أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد الكحل - مطارحة من صميم المصارحة(1)















المزيد.....


مطارحة من صميم المصارحة(1)


سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 1274 - 2005 / 8 / 2 - 07:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


شرع الأستاذ محمد طلابي في نشر الجزء الأول من " مصارحته" للاشتراكيين في جريدة " التجديد" ابتداء من عدد 750 بتاريخ 8 شتنبر 2003 إلى عدد 763 بتاريخ 25 شتنبر 2003 ، ويتوخى منها ، كما أعلن عن ذلك ( تحقيق أمرين متلازمين : الأمر الأول مصارحة ، الأمر الثاني مصالحة ) . ويقصد ذ. طلابي بالمصارحة ( كشف حساب لا من أجل الانتقام ، ولكن من أجل تحديد المسؤولية ومن أجل دفع هذا الرهط من العلمانيين إلى التدبر والتفكر فيما وقعوا فيه من أخطاء أحدثت في جسم الشعب المغربي جروحا ربما أثخنت جسده وأضرت بمسيرة نهضة بلادنا ) . كما يتوجه بمصارحته ( لحكامنا ولعقلاء الخط العلماني الوطني رجالا ونساء ) . والقصد منهاـ المصارحة ـ ( إحداث المصالحة بين التيار الوطني العلماني والتيار الوطني الإسلامي لمواجهة الغزوة الثانية للاستعمار ) .
إلى أي حد : ـ التزم طلابي بأهداف مصارحته ؟ وما مدى وفائه لأدبيات المصارحة ؟ وهل أبقى طلابي على عناصر المصالحة ( احترام الخصوم ، ذكر فضائلهم وأفضالهم ، تغليب قيم التسامح والحوار ، قبول النقد والاستماع للرأي الآخر؟ ـ وما مدى التزامه ب( الصرامة العلمية ) وتشبعه ب( الغيرة الدينية والوطنية لا بغض ولا كراهية فيها لأحد ) ؟
كشف الحساب أم تصفيته ؟
عزيزي محمد طلابي ! ما كنت أتوقع يوما مثل هذه المطارحة معك على صفحات الجرائد ، ليس للصداقة التي جمعتنا على هامش العلاقة التنظيمية داخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، فلا زلت مخلصا لهذه الصداقة ووفيا للذكريات التي نسجناها معا سواء في التحضير للندوة التي نظمتها جريدة " المنظمة" في يناير 98 تحت عنوان " الإسلام والعمل السياسي بالمغرب" ، أو مناقشاتنا ونحن على رمال شاطئ مولاي بوسلهام ، بل لم أتوقع هذه المطارحة لأنك أكدت لي ليلة الإعلان في جريدة " المنظمة" عن استقالتك من الحزب ، أنك لن تنظم لأي فصيل إسلامي على اعتبار أن الحركة الإسلامية في المغرب غير " ناضجة" . ومؤدى هذا الموقف أنك لن تمنح قلمك ولسانك لحركة إسلامية " غير ناضجة" تستعمله سلاحا لتصفية حساب مع خصومها . لكن سارت الأمور هذا المسار الذي يبدو أنه اختارك ولم تختره ، فأفقدك ما كنت تتمتع به ، بشهادة خصومك قبل أصدقائك ، من رزانة وعمق التحليل وموضوعية . وستأتي لحظات نقف فيها جميعا على هذا الذوبان . وثق ، صديقي العزيز ، أن الاختلاف لا يفسد للود قضية ، وأن الأفكار والمواقف هي محط أخذ ورد ، وتلك ميزة بني البشر الذين جبلهم الله تعالى على الاختلاف ( ولذلك خلقهم ) هود : 119 . لهذا لا يمكن الجزم بأن الناس سيأتي عليهم يوم تمحي فيه اختلافاتهم أو تضطرهم قوة بشرية ما إلى ذلك . وهنا تكمن قوة الإسلام وأهميته أن حول الاختلاف رحمةً وأساسا للتعاون والتعارف ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) الحجرات : 13 . بل جاء بما يعيد بناء الإنسان المسلم على القيم السماوية الخالدة كالتسامح والتحاور والصفح واللين ، وما يقوي فيه سلوك التواضع والخلق الحسن . إن المسلم الحقيقي أبعد ما يكون عن الدوغمائية والاستعلاء . وما قصة المباهلة التي يرويها لنا القرآن الكريم إلا دليل على أن المسلم بقدر تواضعه يزداد سموا . يقول تعالى مخاطبا نبيه الكريم (ص) ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) آل عمران(61) . إذ لم تأخذ الرسول (ص) العزة فيتعالى على نصارى نجران ليكرههم على قبول الحق الذي معه . وإنما كان قوله ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) سبأ : 24 . ذلك هو نبينا الكريم محمد (ص) ، وتلك قيم إسلامنا الحنيف الذي يأمرنا أن نعتمد القاعدة الخلقية ( بالتي هي أحسن ) في الجدال والتعامل حتى لا يأخذنا بالإسلام الغرور فنزكي أنفسنا ونحن نتلو قوله تعالى ( قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين ) القصص :85 . لذلك كانت قاعدة التعامل لدى المسلمين هي قول الله عز وجل ( وقولوا للناس حُسْنا ) البقرة : 83 . بحيث لا يُخرج المسلمين عن هذه القاعدة كفرانٌ أو عداوة مصداقا لقوله جل جلاله ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) . فصلت : 34 . على اعتبار أن المسلمين إذا( مروا باللغو مروا كراما )الفرقان : 72 ، ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) الفرقان :63. ذلك هو خلق المسلم وسلوكه نحو غيره بمن فيهم الكفار ، إذ نهى الله تعالى عن سبهم ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ) الأنعام : 108 .
صديقي العزيز طلابي ! جئتك بهذا التأطير حتى أتبين معك درجة القرب أو البعد عن منهاج الإسلام فيما نشرتَه على صفحات " التجديد" ، دافعي في ذلك أن نتعلم كيف نخالق الناس الخلق الحسن ، ولا نقْفُ مُنكَرَ القولِ وزُورَ التأويل . لأنك جئتَ في " مصارحتك" ما لا يجسد ولا يتمثل تعاليم الإسلام وأخلاقه . فالمسلم يغضب ولكن لا يَسُب ، وإذا غضب لا يصخب ولا يفجر ، ولكن يكظم غيظه ويعفو عن خصمه تمشيا مع الأخلاق التي حددها القرآن الكريم ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) آل عمران : 134. إذا كان هذا خلُق المسلم عموما ، فإن الأمر يكون أدعى إلى الاحتراص منه إلى التحرُّص لدى " الداعية" الذي غايته تقديم النموذج وإعطاء المثال وتجسيد الخُلُق القرآني . فأنا ما عهدتك تجاري غضبك حتى في أحلك اللحظات التي اجتازتها منظمة العمل سواء في مواجهة طروحات الانشقاق وميولات التآمر ، أو في تصديك للداعين إلى المشاركة في الحكومة داخل المنظمة وخارجها . ولا زلت أحفظ عباراتك التي واجهت بها السيد عبد الواحد الراضي في إطار الاجتماعات التنسيقية والتشاورية داخل الكتلة الديمقراطية . ويسرني أن أذكرك بمقولتك التي بررت لي بها عدم المشاركة في الحكومة ليلة هاتفتك في الأمر ، وأجبتني ( لا ينبغي أن نضع بيضنا في سلة واحدة ) . هي حكمة رصينة أن يحافظ المرء على رصيد من باب الاحتياط . لكني لم أجد في " مصارحتك" إلا