أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى مدثر - كيف سطا السيد هوجن على البنك















المزيد.....


كيف سطا السيد هوجن على البنك


مصطفى مدثر

الحوار المتمدن-العدد: 4566 - 2014 / 9 / 6 - 22:40
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة: جون شتاينبك، ترجمة: مصطفى مدثر
في يوم السبت السابق لعطلة عيد العمل للعام 1955 وفي التاسعة وأربع دقائق ونصف الدقيقة صباحاً، سطا السيد هوجن على البنك.
كان في سنه الثانية والأربعين، متزوجاً ووالداً لصبي وصبية هما جون وجون، إثنا عشر وثلاثة عشر عاماً على التوالي. كان اسم السيد هوجن هو جون والسيدة هوجن كان اسمها جون ولكن ولأنهما تناديا ماما وبابا فقد حررا اسميهما خالصين للطفلين الذين أُعتبرا غاية الذكاء بالنظر لعمريهما حين قفز كل منهما فصلاً دراسياً.
عاش آل هوجن في العنوان 215 شارع شرق بابل في منزل سقفه بني القرميد مشذّبٌ باللون الأبيض. كانا منزلان. وكان رقم 215 هو المقابل لعمود الإضاءة، ذلك الذي به شجرة ضخمة في فنائه، هي إما بلوط أو دردار، الشجرة الأضخم في كل الشارع وربما في المدينة كلها.
كان جون و جون في سريريهما وقت السطو، لأن اليوم كان سبتاً.
في التاسعة وعشر دقائق صباحاً كانت السيدة هوجن تعد كوب الشاي بنفس الطريقة التي ظلت تعده بها دائماً. وكان السيد هوجن قد ذهب للعمل مبكراً.
شربت السيدة هوجن شايها بتؤدة، فهي تشربه ساخناً حارقاً، وقرأت حظها في أوراق الشاي. كانت في قاع الكوب سحابة ونجم ذو خمسة أطراف، إثنان منهما قصيران ولكن ذلك كان في حوالي التاسعة وإثني عشر دقيقة. أي بعد تمام السطو.
الطريقة التي إتبعها السيد هوجن في السطو على البنك كانت غاية في الإثارة. فهو قد أولى الأمر قدراً كبيراً من التفكير ولأمدٍ طويل. لكنه لم يناقشه مع أحد. كان يقرأ الصحيفة ويستشير نفسه. ولكنه توصل، لرضاه التام، لأن الناس يذهبون لكثير من المشقة في السطو على البنوك ما يدخلهم في البهدلة. كان يفكر دائماً أن الأبسط هو الأحسن. وأن الناس يقحمون أنفسهم في كثير من الإضطراب والفوضى والسلوك الخالي من الأخلاق. وإن لم تفعل ذلك، إن طرحت الشعوذة والدجل من تخطيطك، فإن السطو على بنك يمكن أن يكون مشروعاً سديداً نسبياً، إذا تغاضينا بالطبع عن نوعية الحوادث غير محتملة الحدوث. ولكن، وعلى أي حال، فإن الحوادث يمكن أن تحدث لرجل يعبر الطريق أو أي شيئ!
وبما أن طريقة السيد هوجن سارت بشكل جيد فإنها أثبتت أن تفكيره كان سديداً. ولقد فكر كثيراً في تأليف كتاب ضغير كمرشد إلى التكنيك الذي إتبعه، وكانت على أيامها، كتب (كيف تفعل كذا...) موضة صارخة. بل هو توصل لصياغة الجملة الأولى في كتابه وتقرأ: لكي تنحج في السطو على بنك دع كل ما هو شعوذة وهنكي بانكي خارج تخطيطك.
