أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس داخل حبيب - التمثيل الصامت محاكاة ممثل لأثر فني .















المزيد.....


التمثيل الصامت محاكاة ممثل لأثر فني .


عباس داخل حبيب
كاتب وناقد

(Abbas Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 4577 - 2014 / 9 / 17 - 21:22
المحور: الادب والفن
    


تصدير :
والصمت هو تقنية من تقنيات الحكي ودرجة من درجات الحوار الذي يَنقل به السرد حبكته والتمثيل صنعته بالحركة الإيمائية والإشارات التي يستخدمها الممثل للتعبير عن أفكاره ، ليعطي صورة عن أفكاره المتبناة أو أفكار غيره سواء كانت من المنقولات أو المعقولات . فحين يُشبّهُ ذلك فإنه يحّكيه فهو يُمثله أو ينوب عنه. والحكي: كلام (يَشْبَهُ أو يُحاكي) ما في أذهاننا لكنه ليس كما هو بالفعل في أذهاننا بالحقيقة مثلما هو بالواقع الفعلي لأنه صوره محكيّة عنهما حسب جدلها الإعتباري الضنّي من النيّةِ (صورة واقعيّة – تصوّر ذهني عنها – صورة لغوية عنهما) الى الخبر (صورة كلامية محكيّة مبثوثة – صورة كلامية سمعية مُستقبلة) فلاحقيقة لهذه الصور لأن الصورة ليست هي الأصل فعلا كما تقول الفلسفة بل إنها تصوّر حقيقي عن الصورة أو شئ ربما وهميٌّ عنها. والوهم يجّلبُ التّوهم أي الخلط ونتيجة الخلط يحدث إلتباس المقاصد فيشحُّ المعنى فيه ويضيع الفهم عنه كما يحصل عادة في المفردات اللغوية بين معانيها القاموسية والإستعمالية مثلا . وبين معانيها الإصطلاحية الثابتة وتفسيراتها النسبية المتنوعة : مثلا كما حصل في المهرجان السنوي المقام للمسرح الصامت في العراق الذي جاء تحت تسمية (المسرح التعبيري الصامت) سهوا أو عفوا وتحت ماجاء هو إلتباس بين (المعنى الإصطلاحي الثابت نقديا – المعنى اللغوي في الإستعمال الدارج) لمفردة تعبير . ففي المسرح التعبيري يَعدُّ المؤلفون سيناريوهاتهم من التعبيرات الإشارية وأحيانا الراقصة في الحركة والإيماءات على مستوٍ يُرافق به الحوار ومِنْ أبرز مَنْ في هذا الإتجاه هو (يوجين أونيل) كما في مسرحية (القرد الكثيف الشعر أو تحديدا الإمبراطور جونز). ووفق هذا أنه مِنْ غير المقبول نقديا أن يصبح ذاك بديلا عن المسرح الصامت أو التعبير الصامت . إن حرف الياء هذا ليس هيّنا في المعنى النظري البتة لما رأينا في مهرجان ميسان للمسرح الصامت إنه قد جرّ عمليا وراء معناه عروضاً ينبغي أن لاتشترك فأوقع المشاركون نتيجة ذاك الخلط في تورط المشاركة سبّبَ إحراجاَ للحكّام في تقييم الدرجة التنافسية للمتسابقين. إلا إنه من مُفيد المهرجانات الدائم إنها تُريك عمليا كيفيات تشخيص الأخطاء. وإنه من الحظ الوافر لمحافظة ميسان إنها وجدت طريقا تصحيحيا يُناسب شأنها الإحتفائي بهذا النوع المُعبّر عبر كرام مُتنفذي اللجنة التحضيرية بتوفير وقتا مقتطعا من زمن المهرجان المحدد وإن كان غير كافيا لبثّ مقالي هذا في الإفتتاح تداركا لما خطل إلا إن الوقت كان مُلائما ليشيع روح التحدي والعطاء مقارنة بسنوات المهرجان الستة بتنظيماتها السابقة وإن كان التشخيص متأخرا فالحضور المتأخر خير من الذي لايحضر وإن كان مُفوّتا لأنه من أمثال (التعلم من الأخطاء) أي بعد وقوع الخطأ ولا نتعلم قبل وقوعه. فالفائت اسوة البائت. والبائت لافائدة منه ترجى بعد فوات الأوان. غير إنه من الضرورة بمكان وضع بداية زمنية وإن كانت متواضعة بإثارة المناقشات حول لاجدوى التغاضي عن هذا الإرتباك. فكان لميسان بداية سبق في الزمان.
