكاتب الجيوكسلفاكي , كاري تشايك).

*قصة.. ليلة ضاعَ فيها الرغيف.....
(القصة القصيرة هي المنجز الأدبي الذي يقدم لنا معلومة عن الطبيعة البشرية بأحساس عميق .. كاترين آن بورتر)..
السرد هنا يدور حول جد يروي لحفيده عن حكايته حينما كان في الجيش وكيف كان هو وصديقه الحميم قد أذاقوا من الجوع الكثير في تلك الأيام العصيبة . شريحة الجيش هي من الشرائح الإجتماعية الرذيلة جدا , مهما كانت ثقافتها ومهما كان العمل الذي تؤدية , جميع الأفعال الشنيعة التي يندى لها جبين الإنسانية نراها في الجيش , منذ عهد رامبو الشاعر الفرنسي الشهير , حينما دخل على ثكنة عسكرية عن طريق الخطأ , فقاموا بأغتصابه جميعا , مما أدى بالشاعر أنْ يظل حاقدا على تلك المؤسسة حتى مماته الغريب والمؤلم . علاوة على ذلك بالرغم من كون رجال الجيش حماة الوطن , لكنهم في غالب الأحيان أوباش لايرعوون أنْ يفعلوا الشائنات المدمرة لشعوبهم وهناك أمثلة كثيرة على ذلك من العصر القديم والحديث .
نعود الى قصة أنمار والجد حيث يتحدث الى حفيده الطفل الذي يسألهُ عن إسم صديقه فيقول الجد ( لايهمنا إسمه , فالأسماء لوحات رخام تخفي تحتها قبور الأرواح) , الطفل لم يفهمه في تلك اللحظة وتركه يكمل حديثه مبحرا. يكمل الجد ويقول ...تلك الأيام أدّت بالجنود أنْ يكفروا بعد إنْ لم يطيقوا صبرا بالجوع(ها نحن غريبان هنا /هانحن فقيران هنا / يرعدنا البردُ / وينهشنا الجوع / ...سعدي يوسف.. من ديوان شرفة المنزل الفقير) . يقول الإمام علي بن أبي طالب (آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق) .ماركس العظيم سخّر جلّ فلسفته لنقاش موضوعة الفقر والجوع , وقد ربط كل معاناة البشر بالعامل الأقتصادي , وكيفية توزيع الثروة بشكل عادل , ولابد للعمال والشغيلة القيام بالثورة على الطغاة لكي ينالوا حصتهم من الغذاء الكافي إسوة بالإقطاعي والبرجوزاي .
يستمر الجد بحكايته للطفل ويقول: يأتي الفرج بمجئ حافلة الإعاشة التي تحمل لهم المواد الغذائية , جاءت لهم مثل( سانت كلوز) , فيهرعون لها جميعا , جميع الجنود الاّ هو يبقى جالسا في مكانه لعدم قدرته على النهوض , لكنّ صديقه يذهب , فيتبين أنّ الإعاشة لم تجلب سوى الخبز , فيحصل على قطعة رغيف واحدة , لكنها لم تكفيهم , فيحتفظ بها ويخفيها في مكان بعيد عن عيون الجنود و ويوصي صديقه( الجد) بأن يضع عينه عليها , كي يأكلاها صباحاً, فيقول الجد لحفيده .......
( رجع صديقي الى فراشه مستسلما هو الآخر للجوع وغط في نومه كعصفور مكسور الجناح .في تلك الليلة الكل نام في هدوء , الاّ أنا بقيتُ ساهرا حتى الصباح أستشعر أسرابا من الملائكة تهبط على قاعة المنام) . يجلس صديقه في الصباح على أمل أنْ يأكل كسرة من الخبز مع صديقه( الجد) , فيلاحظ بأنها قد سُرقت , ويظل يسأل الباقين ..
(يستحلفُ هذا ويقسم على هذا , من أخذ قرصي الوحيد , يصيح بصوتٍ عالٍ ,بدأ يفقد أعصابه/ يشتم /يبصق/يلعن سارق الرغيف/والكل في صمت نائمون/مستسلمون للجوع والقدر ) ثم يسأله صديقه الجد (هل وضعته في مكانٍ آخر ؟ أجابه.... بلا..لا ), وهذا السؤال يتبين لنا فيما بعد بأنه سؤالَ إستغفالٍ حقيرٍ من صديقٍ نذلٍ لصديقٍ نبيل .
يموت صديقه من الجوع ويرحل الى عالم الخلاص والطمأنينة , ويحزن الجد حزنا عميقا عليه بكونه صديقه الحميم . . الطفلُ يسأل جده ( ولكن ياجدي هل عرفتَ من سرق قطعة الرغيف)......
( نكّس رأسه بحزن عميق ونبس في إستحياء كالأطفال مشيرا الى صدره: أنا).......أنه اليوم خجِلاً من حفيده لما يحمله من عار طيلة هذه السنوات التي مرّت لخيانته بسرقة رغيف الخبز وقتله لصديقه الحميم .
القصة هنا أشبه بتلك الأم التي في أثناء الفيضان وضعت إبنها تحت قدميها عند بلوغ منسوب الماء فوق أنفها , أنها قصة تعطينا رسالة مفادها أنّ الأنسان فيه من الشر الكبير بحيث يستطيع خيانة أعز أصدقاءه,أنه الصراع الأزلي بين البشرلأجل البقاء, ولذلك يقوم الجد بسرقة الرغيف الذي خبأه صديقه على أمل أنْ يأكلوه سوية في وقت آخر, فيؤدي عمله الجبان هذا الى موت الصديق جوعاً ويبقى هو مريضا ماتبقى من عمره بداء عقاب الضمير حتى مماته , متناسيا تلك المقولة ( اليوم تَدفِن وغداً تُدفَن , اليوم تَحمِل وغداً تُحمَل) , متناسياً حينما يموت الإنسان يموت معه كل ماشعر به ورآه مثل الدموع في المطر.
أكثرُ الروائيين الشهيرين تناولوا موضوعة الجوع في رواياتهم , ومنها الرواية الرائعة للكاتب النرويجي الشهير كنوت هامسون بعنوان (جوع) , هناك رواية عالمية للكاتبة (سوزانا كولنس) بعنوان لعبة الجوع والتي تصوّر لنا عملية الصراع من أجل البقاء و وقد مثلت هذه الرواية في فيلم مثير للغاية عام 2012 تمثيل الممثلة الحسناء (جنيفر لورنس) والشاب( جوش هوشرسن) , وقد نال الفلم الكثير من الجوائز , كما حصد الملايين من الدولارات عن طريق شباّك التذاكر. في نهاية تعليقي على هذه القصة المثيرة , لايسعني سوى القول بأنّ الجوع سجّانُّ وحشي .

