|
المجتمع السوري و التطرف
احمد عسيلي
الحوار المتمدن-العدد: 4471 - 2014 / 6 / 2 - 00:41
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
ما هو سبب انتشار العنف و التطرف بهذا الكم المخيف داخل المجتمع السوري ؟؟ هل المجتمع السوري بطبيعته ذو تكوين عنيف و متطرف ؟؟ هل للثورة سبب في ذلك ؟ أم أنها فقط هيأت الظروف المناسبة لإخراج المكبوت ؟ أعلم أن هذه أسئلة راودت جميع السوريين ، فحجم العنف الذي اشتعل فجأة داخل المجتمع قد أربكنا جميعا ، فلم نكن نتوقع وجود هذه القدرة الكامنة الوحشية على الهدم و القتل ، و خاصة نحن الجيل الذي تربى دون أن يسمع طلقة نار واحدة ، و كانت جريمة قتل مفردة كفيلة لإصابة مدينة بأكملها بالوجوم و التوتر ، فكيف تفجر هذا الكره و التطرف فجأة ؟؟ لدراسة أسباب التطرف يمكن لنا أن نقسم هذه الحالة إلى مجموعتين : 1ـ المجموعة الأولى : متطرفون يلجأون إلى هذا الأسلوب الحياتي ضمن شروط اجتماعية طبيعية ، من توفر الأمن و الرفاه و الكفاية الإقتصادية ، و هذه المجموعة متواجدة في كل المجتمعات ، و بنسب متفاوتة ، لكنها غالبا نسبة قليلة لا تزيد عن 1% ، كالنازيين الجدد في ألمانيا ، والولايات المتحدة الأمريكية ، أو المتطرفين القومييين في فرنسا ، و هنا تكون الحالة ناتجة عن أمراض نفسية و عصابية ، لا مجال لشرحها هنا ، و يلزمها علاج نفسي ، قائم على العلاج الجماعي و الفردي لهؤلاء الأشخاص ، هذه المجموعات كانت متواجدة داخل المجتمع السوري قبل الثورة ، بنفس النسب العالمية تقريبا ، و لم يكونوا يشكلون أي مشكلة حقيقية داخل بنية المجتمع 2ـ المجموعة الثانية : التطرف في الحالات الحرجة ، و المصقود بذلك المجموعات التي تلجأ إلى التطرف في حالات الشدة ، كحالات انهيار الأمن ، و الركود الاقتصادي ، أو الإضطرابات السياسية ، و هو تطرف طبيعي ، سببه الخوف و الفزع ، و قد ذكر في كتاب علم النفس السياسي ( تأليف مجموعة من المؤلفين ، ترجمة عبد الكريم ناصيف ، دار التكوين 2012) أن علماء النفس قاموا بتجربة على عدد من طلاب المدارس الكندية ، وصوروا لهم فيها حالات من الإنهيار الاقتصادي ، و الإجتماعي ، و فقدان الأمن ، و طرحوا عليهم مجموعة من المشاكل لحل هذه الأزمات ، ولاحظوا أن هؤلاء الطلاب قدموا حلول متطرفة و عنيفة لهذه المشاكل ، فالإنسان دائما يلجأ إلى العنف في حالات فقدان السيطرة على الذات أو على المجتمع ، و هذا ما يخص حالتنا السورية ، فالمجتمع السوري ليس عنيفا ، بل هو مجتمع هادئ و مسالم ، لكن عنف النظام السوري في قمع الثورة ، و فقدان الإنسان للأمان هي التي دفعت بالعديد من الشباب لهذا الخيار . و هذا ما ينطبق أيضا على كل المجتمعات ، و قد رأينا كيف انزاح المجتمع الفرنسي إلى اليمين المتطرف في الإنتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2002 ، و منح 6 مليون فرنسي صوته لجان ماري لوبان ، كنتيجة طبيعية عقب أحداث 11 أيلول 2001، و إحساس الغربيين بالخوف من هجمات مماثلة ، لكن هذا التطرف سرعان ما تراجع ، و لم نشهد هذا الصعود لليمين المتطرف في انتخابات 2007 ، فالتطرف نتيجة طبيعية جدا و متوقعة جدا لحالات الخوف و انعدام الأمن ، و هو ما يتوفر في الحالة السورية نتيجة غياب القانون و الدولة كمفهوم و أداء ، و انتشار حالات التشبيح و الإعتدءات ، و استهانة نظام الأسد بحياة المواطنين . لكن هل يعني هذا الكلام أن العنف سيقى في الحالة السورية ؟ دلت التجارب النفسية و التاريخية أن العنف سيبقى ما بقي المسبب ، و سيتراجع تلقائيا بعد القضاء على العوامل المولدة له ، و هذا ما وجدناه بالحالة الفرنسية من تراجع اليمين المتطرف في انتخابات 2007 حين عاد الإحساس بالأمان إلى المجتمع الفرنسي . إذن لا خوف على المستقبل السوري ، لكن بشرط إسقاط نظام الأسد بأسرع وقت ، فكل يوم يمضي على هذا النظام في السلطة ، سيؤدي الى دفع المزيد من السوريين إلى العنف ،و ستتعقد مشكلة بناء سوريا ما بعد الأسد بشكل أكبر ، و سينتج المجتمع أعداد أكبر من المتطرفين الذين لن يقتصر تأثيرهم على الحالة السورية ، لذلك يجب أن أن تتضافر جهود العالم كلها كي تقضي على هذا المسبب ، و إلا عم الخراب جميع الأركان ، و هو ما لا نتمناه لوطننا و لا لعالمنا .
#احمد_عسيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة : نشوة الجسد و التعري
-
نحن جيل الهزيمة
-
فيلم مترو : الوصول بالسينما إلى الحضيض
-
فيلم الخروج للنهار أناقة السينما المصرية
-
هيا بنا نلعب سياسة
-
الذكاء السياسي لجبهة النصرة
-
عشرة أعوام على الربيع الكردي السوري
-
فيلم أسرار عائلية :حين تنتصر لغة الجهل
-
الذكورة و الأنوثة : تاريخيا و انتروبولوجيا
-
مفاهيم اساسية حول الهوية الجنسية و الجندر
-
هلوسات في الجنس
-
الدلائل الفضائحية لمؤتمر جنيف
-
الامة السورية بين الفكر و الحزب
-
بين خالد سعيد و رابعة العدوية
-
لكننا لم نعد اطفالا
-
ظاهرة الامام الصدر
-
الجنس في رواية ساق البامبو
-
الاسرائيليون و نحن........
-
بين معركة أحد و 25 يناير
-
المؤسسة العسكرية في سوريا؟؟؟
المزيد.....
-
إسرائيل تكشف هوية الرهائن الثلاثة الذين استعيدت جثثهم من غزة
...
-
بالصور.. بدء تسليم المساعدات لغزة عبر الرصيف البحري
-
زيلينسكي يرفض -هدنة أولمبية- يريدها ماكرون ويتحدث عن أكبر مي
...
-
مصدر أممي: الجزائر وسلوفينيا تطلبان عقد اجتماع لمجلس الأمن ا
...
-
مستشار الرئيس الإماراتي يعلق على لقاء بن زايد وبن سلمان والن
...
-
وكالة: كوريا الشمالية تختبر صاروخا باليستيا تكتيكيا بنظام تو
...
-
مقتل فلسطينيين في قصف إسرائيلي لمنزل برفح
-
أنور قرقاش يعلق على لقاء محمد بن زايد ومحمد بن سلمان
-
كيف يعمل دماغك فعليا؟
-
طبيب يشرح أسباب الأقدام المسطحة
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|