بقية البقية من تلك الحكمة التي ، للأسف ، ذكرتها في الحلقة الأولى وتنكرت لها فيما تلاها من حلقات . تلك البقية الباقية وردت في قولك ( وأستثني من هذا الرهط رموز التيار الوطني الذين نحترمهم . وعلينا تقدير دورهم في تحرير البلاد كالأستاذ امحمد بوستة ، وعبد الرحمن اليوسفي ، ومحمد بنسعيد والأستاذ عبد الله إبراهيم وغيرهم . باعتبارهم رموز التيار الوطني صادق معتبر اليوم في الساحة ، حتى وإن أخطأوا ، وحتى وإن اختلفنا معهم في أمور كثيرة سياسية وعقدية . فهم تعبير عن أخيار التيار العلماني الوطني ببلادنا بقاعدته العريضة ) . فلا زالت بك عاطفة صدق أخشى عليها أن تعصف بها مشاعر البغض والكره التي تؤججها مواقف الإسلاميين وكتاباتهم ضد العلمانيين والاشتراكيين . لقد كان لدي أمل ، أصارحك به علنا كما صارحت به بعض أصدقائي من الحركة الإسلامية ، في أن ينقل السيد محمد طلابي رصيده النضالي ومقوماته النفسية والعلمية إلى داخل الحركة الإسلامية المغربية التي تفتقر لمثل هذا الإرث ، ليخرجها من ضيق أفقها الفكري والسياسي ، ويربي فيها الميل إلى الحوار والتعايش مع الآخر والقدرة على التواصل على قاعدة الاحترام ، بعيدا عن اللمز والهمز والتكفير . تلك مهمتك ، أخي طلابي ، خريج مدرسة الوطنية وثقافة الحوار والتسامح ، التي عبرت عنها مرارا ، كانت إحداها يوم قمتَ من مقعدك لتصافح خصم منظمتك السيد عبد الصمد بالكبير ، وأنتما في رحلة جوية إلى الأقاليم الصحراوية ضمن وفد سياسي وصحافي . ولم تمنعك عن مصافحته الخصومة السياسية رغم خلفيتها المخزنية . كنت آمل ولا زلت أن تستثمر كل رصيدك في " ترشيد" الحركة الإسلامية ، أو على الأقل الفصيل الذي انضممت إليه ، لا أن يجرفك تيار الضغينة وتدك ما كنتً تحرثه ، أو تفسد ما أنت مبتغيه ، على اعتبار أن ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) كما قال نبينا الكريم (ص) . لقد انسقت مع التيار الإسلامي ويوشك أن يتملكك حقده وكراهيته لكل مخالِف . إذ بدت على خطابك ملامح الإقصاء وعلامات الاستعداء وأنت تصف خصومك بأوصاف نابعة من وسوسة النفس التي يخيب كل من دساها ، من تلك الأوصاف قولك ( فهذا الرهط من البشر مع الأسف ليسوا أخيارا بل أشرارا ، خبت فيهم روح حب الوطن والدين إن لم أقل اختفت ، وبدأ توظيف الاستعمار الجديد فعلا مع عصر العولمة كغزوة استعمارية ثانية . فأصبحوا عُبَّاد شهوة وعُبَّاد عِبَاد . عُبَّادًا لشهوة البطن والفرج والمال والجاه والحكم . فحلت الكارثة ببلادنا بأن بدأ فسادهم وإفسادهم ينتشر في البر والبحر . فساد عقدي وثقافي وأخلاقي . فساد سياسي وإداري ومالي ) . ما كنت أظنك ، صديقي العزيز ، تلجأ لقاموس السباب والاتهام بالعمالة للاستعمار ، وأنت الداعية إلى الله ورسوله ، لمجرد ( تصريحات ومواقف رهط من أنصار ملة الاشتراكية ، في لقاءات لهم متلفزة وفي بيانات أحزابهم واستجواباتهم في الصحافة . مواقف كلها سهام مسمومة صوبت اتجاه الحركة الإسلامية عموما ، ورجالات حركة التوحيد والإصلاح خصوصا وصوب حليفها السياسي حزب العدالة والتنمية بالأخص ) كما جاء في قولك. فهي لم تخرج عن كونها