أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - عطش التاريخ














المزيد.....

عطش التاريخ


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1281 - 2005 / 8 / 9 - 12:01
المحور: الادب والفن
    


في برنامج "دروب"، ضمن الجزء الأوّل من حلقة بعنوان "العلاقة بين الأدب والأيديولوجيا" بثّتها قناة "الجزيرة" القطرية مؤخراً، قرأت للصديق الشاعر اللبناني عباس بيضون رأياً في الرواية السورية، مفاده التالي (وأنا هنا لا أقتبس حرفياً، بل أنقل بالفصحى ما قاله بيضون بالعامية، ونشرته الفضائية في موقعها على الإنترنيت):
أنا أحياناً أقرأ رواية تبدأ رائعة وفيها قوّة كاملة، وفجأة أحسّ أنّ النصّ أخذ يسقط، ويسقط ليس بسبب عدم جدارة الكاتب وإنما بسبب آخر هو التدخّل الأيديولوجي الضمني والأفكار البسيطة الساذجة عن العالم. الرواية السورية كلها هكذا إلى حدّ كبير، وهي بجزء كبير منها هكذا. تقرأ كتاباً لعدد من الروائيين فتحسّ أنّ فيه قوّة موهبة، وتشعر أنّ الصفحات العشرين او الثلاثين الأولى قوية ومتينة، وأحياناً تشعر بمستوى كبير وعالمي. بعد قليل تشعر أنّ العمل أخذ يتدهور، وأنّ التدهور نابع أساساً من وجود التزامات أيديولوجية وموجبات أيديولوجية يرى الكاتب أنه مجبر عليها، وأنّ الأدب لا يكون بدونها، وأنّ هذه رسالة ينبغي إيصالها. وهذه الإلتزامات الأيديولوجية هي دائماً عبارة عن منظومة أفكار بسيطة وشعبية وإلى حدّ كبير ركيكة، وغالباً ما تؤدي إلى تدمير العمل الروائي.
والحال أنني لا أختلف مع هذا الرأي في العمق فحسب، ولا أجد فيه مقداراً من التعميم مفرطاً ومطلقاً فقط، بل أرى أيضاً أنه ينطوي على قسر في إطلاق صفة الأيديولوجيا على تلك "الإلتزامات" و"الموجبات" من جهة أولى؛ ثمّ إصدار أحكام قيمة قدحية، عن التبسيط والشعبية والركاكة من جهة ثانية. ذلك لأنّ ما يحضر بقوّة في الأدب الروائي السوري ليس الأيديولوجيا في نظري، أو ليس الأيديولوجيا الخالصة بوصفها منظومة أفكار تُفرض على النصّ الأدبي من خارجه ومسبقاً (كما يساجل بيضون)، بل هي سلسلة متباينة لمظاهر أدلجة السرد وأدلجة الشخصيات وأدلجة النوع الأدبي عموماً. في عبارة أخرى مختصرة: هي حضور شديد الطغيان للتاريخ، ولا مفرّ لأيّ تاريخ من أن يكتنفه التأدلج!
وبهذا فإنّ هذه الحال ليست حكراً على الرواية السورية، إذْ لعلّ للرواية اللبنانية الباع الأطول، وتحديداً في استعادة وتوظيف موضوعة الحرب الأهلية اللبنانية التي لا تكاد تخلو منها رواية لبنانية معاصرة. المسائل الفنّية، بمعنى السويّة والموهبة والمتانة والقوّة، تظلّ نسبية دائماً وفي كلّ وأيّ مشهد روائي على وجه الأرض. وكما أنّ حضور التاريخ السوري القديم أو الحديث قد يفقر أو يغني هذه أو تلك من الروايات السورية، فإنّ خضوع تسعة أعشار النتاج الروائي اللبناني لهيمنة الحرب الأهلية قد يسفر عن نتيجة مماثلة: إما أن يُفقر أو يُغني.
وفي ما يخصّ العلاقة بين الرواية والتاريخ عموماً، يشدّني على الدوام ذلك التشخيص البديع الذي اقترحه الكاتب والمؤرّخ الإنكليزي توماس كارلايل (1795 ـ 1881): "إن كلامنا نفسه تاريخي على نحو عجيب. ولعلّ المرء يلاحظ أن معظم الناس لا يتحدثون إلا لكي يسردوا؛ وهم يسهبون لا لكي ينقلوا ما يفكرون به، وهذه في الواقع مسألة طفيفة، بل لكي يعرضوا ما رأوا أو ما وقع لهم، وهذه مسألة لا حدود لها. فإذا انقطعت بيننا الحكاية، فإنّ دفق المحادثة سوف يتضاءل إلى حفنة كلمات مبعثرة حتى عند الأشخاص الأكثر حكمة، وسيتبخّر تماماً عند الحمقى! وهكذا، بينما لا نقوم بشيء آخر سوى إحداث التاريخ، فإننا في الآن ذاته لا نقول الكثير بمعزل عن رواية التاريخ».
