أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين بوركة - قفطانك محلول:














المزيد.....

قفطانك محلول:


عزالدين بوركة

الحوار المتمدن-العدد: 4469 - 2014 / 5 / 31 - 21:35
المحور: الادب والفن
    


لم نكن يوما فلاحين.. وكيف يمكن لنا ذلك؟ نحن رحالون.. جد جدي رحال، وجده رحال، من الزمن المرابطي. نجر خلفنا آثارنا والمعز. نحب الأرض التي تشتاق إلينا.. نشرب لبن جمالها، ونعد الشاي تحث شجر الزيتون، تاركين معزنا يطير.. نعم ! معزنا يطير.. نقبل الأرض قبل مغادرتنا.. نُودِعها أرواحنا الأولى.. فلنا في كل أرض روح..
نحن عطارون.. من نسل الرحالين. نبيع كل شيء، لأي شيء.. حتى لبن العصفور ولسان الحمار ومخ الضبع.. والذبابة اليتيمة، وأخبار القبائل الغابرة، خلف جبال الأطلس، وكثبان الرمال هناك.. في الشام أو العراق. لم يسبق لأقدامنا أن وطأت أرض العراق قط.. عندنا الجواد يأتوننا بما خفي من أثر سلاطين بغداد.. جدي كان يحدث ملك الجان.. وجدتي كانت تصنع "الحسوة" ب"المْصَاخِن" صباحا لزوجته الحامل..
*******
كان يوم الأحد ، حينما قرر"محماد"، جدي أن يهدي جدتي قفطان مطرز جالبا إياه من أرض وهران- أبعد منطقة وطأتها قدمه- بالسْفِيفة وخيوط مُذهبة. لم يعرف جدي كيف تُحرث الأرض أو تُفلح.. لكنه عرف كيف تصطاد النساء.. لم يزرع يوما بذرة، مع ذلك أنجب دَزِينَة من الأبناء.. وهاهي جدتي الآن تجوب المنزل وتتمختر، خمس وخميس في عين العديان.
*******
جميل هو ذاك القفطان الأصفر، الحريري، المزيَّ والمُطَرّز بأحجار كريمة.. وكم هي جميلة تلك العرضة/المانكان، وهي تُخاَصِرُ خاصرتيها بِمْضَمة ذهبية، مراكشية الصنع.. كانت جدتي الأجمل وهي مرتدية قفطانها سبع أيام متواصلة.. تجول به القبيلة شبرا شبرا.. -"بْصَحَتْ لالة فاطمة". ماشطة شعرها للخلف على شكل "لاكوب" من القرن الثاني عشر ميلادي زمن آخر سلاطين بني عباس، ومماليك الأندلس..
لا أعرف أيهما تطارد عيناي.. هل القفطان الأصفر، أو صاحبته.. ذات القوام "المانكاني"، كأنها لم تلتهم شيئا مند سنة.. بخصرها الضيق، ومؤخرتها النحيفة، ورموشها المنحوتة بعناية.. وأكتافها العالية.. صورة لأفروديت.. بعيني كليوباترا المُكحلتين. يكفيها طولا.. ليست بحاجة "لطالون".. تمشي ذهابا وإيابا.. شمالا وجنوبا.. فوق المنصة/العاكسة لما تحث القفطان.. كلمة القفطان.. تستهويني، تذكرني بشيخات من العصر الوطاسي. لسن بحاجة للنحافة.. ولا للمكياج. يكفيهن ضخامة أردافهن واتساع مناكبهن، لدرجة أنك لن تلاقي يداك وأنت تُخَاصِرُ إحداهن. مُكتفية بصوتها وهي تطرب صاحب القصبة، القايد، وأعوانه.. لتصير فاتنة القبيلة.. قاتلة الذكورة.. ليست بحاجة للتمويه، لتقول لك أنها راغبة فيك.. عليها فقط أن تمدّ فخذيها من فتحة القفطان، وتسقط من يدها منديلها المطرز بالطرز الفاسي.. وتغمز بعينها اليمنى. لا أعرف الفرق بين الطرز الفاسي ولا الرباطي.. ولكني أحببت هذه الكلمة فقط.
يصعب ترويض صاحبة القفطان.. يصعب تقبيلها، ما عليك إلاّ أن تنظر الى الثوب وتطريزه، و إلى الحزام المذهب وإلى التاج فوق رأسها، وإلى فتحة القفطان الواصلة إلى أعلى الفخذ.. لست في حاجة إلا أن تعرف أنه قفطان على شكل "روب" من عهد نابليون.. لتفزع روحك، وتغادر ذاك الجسد. ويطير لك العصفور، من سماع اسم نابليون.. المدوي كمدفع انجليزي..
ها هي المانكان الثانية تدخل على أنغام أنشودة الإنتصار. بصدرها الصغير، الذي يشبه حمامتين تغازلان بعضيهما البعض عن قرب وفي حب.. أو تفحتين لم يقضمهما آدم ولم تسقط إحداهما فوق رأس نيوتن. قفطانها بالسفيفة المطرزة يدويا، كأنها سلطانة من زمن سليمان القانوني.. فاتحة قفطانها الكَاطيفي الوردي وبارزة فخذيها النحيفتين.. كأنها راغبة في أحدهم.. ينقصها الآن أن تلقي منديلها أرضا.. لنعرف من هوُ.. لعله سلطان عثماني.. أو أنت.. من يدري؟
*******
كم قتلتي يا أيتها العارضة من دودة قز جميلة، وهي محتضنة نفسها في يوم ربيعي ؟ لترتدي ذاك السلهام المخاط باليد والمزركش بالزمرد والمرجان.. ويا ترى ما سر خاصرتيك؟ وأي شيء يربطك بشيخة سلاطين بني وطاس؟
أما الآن فيكفي أن تُشَمِّري ساعديك بالشمار الزماني، لتصيرين امبراطورة بيزنطية بلون الثلج.
******
لازال الراديو يذيع أغنية قفطانك محلول، ولازالت روح جدتي -رغم رحيلها- تطوي القفطان بعناية وتقبله بعد أن ترشه بماء الورد.. تضعه في بلاكارها القديم، وتقُفل عليه بحذر، ثلاثة أقفال، من زمن الحرب، متواطئة مع نفسها رغم أنها تعلم أنه يكفي أن تمسك القفل بيدك لينكسر..



#عزالدين_بوركة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزن عمودي
- جينالوجيا الأخلاق : دراسة في أصل الأخلاق و قلب القيم
- جيهان
- مشهد لا يتوجه اللوفر
- على باب الجامعة
- الجدار
- يغادرني العالم
- شعر الشمس
- تصفيات صغيرة
- جدتي
- حضرة
- دم بارد
- محمد عرش: مُبعث هيباتيا ديك الجن*
- فعل التقدم : بين المفهوم الفلسفي والديني والبرجماتي والماركس ...
- وفاء الحمري : المشهد الثقافي المغربي أضحى مطية المصارعين الس ...
- هي وهو- قصة قصيرة
- حفل
- الإنسانية
- فتيات
- أمل


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين بوركة - قفطانك محلول: