أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني - سلسلة تاريخ نشوء الماركسية















المزيد.....



سلسلة تاريخ نشوء الماركسية


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني

الحوار المتمدن-العدد: 4362 - 2014 / 2 / 11 - 10:44
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


1- ضرورة تاريخية:
لماذا ولدت الماركسية حوالي منتصف القرن الماضي, وليس قبل مئة عام من ذلك التاريخ؟
يقال انه لكي يتمكن الناس من تثمين (هملت) شكسبير, كان يقتضى ان تكتب هذه المسرحية. وهذا صحيح, ونود أن نذكر فقط بأن هذا العمل الرفيع لم يكن من الممكن ان يبصر النور في اي عصر كان, ولا في اي بلد كان. فهو انعكاس لوضع تاريخي واجتماعي موضوعي, اي لوضع مستقل عن ارادة وادراك وعبقرية شكسبير ذاته.
ان مجال العلوم هو اكثر تعقيداً كذلك. ومع ذلك, فان مبادئ الميكانيك العقلاني, لو لم يعلنها اسحق نيوتن لأعلنها باحث اخر أو جماعة من رجال البحث, الأمر الذي لا يقلل بالتأكيد من عظمة ذلك الذي اكتشفها.
وفي سياق هذه الأفكار, يمكننا التساؤل ما اذا كانت النظرية التي نحن مدينون بها لماركس وانجلز, كان من الممكن ان يبدعها مفكرون عظام اخرون. ان المنطق يجبرنا على الرد بالايجاب.

2- المقدمات الاقتصادية الاجتماعية لظهور الماركسية:
ان النظرية الماركسية قد ظهرت بعد تطور طويل للمجتمع الرأسمالي الذي تعود ولادته كما هو معلوم الى القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
وفي حوالي نهاية القرن السادس عشر, فان الثورة الهولندية بخلعها نير اسبانيا الكاثوليكية قد فتحت اما هولندا البروتستانتية, طريق التطور الرأسمالي الحر.
وقد عجلت الثورة البرجوازية الانجليزية في عام 1648, التي كانت ايديولوجيتها تستلهم الدين, عجلت بصورة فريدة تقدم الرأسمالية في أوروبا. فالفردوس الذي كان البوريتانيون الانجليز يحلمون بانشائه على الأرض لم يكن سوى صورة للمجتمع البرجوازي اعطي صورة مثالية.
ولكن انما في عام 1789 شهدت اوروبا تحقق ثورتها البرجوازية الأكثر جذرية: ان النزاع السياسي بين فرنسا الارستقراطية الاقطاعية وعامة الناس, قد بلغ درجة من الحدة لم يسبق لها مثيل. فانتصار الثورة البرجوازية الفرنسية دشن السير المظفر للرأسمالية عبر القارة الأوروبية, وعصفت ريح التحرر بالأكثرية الكبرى من امم العالم.
ان الثورة الصناعية التي حدثت في القرن الثامن عشر في انجلترا كانت نتيجة للالغاء الثوري للاقطاعية في انجلترا وفرنسا, وأدت الثورة الصناعية الى زيادة هائلة في انتاج الخيرات المادية ومردود العمل, وقد نوه ماركس وانجلز بالدور التقدمي الذي لعبته البرجوازية انذاك.
ومن عام 1830 الى عام 1847, ارتفع عدد الماكينات البخارية في فرنسا من 625 الى 4853, وارتفع استخراج الفحم من مليون و760 الف طن الى 5 ملايين و153 الف طن, وتضاعف انتاج الحديد والفولاذ ثلاث مرات, الا أن هذا النهوض للانتاج وهذه الزيادة الخارقة لمردود العمل لم يحسنا مع ذلك من وضع الجماهير الكادحة, وعلى العكس, فان هذا الواقع الجديد, كان يبرز لوحة مخيفة: تكديس للثروات في قطب من المجتمع, وبؤس في القطب الاخر, وفوضى في الانتاج, وتحول صغار المنتجين الى بروليتاريين, واستثمار للعمال في ذلك الأطفال والنساء ببالغ الوقاحة, وظروف سكن رهيبة للبروليتاريين, وغرامات فاحشة, وكل نوع من انواع الاضطهاد.
وفي الاربعينييات من القرن التاسع عشر كان العامل الفرنسي يعمل احيانا كثيرة 18 ساعة في اليوم, وفي كولونيا, فان شخص من كل اربع اشخاص من السكان كان يعيش على الصدقات.
ان البرجوازية, بعد ان تولت القيادة السياسية, اتجهت ضد الطبقة العاملة الراغبة في تحسين مصيرها بطرق عدة, واصبح الصراع بين البرجوازية والبروليتاريا حاسما.