وقبل أن نحذف الياء:
من كلمة تعبيري وإضافة بعدها كلمة صامت ليرجع كل وضع لنصابه ويصبح الإتجاه تحت مُسمّى (مسرح التعبير الصامت) دعّنا نوضّح أولاً وقبل كل شئ بعض المفردات المفاهيمية في إصولها اللغوية والإصطلاحية التي جاء لأجلها هذا المقال بأسئلة أمثال : ما هو الفن وما هو الأثر وماهو التعبير الذي تُحاكيه مسرحياتنا عبر طواقم شباب اليوم بصمت لتريك (الفن التعبيري والرقص التعبيري والمسرح التعبيري والتمثيل التعبيري) و(التعبير بالفن أو التعبير بالرقص أو بالمسرح وهكذا). فليست المسارح وحدها هي المُعبّرة ، فهناك الرسم والشعر والموسيقى وقد تُدرج نقديا ضمن الفهم العام للمذاهب التعبيرية الخاصة. لكن لايعني إن كل إستعمال لمفردة تعبير ينضوي تحت مسمّيات وقوانين المذاهب التعبيرية وحتى لاندع مجالا للخلط علينا أن نقعّد مسرح التعبير الصامت لعروض مهرجان اليوم على أصوله النقدية بالوصف والتعريف لبعض مُفرداته بقدر مايتيسر للغة العربية والإصطلاحية فهم هذه العروض من جهة ، ومتداخلة وسيرة الصمت التاريخية من جهة أخرى
فالفن: Artمثلا
لغويا (أي في اللغة العربية) هو لون أو غصن وجمعه أغصان وألوان أي أفنان والفن حسب التوصيفات النقدية نشاط يسعى اليه الفنان في مُحيطه الخارجي كالتصوير الهندسي للأشكال كما في اللوحة أو التعبير البلاغي للأفعال كما في المسرحية والفنون كثيرة وتترك لنا آثار . والأثر: لغويا هو مالصق في الأرض من الأشخاص والحيوانات والأشياء واصطلاحا هو: الرسم . والرسم: لغويا هو عملية تدوين الأثر عن طريق رسم الحرف على الورقة في حالة الكتابة كالقصة والشعر والمسرحية . وفي حالة المنظر على اللوحة والزخرفة على الجدران. والتعبير الفني: هو الإهتمام بالظواهر الطبيعية للإنسان ومحاكاتها والتعبير لغويا هو من الفعل عَبَرَ : أي عبور الرؤية المتمثلة في ذهن الإنسان الى تفسيرها وتأويلها كما تقول المعاجم العربية. والممثل هو حامل لواء هذه المعاناة لأنه الإنسان المناط به هذا التعبير. ومثلما وقع الخلط في مفردة تعبير قد يقع في مفردة أخرى كـ (ممثل) وهكذا وللتوضيح: نقول مِنْ غير المقبول أيضا أن كلمة ممثل ممكن أن يكون لها نفس المعنى في وصف موضعين مختلفين من الوظائف المهنية. فموظف البرلمان هو ممثل عنه وعامل السيرك هو ممثل فيه. غير أن التفسيرات الفردية للخلط قد تَضنُّ باطلا مإذا إعتبرت (ممثل البرلمان هو نفسه ممثل السيرك) لوجود عامل مشترك هو مفردة ممثل كوظيفة إجتماعية ، بإعتبار الممثل شخص يتحرك نيابة عن الآخرين. ومن النيابة ينفذ للمحاكاة لأنه يُحاكي أو يمثل أفكار آخرين سواء لجمهور البرلمان أو لجمهور السيرك فينوب عنهم. فهذه التفسيرات وإن بدت معقولة عقلا إعتباريا حسب لمز أفرادها في الرأي تبقى وظائف المهنتين مختلفة تمام الإختلاف حسب تقنيات أداءهما والأهداف . ولايشفع لآراءهم منطق الخلط على المفردة الواحدة إلا للتهكم الساخر باللمز وفق مفهوم المحاكاة . فما المحاكاة إذن؟
