أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد لشهب - -زغب المياه الراكدة- بين حُرقة اللغة و شهوة القافية














المزيد.....

-زغب المياه الراكدة- بين حُرقة اللغة و شهوة القافية


حميد لشهب

الحوار المتمدن-العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 14:57
المحور: الادب والفن
    


"زغب المياه الراكدة" بين حُرقة اللغة و شهوة القافية
تأليف: محمد مسعاد
قراءة و تعليق: د. حميد لشهب

يضم ديوان "زغب المياه الراكدة"، للشاعر محمد مسعاد، الصادر عن دار النشر الغاوون ببيروت عام 2009، بين "ضفتيه " كل هموم شاعر في أرجوحة بين الشمال و الجنوب. و لعل تمتعه بهذا التأرجح و تحليقه في أعالي أغصان القصيدة، هو الذي عمل عملته في هذا الديوان و سقاه خمرة الخمور، لِيَقْفِي أبياتا يخيل للقارئ البسيط أنها "إيروتيكا" محموما، لمتصبب من عرق اللذة و غارق فيها حتى العنق.

هناك بالفعل "نفحة"، أو كما يقول المغاربة "تبزيرة" ، إيروتيكية في أماكن متعددة في الديوان، لكنها لا تمثل في عرفنا إلا القشرة الخارجية له، لربما لاستدراج قارئ "منوي" أو قارئة تبحث عن النقطة „G“. و تعتبر هذه النفحة غير بريئة، لأنها تخدم في اعتقادنا نقدا عميقا لتركيز العقلية العربية على "اللذة" كأسمى مبدأ في الحياة، و بالخصوص اللذة الجنسية. ففي ثقافة كبت و حرمان و ضغط التقاليد و العقيدة، يُصبح فعل "أَحَبَّ" هو "رَغِبَ"، و لا يُعاش الحب كمقدمة "للشهوة" و هذه الأخيرة نتيجة له، بل يُختزل فيها و يقضي معظم العرب (إناثا و ذكورا) حياتهم و يفنون طاقاتهم في محاولة الوصول إليها بكل السبل و في كل الأوقات و في كل مكان. إذا كان إيريك فروم قد طور نوعا من فلسفة الحب، فإن العرب قد طوروا بسلوكات لا تحصى و لا تعد نوعا من فلسفة "البحث عن الشهوة الجنسية" و برعوا في "لعبة القط و الفأر" مع عقيدتهم في هذا الأمر: الكل يمارس الجنس أو يطمح لذلك و الكل يوهم بأنه يحترم الخطوط الحمراء للمجتمع و الدين في هذا الإطار. و تعبر قصيدة "خيول الشهوة" عن هذا بصورة شعرية ممتازة: "أسرجت الأرض مجونا/و أطلقت صهيلها/تولج الليل في النهار/ لا الليل/ يهدئ من روعها/ و لا النهار قادر على عنادها"، و يضيف في قصيدة قصيرة و جميلة: "دورة الحياة إلى ما لا نهاية": "بين الفينة و الأخرى تهجم الجارة على الموبايل/ و بسرعة الميكروفيلة،/ ينهي الجسد تمارينه/ في انتظار وجبة ثانية".

بعد نبش و لو طفيف القشرة التي تلف الديوان، يدخل القارئ عالما سحريا بامتياز، تعانق فيه اللغة القافية و يرتميان معا جسدا في جسد في فراش الإستعارات و التشبيهات و الصور الشعرية "اللذيذة" لتحبل المخيلة قبل الرعشة الأولى و تلد قصائد غزلية في اللغة و جمالها و عالمها الفاتن. تصبح القصيدة امرأة و يتفنن الشاعر في ذكر محاسنها و مفاتنها و يُفصح عن رغبته الشبقية فيها: "سين سؤال العطش/ و هاء الشهوة و الرعشة و أشياء أخرى/ يتبعها الألف، لماليف العشاق/ و الميم محبة". تنطلق سهام القصيدة (سهام المرأة) اتجاه اللغة و:
"تتبعثر اللغة فيطلع الحرف شهيا يسير بهيا نحو القصيدة"
و يعترف الشاعر بأنه لم يكن ينتظر هذه السهام: "أتتك القصيدة خلسة وعبثا تركب حروفك على بعضها البعض
ربما لترسم على الشفتين
طريقا نحو النار"
"تَهْتِكُ" القصيدة إذن صمته و تجره نحوها جرا و يصرخ في وجهها : "الأبجدية فرج مخبأ للشهوات" و يتيه في دوخة القافية تيهان سندباد شعري في بحر الحروف: "لم أفهم لماذا تركب الحروف كما تركب المواد الكيماوية" ، و هو نفس التركيب الذي يقع عندما يسقط إنسان في حب إنسان آخر.

يصل الشغف Leidenschaft في العشيقة (اللغة) ذروته في قصيدة "الغاوون" و يحدث هذا الحلول الصوفي بين الشاعر و "شهرزاد"، بل هذا التوحد بها بلغة شاعرية راقية و عميقة، متجاوزا اللغة العادية المستعملة بين بني البشر، كصائغ حذق، يصفف حبات البلار على خاتم من ذهب: "لي في اللغة/لغة أخرى، أصفف الحروف/ و أنتظر جواب الكلمات". يسبح الشاعر كسندباد في بحر قصيدة تتلاعب أمواج قواعد اللغة العربية فيها و تداعب خيال فاتن يضرب بسوط النقد حصان فعل كان مروضا إياه، لكي لا يبقى ناقصا في الماضي، بل ليفعل في المستقبل: "كان/ فعل ماض ناقص/ و أكون/ أين هي/ من الحاضر و المستقبل؟". و هذا جميل جدا في ثقافة مؤسسة حتى النخاع الحضاري على "كان أجدادنا" و "كان يا مكان في قديم الزمان".

ختاما لا يمكن قراءة ديوان "زغب المياه الراكدة" بين محطتين للأوطوبيس "لقتل الوقت"، الذي يقتلنا في كل وقت، لأنه يحمل القارئ إلى عالم سحري، تتجلى فيه القصيدة في كل مفاتنها و تشد القارئ لها، كما شدت شهرزاد ذاك الملك الشهواني، الذي انتهى بالزواج منها، لأنها استطاعت بقوة اللغة، التي يُقال أن الله خلق الكون بها، سحره و شده لها. فلتحيى القصيدة التي تتزوج اللغة، و ليرزق هذا الزواج بنفس الجنس آلاف الأطفال السعداء.



#حميد_لشهب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الحرية لعبد الله العروي
- -رصيف القيامة- لياسين عدنان بين السريالية و الواقعية و الوجو ...
- -في السيرة النبوية I و II- لهشام جعيط
- البعد الوجودي في قصيدة رُمانةُ المُنتهىْ لغاردينيا الحسين
- تسونامي الحب
- في أية حلة عدت يا إمبريالية؟
- البعد الإنساني لحوار الثقافات عند الراحل عبد الهادي بوطالب
- دكتورة شرفية ثانية للفيلسوف النمساوي هانس كوكلر
- محمد سبيلا و الأيديولوجيا
- -قيامة- ياسين عدنان تفتتح الأيام الثقافية العربية بالنمسا
- الأيام الثقافية العربية بالنمسا
- ندوة تكريمية للفيلسوف و المفكر المغربي محمد سبيلا بمكناس
- الفلسفة و الأيديلوجيا: أية علاقة؟
- أيام إيريك فروم بمنطقة الفوخاخلبير النمساوية
- حوار الثقافات و النزعة الإنسانية : إيريك فروم


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد لشهب - -زغب المياه الراكدة- بين حُرقة اللغة و شهوة القافية