ومنذ القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر, وهي الحقبة التي دعم فيها البروليتاريون البرجوازية ضد الارستقراطية الاقطاعية, شرع هؤلاء يدركون ان مصالحهم تتعارض مع مصالح الرأسماليين.
ومنذ نهاية القرن الثامن عشر, اعلن الاضراب في انجلترا من اجل تخفيض يوم العمل وزيادة الاجور. وفي 1819, أمرت الحكومة البريطانية باطلاق النار على العمال الذين جاؤوا يتظاهرون قرب مانشستر.
وفي بلاد الغال, انتهت الاجتماعات العمالية في 1839 ضد ويلات الاستغلال, بانتفاضة شعبية.


3- الفلسفة الكلاسيكية الألمانية:
ان النقاد البرجوازيين للماركسية, يصورونها احياناً كثيرة مجرد رفض لكل الحاصل المكتسب من القيم الفكرية والثقافية. وفي الواقع, نقرأ في كتاب (الاسس الايديولوجية للشيوعية) بقلم فالك: :ان الاسس الايديولوجية للشيوعية هي انكار متعمد للتراث الفلسفي الذي لا يقدر بثمن والذي كرس خلال الفي سنة من الحضارة).
ولا حاجة للتعليق على هذا المقطع, فانه ما سنورده في هذه السلسلة ستكذب المؤلف في نفس الوقت الذي ستحمل فيه كما نأمل, براهين كافية على أن الماركسية لم تولد على هامش التقدم الانساني, وأن عظمة عبقرية ماركس وانجلز, تتلخص بالدرجة الأولى, بأنها اعطت الجواب على الأسئلة التي سبق ان طرحها المفكرون التقدميون, وأن النظرية الماركسية تشكل امتداداً حياً ومباشراً لعمل اسطع ممثلي الفلسفة, والاقتصاد السياسي والاشتراكية الطوباوية, فما هي اذن علاقة الماركسية في الفلسفات التي سبقتها؟

حقق الفكر الفلسفي مع اوغست كانت, جوهان جوتليب فيخته, فريدريك شيلنغ, جورج هيغل ولودفيغ فويرباخ, في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر عملاً هائلاً, وتشكل الفلسفة الكلاسيكية الألمانية أحد مصادر الماركسية.
ان ما يعطي لهذه الفلسفة عظمتها هو مذهبة دياليكتيك المعرفة والدياليكتيك بصورة عامة. ان هيغل, رغبة منه في اثبات شمول العلاقات الدياليكتيكية وقيمة هذا الاسلوب من التفكير باعتباره اسلوباً شاملاً للبحث قد جعل منه علماً, الأمر الذي يميز هذا الشكل الرفيع من الفلسفة ما قبل الماركسية, ويميزه عن كل الأشكال السابقة. وفي الواقع, ففي العصور القديمة وخلال النهضة, وفي بداية العصر الحديث لم يكن الدياليكتيك نظرية, اي مجموعة مكونة من المفاهيم, بل كان حقلاً ذا ملامح غير واضحة, حيث كان يعثر على افكار مشتتة ومسائل مطروحة, وتخمينات عبقرية, كان الفضل يعود فيها في الكثير من الأحيان الى المراقبة المباشرة للطبيعة. وقد قال لينين انه من المادية الغيبية (الميتافيزيائية) (الغريبة عن فكر الحركة الشاملة) للقرن الثامن عشر, الى المادية الدياليكتيكية فان الانتقال كان مستحيلاً لولا الفلسفة الكلاسيكية الألمانية. وكتب يقول: ( ان ماركس لم يتوقف على مادية القرن الثامن عشر, ودفع الفلسفة مسافة اكبر الى الأمام. وقد اغنى مكتسبات الفلسفة الكلاسيكية الألمانية, وخاصة مذهب هيغل, والذي ادى بدوره الى مادية فويرباخ. ان المكتسب الرئيسي بين هذه المكتسبات هو الدياليكتيكية, اي نظرية التطور, في أكمل جوانبها, وأعمقها, وأكثرها خلواً من التزمت, نظرية نسبية معرفة الانسان, التي تعكس المادة التي هي في تطور دائم).

ولا يمكن ان نفهم الدياليكتيك حقاً دون أن نأخذ بعين الاعتبار عصر الثورات البرجوازية وانهيار المجتمع الاقطاعي بنظامه المتيبس للعلاقات الاجتماعية الذي دمرته الرأسمالية في مهلة قصيرة نسبياً. وقد انشأ فروعاً اقتصادية جديدة, وطبقات اجتماعية جديدة, واضفت اندفاعاً شديداً على تقدم العلوم الطبيعية. وكان ذلك نهاية الأيديولودجيات التي فات زمانها. ان الخنوع الذذي نادت به الكنيسةقد ترك مكانه للتفاؤل المتبصر للعقل. وقد كتب هيغل يقول: (كل ما هو واقعي هو عقلاني, وكل ما هو عقلاني هو واقعي).