المحاكاة : mime
وهي ميمي ومنها الميموس وتعني في اليونانية تقليد وهي مفتاح التعبير الجمالي عند الإنسان باعتبار التقليد نزعة ترافقه منذ الولادة . (والحكي بالعربية أيضا كلام يقود للتقليد كما أسلفنا) يقول ديمقراطس في صدد التقليد: إن إهم مافينا هو إننا تلاميذ الحيوانات ، في البناء طيور والنسيج عناكب وفي الغناء بلابل وهكذا. أما أرسطو فيعتبر التقليد يَمسّ جلال الإنسان وسموّه في صراع الأحداث الواقعية. فيعرِّف التراجيديا بإنها محاكاة أفعال النبلاء الجادة . والكوميديا محاكاة مازحة لأفعال الدون الإعتيادي من الناس . وافلاطون اعتبر المحاكاة مفسدة ضد السلوك المثالي القويم. وزينون لا يؤيد البهجة الفنية أو أتراحها في أروقته لأن المبدأ الأخلاقي للحكيم يوجبه أن يتحرر من الإنفعال رواقيا. غير إن ملاهي (ميناندروس) كانت في ذلك الزمن بالعكس مليئة بالإثارة والمتعة واكثر اهتماما بالبصريات. واشتهر (بلوتوس) في الهزليات . وبعده (توربيو) الذي اظهر تراثا ثرّا يرافق التمثيل من الموسيقى والرقص. ولأن المحاكاة هي تقليد أي تشبيه فهي تمثيل. ولأن التمثيل لايقف على الكلمات فقط فإنه يهتمّ بالحركة والإيماءة والإشارة ويأتي الإعتماد عليها سبب من أسباب اللمز السياسي أو الإجتماعي أو الثقافي الذي يخفي وراءه المعارضون إنتقاداتهم بإمتاع من دون التسبب بأي أذى جسدي كالإنتفاضات والثورات والإضرابات لما للإشارة والحركة والإيماءة من تأثير أخّآذ سريع وسبّاق تيمّنا بقانون الحركة تسبق الحوار في حرفة التمثيل ومن فرط الإعتماد على هذه الإهتمامات تراجعت المحاكاة المنطوقة في النص لصالح الإيماءات فانفصلت لغة الإيماءة عن اللغة المنطوقة فظهر ما يُسمّى
التمثيل الصامت pantomime
ونستطيع أن نؤرّخ لهذا الفن ونقول منذ المحاكاة فهو محاكاة صامتة بلغة إشارية وليس بلغة منطوقة. أو نتعداها للسيرك والحركات البهلوانية أو نرجع بها للإصول الطقسية القديمة في حركات الرقص والإيماءات البدائية. ولأن التمثيل الصامت أخذ شكّله الفني نقديا على يدّ الفرنسي (مارسيل مارسو) منذ 1979 الذي بدوره تتلمذ على يدّ كُلّ من (شارل ديلان وجان لوي بارو) يعني أن شكّلا من أشكال التحول الحسّي في الفن قد ظهر ولا مجال بعد لحركات الصُمّ والبُكمّ مكان فيه إلا في مُحاكاة إرهاصات النشأة طبعا. ولأن التمثيل الصامت لغة فنية حديثة أيضا ليست هي لغة المتكلمين بالنطق إلا إنها تبقى لغة فيها من الحركات مايُغّني الكلام معناه. وإن أهم ما يُميّز هذه اللغة هو الفن. والمقصود به تقنيا وفق هذا هو التلوّن في إنفعالات الوجه والحركات وتاريخيا هو ما حدث على يدّ (روسكيوس الروماني) في تقريب القناع الى صور وقسمات صورة الممثل باعتماد انفعالاته وتعابيره الجسدية بمساعدة الموسيقى والإكسسوارات كما يذكر الدكتور كمال عيد. واصطلاحيا لنفس الصدد هو مهارة التلوّن الإيحائي بالإيماءة والرمز غرض التأثير على الجماهير والصمود بوجه التيارات الفنية المنافسة. ومثلما نتحدث عن الصمت علينا التحدث عن الصوت أيضاً كنقيض والتفريق لغويا بين الصوت البشري فهو في الإنكليزية فويس voice وبين الصوت للموسيقى والأشياء الأخرى ساوند sound والصوت الإنتخابي فوت vote والمُراد في المسرح الصامت هو إلإستغناء عن الفويس اي الصوت البشري كوسيلة منطوقة وليس الوسائل المشفّرة الأخرى كالموسيقى مثلا أو الأصوات البوهيمية البدائية غير المتشكّلة بَعدْ ، باعتبار هذا الإستغناء سيُعوّض بلغة إشارية رمزية تستطيع توسيع رقعة المعنى في الفن لتوسّع بدورها من قوة التخيل والخيال أوسع من الكلام المنطوق (وهذا ماينطبق كُليّاً في الفرق بين اللغة الشعرية والنثرية أيضا فبالرغم من تشكلهما النطقي يبقى الشعر لغة إشارية تلجأ للرمز لتمدّ الخيال قوّة بينما تقف لغة النثر تحاكي بساطة الواقع) فيصبح الصمت والموسيقى ساوند باعتبار كليهما غير متشكلين نطقا والصمت والرأي فوت باعتبار لكليهما موقف معنوي يستنبط من الفكرة الأساسية التي يزودنا بها الموضوع المبنى على مفردات المسرحية العديدة . وكلا الصوتين الفوت والساوند ليس لهما تشكيل لغوي مباشر كالصوت البشري إلا إنهما مؤثران في الآلية التخيلية للفنان عن طريق الرمز ومن ثم ليساعداه في صنع الموقف الدرامي الذي هو بطبيعته موقف فكري وثقافي من الحياة وفي الحياة وللحياة . وللمواقف الصامتة سيرة ذاتية لايغنيها السرد التاريخي ولا النقد بطبيعته التشخيصية الفذة لما لها من عبق محمود خلّفَتْ وراءها كمّا من التضحيات صنعت بها تاريخها المجيد.
ولو عدنا بالبونتمايم لتسلسله التاريخي:
وهو في حضن الحوار مثلا ، من الطقوس التوقعيّة وطبول الرقص الإيقاعي لظهور البقر الوحشي كما في رقصة (الأبيسة) ليومنا هذا سنرى سيرة عطرة لصيقة آثاره الغنية بالنضال الفني حين نادتْ بحرية التعبير ضد السلطات الإستبدادية منذ طغيان (نيرون) الذي نفى الممثل (دانوس) لأنه أضاف حركات من (الميموس) ليلمّح بالحركات بما يشبه جريمته في قتل أمه وابيه قبل إحراق روما بأكملها . أما سابقيه أمثال الكهنة و(كاليجولا) فإن الثاني: حرق ممثلا على المسرح لتماديه في الحركات الميمية . أما الأول :هم قدماء الكهنة الذين لايتوانون عادة عن قتل من يخطأ في قانون إيقاع الرقص عندما كان الرقص شعيرة دينية في قصائد الديثرامبوسية لـ (ماريفو) وهي قصائد حماسيّة إيقاعيّة توقعيّة تزيد من تخمين ظهور البقر الوحشي الذي قد يستمر لساعات طويلة وهم يتلهّون بالرقص انتظارا لإصطياده عندما كان الفن يتكفّل الأقتصاد.
نسطيع ان نقول إن تاريخ البونتمايم حافل بالنضال مادامت شفرة العرض مُموّهة مؤثرة تُزيده شهرة وتُذيع صيت سلطته الحسنة بواسطة الممثلين الى مجئ سلطة الكنيسة في القرن الخامس الميلادي التي قررت تقويضهم.
