أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد محمود - رسالة مفتوحة إلى شقيق مات الحبّ في قلبه















المزيد.....

رسالة مفتوحة إلى شقيق مات الحبّ في قلبه


محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 4477 - 2014 / 6 / 9 - 22:55
المحور: حقوق الانسان
    


1
شاهدت واستمعت بحزن وفزع للمقابلة التي أجرتها قناة سي ان ان (العربية) يوم الخميس 5 يونيو 2014 مع الشاب السماني الهادي الذي يقول إنه شقيق مريم يحيى. كانت النقطة الأساسية التي أكّد عليها السماني الهادي أن مريم يجب أن تُقتل إن لم تعد لحظيرة الإسلام. وعندما سألته مراسلة القناة كيف يرضى القتلَ شنقا لأخته أجاب بطهرية المؤمن إنه لا يمكن أن يُرضي إنسانيته وعواطفه ويُغضب
الله.

وجملة السماني الهادي هذه تعكس في واقع الأمر ما نجح الإسلاميون والنظام في غرسه في وعي الكثيرين من جيله وهو ما يمكن أن نصفه بـ"وعي الشريعة". ووعي الشريعة هذا وعي نصوصي يفتقر لعنصرين هامين هما العنصر الأخلاقي وعنصر الحب. وتساؤل المراسلة الاستنكاري يعكس الوعي المعاكس الذي يصارع وعي الشريعة اليوم في كل المجتمعات المسلمة. وسنخطيء خطأ كبيرا إن اعتقدنا أن هذا الوعي المعاكس للشريعة هو وليد اليوم ووليد حساسية عصرنا. إن هذا الوعي لازَمَ
في واقع الأمر مظاهر العنف في الشريعة منذ بدايات الإسلام.

دعونا نأخذ مثالين على هذا الوعي المعاكس.

2
المثال الأول يتعلّق بالآية 34:4 أو آية النشوز في سورة النساء والتي تقول: "الرجال قوّامون على
النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحاتُ قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفِظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعِظُوهُن واهجُرُوهُن في المضاجع واضرِبُوهُن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليّا كبيرا". لقد واجهت هذه الآية المسلمين ذوي الحسّ الأخلاقي السليم بتحدٍّ كبير في الماضي والحاضر --- كيف يبيح المرء لنفسه أن يضرِب امرأته؟ إن الآية صريحة ولا لبس فيها: كل من "يخاف" أن "تنشز" امرأته يمكنه، ضمن إجراءات أخرى، أن يضرِبها. هذا إجراء مشروع تقرّه الشريعة وكان من العسير على علماء الإسلام أن يعتبروه عنفا منزليا غير مقبول وتجب مراجعته.

إلا أننا نجد حديثا في سنن البيهقي يرويه إياس بن عبد الله يقول: "قال رسول الله ... "لا تضربوا
إماء الله" قال: فذئر النساء [اجترأن ونشزن] وساءت أخلاقهن على أزواجهن، فقال عمر ... : يا رسول الله ذئر النساء وساءت أخلاقهن على أزواجهن منذ نهيت عن ضربهن، فقال النبي ... : "فاضربوهن" قال: فضرب الناس نساءهم تلك الليلة قال: فأتى نساء كثير يشتكين الضرب، فقال النبي ... حين اصبح: "لقد أطاف بآل محمد الليلة سبعون امرأة كلهن يشتكين الضرب وأيم الله لا تجدون أولئك خياركم" (السنن الكبري، بيروت: 2002، ج 7، ص 496.)
ولقد ضعّف البخاري هذا الحديث وقال لا يعرف لإياس صحبة، ومال الألباني لتضعيفه إلا أنه فتح الباب أيضا لترفيعه لمستوى الحديث الحسن. وربما يكون الحديث صحيحا ويعكس ذاكرةَ حدثٍ وَقَعَ فعلا وربما يكون موضوعا. ولكن حتى ولو كان موضوعا فلابد أن نتوقف ونتساءل لماذا يوضع مثل هذا
الحديث وما هي وظيفته؟ إن هذا الحديث يعكس بوضوح نزعة وعي معاكس يريد أن يَحُلَّ الإشكال الأخلاقي لآية النشوز عبر الجملة النبوية "لا تجدون أولئك خياركم". وهكذا فإن كان هذا الحديث موضوعا فهو انتحالٌ يعكس رغبة عميقة لتجاوز حُكْمَ الضرب. إلا أن ما انتبه له من ضعّفوا هذا الحديث وأرادوا إسقاطه أنه في نهاية الأمر يُخِلّ بالتراتبية الأخلاقية للنظام الأخلاقي الإسلامي فيجعل الحديث معبّرا عن قيمة أخلاقية أرفع (كراهية الضرب) من القيمة التي يعبّر عنها القرآن
(إباحة الضرب.)
3
أما المثال الثاني فيتعلق بقصة تَرِد في مادة الحديث. يحكي عِكْرِمة عن صفوان بن أمية أنه "طاف بالبيت وصلى، ثم لفّ رِداءً له من بُرْد، فوضعه تحت رأسه، فنام، فأتاه لِصٌّ، فاستلّه من تحت رأسه، فأخذه، فأتى به النبي ... فقال: إن هذا سرق ردائي، فقال له النبي: ... "أسرقت رداء هذا؟"، قال: نعم، قال: "اذهبا به، فاقطعا يده"، قال صفوان: ما كنت أُريد أن تُقطع يده في ردائي! فقال له: "فلو ما قَبْلَ
هذا"... " (سنن النسائي، الرياض 1417هـ/ 1996، ص 744). هذا الحديث ينتمي لطائفة الأحاديث الصحيحة وله وظيفة هامة في النظرية الجنائية وهي التأسيس لمبدأ عدم جواز إسقاط الحد بعد رفعه لجهة التقاضي. ولكننا نلمح في الحديث بعدا آخر هاما عادة ما يُهمل ويتمّ تهميشه. فالجملة النبوية "فلو ما قَبْلَ هذا" تقابلها وتعارضها جملة صفوان "ما كنت أُريد أن تُقطع يده في ردائي!" من الواضح أن صفوان صدمه قرار محمد بقطع يد السارق وأحسّ بأن العقوبة تنطوي على إفراط لا يتناسب مع الجريمة. وفي رواية أخرى للحديث نقرأ عن محاولة يائسة لصفوان لاستنقاذ يد اللص إذ يعرض على محمد تنازله عن ردائه قائلا "يا رسول الله، هو له"، إلا أن محمدا يرفض. وهكذا فإن كانت الجملة النبوية "فلو ما قَبْلَ هذا" تؤسس للمبدأ الجنائي فإن جملة صفوان "ما كنت أُريد أن تُقطع يده في ردائي!" تعبّر عن احتجاج أخلاقي ووعي معاكس يواجه وعي الشريعة ويتجاوزه.

