زهير كاظم عبود
الحوار المتمدن-العدد: 1290 - 2005 / 8 / 18 - 11:18
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عملية بناء النصوص لمسودة الدستور العراقي عملية غاية في الأهمية لاشك في ذلك ، وتأتي تلك الأهمية كون هذه الوثيقة المقدسة قانوناً سترسم العمل الدستوري والقانوني والسياسي وكل مفاصل الحياة العراقية للمستقبل العراقي ، بالأضافة الى تحديدها وبشكل واضح الحقوق والواجبات للعراقيين بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم وأجناسهم ، وترسم الحماية الدستورية من خرق القوانين والتعسف الذي يتعرض له المواطن .
وتتحمل الجمعية الوطنية العراقية بأعتبارها الممثل الشرعي والحقيقي عن الشعب العراقي ، والتي انتخبها ابناء العراق بالرغم من كل تحمله معها من سلبيات ، تتحمل مسؤولية بناء هذه المسودة ، حيث أختزلت جهدها بتكليف لجنة لأعداد مسودة الدستور .
والمتابع لهذه العملية يجد ان الجمعية الوطنية تماهلت كثيراً في الأعداد لهذا المشروع العراقي المهم ، بالرغم من معرفتها بأهمية هذه المسودة ، وكون المشروع سيتم طرحه للمناقشة الشعبية قبل الأستفتاء عليه ، وأخيراً تم تسمية عدد من أعضاء الجمعية وتكليفهم بأعداد مسودة للدستور العراقي ، على ان تشكل نصوص المسودة التوافق العراقي ، وتثبت القواسم المشتركة ، فالدستور لايتم رسمه من قبل جهة سياسية منفردة ، ولايمكن ان يعبر عن افكار حزب سياسي معين ، كما لايمكن ان يتم تحديدة لوجهة نظر كتلة معينه واحدة ، على أساس ان المشروع هو ليس فقط لكل العراقيين ، بغض النظر عن اديانهم ، والعراق بلد متعدد الأديان ، اذ يضم بالأضافة الى المسلمين المسيحيين واليهود والمندائيين والأيزيدية ، والعراق بلد متعدد القوميات أذ بالأضافة الى العرب يضم الكرد والتركمان والكلدان والاشوريين ، كما يتوجب على القائمين بالأعداد أن يستوعبوا الحقوق التي تم تهميشها من قبل الدساتير المؤقتة السابقة والتي تخص شرائح عراقية مهمة منها شريحة الكرد الفيلية والشبك .
ولهذا فأن المشروع ليس فقط لحياة العراقيين آنيا ، وانما الضمانة الأكيدة لحياة عراقية مشتركة مبنية على اسس الأستفادة من تجارب العراق المريرة الماضية ، ويرسم ايضاً الحلول الجذرية للأشكاليات والمشاكل التي عانى منها الانسان العراقي .
وأذا كانت جميع الأطراف ممثلة في هذه اللجنة ، وأمام زخم الكتابات والأهتمامات التي سطرها وأشار اليها المهتميمن سياسياً وقانونيا وثقافياً في الملامح العامة لمسودة الدستور ، كان يستوجب على اللجنة المكلفة أن تضع القواسم المشتركة في صدارة الأتفاق على نصوص تعبر عن هذا الأتجاه ، ثم تناقش بقية الأشكاليات وفقاً لمصلحة العراق وليس وفقاً لوجهة نظر الجهة السياسية التي يتبعها عضو لجنة أعداد مسودة الدستور .
وأذا كانت المفاصل الأراس في المسودة وهي علاقة الدين بالدولة والتشريع والفيدرالية وتقاسم الثروات ، لم يتم الاتفاق عليها لغاية انتهاء الفترة التي حددها قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية في نص الفقرة ( أ ) من المادة 61 منها ، والتي اوجبت على الجمعية الوطنية كتابة مسودة الدستور في موعد اقصاه 15 آب 2005 ، ليصار الى عرض المسودة على الشعب العراقي للموافقة عليها بأستفتاء عام ، وفي الفترة التي تسبق أجراء الأستفتاء ، تنشر مسودة الدستور وتوزع بصورة واسعة لتشجيع النقاش العام بين ابناء الشعب العراقي بشأنها .