ومن هذا القرن الى القرن الخامس عشر الميلادي:
استهدف الفن بصورة عامة من قبل رجال الدين في عصور هذه الفترة التي سُميّت بالمظلمة عدا الثقافة الروحية التي احتكرها الموقف الديني المتعنت كما يذكر (تارتولنوس) في كتابه عباداة الأوثان (كل شئ فني هو يُعبّر عن فكرة أو لحظة دينية) ولأن المتدين المسيحي عليه أن يتبع ورع واعتدال السيد المسيح ع وإن التعبير الفني صراع وانفعال يخالف العقيدة لذا حُرّم الفن المسرحي لانه يهدف الى اللذة والمتعة والرفاهية المنافية للورع وحُرمّت الفنون التمثيلية التي تروّج للميموس المثيرة للمز والمتعة. ويذكر في فترة هذه العشر سنوات من عمر العصور الدينية المظلمة : إن لشدة ماكان يُطارد في الشوارع هي عربات ممثلوا البونتمايم الهزيلة غير إن للهزال مفخرة التصدي الممزوج بهزل المناورة .
ولسرعان ما تبدل هذا الغم الثقافي:
في عصر النهضة وبانت تباشير تطور الفن الصامت واتسعت رؤاه في النص والمشهد. أي تحول من واقعه الفني المحصور في مشهد مُعيّن ممكن أن يُلصق في مسرحية حوارية كما في مشاهد ممثلين الفرقة التي جلبها الملك لإرضاء وتسلية إبن أخيه هاملت الى آفاق مسرحية صامتة ذو مشاهد متعددة صامتة كما فعل فيما بعد مارسيل مارسو عندما قدم مسرحية هاملت كاملة بالبونتمايم وهذا يدل على إن هذا الفن إتسع ليصبح محطة جمالية ملفتة للنظر تتفنن بها مقايس الجمال بالتحديد والإنضباط والتناسب والتناغم والوحدة واصبح المُشاهد مثقفا بونتمايميا يصغي للحركات والإيماءات مثلما يصغي للحوار. وأخذ الممثل الصامت ينقل لنا بالحركات والإشارات عمق الإنفعالات البشرية فنيا لا بلغة الخرسان بل بلغة الحوارات الجسدية ومتممات العرض المساعدة كالديكور والإكسسوارات والموسيقى وغيرها. أي ينقل لنا بالأفعال كيف يتحدث بهدوء كشخصية ويرينا بالأفعال عمق الصوت وهدوءه ودرجته وارتفاعها وانخفاضها ومدى وصول هذا( الصوت - الرأي) عن طريق التركيز فيه وماهي أهمياته الفعلية بالحركة والإشارة التصويرية المزينة بدقة فنية عالية
والذي يمييز التمثيل الصامت عن المسرحية الصامتة:
هو إن الأول ممكن أن يشتغل في الثاني. من حيث إن الثاني هو أوسع لأنه يتضمن مواقف مسرحية بسياقات قصة تسير في حبكة من الأزمة الى الذروة والعقدة فالحل على شكل نص مكتوب أدبيا والتمثيل هو تجسيده أو حركته الفعلية على خشبة المسرح والأول ممكن أن يكون مشاهد تمثيلية صامتة فحسب خالية من المواقف التعبيرية التي تقود للحبكة كتمثيل رجل يكسر باب ليسرق في مشهد يريك به كيف يتعامل مع الحجوم لأدواته وأوزانها والمقاييس المناسبة لهذا الموقف المسرحي المتخذ فحسب دون المرور في حبكته. والتمثيل الصامت عادة يجيده باحتراف أناس خاصّون ذو دربة عالية في الشطارة والمهارة البهلوانية كما هي عند المهرجين ومضحكين الملك ورياضيوا السيرك الذين يروّا لك بدقة مشهد منفصل بكل موازين أشكاله وحجومه واوزانه. أما الرقص التعبيري فهو حركات تنمّ عن توصيفات مُعيّنة في الإسلوب الحكائي. والرقص بطبيعة الحال لغة جسدية بحتة لها من قدرة ما لغيرها من خاصية ذاتية مُستقلة تستطيع به الإستغناء عن الحوار لتريك نصّا رمزيا خالصا . (وبالمناسبة) إن جميع هذه الفنون من الشعر والموسيقى والغناء والرقص والديكور والرسم والإضاءة والتمثيل الصامت والحواري سواء كان رمزي بالإيماءة أوتعبيري بالرقص فنون جميعها تنضوي تحت لحاف المسرح والمسرحية إذن ليس من الغريب أن يسمى المسرح أبو الفنون ثم أستقلت هذه الفنون نتيجة تطورها واتساعها عنه.
