أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية -الميراث المر- عباس دويكات















المزيد.....


رواية -الميراث المر- عباس دويكات


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4585 - 2014 / 9 / 26 - 11:57
المحور: الادب والفن
    




رواية "الميراث المر" عباس دويكات
الرواية من منشورات دار الفاروق، نابلس ، 2014، في هذا العمل الروائي ينحاز الكاتب بكل قوة إلى المرأة، فهي ضحية العائلة العربية التي تفكر بمنطق المجتمع الذكوري، حيث السيادة للرجال، وما على المرأة إلا أن تكون تابع للسيد، وتخضع لمطالبه ولقراراته، "سعاد" التي يقدمها لنا الكاتب وهي في سن المراهقة، وينهي حكايتها بعد أن تكون قد تجاوزت الستين يعد عملا أدبيا استثنائيا بالنسبة لرجل.
الكاتب ينحاز للمرأة بشكل كلي وواضح، ومن أشكال هذا الانحياز جعل السرد بشكل شبه كامل لسعاد، فإذا استثنينا أربع أو خمس صفحات من الرواية، يكون بقية السرد لها، وهنا نستنتج اهتمام الكاتب بموضوع المرأة، فليس من السهل على رجل تجاوز سن التقاعد أن يتقمص دور فتاة وهي في سن المراهقة ويكمل هذا التقمص إلى أن تتجاوز الستين عاما، حيث يشعر المتلقي من خلال استئثار "سعاد" بالحديث عن المرأة وكيف تشعر، وما تريد، وكيف إنها بحاجة إلى الزوج وعاطفة الأمومة، وحاجتها إلى إشباع غريزتها، والعديد من القضايا الأخرى، فهي رواية للمرأة لكن كاتبها رجل.
نعتقد بان هذا الاهتمام بقضايا المرأة لم يكن ليأخذ التفاصيل الدقيقة ـ الغريزة الجنسية، الحب، الأمومة، نكران الذات في سبيل الأسرة، التضحية بالسمعة في ظل مجتمع محافظ، التمرد على الأسرة، الانغماس في اللذة والشهوة، كلها ما كانت لطرح بهذه الحدية والصراحة لو كانت الكاتبة أنثى، فيحتمل أن تضع لنفسها (رقابة ذاتية) تجعلها تحجم عن تناول بعض هذه القضايا، لكن عباس دويكات الذي أمسى جداً، لم يكن ليلقي بالا لهذا الأمر، من هنا كانت صريحا ـ وأحيانا ـ (متطرفا) في طرحه لما تشعر به امرأة، وهذا يحسب للنص وللكاتب.
لغة الرواية بسيطة، السرد ـ أحيانا ـ تناول تفاصيل غير مهمة، خاصة في بداية الرواية، لكن مقدرة الكاتب على جمع التفاصيل وربطها، وجعل الأحدث تتصاعد تدريجيا، وتتعقد الأمور أمام "سعاد" أكثر فأكثر، وطريقة تعاملها مع كافة التطورات، جعل من الرواية سهلة التناول، ويستمتع المتلقي بتناولها، الصور الأدبية والفنية كانت شبه معدومة، وكان موضع الرواية ـ اضطهاد المرأة ـ جعل الكاتب يغفل عن تقديم فاكهة أدبية يجعل المتلقي يرتاح من حجم المأساة التي تعانيها المرأة العربية.
عقدة المرأة
العديد من النساء اللواتي يعنسن يشعرن بعقدة، ويعاني الحرمان من علاقة طبيعية مع الرجل، من عدم تفريغ لعاطفة الأمومة، مع عدم وجود الرجل، النظير المهدئ لها، فأحدى أهم المشاكل التي تعاني منها المرأة العربية مسألة العنوسة، تتكلم "سعاد" عن مديرة مدرستها العانس فتقول عنها "بقايا أنوثة لا زالت فيها" ص8، من خلال هذا الوصف يتبين لنا بان هناك مشاعر للمرأة ومن حقها علينا أن نحترم هذه المشاعر، ولا يجز لنا أن نحتجزها في زجاجة، فهي كائن له من المشاعر والأحاسيس ما لنا.