بيانات أو تصريحات من أشخاص لا يملكون سلطة القرار في أبسط الأمور . وأنت نفسك قلت في الحلقة الثامن ( ولكن لن يستطيع أن يفعل ما يشاء ، فالسياسة ليست لعب عيال ) . ويكفي أن أذكر لك أن السيد اليازغي ، لما كان وزيرا في حكومة السيد اليوسفي الاشتراكي ، عجز عن تجاوز قرار باشا مدينة آزرو لما مُنِع من إلقاء محاضرة بدار الشباب . واضطر اليازغي الوزير أمام سلطة الباشا ، إلى نقل محاضرته إلى مقر الحزب . لهذا كان الأجدر أن تُستعمل نفس الأدوات للرد عليهم ، فإن لم يكن من باب اللياقة السياسية ، فالأولى من باب العقيدة الإسلامية ( ولا تسبوا ) ، ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) . من هنا ينبغي ألا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل ، مثلما فعل ذ. طلابي لما اعتبر تلك التصريحات الصحفية " عدوانا" ( يستهدف في العمق شريعة الإسلام نفسها وهي الغاية الأخطر ) . أكيد أن هذه التأويلات ليست من صميم العقل الرصين والموضوعي الذي ألفناه جميعا لدى ذ. طلابي . وهذه واحدة من أمارات الانجرار والانسلاخ والذوبان التي خضع لها أستاذنا ؛ حتى إنه لم يعد يميز بين حزب العدالة والتنمية وبين الإسلام . وصار لديه كل انتقاد لهذا الحزب هو استهداف للشريعة الإسلامية . وذلك أسلوب يضر بالحزب أكثر مما ينفعه . وحسبي هنا أن أذكر بأن هذا كان أسلوب حزب العدالة والتنمية لما كان في حالة دفاع عن النفس إثر الهجمات الإرهابية ليوم 16 مايو 2003 . إن الانجرار وراء فكرة التآمر على الدين تقود حتما إلى الفتنة . بل تعمي أصحابها عن سداد الرأي واتزان الموقف ، من ذلك أن ذ. طلابي اعتبر السيدة نزهة الصقلي تهدد الشريعة الإسلامية بقولها ( الحجاب ماشي واجب على النساء ) . والجدير بالذكر هنا أن هذا القول لم تنفرد به السيدة الصقلي ، بل سبقها إليه فقهاء كبار . وحتى لا تأخذ مطارحتي طابعا فقهيا ، أحيل ذ. طلابي على بعض ما كتبه محمد محمود طه السوداني الذي أعدمه جعفر النميري ، وكذا المناظرة التي كانت بين المستشار سعيد العشماوي والدكتور سيد طنطاوي في موضوع الحجاب هل هو فريضة دينية أم لا . بالإضافة إلى مؤلفات أخرى أخص بالذكر منها الدراسة التي أعدها الدكتور محمود سلام زناتي تحت عنوان " السفور والنقاب" . إذن تبقى السيدة الصقلي ناقلة لهذا الرأي الفقهي ومقتنعة به ، كما أن ذ. طلابي مقتنع برأي مخالف . إذ ليس من قال خلاف ما يتبناه ذ. طلابي ، يكون عدوا للدين ومستهدِفا للشريعة . فالدكتور محمود سلام زناتي يشرح في دراسته كيف انقسم الفقهاء إلى فريقين : الأول يؤيد الدعوة إلى الحجاب ، والثاني لا يعتبر الحجاب فريضة دينية . من هنا يمكن القول إن الانجرار مع أطروحات التخوين والتكفير يفقد الخطابَ كلَّ موضوعية وتحليل سليم . ذلك أن مسألة " الإسلامية" جعلها ذ. طلابي احتكارا للدين ووصاية عليه لما اعتبر توجيه النقد أو مخاصمة حزب العدالة والتنمية تعد استهدافا للشريعة ، كما لو أن الشريعة والحزب متماهيان . إن هذه الوصاية على الدين هي محط الانتقاد . وجاء هذا الانتقاد ليس فقط من حزب التقدم والاشتراكية ، أو من " رهط" العلمانيين ، بل جاء كذلك وأساسا من أعلى سلطة في الدولة . ونجد ذلك في الخطاب الملكي عقب الأحداث الإرهابية ، أو في خطاب العرش . إذ قال جلالته في خطاب يوم 29 مايو ( لقد دقت ساعة الحقيقة معلنة نهاية زمن التساهل في مواجهة من يستغلون الديمقراطية للنيل من سلطة الدولة ، أو من يروجون أفكارا تشكل تربة خصبة لزرع أشواك الانغلاق والتزمت والفتنة ) . وما أظنك ، الأستاذ طلابي ، إلا لبيبا تفهم أن المقصود من هذا الخطاب ليس حزب التقدم والاشتراكية أو أي حزب سياسي آخر يمينيا كان أو يساريا . وحتى لو بقي لديك شك في أن المقصود هو حزب العدالة والتنمية بالدرجة الأولى ، فإن خطاب العرش بدد كل شك بالفقرة التالية ( وبنفس القوة ، فإننا نؤكد أن علاقة الدولة بالدين محسومة في بلادنا ، في ظل تنصيص الدستور على أن المملكة المغربية دولة إسلامية وأن الملك أمير المؤمنين مؤتمن على حماية الدين وضمان الحريات ، بما فيها حرية ممارسة شعائر الأديان السماوية الأخرى . وباعتبار أمير المؤمنين مرجعية دينية وحيدة للأمة المغربية ، فلا مجال لوجود أحزاب أو جماعات ، تحتكر لنفسها التحدث باسم الإسلام أو الوصاية عليه . فالوظائف الدينية هي من اختصاص الإمامة العظمى المنوطة بنا ) . أكيد أن المعني بهذا الخطاب هم الأحزاب و الجماعات الإسلامية التي تنصب نفسها وصية على الدين وحامية له . وأنت أستاذي عضو بواحدة من تلك الجماعات ومناصر لدراعها السياسي ، حزب العدالة والتنمية ، وتعلن أن الدين في خطر وأنك وجماعتك ( لم ولن نرضى السكوت عنها كمسلمين أبدا أو نهن في الذود عن أغلى ما نملك وأعز ) . وبذلك تنازع الملك الذي هو أمير المؤمنين مسؤولية حماية الدين والذود عنه . فإن كانت هذه غاية حركة التوحيد والإصلاح ، فماذا يتبقى لإمارة المؤمنين ؟ ليس هذا كلاما من فراغ ، بل حقيقة أكدتها الحركة على لسان رئيسها السابق د. أحمد الريسوني الذي لم يلتزم بنص الدستور الذي يحصر إمارة المؤمنين في الملك وحده ، فأجازها لأي كان ، كما في قوله ( أظن أننا لسنا ملزمين بالبقاء متشبثين بالطريقة التقليدية في تصورنا لهذه المؤسسة . وكذلك في تقديري أن أمير المؤمنين يمكن أن يكون ملكا ، رئيس الجمهورية أو حتى وزير أول )( أوجوردوي لو ماروك 12 مايو 2003 ) . بل ذهب د. الريسوني مدى أبعد وأخطر لما نفى الأهلية عن الملك في ممارسة مهام إمارة المؤمنين والتي في مقدمتها " الإفتاء" . يقول الريسوني ( الملك الحالي ـ يقصد محمد السادس ـ حسب تكوينه ، لا يستطيع أن يضطلع بسلطة الفتوى التي تعود أساسا لأمير المؤمنين ) . أكيد أنك ، صديقي العزيز ، تصدر عن تصور الحركة . إن هذه إلا عينة من الانجرار مع أطروحات الإسلام السياسي التي تضع أصحابها في حالة تناقض مع الدستور وتهديد مباشر لإمارة المؤمنين . فيكون كلامك ، صديقي العزيز ، مردودا عليه وفاقدا للموضوعية . إذ قولك ( الدستور المغربي ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة ـ التصدير والفصل الخامس من الدستور ـ وبحكم ذلك فكبير السلطة في البلاد أمير للمؤمنين وجوبا ـ الفصل التاسع عشر من الدستور ـ وبحكم ذلك فكل حزب في المغرب