واشتهر في العصر العباسي إسلوب فكاهي مُميّز:
يقترب مما قد يعدّ نمطا من هذا القبيل والذي كان معروفا عند حاشية الملك من شطار وعيارين يقومون بحركات خفيفة رواحا ومجئً ويتقاذفون فيما بينهم النكات واللمزات التي لاتخلوا من نصيحة وارشاد بإطار هزلي كالذي يحدث في حواديث البهلول تقدَّم في فترات محددة من فترات الملك الترفيهية. وهذا الإطار كما ترى هو الحد الثاني للسيف. الحد الرسمي المتملق للحكومات كالحكومات العباسية مثلا.
في عام 1981
قدّمتُ على مسرح التربية في ميسان مسرحية صامتة بعنوان (كلمات بلا حروف) إخراجا وتأليفا ومن تمثيل الفنان المرحوم ظافر سلمان والفنان محمد عطية والقاصة والفنانة ميسون خليل والشاعر نصير الشيخ ونخبة من الكومبارس أتذكر منهم سعد جلوب وعبد الرحمن توفيق تحكي قصة مقابر جماعية لايعرف أعدادها إلا حفار القبور وسط قصص تعذيب أخوة واغتصاب زوجات وتفريق أحبة في دهاليز السجون. الديكور كان عبارة عن مشانق عديدة من الحبال الملونة بالشهداء . من تنفيذ الأستاذ محمد عطية مع المجموعة. الموسيقى إيقاعات ترقبية مخيفة سلاسل تُسّحّبْ بآهات وسياط مع صرخات اهتزاز ابواب وتكسر زجاج شبابيك مُمزوجا مع موسيقى عالمية بأجراس كنائس وتراتيل وآذان من تنفيذ الروائي والأديب حسن ناصر. الإضاءة بقع داكنة حمراء يتنقل خلالها الممثلون (وشاسيهات زرقاء بشماسي وفيضي شاحبة صفراء إضاءة خضراء) نهاية المسرحية على السايك لتصف بانوروما إشراق مستقبل بعيد المنال والتحقق من تنفيذ الفنان التشكيلي كريم حسين.
أهم ما أثارته هذه المسرحية:
هي إلتزامها بمبدأ اللمز الإيحائي المناهض دائما للسلطات القمعية على ضوء تلك الفترة ووعي مثقفيها لدكتاتورية النظام السابق وعيا فرديا أخلاقيا يرتبط بالإنتماء للحياة يُحتسب تاريخا لصالح نضال الفن العراقي من غير مقابل حيث ما كان لأغلبنا إنتماءات سياسية معلنة وماكانت لأعمارنا اليافعة (كنت في الثامنة عشر من العمر) فرصة الإنتماء غير جرأة الإندفاع في صفوف حَمَلة معاناة التعبير الفني وهو يخطو بالفكر والتقنية لرفد دامس الحياة ببصيص أمل على إن الآتي لابد له أن يكون مشرق .
من أهم الأسئلة المثيرة للتحفظ:
هي تلك التي جاءت من إدارة الهيئة التحضيرية والمشرفة على العمل والمتمثلة برئاسة الإتحاد الوطني للطلبة في العراق فرع ميسان وقتذاك التي طلبت تغيير طبيعة العمل الإيمائية وإضافة الحوار حرصا على وضوح المعنى. ولمّا أفْهِمتْ الهيئة إن الأعمال الصامتة تقنيا لاتعتمد الحوار. إن اللغة هي الشفرات . حثّتْ الهيئة بأدب على كتابة تاريخ الأحداث أن تكون في عام 1956 على السايك الخلفي للإشارة للعدوان الثلاثي على مصر. وحين تعذر ذلك لضيق الوقت واقتراب العرض أكدت وجوب توضيح ذلك من خلال الملابس أو إضافة شخصية حوارية مثل وضع راوي يوضّح إن ما يحدث هو تاريخي وليس واقعي. والحقيقة إن الهيئة التحضيرية كانت مُتعاونة ومهنية همّها أن لايدخلنا العمل وتدخل معنا هي في حلقات الإستجواب الأمنية بعبارة أخرى لأنها مسؤولة فهي أدرى بشِعاب الشّعَبْ الحزبية وأرادت أن تقي العرض مثلما تقي ذمتها المسائلات الإستفزازية رغم ذاك تبقى مقترحاتها ممكنة التطبيق فنيّا غير أن البونتمايم له مقوماته وأواصره الدرامية الأصيلة بالموقف والتنفيذ .
