أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني - مقاطع من كتاب، الدين والجنس والصراع الطبقي، بوعلي ياسين















المزيد.....



مقاطع من كتاب، الدين والجنس والصراع الطبقي، بوعلي ياسين


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني

الحوار المتمدن-العدد: 4457 - 2014 / 5 / 19 - 02:07
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نشوء وتطور الدين

الدين من وجهة نظر اكاديمية برجوازية هو نظرة الى الكون وطريقة حياة محددة بالايمان بوجود اله او الوهية, هو شعور بالارتباط, بالتعلق والالتزام تجاه قوة سحرية, ساندة ومبجلة. الا ان هذا تعريف غير مفيد, لأنه (مثالي) لا يربط بين الشعور والواقع, بين البناء الفوقي والعلاقات الاجتماعية-الاقتصادية. حسب فريدريك انجلز, الدين هو انعكاس خيالي في رؤوس الناس لتلك القوى الخارجية التي تتحكم بوجودهم اليومي, هو انعكاس تأخذ فيه القوى الأرضية شكل قوى فوق ارضية. في بداية التاريخ كانت هذه القوى هو قوى الطبيعة, فضعف الانسان وقصوره الفكري من جهة واستبداد الطبيعة وغرابتها من جهة اخرى يجعله-حباً في البقاء-يعبد الطبيعة, وبالأحرى يعبد قواها لاتقاء شرها او نيل بركتها. في المرحلة التالية من التاريخ تنضم الى قوى الطبيعة قوى اجتماعية, ذلك لأن هذه تكون غريبة مثل القوى الطبيعية وفي البداية كذلك غير مفهومة, فيراها الانسان بالتالي تتحكم فيه بنفس الضرورة الطبيعية. واذا تقدمنا اكثر في تاريخ البشرية نرى كل الصفات الطبيعية والاجتماعية للالهة قد نقلت الى اله واحد في منتهى القدرة, وهذا الاله الواحد ليس سوى انعكاس للانسان المجرد. ولكن, لا بد لظهور تلك القوى الاجتماعية والايمان بها كقوى فوق-طبيعية (وعلى هذا يقوم جوهر الدين, كما عرفناه انفاً) من تحقق شرطين: أولاً, ظهور قوى اجتماعية الى جانب القوى الطبيعية, يشترط وجود تسلط من فرد او جماعة في المجتمع, تسلط قادر على جلب الموت والدمار كالقوى الطبيعية, تسلط غريب ومبهم. ولكن هذا لا نجده في تالمجتمع المشاعي البدائي, مما يدعونا الى الزعم بأن نفس العوامل التي قضت على النظام المشاعي البدائي هي التي افرزت القوى تالاجتماعية التي انععكست في مخيلة الانسان كالهة. نقصد بذلك قبل كل شيء: توفر فائض انتاج اجتماعي. فمن المعلوم ان جماعة بشرية لا تعرف الادخار (هنا: حفظ الأغذية للمستقبل) مهددة كل يوم بالجوع والمرض والموت. بقاؤها على قيد الحياة مرهون بوجود الثمار والحيوانات الضعيفة والبطيئة (ليس هناك رعي او زراعة بعد) كل يوم. من المحتمل ان يتوفر في بعض الأيام فائض في الانتاج, الا ان حاجة التعويض عن حرمان الماضي والخوف من فساد الأغذية (لم يكن الملح معروفاً بعد) وعدم الحصول على الغذاء في الأيام القاتدمة يدفع الجماعة المذكورة الى التهام كل الموجود... النتيجة هي ان هذه الجماعة لا تستطيع الاستغناء عن قوة عمل فرد واحد من افرادها, اي- من زاوية نظر اخرى- لا يمكن ان يعيش فرد من عرق جبين الاخرين (ضعف الانتاجية). بصورة عامة, لا يفصل المنتجون في المجتمع البدائي نشاطهم الانتاجي (العمل) عن نشاطاتهم الانسانية الأخرى, فعملهم ليس مغترباً (انه يحقق انسانية الانسان). هذه الدرجة العالية من الوحدة في كيان الانسان كله لا تدل على محاولة واعية للتطوير الشامل للطاقات البشرية, بل على فقر مجتمع وعلى محدودية الحاجات فيه. الانسان هنا خاضع لاستبدادية عنف الطبيعة. الا ان التضامن الكبير بين افراد المجموعة البشرية البدائية وعملها الجماعي يخففان من هذا الفقر وهذا الخضوع والخنوع. ولكن بتحسن وسائل الانتاج وازدياد خبرة الانسان يتحقق فائض الانتاج (بداية الزراعة وتربية الحيوانات), وهذا يقود الى مجتمع الطبقات... والان الى الشرط الثاني الذي لا يمكن فصله عما ذكرناه انفاً: فائض الانتاج يدعو الى المبادلة السلعية: اعطاء فائض الانتاج مقابل قيم استعمالية غير متوفرة, او غير متوفرة بالقدر اللازم. كذلك يسمح فائض الانتاج بتخصيص قسم من قوة العمل الموجودة لدى الجماعة البشرية المعنية في قطاعات اخرى, مثلاً: لصنع ادوات الانتاج وكاختصاص (نشوء مهنة الحدادة). وهذه هي الخطوة الاولةى نحو تقسيم العمل اجتماعياً (بغض النظر عن تقسيم العمل بين الرجل والمرأة). لدة متابعة التطور يظهر اناس ينتجون بالدرجة الاولى لغيرهم, بالسوق- شكل اولي لتغربة العمل). المهم هنا: تقسيم العمل. هذا يقود بدوره الى استقلالية العمل التنظيمي الاتداري عن بقية الأعمال (التنفيذية). اما الذي يقومك بالعمل التنظيمي الاداري فهو شيخ العشيرة او القبيلة, ذلك (العجوز) الحافظ والراعي للتجارب المتراكمة في عملية انتاج القبيلة. الا ان شيخ العشيرة لم يبقى مع مرور الزمن (عجوزاً), بل ظهرت مقاييس اخرى للحصول على هذه المرتبة (الوراثة مثلاً او القوة الجسدية الفائقة..). ما يعنينا هنا هو ان هذا الانسان هو الذي ينظم, يدير, يأمر ويضع خطة العمل, يمثل بذلك القوة الفعالة و(الخلاقة), بينما يطيع الاخرون, ينفذون الأوامر ويخضعون للخطة المرسومة من فوق, اي يعملون حسب ارادة غريبة (شكل اولي اخر لتغربة العمل). علاقة الانتاج هذه تنعكس على تفكير الناس المعنيين وتوجه نظرتهم الى كل ما هو كائن والى الانسان نفسه. وهكذا ينقسم الانسان الى جسم وعقل, الى جسد وروح. الروح هو الشيء الذي يوجه الجسد, وهو ايضاً اعلى من العقل. كما ا ن المنظم والمدير اعلى مرتبة من المنفذ العادي. وهكذا, اصبح الهيكل الاقتصادي للمجتمع, او بالأحرى الشكل المذكور لتقسيم العمل قدوة في النظر الى الانسان والى بقية العالم: بدأ الانسان يؤمن بأن لكل شيء عقلاً, وأن الروح تستوعب الطبيعة كلها. وانطلاقاً من هنا وبالارتباط مع ما ذكرناه في الشرط الأول كان لا بد لنشوء الدين ولا بد كذلك من تقديس الأجداد شيوخ العشيرة و(حتى) عبادتهم.. هذا يعني ان ما سميناه (انعكاساً لواقع معين) قد بدأ بالانفصال عن اصله (الواقع) حتى اصبح في اذهان الناس عالماً اخر في استقلال تام عن قاعدته, ليعود بدوره للتأثير في هذا الأساس كقوى مجردة عاقلة. وباللغة الماركسية: استقلال البناء الفوقي في وعي البشر عن البناء التحتي, وعكس الأدوار في وعيهم, اذ اصبح (العقل) او اصبحت (الروح) تتحكم بالجسم (ازدواجية الانسان), واصبح المخلوق (الالهة) يتحكم بمصائر الخالقين (البشر). لقد نشأ الدين لزمن المغاور والأدغال, من تخيلات بدائية مثل بدائية انسان المغاور والأدغال, من تخيلات اساء الانسان فيها الفهم لطبيعته الخاصة وللطبيعة الخارجية المحيطة به. وكل وهم- لدى وجوده- يتطور انطلاقاً من مادة التخيل الموجودة وتتابع صياغتها, والا فهو ليس بوهم. وهذا يعني الانشغال بأفكار باعتبار انها كيانات مستقلة غير تابعة في تطورها, خاضعة فقط لقوانينها الخاصة. في هذا لا يعي البشر الذين تدور في رؤوسهم عمليات الفكر هذه بالضرورة بأن ظروف حياتهم الخاصة هي التي تحدد مجرى هذه العمليات, لا يعون ذلك والا لما كان هناك وهم.