المرأة التي تعاني من عقدة الزواج يتشكل لديها مشاعر غير سوية، أحيانا يكون الحسد والغيرة ظاهرة في تصرفها وقولها، فهي لا تستطيع أن تخفي مشاعرها وحاجتها وغريزتها، من هنا كانت بهذا الوصف: "شكلها الرجولي، فقدانها لمعالم الأنوثة، غيرتها من الفتيات الجميلات" ص8، هذه الأفكار عن العوانس جعلت "سعادة" ـ في إلا وعي ـ تخاف على نفسها من إن تكون إحداهن، من هنا كانت ردة الفعل لديها قوية ومتطرفة ومتمردة على المجتمع والأسرة معا.
بعد نضوج "سعاد" وتخرجها وتوظيفها كمدرسة للطالبات، بدأت مشاعرها اتجاه الرجل تتهيج، هي أنثى تريد نظيرها من الجنس الآخر، تريد تفريغ غريزتها، فهي تسمع بشكل يومي آهات "أمل" وضحكات أخوها "عامر" وهما يمارسان الجنس، "أرها تخرج في الليل شبه عارية، تذهب إلى الحمام، تغتسل وتعود لتبدأ قصة حب جديدة بينها وبين عامر، وأنا أتمنى لحظة عناق واحدة، هم يحرموني منها، يلاعبون أطفالهم، يستمتعون عندما يرون طفليهما سعيدين، وأنا اسعد بسعادتهما، ولكن لم يكن لي أطفال اسعد لسعادتهم" ص 36و 36، ليس هناك أصعب من أن نضع مشاعر أو غريزة إنسانية في قفص، تحت أي ظروف، ومهما كان التبرير، لكل إنسان الحق في إبداء مشاعره، وأيضا قضاء غريزته، بطريقة مشروعة، أما أن نجعله يرى ويسمع كل ما في الجنس من متعة ولذة وسعادة، وما يترتب عليه من وجود حياة جديدة، ثم نضعه في قفص الممنوعات، يعد أمرا غير منطقي وغير مقبول.
نجعلها تشاهد عاطفة الأمومة والأبوة، ثم ندعي بحجج واهية بعدم أحقية هذا الإنسان من الانتقال إلى الحياة الطبيعية مع الجنس الآخر، نكون قد اقترفنا جريمة بحق أنفسنا قبل أن تكون بحق الآخرين، هذا ما فعلته أسرة "سعاد" الأب وإلام والأخ وزوجة الأخ، كلهم اجمعوا على عدم زواجها، لكي تبقى ثروة العائلة محصورة في الجنس الذكري فقط والمتمثل بشخص "عامر".
سلطة العائلة
يقال أن هناك ثلاث سلطات قامعة الأفراد في المجتمعات العربية، هي سلطة الجهل، وسلطة العائلة، وسلطة الدولة، فالعائلة إحدى أشكل القمع للأفراد في المجتمع العربي، لكنها تكون على المرأة اشد وطأة، حيث يضاف إليها سلطة الرجل، الآمر الناهي، وهذا الأمر مرت به بطلة الرواية "سعاد فقط تعلم أساب الرفض لهذا الزواج، كانت الأسرة تتذرع بان احمد من الريف، بالرغم من مكانته الاجتماعية فهو لا يناسب سعاد ولن يستطيع أن يوفر لها حياة مناسبة، لكن سعاد كانت ترى أن الأسرة كانت تخشى أن يكون لسعاد بعد موت والدها نصيب من الميراث يستفيد منه احمد أو يطالب به لزوجته وأبنائه" ص68، في الحالة السابقة هناك انسجام بين الشاب والشابة، وعلاقة حب وتفهم وانسجام، لكن سلطة العائلة تحول دون أن يكون هناك علاقة شرعية بينهما، ودون أن يكون هناك تفريغ سليم لمشاعر المرأة.
ما يميز سلطة العائلة إنها تظهر الحرص ـ شكليا ـ على مصلحة الفرد، لكن في الجوهر يكون القتل والموت له، هي تهتم بالشكل الاجتماعي ـ التماسك الأسري ـ لكن في الحقيقة هناك زلزال في داخلها، وهذا الأمر يعد احد أهم المشكلات التي يعاني منها المجتمع، الكل يهتم بالمظاهر الاجتماعية، لكن جوهر هذه المظاهر كاذب وخادع، ليس للآخرين وحسب بل حتى لأولئك الذين يقومون به أيضا.
