عباس محمد رحيم الباجلاني
الحوار المتمدن-العدد: 4522 - 2014 / 7 / 24 - 22:41
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
حضارات عديدة وسحيقة توالتْ على ظهر البسيطة , وسبقتْ حضارتنا الأخيرة , فقد وصلتْ هذه الحضاراتْ أوج عظمتها من التطور والمدنية ، لكنها أضمحلتْ و تلاشتْ مع أفرادها لأسباب بيئية وجغرافية , ونوّهت مجموعة من علماء الفيزياء الحديثة أمثال البرت أنشتاين و صاحب نظرية ( إم ) ستيفن هوكنغ , وعالم الفلكي الامريكي الشهير كارل ساغان وغيرهم , إن أناسها توصلوا الى أحد عشر بُعداً , بينما نحن الآن في القرن الواحد والعشرين لم ندرك الا أربعة أبعاد منها وهي ( الطول – العرض – الأرتفاع – الزمن ) وبعضهم زادوا عليها جزافاً , وأدلوا بأن الأثير ( وما أدراك ما ألأثير ) هو البعد الخامس أو ( العلم الخامس ) , أما السبب الرئيسي الذي كان خافياً على بني الأنسان بعد البحث والتمحيص من قبل العلماء المختصين , هو إكتشافهم بأن السبب كان ( الخمر ) وسيتم ذكر فوائده لاحقاً , وكيف تمّ صناعته البدائية في بلاد مابين النهرين التي تكونت من 6 حضارات في حضارة واحدة , وقد سُمي هذا البلد بـ ( العراق ) نسبة الى ( العَرَق ) باللهجة العراقية الدارجة الذي هو الخمر , وفي اللغة الآرامية السريانية سُمي ( أوروك ) , أما معاجم اللغة العربية أعطتْ معاني أخرى مثل ( شاطئ البحر ) أو بمعنى ( عريقٌ ) في كل شيء , أو بمعنى ( العراك ) من المعركة , هنا نأخذ الحضارة السومرية ونسبر في أغوارها , فقد عملوا في الزراعة بعد إكتشافها منذ 9 آلاف سنة مضتْ في هذه البقاع الخصبة ,وكانوا أهلها يؤمنون بالحياة بعد الموتْ رغم إنهم وثنيين , وكانوا يعبدون ( ألهة الخير و آلهة الشر ) بإسم مردوخ ( الأنو- ناكي ) , ومن تعاليم حضارة العبيد الذين إستمدوا منها كثيراُ وإبتكروا الكتابة المسمارية والصورية ثم حوّلوها الى لغة ناطقة التي أعتبرتْ أول لغات الارض وهي الآرامية السريانية كما ذكرتُ قبلاً بمساعدة قبائل التركمان التي قدِمتْ من أواسط آسيا , وحتى تمازجتْ لغتهم مع السريانية , ونذكر كلمة سومر فهي مركبة من ( سو ) بمعنى المياه و ( مر أو ير ) بمعنى ( أرض ) أي أرض المياه .. وثمة كلماتْ ليست قليلة سأسردها في أبحاث أخرى..
في الآية الكريمة ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس... ) ونأخذ الفوائد فقط كما جاءتْ في التفاسير وكتب المسلمين منها ( زيادة الإقدام والشجاعة في الحرب كما أنشد حسان بن ثابت في أبياته الشعرية , و زيادة البذل والكرم و نضارة الوجه والأرتخاء وتحسين النطق عن أهل العاهات النطقية بشرط أخذ الجرعات القليلة منه )..
وقال الآلوسي من ضمن الفوائد ..اللذة والفرح وهضم الطعام وتسخية البخيل وتشجيع الجبان , أما إبن كثير يقول إن المنافع دنيوية منها نفع البدن وتهضيم الطعام وإخراج الفضلات , وفي العصر الحديث يدخل في صناعة الأدوية والتخدير والله أعلم , وجرعات قليلة من الخمر لها فوائد في الوقاية من الامراض , وكما قال عالم الطب إبن سينا بأن الخمر هو لتسهيل الحفظ وإطلاق اللسان في المناظرات وله منافع مادية لأنها يسهل فيها الربح السريع.. ومن منطلق بعض الفوائد لن تأتي في القرآن لفظة وكلمة ( تحريم ) للخمر مثلما جاءتْ للخنازير والميت والدم ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير.... ) ربما جاءتْ كلمة أشدّ من التحريم مثل ( فأجتنبوه ) كما فسرها الشيخ الشعراوي رحمه الله..
هنا وصلنا الى ذكر السبب الرئيسي في بقاء الحضارة الاخيرة أي ( كافة الحضارات التي لم تضمحل ولا زالتْ شاخصة الى يومنا هذا ), فلا بد أن نربط السبب مع طائر البلبل الذي كان يقوم في نهفة من الزمن بثقب الفاكهة كالتين والعنب بمنقاره المملوء بالماء , وإمتزاجه بمحتويات الثمرة ، فيعود بعد أيام ليشرب الخمرالمصفى بعد عملية التخمر, فيُصفّر أجمل صفير ويطير الى عنان السماء مع أنثاه وتتم عملية الزواج , ولا يتزاوج البلبل في القفص ولا يتكاثر , لانه لا يريد لصغاره العبودية فهو يعشق حرية الغزلان ..
هذا الكائن العجيبٌ الحضاري في صفاته ,عذب بصوته الرخيم السمفوني , جميل المنظر ينثر ألحانه على الغابات والسهول والأغصان .. إنه طائر فتان يُفتن الجميع , وقد كنا نردد في درس المحفوظات الشعرية ببراءة , عندما كنا تلاميذاً صغار في الصف الثاني الابتدائي ( البلبل الفتان – يطير في البستان – غنى على الاغصان – بأعذب الالحان ...) أه ايها النشيد الفار من سبورة الصباح , ومن جرس المدرسة , ماذا فعلتَ للنفسية العراقية , ولكل عراقي مهاجر حزين وهو يُطرَب حتى في الحزن على حدّ قول الشاعر إيليا أبو ماضي ( أنا من قوم إذا حزنوا وجدوا في حزنهم طربا ) , وكنا نتأوه بهذا العناء الجميل الأسطوري الذي لن يعود أبداً الى أحضان الزمن ..
وعندما رآه الأنسان القديم بعد مراقبته له , تعلم كثيراً عن صناعة الخمر , وأخذ يحتسي الخمر المركب من الفواكه والثمراتْ هو و أفراد عائلته وأبقى على حياته و لأنه مكون من ( الكحول ) الذي يقتل كثير من الجراثيم دون أن يعلم , ولم يمتْ سريعاً عندما كان يمرض ولم تمت الحضارة الاخيرة التي بُنيَت على أكتافه تلك المدنية ولا زالتْ..
#عباس_محمد_رحيم_الباجلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