أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - حميد لشهب - كم من عالم أخصى فرويد؟














المزيد.....

كم من عالم أخصى فرويد؟


حميد لشهب

الحوار المتمدن-العدد: 4534 - 2014 / 8 / 5 - 13:58
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


خصص إيريك فروم، المحلل النفسي-الإجتماعي المرموق دراسات كثيرة لنظرية التحليل النفسي كما اكتشفها و طورها سيغموند فرويد. و قد جمعت كل هذه الدراسات في المجلد الثامن من أعماله الكاملة، المنشورة بمدينة ميونيخ عام 1989. و على الرغم من أن فروم بقي وفيا على العموم للنظرية الأصلية لأستاذه، فإنه لم "يبخل" عليه في تحليلاته لشخصيته. و حتى و إن كان تحليله عميقا، فإنه لم يعمد إلى التجريح به أو نقده نقدا هداما، بل عمل كل ما في وسعه لإضاءة بعض الجوانب المهمة في شخصية فرويد، رابطا إياها بنظريته في شموليتها. هذا ما سنكتشفه في كتاب فروم: "مهمة سيغموند فرويد. تحليل لشخصيته و تأثيره"، المنشور عام 1959.

تطرق فروم إلى محاور من الأهمية بمكان في هذا الكتاب منها بالخصوص علاقة فرويد بأمه و النساء عموما، و الحب بالتحديد، و تبعيته للرجال و علاقته بوالده و موقفه السلطوي. و هذا الموقف بالضبط هو الذي سنركز عليه في هذه القراءة.

يسبح الجزء الكبير من تاريخ التحليل النفسي في بحرانشقاقات كثيرة عن فرويد، كانت في مجملها خلافات جوهرية في مسائل علمية وتفسيرات معينة. لكن عمق الخلافات الفكرية، لا يمكنها أن تبرر في واقع الأمر كل ذلك العداء الذي ظهر في العلاقة اللاحقة بين فرويد و آدلر ويونغ مثلا. من الضروري ألا تقتصر الخلفية الحقيقية لهذه الصراعات على الجانب العلمي فقط. وهذه الفرضية بالذات هي التي شغلت إريك فروم.

هناك شبه إجماع بين تلامذة فرويد بأنه: «لم يطق أبداً آراء الآخرين أو مجرد محاولتهم تنقيح آرائه أو تقديم أي تعليق سلبي عليها". و توصل فروم إلى نفس الإستنتاج و بالخصوص عند من ظلوا أوفياء له حتى النهاية. درس فروم بِتَرو كتاباتهم وحكاياتهم وتأكيداتهم وتوقف طويلا على تحليلات ارنست جونز، الذي كان أخلص تلامذة فرويد، بل مبجلا له. وحتى وإن بدى جونز بالنسبة لفروم مقنعاً نسبيا في دفاعه عن أستاذه، فإن: «اللغة كانت تخونه بين الحين والآخر فيؤكد مواربة ما كان يود نفيه». ما هو مهم في كل هذا هي الطريقة التي يدحض بها فروم تأكيدات جونز هو: «أن جونز ساذج من الناحية النفسية في هذه التأكيدات التي لا تتلاءم مطلقاً مع عمل المحلل النفسي. [...]. مهما يكن من أمر، فإن فرويد كان متسامحاً مع الذين يبجلونه حد العبادة. [...] لكنه كان أباً شديد التسلط والقمع لكل أولئك الذين يجرؤون على مخالفته».

يعتبر فروم جونز حالة استثنائية في تبريراته و مدحه لفرويد ويمر إلى حالة اعتبرها أكثر أهمية لفهم النزعة التسلطية لأب التحليل النفسي، ويتعلق الأمر بفرنزي، الذي كان وظل لسنوات طويلة أكبر تلميذ مخلص لفرويد بشهادة المراسلات العديدة بينهما. اهتم فروم بمذكرات فرنزي، الذي كتب من بين ما كتبه: «عندما زرت الأستاذ أطلعته على آخر أفكاري، وهي أفكار تعتمد على التجربة القائمة على العمل المباشر مع مرضاي. حاولت أن أكتشف نفوسهم من تاريخهم الشخصي انطلاقا من قصص حياتهم ومن تداعي أفكارهم و من الطريقة التي يتصرفون بها. [...] عرضت يومها على أستاذي ما كنت توصلت إليه من أن كل مريض يحتاج إلى تجربة مختلفة من الرعاية الرقيقة، وقلت له اكتشفت أن ليس من السهل غض الطرف عن هذا [...]. كان الأستاذ يصغي إلي خلال حديثي هذا دون أية ردود فعل أول الأمر. بالتدريج ومن دون أن ألاحظ ذلك كبر نفاد صبره. و في النهاية، دون أن يجد نفسه مضطراً إلى أي شرح أو تفسير حذرني من أنني أطأ هنا أرضاً خطرة وأنني بدأت أبتعد بشكل كبير عن الأعراف والتقاليد والتقنيات المرتبطة بالتحليل النفسي. وقال أن أي استسلام لتوقعات المريض ورغباته، بصرف النظر عن مدى صوابها، ستزيد من اعتماده على المحلل، مؤكدا بأن مثل هذه التبعية لا يمكن إلا أن تنهار بالإنسحاب العاطفي من جانب المحلل، [ ...]. أنهى اللقاء في شكل من يسأل محدثه الرحيل. مددت يدي إليه لأصافحه مودعاً، فإذا به لا يستجيب إلى المصافحة بل التفت إلي بنظرة سريعة وأدار ظهره وخرج».

