أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - من طروادة إلى بغداد














المزيد.....

من طروادة إلى بغداد


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1193 - 2005 / 5 / 10 - 11:33
المحور: الادب والفن
    


خلال استقصاء بحثي كنت أقوم به مؤخراً حول الدلالات الرمزية الكبرى التي خلّفتها وتخلّفها مدينة طروادة في المخيّلة الإنسانية قديماً وحديثاً وعلى مرّ العصور، كنت أدرك مسبقاً أنّ وقائع حصار وسقوط وتدمير هذه المدينة ـ الرمز الأعلى صنعت الحكاية غير الدينية الأكثر سرداً وتناقلاً وإلهاماً واستلهاماً على مدى التاريخ. ما أدهشني حقاً، أو بالأحرى أذهلتني مساراته التاريخية والجغرافية والثقافية الواسعة، أنه توفّرت في كلّ الأحقاب الرئيسية من عمر البشرية هذه الحزمة أو تلك من الشروط التي تشجّع على استعادة الحكاية، وتعيد استثمارها بما يخدم سلسلة من الوظائف الإيديولوجية والأخلاقية والسياسية والتعبوية والمعنوية والثقافية...
وفي أزمنتنا المعاصرة هذه، حين تبدو الإمبراطورية الأمريكية وكانها تستأنف ما انتهى إليه السلامان الروماني والبريطاني، لا تقفز أمثولة طروادة سريعاً إلى وجدان المحاصَر وحده، بل تتلبّس سلوك المحاصِر بدوره. ولم يكن غريباً أن يقرر الصحافي الأمريكي نيكولاس كريستوف الذهاب، عشية الغزو الأمريكي للعراق قبل سنتين، إلى المكان الوحيد الجدير بالمناسبة الوشيكة: خرائب طروادة، في تركيا المعاصرة، على مبعدة أميال من بغداد وساحات الذبح القادمة في العراق!
ولقد كتب ما يلي: «أدوات الحرب تبدّلت على نحو فائق خلال 3200 سنة، لكنّ البشر لم يتغيروا (...) وهكذا، على أعتاب حرب جديدة، تبدو قلعة طروادة الباقية على حالها، بمثابة بقعة مثيرة لاستخلاص الدروس. كانت الحرب الطروادية هي الحرب العالمية الأولى، بين أوروبا وآسيا، والحكايا تقول إنّها لم تقترن بالبطولات وحدها، بل ايضاً بالأخطاء الكارثية، وسوء القيادة، وما أسماه الإغريق حماقة متهورة: الفخار القاتل والغطرسة المفرطة التي تحجب عقول الأقوياء».
وقبل سنة حين شهدت صالات العالم عروض فيلم «طروادة»، أحدث اقتباس هوليودي للملحمة الطروادية وأكثرها كلفة (175 مليون دولار) وفخامة وسطحية، لم تكن المصادفة الزمنية هي وحدها التي جعلت الكثيرين يربطون بين أغاممنون كما يظهر في في شريط ولفغانغ بيترسن، وأغاممنون/دونالد رمسفيلد كما يظهر في أشرطة البنتاغون! وفي قلب مهرجان كان الفرنسي اعتبر النجم براد بيت، الذي يؤدي دور آخيل في الشريط، أنّ هذه الحكاية التي تروي التعطش للدماء، وحصار الشعوب، وشهوة السلطة، وجشع الملوك... لا يمكن إلا أن تتوازى مباشرة وبوضوح مع ما يفعله زعماء أمريكا وبريطانيا في العراق. الممثلة البريطانية سافرون بوروز، التي تؤدي دور أندروماك، ذهبت أبعد حين أعتبرت أن الشقيقين الإغريقيين أغاممنون ومنيلاوس يذكّرانها بـ «الأخوّة القائمة حالياً بين بوش وبلير»...