من أهم الأحداث التي عملت على انحراف "سعاد" بحياتها كامرأة طبيعية، رفض العائلة حبيبها وصديقها "احمد"، فهذا الرفض كان بمثابة الحكم عليها بالموت، بجعلها جثة حية، تعيش حالة من الألم والوجع لن تنهي أبدا، "تسع سنوات مرت على انتهاء علاقتي مع احمد، هذا الشاب الذي تمنيت أن يكون أبا لأطفالي وشريك حياتي، لكن الأسرة حرمتني من أول حب" ص 75، الكاتب يذكرنا بحجم المعاناة التي تمر بها "سعاد" فبعد تسع سنوات ما زال الألم يوجع، والجرح ينزف، ولكن هل يمكن له أن يتوقف؟ هل يمكن أن يتم معالجته؟.
الأحداث تأخذ منحى تصاعديا، "سعاد" تعمل على تفريغ غريزتها من خلال "عميد" علاقة خارج العادات والتقاليد، وخارج الشرع والدين، العائلة تبدي أنها ـ متماسكة شكلا ـ تعلم بهذه العلاقة، لكنها في سبيل الميراث تغض البصر، تتجاوز هذه العلاقة،"ـ اسمعي سعاد، أنت أضعت سمعتك نتيجة علاقتك بعميد ولذلك لم يتقدم احد من المدينة للزواج منك.
ـ علاقتي بعميد أنا اخترتها وأنا أتحمل نتائجها، لقد لجأت إليه بعد وقوفكم جميعا أمام حبي لأحمد، ورفضكم لطلبه للزواج مني، وكان همكم الحفاظ على الميراث" ص100، هذه العائلة العربية! عائلة تمثل الواقع المر الذي تعيشه الأسر العربية، يكون داخلها براكين تلقي بالحمم على أفرادها، ويظهرون الانسجام في خارجها، حتى لو كانت تلك الحمم تجعل حياتهم جحيما، فغاية العائلة والسلطة العربية، تتمثل بإظهار تماسكها للآخرين فقط.
تمرد المرأة
ضمن الظروف التي مرت بها "سعاد" كان لا بد من فتح أبواب أو إيجاد مخارج لتعويض خسارتها للحب الأول "احمد" فهي لن تبقى أسيرة للواقع الأسري أو الاجتماعي المتخلف، لا بد لها من البحث عن متنفس، تخرج به ما تحمله من عاطفة وغريزة معا، وأيضا تنتقم به من تلك الأسرة التي حرمتها من إن تكون زوجة، أماً، امرأة عادية تمارس حياة طبيعية، "ـ .. تزوجيه يا سعاد إن كان موافقا.
ـ لقد طلب مني ذلك أكثر من مرة، ولكني أرفض هذه الفكرة في الأصل، أنت كما قلت سابقا الزواج ارتباط مسؤولية، وغير ذلك، وأنا أحب أن أعيش حرة دون مسؤولية" ص51و 52، حجم الضغط والعقدة التي سببها رفض الأسرة لأحمد، جعل "سعاد" تأخذ ردة فعل كبيرة، تتجاوز حتى حاجتها كامرأة، رغباتها كأنثى، هي لم تعد تريد وزجا أو أطفالا أو بيتا، هي تريد تفريغ غريزتها والانتقام من أسترتها في ذات الوقت، فالحياة لم تعد بالنسبة أكثر من متعة، إثبات الذات الحرة ، كما نجد الانتقام والثأر للمرأة التي حرمتها أسرتها من حقها الطبيعي في حياة طبيعية يجب أن تدفع الثمن.
التمرد لم يكن فقط بإقامة علاقة محرمة بل كان أيضا يتمثل بتصرف سعاد داخل البيت الذي يضم أسرتها، " ـ ماذا بك يا سعاد، لماذا لم تحضري وتسلمي على أم حسين؟
ـ من هي أم حسين؟
ـ إنها أم أمل وحماة عامر.
ـ وماذا يهمني أمر أم حسين أو عامر أو أمل؟ أنا استقبل من أشاء ولا استقبل من أشاء"ص 53، بهذا الحوار بين سعاد وأمها كان التمرد على الأسرة، الأسرة التي كان المظهر الخارجي يعد أهم المقومات فيها، سعاد تعمل على تحطيمه، وإظهار الزيف الكامن فيه.