وانطلاقاً من شمول التطور والتغير, سعى لاكتشاف قوانين التقدم الانساني وامكانية اعادة التنظيم العقلانية للحياة الاجتماعية.

أ- المثالية الدياليكتيكية الهيغيلية:
من الفكرة الأساسية لفلسفة هيغل القائلة, بأن العالم هو في تطور دائم, ومن ثقته المطلقة بالعقل البشري, كان ينبغي الاستنتاج بأن النضال ضد الظلم والشر الاجتماعي, يرتبط بالقانون الشامل للتطور الدائم, وأنه بالتالي عقلاني وضروري. وفي كتاب (المنطق), مؤلفه الرئيسي, ابرز هيغل, العلاقات الدياليكتيكية والتحولات المتبادلة للمفاهيم الفلسفية والعلمية, كالكائن, والعدم, والكمية والنوعية, والمتناهي واللامتناهي, والجوهر والظاهرة, والمطابقة والتباين, والضرورة والاحتمال, والحرية والضرورة, والذاتية والموضوعية, والمثل الأعلى والواقع, والعام والخاص الخ.
ومن غير أن يكتفي ببحث المفاهيم المتضادة, ولكن التي تشكل وحدة, بنى سلماً للمفاهيم التي يمثل كل منها مرحلة اجتازها الفكر الذي يعرف ذاته ويتطور, اي المبدأ الروحي المتجسد في الطبيعة. وقد خرق هيغل حدود المنطق الشكلي, حيث المطابقة هي تجريدية دائماً ( "أ"="أ", والشجرة هي الشجرة الخ) في حين ان كل اقتراح مثل (الوردة هي زهرة) يخرجنا من اطار المطابقة البسيطة ويبين لنا وحدة (المطابقة والتباين), اي التناقض. وقد انتقد هيغل المنطق الشكلي بسبب تفسيره الضيق للتناقض (عدم توافق الاقتراحات التي ينفي أحدها الاخر) فكتب يقول: (ان ما يحرك العالم بصورة عامة هو التناقض. ومن السخرية القول بأنه لا يمكن تصور التناقض).
ويقول هيغل, بأن التناقض ليس شيئاً غير طبيعي, وليس نقصاً أو عيباً, بل هو العلاقة المتبادلة, والتبعية المتبادلة للجوانب والأوصاف المتعارضة (مبدأ كل حركة عفوية). فاذا كانت ظاهرة ما, تنطوي على تناقضات, فهذا يعني أنها تتطور. وكتب هيغل (وبالتالي, فان كل شيء قابل للحياة, وذلك فقط بمقدار ما ينطوي على تناقض ويمثل قوة قادرة على صده وعلى تحمله).
ان الدياليكتيك الهيغيلي, الذي بني على تخمينات مثالية, وبالتالي خاطئة, هو مع ذلك نظرية للتطور, النظرية الأكثر تكويناً وكمالاً في عصرها. وكما كتب ماركس, (فبالرغم من أن هيغل, بسبب خلطه بين الأشياء يشوه الدياليكتيك بواسطة الفلسفة الباطنية فهو أول من عرض حركة الشمولية مع ذلك, فعند هيغل يسير الدياليكتيك على رأسه, ويكفي أن يوضع على قدميه كي نجد له مظهراً معقولاً تماماً).
وفي المذهب الهيغيلي فان التطور هو تطور الفكر, وهذا التعبير لا يشير الى النشاط الروحي للانسان, بل الى المبدأ الروحي للطبيعة, المبدأ الذي يتطور, والذي يشكل الفكر الانساني في أرفع تجلياته, ولكن ليس التجلي الوحيد. وخلافاً لهيغل, الذي تجاهل مذهبه تطور المادة والطبيعة, فان دياليكتيك ماركس وانجلز هو علم للتطور الشامل, علم القوانين العامة للطبيعة وللمجتمع والفكر الانساني.
ان (وضع الدياليكتيك على قدميه) كان يعني تحميله المحتوى الحقيقي الذي استمده مؤسسا الماركسية من العلوم الطبيعية والاقتصاد السياسي والتاريخ.

ب- المادية الانثروبولوجية للودفيغ فويرباخ:
انتهت الفترة الكلاسيكية للفلسفة الألمانية مع لودفيغ فويرباخ, الذي خدمت ماديته ماركس وانجلز من أجل دعم انتقادهما للمثالية الدياليكتيكية الهيغيلية. وقد عارض فويرباخ مذهب هيغل بمادية انثروبولوجية تعتبر الفكر بمثابة قدرة للانسان ترتبط ارتباطاً لا ينفصم بالصورة التي تحملها اليها الحواس عن الواقع المادي الخارجي وبمجمل الاحساسات والانفعالات التي يشعر بها.