لم يكن السيد هوجن مجرد موظف في بقالة فتوشي. كان أشبه بمدير. وكان قابضاً على كل أمر حتى أنه استأجر وطرد الصبي الذي كان يقوم بخدمة التوصيل للمنازل بعد نهاية يومه الدراسي. وقام أيضاً بكتابة طلبيات مع الباعة وتم ذلك، أحياناً، والسيد فتوشي موجود بالمحل، يحادث، ربما، أحد الزبائن.
- افعلها يا جون. كان فتوشي يصيح به ثم يهز رأسه قائلاً للزبون:
- جون يعرف كل شيئ. لقد كان معي- كم سنة لك معي يا جون؟
- ست عشرة سنة.
- ست عشرة سنة؟ إنه يعرف البزنيس مثلي تماماً. ياخي إنه حتى يقوم بتوريد المال للبنك.
وقد كان! كلما سنح له العمل، مضى السيد هوجن إلى مخزن المحل المطل على زقاق. خلع مئزر العمل وارتدى معطفه ورباط عنقه، ثم مضى عائداً عبر المحل إلى مكان آلة النقود حيث تكون الشيكات والأوراق المالية جاهزة داخل دفتر البنك الملفوف بشريط مطاطي. بعد ذلك يغادر جون للمبنى التالي لمبنى المحل ويقف على نافذة الصراف ليسلم الشيكات والأوراق المالية للسيد كاب وربما قضى معه وقتاً في الثرثرة. وحال استرداده دفتر البنك يتأكد من الإدخال الذي حدث فيه ويعيد وضع الرباط المطاطي حول الدفتر ويدخل من الباب التالي راجعاً بقالة فتوشي ويعيد وضع الدفتر داخل آلة النقود ثم يواصل للمخزن. يخلع معطفه ورباط عنقه. يرتدي مئزره ويرجع إلى عمله في البقالة. وإن لم يكن هناك طابور أمام صراف البنك فالأمر، بما فيه الثرثرة، لا يأخذ منه أكثر من خمس دقائق.
كان السيد هوجن رجلاً يلاحظ الأشياء. وعندما حان وقت السطو على البنك وضعته هذه الخصلة في المكان الجيد. كان قد لاحظ، مثلاً، أن الأوراق المالية من الفئات الكبيرة، توضع في الدرج تحت طاولة الخدمة. ولاحظ الأيام التي يكون فيها عدد الأوراق الكبيرة كبيراً. فيوم الخميس هو يوم قبض الرواتب في الفرع المحلي للشركة الأمريكية للمعلبات، على سبيل المثال، ولذا سيكون هناك مزيد من الأوراق المالية الكبيرة. وفي بعض أيام الجمع يقوم الناس بسحب المزيد من المال ليغطي مصاريفهم في عطلة نهاية الاسبوع. لكن الفرق بين الخمائس والجمع وصباحات السبوت قد لا يصل لألف دولار. السبت، حقيقةً، ليس أحسن الأيام لأن الناس لا يبكّرون في الحضور للسحب والبنك يغلق أبوابه عند الظهيرة. لكن السيد هوجن أعاد التفكير وتوّصل لأن السبت السابق لعطلة نهاية اسبوع طويلة، وفي الصيف، هو أحسن الأيام قاطبة. فالناس يكونون على سفر واجازات وهناك أقارب يزورون والبنك يكون مغلقاً يوم الإثنين.
فكّر في هذا الأمر ونظر. وبات مؤكداً لديه أن درج الأوراق المالية في صباح يوم السبت السابق لعطلة عيد العمل يحتوي ضعف المبالغ التي يحتويها في الأيام الأخرى. عرف ذلك ورآه عندما فتح السيد كاب درج الأوراق.
فكر السيد هوجن في ذلك الأمر طوال تلك السنة. ليس كل الوقت طبعاً ولكن كلما سنحت له سانحة. وكانت تلك سنة عامرة بالمشاغل، أيضاً. كانت السنة التي أصيب فيها جون و جون بالنُكاف، أبو عديلات. وخلعت السيدة هوجن أسنانها وتم تركيب طاقم بديل لها. تلك السنة كان السيد هوجن سيد محفله الماسوني بما يستغرقه ذلك من وقت. أيضاً مات في تلك السنة لاري شيلد وكان أخ السيدة هوجن الذي تمت مراسم دفنه من منزل آل هوجن في 215 شارع شرق مابل.
