أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - أيديولوجية داعش، وعلاقتها بالإسلام















المزيد.....

أيديولوجية داعش، وعلاقتها بالإسلام


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 4551 - 2014 / 8 / 22 - 14:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لنؤجل قليلا الحديث عن الأبعاد السياسية والإستراتيجية لدولة داعش، والنظريات التي تتحدث عن نشوئها وارتباطاتها مع أجهزة المخابرات الغربية، وعلاقاتها بإسرائيل، وأثرها على مستقبل المنطقة ... ولنناقش الأيديولوجيا التي تتبناها داعش، وعلاقتها بالإسلام.

إزاء هذا الموضوع تبرز وجهتي نظر، كل منهما عكس الأخرى؛ الأولى تقول بأن "داعش" لا تمتّ إلى الإسلام بصلة، ولا تمثّله بأي شكل؛ بل أنها أساءت إليه، وقدمت نموذجا مشوها، يختلف كل الاختلاف عن الإسلام الحقيقي، دين الرحمة والتسامح والتعايش بين البشر. أصحاب هذا الرأي هم ممن يسمّون بالمسلمين المعتدلين الوسطيين.

في المقابل، هناك من يقول إن ما يقوم بهم تنظيم داعش، هو عين الإسلام، ولا يغدو عن كونه عملية استنساخ أمين وحرفي لتاريخ طويل ممتد من عمر الدولة الإسلامية، وفتوحاتها وحروبها ضد الكفار و"الروافض". وغني عن القول أن أصحاب هذا الرأي هم أتباع داعش نفسها، وبعض التيارات الإسلامية المتشددة.

وبين هذين الرأيين، ثمة رأي ثالث مفاده أن أيديولوجيا داعش مستقاة من التراث الإسلامي، وأن هناك حشدا من الفتاوى تؤيد قتل الأسرى، وسبي النساء، وفرض الجزية، وأخذ الغنائم، وتطهير أرض الخلافة من غير المسلمين، وتحرّم كل ما حرّمته داعش، وتوافق على ما فرضته على الناس من مسلكيات ومحددات ... إلا أن داعش راحت في ذلك إلى أقصى مدى، وطبقته بشكل سافر، ومبالَغ فيه. وأصحاب هذا الرأي الذي ينتقدون داعش على ممارساتها الفظيعة هم من تنظيم القاعدة، وتفريخاتها. ورأي رابع يقول أن أيديولوجيا داعش حتى لو كانت من صُلب الإسلام، وانعكاسا لتاريخه القديم؛ إلا أنها لم تعد صالحة في هذا الزمان، أي زمن العولمة وحقوق الإنسان والدولة الحديثة، وأصحاب هذا الرأي ممن يسمون الإسلاميين المتنورين، أو الحداثيين.

إذن، نحن أمام وجهات نظر متباينة ومتناقضة للحكم على نموذج "إسلامي" تمثله "داعش"، فبين من يقول أنه لا يمثّل الإسلام، ومن يقول أنه يمثل جانبا مجتزئا منه، الحالة الأولى تعني نزع صفة الإسلام عنه، أي تكفيره. والحالة الثانية تعني الإقرار بإسلاميته؛ وهذا يقتضي من الإسلاميين "المعتدلين" الاعتراف بتعدد الإسلام ذاته، وهو أمر يتناقض مع الصورة المثالية للإسلام، بوصفه دين واحد موحد.

في حقيقة الأمر أن النموذج الذي تقدمه داعش لا يختلف كثيرا عما تقدمه حركات الإسلام السياسي الأخرى، وبالذات ما بعرف بالتنظيمات الجهادية: (القاعدة، النصرة، أنصار بيت المقدس، أنصار الشريعة ... )، هذا فقط ضمن إطار ما يعرف بأهل السنة والجماعة، وإذا ما وسعنا الدائرة قليلا سنجد عشرات التنظيمات الإسلامية التي تختلف عن مثيلاتها السنية في المرجعيات الدينية فقط، ولكنها تتفق معها في كثير من الأشياء الأخرى: ممارسة العنف، القتل، التشدد، التعصب المذهبي والطائفي، التزمت إزاء قضايا المرأة والجمال وأنماط الحياة العصرية وأشكال السعادة. وحتى عند الجماعات التي توصف بالاعتدال، سنجد أن الفرق الحقيقي يكمن في درجة التشدد، وفي اختيار المواقيت، وفهم الظروف السياسية، ودرجة المرونة في التعاطي مع الشأن العام، لكن جوهرها متشابه إلى حد كبير.