ان انسان فويرباخ الذي هو تتويج لأعمال الطبيعة, يعيش في اتحاد معها. الا أن هذا الاتحاد وكذلك غنى وتنوع الوجود الفردي, يفسران تفسيراً مستمداً من الفلسفة الطبيعية, ولدى التشديد على الجانب الاجتماعي للكائن الانساني, فقد وضع فويرباخ قبله العشيرة والوحدة البيولوجية للنوع, والحالة الجنسية, وكل ما تتضمن من علاقات بين الرجل والمرأة وبين الأهل وأولادهم, الخ. وقد سعى لابراز الفروق النوعية (الانثروبولوجية) التي توجد بين الانسان والحيوان, حتى فيما هو مشرك بينهما (الأحاسيس والغريزة التكوينية) ولكن دون أن يتمكن من تقدير قيمة الدياليكتيك الهيغيلي, ودون ان يفهم ابداً انه كان من الممكن, ويجب تخليصه من شوائبه المثالية.
ان انثروبولوجية فويرباخ, كانت تنطوي على بذور مفهوم مادي للوقائع الاجتماعية, وبصورة خاصة عن الدين الذي يشكل انتقاده العنصر الأساسي لعمل هذا المفكر, وخلافاً للماديين الفرنسيين في القرن الثامن عشر, ودون الاكتفاء بتفسير بقاء الدين بالجهل والأكاذيب, سعى الى أن يتلقف في المعتقدات انعكاساً لوجود الانسان والامه وتطلعه الى السعادة. بالرغم من ان فويرباخ نقد الدين, الا انه لم يستطع اختراق سر المناشئ الاجتماعية للدين, التي هي مناشئ تاريخية, اي يمكن تجاوزها, وحين بنى مذهبه الالحادي, فهو قد رضخ مع ذلك لاغراء انشاء دين جديد, دون اله, ان الحاده غير كامل اذاً.
ان فويرباخ, الممثل البارز للمادية الألمانية ما قبل الماركسية, هو واضع فلسفة تكمن اهميتها بالدرجة الأولى في انتقاد عميق للمذهب الهيغيلي, المذهب الأعظم مكانة من كل النظريات المثالية, وقد كان خطؤه الأساسي انه لم يفهم دياليكتيك هيغل.
ان عالم فويرباخ يحتوي على الوعد, ولو أنه وعد مبهم جداً, بطرق جديدة للأبحاث الفلسفية التي تطورت بعد ذلك على اساس اجتماعي مختلف بصورة جذرية, وهذا ما يفسر التأثير الذي مارسه (شأنه شأن هيغل) على ماركس وانجلز في فترة نشوء مفهومهما عن العالم.

4- الاقتصاد السياسي الانجليزي:
هناك مصدر اخر للنظرية الماركسية, هو الاقتصاد السياسي الانجليزي الذي دشن مع ادم سميث (1723-1780), وديفيد ريكاردو (1772-1823) في حدود القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, على النطاق العالمي, مرحلة عظيمة من الأبحاث في هذا المجال.
ان ما يعطي الأهمية التاريخية لنظرية سميث, وريكاردو, هو أنها, خلافاً للنظريات السابقة, لم تكن تعتبر الثروة الأساسية للمجتمع البرجوازي في ذلك العصر المعادن الثمينة المكدسة بفضل فرق اسعار البيع وأسعار الشراء, وبفضل التجارة الخارجيسة (مبدأ الربح المفرط في التجارة), ولم تكن تعتبر ايضاً انها تأتي من مجرد مضاعفة منتجات الزراعة وتربية الماشية, بل من العمل. وليس فقط من العمل الزراعي, بل من العمل بصورة عامة.
وقد ارسى ادم سميث, وديفيد ريكاردو اسس نظرية قيمة العمل التي تقول, خلافاً لما كان يعتقد من سبقوهما, أن القيمة (وبالتالي الأسعار) لا يقررها لعرض والطلب في السوق, ولا تقررها كمية النقد المتداول, ولا تقررها المنفعة الفعلية لهذه البضاعة او تلك, بل فقط, كمية العمل الضروري اجتماعياً الذي تنطوي عليه المنتجات.
ومن هذه الحقيقة, مهما بدت بسيطة لأول وهلة, كان ينبغي استخلاص استنتاج رئيسي, وهو أن دور قوة العمل, أي دور الشغيلة, هو دور حاسم في انتاج الثروة الاجتماعية التي كان يستولي على القسم الأكبر منها اصحاب الرساميل, في حين ان المنتجين كانوا يعيشون في بؤس.
وفي كتابه, (تاريخ المبادئ الاقتصادية), استشهد ماركس بمؤلف مجهول, انتقد في عام 1832 بالتعابير التالية الاقتصاديين الانكليزيين: (ان النظرية, التي تجعل من العمل المصدر الوحيد للثروة, هي خطرة بمقدار ما هي زائفة, لأنها تعطي نقطة ارتكاز الى اؤلئك الذين يدعون أن الملكية كلها تعود للطبقة العاملة التي تسرق الطبقات الحاكمة قسماً منها).
وبالطبع, فان النظريين الانجليز, كانوا بعيدين هم انفسهم عن الرغبة في استخلاص مثل هذه الاستنتاجات. واقتناعاً منهم بفضائل اسلوب الانتاج الرأسمالي, فهم لم يلاحظوا تناقضاته العميقة. وباعتقادهم أن قانون القيمة هو دليل على الطابع العقلاني والعادل للرأسمالية, النظام الذي يباع ويشترى فيه كل شيء بقيمته الحقيقية.
ان روح الاقتصاد الكلاسيكي الانجليزي, هي روح الرأسمالية التي تريد ان تتوطد وتدوم, والتي تعتبر علاقاتها الاجتماعية ونظامها الاقتصادي كأشياء كاملة, وطبيعية, لا يفوت زمانها لأنها تتفق والجوهر الانساني والعقل.
وهذا الجهل, للطابع التاريخي لاسلوب الانتاج قد منع نظريي الاقتصاد الكلاسيكي الانجليزي من الادراك العلمي لمناشيء الرأسمالية وتناقضاتها الداخلية, وهي تناقضات تناحرية اعادتها الى ابعادها الحقيقية, مرحلة من التاريخ. ومع ادراكهم أن الربح والريع والفوائد هي عناصر مكونة للقيمة, فلم يكن بوسعهم اكتشاف منشأ القيمة الزائدة (فائض القيمة). فالكشف عن ذلك كان يعني طرح العلاقات الرأسمالية على بساط البحث والكشف عن التناقات والطابع الانتقالي لاسلوب الانتاج الموضوع من قبل البرجوازية, وتبيان أن القيمة التي يخلقها العامل تتخطى كثيراً قيمة قوة العمل (الأجر) وانه بالتالي من اصل مجمل القيمة المنتجة, لا يدفع الرأسمالي سوى قيمة قوة العمل ويستولي على كل ما تبقى.
ويبدو كشيء غريب أن الاقتصاديين البرجوازيين المتعلقين جداً بالرأسمالية قد استطاعوا تأسيس نظرية سعى معاصروهم الأحدث سناً لاستخدامها من اجل المجتمع الرأسمالي, الأمر الذي ادى الى تلقيب ريكاردو دون وجه حق من قبل اخصامه ب(ابي الشيوعية). وكل شيء يجد تفسيراً له مع ذلك اذا تذكرنا انه في ذلك الوقت فان التناقض بين البروليتاريا والبرجوازية, كان بالكاد قد ارتسم, ولم تكن الطبقة العاملة بعد, قوة اجتماعية تهدد الرأسمالية في وجودها ذاته. وعلى العكس, فقد دعمت البرجوازية ضد الارستقراطية الاقطاعية. ان نظرية قيمة العمل, كانت تستهدف مباشرة الارستقراطية الاقطاعية لأنها كانت موجهة لاثبات أن كل قيمة وكل ثروة تأتي من الانتاج المنظم من قبل البرجوازيين, وأن ارستقراطية الأرض التي تستهلك دون ان تنتج شيئاً, هي طبقة طفيلية.
وفي عهد كانت فيه التناقضات الطبقية بالكاد قد ارتسمت داخل المجتمع البرجوازي, فقد كان الاقتصاد السياسي لا يزال قادراً على تكوين مفاهيم علمية. وبالتالي, فنظراً لاشتداد النزاع بين البروليتاريا والبرجوازية, فقد تحول الاقتصاد السياسي الى اقتصاد سمي بالاقتصاد المبتذل, رفض نظرية القيمة, وكرس نفسه للمدح المطلق للانتاج الرأسمالي الذي صوره بمثابة تعاون وانسجام بين الطبقات.