لنرى كيف كانت "سعاد" تصعد عملياتها للانتقام من الأسرة، فتمردها كان يعد إحدى وسائل الانتقام، "عدت إلى مدينتي، مدينة القصر الجديد، وأنا أصر على الانتقام من كل عادات الأسرة وتقاليدها، ما أن وصلت حتى اتصلت بعميد واتفقت معه على أن نلتقي ونعد لرحلة قد تستغرق أياما وليس ساعات كما كنا نلتقي في العادة" ص79، زيادة التطرف دائما تكون مقرونة بحجم المعاناة والألم الذي مر به الفرد، "سعاد" تعمل كل شيء لكي تأخذ حقها ممن تسب لها بالخراب، خراب المرأة في داخلها، المرأة الهادئة الناعمة الرقيقة، فالخراب يواجه بخراب، لم تعد تهتم بشيء سوى فضح تلك الأسرة التي تتغطى بالآفلة والوئام وهي في حقيقة الأمر أسرة تعيش وتحيى على الكذب والنفاق والخداع.
"ـ اسمع عامر، انتم لا تريدون زواجي خوفا على الميراث، هذا أبي ليعطيك كل ما يشاء وليحمل وزر ذلك، أما أن تمنعونني من الزواج خوفا على نصيبي من الميراث فهذا شأنكم، وأن تمنعونني من الحياة كغيري من النساء فهذا ليس من شأنكم ولن اسمح بذلك، وإن كنت ترى في ذلك شيئا غريبا فأنت حر، ولكنك لا تشعر بالحرمان الذي عشته سنوات قبل أن أتعرف على عميد وبعد أن رفض احمد، إنك تعيش مع زوجتك، تفعلان ما تحبان وتحرمان ذلك علي، أردت ذلك بالزواج فرفضتم، وماذا تريدون مني الآن؟" ص93، تكمن أهمية كلامها بأنها تصارح الأسرة بتلك العلاقة المحرمة، وتجهر بها قول، ولا تخفي منها شيئا، وهنا يمثل فضحا للأسرة وأيضا تحديا لها، فهي التي تظهر تمسكها بالأخلاق والمثل، تسمع وتشاهد من المرأة ـ الحرمة ـ كلاما موجعا لها، ويعد انتهاكا فاضحا لقوانينها الصارمة، وكما نجد جرأة "سعاد" وتحديها للمفاهيم الأخلاقية في الأسرة عندما صارحت "عامر" بقيامة بعمليه كرجل مع أمل، وهذا الأمر يعد فيه من التمرد الشيء الكثير.
الشرف العائلة
عمليات القتل التي تقع في المجتمعات العربية تحت تسمية "الشرف" تعد أرقاما مذهلة، فكل علاقة امرأة مع الرجل تقوم تكون نتيجتها الموت، مفهوم الشرف في المجتمع العربي يهتم بالشكل وحسب، أما الجوهر فلا بأس أن يكون بأقبح حال، لنأخذ صورة مقارنة بين مفهوم "شرف العائلة" والشرف الفعلي، الحقيقي، الذي يصون الأخلاق والمفاهيم، "ـ أمل هل أصبح عامر عاجزا أن يشبع غريزتك؟ أم أنت في شوق للقاء شاب يشعرك بأنوثتك؟
ـ اخرسي أنا ليس من النوع الذي أنت منه، أنا امرأة محافظة، احترم نفسي، اعرف الخطأ من الصواب. ص 19،
ـ طبعا، تعرفين الخطأ من الصواب لدرجة انك شجعت عامر على سرقة نصيبي ونصيب أمي من الميراث.
ـ ... إلا تعلمي أن "أبو عامر" كان قد سجل ثلاثة أرباع أملاكه لعامر قبل وفاته، وما تنازلت عنه أنت وأمك هو نصيبكما من الربع الربع يا سعاد، أنت لا تملكي شيئا سوى نصيبك من هذا البيت.
ـ إنها السرقة الكاملة، أنا اعلم بذلك،اعلم انه لم يبقي لي شيئا من ممتلكات أبي" ص 112و113، من خلال ما سبق يتبين لنا مفهوم الشرف، هو فقط تحريم العلاقة مع الطرف الآخر، فهي حرام، حرام، لكن سرقة الناس، وأي ناس؟ المقربين جدا لنا، والذين من المفترض أن نهتم بمصالحهم وحقوقهم كما مهتم لمصالحنا وحقوقنا، لا يعد جريمة شرف، ليست الخيانة والسرقة والكذب والنفاق، جريمة شرف بحق الذات قبل أن تكون بحق الآخرين؟، نعتقد أن الكاتب يضرب بيد من حديد، ويحطم الغشاء الرقيق لبكارة الشرف العربي، ويخترقها بطريقة شرعية، وليس محرمة، كما يفعل المجتمع مع المرأة.
صورة الأب، الأم، الأخ
العديد من الكتاب منحوا الأب سلطة النظام الرسمي العربي، وقدموه بصورة المتخلف، المضطهد، القامع، الذي لا يتواني عن اقتراف المحرمات، فقط للحفاظ على النهج القديم الذي تربى فيه، الكاتب تقدم لنا صورة الأب على هذه الشاكلة، "ـ ما رأيك يا والدي بالأستاذ احمد؟
ـ آه لا بأس به، شكله جذاب، شخصيته محببة، لكنه من الريف.
ـ وهل يعني ذلك انه ليس من طبقتنا أو يناسبنا؟
ـ طبعا، وكيف سيكون مناسبا لنا؟ وكيف ستعيش سعاد معه في الريف؟
ـ لكنه متعلم ويدرس في الكلية.
ـ وما أهمية ذلك؟ يبقى من الريف وحياتهم لا تناسبنا.
ـ لكن سعاد تميل إليه، فقد تأخرت اليوم معه وتجولا في الأسواق.
ـ لا أريد نقاشا في هذا الموضوع، أرى العلاقة على أنها مجرد استلطاف من كليهما للآخرين وستنتهي بعد انتهاء دراسة سعاد، نطر إلي، ليس كذلك يا سعاد؟" ص59و60، سلطة الأب تتمثل بالحفاظ على الحالة السائدة، فهو ضد أي تغير جذري يمس الحياة الطبيعية التي عاش فيها، هناك موروث منذ أمد بعيد، يجب أن يبقى، وما دونه لا يهم، الأب والأخ هنا يقومان بعملية حرمان البنت من حقوقها في اختيار رجلها الذي تحب والذي يحبها، كلمة "لا يناسبنا" القول الفصل في حياة "سعاد" وستكون كلمة موت بطيء لها، واستخدام عبارة "لا أريد نقاشا" أيضا طريقة أي سلطة في قمع واضطهاد الآخرين.
وها هي "سعاد" وهي في خريف العمر تتحسر على "احمد" الذي مثل لها الرجل الكامل، النقي، الحبيب، كان الحلم الذي لم يفارقها أبدا، رغم علاقتها الحميمة مع "عميد" فتقول : " آه لو وافق أبي عندما حضر احمد لخطبتي، لماذا حرمني هذا الحب وهذه الحياة؟ لماذا دفعني إلى الحرام والبحث عن الشهوة بعيدا عن الاستقرار والحب، كنت أعيش اللحظة، سعادتها، شهوتها، لم أكن اشعر بالحب نحو عميد، لكنه رجل كان يرضي رغباتي في الفراش، قوي، يمتلك قدرات كبيرة في ممارسة الجنس، " ص119، هذه الحسرة والندم والألم نتيجة كلمة قالها ـ الحاكم بأمر الله ـ "لا يناسبنا" فحياة بكاملها ذهبت في الضياع والشهوة المحرمة، والانتقام، وكانت نتيجتها أيضا الانتقام من الذات، أو مس هذا الانتقام الذات، ولم تعد قادرة "سعاد" على إصلاح ما أفسده الأب.