كان لاري أعزباً وكانت له غرفة في دار باين تري. لعب لاري البلياردو تقريباً كل أمسية. كان يعمل في سيلفر داينر، ولأنهم كانوا يغلقون أبوابهم في التاسعة مساءً فإن لاري كان يذهب ليلعب البلياردو في محل لوي لمدة ساعة. ولكل هذا كانت المفاجأة أنه ترك ما يكفي من المال بحيث تبقى ألف ومائتان دولار بعد دفع تكاليف دفنه. وكان الأكثر ادهاشاً أنه ترك وصية لصالح السيدة هوجن ولكنه كتب البندقية ذات الماسورتين ومن عيار 12 للسيد جون هوجن الصغير. وفرح السيد هوجن لذلك رغم أنه لم يمارس الصيد يوماً وقام بتخزين البندقية خلف دولاب الحمام حيث كان يواري الأشياء من جون الصغير. لم يكن يرغب في أن يتعاطى أطفاله مع البنادق ولم يشتر أي خزنة مقذوفات. ومن تلك الألف ومائتين اشترت السيدة هوجن طقم أسنانها كما اشترت دراجة لجون. ولجون البنت اشترت شنطة حمل دمي ودمية تمشي وتتحدث ولها ثلاثة فساتين غيارات، وحقيبة صغيرة بطقم مكتمل لمكياج لعب أطفال. ورأى السيد هوجن أن هذه الأشياء قد تفسد الأطفال ولم يبدُ ان ذلك صحيحاً منه لأن نمرهم في المدرسة ظلت جيدة كما هي وتحصّل جون على وظيفة توزيع صحف. كانت سنة عامرة بالمشاغل حقاً. وأراد جون وأخته أن يسجلا في مسابقة (أنا أحب أمريكا) القومية لمقدمها و. د. هيرست. ورأى السيد هوجن أن ذلك شطط لكنهما وعدا بأن يفعلا ذلك أثناء اجازة الصيف فوافق، أخيراً.
ولم يلاحظ أحد أي شيئ مختلف في السيد هوجن. صحيح أنه كان يفكر في السطو على البنك ولكنه كان يفعل ذلك في الأمسيات فقط وحين لا يكون هناك اجتماع لمحفله أو فيلمٌ أرادوا أن يذهبوا لمشاهدته. لذا فإن الأمر لم يتحوّل عنده لوسواس ولم يلاحظ الناس أي تغيير عليه.
ولأنه درس كل شيئ بعناية فائقة لم يجده اقتراب عطلة عيد العمل غير مستعدٍ أو عصبي.

لقد كان ذلك الصيف حاراً. وكانت موجات الحر أطول من المعتاد.
كان يوم السبت هو نهاية اسبوعين من حر متصل. احتد الناس منه وتاقوا للخروج من المدينة رغم أن الصيف لم يكن أقل حراً.
آل هوجن لم يفكروا في هذا. ما أثار الطفلين هو أن مسابقة كتابة المقال ضمن برنامج (أنا أحب أمريكا) كانت شارفت على الانتهاء واقترب موعد اعلان أسماء الفائزين بها. والجائزة كانت رحلة لمدة يومين لواشنطون دي سي مدفوعة التكاليف بالكامل و ب(تظبيطات) كاملة- غرفة في فندق، ثلاث وجبات في اليوم، فسح مجانية بالليموزين- وليس ذلك للفائز لوحده بل لمرافق معه- كذلك زيارة للبيت الأبيض ومصافحة الرئيس، كل شيئ.