وقد سار تلاميذ ريكاردو شوطاً ابعد ايضاً بتبنيهم أولاً مبدأ مالتوس اللاعلمي الذي اخفى الأسباب الحقيقية للبؤس مفسراً فقر الشغيلة بازديادهم العددي, وبافتقارهم للاعتدال, ثم مبدأ جون باتيست ساي, الاقتصادي الفرنسي التافه الذي قال بأن عمل العامل, لا يخلق سوى الأجر الذي يحصل عليه, في حين ان الربح الرأسمالي والريع العقاري يخلقهما الرأسمال والأرض, وفي هذه الحركة الرجعية, فان الاقتصاد السياسي البرجوازي قد فقد بالضرورة عناصر المستوى العلمي التي كانت لا تزال تظهر لدى نظريي الاقتصاد الكلاسيكي الانجليزي. ان وقائع جديدة دائماً جائت تحطم مبادئ الاقتصاديين التافهينحول انسجام المصالح المزعوم بين العمل والرأسمالي, وحول تطور المزاحمة الحرة باعتبارها مصدراً للازدهار العام. ان سيموندي وبرودون اللذين كانا يمثلان قسم المجتمع المحكوم عليه بالخراب, والتحول الى بروليتاريا من قبل الرأسمالية الصناعية, لدى انتقادهما النظريات البرجوازية قد فضحا التناقضات البارزة للتقدم الرأسمالي, الا ان هذين الاقتصاديين البرجوازيين الصغيرين, غير القادرين على الارشاد الى وسائل التغلب على هذه التناقضات قد اعطيا صفة مثالية للماضي, وناديا بالعودة الى الاقتصاد البدائي البضاعي. ومن اجل تحطيم هذه الحلقة المفرغة, كان ينبغي انتظار ظهور الاقتصاد العلمي لماركس وانجلز.


5- الاشتراكية الطوباوية:
ان المصدر الثالث للماركسية هو الاشتراكية الطوباوية, التعبير المشتق من (يوتوبيا) الشهيرة لتوماس موريس (1478-1535), (البلاد الخيالية), هذا المؤلف الذي نشره الفيلسوف الانجليزي الكبير في بداية القرن السادس عشر, والذي ندد فيه بشراسة بتعسف الارستقراطيين. وقد عارض وقائع بلاده, حيث كان الملاكون يطردون الفلاحين من اراضيهم ويدمرون بيوتهم لكي ينشؤوا مزارع لتربية الخراف موجهة الى تموين معامل الجوخ التي كانت في أوج اتساعها, عارضها بصورة مجتمع مثالي يجهل الملكية الخاصة, والثروة والبؤس والبطالة والعمل المضني. وفيما بعد, رسم الفيلسوف الايطالي توماس كامبانيلا (1568-1639) في كتابه (حاضرة الشمس), خطط مجتمع جيد التنظيم يقهر البؤس والجهل واللاأخلاقية ويقوم على الملكية المشتركة. وبنفس الروح نظر الى المستقبل الاشتراكيون الطوباويون الفرنسيون مورلي, مؤلف كتاب (شرائع الطبيعة), وجان مسلييه الذي ظهر كتابه (الوصية) بعد وفاته.
ولكن في القرن التاسع عشر, انما بلغت الاشتراكية الطوباوية ذروتها في عمل كلود هنري دو سان سيمون, (1760-1825) وشارل فورييه (1772-1873) والبريطاني روبرت اوين. ان الفضل الكبير لهؤلاء الفلاسفة هو انهم ارادوا ان يثبتوا امكانية وملائمة الانتقال من النظام الرأسمالي الى تركيب اجتماعي يمكن ان تضمن فيه الملكية المشتركة والعمل الجماعي وفرة الخيرات المادية والتكوين الثقافي والمنسجم لكل فرد, ويمكن ان تزيل ليس فقط البؤس والاستغلال والجريمة, بل ايضاً التعارض بين العمل الفكري والعمل الجسدي, وبين المدينة والريف, وعلى هذا النحو يصبح العمل حاجة.
, وهؤلاء المفركون, وهذا ما يميزهم بالتحديد, عما سبقهم في القرنين السادس عشر والسابع عشر, كانوا يعيشون داخل رأسمالية متطورة نوعاً ما, رأسمالية تجلت تناقضاتها الداخلية. ومن هنا ينبثق الجانب القوي لتعاليمهم, الا وهو انتقاد الرأسمالية, وهو انتقادج لاذع جداً لدى فورييه.
وقد كتب انجلز يقول: (انه يكتشف دون شفقة, عن البؤس المادي والمعنوي للعالم البرجوازي, ويجابهه مع الوعود المغرية لفلاسفة الأنوار حول المجتمع الذي يجب ان يسوده العقل فقط, حول الحضارة التي تأتي بالسعادة الشاملة).
وفي حقل النظرية, فان الاشتراكية الطوباوية للقرن التاسع عشر كانت انعكاسات لخيبات أمل ولدتها لدى الجماهير العواقب الاجتماعية للثورة البرجوازية الفرنسية لعام 1789.
حرية, مساواة, اخاء: ان شعارات الثورة الجميلة هذه قد روجت في الواقع, الوهم بأنه يكفي القضاء على الاقطاعية وعلى الامتيازات واقامة الحريات الديمقراطية لكي يقوم الرخاء العام. وفي الواقع, فان الرأسمالية لم تحمل الى الشغيلة حرية حقيقية, بل شكلاً جديداً من الاستثمار. فالمساواة التي وعدت بها الثوزرة كانت مساواة شكلية صرف, لأنه لم يكن من الممكن ان تكون هناك مساواة بين الاستغلاليين والمستغلين. وأما الاخاء فلم يكن في المجتمع البرجوازي سوى الكاريكاتير لهذا المثال الذي اعلنه هو نفسه.
وهذا الطلاق, بين شعارات ونتائج الثورة البرجوازية الكبرى كان في منشأ الانتقاد الذي يعثر عليه في اعمال كبار الاشتراكيين الطوباويين, الذين كانوا يعبرون, دون أن يدركوا ذلك, عن مصالح الجماهير المستثمرة والمضطهدة من قبل الرأسمالية, وبالدرجة الأولى عن مصالح البروليتاريا, التي كانت تنفصل تدريجياً عن مجمل الشغيلة الاخرين باعتبارها طبقة خاصة لانسان محرومين من كل ملكية لوسائل الانتاج.
لقد كان سان سيمون وفوريين طوباويين, وذلك بالتحديد بسبب انهم لم يروا الوسائل الفعلية للتجديد الاشتراكي. فبعد ان رفضوا صراع الطبقات, نادوا على العكس بتعوانها ونادوا ايضاً بالتنظيم والتربية بمثابة الوسائل الوحيدة التي يمكنت تصورها من أجل الوصول الى الاشتراكية. وقد عملوا كي يكتسبوا الى جانب قضيتهم الرأسماليين والطبقات المالكة بصورة عامة, ورغبة منهم في اعطاء المثال, نظموا حاضرات اشتراكية. وقد كانوا بعيدين جداً عن فكرة أن الشغيلة هم الوحيدين الذين يستطيعون بناء الاشتراكية بالنضال ضد اعدائهم, الطبقات الاستغلالية. وكان الاشتراكيون الطوباوين يعتقدون بأنهم يستطيعون أن يقنعوا سواءاً المالكين أو المحرومين بمزايا المجتمع الجديد. ان ما قرر الطابع الطوباوي لمبادئهم لم يكن وليد الصدفة, بل كان عائداً للسياق التاريخي: في فترة لم تكن قد تطورت فيها العلاقات الاجتماعية للرأسمالية بدرجة كافية, فلم يكن من الممكن اكتشاف الوسائل الفعلية لتحرير الشغيلة. ونقرأ لدى انجلز: (ان هذا الوضع التاريخي قد سيطر ايضاً على مؤسسي الاشتراكية, وقد كان الرد على عدم نضوج الانتاج الرأسمالي وعلى عدم نضوج وضع الطبقات, عدم نضوج النظريات. فحل المسائل الاجتماعية الذي كان لا يزال مخفياً في العلاقات الاقتصادية التي كانت جنينية, كان ينبغي ان ينبثق من الدماغ).
ان الاشتراكيين الطوباويين الذين لعنوا الرأسمالية ونددوا بتناقضاتها, وعلى الأقل التناقضات التي لاحظوها, والذين انتقدوا الملكية الخاصة, قد ناشدوا الملموك والبرجوازية (ال روتشيلد مثلاً) بأن يبدلوا نظاماً لا يلائم البرجوازية ذاتها كما كانوا يقولون, بالاشتراكية التي كانوا يعتقدون بأنها ليست الخاتمة الحتمية والضرورية للتطور الاقتصادي للرأسمالية, بل نتاج عبقريتهم.
ان ماركس وانجلز في تحليلهما الانتقادي لمبادئ سان سيمون وفورييه واوين, قد اكدوا انه مع تطور الرأسمالية واحتدام التناقضات بين العمل ورأس المال, فان نفي صراع الطبقات من قبل الطوباويين, والندائات الموجهة الى (عظماء هذا العالم) والدعوة الى الاصلاح وتضامن الطبقات كل ذلك كان يخدم الرجعية, لأنه كان يعرقل تقدم الحركة العمالية ويخمد الوعي الطبقي للبروليتاريا. وفي الواقع, فحوالي الأربعينات من القرن التاسع عشر, تفسخت تعاليم كبار الطوباويين وتجزأت الى شيع بائسة تعارض بأبحاثها التجريدية الواسعة, العمل الثوري للجماهير العمالية.
ان ماركس وانجلز, مع تقييمهما للأفكار الخصبة التي اطلقها الاشتراكيون الطوباويون في انتقادهم للرأسمالية, ومع استحسانهم لتخميناتهم العبقرية, قد ادانا الضعف النظري للمفاهيم التي كانت لدى هؤلاء المفكرين عن الانتقال الى الاشتراكية, وادانا الروح الانعزالية التي كانت تبعدهم عن الحركة البروليتارية, ورغبتهم بالوصول الى تسوية مع الطبقات المسيطرة. ولدى وضع العناصر العقلانية للاشتراكية الطوباوية, وبتحقيق تركيب نظري للتاريخ, وضع مؤسسا الماركسية مبادئ الاشتراكية على اساس علمي, اساس المادية. وقد حولا الاشتراكية من طوباوية الى علم.

