أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عصام العدوني - سوسيولوجيا بورديو النقدية : قضايا واشكاليات















المزيد.....



سوسيولوجيا بورديو النقدية : قضايا واشكاليات


عصام العدوني

الحوار المتمدن-العدد: 4526 - 2014 / 7 / 28 - 08:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مــقدمـــة:
لقد مر أكثر من عقد من الزمن على وفاة عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو الذي وصفه الفيلسوف يورغان هابرمارس في كلمته التأبينية بكونه كان "أحد آخر كبار السوسيولوجيين في القرن العشرين". فعلى امتداد عقود ظل فكره يحتل مكانة محورية في السوسيولوجيا المعاصرة؛ ولازالت اتجاهات البحث التي أرسى دعائمها تثير اهتمام الباحثين والمثقفين إلى اليوم، ولازالت تؤطر الحقل السوسيولوجي وتمده بأفكار ونظريات ذات مصداقية ورصانة فكرية قاسمها المشترك الصرامة العلمية والحذر الابستمولوجي والرؤية النقدية ... وعلى الرغم من أن بورديو لم يترك وراءه مدرسة سوسيولوجية تعتبر امتدادا لفكره، إلا أن مفاهيمه ونظرياته قد طبعت بشكل كبير السوسيولوجيا سواء في العالم الغربي أو في باقي العوالم؛ لدرجة يمكن القول معها أن العديد من المشاريع السوسيولوجية الأخرى كانت نقاشا أو تحاورا أو ردا على سوسيولوجياه أو امتدادا لبعض ما ابتكره من مفاهيم كالحقل والهابتوس والرأسمال الثقافي والرمزي.
ولقد تناول بورديو طيلة مساره العلمي والأكاديمي بالدرس والتحليل قضايا متنوعة يصعب حصرها لأنها تواصلت زمنا ينيف عن أربعة عقود وشملت مجالات شاسعة تمتد من الوقوف على واقع وطموحات الفلاحين والمزارعين الجزائريين غداة الاستقلال، مرورا بدراسة الطبقات الاجتماعية والنظام المدرسي والثقافة و الأذواق الفردية، إلى الحقل الأدبي والعلمي والأكاديمي والإعلامي والسياسي والبؤس والهامشية والحركات الاجتماعية الأوروبية والعولمة، الخ. وقد صذقت ملاحظة السوسيولوجي Jean-François Dortier بكون تنوع المواضيع والمجالات والاهتمامات ظلت تتاطر بوحدة وتجانس كبير جسده الإيمان بفكرة واحدة أساسية وهي " أن الأفكار المجردة أو الخالصة لا وجود لها"1. بما في ذلك الأفكار الفلسفية وحتى العلمية التي تدعي الاستقلالية والتحرر من كل الاكراهات سوى محددات العقل والمنطق، والتي بالنسبة له هي "نتاج لرؤية للكون متجذرة في وضعية اجتماعية ما"؛ حيث " ان العالم "الخالص" للعلم "الخالص" هو حقل اجتماعي مثله مثل باقي الحقول، بعلاقات قواه، باحتكاراته، بصراعاته واستراتيجياته، بمصالحه وأرباحه. لكن حيث كل هذه الثوابت تكتسي أشكالا نوعية"2.
سنقتصر في هذه الورقة على استعراض ثلاثة محاور تلخص فكرة غياب أفكار خالصة ومستقلة بذاتها وتجذرها في وضعية اجتماعية ورمزية تستجيب لها وتقدم إجابات حولها، وهي في نفس الوقت محاور أثارت حولها جدلا كبيرا في أوساط الأكاديميين والسياسيين ورجال الإعلام لازال مستمرا إلى غاية اليوم نظرا لجدتها ولجرأتها النقدية ، تتعلق الأولى بالإشكالية التربوية والتعليمية؛ أما الثانية فتشمل علاقات النوع؛ بينما تختص الثالثة بالعولمة والحركات الاجتماعية الجديدة، ثم في الاخير نسائل اهم المفاهيم التي ابتكرها من خلال رؤى مغايرة لسوسيولوجيين اخرين.
- قضايا سوسيولوجية :

1- المدرسة وإعادة الإنتاج:
خلال الفترة الممتدة بين الستينات والسبعينات من القرن الماضي سينصب اهتمامه رفقة زميله جون كلود باسرون على الدراسة السوسيولوجية للمدرسة والمنظومة التربوية. فقد مكنته دراسته الميدانية حول الطلبة والموسومة ب" الورثة"3 من الوقوف على معطيات سوسيولوجية وإحصائية مهمة كان الإعلان عنها وقتها بمثابة ثورة في مجال التفكير في علاقة الفكر الليبرالي الغربي بالثقافة والمجتمع.
لقد تشكلت فكرته حول "وصف الميكانيزم الخفي للانتقاء الاجتماعي بواسطة المدرسة"4، كما أعادت إلى نقطة الصفر التفكير في مسلمة تكافؤ الفرص والمساواة التي اعتبرت من مسلمات الحداثة ومن أساسيات الجمهورية اللائكية.
فقد كشفت أن النظام التعليمي العمومي يعمل عبر كل مستوياته وأطواره وعبر تواطؤ الأجهزة الإدارية والتربوية والبيداغوجية على تكريس اللامساواة الاجتماعية أمام المدرسة والثقافة. إن فئة قليلة جدا من أبناء الطبقات الدنيا هي التي تصل إلى التعليم الجامعي بينما يلج أبناء الطبقات المتوسطة والأطر العليا بكثافة هذه المؤسسات وخاصة المعاهد العليا المتخصصة التي تنتج الأطر ورجال الدولة ( بوليتيكنيك، المدرسة العليا ) وحتى أبناء الطبقات غير المحظوظة الذين يصلون إلى التعليم العالي فإنهم بفعل عوامل الإقصاء والحواجز التي توضع أمامهم يجدون أنفسهم مضطرين إلى ولوج الشعب والتخصصات الأدبية والشعب الفنية التي لا تؤهلهم إلى الالتحاق بمصاف النخب والطبقة السياسية الحاكمة، حيث يعتمد "النجاح الاجتماعي، في جميع البلدان الصناعية مثل فرنسا والولايات المتحدة واليابان، بصورة وثيقة على عملية ترشيح مبدئية (فرض اسم، في العادة يكون اسم مؤسسة تعليمية، جماعة توداي أو هارفارد أو مدرسة البوليتكنيك) تكرس تعليميا الفارق الاجتماعي الموجود"5. فالنظام التعليمي الذي أريد له أن يكون أداة للحراك الاجتماعي وللتجانس ووسيلة للديمقراطية عن طريق تغليب سلطة الكفاءة والجدارة والاستحقاق الفردي تحول إلى أداة لإعادة إنتاج النظام الارستقراطي القديم في حلة جديدة، "تميل، عبر الرابطة الخفية بين الاستعداد المدرسي والميراث الثقافي، لأن تقيم ارستقراطية دولة حقيقية، تكفل الألقاب المدرسية سلطتها وشرعيتها"6.
إن الفرضية المحورية التي تبناها بورديو وزميله تتمثل في أن اللامساواة أمام المدرسة والثقافة هي حقيقة لا غبار عليها، وأنها ليست نتاج الفروقات الفردية وانما نتاج تحالف أو تواطؤ مجموعة من العوامل السوسيولوجية والثقافية، كطبيعة الرصيد الثقافي الأسري، واللغة المتداولة، وطبيعة الرأسمال الاجتماعي والثقافي الذي تمتلكه كل فئة اجتماعية على حدة، والهابتوسات المستدخلة لديها. ان الفروقات الثقافية بين الطبقات لوحدها لا تنتج اللامساواة، الا لكون ثقافة الطبقات المحظوظة هي الثقافة الأكثر قربا من الثقافة المدرسية، بينما تظل ثقافة الأوساط الفقيرة بعيدة نحويا ودلاليا ورمزيا وعينيا عن ثقافة المدرسة. إن الثقافة الشعبية الشفوية (المسودة) تقف عائقا منذ البداية أمام تحقق تكافؤ الفرص وأمام النجاح المدرسي باعتبارها ليست الثقافة المدرسية الشرعية وبالتالي تشكل اكبر الحواجز امام الحراك الاجتماعي عن طريق التعلم والعلم. إن أبناء الطبقات المحظوظة يجدون أنفسهم بفعل الرأسمال الثقافي الأسري وشبكة العلاقات الاجتماعية مهيئين لتقبل الثقافة المدرسية التي تخاطبهم من خلال لغتهم وأذواقهم وعاداتهم الثقافية والمعرفية والإدراكية والتي اعتادوا علبها داخل وسطهم الاجتماعي. مما ينتج ألفة وتعودا Familiarité على الثقافة المدرسية لا تتوفر لأبناء الطبقات غير المحظوظة بفعل أوضاعهم الاقتصادية المتدنية و الرساميل الثقافية والاجتماعية التي يتوفرون عليها. ( إن الفرق سيكون كبير على مستوى التحصيل والاستعدادات والتجاوب بين متعلم ينحدر من طبقة غير محظوظة تلقى دروسا حول الفن التشكيلي أو الثقافة البدائية وبين متعلم من طبقة محظوظة بالإضافة إلى التلقي قد سبق له استكشاف مادي لذلك الفن وتلك الثقافة من خلال زيارة المتاحف وقاعات العروض والتقاء الفنانين...).
لقد كان هدف بورديو ذو طبيعة مزدوجة فمن جهة إبراز اثر العوامل الاجتماعية ما قبل المدرسية في تكريس التمايزات أمام المدرسة ومن جهة أخرى الكشف عن ميكانيزمات واليات إعادة إنتاج هذه التمايزات داخل الفضاء المدرسي عبر جملة من الاليات (كيفية انتظام المدرسة والفصل والامتحان، دور رجال التربية والمؤطرين ، البرامج التعليمية، الايديولوجيا التربوية السائدة التي تفسر الإخفاق المدرسي بعوامل بيولوجية نفسية كالذكاء والموهبة والدافع... ) وفي اطار المجتمع العام (العلاقات بين الطبقات الاجتماعية، أنواع الرساميل التي تتوفر عليها، صراعات الرموز والتصنيفات والمعاني بينها...)، لينتهي في الأخير إلى خلاصة مفادها أن الرسالة الديمقراطية المساواتية للمدرسة سرعان ما تتهاوى أمام حقيقتها غير الديمقراطية والمتمثلة في كون التعليم المدرسي هو "عنف رمزي باعتباره فرضا، بواسطة سلطة تحكمية، لتعسف ثقافي"7 يمارس بتواطؤ الجميع وعلى رأسهم المنتدبين الثقافيين والتلاميذ وآباؤهم ، الأمر الذي يضفي على هذا العنف شرعية حتى لدى ضحاياه .حيث لا يتصور أبناء الطبقات غير المحظوظة النجاح المهني والاجتماعي إلا عبر استدخال قواعد ومعايير الثقافة المدرسية الشرعية أي ثقافة الطبقات السائدة. بهذه الصورة يعيد إنتاج النظام المدرسي بنيات السيطرة المادية على الصعيد الرمزي من خلال الهابتوس.
إن التحليل الذي اقترحه بورديو للمنظومة التربوية ترك صدى واسعا وفجر نقاشات لم تعد محصورة في الفضاء الجامعي وإنما امتدت إلى ساحة النقاش العمومي، فهو وان كان يبدو للوهلة الأولى متداولا بين الأوساط اليسارية حيث استعار من المعجم الماركسي العديد من المفاهيم ( الطبقة، الرأسمال، الايديولوجيا) فإنه مع ذلك لم يسجن نفسه في مقاربة ماركس الاقتصادية التي ترى أن اللامساواة الاقتصادية هي وحدها العامل الذي يكرس اللامساواة المدرسية؛ فبالنسبة لبورديو إن التخفيف أو زوال التفاوتات الطبقية المرتبطة بامتلاك الرأسمال الاقتصادي لا يحل المشكلة التعليمية بقدر ما يحرفها ويساهم في التضليل، وبالتالي يسهل عمل الترسيخ والعنف الرمزي، ذلك أن اللامساواة الثقافية أمام المدرسة تظل قائمة وتشتغل كلما تم الجهل بميكانيزمات اشتغالها، الأمر الذي يستدعي تجاوز المقاربة الاقتصادية نحو أخرى أكثرشمولية، حيث أن "فعالية العوامل الاجتماعية المسؤولة عن اللامساواة هي من القوة بحيث أن تكافؤ الإمكانات الاقتصادية يمكن أن يتحقق دون أن يتوقف النظام التعليمي الجامعي مع ذلك عن تثبيت وترسيخ اللامساواة"8.