وإذا كان من غير المدهش ان تتحوّل أمثولة طروادة إلى مصدر للإقتداء والتماهي عند الشعوب والجماعات المقهورة، أو تلك التي تعيش مأزق هوية من أيّ نوع، أو تبحث عن أصل تليد أفضل ممّا تنتسب إليه فعلياً؛ فإنّ من غير المدهش أن يحتاج القاهر بدوره إلى الأمثولة ذاتها! لقد سقطت طروادة على أيدي الإغريق، الذين كانوا المجموعة الأقوى شوكة في تلك الاحقاب؛ ثمّ فرّ الأحياء من أبناء طروادة إلى إيطاليا، بعد أن مرّوا بمملكة قرطاجة وعاثوا فيها فساداً، لتأسيس الإمبراطورية الرومانية التي لن تغرب عنها الشمس، بحيث انقلب المقهور إلى قاهر (كما تروي ملحمة فرجيل «الإنياذة»).
وعلى مرّ العصور احتاجت الزعامات الإمبريالية إلى ملاحم من طراز الحروب الطروادية. وحين وطأ الإسكندر المقدوني سهل طروادة، كانت أوّل خاطرة تعبر ذهنه هي التالية: من أين لي بهوميروس جديد يعطيني ما أعطى ذلك الشاعر الأعمى إلى آخيل! والقيصر أغسطس حصل بالقوّة على ملحمة خاصة تخلّد أمجاد روما، انتزعها بالمعنى الفعلي للكلمة من فرجيل، الشاعر المُعرِض عن المهمة والغارق في مسّ من الجنون. والعمل الأدبي المفضّل عند موسوليني كان مسرحية شكسبير «يوليوس قيصر»، لأسباب خاصة راسخة في قرارة نفس قيصر روما الحديث هذا، ولم يفلح حتى إزرا باوند في إقناعه بأنها غير تلك الأسباب الأدبية أو الفنّية أو حتى السياسية التي تميّز المسرحية...
كذلك نتذكر أنّ هاملت، ولكي يقدّم العرض المسرحي الأكثر تأثيراً في النفوس، يطلب من الممثلين أداء ذلك الجزء الفريد من «الإنياذة»، حين يروي إينياس للملكة ديدو (أو عليسا، إليسا، أليسار...) وقائع خراب مدينته طروادة واجتياحها وتدميرها. ومن هنا تبدأ أولى فصول مأساة ملكة قرطاجة، التي تقع في غرام إينياس، المنذور من جانبه لمهمة أكثر قداسة من الحبّ: الحرب، وبناء إمبراطورية روما.
وذات يوم، أواخر القرن التاسع عشر، حين تناقل العالم أخبار عثور عالِم الآثار الألماني هنريش شليمان على الموقع الإفتراضي لمدينة طروادة، غضب الناقد البريطاني جيكوب بريانت: «لعلّنا أيضاً سوف ننقّب ذات يوم بحثاً عن موقع اليوتوبيا، وعن موقع كوخ روبنسون كروزو في جزيرة كاربي»! ورغم أنّ المقارنة كانت ظالمة تماماً، وغير قائمة أصلاً، فإنّ بريانت نفسه سرعان ما انحنى أمام جبروت هذه الأمثولة الفريدة، طروادة، التي تكتب للمخيّلة تاريخاً ملحمياً خاصاً بها.



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلير والولاية الثالثة: الناخب أعطى، وثاتشر أخذت
- أبقار نووية
- بشار الأسد بعد الإنسحاب من لبنان: اختبار النار؟
- العراقي الطائر
- القيادة السورية: أيّ انقلاب أبيض يصلح البنية المستعصية؟
- غسان كنفاني... شكراً
- أمثولة مجزرة قانا: الماضي جثّة ثقيلة على صدر الحاضر
- مَن يعبأ بالصدى؟
- السودان والقرار 1593: مَن يتذكّر رادوفان كراجيتش؟
- سياسة الروح
- أيّ تغيير «من الداخل» تريد واشنطن في سورية؟
- «أشغال» الوكالة
- قمّة الجزائر: هل يمكن للنظام العربي الرسمي أن ينحطّ أكثر؟
- سطوة الحكاية
- عروس مجدل شمس
- يهود سورية: «التطهير العرقي» وصناعة الخرافة
- غلطة السيد... بألف ممّا نعدّ
- تظاهرة دمشق «الشبابية» واستئناف الهستيريا القديمة ـ المقيمة
- هويات غير قاتلة
- زائر غير منتظر في انتفاضة لبنان: رفعت الأسد


المزيد.....




- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - من طروادة إلى بغداد