الدين كأداة في الصراع الطبقي

لقد كان الانتقال من الفقر المطلق الى مجتمع النقص النسبي (اقل فقراً) يعني بنفس الوقت الانتقال من مجتمع موحد بشكل منسجم الى مجتمع منقسم الى طبقات, وشيئاً فشيئاً الى مجتمع سادة وعبيد, مجتمع استعباد واضطهاد وحرمان واغتراب.. فتقدم المجتمع البشري اقتصادياً كان على حساب انسانيته. وهذا لم يكن الصفة المميزة لمجتمع الرق, بل كذلك في الأنظمة التالية لم يزل الانسان بأشكال اخرى غريبة عن عمله, عن مجتمعه وعن نفسه. فالعمل في المجتمع الرأسمالي مثلاً هو عمل مغترب, لأن الأكثرية الساحقة لهذا المجتمع لا تعمل لأنها تحب مهنتها, لأنها تجد في العمل تحقيق لانسانيتها او لأنها تظر الى العمل كشرط كافي لبناء قدرتها الفيزيائية والخلقية والفكرية, بل هي تعمل لكي تستطيع سد حاجتها الانسانية خارج العمل. تغربة العمل في المجتمع الرأسمالي تبدو ايضاً في فقدان الانسان للتحكم بشروط عمله, بأدوات العمل وبنتاج العمل نفسه.. وبناءاً على ذلك تكون نظرة اكثر الناس الى العمل على انها (شر لا بد منه من اجل البقاء).
هذا الواقع المادي والخلقي الذي عاشه ويعيشه الانسان منذ نشوء مجتمع الطبقات (او بالاحرى بداية نشوء مجتمع الطبقات لصعوبة وضع الحدود) كان يطالبه دائماً بالرد, بالتخلص من واقع لا يطاق ومستقبل اكثر تهديداً, كان يطالبه بالخلاص. في وضع كهذا اما ان يقبل بالأمر الواقع او يرفضه. فاذا قبل به, كان عليه-كالتزام اخلاقي تجاه نفسه- ان يبرره او يبرر موقفه الراضخ. واذا رفضه, كان عليه-ايضاً كالتزام اخلاقي تجاه نفسه-ان يثور عليه او ان يخطط للقضاء عليه. وكما وجدت في تاريخ البشرية ثورات وانتفاضات وحروب, فكذلك كان هناك دائماً وفي كل الطبقات اناس يشكون في امكانية الخلاص المادي (الصراع الطبقي بشكله الواضح), فيبحثون عن الخلاص الروحي كبديل عنه- عن السلوان (سلوان الوعي) الذي يحفظهم من اليأس التام. هذا السلوان لم يجدوه في الفلسفة, لأن هذه لم توضع لوجدان العامة, بل وجدوه في الدين. ولا حاجة بعد هذا للقول بأن اكثر الناس التواقين الى السلوان الوجداني, الى الالتجاء من العالم الخارجي الى العالم الداخلي, كانوا من: العبيد في العهد القديم, الفلاحين التابعين في العصور الوسطى, البروليتاريا الرثة وجيش الاحتياط الصناعي في العصر الحديث..
واذن, اذا كان ضعف الانسان جسدياً وفكرياً في البداية وبالتالي رهبته من الطبيعة القاسية (القاسية الحمقاء) وحبه لها, وامتنانه من الطبيعة اياها بسبب عطائها ووداعتها في احيان اخرى قد كون باباً في نفسه يدخل منه الدين, واذا كان نشوء علاقات اجتماعية تسلطية غريبة ومبهمة قد حول الالوهية شيئاً فشيئاً من الطبيعة الى الانسان وجعل من الدين كياناً مستقلاً, فان الانقسام في المجتمع بدلاً من الوحدة والمساواة, وحلول التنازع والبغضاء محل التعاون والتحاب, وفصل العمل عن اللعب وحلول العمل المغترب محل العمل الطوعي الجماعي, والعبودية محل الحرية... كل هذا جعل الانسان في وضع نفسي وخلقي مدمر, اوصله استناداً الى فهمه السابق والمغلوط لنفسه ولمجتمعه وللطبيعة حوله, واستناداً الى تجربته الفاشلة في الثورة والتمرد, الى وعي مثبت للحالة التي هو فيها, بكلمة اخرى: خلق دعامة اخرى ذاتية لوجود وبقاء الدين.
بتعريف اخر (ذاتي) يكون الدين هو الوعي الذاتي والشعور الذاتي للانسان الذي لم يكسب نفسه بعد او الذي فقد نفسه ثانيةً, هو التحقيق الخيالي للكيان الانساني, طالما لي لهذا الكيان واقع حقيقي. كما قال ماركس.


