أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - عمادة آسيا جبّار














المزيد.....

عمادة آسيا جبّار


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1242 - 2005 / 6 / 28 - 09:43
المحور: الادب والفن
    


ليس أمراً عابراً أن تُنتخب أديبة جزائرية لعضوية الأكاديمية الفرنسية، هذا الصرح الثقافي العريق العتيق الذي تأسس سنة 1635 في عهد لويس الثاني عشر، بمبادرة من الكردينال الشهير ريشليو (ذاك الذي صوّره ألكسندر دوماس في «الفرسان الثلاثة» على نحو فيه الكثير من الإجحاف والإنتقاص). وأن تكون آسيا جبّار هي هذا العضو الجديد الذي يتضمّ إلى رهط الـ «الخالدين»، كما يسمّون أعضاء الأكاديمية، أمر يضيف الكثير من المغزى الخاصّ إلى حدث متميّز في حدّ ذاته.
... ويضيف حسّ المفارقة أيضاً!
صحيح أنّ جبّار تكتب بالفرنسية، وللأكاديمية مهمّة أولى هي «السهر على اللغة الفرنسية» وتطوير الفرنكوفونية، غير أنّ معظم أعمال جبّار الروائية تناقش هذا التفصيل الجوهري بالذات: مشكلة الكتابة بالفرنسية عند أبناء المستعمرات السابقة، وطبيعة الإشكاليات التي تنجم عن هذا الاستخدام اللغوي شبه القسري في الواقع. الحال تصبح أكثر انطواء على التوتّر الثقافي حين يميل هذا العمل أو ذاك إلى استعادة الذاكرة الوطنية الجزائرية، حيث لا مناص من إعادة تمثيل صورة الإستعمار الفرنسي في أشكاله السياسية والعسكرية والثقافية، وسرد وإعادة سرد وقائع المقاومة في المستويات ذاتها، السياسية والعسكرية والثقافية.
وفي روايتها البديعة «الحبّ، الفانتازيا»، التي صدرت بالفرنسية سنة 1985، تستعيد جبّار حادثة رهيبة كانت في الآن ذاته قد دشّنت أوّل التفاصيل الدامية من تاريخ غزو الجزائر. والحادثة: عدد من المقاومين الجزائريين البربر، ممّن رفضوا الإستسلام للغزاة الفرنسيين، لجأوا إلى الكهوف القريبة من قرية القنطرة، فاستخدم الضابط الفرنسي بيليسييه سلاح الدخان لإخراجهم منها، فقضوا خنقاً، وكان عددهم 1500 من النساء والرجال والأطفال، مع مواشيهم.
وفي سردها لهذه الواقعة الوحشية، والتي ستتكرر بعد شهرين على يد الكولونيل سانت ـ آرنو، تقتبس جبّار شهادة ضابط إسباني روى أن بيليسييه أمر جنوده بإخراج ستمائة جثة من ظلام الكهوف إلى ضياء الشمس. وتضيف إليها مقاطع من تقرير رسمي كان بيليسييه نفسه ينوي رفعه إلى رؤسائه، وتقول: «بيليسييه، الذي ينطق الآن بالنيابة عن هذا الألم الطويل، وبالنيابة عن 1500 جثة مدفونة أسفل قرية القنطرة، وبالنيابة عن المواشي التي لم تتوقف عن إطلاق ثغاء الموت، سلَّّمَني تقريره وأخذت منه هذا اللوح الذي أخطّ عليه، بدوري، مشاعر الألم المتفحمة التي عرفها أسلافي».
ولأنها تستخدم لغة المستعمِر لكي تسجّل وحشيته وبعض الذاكرة الدموية التي خلّفها، فإن كتابة جبّار بتلك اللغة لا بدّ أن تأخذ صفة الإشكالية المفتوحة. إنها تضع نفسها في موقع إبنة البلد التي يجب أن تتوافق مع تاريخ بلدها الجزائر، ومع نفسها كذاتٍ عربية مؤنثة تكتب بالفرنسية، عن النساء العربيات اللواتي لا يتكلمن الفرنسية، وعن رجال عرب حجبوا عن النساء حقّ الكلام بالأصالة عن أنفسهن. وجبّار تقول: «بذلك فإن اللغة [الفرنسية] التي جهد والدي كثيراً لكي أتعلمها، تخدم الآن كوسيط لسرد التاريخ، وهي منذ الآن علامة مزدوجة متناقضة تهيمن على عَمَادتي في الحياة».