الإنصاف، من جانب آخر، يقتضي مساجلة الصديق بيضون في الجانب "الكمّي" من حكم القيمة الذي يصدره على الرواية السورية: أنها، في التبسيط والشعبوية والركاكة، "كلها هكذا إلى حدّ كبير، أو وهي بجزء كبير منها هكذا". معظم الرواية السورية ليس هكذا في الواقع، وثمة الكثير من البراعة والتميّز والديناميكية والحيوية في مقاربة الموضوع التاريخي، وثمة استطراداً الكثير من التحدّيات الفنّية التي تخصّ الشكل والأسلوب واللغة. هنالك التاريخ بوصفه إعادة تورية فانتازية مجازية (سليم بركات)، أو إعادة تمثيل رمزي ـ مَزْجي للأزمنة والشخوص (هاني الراهب)، أو رواية داخل الرواية (فواز حداد).
على سبيل المثال، رواية سليم بركات أرواح هندسية»، 1987، تقوم على عمارة فانتازية تيسّر تأرجح الخيال بصورة حرّة بين المشهد التسجيلي والأجواء السحرية، وبين بيروت الطبيعية وبيروت العجائبية، على خلفية زمن أسطوري متخيَّل وآخر شهد الحرب اللبنانية ونهايات الاجتياح الإسرائيلي 1982 وخروج الفصائل الفلسطينية. رواية هاني الراهب «رسمت خطاً في الرمال»، 1999، تستعيد عيسى بن هشام وأبو الفتح الإسكندري وشهرزاد ودنيا زاد وشهريار، ثمّ تضمّ إليهم شخصية المواطن محمد عربي محمدين، لكي تنقّل مسرح الأحداث بين أكثر من زمان وأكثر من مكان.
الأرجح أنّ هذه الخيارات جزء من عطش السوري إلى التاريخ أو تعطشه إلى صناعة التاريخ، في موازاة الحال العالقة التي يصنعها نظام سياسي يحظر أيّ تاريخ شعبي خارج منظومة الإستبداد. وإذا صحّ هذا، فهل في وسع السوريّ المعاصر أن يجنح إلى ترف إطراح هذا الطراز من أدلجة الواقع؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبايعة عبد الله: ميزان الذهب بين القبيلة والفتوى والدولة
- سوسيولوجيا الطرب
- من أنفاق باريس إلى حافلات لندن: هل للإرهاب أمثولة حقوقية؟
- أقاصيص الأمير
- الذكرى العاشرة لرحيل خالد بكداش: المفارقة المستديمة
- بيروت سمير قصير
- تفجيرات لندن: يد الإرهاب عمياء ولكنها ليست خارج التاريخ
- فرانز فانون والظواهري
- قمة الثماني: زئير توني بلير أم نعيق غربان العولمة؟
- حجيج الأدب
- ديمقراطية كوندوليزا رايس: ثورة الأرز أم منتدى الأتاسي؟
- تنويه: لا عداء بين بشار الأسد وأمريكا
- عمادة آسيا جبّار
- بعد المؤتمر القطري وقبل ذكرى مجزرة تدمر: هل تمخّض الجبل؟
- في مديح التباطؤ
- من الأب إلى الإبن: جورج بوش وسياق العراق
- رؤساء المخافر
- هشام بختيار: مجرم حرب عضو في القيادة القطرية
- تقاعد خدّام: استباق العاصفة أم التباكي على السياسة؟
- تأتأة عن الماغوط


المزيد.....




- هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني ...
- فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
- وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل ...
- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...
- ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب ...
- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...
- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
- فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة ...
- طبول الـ-ستيل بان-.. موسيقى برميل الزيت التي أدهشت البريطاني ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - عطش التاريخ