وكما ان الدين قد نشأ من اسباب سبقت نشوء الطبقات, فانه ايضاً نشأ بسببها ومن اجل الطبقات المسيطرة ايضاً. كذلك كما انه شكل من اشكال الرد على الظروف والعلاقات اللاانسانية, فهو في نفس الوقت ولنفس السبب مادة للاستغلال, مادة يسهل استعمالها فردياً وطبقياً للوصول الى مارب خاصة. ولا حاجة في ذلك الى ان يكون هؤلاء المتسلطون واعين لعملية الاسيتغلال او لعملية التلاعب هذه. وهذا ما لا نستطيع زعمه من رأسماليي عصرنا الحاضر ودعاتهم.
يقول بول لافارج بأنه من مصلحة البرجوازي ان ينفق العامل المأجور قدرته العقلية في مجادلات حول العدالة, الأخلاق, الوطن وما شاكلها من مفاهيم اخرى, حتى لا تبقى لديه دقيقة واحدة للتفكير في وضعه المزري وفي تحسين هذا الوضع. ويعطي على ذلك مثالين: جاكوب برايت, وروكفلر. لقد اعطى برايت لطريقة التغبية (من غباء) المذكورة حقها من العناية, اذ كان يقضي ايام الأحد بتلاوة الانجيل وتفسيره. الا ان هذا عمل لا يجيده هواة مثل البرجوازيين, بل يحتاج الى محترفين في التغبية الدينية. وقد وجد الرأسماليون ضالتهم في شخص رجال الدين بكل انواعهم. ولكن, للدين وجهاً اخر قد يؤدي الى مفعول عكسي بين الضحايا. ولكي يتجنب روكفلر هذه (السيئة) في الدين, اسس (تروستاً) لاصدرا اناجيل (شعبية) منظفة من الشكاوي والتذمرات من لاعدالة الأغنياء ومنظفة من صيحات الغضب الحاسدة ضد حظ الأغنياء المثير.
وفي الواقع, وحتى بدون هذه التلاعبات الفاضحة, يسهل استعمال الدين (كأداة قمع) لاشعورية للصراع الطبقي. فمن جهة, يوجه الدين-كما هو معلوم- انظار الناس عن الخلاص المادي الى الخلاص الروحي, عن الحياة الدنيا الى الحياة الاخرة. ومن جهة اخرى, يبرر لهم وجودهم كمستغلين مظلومين: اختبار لايمانهم, قصاص لذنوبهم, غضب من الله, الأرض للأغنياء وللفقراء الجنة, والله يعطي الاغنياء ويزيد لكي لا تكون لهم على الله حجة... الخ. الدين يعد البشر بالخلاص, يعدهم بكل ما حرموا منه على هذه الأرض (حتى المحرمات)*, الا انه يطالبهم بأشياء خطيرة مقابل ذلك. لا يطلب منهم العبادة فقط, بل ايضاً ركيزات المتسلط الطبقي: الطاعة (اطيعوا اولي الأمر منكم), الصبر مفتاح الفرج, عدم مقاتلة الأخوة في الدين, القناعة فالرزق من الله والله يرزق من يشاء, عدم الحسد فالحسود لا يسود, الزهد في الحياة الدنيا فالاخرة خير وأبقى, الخ. بالمقابل, يطالب الأغنياء بما يثبت امتيازاتهم, ويرشو الفقراء: التواضع, الصدقة, الزكاة, الصيام, الحج, الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, واذا بليتم بالمعاصي فاستتروا.
فاذا كان الدين زفرة المخلوقات المعذبة (ماركس), فهو وبنفس الوقت بديل الصراع الطبقي. وليس هو بديل نضال الانسان المعذب فحسب, بل هو ايضاً حصان طروادة. الانسان ينحاز هنا في صراعه ضد عدوه الطبقي اكثر او اقل الى معسكر العدو نفسه!. يقول ماركس (الدين خلاص موهوم صادر عن وعي مقلوب لعالم مقلوب)*.
كما قلنا, لم يكن هناك انفصال لدى الانسان البدائي بين مختلف نشاطاته, ولم يكن هناك فرق بين التقاليد والقوانين والأخلاق والدين. مع بداية الحضارة, مع نشوء مجتمع الطبقات بدأت تغربة الانسان, واصبح هناك انفصال بين الممارسة الدينية والعمل الانتاجي, بين اللعب والعمل, بين الدين والجنس... الا ان الدين بقي يلعب دوره كالسابق, بالرغم من أن القوانين الجديدة, المؤسسات الاجتماعية الجديدة والأوامر الجديدة بجميع انواعها, لم تأتي بسبب حاجة المجتمع ككل, وبالتالي حاجة كل فرد (ما كان الأمر في العهد البدائي), بل تلبية لحاجة الطبقة المسيطرة في مجتمع الطبقات, اذن قوانين ومؤسسات تسلطية.

الفهم الديني للجنس

تبدأ الرواية الدينية بوصف ادم في الجنة يعيش في سعادة مملة, ذلك لأنه وحيد. للترويح عن النفس تخلق من أحد اضلاعه حواء (المرأة). الا انه بخلقها تبدأ المشاكل في الرواية, فالأفعى (الشيطان) تغري حواء (المرأة) بتذوق ثمار شجرة محرمة (تفاح), فهذه بدورها تغري ادم. وبالرغم من لاعقلانية تحريم تذوق التفاح (بغض النظر عن لاعقلانية الرواية كلها) يغضب على ادم وحواء. وهكذا تبدأ الحياة على الأرض وتزداد المشاكل في الرواية, في اللحظة التي يرى فيها ادم وحواء نفسيهما على الأرض, يتعرفان الى ما يمكن تسميته الان (الجنس) ويبدأ كل واحد منهما في البحث عن شيء يغطي فيه عضوه الجنسي (ورق التين). الا ان هذا لا يمنع ان تنجب حواء لادم هابيل وقابيل. ولاعقلانية هذه (الحشمة) تتأكد لنا بمعرفة انه لم يكن هناك على الأرض – طبعاً حسب الرواية نفسها- سوى ادم وحواء.
لنقف عند هذه الصفحة من الرواية!
الرجل (ادم) هو الأصل, المرأة (حواء) هي الفرع, الملحق. المرأة بطبيعتها عاصية, قابلة للاغراء ومغرية في نفس الوقت, وتجلب بهذا المتاعب للرجل ولنفسها. اما المغريات (الشيطان) فموجودة في كل مكان وأي زمان وسببها الكبريا والحسد والعصيان... سبب وجود البشرية هو خطيئة من المرأة تتحملها الأجيال القادمة, ذلك لأنها دنست محرماً (المحرم الوحيد في الجنة). ولسنا ندري ان كان للرجل والمرأة اعضاء (تناسلية) في الجنة. الخطيئة الأولى, خطيئة المرأة!. كان هذا التوريث بواسطة عضوين يجب سترهما (على الأرجح ليسا حميدين لسبب نجهله) بالرغم من عدم وجود احد سوى الزوج المتجامع. اذن فهناك ارتباط مبدئي بين الخطيئة والجنس, وهناك حكم مسبق ضد عضوين من اعضاء الانسان. زيادة على ذلك ان البشرية بدأت بزوج واحد, فالزوج احادي (سنة الكون!), والأسرة الناتجة عن ذلك الزواج هي (اسرة بطريركية, ابوية), فادم هو الأب, والسيد والمسؤول عن حواء والأطفال, حواء والأطفال هم الفروع, منتجات من الرجل ادم.
ليست هذه هي الاسطورة الوحيدة التي نستطيع استخلاص مفهوم الدين للجنس فيها, بل هناك حكايات عديدة, لا يسعنا ان نذكرها ولا ان نذكر باسهاب الأوامر الدينية حول الجنس. الا انه ليس من اللازم ان يكون المرء مختصاً ليستخلص معنا ان الأسرة المعتبرة والمذكورة في الأديان المعروفة كما هي-كما تقدم- الأسرة الأبوية, وأن الدين لا يقيد الجنس وحسب, بل ينفيه: فمن استطاع الاستغناء عنه فليفعل, فهذا افضل حسب بولس الرسول. ومن هنا كان عدم زواج رجال الدين في طوائف مسيحية معينة, ومن هنا كانت الرهبانية. من هنا جاء تقديس العذراء والعذرية, ففي الجماع تدنيس!. وعلى هذا الأساس ايضاً ترى جماعة اسلامية معينة مصافحة النساء للرجال والرجال للنساء شيئاً ناقضاً للوضوء.
الدين يدعو الى التقشف في الممارسة الجنسية, ويجعلها وسيلة للتكاثر-على الأقل بالنسبة للمرأة- لا للذة, حتى انه في سبيل التكاثر يحلل محرماً, كما حدث للنبي لوط مع ابنتيه. وفي الواقع لم (يكتشف) ان المرأة تلقى لذة في الممارسة الجنسية او يمكن ان تلقاها الا في القرن التاسع عشر من قبل دعاة التنوير والفردانية الرومانتيكية. في حين ان لذة الرجل لم تكن موضوع شك. فقد كان ينظر الى المرأة اذن كموضوع وليس كذات في النشاط الجنسي, وعلى ذلك يدل القول (وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع). فالكلام موجه الى الرجال, وليس ايضاً الى الناسء, ويستعمل فيه كلمة (النكاح) للموضوع (المرأة) التي تدل على عملية تكنيكية ليس الا, لا تتضمن اي شيء من اللذة او المشاركة الفاعلة (او حتى المنفعلة) من قبل المرأة, موضوع الجنس. اما تتمة الاية فتقودنا الى الزواج الاحادي من الجهتين (الرجل والمرأة) دون تقييد الرجل بذلاك ومع ترك القرار له, ومع ترك منفذ جنسي له هو استعمال الجواري.
واعتماداً على ما شرحناه حول اهمية الدين بالنسبة للانسان بصورة عامة وللانسان المضطهد بصورة خاصة, فلا شك في تأثير الأوامر الدينية في امور الجنس- هذا التأثير الذي نلمسه حتى الان بنفس القوة تقريباً كما كان قبل الاف السنين- خاصة وأن الأوامر الدينية بصفتها هذه هي في نفس الوقت اوامر المجتمع وأوامر اخلاقية. هنا يتحد الدين والجنس بشكل اوامر دينية جنسية, وتظهر الأوامر الدينية الجنسية كتابوات (كمحرمات ومقدسات) في خدمة الطبقة او الطبقات المسيطرة, لا المتطلبات البيولوجية والاجتماعية للانسان, بل محرفة ومعارضة اكثر او اقل لهذه المتطلبات. بذلك يقوم الدين ايضاً عبر الجنس وعلى افضل وجه بدوره في خدمة (مجتمع الطبقات الرجالي). وبالعكس, يربط النشاط الجنسي المنظم هكذا وبمفعول مقارب, الانسان بالدين عامةً.