*قصة..العراة ..........
لابدّ أنْ تكون النهاية في القصة القصيرة ترسم لنا الهدف المراد منها , قصة العراة تحكي عن شخص يحلم فيرى الناس كلهم عراة غير مكترثين بما يدور حولهم كما نقرأ أدناه........
(خرج الشاب مهرولا وهو يرى الناس في شوارع المدينة عراة , البقال يبيع الفاكهة وعورته ظاهرة , وإمرأة تدلى نهداها وهي تسير غير مكترثة , شرطي المرور وقف عاريا في منتصف الشارع ينظم سير السيارات التي يقودها رجال عراة , الطلاب والطالبات يسيرون في الشوارع عراة يحملون كتبهم , العمال , أصحاب المخابز , الأساتذة النجارون .. الخ .. كلهم عراة) .
والأنكى هم أرادوا بذلك أنْ يرجعوا الى سابق عهدهم أيام آدم وبداية الخلق كما نقرأ في السطرين أدناه من القصة.......
(وأننا يجب أنْ نتعرّى في هذا الوقت , لكي نرجع الى سابق عهدنا الأول , منذ إنْ خلق الله آدم , كان عاريا ولم يرَ عورته الاّ بعد الخطيئة , وإننا بخلعنا ملابسنا سنثبت أننا غير مخطئين بأذن الله) .
وكأنّ المجتمع في حالة المشاعية البدائية أو العصر الحجري, هذه توضح لنا أنّ الإنسان يريد أنْ يجرّد نفسه من التزويق , يريد أنْ يكون على حقيقته بدون أي ملاءة على جسمه غير ورقة التوت مثلما كان في بداية التكوين , يريد أنْ يلتصق بالطبيعة أكثر دون عوازل , ولذلك نرى في أوربا الكثير من الناس في أيام الصيف الحار يخلعون أحذيتهم ويسيرون حفاة في الشوارع لكي يلتصقوا بالأرض الأم مباشرة وهم حفاة , وهذه هي حالة صحية تفيد البدن حسبما نسمعه من الأوربيين. الشاب الذي تتحدث عنه القصة لاتعجبه هذه الفكرة التي لاتمت الى الإحتشام بشئ , وينظر الى هذه الفكرة والتصرف بأزدراء , أنها سيئة للغاية وتجعل من بني البشر غير آبهين بكرامة أنفسهم وأجسادهم التي تتعرض للأهانة بهذه الطريقة الغيرلائقة والتي تكشف عن سوءآت الإنسان . الشاب يقاوم هذا التصرف الأهوج , ينهاهم عن التعري , لايستسيغهم , يلعنهم في دواخله , لكنهم لايعيرون الإهتمام , بل وصل الأمر الى عائلته بمن فيهم أخوته وأخواته كلهم إنظموا الى مجتمع العراة , وبقي هو ذلك الشاب الذاهل الذي لايعرف ماهو مصيره من هذا الفعل الشنيع البعيد كل البعد عن قيمه ِوتقاليدهِ التي نشأ عليها , لكنه لم يصمد أمام هذه الضغوطات فتعرى مثلما يريدون لا كما يريد هو كما نقرأ في الثيمةِ أدناه .... .
( في اليوم التالي فُزعت الطالبات المحجبات والنسوة المحتشمات والباعة الجوالون وشيخ الجامع المتشح بعباءة الصلاة ومدرس التربية الدينية الوقور, وجموع الناس المعتنية بالأناقة وأب وأخت , حين رأوا شابا مجنونا يجول في الشوارع عاريا بلا ثياب).
المحور الرئيسي للقصة هو ماقاله ميكافيللي ( الناس جبناء يتمسكون بالمصالح المادية أكثر من تمسكهم بحياتهم الخاصة , وهم على إستعداد لتغيير أهوائهم وعواطفهم وهم ناكرون للجميل , متقلبون مراؤون , ميالون الى تجنب الأخطار , والذي يرتكن الى وعودهم دون إتخاذ أي إستعدادات أخرى فمصيره الدمار والخراب ) . مثلما حصل لهؤلاء الذين تعرّوا في بداية الأمر , وحينما تعرّى الرجل الشاب وركب الموجة معهم , نراهم إنقلبوا , الرجال إرتدوا أزيائهم والنساء إرتدنّ حجابهنّ . هذه القصة تعطينا بعض المواعظ كما في حكاية ذلك الملك في سالف الأزمان الذي شاهد شعبه وناسه الجهلة وهم يشربون من ماء النهر المسموم والذي يؤدي الى مرض الجنون , أصدر أمراً بمنع الشرب من ماء النهر , فلم ينصاعوا لذلك الأمر , بل إتهموه بالجنون , فظلّ الملك يحاور نفسه , حتى أدى به الأمر أنْ يتنازل عن ثقافته وكبرياءه و يشرب من ماء النهر , والاّ فأنه سوف يخسر كرسيه , وسيكون مجنونا بلاسلطةٍ ولاجاه , فشرب الماء وصح القول حشرُّ مع الناس( جنون) عيد . ففي قصة أنمار أرغِمَ الشاب على أنْ يخلعْ ملابسه إسوة بالناس الآخرين , فركب الموجة وتعرّى وأصبح مجنونا كما هو حال المجانين العراة الذين نراهم في شوارعنا منسيون بائسون . اليوم وفي هذا العالم الواسع الغريب في أطواره وأخلاقه , نجد هناك الكثير من الأمكنة التي يتعرّى بها الناس , في الدنمارك هناك مكان على الشاطئ خاص للعراة , يلعبون , يركضون يسبحون , يأكلون عراة . في فرنسا وفي فصل الصيف قرية كاملة كلها عراة , في الأسواق , في ألأندية , في الشوارع , في الشواطئ , في البيوت والمقاهي والسيارات وفي جميع الأمكنة نراهم عراة .
من خلال القصة هذه نستطيع أنْ نعرف طباع البشر , يبدو أنّ لهم طبع القرود في التقليد , القرود التي ترى إمكاناتها غير المعاشة في صورها المغروزة فينا أكثر من أنْ نراها نحن فيها , ولذلك راح البشر يقلد بعضه البعض حتى لوكان سلبا أو مدمرا , أنها حالة أشبه بمزاولة التقاليد المتخلفة التي تمارس من قبل مجتمعاتنا وخصوصا في جنوب العراق , حيث يرى الإنسان نفسه مجبرا ومضطهًداً على ممارسة طقوس دينية لاتمت للواقع بصلة , بل تساهم في عملية تجهيل المجتمع بأكمله. ففي قصة العراة كان الفتى مرغما أو بمعنى أدق مضطهَداً من قبلهم ولما ركب الموجة التي حلّت بمجتمع جاهل بأكمله , فكان ذلك فوق طاقته فأدى به لأنْ يلتحق بسرب المجانين الذين لايعدّون ولايحصَون في هذه الأمة المتخلّفة.