حسب الدستور هو حزب إسلامي وجوبا . وإلا فهو حزب غير دستوري وبالتالي غير شرعي ) ، إن قولك هذا بُني على مسلمة مغلوطة تساوي في المعنى بين " إسلامي" و " مسلم " . بيد أنهما ليسا كذلك ، بحيث مفهوم " مسلم" أوسع وأرحب من مفهوم " إسلامي" . وبذلك يكون مفهوم "مسلم" يرتكز على العقيدة الدينية التي ينتمي إليها كل من قال لا إله إلا الله ، فيشمل ، من حيث كونه كذلك ، مفهومَ " إسلامي" . في حين أن هذا الأخير ـ " إسلامي" ـ يقوم على توظيف العقيدة الدينية لخدمة العقيدة الإيديولوجية ، ومن ثم فهو مفهوم إقصائي وطائفي ، متضمَّن في مفهوم " مسلم" وغير متضمِّن له . أي أن مفهوم " مسلم" يشمل الشخص "الإسلامي" ، بينما مفهوم " إسلامي" لا يشمل" كلَّ مسلم . ولهذا السبب تلجأ الجماعات الإسلامية إلى تكفير المسلمين وإقصائهم من دائرة الإسلام ، بل تهدر دماءهم وتسلب أموالهم وتستبيح أعراضهم وتسبي نساءهم . إذن مفهوم " مسلم" شامل ومنفتح ، بينما مفهوم " إسلامي" منغلق وعدائي لكل مخالف . ومن ثم ينزع الإسلامي إلى احتكار الدين والوصاية عليه ، ورفض ومعاداة كل ما لا ينسجم مع تصوره الانغلاقي والمتشدد ، لدرجة أن الجماعات الإسلامية نفسها تقصي بعضها البعض من دائرة الحوار والتعاون ، بل تنفي عنها إيمانها وتكفرها . إذ الإسلامي لا يرى إلا جماعته وحدها على الهدي السليم ، وما عداها ففي جاهلية تامة . وأذكِّرك ، عزيزي طلابي ، بما سبق وقاله الأستاذ عبد الإله بنكيران في برنامج " في الواجهة " ( حزبنا ينتسب إليه أو يتعاطف معه ويشعر بأنه يمثله كل من استوعب الإسلام بشكل سليم وفهمه بشكل سليم ) . فإذا قارنا هذا القول بما نجده عند باقي الجماعات الإسلامية الأخرى ، سنقف على المعنى الحقيقي لمفهوم "إسلامي" من حيث كونه يقوم على الانغلاق والإقصاء . ولا أدل على ذلك من كون الشيخ ياسين يعتبر الجماعات الإسلامية ، غير جماعته ، مرض زائد على الأمراض التي تعاني منها الأمة . من هنا يكون قولك إن كل حزب في المغرب حسب الدستور هو حزب إسلامي ، قول لا يسنده الواقع السياسي ولا حتى إيديولوجية الجماعات الإسلامية . وهذا يذكرني بالنقاش الذي دار بين جماعة العدل والإحسان في شخص الأستاذ عبد العالي مجدوب ، وحزب العدالة والتنمية في شخص الأستاذ محمد يتيم والأستاذ مصطفى الخلفي . وأنقل إليك بعض ما ورد في رد السيد مجدوب في مسألة الحزب الإسلامي ( المعروف والمسلَّم به عند الجميع هو أن الإسلاميين ممنوعون من ممارسة هذا الحق (= تكوين أحزاب ) بتعليمات جبرية ظالمة لا علاقة لها بالقانون . وقد استمعنا أكثر من مرة ، في وسائل الإعلام العمومي ، لمسؤولين كبار في الدولة ، وعلى الأخص وزراء الداخلية ، يؤكدون أنه لا يمكن في المغرب السماح بتأسيس حزب إسلامي ، والسبب ، في منطقهم الاستبدادي الفاسد ، هو أن المغاربة جميعا مسلمون ، وأن عندنا أمير المؤمنين .. أما إن كان السيد الخلفي يقصد بمشاركة الإسلاميين في الانتخابات حزب العدالة والتنمية ، فتلك مغالطة أخرى ، لأن صفة " إسلامي" لن تثبت لهذا الحزب بمجرد أن فلانا من الحركة الإسلامية صرح في يوم من الأيام بأنه اكتشف أن