2- الهيمنة الذكورية:
يقول بورديو في مستهل حديثه عن الهيمنة الذكورية بأنها جد متجذرة في لاشعورنا لدرجة أننا لا
نتمكن من إدراكها وجد متوافقة مع توقعاتنا لدرجة يصعب علينا إعادة النظر فيها (...) فمن الضروري إذن العمل على تفكيك البداهات وسبر البنيات الرمزية للاوعي الذكوري الذي يعيش عند الرجال والنساء 9. ومن اجل بلوغ هذا الهدف يبحث في الميكانيزمات والآليات المسؤولة عن إعادة إنتاج علاقات السيطرة الذكورية على مستوى البنيات الاجتماعية والذهنية، ف " ما هي الميكانيزمات والمؤسسات التي تؤدي مهمة إعادة إنتاج " المذكر الأبدي"؟ كيف يتم تحويل الاختلافات البيولوجية إلى علاقات قوة ؟ لماذا يتم تكريس السيطرة الذكورية كشيء يمشي من تلقاء ذاته ؟
للإجابة عن هذه القضايا يعتمد الكاتب على نتائج الدراسات الاتنولوجية وعلى الملاحظات الاتنوغرافية التي كان قد رصدها منذ الستينات عن المجتمع القبائلي في الجزائر حول العلاقات بين النساء والرجال وأنماط التنشئة الاجتماعية والجنسية والطقوس والثقافة الشفوية من أمثال وحكايات وقصص...
من ناحية المنهج فان بورديو يقدم تصورا يختلف جذريا عن القراءات الاتنولوجية السائدة، لقد دافع تماشيا مع المنهج البنيوي التكويني عن منهجية لا تقف عند الاختلاف بين المجتمعات الحديثة والتقليدية أو البعيدة من اجل تكريس وتبرير علاقات السيطرة والتبعية ولا تتبنى الموقف الاتنومركزي اللاواعي الذي يضع سلما تصاعديا لترتيب المجتمعات والحضارات حيث تصبح بمقتضاه المجتمعات التي لا تعرف الكتابة بمثابة " ماضي غابر" وتراث فلكلوري للمجتمعات الصناعية الحديثة.
إن هذا التصور سيرسم لنفسه مسارا معاكسا لهذه الأطروحات، إذ منذ البداية ستظهر جليا فكرة التناول التزامني والمتوازي للمجتمعات " البعيدة" ومثيلاتها "الحديثة"، حيث سيضعهما في نفس النسق البنيوي ليستخلص منهما أن البنية البطريركية اللاواعية هي نفسها في كل المجتمعات حديثة أو تقليدية مما يشكل فرصة غير مسبوقة للعودة للذات الغربية الحداثية ومسائلتها من نفس المنظور الاتنولوجي. إن الفرق لا يكمن في النوع وإنما فقط في أشكال وصور ومستويات تعبيرها وتجسيدها.
إن " المجتمع القبائلي" يقدم " اركيولوجيا موضوعية للاوعي الغربي، أي أداة للقيام بعملية سوسيوـ تحليلية حقيقية للمجتمعات الغربية" ومن جهة ثانية يقدم صورة مكبرة للمجتمعات الغربية الحديثة. إن هذه الملاحظة تدحض كل الاطروحات الاتنومركزية التي تتمحور حول ثنائية الحداثة/التقليد، التقدم/التخلف، القانون/العرف، تمييز جنسي/ مساواة...وبالتالي تعري الدوافع السياسية والإيديولوجية الكامنة خلفها (هيمنة، استعمار، تبعية...). فعوض الانسياق مع المفاهيم الرائجة آنذاك في دراسة المنطقة المغاربية (الانقسامية والوظيفية..) والتي كانت مفاتيحها النظرية تدور حول رصد الخصوصيات والانقسام والتجزء والفوضى والسيبة ضد المخزن...فانه سيغير وجهته كليا. إن تركيزه على " منطق الممارسة جعله يدخل في تناقض سريع مع مقاربة متجهة كليا نحو ميكانيزم الشكل، البنية والوظيفة"10.
ففي المجتمع القبائلي موضوع دراسة العلاقات الجندرية تبدو الهيمنة الذكورية جد صريحة وواضحة ومباشرة وبالتالي تسمح بمصادرة تعارضات المبدأ الذكوري والأنثوي، فالذكورة والرجولة تشكل في المجتمعات "البعيدة" مبدأ للتنظيم المادي والرمزي معا حيث كل مظاهر الوجود الاجتماعي والروحي تخضع لهذا المبدأ (أساطير، رموز، أشكال تنشئوية، رموز، علاقات اجتماعية وسياسية) وهذه المجتمعات تقوم على سمو وعلو الجنس المذكر في مقابل دونية وسلبية المؤنث، بينما في " المجتمعات الغربية" وبفعل جملة من العوامل التاريخية والفكرية والاجتماعية فان السيطرة الذكورية منغرسة هي الأخرى في النسيج الاجتماعي لكنها تضطر للاختباء والتنكر وراء مقولات وملفوظات رمزية ومؤسسات وأشكال للتنظيم "عقلانية"، بمعنى أنها تصبح أكثر تسترا واقل بروزا للعيان لكنها لا تقل فعالية نظرا لأنها تستبطن بسهولة.
إن الهيمنة الذكورية في المجتمعات الحديثة لا تقوم على عنف البنيات المادية وإنما الرمزية، فهي تقوم على قوة الرمز والمعرفة والثقافة والتواصل. إنها " هيمنة رمزية" بالدرجة الأولى، " فتأثيرها لا يمارس داخل المنطق الخالص للوعي (بصيغة الجمع) العارف ولكن عبر خطاطات الإدراك والتقدير والفعل المكونة للهابتوسات"11. لذلك فهي لا تتمظهر كسيطرة ذكورية قصدية وواعية بأهدافها وإنما كسيطرة رمزية تمارس "عنفا رمزيا" هادئا، غير محسوس، وغير مرئي بالنسبة لضحاياه ويمارس بواسطة الطرق الرمزية الخالصة للتواصل والمعرفة أو بشكل أكثر دقة بواسطة طرق الجهل والاعتراف والى حد ما الإحساس 12 ، ولا يصبح هذا العنف فعالا إلا بمشاركة الجميع في إنتاجه وخاصة النساء ذلك أن احد شروط شرعنة وتأبيد العلاقات البطريركية يكمن في مشاركة ضحاياها في الاعتقاد فيها كعلاقات طبيعية.
لكن طموح بورديو لا يقف عند حد كشف البنيات الذكورية اللاواعية المسؤولة عن إخضاع النساء وإنما يمتد إلى ابعد من ذلك وبالضبط إلى المساهمة في تغيير هذه البنيات (دائما يذكر بورديو بجدلية الحتمية والحرية وبدور عالم الاجتماع في الوعي بالحتميات ومن تم تقديم إمكانات التحرر من أسرها)، يتجلى ذلك في تذكير الحركات النسائية التي ما انفكت منذ ظهورها توجه سلاح النقد للأنظمة الاجتماعية والثقافية البطريركية التي تنتج اللامساواة الجنسية، بأنه لا يكفي أن تواجه السيطرة الذكوربة فقط من خلال التركيز على العلاقات الجنسية داخل مؤسسة الأسرة بل المطلوب هو دفع المواجهة إلى أقصاها من خلال مسائلة كل ميكانيزمات إنتاج وإعادة إنتاج هذه العلاقات داخل المؤسسات الاجتماعية المختلفة وخاصة الدولة والمدرسة والكنيسة...
ذلك أن مبدأ تأبيد علاقات السيطرة لا يكمن فقط في أماكن ممارستها الأكثر رؤية، أي داخل الوحدة المنزلية والتي ركز عليها الخطاب النسائي نظرته، وإنما داخل مؤسسات إستراتيجية مثل المدرسة والدولة بما هي أماكن لإعداد وفرض مبادئ الهيمنة التي تمارس كذلك داخل العالم الأكثر خصوصية. إن حقلا للعمل والتفكير جد واسع سينفتح أمام النضالات النسائية13.

3- العولمة والحركات الاجتماعية الجديدة:

مع تغلغل العولمة والتحرير الاقتصادي و انتشار القيم والأفكار الليبرالية في كل أنحاء المعمورة أصبحت العولمة تقدم نفسها كمبادئ مطلقة، وكحقائق كونية، وكحتمية تاريخية، بحيث تصبح القاطرة الجديدة نحو التنمية والتقدم والحضارة، مستكملة بذلك تحقيق الأهداف" النبيلة" التي سبق أن رسمتها الحداثة الغربية منذ انظلاقتها الاستكشافية نحو باقي العوالم...يتعلق الأمر إذن بتعميم النموذج الصناعي والحضاري الغربي وبمحو التقاليد والعادات المحلية والمعتقدات الدينية، ومسح الهوية، وإلغاء الغيرية ومطاردتها في الفضاءات والأوضاع والمواقف المتجدرة فيها. باختصار فالعولمة تسعى شأنها شان خطابات أخرى قد سبقتها (الحداثة) إلى إعلاء تاريخها الخاص إلى نموذج ميتافيزيقي، ومنطقها الخاص إلى قانون كوني، واختياراتها التنموية الخاصة إلى قدرية أو حتمية اقتصادية. وبالجملة فهي تدعي " تجريد الفكرة...وتجسيدها غير المشروط"14.
إن العولمة بهذا التوصيف وهذه السمات لن تترك مجالا للحياد أو اللامبالاة تجاهها ولن تنجو من تاثيراتها اية فضاءات او شخوص او امكنة. فالكل سيتفاعل وينفعل بها معها إن سلبا أو يجابا، رفضا أو قبولا.
إن ابرز تيارات الفكر تفاعلت وانفعلت بظاهرة العولمة في شتى أبعادها ونواحيها الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والثقافية والايديولوجية، فمنها من بشر بها ورأى فيها فرصة تاريخية لاكتساب كل عناصر القوة والتقدم مادامت مشروعا قيد الانجاز والتكون أي مادامت ملامحها وشكلها النهائي لم يتحددا بصفة نهائية. ومنها من وجد فيها فرصة سانحة لاستئناف المعارك السياسية السابقة ضد "الامبريالية" و"حلفائها المحليين" مقتنعا بصحة أطروحاته "اليسارية" التي يزيدها واقع العولمة اليوم تجذرا ورسوخا باعتباره واقعا ينحو نحو تركيز الرأسمال المالي والتجاري بين أيدي مجموعة ضئيلة من الشركات المتعددة الجنسيات ونحو مزيد من التفقير واستغلال الأطراف. ومنهم في الأخير من تعاطى معها برؤية نقدية تفكيكية لا تنخدع أمام المظاهر الجذابة والخادعة ولا تنساق وراء مقولات الكونية الفجة ولا تطمئن لمقولات الاقتصاد السياسي الماركسي كمقولة "نمط الإنتاج"، ولا الليبرالي "كمقولة السوق الحرة" بقدر ما تحاول الانكباب على التحليل العميق لميكانيزمات واليات اشتغالها ليس فقط على الصعيد المادي وإنما أيضا على الصعيد الرمزي، وهذا ما قام به بورديو منذ سنوات بدءا بالكتاب الذي اشرف عليه " بؤس العالم" ومختلف الكتابات التي نشرها على أعمدة الصحف والمجلات العالمية وانتهاء بالنزول إلى الشارع والمساندة الفعلية للحركات الاحتجاجية التي شهدتها فرنسا سنة 1995 وانتهاء بمساندته للحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة.