الحاجة الجنسية, من الحرية الى الكبت

لدى الانسان كانسان حاجات أولية, حاجات لم يتغير جوهرها منذ كان حيواناً, حاجات (حيوانية) او غرائز او دوافع بدائية. الفرق بين الانسان والحيوان في هذا المجال هو امكانية الانسان التحكم بدرجة معينة في هذه الحاجات, في كيفية ارضائها, كمية الارضاء, زمنه, ودرجة التكرار في عملية الارضاء. وقد تتوصل القدرة في الانسان الى رفض سد حاجة معينة. ومن هذه الحاجات الأولية ما يسمى (الحاجة الجنسية) او (الغريزة الجنسية) وهذه الحاجة هي أكثر الحاجات الأولية الأكثر مرونة, انها تتميز بطوعيتها لشتى انواع التحايل والتلاعب.
في بداية المجتمع, كان ارضاء الحاجة الجنسية او الجماع حراً, كانت هناك حرية جنسية مطلقة. وكان الزواج (بمعنى الجماع, وليس عقد الزواج السائد حالياً) في المجموعات البشرية جماعياً, اي كل نساء المجموعة متزاوجة مع كل رجال المجموعة, وبالعكس, كان كل رجال المجموعة متزاوجين مع نساء المجموعة. وكان الانسان يقوم بابجماع كما يقوم بأي نشاط اخر, اي دون معيقات, ودون تعقيدات. بعدئذ ومع تطور المجتمع البشري حدث للحرية الجنسية أول تقييد وهو-في الحالة العامة- تحريم العلاقة الجنسية بين الاباء والأولاد (ذكوراً واناثاً) الا ان الزواج بقي محتفظاً بصورته الجماعية.
وبقي الزواج كذلك جماعياً, عندا جرى له بعدئذ تقييد اخر, وهو تحريم العلاقة الجنسية بين الاخور والأخوات وغير الاخوة والأخوات(1). ومهما تكن الأسباب التي دفعت البدائيين (تحت ستار شبه ديني) الى هذين التحريمين(2), لعلها الرغبة في توسيع القرابة وبذلك زيادة القوة او لعله فارق السن في التحريم الأول او لعله تنظيم النشاط الجنسي وتقليل الاسراف فيه... الا انهما قادا في كل الأحوال الى صعوبة استمرار الزواج الجماعي وأحياناً كثيرة الى استحالته: فأين يجد الرجل عدة نساء في مجتمع محرم عليه امه وكل أخواته من امه وكل أخواته من امه وأبيه, وعماته وخالاته. وأحياناً بنات عمه وعماته وخاله وخالاته, وكذا الأمر بالنسبة للمرأة, وذلك في مجتمع ضيق كالذي كان في العصور الأولى للبشرية(3) (قبل اكشتاف المعادن). طبعاً لم يصل التحريم الى هذه الدرجة من الشمولية الا في قلة قليلة من المجتمعات البشرية, لكن بالرغم من ذلك حد هذا من امكانية ممارسة الزواج الجماعي بسبب صغر المجتمع وقلة البشر وابتعادهم عن بعضهم مكانياً وغير ذلك من الأسباب.
في العصور التالية من حياة البشرية (التي تبدأ بظهور الفن الفخاري الذي سمح باكتشاف المعادن) ساد ما يسمى ب(الزواج الثنائي) الذي يقوم على علاقة جنسية رئيسية بين رجل واحد وامرأة واحدة, والى جانبها علاقات جانبية لكل من الرجل والمرأة مع نساء اخرين ورجال اخرين (وقد يقتصر هذا الحق على الرجل), مع حق كليهما في الافتراق والانفصال لأي سبب وفي أي وقت. فلم يكن هناك زواج لمدى الحياة. لكن اثناء الانتقال من الزواج الجماعي الى الزواج الثنائي او خلال فترة الزواج الثنائي كان يحدث تطور اخر يتمثل بتزايد سلطة الرجل, وبالتالي طموحه الى الاستئثار بالمرأة لوحده دون غيره من الرجال.
وهكذا ظهرت مع بداية الحضارة الاسرة الأحادية, القائمة على زواج بين رجل واحد وامرأة واحدة فقط, ومع الاسرة الأحادية, حيث التقييد الجنسي في اعلى درجاته, ظهرت (الخيانة) الزوجية والدعارة. وفي الواقع لم يكن الزواج احادياً الا بالنسبة للمرأة, بينما كان الرجل يتمتع بفوائد الزواج الجماعي(4).
وهكذا يتبين لنا, ان تطور العلاقات الجنسية منذ بداية الحياة البشرية حتى عصور الحضارة وخلالها هو في نفس الوقت تطور سد الحاجة الجنسية من الحرية المطلقة الى الكبت النسبي, وهو في نفس الوقت تراجع في منزلة المرأة من المساواة الحقة الى العبودية والتبعية.
لقد بدأ هذا عندما شرع الانسان في شرق الكرة الأرضية (العالم القديم) بترويض وتدجين الحيوانات البيتية(5). وكان هناك قبلئذ تقسيم عفوي للعمل بين الرجل والمرأة: الرجل في الغاب والمرأة في البيت, وكل سيد في ميدانه(6). وكان هذا التقسيم في العكمل قد حدد واشترط تقسيم الملكية بين الرجل والمرأة. وعندما اصبح لدى الرجل تلك القطعان الكبيرة من المواشي, احتل من جهة بسبب ثروته, المرتبة الأولى في البيت ايضاً, ومن جهة ثانية اصبح يحتاج الى قوة عمل غريبة. في السابق كان البدائيون يقتلون اسراهم او يضمون الى عشيرتهم كأخوة, لأن قوة عمل الانسان لم تكن لتعطي فائضاً ملحوظاً يزيد عن نفقات اعالته. لكن بعد تربية الحيوانات وزراعة النباتات(7) ازدادت الانتاجية, وظهرت الحاجة الى جعل الأأسرى والمستضعفيبن عبيداً يرعون القطعان المتزايدة ويقومون بغير ذلك من الأعمال المنتجة واللامنتجة.
وعندما بدأت الحضارة قضي على العائلة الثنائية (بسبب تسلط الرجل) وحلت مكانها (العائلة البطريركية) أحادية الزواج. الا أن هذه العائلة كانت تضم رقيقاً من الذكور والاناث فوق ذلك. وبما أن السلطة للأب (البطريرك) في هذه العائلة, فقد جعل من الجواري, زيادة على كونهن اداة عمل, كذلك زوجات له, زوجات من الدرجة الثانية. وهذا طبعاً لم يكن ليصح لجميع الرجال, لكن-في كل الأحوال- لرجال الطبقة العليا, للسادة. ولم يكن مجتمع الرق ليفتقد مرتكزاً دينياً في ذلك. فأكثرية الأديان حللت تعدد الزوجات, وكلها كانت تدعم النظام الرقي والاقطاعي القديم في استعمال الاماء (كموضوع جنس), بينما كان محظراً على المرأة مجامعة عبيدها.
زيادة على الاماء الواتي لم يتوفرن لكل رجل واللواتي زلن تدريجياً بعد عصر الرق, كان هناك البغاء. والبغاء او الدعارة, هي المؤسسة الاجتماعية التي أوجدها الرجل (مجتمع الرجال) لنفسه كمخرج من جحيم الحياة الزوجية المحدودة, كتعويض عن اللاحرية ومخرج من الملل الجنسي. فجماع نفس المرأة دون غيرها ذو لذة متناقضة, وقد يصبح اخيراً شيئاً عادياً لا لذة فيه. فمن البديهي بعدئذ الاندفاع الى التغيير والتجديد, وهذا يصح طبعاً بالنسبة للنساء ايضاً. في بلاد الاغريق (اليونان القديمة) مثلاً, كان البغاء مؤسسة حكومية, فكانت الدولة تشتري اناثاً اسيويات خصيصاً لهذا الغرض, وتحجزهن في بيوتات, جاهزة لاستعمال الرجال. هذا في حين أن (الخيانة) الزوجية, التي هي التعويض للمرأة عن القسر واللاحرية الجنسية, كانت محرمة ومدعاة لأشد العقوبات, بالنسبة للمرأة طبعاً.
بعد زوال النظام الرقي نهائياً (في نهاية المرحلة الأولى للمجتمع الاقطاعي القديم) وقعت الطبقة المتسلطة نفسها في الفخ, وبخاصة في المجتمعات التي لم تكن اديانها تسمح بتعدد الزوجات (أوروبا مثلاً). وهنا كان لا بد من ظهور ال Subculture(8) (بشكل البغاء واتخذا محظيات (عشيقات) الى جانب الزوجة الأصلية, مع ان هذا يتعارض مع التعاليم الدينية. ولكن بينما كان بامكان الطبقة المسيطرة (الاسرة المالكة والنبلاء الفرسان) التخلص من هذا التعارض مع التعاليم الدينيةبواسطة علاقاتها القوية بفئة رجال الدين (الذين هم من الطبقة المسيطرة) وارتباط الأخيرة اقتصادياً بطبقة الاقطاعيين والنبلاء, كان ابناء الطبقات الأخرى (وخاصة الفللحون التابعون) خاضعين كلياً للتعاليم الكنسية, كما كان قبلهم الأرقاء. في المجتمعات الأخرى, التي كانت اديانها تسمح بتعدد الزوجات (غرب اسيا, وشمال افريقيا), كان زوال الاماء لا يمثل للطبقة الحاكمة المالكة ازمة جنسية تستدعي بالضرورة نخافة صريحة للتعاليم الدينية, وخاصة ان نظام تعدد الزوجات مترافق مع نظام الطلاق. اما حالة الطبقات الاخرى (الفلاحين خاصة) فلم تكن افضل من ابناء طبقتهم في المجتمعات الاخرى, فهم لا يستطيعون الاستفادة من مخرج تعدد الزوجات ومخرج الطلاق بسبب فقرهم. لكن المقارنة تشير ايضاً الى ان التزمت الجنسي هنا كان اشد, اذ يختلف المثل (القدوة) الذي يقدمه كل من الارسقراطيين بعض الشيء (والناس على دين ملوكهم, في المجتمع التسلطي).
وهكذا نرى, ان الضرورة الاجتماعية المنطلقة من مصالح الطبقات المتسلطة التي امرت بتحديد العلاقات الجنسية, وارتكزت في أوامرها على قوة فوق-أرضية, هذه الضرورة توجهت اخر الامر مع تطور المجتمع البشري ضد حاجاتالطبقات المتسلطة نفسها كمجموعات من البشر, وان كان طبعاً بقدر اقل بكثير مما حدث للطبقات المحكومة.
في المجتمع البرجوازي-الرأسمالي يحدث تقارب اكثر بين الكبت الجنسي المفروض على البرجوازي, والكبت المفروض على البروليتاري. أولاًلأنه ليس هناك اماء, ثانياً لا يناسب هيبة البرجوازي الاجتماعية ارتياد دور البغاء باستمرار, خاصة وأنه يدعي تقديس الاسرة والحياة الزوجية المتسقرة, وأنه يعظ او يرسل من يعظ بالأخلاق الانجيلية أو القرانية او غيرها من الأخلاق الدينية. ثالثاً اصبحت النساء اكثر استقلالية من الناحية الاقتصادية وأكثر وعياً لحقوقهن. فليس من الغريب ان تتخذ الزوجة لنفسها عشيقاً, ان اتخذ هو (البرجوازي) لنفسه محظية.

(1) فريدريك انجلز: اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة.
(2) في كل الأحوال كان تبريرها دينياً او شبه ديني, يحدثنا فرويد في كتابه (طوطم وتابو) بأن الانسان البدائي (ممثلاً بالاسترالي الاصلي) كان ينسب نفسه وعشيرته الى (طوطم) وهو في العادة حيوان, ونادراً نبات او قوة طبيعية, وكان يعتبره الى جانب ذلك ملهمه والروح الحامية له... وحيث كان هناك طوطم, كان يحرم على جميع (ابناء) الطوطم الواحد الدخول مع بعضهم البعض في علاقات جنسية. فاذا كان الانتساب الى الطوطم عن طريق الأم (ماترياركية, وهي الأقدم في وجودها) يكون الجماع محرماً بين الأم وأبنائها, وطبعاً في كلا الحالتين يكون الاتصال الجنسي محرماً بين الأخوة والأخوات, لأنه محرم بين كافة اعضاء العشيرة.
بهذه الطريقة شبه الدينية (التي هيأت للأديان) المسماة Animism استطاع الانسان البدائي ان يحد من الزواج الجماعي. وفي تقديري لم تكن غاية البدائيين تحريم التزاوج بين افراد الأسرة (غير الموجودة انذاك) اي فيما بين اأولاد او بين الأولاد والأبوين, بقدر ما كانت الغاية تحديد الزواج الجماعي, تحديده ثم تعديله بعدئذ بشكل اكثر ملائمة. مع هذا التطور (في الوعي) كان هناك دون شك تطور متوازي نحو التسلط والتفرد بوسائل الانتاج ونشوء الطبقات.
(3) فريدريك انجلز: اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة.
(4) فريدريك انجلز: اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة. في ظروف محددةولفترة محدودة رافق اكتشاف الزراعة سيطرة المرأة وظهور الاسرة (الماترياركية) الأموية, وذلك عندا بدأت الزراعة اما المسكن وقامت بها المرأة, بينما كان الرجل لم يزل مشغولاً بالصيد, وبازدياد اهمية الزراعة اقتصاديا على الصيد سيطرت المرأة.
(5) يشترط في ذلك وجود بعض الفائض في الانتاج, وهذا ما سمح به حقاً اكتشاف القوس والسهم.
(6) هذه الحقيقة الواقعه تفتح مجالاً خصباً للاستنتاجات العلمية ظاهرياً, المعادية للمرأة فعلياً. مثال ذلك ان يعيد البعض هذا التقسيم في العمل الى طبيعة المرأة, فيبدو الأمر وكأنه (سنة الكون) او (قضاء وقدر) المرأة. ارجح شخصياً ان هذا التقسيم يتعلق بأن جسم المرأة هو المكان الذي يتسم فيه اتحاد المنويات بالويضات, وهو بالتالي يحمل الجنين لمدة تسعة اشهر, ثم بعد هذه الفترة تنقضي فترة اخرى لارضاع الوليد والعناية به, وما ان تمضي عدة اشهر بعدئذ حتى يأتي طفل اخر... واذن لم يكن تقسيم العمل عائداً لتفوق الرجل جسمياً او عقلياً, فليس هناك دليل قاطع على ذلك لدى الانسان البدائي. وما نراه من تفوق الرجل الان هو نتاج النظام الاجتماعي خلال الوف السنين.
(7) القاعدة, هو وجود تربية الحيوانات قبل اكتشاف الزراعة (وهناك شواذ, في الهند الغربية مثلاً) ويقدر ميلاد النشاط الاقتصادي الأول في حوالي 10 الاف سنة قبل الميلاد, اما الزراعة ففي حوالي 15 الف سنة قبل الميلاد.
(8) مجموعة مؤسسات ممنوعة قانونياً او اخلاقياً, رسمياً, تنشأ من أجل خرق الأنظمة السائدة او لتجاوز المؤسسات الرسمية في مجتمع بنظام محدد, وذلك لتسلط النظام وابتعاده عن سد الحاجات البشرية. يسكت عنها اعترافاً بمحدودية النظام ولكي تعمل كصمام امان.