وفي نهايات الرواية لا تترك جبّار ظلاً للشك في طبيعة هذا الإنقسام الثنائي: «حين أكتب وأقرأ بلغة أجنبية، فإن جسدي يسافر إلى فضاء تدميري. الكلمات التي أستخدمها لا تعكس واقعاً من لحم ودم. وجميع ما تعلمته في القراءة والكتابة يقذف بي نحو موقع ثنائي الإنقسام. وضربة الحظ هذه تضعني عند حافة الإنهيار». تلك الثنائية في استخدام اللغة، أو ذلك التعارض بين الإنتماء والإقتلاع وبين الذات والآخر، يختزل المتكلم إلى كائن يرتكز تشكيل هوّيته على حقلين لغويين وثقافيين منفصلين، يتكاملان في ترسيخ الثنائية وتجريد الهوية من سياقاتها التاريخية والإجتماعية والثقافية والسيكولوجية.
وبين طرائق جبّار في إجراء التصالح ضمن التعارض، أنها مثلاً تلجأ إلى الكاتب والرسّام والمستشرق الفرنسي أوجين فرومنتان (1820ـ 1876) الذي يهديها، مجازياً بالطبع، «يداً غير منتظرة، يد امرأة مجهولة لم يكن بمقدوره أن يرسمها. إنه يصف، على نحو شرّير، كيف غادر الواحة بعد ستة أشهر من مذبحة الكهوف، وأثناء مسيره عثر في التراب على يد مبتورة لامرأة جزائرية مجهولة. ولكنه رمي اليد وتابع سيره». وتكمل جبّار: «لقد التقطتُ تلك اليد الحيّة، يد البَتْر والذاكرة، وحاولت أن أضع فيها القلم alamِQ (الكلام، الكتابة)». أو، في مثال آخر، استعادة ماريه ديزيريه بولين رولان، المعروفة اختصاراً باسم «بولين» (1805 ـ 1852)، وهي امرأة ثورية سان ـ سيمونية، ونسوية داعية إلى السلام، نفاها نابليون إلى الجزائر بعد ثورة 1848 فعاشت في كنف الجزائريات كواحدة منهنّ، وشاركتهنّ ظروف السجن القاسية.
أيكون هذا التماهي بالذات هو «المنفذ» الذي تحدّث عنه فرانز فانون في وصفه لسيكولوجية المقهور، الذي يلقي بنفسه، «بيأس الغريق»، على ثقافة القاهر، أو على هذا أو ذاك من عناصرها الإيجابية المضيئة في أقلّ تقدير؟ أم أنّ العكس هو الصحيح: في ضوء انتخاب جبّار للأكاديمية الفرنسية، القاهر هو الذي يسعى اليوم إلى استرداد المقهور؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد المؤتمر القطري وقبل ذكرى مجزرة تدمر: هل تمخّض الجبل؟
- في مديح التباطؤ
- من الأب إلى الإبن: جورج بوش وسياق العراق
- رؤساء المخافر
- هشام بختيار: مجرم حرب عضو في القيادة القطرية
- تقاعد خدّام: استباق العاصفة أم التباكي على السياسة؟
- تأتأة عن الماغوط
- اغتيال سمير قصير: الوحش الأمني حيّ يسعى ويؤدّب ويقتل
- ماركسية عصرنا: أداة تحرير ومقاومة
- نبوءة ماركس والأشباح العائدة
- إسكندرية كافافيس
- الدستور الأوروبي الموحد وانحطاط الحلم إلى ردّة
- وما أدراك ما القراءة
- سورية والجوهري هذه الأيام: عود القمع على بدء الاستبداد
- مواطَنة فخمة
- السعودية: عنف يتفاقم، مأزق يستحكم، ونظام يتآكل
- تحية إلى المؤتمر السادس لحزب الشعب الديمقراطي السوري
- من طروادة إلى بغداد
- بلير والولاية الثالثة: الناخب أعطى، وثاتشر أخذت
- أبقار نووية


المزيد.....




- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - عمادة آسيا جبّار