وكان السيد هوجن يرى أن طفليه قد رفعا سقف آمالهما أكثر من اللازم وقالها لهما:
- عليكم التحضير لخسارة المسابقة. من المحتمل أن هناك آلاف وآلاف المتقدمين للمسابقة. فإذا رفعتما سقف آمالكما قد يفسد ذلك فصل الخريف. لا أريد أي وجوه طويلة في هذا البيت بعد انتهاء المسابقة.
وقال لزوجه السيدة هوجن:
- لقد كنت ضد هذا من البداية.
حدث ذلك في الصباح الذي رأت فيه السيدة هوجن نصب واشنطون التذكاري في قعر كوب الشاي ولكنها لم تخبر بذلك سوى روث تايلر، زوجة بوب تايلر. وكانت روثي قد أحضرت معها أوراق اللعب وقرأتهم في مطبخ آل هوجن لكنها لم تجد أية رحلة! وكانت قد أخبرت السيدة هوجن أن الاوراق تخيب في أغلب الأحوال. فالأوراق كانت قد حدثتها أن السيدة وينكل ذاهبة في رحلة إلى أوربا ولكنها وفي الأسبوع التالي وقفت لها شوكة حوت في حلقها وخنقتها حتى ماتت. وتساءلت روثي، كأنها تفكر بصوت مسموع، عن رابطٍ بين شوكة الحوت والرحلة عبر المحيط إلى أوربا وقالت:
- يجدر بك تأويل هذه الأمور بشكل صحيح.
كذلك أخبرت روثي بأنها رأت مالاً قادماً لآل هوجن. فأوضحت لها السيدة هوجن:
- المال وصل سلفاً من المسكين لاري.
فقالت روثي:
- لابد أنني خلطت أوراق الماضي والحاضر معاً. ثم أضافت:
_ يجدر بك تأويل هذه الأمور بشكل صحيح.
وانفجر يوم السبت. قال التقرير المناخي الباكر على الراديو: استمرار الحر والرطوبة. أمطار خفيفة ومتفرقة ليل الأحد وصباح الإثنين.
قالت السيدة هوجن:
- وما هو الغريب في الأمر؟ إنه يوم عطلة عيد العمل!
وقال السيد هوجن:
- إنني سعيد بحق أننا لم نخطط لشيئ.
ثم أكمل أكل البيضة وقش الصحن بباقي قطعة الخبز.
قالت السيدة هوجن:
- هل وضعت القهوة في القائمة؟
أخرج الورقة من جيبه وراجعها
- نعم. إنها هنا. قهوة!
- لقد أتتني فكرة مجنونة أنني نسيت أن أكتبها. قالت السيدة هوجن. ثم واصلت:
- سنذهب أنا وروثي لحضور احتفال طائفة المذبح altar guild بعد الظهر. وسيكون في منزل السيدة ألفريد دريك. وتعلم أنهم جديدون في المدينة. أتحرق لمعاينة متاعهم!
- إنهم يشترون منا. فتحوا حساباً عندنا الاسبوع الماضي. قال السيد هوجن ثم سأل:
- هل زجاجات الحليب جاهزة؟
- إنها في الرواق.
وقبل أن يلتقط الزجاجات نظر السيد هوجن لساعته وكانت تشير لخمس دقائق قبل الثامنة.
وإلتفت وهو على وشك نزول العتبات ونظر خلال الباب المفتوح للسيدة هوجن فقالت له:
_ هل تريد شيئاً يا بابا؟
رد عليها:
- لا. وكررها ثانية.
- لا. ثم مشى نازلاً العتبات.
سار إلى الناصية واستدار يميناً في شارع سبونير وهو الشارع الذي يصب في شارع مين بعد مربوعين. وفي المقابل للمكان الذي يتم فيه هذا الالتقاء يقبع محل فتوشي وفي الملف منه يقع البنك والزقاق بجوار البنك.
التقط السيد هوجن نشرة اعلانية ملقاة أمام باب البقالة وفتح الباب.
مشى عبر المحل وفتح الباب المؤدي للزقاق ونظر إلى الخارج.