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــع في الجزء الثاني

هـــاتف بشبــــوش/عراق/دنمارك/ 18/10/2014




#هاتف_بشبوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدتان - مؤذنُ الروكِ في تركيا
- زيد الشهيد في تراجيديا السماوة (2).......
- زيد الشهيد في تراجيديا السماوة( 1)......
- قاسم والي ,عصيُّ على التفكيك, كقصيدةٍ في آخرِ الضوء (3)..... ...
- قاسم والي ,عصيُّ على التفكيك, كقصيدةٍ في آخرِ الضوء (2)..... ...
- سبايكر
- قاسم والي ,عصيُّ على التفكيك, كقصيدةٍ في آخرِ الضوء (1)..... ...
- نصوص قصيرة (3
- نصوصُّ قصيرة (2)
- نجم عذوف , يخلعُ الصمت , عند إنكسار المدن(3)
- نجم عذوف , يخلعُ الصمت, عند إنكسار المدن........2
- نجم عذوف , يخلعُ الصمت , عند إنكسارِ المدن.....
- الطريقُ الى سانت كروز...4... Santa Crusz De Tenerief
- نصوص قصيرة ......
- الطريقُ الى سانت كروز...3... Santa Crusz De Tenerief
- بعثيون
- الطريقُ الى سانت كروز.....2.... Santa Crusz De Tenerief
- الطريقُ الى سانت كروز ...... Santa Crusz De Tenerief........ ...
- فنجانُ حيدر
- أقواسُ قُُزَحٍ شيوعيّة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاتف بشبوش - أنمار رحمة الله , ولعبته الإلزامية في عودة الكومينداتور........