كان وما زال للاسرة البطريركية أهمية كبيرة في تاريخ البشرية، فكل اشكال الاسر التالية منذ بداية الحضارة وحتى الان، وكل اشكال العلاقات الجنسية التي ظهرت مذاك وحتى الان، كانت تطوراً ونتيجة من العائلة البطريركية الأولى. من ناحية اعتمدت كل اشكال التسلط التي عرفتها البشرية منذ بداية الحضارة وحتى الان على الاسرة البطريركية وطابعها البطريركي، من ناحية اخرى رعت هذه النظم التسلطية بدورها الاسرة البطريركية وحافظت عليها وعلى طابعها. هذا ما دفع ويلهلم رايتش في كتابه (الثورة الجنسية) الى القول بأن (الاسرة البطريركيةهي المحل البنيوي والأيديولوجي لاعادة انتاج جميع الانظمة الاجتماعية التي تقوم على التسلط). فكيف يحدث هذا في الأحوال العادية؟
أولاً: الاسرة البطريركية تنتج الولد العبد، الهياب والمطيع لسيده وأبيه، ليس فقط من خلال سلطة الأب الفعلية في الاسرة، بل بقوة القانون ايضاً، وكأمر ديني علاوة على ذلك (وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة.. يا رضى الله ورضى الوالدين. حكاية ابراهيم وابنه اسماعيل كمثل صالح). الاسرة البطريركية تربي ابنها على الطاعة والخنوع، تعده ليكون فرداً من الرعية. بهذا تخلق ومن جديد امكانية تحكم حفنة من اصحاب السلطة بعامة الناس واستعبادهم، كما يقول رايتش. فطاعة سلطة معينة دون عقلانية، لا تبقى عند حد هذه السلطة، بل تتعداها الى طاعة هذه السلطة كسلطة، الى طاعة اي سلطة. واذا ما سمحت الظروف للعبد في التسلط، فلن يكون افضل من سيده، بل- في افضل الأحوال-نسخة عنه.
ثانياً: الاسرة البطريركية هي مؤسسة لتنظيم الجنس ولتقييده. هي مدرسة لتعليم الأطفال منذ الولادة على الكبت الجنسي (منعهم من مداعبة اعضائهم الجنسية مثلاً)، وتضرب بقسوة عندما ترى اي مظهر من مظاهر النشاط الجنسي لدى طفلها (مغازلة طفل من جنس اخر). في ذلك تعمل لاعادة انتاج نفسها، فتربي اطفالها (مقتدية بالتعاليم الدينية، كما ذكرنا) على ان ينشؤوا في المستقبل اسراً مشابهة. في سبيل ذلك تعلمهم وتفرض عليهم بعد البلوغ التنازل عن الجماع (الزنى، كما تسميه)، ثم دخول الزواج الاحادي مدى العمر. بهذا تقف الاسرة (معتمدةً على تبعية الأطفال كلياً لأبويهم) عائقاً اما الأطفال والأحداث في تفتح شخصيتهم وتكوينها بشكل صحي، وترغمهم على شكل خارج عن ارادتهم في تطوير النفس. وهي تملك لذلك وسائل قسر عديدة وفعالة، تمتد من الوعظ، مروراً بالزجر والعقوبة الجسدية والمضايقة الاقتصادية... الى الطرد وسحب حق الوراثة... هذا التأقلم القسري داخل الاسرة يجعل من الأطفال او الشبيبة متأقلمين مع الظروف السائدة خارج المنزل، مع البنية التسلطية في المجتمع.
ثالثاً: ان مؤسسة الزواج (وبالتالي الاسرة البطريركية مهما يكن شكلها: (استبدادية، رقية، اقطاعية، برجوازية) غير قادرة على اشباع الغريزة الجنسية للانسان، بل قد يكون لها مفعول عكسي بسبب عدم وجود تجربة جنسية سابقة وبسبب الاغتصاب الممكن بناءاً على ذلك في الليلة الأولى وبسبب الشح الجنسي الناتج عن طول فترة الصيام. هذا مع احتمال فشل التأقلم، او بتعبير اخر، اخفاق الطفل في الاستجابة لمتطلبات الوسط الاجتماعي (الاسرة بصورة خاصة) ووقوعه في التالي بأمراض عصابية التي تنتج من تصارع الحاجة مع المحرم، من تصارع الرغبة مع المنع. والنتيجة، مرض نفسي يشكل عصابة او معيقات نفسية، مثل: القرف الجنسي، كره الرجال من قبل المرأة او كره لنساء من قبل الرجل، الخوف المبهم (غير المعلل)، الشعور بالذنب... وغير ذلك.
زيادة على ذلك، يدعو الزواج الاحادي الى تثبيت الجنس في شخص واحد. هذا التثبيت يجعل من الجماع امراً عادياً، كما انه يعني في نفس الوقت التمسك اللاارادي بالزواج الأحادي، ويعني التبعية لشخص المثبت فيه جنسياً تصعب بعدها (وقد تستحيل) ممارسة الجنس مع اخر. واذن، فالنفور الجنسي والملل والشح الجنسي والعوائق النفسية للمارسة الجنس-وكل هذا من انتاج الزواج الاحادي في الاسرة البطريركية- يدل على ان الحاجة الجنسية لا تسد، او لا تسد كما يجب او تسد بشكل محرف، فتبقى طاقة كامنة يجب تحويلها، يجب صرفها بشكل او باخر.