حاول قطٌ أن يفرض دخوله عبر الباب لكن السيد هوجن منعه بقدمه وساقه وأغلق الباب، ثم خلع معطفه وارتدى مئزره الطويل وأحكم رباطيه خلف ظهره ثم أحضر المكنسة من وراء طاولة الخدمة وكنس خلف الطاولة وكب كل القاذورات في إناء جمع الزبالة ومشى عبر البقالة وفتح الباب المؤدي للزقاق. كان القط قد اختفى. أفرغ محتويات الإناء في برميل القاذورات وطرق الإناء بحذق ليخلّصه من قطعة خس ظلت عالقة. ثم عاد إلى داخل المحل واشتغل على مسودة الطلبية القادمة.
حضرت السيدة كلوني لنصف رطل من لحم الخنزير المقدّد. وقالت إن الجو حار فوافقها السيد هوجن وأضاف:
- الأصياف تزداد حراً
- وأقول لنفسي، قالت السيدة كلوني "كيف حال السيدة خلف المواعيد؟"
- بخير. قال السيد هوجن.
- وستذهب لإحتفال الطائفة.
_كذلك أنا. قالت السيدة كلوني.
- أتطلع لرؤية أثاثاتهم. ثم خرجت.
وضع السيد هوجن قطعة تزن حوالي خمسة أرطال من لحم الخنزيرالمقدّد في قطّاعة الشرائح، ثم نشر الشرائح على ورق شمعي وغطاها بنفس نوع الورق ووضعها في خزانة التبريد.
في التاسعة إلاّ عشر دقائق ذهب السيد هوجن نحو أحد الرفوف ونحّى جانباً صندوق مكرونة لينزل صندوق كورن فليكس من جنبه وقام بتفريغ محتوياته في الحوض الصغير الملحق بخزانة التبريد.
وبخنجر موز قطع قناع ميكي ماوس المرسوم على ظهر صندوق الكورن فليكس ثم أخذ ما تبقى من الصندوق ومزقه لقطع كسحها بالماء في المرحاض ثم رجع المحل واستأصل شريطاً من قماش ربط طرفيه بعد تمريرهما من ثقبين على جانبيّ القناع ثم نظر لساعته.
كانت فضية وكبيرة. ماركة هاميلتون ذات يدين سوداوين تشيران لدقيقتين قبل التاسعة.
ربما شكلت الأربع دقائق التالية كل زمنه في التوتر والعصبية، على الإطلاق.
في التاسعة إلاّ دقيقة، أخذ المكنسة وخرج يكنس رصيف المشاة. كنسه بسرعة فائقة. وبينا هو لم يخلص بعد، في الحقيقة، فتح السيد وارنر أقفال البنك.
ألقى السيد هوجن تحية الصباح على السيد وارنر وبعدها بثوانٍ برز موظفو البنك الأربعة خارجين من المقهى. رآهم السيد هوجن عبر الشارع وحيّاهم اشارةً وردوا تحيته. وبعد الانتهاء من الطوار دخل إلى المحل ووضع ساعته على عتبة صغيرة تحت أزرار الأرقام في آلة النقود ثم أطلق آهةً عميقة جداً. كانت نفَساً عميقاً أكثر منها تنهيدة. كان يعلم أن السيد وارنر قد فتح الخزنة الآن وسيكون حاملاً اطباق الكاش إلى شباك الصراف. نظر السيد هوجن لساعته ترقد على عتبة آلة النقود.
وقف السيد كينورزي عند مدخل المحل ثم هز رأسه بطريقة مبهمة واستأنف سيره. أطلق السيد هوجن تنفسه بطيئاً وتدريجياً ومشت يده اليسرى إلى ظهره فجذبت رباط مئزره وزحفت بعدها اليد السوداء في ساعته إلى حيث علامة الدقيقة الرابعة فغطتها.