الأم من المفترض أن تكون أكثر حنانا من الأب، وهي فعلا كذلك، لكنها في ظل سلطة الأب، تكون على الحياد، إن لم تقف معه، فهي في النهاية جزء من العائلة، وما تمثله من انسجام وتكامل في الأدوار لتثبيت سلطة الأب، "رب الأسرة" ليس هناك تسمية بهذا الاسم في المجتمع العربي؟، "... أحيانا أخرى انظر إلى أمي التي شارفت على الخمسين أتساءل، هل هذه أمي التي تعيش معنا في البيت، الآمرة الحاكمة، القوية، المتسلطة، هي التي أراها مبتذلة مستهترة، تجلس على ارض الحمام، تفتح ساقيها وتنزع الشعر عنها" ص 19، إذا تمعنا في الكلمات التي وصفت بها البنت التي لم تتجاوز بعد الرابعة عشر عاما، نجدها تمثل التكامل والتأكيد على سلطة الأب، فهي تماثله في قراراتها التي لا تقبل النقاش أو التأجيل، وكما نجد وصف الأم، القوية المتسلطة بصورة ممسوخة وهي تجلس بتلك الطريقة، وكأن الكاتب يريدنا أن نأخذ صورة سلبية عنها، كما أخذنا عن الأب، فهي تبقى ضمن النظام الأبوي وداعمة له.
أما الأخ فهو يمثل عالم الذكور، المستبد، المتخلف، الساعي نحو تثبيت سلطته، "ـ كلنا نعرف علاقة سعاد بعميد، وكلنا صمتنا عن هذه العلاقة يا أمل من اجل الحصول على الميراث، كيف سنقنع أبي بالتنازل عن ثلاثة أرباع الأملاك لو لم تكن لسعاد علاقة مع عميد، دعيها ولتفعل ما تشاء، لقد بلغت الأربعين ولن تحتاج لعميد أو لغيره أكثر من سنوات قليلة" ص 114، منطق الانتهازي الوصولي، المنطق القذر السافل، "عامر" يمثل الأب الذي لا يملك سلطة، لكنه تعلم سلوك خبيث، الدهاء والمكر، وسلوك الصياد والطريدة، يحصر تفكيره فقط في الميراث، الثروة التي سيجنيها بعد موت الأب، لا يهم الشرف، كما أن يدعي، فالمال أهم بكثير، لأنه يعي تماما، بان هذا الشرف شكل فقط، يتعامل به أفراد المجتمع فيما بينهم ، وكما هي عائلة "أبو عامر" بقية العائلات، حيث أصبح الزيف شكلا اجتماعيا.
خفايا المجتمع المحافظ كشفته "لمياء" التي خبرت كل خفايا التقليد البائد " كانت مرعبة وأنا استمع إلى صراحتها المفرطة، كانت تتحدث وهي منتشية، حدثتني عن علاقتها، مغامراتها، مواجهة أهلها، انفصالها عنهم، إجبارهم على الاعتراف بحقها في الحياة كما تحب هي، لا كما يحبون، كنت مذهولة وهي تحدثني عن صديقات لها يعيش نفس الظروف والواقع، حرمتهن الأسر من حقهن الطبيعي، لكنهن لم يحرمن أنفسهن، فعشن كما أحببن وليس كما أحب المجتمع والأسرة" ص43و44، من هنا لم تكن مفاجأة كلمات "عامر" عن أخته "سعاد" هو وهي وهم والكل يعي وهن العلاقة الأسرية، فلكل منهم خازوق مخفي ـ شكلا ـ لكنه موجود ويعلم يشعر به الجميع، ضمن هذه الأسرة المحافظة تعيش المرأة العربية، فكان لا بد لها من التمرد والسعي للانتقام، ف"ليماء" كانت تشكل وتقدم "لسعاد" أفق الحرية والانسجام مع الذات، وأيضا تقدم شكل وطريقة للانتقام من هذا المجتمع.