ان هذا الكبت الجنسي، مسر بالنسبة للطبقات الحاكمة. انها تريد بواسطة الكبت الجنسي الناتج عما ذكرناه تحويل القدرة الزائدة نحو الانتاج والاستهلاك، والأصح: نحو نوع معين من الاستهلاك، وشكل معين من الاستهلاك. فالانسان المكبوت، ليس حقاً بقادر على العمل الخلاق مثل الانسان المشبع جنسياً، اذ ان الحرمان الجنسي يجعله في نفسية ووضعية فسيولوجية معيقة لمثل هذا العمل. وبالعكس، ليس الانسان المشبع جنسياً مستعداً للقيام بعمل مغترب، بعمل خارج عن ارادته، عمل لا يرى فيه تحقيقاً لانسانيته، بل يتطلب عملاً يتناسب مع امكانياته الجسمية والعقلية، يتوافق مع مواهبه ومهاراته، يقدم له بعض اللذة، ويسمح له بحد ادنى من التعلم والابداع بصورة مستمرة، الى اخره. ولهذا فان الانسان المكبوت هو الانسان الصالح بالنسبة للطبقة المسيطرة، لأنه انسان مسحوق يقوم بأي عمل يطلب منه، بأتفه واسخف وأقذر الأعمال. الى جانب صرف الطاقة الكامنة في اعمال مغتربة تخدم الطبقة المسيطرة، يدعو الكبت الجنسي ايضاً الى الاستهلاك كتعويض وسلوان عن الحاجة الجنسية غير المسدودة.
ولهذا أهميته في الاقتصاد الرأسمالي، الذي لا يكون فيه الانتاج مخططاً على اساس الحاجات البشرية الموجودة، بل يحاول فيه الرأسماليون تصريف السلع التي ينتجونها، سيان أكانت سلعاً مفيدة او ضارة، (تسد حاجة حقيقية أو موهومة)، المهم هو الحصول على اعلى ربح ممكن. وكلما كان الطلب او الاستهلاك أكبر، اصبح الربح أكبر. من اجل ذلك يستغل الرأسماليون المفعول التعويضي للكبت الجنسي من أجل زيادة الاستهلاك أو من أجل حاجات وهمية، فتتضمن دعاياتهم اجساماً عارية، أو مواقف مثيرةاو كلمات منبهة جنسياً. ولهذه السياسة التصريفية المستغلة للجنس مفعول عكسي، اي هي بدورها تؤثر على الموقف الجنسي والنظرة الجنسية للناس المعنيين بالتشويه والانحراف. فالمرأة العارية في الاعلان ليست امرأة عادية، بل في غاية الجمال الظاهري، والمواقف الجنسية المعروضة مفتعلة او خيالية رومانسية. وفي كلا الحالتين تعمل الدعاية لخلق تباين شاسع لدى الرجل المتفرج بين ما يحلم به او ينتظره وبين ما يجده او يعيشه، اما المرأة المتفرجة فعلى الأرجح ستحاول ان تكون كتلك المرأة في الدعاية وتبتعد بالتالي عن اصالتها او تستسلم وتزهد بنفسها. الى ذلك يجعل ربط الجنس بالسلع (بالبيع والشراء) ايضاً من الجنس نفسه سلعة، وهذا ما نود تسميته (تتجير المشاعر الانسانية)، او يجعل منه نوعاً من (خاتم سليمان). الملاحظ ايضاً في الدعاية التجارية الرأسمالية انها تعتمد اعتماداً شبه كلي على جسد المرأة واغرائها ورد فعلها. من ناحية تكرس بذلك نظرة المجتمع المهينة للمرأة كشيء جميل كالتحفة او اداة اغراء وغواية وكموضوع جنس (ليس كانسان جميل وقبيح، يغري الرجل ويغريه الرجل، كذات جنسية). ومن ناحية اخرى تنطلق هذه الدعاية من واقع ان المرأة تستطيع (ان بادرت) ان تحصل على الرجل بسهولة اكثر مما يستطيع الرجل الحصول على المرأة، اذ ان من قواعد لعبة الغزل الأساسية مبادرة واختيار الرجل وتمنع المرأة ثم قبولها أو رفضها... الحديث يطول في هذا المجال، المهم ان نعلم ان هناك مفعولاً عكسياً سلبياً للدعاية التجارية الرأسمالية (التي لا تبتغي مصلحة الجماهير وبالتالي لاأخلاقية) على النشاط الجنسي، في نفس الوقت تستغل هذه الدعاية حالة الكبت الجنسي لتصريف سلعها. وهذا الاستغلال يكون أكثر خطراً، عندما يريد الرأسماليون ترويج سلع جنسية مثل الكتب والأفلام والصور الجنسية، او عندما يكون لصالح اسواق الدعارة والفن الرخيص.
رابعاً: ومهما يكن، فلا بد ان تتحول الطاقة الجنسية المكبوتة الى (عدوانية) ايضاً. تنضم الى هذه عدوانية اخرى ناتجة عن الاضطهاد الذي يذوقه العامل المأجور (ايضاً المستخدم والموظف والمرابع) في عمله وفي احتكاكه مع اجهزة الدولة التسلطية (البيروقراطية). هذه العدوانية المزدوجة تصرف (اوتعاد كعدوانية) في الحياة الزوجية وفي الجو العائلي ضد الشريك الاخر (المرأة) وضد الاطفال*. والمرأة التي تلقى هذا الاضطهاد من الرجل مرغمة على صرفه في عدوانية ضد الاطفال، فهم الكائنات الوحيدة تقريباً التي تستطيع المرأة السيطرة عليهم. الأطفال يعانون من هذا الوضع، ولكن يتمثلونه نفسياً، ويربون بذلك تربية تسلطية تجعلهم في المستقبل اباء متسلطين وتهيئهم للعيش في مجتمع تسلطي. فالانسان المغترب ليس فقط قادراً (باللاشعور) على دحر او كبح حاجاته الجنسية، بل محقون ايضاً بأيديولوجية التقييد والكبت الجنسي كتبرير لحالته، ولن ينتج اطفالاً الا من هذه الشاكلة.

خامساً: في الاسرة البطريركية متعلقة اقتصادياً بالرجل (على سبيل المثال لا الحصر)، هذا التعلق الاقتصادي، مساهمتها القليلة المتواضعة في عملية الانتاج الاجتماعي تجعل من الاسرة والزواج بالنسبة لها كمؤسسة حماية. كمنفعلات مع الظروف تابعات للرجال تعلمن في مجرى الاف من السنين ان ينسجمن بكل سهولة مع ظروف جديدة، وهن لذلك اكثر قدرة على التأقلم من الرجال. لنأخذ مثالاً على ذلك من تاريخنا ومجتعمنا البطريركي: تعيش البنت حتى زواجها في بيت أهلها، وفجأة يأتي مجهول ليخطبها من أبيها، وبين ليلة وضحاها تجد نفسها في عالم غريب، بين بشر لا تعرفهم، وتلعب دوراً لم تختبره من قبل. فهي اذن مرغمة على التأقلم مع ظروف الرجل. والان اذا (راكمنا) هذه التجربة خلال قرون من الزمان، وعلمنا أن المرأة الحالية تتمثل هذه التجربة التاريخية والتجارب ذات المفعول المشابه عن طريق الاسرة والمجتمع وكل النساء التي تتصل بهن، توصلنا الى أن المرأة بصورة عامة حقاً اكثر تأقلماً وبالتالي أكثر ميلاً للحلول الوسط والطرق السهلة الانتهازية وللتقليد من الرجل.
معاقة من قبل الظروف الاجتماعية-المتمثلة بالزواج والمشخصة من الرجل-تقبل المرأة اذن بدورها كأم و(ربة بيت) وتدخل الزواج، حيث تجد الرعاية لها ولأطفالها. هذه الحماية والرعاية تشكل التقييد الأول للرجل: عليه ان يقدم وسائل الحياة للمرأة والأطفال، فهو المسؤول الوحيد. ومن هنا يأتي التقييد الثاني والأخطر: تطمح المرأة لضمان هذه الرعاية وتحسينها، وهي لارتباطها بمنزلة زوجها الاجتماعية وبدخله ذات مصلحة في ان يكيف الرجل نفسه حسب الظروف، والا يعارض بأي شكل من الأشكال الظروف السائدة، بل ان يقوم بكل شيء يؤمن دخله ويزيده، يحفظ من منزلته الاجتماعية ويرفعها-دون اي مجازفة- ضمن علاقات الملكية والسلطة القائمة. وهنا تحدث المفارقة: ينقلب بذلك تسلط الرجل على المرأة الى تسلط للمرأة على الرجل، هذا اذا اراد الرجل لملجأه ومرفهه (الزواج والأسرة) الدوام، وفي الواقع يفرض عليه مجابهة، او لاشعورياً، ان يريد ذلك. فلا يقتصر الأمر على التكيف مع الظروف السائدة-كنتاج للأسرة البطريركية خلال الوف السنين-، فهي لن تقاوم اي تسلط اجتماعي، بل يتعداه الى ارغام الرجل كذلك للخضوع للوضع الراهن والسلطة القائمة. وليس اقل أهمية من هذين العاملين كون الأطفال ينالون في التربية الأموية (لاحتكاكهم الدائم معها) مباشرة تأثير الروح الخاضعة للنظام السائد، انهم نتاج وسط يثبت السلطة والتقسيم الطبقي للمجتمع.