وعندما نقارن المثالين فإننا
نجد أن الوعي المعاكس لوعي الشريعة قد استند في المثال الأول على مواجهة سلطة القرآن بسلطة الحديث، أما في المثال الثاني فإن الوعي المعاكس قد واجه سلطة الحديث بسلطة الحسّ الأخلاقي السليم الذي فجعه ذلك الإفراط واللاتناسب في العقوبة التي تفرّط في يد الإنسان من أجل متاع لا يسوى شيئا بإزاء حرمة جسد الإنسان --- وهو حسّ أخلاقي يبلغ قمة احتجاجه في رواية أخرى للحديث يقول فيها صفوان لمحمد: "أتقطعه من أجل ثلاثين دِرهما؟ أنا أبِيعُهُ وأُنْسِئُهُ ثمنَها"، وهو حديث أدخله علماء الحديث في دائرة "المُنْكَر" رغم معقوليته وانسجامه مع توتّر اللحظة وصدمة صفوان وشعوره بمسئوليته الأخلاقية غير المقصودة وربما شعوره بالذنب.

4
موقف صفوان بن أمية هذا في
حجاز القرن السابع الهجري هو ما أتمنى أن يتأمله ويهتدي به السماني الهادي في سودان القرن الحادي والعشرين وهو ينزع عن قلبه حبّه لأخته ويطالب بشنقها لأنها خرجت من الإسلام. إن ما يدركه كلّ صاحب حسّ أخلاقي سليم أن هذا الموقف موقف خاطئ وشائه وأن قيمة الحبّ لابد أن تكون أرفع من قيمة الشريعة. ورغم أنني لا أعرف السماني الهادي إلا أنني لا أشكّ أنه يعرف أو سمع عن الكثيرين في السودان الذين فارقوا الإسلام واعتنقوا أديانا أخرى أو رفضوا الدين نفسه رفضا تاما. وهم أفراد لم تنقلب عليهم أسرهم وتجرّهم للمحاكم لتشهد شنقهم، لأن حبّ هذه الأسر لأبنائها وبناتها أكبر من انحيازها للشريعة. هذا الحبّ للشقيقة والشقيق وللأم والأب (ولكل من حولنا) هو ما يزيدنا إنسانية وهو ما يجب أن ننحاز له. ما أتمنى أن يذكره السماني الهادي أنه أحبّ أخته وهو طفلٌ من قبل أن يكون له دينٌ وأن هذا الحب الخالص العاري من التشوّه هو في نهاية المطاف أرفع وأنبل ما تنطوي عليه جوانحنا وأن التفريط فيه لا يقودنا إلا لعالم قبيح تنتصب في أفقه المشانق.

د. محمد محمود أستاذ سابق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ومدير مركز الدراسات النقدية
للأديان.



#محمد_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- راي شخصي
- فَلْنَحْنِ هاماتِنا لشجاعة مريم
- التربية على الطريقة الاصولية
- في الحاجة إلى بناء حركة نسائية جديدة
- في عيد المرأة العالمي: التحية لصمود أميرة عثمان
- معاداة فكرة
- نبي لكل حاكم ومعضلة خاتم المرسلين
- مانديلا والمسيرة المستمرة
- سبب البحث عن إله
- قراءة فكرية في كتبهم 4
- قراءة فكرية في كتبهم 3
- قراءة فكرية في كتبهم 2
- قراءة فكرية في كتبهم 1
- ما الذي صنعه الإله؟ وما الذي يستطيع ان يصنعه؟
- هكذا يقيم عزيز عقاوي 20 فبراير بعد سنتين !
- في عيد المرأة العالمي: المرأة كاملة عقل
- ارفعوا أيديكم عن نهلة وأسرتها
- الترابي في الثمانين - من إكتوبر إلى يونيو : إفلاس الرؤية وبؤ ...
- بيان ذكرى الشهيدة - سعيدة المنبهي -
- في انتهازية - الإشتراكي الموحد -


المزيد.....




- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد محمود - رسالة مفتوحة إلى شقيق مات الحبّ في قلبه