أخلاق المرأة
رغم ما تقوم به "سعاد" من أعمال منحرفة، محرمة، إلا أنها كانت تتمتع بأخلاق رفيعة، تنكر ذاتها في سبيل الآخرين، لم تكن جلادة كما كانت أسرتها، لم تقدم على عمل يؤذي أي إنسان، فرغم علاقتها ب"عميد" المتزوج والأب، إلا أنها رفضت الزواج منه لكي لا تحطم أسرته، "ـ سعاد لماذا لا نتزوج ويصبح كل شيء بيننا طبيعي؟
ـ نتزوج! ولكنك متزوج يا عميد، وعندك أطفال
ـ وما المانع من زواجنا؟
ـ ولكن، ألا تعلم أن زواجنا سيدمر حياة زوجتك نهاد، إلا يكفي أنها تعلم بالعلاقة بيننا ومع ذلك تخفي ذلك عن الناس" ص48، "سعاد" تقبل أن تكون في حالة غير طبيعية، من خلال علاقتها "بعميد" لكي لا تدمر أسرته، تضحي بسمعتها، بمشاعرها، بغريزة الأمومة لديها، في سبيل الحافظ على الأسرة، تنكر ذاتها، فقط لكي لا تكون جلادة للآخرين، ونجد ذات الموقف من زوجة "عميد" التي تحافظ على زوجها وتنكر كل ما يقال عنه، رغم يقينها بصدق وصواب ما يقال عنه، وهنا نجد المرأة ـ الزوجة والعشيقة ـ كلاهما يقدم تضحيات في سبيل الأسرة لكل الرجل والمجتمع يعملا بعكس ذلك.
مسالة الدفاع عن المرأة لم تقف عند حد معين، "سعاد" تقدم مفهومها الجديد عن المرأة، " ـ إذا تريد الزواج مني يا حسن؟
ـ نعم، فانا معجب بك، وأريد أن تكوني لي زوجة
ـ أنت متزوج كما اعلم، ولديك أبناء والبنات خمسة على الأقل؟
ـ وماذا في ذلك؟
ـ يعني، زوجتك، كيف يكون مصيرها، وأنا اعرفها بشكل جيد،
ـ وماذا يهم؟ إنها كما تصفين، وأنا لا اتجنى عليها، أنه حقي في الزواج ثانية.
ـ وهل تقبل أن يكون لها نفس الحق؟
ـ إذا كانت مطلقة فلم لا.
ـ ولكنك ترغب بي زوجة ثانية وأنت غير مطلق.
ـ هذا الدين والشرع." ص108ذروة التمرد على المجتمع ومفاهيمه وأفكاره، تجاوزت "سعاد" بكلامها كل المحرمات الاجتماعية والدينية، فهي لم تعد تخضع لأي مفهوم سائد في المجتمع، تريد تحطيم كل ما يحمله من أفكار ومفاهيم، تريد أن تقول للمجتمع، أنا امرأة لي حقوق كما للرجل تماما، بصرف النظر عن الدين أو الشرع أو العرف والعادة، ألست ضحية مفاهيمكم البالية، من هنا فليكن لي أيضا مفهومي و الخاص عن الحياة وما يتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة.
الكاتب يتعاطف مع بطلي الرواية "سعاد وعميد" ويجعلهما يتوبا من الخطيئة، فيقدم عميد في خريف عمره على الصلاة والحج، وتتبعه "سعاد" بهذا الأمر، فيبديا بحلة جديدة تنسجم مع ذاتها قبل أن تنسجم مع الواقع، ونعتقد بان السلوك الديني الذي أقدما علية بطلي الرواية، يعد تعاطفا وترحما من الكاتب عليهما، فلا يردهما أن يتوغلا أكثر في المحرم، وهذا التعاطف ناتج عن تأثير عامل السن في الكاتب، فهو لا يرد لمن بلغ خريف العمر أن يستمر في التمرد، وكأنه يشفق عليهما بهذا التحول في السلوك والمفهوم.
رائد الحواري



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة -تفصيل آخر من لوحة الصعود إلى العراق- خالد أبو خالد
- رواية -شارع العشاق- محمد عبد الله البيتاوي
- رواية -الصراصير- محمد عبد الله البيتاوي
- رواية -شهاب- صافي صافي
- رواية -اليسيرة- صافي صافي
- الإيمان والعقل
- -السلم المسلح- غاستون بوطول
- رواية -المهزوزون- عبد الله البيتاوي
- -امام المرآة- فاروق مواسي
- من شعر معين بسيسو
- -عودة الروح- توفيق الحكيم
- الإبداع الفلسطيني
- -أودنيس وعشتروت- فؤاد الخشن
- الغباء العربي
- -آه يا بيروت- رشاد أبو شاور
- القبيلة والعشيرة وفلسطين
- حلم
- إلى الامام
- -تحت سماء الجليد- جاك لندن
- بيروت جمعتنا وغزة شتتنا


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية -الميراث المر- عباس دويكات