الدكتور عبد الكبير الخطيب قد سبقه إلى العمل الإسلامي بعشرين سنة . وأيضا لن تثبت هذه الصفة بمجرد أن بعض رموز الحركة الإسلامية أصبحوا أعضاء قياديين في هذا الحزب .. نحن نقصد أن حزب الدكتور الخطيب لم يكن في يوم من الأيام حزبا إسلاميا، حسب المفهوم الاصطلاحي الحديث لصفة " إسلامي" ، وإنما ألصقت به هذه الصفة إلصاقا )( التجديد عدد 349 بتاريخ 27 /28 أبريل 2002 ) . إذن واضح أن مفهوم " إسلامي" يختلف جذريا عن مفهوم " مسلم" . وبذلك فالذي يتناقض مع الدستور ليس مفهوم " مسلم" بل مفهوم " إسلامي" . ذلك أن حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح لا يقنعهما شكل التدين الذي عليه المغاربة منذ أربعة عشر قرنا . لهذا يسعيان إلى نشر مفهوم خاص عن التدين يعتبرانه " سليما" . وكذلك الحال بالنسبة لباقي الجماعات الإسلامية . أما باقي الأحزاب السياسية المغربية فهي تنطلق من قناعة أن جميع المغاربة مسلمون ، وأن مشاكل الشعب المغربي ليس مع أشكال ممارسة الإسلام كعقيدة ، بل المشكل مع التخلف الاقتصادي والاجتماعي والعلمي . لهذا ركزت في ممارستها على البحث عن أنجع السبل لتحقيق الإقلاع الاقتصادي وتحقيق التنمية ، والقضاء على مظاهر التخلف . فالشعب المغربي بحاجة إلى من يعلمه الإبداع في السياسة والاقتصاد والتصنيع والفكر والعلوم ، وليس إلى من يعلمه كيف يدخل المرحاض ويقص شاربه ، ويحلق لحيته ويدفن موتاه . أليس عارا أن تصدر دعوات من بعض الجماعات الإسلامية تحرم دفن أمواتهم في مقابر المغاربة المسلمين، أو تحرم الصلاة في مساجدهم وخلف أئمتهم ؟ هل سنحل مشاكلنا بدفن الأموات في المنازل والإعفاء عن اللحية وفرض الحجاب ومنع الاختلاط ؟



#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألا رفقا بالسيد القمني
- هل صارت حقوق الإنسان علامة تجارية ؟
- على أي أساس تطالب المنظمات الحقوقية الحوار مع شيوخ السلفية ا ...
- قراءة في كتاب- ما هو سبيل الله ؟- لسمير إبراهيم حسن :
- لندن ضحية احتضانها لشيوخ التطرف وأمراء الدم
- نادية ياسين : الشجاعة المأمرَكة لن تكون إلا وقاحة
- الحركات الإسلامية والدولة الديمقراطية
- أية مصلحة للأمريكيين في تحالفهم مع الإسلاميين ؟
- فتاوى التكفير أشد خطرا وفتكا بالمجتمع من عبوات التفجير
- الإنسان العربي أبعد ما يكون عن الحوار والتسامح والتحالف
- هل سيتحول المغرب إلى مطرح للنفايات الوهابية ؟
- نادية ياسين لم تفعل غير الجهر بما خطه الوالد المرشد
- المسلمون وإشكاليات الإصلاح ، التجديد ، الحداثة 2
- المسلمون وإشكاليات الإصلاح ، التجديد ، الحداثة 1
- خلفيات إضراب معتقلي السلفية الجهادية عن الطعام
- معتقلو السلفية الجهادية من تكفير منظمات حقوق الإنسان إلى الا ...
- المجتمعات العربية وظاهرة الاغتيال الثقافي
- الأزمة السياسية في إيران تؤكد أن الديمقراطية لا تكون إلا كون ...
- عبد الكبير العلوي المدغري والشرخ الغائر بين الروائي المتحرر ...
- الإرهاب يتقوى وخطره يزداد


المزيد.....




- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد الكحل - مطارحة من صميم المصارحة(1)