يقول فروم إذا كان هذا شأن فرويد مع واحد من أقرب تلامذته، فكيف كان شأنه مع الآخرين. و يستنتج بأن فرويد لم يكن ذلك الأب الحنون الذي قد تظهره صوره وكتاباته عن نفسه: «لم يتقبل إطلاقاً أية اقتراحات مهمة لإحداث أي تعديل في جهده النظري، فإما أن يكون الإنسان مغرماً كلياً بنظرياته – وهذا يعني أن يكون مقرباً منه هو شخصياً – أو أن يكون ضده". ولتبرير ذلك يقدم فروم مقطعاً مما كتبه ساكس، وهو تلميذ مخلص آخر من تلامذة فرويد، في السيرة التي كتبها عنه: «لقد أدركت منذ البداية أنه كان من الصعب جداً على الأستاذ أن يتمثل آراء الآخرين أو يقبلها بعد أن استخلص آراءه الخاصة من خلال عملية شاقة وطويلة قام بها بنفسه وأوصلته إلى استنتاجاته».

تتناقض هذه الصورة السلبية التي يرسمها فروم عن فرويد مع صور كثيرة أخرى رسمت له. لكن عندما "يغطس" المرء في نصوص من عايشوا فرويد وكتبوا عنه، وبالخصوص في مجال تبرير سجالاتهم الحادة معه؛ لا يمكنه إلا أن يصل إالى نفس النتيجة: لم يكن فرويد متسامحاً بل كان شديد التسلط، و هذا أمر يدفع إلى التساؤل عن مدى أصالة نظريته حول التسلط الأبوي، الذي اعتبره سبباً في إخصاء الأبناء. فكم من عالم أخصى فروم؟

عندما نربط أفكار فروم في هذا الكتاب بأفكار له في مؤلفات أخرى، و بالخصوص تلك التي خصصها للتنظير للسلطة، فلابد أن نستنتج معه بأن فرويد كان متسلطا بالمعنى القدحي للكلمة و موغلا في نرجسية علمية و لربما شخصية. فالسلطة عند فروم إما سلطة كفاءة، و هي إيجابية عندما تقبل النقد الخارجي و تكون متمتعة بقسط وافر من النقد الذاتي. و إما أنها سلطة هدامة اتجاه الذات و اتجاه الآخر، إذا كانت متقوقعة على نفسها و رافضة للأفكار الخارجة عنها. و بهذا تصبح نسقا دوغمائيا منغلقا على نفسه، سابحا في نرجسيته الفكرية و النظرية. و لعل سبب انقسامات التحليل النفسي و هو في مهده، راجعة بالأساس إلى هذا المشكل، لأن فرويد لم يقبل أي تعديل في نظرياته و لا أي تصحيح لاستنتاجاته.



#حميد_لشهب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -مخارج من مجتمع مريض- لإريك فروم
- فن الحب عند إيريك فروم
- حوار مع هيرمان هيدجر ابن مارتين هيدجر
- -الخروف و الذئب في النفس الإنسانية-
- -الخوف من الحرية- إريك فروم
- -تحليل النزعة التدميرية البشرية-، إيريك فروم
- تشنج العلاقة بين الغرب و المسلمين. الأسباب و الحلول. لهانس ك ...
- الشك و نقد المجتمع في فكر مارتين هيدجر لهانس كوكلر
- ديوان -أكره الحب- بين ميثولوجية الأرض والعالم العنكبوتي
- -زغب المياه الراكدة- بين حُرقة اللغة و شهوة القافية
- مفهوم الحرية لعبد الله العروي
- -رصيف القيامة- لياسين عدنان بين السريالية و الواقعية و الوجو ...
- -في السيرة النبوية I و II- لهشام جعيط
- البعد الوجودي في قصيدة رُمانةُ المُنتهىْ لغاردينيا الحسين
- تسونامي الحب
- في أية حلة عدت يا إمبريالية؟
- البعد الإنساني لحوار الثقافات عند الراحل عبد الهادي بوطالب
- دكتورة شرفية ثانية للفيلسوف النمساوي هانس كوكلر
- محمد سبيلا و الأيديولوجيا
- -قيامة- ياسين عدنان تفتتح الأيام الثقافية العربية بالنمسا


المزيد.....




- نتنياهو يرد على بايدن بشأن تعليق إرسال الأسلحة إلى إسرائيل: ...
- انتعاش النازية في أوكرانيا وانتشار جذورها في دول غربية
- شركات عالمية تتوجه نحو منع -النقاشات السياسية- في العمل
- بالفيديو.. طالبة توبخ رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف ...
- بعد إجراءات تأديبية مثيرة للجدل بحق طلاب مؤيدين لفلسطين.. رئ ...
- بيستوريوس: روسيا ستظل أخطر تهديد للأمن الأوروبي
- البنتاغون يعلق على إعلان روسيا إطلاق مناورات باستخدام الأسلح ...
- فوائد وأضرار نبات الخزامى
- الألعاب النارية احتفالا بعيد النصر
- ميقاتي يبحث مع هنية آخر التطورات والمستجدات السياسية والميدا ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - حميد لشهب - كم من عالم أخصى فرويد؟