وحيث لم يتم الاتفاق على القواسم المشتركة ، مما يعني ان اللجنة التي تشكلت لأعداد المسودة ، لم تزل تختلف في التفكير والوصول الى قواسم مشتركة ، وان تضع اللجنة مصلحة العراق امامها قبل المصلحة الحزبية ، فلم يتم الاتفاق على المسائل الأساسية والمهمة للحياة العراقية القادمة ، وصار الأمر باللجوء الى نص الفقرة ( و ) من نفس المادة 61 ، وهو نص يتم اللجوء اليه (( عند الضرورة )) لأكمال كتابة المسودة ، بشرط ان يوافق الأغلبية في الجمعية الوطنية ليتم التأكيد لمجلس الرئاسة أن هناك حاجة ضرورية لوقت أضافي لأكمال كتابة المسودة ، ومنح القانون مدة ستة اشهر ، على أن يقوم مجلس الرئاسة بتمديد المدة لكتابة مسودة الدستور .
وأخيراً وبعد مخاض عسيرلم تتم ولادة المسودة ، وتم الأتفاق على تمديد الفترة المقررة ليصار الى تعديل التاريخ الى 22 آب 2005 ، وبقيت الأختلافات في وجهات النظر قائمة ، مما يدل على أن هذه الأختلافات ليست وجهات نظر أنية وأنما ثابتة وعميقة ، والسؤال الذي يحير الشارع العراقي ، يكمن في مدى أمكانية أتفاق هذه الأطراف خلال هذا الأسبوع على المفاصل الأساسية المختلف عليها ، وهي كما ذكرنا من بين أهم نصوص المسودة خلال أسبوع واحد ، بعد مرت عشرات الأسابيع دون ان نجد تلك الهمة وذاك الأهتمام بالمستقبل العراقي ، وسط تصريحات ومشاريع تطرح تشعر المواطن العراقي بالخشية على مستقبلة من هذه الأفكار التي يتم طرحها بين الفترة والأخرى .
ثمة مسألة مهمة ينبغي الألتفات اليها ، ولعلها تكون سابقة لأوانها ، وهي أن نص الفرة ( ب ) من المادة ( 61 ) أوجبت طرح المسودة على الشعب العراقي ، وجائت الكلمة مطلقة ، ويعرف اهلالقانون ان المطلق يجري على أطلاقه ، ولهذا فأن حرمان الملايين من العراقيين خارج العراق من المشاركة بهذا الأستفتاء ، يبطل مشروعية الأستفتاء الذي يجريه قسم من الشعب العراقي حيث لاتوجد اية مشروعية لهذا الحرمان ، واللافت للنظر في هذا الأمر التصريحات المبكرة للمفوضية العليا في التوجه لحرمان ملايين العراقيين خارج العراق من المشاركة .
ومن جانب آخر كنا نتوقع أن الكتل الأساسية المتشكلة في الجمعية الوطنية ستعي حقائق العراق وتستوعب أشكالياته وتجد وفق فهمها الواسع للمستقبل العراق ، الحلول والقواسم المشتركة لمسودة الدستور ، فالأمر ليس ما تستطيع ان تربحه جهة ما ، وليس كسب مغانم وتوزيع مصالح ، ثمة مستقبل للأنسان العراق يقع على عاتق الكتل السياسية المتشكلة في البرلمان مهمة ضميرية وتاريخية سيسجلها التاريخ العراقي لهم ، فأن خابوا ولم يستطيعوا أن يتوصلوا الى رسم مسودة للمستقبل العراقي ، فكيف يمكن التفكير حل هذه الأشكاليات خلال فترة الأسبوع ؟ مع وجود مهمات وطنية ليست بالسهلة واليسيرة ينبغي ان يتم الأرتقاء في أداء الجمعية والحكومة الى مستوى خطورتها ، وهي التصدي بحزم للأرهاب والتطرف المنتشر في العراق ، وحل مشاكل المواطن العراقي اليومية والتي صارت مزمنة تحت سيل جارف من الوعود والأحلام التي ترسمها الحكومات المؤقتة ، بالأضافة الى وضع مزري يكمن في رشاوى وأختلاسات وصفقات لمسؤولين لم يسمع أي عراقي أن القانون والعدالة قد طالت منهم ، بالرغم مما نسمعه بين الحين والاخر من قصص وأتهامات تختفي ملفاتها ويرحل اشخاصها دون ان نعرف الحق من الباطل ، والصحيح من الملفق .
لم نزل نقول ان القواسم المشتركة تكمن في أن تضع اللجان المختصة أمام انظارها شعب العراق اولاً ، ومستقبل العراق ثانياً ، ومايشترك به اهل العراق ثالثاً .
حينها ستكون كل المحاور التي شكلت مثار جدل او اختلاف في وجهات النظر قريبة من بعض ، وان يتم طرحها للمناقشة حيث تم التعدي على حق الشعب في فترة المناقشة التي ستكون مثمرة وجدية وجديرة بالأهتمام ، بالنظر لتنوع وجهات النظر العميقة التي أظهرها المختصين والمثقفين والسياسيين العراقيين في هذا الجانب .
#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