ورغم ذلك، فإن النهج المتبع من قبل هذه التيارات والأحزاب المختلفة هو منهج التكفير؛ أي تكفير كل من لا يشبهها؛ فبينما تستهجن التنظيمات "الوسطية والمعتدلة" منهج داعش في التكفير، نجد أن نفس التنظيمات تكفّر داعش، أي أنها وقعت في نفس الشّرَك، وبادلت التكفير بالتكفير، بعبارة أخرى فإن لدى كل فئة فهماً معينا للإسلام، تزعم أنه روح الإسلام الحقيقي، وما عداه شطط وضلال، بمعنى أن كل فئة تؤمن أنها هي الفرقة الناجية.

البعض يرى أن فقهاء "داعش" ينتقون من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية ما يقيمون عليه بنيانهم الفكري، ويدعم رؤيتهم، أي أنهم أغفلوا أو تجاهلوا عشرات الآيات الكريمة التي تدعو للرحمة والتسامح والدفع والمجادلة بالتي هي أحسن، واختاروا آية السيف، وحديث الفرقة الناجية، واكتفوا بها (وهذه أسس الفقه الوهابي). وفي المقابل فإن منظري داعش وبقية الجماعات المتشددة يعيبون على ما يسمونهم الإسلاميين الوسطيين انتقائهم لآيات معينة، وتجاهل سجل حافل من الفتوحات والحروب التي شنتها الدولة الإسلامية قديما. وهذه الانتقائية (الممارَسة من قبل الجميع) إنما تفضح خضوعها للاعتبارات السياسية والمصلحية، وسبل الوصول للسلطة.

ومن أجل فهم المشهد بطريقة موضوعية يقتضي الأمر نقل المعركة إلى داخل الفضاء الإسلامي نفسه، أي إلى داخل النصوص المقدسة ذاتها، ونتذكر مقولة الإمام علي بن أبي طالب بأن القرآن حمّال أوجه. فإذا كانت الجماعات المتشددة تجد من النصوص ما يدعم أيديولوجيتها، فإن الجماعات المعتدلة ستجد نفسها في مواجهة نفس النصوص التي قد تطال الأسس التي تبني عليها اعتدالها. وفي هذه الحالة لن يختلف معسكرا التطرف والاعتدال في شيء جوهري، فكل منهما يزعم النطق باسم المقدس، وكل منهما يستند في معركته إلى النصوص، فيختلط الديني بالسياسي، والحركي بالفقهي .. إلى درجة تؤكد أن كل ما يجري إنما هم محاولات للهيمنة على الإسلام، واختطافه، لصالح مشاريع سياسية تتغلف بالإسلام.

ثم إن فهم الإسلام استنادا إلى النص المكّي، لا يعطي "المعتدلين" إمكانية اختزال الإسلام في الجانب الإيماني المحض فقط، ومن ثم البناء عليه لوحده، أي حصره ضمن المستوى الفردي، لا على المستوى الجمعي والسياسي، لأن ذلك سيجعل منهم إسلاميين علمانيين، لا وسطيين فحسب، كما يوسمون أنفسهم. أما فهمه استنادا للنص المديني فإنه يعطي "المتشددين" إمكانية حصره في الجهاد والفتوحات، وتجاهل الأبعاد والمضامين الروحية للإسلام، وحصره في المستوى السياسي الجمعي.