هذا هو باختصار دور التنظيم الجنسي بيد الأنظمة الطبقية، وقد عرضنا اهم ملامح الالية التي يعمل على حسابها ادراج integration المضطهد في نظم استلاب الانسان. فهل تستطيع الحركة الثورية ان تعمل شيئاً مضاداً؟
هناك علاقة سببية بين الاضطهاد الاقتصادي والاضطهاد الجنسي. فالكبت الجنسي اوجد، كما رأينا، من اجل امتلاك واستغلال قوة العمل البشرية (اي من اجل الاضطهاد الاقتصادي). وأنه يمكن القول انه بزوال الاضطهاد الاقتصادي لا يبقى للكبت الجنسي اي اساس موضوعي. لكن لا يجوز النظر للأمر ميكانيكياً، فللمؤسسات الاجتماعية والأوامر الأخلاقية قوة استمرار، نابعة من انفصالها واستقلالها كمظهر ايديولوجي عن دواعي نشوئها. لكن هذا لا يدوم ابداً.
وهناك ثانياً، علاقة عكسية: فبعد النجاح بالاضطهاد الجنسي عن طريق الدين والاسرة والمدرسة والقوانين الطبقية، يظهر مفعول عكسي للجنس على الاقتصاد، فيؤدي الكبت الجنسي الى تدعيم الاضطهاد الاقتصادي ويؤثر فيه.
ثالثاً، هناك فارق جوهري كبير بين تأثير كل من الاضطهادين: فلو أخذنا ك منهما على حدا، فسنرى ان زيادة الضغط الاقتصادي تؤدي الى زيادة رد الفعل، الى الانفجار (كما يقول القانون الفيزيائي)، بينما تؤدي زيادة الضغط الجنسي الى العكس تماماً، اذ تعمل كمعيق ومثبط لرد الفعل الثوري، للصراع الطبقي. السبب في ذلك، هو تمثل الانسان للضغط الجنسي، اي نقله الى اللاشعور بطريقة ما يسمى الكبح او الكبت Repression (اي دحر الحاجة الجنسية باطنياً، الى الداخل)، ثم تصريف هذا الضغط الجنسي المخزون في العقل الباطن كطاقة زائدة بشكل اخر غير الشكل الاخر للحاجة الجنسية الذي يعبر عنه الجماع (عدوانية، رياضة، جنون الموضة، زيادة الاستهلاك عامة او من مادة معينة) ثم يعزز هذا كله كتبرير بمقاومة خلقية، بالأخلاق المعادية للجنس (على مبدأ ان يجعل المرء من الضرورة فضيلة).
رابعاً: هناك فرق جوهري اخر بين الاضطهادين المذكورين، فالاضطهاد الاقتصادي موجه الى الطبقة الادنى في المجتمع، بالدرجة الأولى الى: طبقة العبيد في مجتمع الرق، الفلاحين التابعين في المجتمع الاقطاعي، البروليتاريا في المجتمع البرجوازي. اما الاضطهاد الجنسي فهو موجه الى جميع افراد المجتمع (ضمن الحدود التي ذكرناها سابقاً)، وان كان دعم النظام الطبقي اهو وظيفة له. اعتماداً على ذلك يمكن التحدث عن وعي نفساني-جنسي (ذاتي) وعن وعي اجتماعي-اقتصادي (موضوعي) دون نسيان العلاقة القوية بينهما، وهذا التفسير يسمح لنا بتفسير ظاهرة تمرد جماهير من ابناء البرجوازية (الشبيبة البرجوازية) على ابائهم ونظامهم الرأسمالي، وتحولها الى صف اليسار. وهذا يفتح نافذة على المجال الاخر الذي يجب ان تلعب فيه الحركة الثورية دورها، وخاصة في بلادنا. ففي السنوات العشرين الماضية كانت حركة التوعية والتنوير في مجال البناء التحتي (المجتمع، الاقتصاد) قوية نسبياً، في حين ان الاهتما بالتوعية والتنوير في مجال البناء الفوقي (الدين، الجنس، الأخلاق) ضعيفاً، لدرجة نرى فيها ان شيوعيين ما زالوا متمسكين بالأخلاق الرجعية وبعادات وتقاليد طبقية بطريركية، مؤازرين بذلك الطبقات المتسلطة التي يدعون محاربتها.
لا عجب بعد هذا، ان تتمسك الدولة-الحامية لمصالح الطبقة المتسلطة- بالأخلاق السائدة المعادية للحرية الجنسية، ولا عجب ان تعطيها صفة التنزيل والقدسية، لأنها تنبه بذلك وجداناً موهوماً من انتاج ضعف الانسان وبؤسه وغربته. هذا الوجدان الموهوم يعطيه ايضاً التبريرات الخلقية لعجزه، فيجعل من الضرورة فضيلة.

طباعة الكترونية: مالك ابوعليا/اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الأردني

الدين والجنس والصراع الطبقي, بوعلي ياسين



#اللجنة_الاعلامية_للحزب_الشيوعي_الاردني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صداقة هنريتش هاينه بكارل ماركس وزوجته, الصداقة الأبدية
- ظهور الحياة على وجه الأرض
- بعض الأسباب التاريخية لانبثاق ما يسمى (الاشتراكية العربية, ا ...
- سلسلة تاريخ نشوء الماركسية
- سلسلة مادية فويرباخ الانثروبولوجية.
- الأخلاق عند ماركوس اوراليوس
- (البراغماتية) في الأخلاق
- الأخلاق عند جان بول سارتر
- (الصداقة), سويولوجياً, سيكولوجياً وأخلاقياً
- تجربة في ظل الاشتراكية الحية... بلغاريا آنذاك والآن
- الأمر القطعي (Categorical Imperative)
- الأمانة, كخصلة خلقية
- وجهة نظرنا في (الغاية تبرر الوسيلة), أخلاقياً (الأهداف والوس ...
- الأيديولوجيا في دول الطرف الرأسمالي
- التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الإقطاعية
- محاولة لقراءة ماركسية, للمملكة العربية السعودية.
- تربية الذات اخلاقياً:
- ما هي (البطولة), من وجهة نظرنا؟
- بعض جوانب النزعة اليسارية المغامرة
- التفاني Devotion


المزيد.....




- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني - مقاطع من كتاب، الدين والجنس والصراع الطبقي، بوعلي ياسين