لم يلقي مسرح كهذا وبتلك الفترة إهتمام شعبي:
واسع بل أثنت عليه النخبة ومثلما كان له مُريديه كان له من يناصبه العداء . قال أحد الأصدقاء إن عباس داخل حبيب لبس ثوبا كبيرا في هذا العمل. وممكن أن يكون هذا الرأي إشارة لصغر سني وضخامة التجربة وكبر التحدي لكنه ممكن أن يشير للتورط بتجربة كبيرة على سني . أما تقيمي له فهو كان نقطة بداية وحجر أساس لمدينتنا ميسان أتمنى أن لا ينسى من الجُدد أن لهذه المجموعة في بونتمايم (كلمات بلا حروف عن حفار قبور) كان لها سدة المعاناة الأولى.
تلتها أعمال أخرى كانت مشتركة بيني وبين المُبدع محمد عطية:
عام 1993 بتقديم عمل مماثل من شخصيتين وبإمكانيات متواضعة لإدارة الإتحاد العام للكتاب على قاعة نادي الموظفين بعنوان (الرجل الصندوق) يحكي تشئ الإنسان البسيط خلل إمتهان حياته من قبل مرؤسيه ولبساطته تحول لعلبة بدلا من محاولة الإفلات منها. ساعد في الموسيقى الشاعر نصير الشيخ. والديكور والإكسسوارات الفنان الراحل المرحوم أحمد البياتي والإضاءة والرقيب الدرامي (الدراموتور) المخرج المعروف الفنان خالد علوان .
لهذا المسرح إنتشار واسع في أغلب البلدان:
ولممارسيه رغبة حادة في توطيده فهناك فرق عديدة تطوف البلدان تدعو لتوصيل أفكارهم عن طريقه وبنفس الوقت توصيل هذا الفن فهو ممتع وممكن أن تقول كلمتك خلاله فهو فعلا صوت بكلمات إشارية غير منطوقة. وعلى سبيل الذكر لاغير قدّمَتْ فنانة التمثيل الصامت الأسترالية (نولا راي) في بغداد عدّة لقطات كوميدية فيها من اللمز الإجتماعي والسياسي والترفيهي الكثير في مطلع ثمانينات القرن المنصرم والذي شاهد عروضها شعر حقيقة إن لهذا الفن أقانيمه الخاصة مع الممثل والنص والمواضيع المعالجة خلاله إنه حقا فنّا صعبا.
وفي ثمانينات بغداد:
وتسعيناتها من القرن العشرين كان لبعض المهتمين في هذا النوع من الفنون عروض. نذكر منها المخرج الأستاذ مهدي صالح قدّم للمركز الثقافي الفرنسي مسرحية بونتمايم بعنوان (فصل بلا كلمات) تأليف الفرنسي صموئيل بيكت وهو فعلا فصل بلا كلمات من عنوانه من تمثيل حسين علوان وكاظم ثابت ونصير خليل ولتجربة التمثيل الصامت أو الفن الصامت أو المسرح الصامت سمّه ماشئت في باقي المحافطات العراقية بالتأكيد لكلهم نصيب غير مذموم. وإذا كان لابد من
كلمة أخيرة للجدد:
على هامش المهرجان السنوي للفن الصامت الذي تقيمه مديريات شباب المناطق الجنوبية في ميسان أقول لكم: إنني لا أفضّل أن أكون ناصحا لأنني ليس بأفضل منكم أبنائي واخوتي في المهنة إلا إنني عندما أريد أن أقدّم عملا صامتا مثلكم أبدءُ من العنوان ثم أنتقل لتفسيره الحكائي أي أقوم بإعادة مامكتوب وأوجهه نحو الموضوع ليتخذ العنوان طابعه السردي حينذاك وحين أجده قد تواشج الفعل الدرامي تقنيا من أجل صناعة الحبكة التي بدورها تسعى لخلق الموقف الدرامي الصامت الذي يرتبط دائما بلمز واضح يُهاجم أركان السلطات الغاشمة في النهاية.