وإذا تجنبنا أسلوب التكفير، وتجاوزنا منهج الانتقاء، لصالح رؤية أكثر شمولا، سنكون مباشرة أمام صور عديدة ومتباينة للإسلام. وحتى لا نقع في شَرَك "الفرقة الناجية" والزعم باحتكار الحقيقة، لن نكون مضطرين لانتقاء نموذج محدد من بين النماذج المطروحة، سنكون بحاجة ماسة وملحة لتقديم رؤية جديدة عقلانية تلامس واقع المسلمين في العصر الحالي، أي بحاجة لتفسيرات حديثة للإسلام تعترف بأن حركة التاريخ تسير للأمام، وأن العالم متحرك ومتغير على نحو لا يسمح بالتعاطي معه بمفاهيم ونظريات موغلة في القدم، وتجازوتها الأحداث، أي الاعتراف بمشروعية الخروج عن الفهم النمطي التقليدي لتعاليم الإسلام، وهذا يدعى بفقه "المصالح المرسلة"، وهو فقه توقف منذ قرون. بقول واحد مطلوب تقديم قراءة تاريخية ثورية للإسلام، تفتح باب الاجتهاد على مصراعيه بعقلية منفتحة متصالحة مع الإنسانية، ومنسجمة مع روح العصر.

ما يمنع حركات الإسلام السياسي من القيام بهذه النقلة "النوعية" و"الثورية" و"التقدمية" هو ليس تمسكها بأهداب النصوص بعقلية مغلقة، بقدر ما هو خشيتها من فقدان مصالحها، فليس من مصلحة من يعتبرون أنفسهم "إسلاميين معتدلين" أن يكون الإسلام تاريخياً، لأن الإسلام الجهادي المتشدد سيمتلك الأرجحية حينئذ على قاعدة الناسخ والمنسوخ في القرآن، أي نسخ كل الآيات الكريمة التي تدعو للرحمة والتواضع والتسامح بآية السيف، لأنها تاريخيا لاحقة عن الآيات "المكية". وهذا بالتالي قد يعطي"داعش" مشروعية تكفيرهم، بينما هم لا يملكون المشروعية ذاتها بناء على نفس النص.

وللأسف فإن التقصير لا يتوقف على الأحزاب والجماعات، فالمثقفين والمتنورين الإسلاميين ما زالوا يقبعون في منزلة بين المنزلتين، ولا يجرؤون على النقد، والحالات الفردية لبعض الكتّاب الإسلاميين الأكثر جذرية والأنضج في التعامل مع الحاضر والأبعد في رؤيتهم للمستقبل بقيت هامشية على صعيدي الفكر والسياسة، أو محارَبة، وقد تم تكفيرها وإقصائها. وفي النتيجة لم يتبق إلا صدى خافت لأصواتهم وهي تنادي بضرورة الخروج من عنق الزجاجة، أما الواقع ضمن تيارات الإسلام السياسي المعاصر فإن من يعتبرون أنفسهم معتدلين وعقلايين، قد نالوا هذا اللقب لمجرد نسبتهم للتطرف، أي مقارنة بالمتطرفين والمجانين فقط.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- داعش، والكبت الجنسي
- في غزة .. انتصرنا ، أم لم ننتصر ؟
- إمبراطورية قطر العظمى
- حتى في وقت المعركة .. لا بد من النقد
- قراءة في الحرب على غزة
- وماذا بعد !؟ الحرب على غزة
- دفاعاً عن الشيعة .. دفاعا عن العراق
- العلاقات المكسيكية الإسرائيلية - دراسة بحثية
- العلاقات الكندية الإسرائيلية - دراسة بحثية
- هرتزل، والسلطان عبد الحميد ونكبة فلسطين
- السويد والقضية الفلسطينية
- وعاد الربيع .. وبقينا كما نحن
- صديقي .. المهدي المنتظر
- أسبوع في بلاد قوس قزح
- تعذيب طفلة مصابة بالغرغرينا
- قراءة على جدار فيسبوكي
- صورة على جدار ..
- القارئ رقم مليون
- نظرة من البعيد .. إلى كوكب الأرض
- جنون الاستبداد


المزيد.....




- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - أيديولوجية داعش، وعلاقتها بالإسلام