يعتقد بورديو أن العولمة هي بمثابة "خرافة" تقوم على مجموعة من اليقينيات والمسلمات التي لا يمكن الشك في علميتها وموضوعيتها وبالتالي في حيادها، فهي أولا ظاهرة اقتصادية عقلانية متطابقة مع محددات وأهداف السلوك والفعل الإنساني الذي يرتكز على الحرية الفردية والبحث عن الربح وتجنب الخسارة.وهي ثانيا إطارا مؤسساتيا وقانونيا يسمح لآليات السوق الحرة أن تضمن انطلاقا من اشتغالها الخاص أو بواسطة بعض الأجهزة الاقتصادية والتجارية المحدثة كمنظمة التجارة العالمية والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي توزيعا عقلانيا للثروات والمنافع بما يتناسب مع المبادرات الذاتية للأفراد ومجهوداتهم المستمرة للكسب والاستثمار. وهي أخيرا هذا المجهود الكبير الذي يبذله المثقفون والصحافيون و الناشرون ورجال الأعمال لأجل طبع وترسيخ الرؤية النيوليبرالية في كل بقاع العالم، والتي تقوم بإلباس المقولات الكلاسيكية للفكر المحافظ لباس العقلانية الاقتصادية، يقول إن " مجموعة من الأحكام المسبقة يتم فرضها كما لو كانت تمشي من تلقاء نفسها: يتم قبول إن النمو الأقصى أي الإنتاجية والمنافسة هي الغاية النهائية والوحيدة للأفعال الإنسانية، أو انه لا يمكن مقاومة قوى السوق أو أيضا الحكم المسبق الذي يؤسس كل الأحكام الاقتصادية حيث يتم تاسيس قطيعة جذرية بين الاقتصادي والاجتماعي الذي يترك جانبا لعلماء الاجتماع كنوع من الحثالة"15، إلى جانب ذلك تساهم اللغة المشتركة والمتداولة على نطاق واسع في الأوساط الاقتصادية والمالية والإعلامية اليوم في تثبيت السيطرة الرمزية فأوصاف مثل " المقاولة المواطنة"، "ليونة العمل"، "المرونة" تريد إيهامنا بان الخطاب " النيوليبرالي هو خطاب عالمي للتحرر".
إن جوهر النيوليبرالية يكمن في فك الارتباط بين الاقتصادي والاجتماعي أو بالأحرى التنكر للثاني لصالح الأول، لكنها بإرادتها التحرر من السياسي و الاجتماعي وإحالة كل الوقائع الإنسانية إلى الدوافع الاقتصادية تنتهي الليبرالية الجديدة إلى التحول إلى برنامج عمل سياسي يهدف إلى خلق شروط انجاز واشتغال النظرية الاقتصادية الجديدة متجاهلا الشروط الاجتماعية الضرورية لاشتغال هذه الترتيبات العقلانية وللبنيات الاجتماعية الضرورية لفعلها لذلك فهي تعمل على فصل تعسفي " للمنطق الاقتصادي المحض المؤسس على المنافسة والحامل للفعالية وبين المنطق الاجتماعي الخاضع لقاعدة العدالة الاجتماعية "16.
من الطبيعي جدا أن يحدد هذا البرنامج السياسي خصمه الأساسي والمركزي في "دولة الرعاية " أي ذلك الكيان السياسي الذي تطور في أوروبا في الخمسينات والستينات استجابة لتطور حركة الصراعات الاجتماعية والنقابية والذي جعل من البعد الاجتماعي من أولويات السياسات والبرامج الحكومية فازداد دور القطاع العام والمؤسسات العمومية وتقلصت الفوارق الطبقية وارتفع مستوى عيش السكان وتمت حماية حقوق العمال والنساء والأقليات وتطورت خدمات الصحة العمومية والتغطية الصحية وتطورت قوانين الشغل الخ. لكن الليبرالية الجديدة تدعونا إلى التخلص من هذا الإرث وتقزيم الدولة وتحريرها من التزاماتها في تحقيق العدالة الاجتماعية لتتحول إلى مجر د دولة "جنائية بوليسية" 17 تسهر على رعاية مصالح الرأسمال الاحتكاري العالمي.
وتمتد إشكاليات العولمة ليس فقط على الصعيد الاقتصادي وإنما المعرفي والثقافي والرمزي، لتساءلنا حول دور ومكانة المثقف والثقافة والقيم أمام إغراءات السلطة والرأسمال. إن بورديو يطرح هذه العلاقة من منظور جديد، فلم يعد التمييز بين المثقف الثوري والمثقف الرجعي ذو طبيعة إجرائية، وإنما بين المثقف النقدي والمهندس الاجتماعي.
يمثل بورديو وضع المهندس الاجتماعي اليوم في صورتين متكاملتين: صورة الخبير الذي يشتغل في الظل ويعد البرامج والوصفات التقنية بواسطة الاعتماد على لغة الأرقام والإحصائيات الرياضية والتجريد والصورنة؛ وصورة مستشار الأمير المختص في التواصل والذي يقوم بتوظيف رأسماله الثقافي الذي اكتسبه من اشتغاله الأكاديمي والجامعي لخدمة الطبقات المهيمنة، ولعل أجمل تجسيد لهذه الصورة يجدها بورديو في شخصية "انطوني جيدنز" منظر الطريق الثالث والذي يعتبر مستشار "توني بلير" الوفي لطقوس الولاء للرأسمالية الامبريالية العالمية18 .