فتح السيد هوجن درج الحسابات الجارية وأخرج منه مسدس المحل وكان آيفر جونسون عيار 38. فضي اللون. تحرك بسرعة إلى المخزن. طرح عنه مئزره وارتدى معطفه ووضع بداخل جيبه المسدس ثم حشر قناع ميكي ماوس تحت المعطف بحيث لا يُرى.
فتح باب الزقاق وتطلع يمنة ويسرى ثم خطا خارجاً بسرعة تاركاً الباب موارباً بعض الشيئ. إنها ستون قدماً إلى حيث يدخل الزقاق شارع مين حيث توقف وتطلع نزولاً وصعوداً.
أدار رأسه نحو قلب الشارع لحظة مروره بنافذة البنك. وعند الباب المتأرجح للبنك أخرج القناع من تحت معطفه ووضعه على وجهه. كان السيد وارنر يدخل مكتبه لتوه مولياً ظهره لباب البنك. وكانت هامة رأس ويل كاب ظاهرة للعيان من خلال شبكة نافذة الصراف.
تحرك السيد هوجن بسرعة وبلا ضوضاء حول نهاية طاولة الخدمة داخلاً قفص الصراف وكان المسدس في يده اليمنى الآن. وعندما أدار ويل كاب رأسه، رأى المسدس فتجمّد. دس السيد هوجن ابهام قدمه تحت زناد اطلاق انذار القاعة. واشار بمسدسه لويل كاب فانبطح ويل سريعاً على الأرض. ثم فتح السيد هوجن درج النقود وبحركتين خاطفتين كدّس الأوراق الكبيرة فوق بعضها من أطباقها. وأتى بحركة كالجلد بالسوط بتحريك المسدس نحو ويل ما فهم منه هذا أن ينقلب معطياً وجهه للحائط، ففعل ويل.
تراجع السيد هوجن حول طاولة العد وخلع قناعه عند باب البنك وفي مروره بنافذة البنك أدار رأسه ناحية قلب الشارع. دخل الزقاق و مشى حثيثاً إلى مخزن المحل ودخله. كان القط قد دخل هو الآخر وجلس يرقبه من فوق كومة من كراتين المعلبات.
ذهب السيد هوجن إلى دورة المياه و مزّق القناع وأجراه مع الماء الدافق وخلع معطفه وارتدى مئزر العمل ثم ألقى نظرة لداخل المحل واتجه إلى درج الحسابات الجارية حيث رجع المسدس إلى مكانه. وضرب السيد هوجن زرار (لا بيع) ثم وزع، وهو رافعٌ الدرج الأعلى، المال المسروق تحت الطبق الأعلى ثم جذب الطبق إلى الأمام واغلق آلة النقود وحينئذ فقط نظر إلى ساعته فكانت 9:071/2.
علا الضجيج متدفقاً من البنك حين كان يحاول اخراج القط من مخزن المحل. أخذ مكنسته وخرج إلى الرصيف. سمع كل شيئ وأدلى برأيه حين سُئل عنه. قال إن (الشخص) لن يفلت. فأين يمكنه أن يصل؟ وأضاف: والناس مقبلون على عطلة....
كان يوماً مثيراً بحق. وبدا السيد فتوشي مزهواً كما لو كان البنك ملكه. ودقت صفارات الانذار لساعات طوال حول المدينة. وأوقفت المتاريس التي نصبت في حواف المدينة مئات المسافرين لقضاء عطلتهم. وتم تفتيش سيارات عدد من الرجال ذوي الهيئات المريبة.
سمعت السيدة هوجن بالقصة عن طريق التلفون فتهندمت قبل المواعيد التي تلبس فيها عادةً وحضرت للمحل في طريقها إلى لقاء طائفة المذبح. وتمنت لو أن السيد هوجن قد رأى أو سمع شيئاً جديداً ولكن هذا لم يحدث.
- لا أرى أن هذا الشخص سيفلت. قال لها.
كانت السيدة هوجن مستثارة لدرجة أنها نسيت أن تحكي له أخبارها هي الخاصة. ولم تتذكر إلاّ بعد أن وصلت لدار السيدة دريك. لكنها أخذت إذناً بالإتصال بالمحل في أول سانحة أتيحت لها.
- نسيت أن أخبرك. لقد فاز جون بالتنوية المشرّف.
- ماذا؟
- في مسابقة (أنا أحب أمريكا)!
- فاز بماذا؟
- التنويه المشرّف.
- حسن. حسنٌ- أي شيئ يأتي مع هذا؟
- طبعاً! اسمه وصورته ستعم البلاد. والراديو أيضاً. وربما التلفزيون حتى. لقد طلبوا صورته بالفعل!
- عظيم! أتمنى ألاّ يفسده هذا الأمر.
ووضع السماعة مكانها وهو يقول للسيد فتوشي:
- أعتقد أن لدينا أحد المشاهير في المنزل.
كان محل فتوشي يظل مفتوحاً حتى التاسعة مساء في أيام السبت. لم يأكل السيد هوجن سوى بعض القضمات الصغيرة من الشرائح الباردة، ليس كثيراً، لأن السيدة هوجن دأبت على حفظ عشاء دافئ له بالبيت.
كانت الساعة 9:05 أو 06: أو 07: عندما رجع للمنزل ذي القرميد البني في نمرة 215 شارع شرق بابل. مر من الباب الأمامي نحو المطبخ حيث كانت الأسرة تنتظره.
قال لهم: يلزمني دش بارد. ثم صعد نحو الحمام.
أدار مفتاح باب الحمام في القفل ثم سحب سلسلة المقعد وفتح الماء في حوض المغطس وحوض غسيل اليدين أثناء عده للنقود.
ثمانية آلاف وثلاثمائه وعشرون دولاراً.
تناول من أعلى رف في دولاب الحمام الجراب الجلدي المحفوظة فيه بزة فارس الهيكل خاصته فأنزله. كانت القبعة المريّشة لا تزال في هيئتها لكن ريشة النعام البيضاء بدت مصفرّة نوعاً وتحتاج لتغيير.
انتشل السيد هوجن القبعة ثم فصل الزي من قعر الجراب. وضع النقود داخل الزي ثم أعاد التفكير وسحب ورقتين وحشرهما في جيب بنطاله. ثم أعاد وضع الزي فوق النقود ووضع القبعة مكانها وأغلق الجراب ودفعه إلى الرف الأعلى.
وأخيراً غسل يديه وسد الماء من الحوضين.
انتظرته السيدة هوجن وطفلاهما في المطبخ بإبتسامة مشعشعة.
- خمّن ما سيمر به أحد الشباب!
- ماذا؟
- الراديو. يوم الإثنين. قال جون الصغير وأضاف: في الثامنة.
- أعتقد أن الأسرة فيها أحد المشاهير. قال السيد هوجن. وأضاف:
- أرجو أن لا تكون الشابة قد تضايقت!
جذب السيد هوجن كرسيه مقترباً من المائدة وأرخى ساقيه وقال:
- ماما. أعتقد أن لديّ أسرة لطيفة. ومد يده إلى جيبه وسحب ورقتين من فئة الخمسة دولار. مد واحدة لجون:
- هذي لفوزك! ثم دفع بالورقة الثانية نحو جون البنت:
- وهذي لكونك رياضية جيدة! لدينا شخص شهير وآخر رياضي! يا لها من أسرة رفيعة!
ثم فرك يديه وفع الغطاء عن الطبق الدافئ أمامه:
- كلاوي! يا إلهي!
هكذا فعلها السيد هوجن.



#مصطفى_مدثر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كومباكت
- في متحف الفنون
- من نصوص العودة من الموت
- في الضُحا، أعلى الموت
- عربي
- مشاهد من (صح النوم)
- شاحنة ليلة، قصة قصيرة
- واقعة مؤلمة، قصة قصيرة
- تماماً، ليس بعد- قصة قصيرة


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى مدثر - كيف سطا السيد هوجن على البنك