فالمايم سياسيا:
أما أن يكون أداةً للسلطات أو أداةً عليهم ولكم الحرية في زمنها ، لكم مطلقها في الخيار. ولأن العوامل التقنية هي خير من تقوم بوصف العمل بدقة وتقعيده نقديا إنني دائما أسعى لمعرفة ماهي التقنيات التي تساهم في صناعة أي عمل حتى على صعيد الفنون والآداب الى الأنواع اللاأدبية أو فنية سواء كانت فكرية أو حرفية بحتة كالأعمال اليدوية. فلكل هذا تقنياته الخاصة به والمقصود بالتقنية هي الصنعة الفنية أي أبدأ بالتعرف عليها من طرح الأسئلة أمثال : ماهي المكونات العملية لهذه الصنعة؟ وكيف أبدء التعرف عليها؟ ومن ثم العمل عليها للإستفادة من تطبيقاتها الصرف عملية . كمن يتعرف على مكونات جهاز معين كالساعة مثلا ثم معرفة كيفيات إشتغالها.
فالأشياء والأفكار التي لاتشتغل في الواقع:
هي محض وهم لاصحة للحقيقة فيها وحتى الوهم له إشتغالاته الواقعية في صنع الزيف وله مهاراته الفنية التي يعتمد عليها الفنان في تكوين الخلجات الفنية قاطبة والتي لها واقع عملي ملموس على المسرح نعرفه ونتعرف عليه من إشتغاله ومن ثم نقوم بتقيم هذا الإشتغال ومدى تأثيره لنحصل على ردود الأفعال التي هي هدف الرسالة الإتصالية والتي تسمى كما هو معروف بالتغذية الإسترجاعية بعد أن بدأت من المرسل لتعود إليه كأفكار نقدية تقوم بتحليل وتقيم العمل فنيّا غرض تطويره مرة ومرات.
أنا دائما أقول لنفسي حين أجري التمرينات:
عليّ دائما إتقان الحرفة أي معرفة أدائها بكل دقة وحسبما مناط بها كإسلوب أي محاولة أسّلبة الصنعة أي إيجاد إسلوب خاص وهذا لايعني إن المحاولة تخفق دائما رغم إنها من المُحال لغويا . وللخاتمة أقول:
الآن يعود المسرح الصامت مجددا في ميسان:
ليحتضن هذا الفن ليس من باب الفعاليات الفردية للمؤسلبين القدامى بل مهرجانا شاملا لعطاءات الجُدد بعد أن قدمت دائرة وفنون الشباب ست محاولات لستة أعوام سابقة تستكمله ميسان لهذا العام المقام في الفترة 8-9-2014 -11-9-2014 على قاعة دائرة وفنون الشباب في محافظة ميسان مبروك لتناول هذا الإسلوب الفني المُميّز من جديد ومبروك لميسان إحتضانها معكم هذا الفن الجميل. ومبروك للفائزين ومبروك للمشاركين رغم تفاوت إمكانياتهم وشكرا للجميع حضورهم في هذا المهرجان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



#عباس_داخل_حبيب (هاشتاغ)       Abbas_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بؤس الثقافة المحليّة -3
- بؤس الثقافة المحليّة - 2
- بؤس الثقافة المحليّة -1
- مِفتاحهُ أكبر من الباب ، لمْ يتعرف بَعدُ على المفاتيحِ الصغي ...
- لا أُحبُ النصيحة ، لا تقفز أبداً ...
- قارب الشعر ومجداف الفلسفة في -بحيرة الصمغ- للشاعر جمال جاسم ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس داخل حبيب - التمثيل الصامت محاكاة ممثل لأثر فني .