في مقابل ذلك يقدم بورديو نظرته في الثقافة والمعرفة والسياسة في زمن العولمة والتي يمكن أن نلخصها في الثنائية معرفة نقدية؛ ممارسة ميدانية: فالمعرفة أيا كانت اقتصادية أو سوسيولوجية لن تكون لها من قيمة إذا لم تكن موجهة نحو الفعل والعمل اللذان يهدفان إلى تغيير أو تصحيح أو التنديد بأوضاع تعسفية والمثقف لوحده لا يستطيع أن يكشف ويقاوم العنف الرمزي الذي تمارسه العولمة ما لم يتحالف مع قوى و حركات اجتماعية تستطيع أن تدمج في آن واحد كل هذه المطامح المعرفية والعملية والسياسية وذلك نظرا لما يتوفر لها من طاقات ووسائل عمل وقدرات لعل أهمها: كونها ترد الاعتبار للفكر والعمل السياسي؛ تتبنى أشكال من التنظيم والتاطير مخالفة للأشكال الكلاسيكية التي تسير بها الأحزاب والنقابات والتي تتسم بالبرقرطة واتخاذ القرارات بمعزل عن الذين تهمهم، بل أكثر من ذلك فهي تعلن تحررها من سلوكيات وقيم وأشكال تنظيم الأحزاب الشيوعية السابقة ( طاعة الزعيم ، إقبار الاختلاف) وهي بذلك تحاول أن تجعل المشاركة السياسية مسالة عمومية أي تخص كل المعنيين دون الاقتصار على نخبة أو أقلية معينة، لذلك فتنظيماتها وبنياتها تتميز بالمرونة والتسيير الذاتي، تتميز كذلك بالتركيز على أهداف واضحة ومحددة بدقة وذات تأثير مباشر على حياة السكان كالدفاع عن الحق في السكن اللائق أو الصحة أو الشغل.
إن هذه الحركات ليست بديلا للعمل النقابي كما قد يتوهم البعض لكن ذلك لا يعفي النقابية بشكلها الحالي من التطور والمراجعة حتى تتلائم مع أهداف ومطامح الحركة الاجتماعية الصاعدة لذلك فمطلوب منها التخلي عن العقلية التوافقية التي تضحي بالحقوق النقابية من اجل تحقيق مصالح ذاتية19 .
لكل ذلك ظل بورديو مؤمنا بإمكانية مقاومة العولمة عن طريق الدفع في اتجاه تطوير القدرات الذاتية للحركة الاجتماعية والبحث الدؤوب عن عناصر القوة الموجودة في الواقع و التي توفرها كل البنيات الاجتماعية القادرة على المقاومة سواء تعلق الأمر بالدولة والقطاع العام أو النقابات والتنظيمات المهنية والنسائية بل وحتى البنيات الأسرية.
فقد كرس بورديو جزءا كبيرا من انشغاله المعرفي بالبحث عنها والمراهنة عليها مع اقتناعه بامكانيات التغيير المفتوحة على نضالاتها ومقاومتها للراسمال المتوحش والعولمة المدمرة وللخطابات الدعائية والتبريرية التي تواكبها والتي تعمل على تشريبها للعقول وترسيخها في الخطاطات الذهنية والاستعدادات النفسية وعلى راسها الخطاابت التنموية والتحديثية والتي كانت السوسيولوجيا هي الاخرى حبيسة لها؛ هنا يبرز بورديو كناقد للحداثة والعولمة يلتقي في ذلك مع سوسيولوجيين كبار كالان تورين وهابرماس.
لقد تحولت السوسيولوجيا بدورها إلى أداة للمراقبة الدولتية وساهمت في مشروع "المراقبة والهندسة السلوكية" للإنسان على حد وصف هابرماس؛ وأصبحت الحداثة الغربية بحق فلسفة للبيو سلطةBio- pouvoir ، ذلك التحالف الذي تكرس بين إرادة المعرفة والسلطة، لقد أصبحت المعرفة تحكمية وتحكيمية تمارس على العقول والأجساد والوظائف الجنسية بغايات تشريحية- سياسية. فلم تعد شأنا علميا محضا، أو حتى تربويا تثقيفيا، وإنما قضية شرطة عمومية. إن هذه النزعة ستطال حتى أبسط مكونات الإنسان وعناصره العضوية التي ستصبح موضوع مراقبة بيو سياسية حولت الجسد الأنثوي إلى "رحم للإنجاب" والطفل إلى" متعلم سلبي" والعمال إلى " كتلة منظمة و الجنود إلى " فرقة نافعة وصالحة"20. وقد ساهمت أحداث مايو 1968 التي شهدتها فرنسا وبعض البلدان الغربية في تعرية الواقع البئيس الذي انتهت إليه المجتمعات الصناعية المفعمة بايدولوجيا التقدم والنمو ومعها السوسيولوجيا باعتبارها الخطاب الذي واكب التصنيع والتحضر والتنمية تحليلا وتنظيرا وتبشيرا، معلنة دخول فاعلين جدد إلى حقل الصراع المجتمعي يتشكلون من الشباب والنساء والحركات البيئية والمناهضة للسلاح النووي، أطلق عليهم لفظ "الحركات الاجتماعية الجديدة". وزادت العولمة الجارية منذ عقود في ابراز الادوار الجديدة للحركات الاجتماعية لاسيما تللك المناهضة للعولمة.

ماذا بعد بورديو؟

ما الذي يمكن قوله اليوم بعد مرور أزيد من عقد على وفاة بورديو؟ وما الذي ميزه وفي نفس الوقت خالفه عن الآخرين؟ وهل مازالت لتحليلاته راهنية داخل الحقل السوسيولوجي؟
إن بورديو أسس بناءه النظري على نقد المجتمع منظورا إليه من زاوية الهيمنة فقط، فالهيمنة كلية ولا مخرج منها21 ، بينما يتحول الفاعل في اغلب الأحيان هي مجرد وكيل Agent تشغله هابتوسات اجتماعية أنتجتها انساق الأوضاع والعلاقات الموضوعية وصراعات القوة؛ وعلى النقيض منه فقد تطورت سوسيولوجيات عديدة بالموازاة مع نتاجه ودخلت معه في حوارات قد تكون مباشرة وقد تكون متوارية؛ وما يميزها هي مفارقتها لرؤيته للاجتماعي، هي تتفق على انه لا يمكن اختزال العالم الاجتماعي في الهيمنة واعادة الانتاج والصراع والتنافس؛ ان الان تورين مثلا وان كان يشاطر بورديو في نقد المجتمعات الحديثة، لكن ضمن منظور مغاير يتاسس على كونها تفصل بين العقلنة وما يتبعها من سيادة النظام والهيمنة والإكراه وبين الفردانية بما هي فعل وحرية وإبداع؛ حيث تعمل على تغليب العنصر الأول (العقلنة والنظام) على حساب الثاني (الفرد والحرية)؛ ان تورين سيحاول إعادة الاعتبار للفاعل على حساب المنظومة النسق والبنيات التي اعتقد بورديو في حتميتها وصعوبة التحرر من مفاعيلها المادية والرمزية على السواء؛
اما برنار لاهير احد تلامذة بورديو فقد كرس مجهوداته لدراسة بعض المفاهيم المحورية في سوسيولوجيا بورديو وهي مفهومي الهابتوس والحقل فقد حاول ضمن رؤية مجددة تتبع مسارات ومالات الفردانية؛ ففي دراسة حديثة عن اثقافة وانماط العيش يعيد مسائلة المفهوم الذي ابتدعه بورديو في احد اهم كتبه السويولوجية" التميز" حيث يواجه التنظريات بالوقائع والممارسات الثقافية المتعدة والمتسعبة للافراد حيث يبين" بان وحود هابتوسات ثقافية باعتبارها انسقة متجانسة من الاستعدادات، ليس اكثر تواترا من الناحية الاحصائية. ان الفرد يكون محدد بشكل متعدد multidéterminé بالتجارب الاجتماعية التي تؤثر عليه طيلة حياته"22 ، فمقابل انصهار الافراد داخل تجانس الممارسات الثقافية الملازمة لطرح بورديو يقترح لاهير تعددها وعدم تجانسها وعدم تحددها بالتفسيمات المجتمعية الاساسية كالطبقات فتاثير الاسرة والمسار المهني والتجارب العملية المختلفة يكون له دور في تشكيل الافراد وتحديد اختياراتهم واذواقهم وافكارهم وممارساتهم
و اذا كان بورديو يرى الفاعل في صيغة المفرد الذي يعيد انتاج علاقات السيطرة المشكلة للحقول الاجتماعية فان لاهير يراه بصيغة الجمع الذي يتاثر بتعدد وتعقد الحتميات الاجتماعية في مجتمعه والتي تؤدي الى تشكيله ك " كانسان بصيغة الجمع « homme pluriel » فالسيطرة لا تلغي حرية الافراد " ان الهينة لا تسحق الاختلافات الفردية ولا تعمل على اضاء التجانس على المهيمن عليهم"23. كما ان مفهوم الهابتوس لدى بورديو ينسجم ا مع المجتمعات الاقل تمايزا من الناحية الاجتماعية كالمجتمع القبائلي بالجزائر، بينما لا يصلح لدراسة المجتمعات الحديثة لانها "اكثر تمايزا والتي بالضرورة تنتج افرادا اكثر اختلافا فيما بينهم". فعلى سبيل المثال لا يمكننا الحديث عن هابتوس اسري واحد ومتجانس يخضع له جميع الافراد داخل الطبقة الواحدة انما نجد تعددا كبيرا في انما التنشئة الاسرية الامر الذي يولد استعدادت فردية متعددة واحيانا متعارضة فيما بينها ويعزز فرادتها وتنوعها خضوع الافراد لانماط تنشئوية اخرى كالتعلم المدرسي والتعبيرات الثقافية والاعلام وغيرها.

""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
الهوامش

- Jean-François Dortier « Les idées pures n existent pas »,
In http://www.scienceshumaines.com/les-idees-pures-n-existent-pas_fr_14184.html
2- - Bourdieu, P « L spécificité du chmap scientifique et les conditions sociales du progrès de la raison »In Sociologies et sociétés , Vol VII, 1 PP 91-118, P 91
3 - Bourdieu, P et Passeron, J.C « Les Héritièrs » ed Minuit, Paris , 1964

4- Jean-François Dortier, Idem
5- بيير بورديو " أسباب عملية، ترجمة أنور مغيت، دار الأزمنة الحديثة، لبنان، ط1، 1998، مرجع سيق ذكره، ص 51
6 - بيير بورديو " اسباب عملية، مرجع سيق ذكره، ص 52
7- Bourdieu, P et Passeron, J.C - La reproduction. É-;---;--léments pour une théorie du système d enseignement, Paris, Minuit, 1970, p. 19
8 -Bourdieu, P et Passeron, J.C, « Le métier du Sociologue » Préalables épistémologiques, Paris, 1973 , P 22
9- Bourdieu, P « La domination masculine », collection liber 1998
10 - Hmmoudi, A" Pierre Bourdieu et l anthropologie du Maghreb", In Prologues, N° 19, --print--emps 2000. P 6
11 - "Bourdieu, P, Ibid, P 43
12- "Bourdieu. P, Ibid
13 -"Bourdieu. P , Ibid
14 - Baudrillard. J, « Violence de la mondialisation » In Le Monde Diplomatique, Novembre 2002, P 18

15- Bourdieu, P « Le mythe de la Mondialisation » Le Monde Diplomatique,
16- Bourdieu, P « L’essence du Néolibéralisme » Le Monde Diplomatique, mars 1998

17 - Bourdieu, P et Loic Wacquant « La Nouvelle Vulgate Planétaire» Le Monde Diplomatique, Mai 2000
18- Bourdieu, P et Loic Wacquant « La Nouvelle Vulgate Planétaire» , Ibid
19 Bourdieu, P « Pour Un Mouvement Social Européen » Le Monde Diplomatique, Juin 1999
20- Foucault. M« Surveiller et Punir », Gallimard, 1975
21 - Touraine. A « Sociologue du peuple »,In sciences humaines, Numéro Spécial 2002.
22 - cité par Patrick Gaboriau et Philippe Gaboriau, « Bernard Lahire, La Culture des individus. Dissonances culturelles et distinction de soi », L’Homme [En ligne], 177-178 | janvier-juin 2006, mis en ligne le 12 avril 2006, consulté le 14 juin 2014. URL : http://lhomme.revues.org/2313
23 - Entrtien avec Bernard Lahire In : http://www.humanite.fr/tribunes/bernard-lahire-la-conscience-de-classe-s-incarne-d-515343#sthash.OWajntSa.dpuf



#عصام_العدوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوضاع المراة في ظل الربيع العربي
- حقوق الإنسان في المنظومة الدولية والمنظمات الإنسانية: أشكال ...
- ثنائية الأنا و الآخر في مرآة الوعي العربي
- الحراك العربي والحداثة المأمولة


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عصام العدوني - سوسيولوجيا بورديو النقدية : قضايا واشكاليات