6- التقدم العلمي:
ان نهوض الصناعة الكبرى والانتاج الرأسمالي بصورة عامة قد عجل بصورة فريدة تقدم العلوم الطبيعية الذي حفز التصنيع, ولكنه اثبت ايضاً خطأ المفاهيم التبسيطية المفرطة الساذجة, والمعادية للعلم, التي كانت تسود النفوس منذ عصور, والتي يمكن تلخيصها بالكلمات التالية: لم يتغير العالم منذ وجوده زلا شيء يتغير في الطبيعة او يولد من جديد.
وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر, وجهت ضربة صاعقة لهذه المفاهيم من قبل قانون تحول الطاقة والنظرية الخلوية والداروينية, ومكتشفات العلوم الطبيعية الكبرى الاخرى.
ومنذ القرن الثامن عشر, أعلن ميخائيل لومونوسوف, (1711-1765) ثم انطوان- لوران دي لا فوازيه (1743-1794) قانون بقاء الكتلة والحركة.
الا انه في ذلك الزمن, فان الحركة الميكانيكية هي وحدها التي كانت موضع دراسات, لأن العلوم كانت تجهل الأشكال الاخرى لحركة المادة, وكانت تعتبر الحرارة والكهرباء والنور والظاهرات الفيزيائية والكيميائية الأخرى, بأنها كلها تجليات لمواد (عادمة الوزن), وقد اقتصى الأمر انظار القرن التاسع عشر لكي يتمكن الباحثون العاملون في دراسة اشكال الحركة المختلفة نويعاً, من طرح مسألة علاقاتها المتبادلة.
وفي بداية الأربعينيات أعلن الطبيب الألماني يوليوس روبرت فون ماير (1814-1878) قانون بقاء وتحول الطاقة الذي يقول انه بالانتقال من شكل (القوة الميكانيكية والحرارة الخ) الى شكل اخر, فان كمية معينة من الحركة تتحول الى كمية معادلة, وفيما بعد اخضع هذا القانون لدراسة نظرية واختبارية من قبل هيرمان لودفيغ فيرنيناند هيلمهولتز (1821-1894) ومايكل فاراداي (1791-1867). وقد حسب جيمس بريسكوت جول وهنريخ لنز المعادل الميكانيكي للحرارة, اي كمية الطاقة الميكانيكية التي تقدمها وحدة الطاقة الحرارية. وقد دمرت نظرية (عادمات الوزن), وأمكنت المعاينة أن حركة المادة لا تخلق ابداً او تباد, لكنها تجري على نحو غير متقطع بأشكال مختلفة. بل وفضلاً عن ذلك اكتشف بأن الحركة لا يمكن قصرها على مجرد انتقال للأجسام في الفضاء, وأن الحركة والتغير هما مرادفان. وقد أثبتت ذلك العلوم الطبيعية ان التحولات المتبادلة لأشكال الحركة تشكل التبدلات النوعية. ألم يؤكد الفلاسفة الماديون الفرنسيون في العصور القديمة ان الحركة لا تضاف ابداً من خارج المادة بل هي نوعيتها الاولى, وهو مبدأ تلقفه وطوره في العصر الحديث الماديون الفرنسيون للقرن الثامن عشر, وبفضل اكتشاف قانون بقاء وتحول الطاقة, أصبح من الممكن وضع مفهوم ملائم لوحدة المادة والحركة, والروابط الدياليكتيكية المتبادلة, والتبعيات المتبادلة لكل العمليات, وهو مفهوم علمي وفلسفي, امكن التحقق منه بالتجربة, صحيح أن الباحثين انفسهم لم يستطيعوا استخلاص هذه النتيجة الفلسفية الكبرى, الأمر الذي حققه ماركس وانجلز لدى وضعهما لمفهومهما المادي والدياليكتيكي عن العالم.
- تابع... التقدم العلمي:
وهناك اكتشاف اخر قلب العلوم وهو اكتشاف الخلية, أو بالأحرى التراكيب الخلوية للمادة الحية, وهو اكتشاف دشن المرحلة التي أدت بصورة مباشرة الى ولادة مفهومهما. وبالرغم من انه منذ القرن السابع عشر, لوحظت خلايا منعزلة, ومجموعات من الخلايا بشكل متفرق خلال الدراسة المجهرية للنسج الحية, ففي القرن التاسع عشر فقط انما جرى الاهتمام بتحديد الدور الفيزيولوجي لهذه العناصر, واثبات ان كل الكائنات الحية, سواءاً الحيوانات او النباتات, تتألف من خلايا وتتطور وفق عمليات تكونها.
وقد أكدت النظرية التي صاغها في 1838-1839 البيولوجي الألماني شليدن, (1804-1881) والبيولوجي الألماني شوان (1810-1882) أن الخلية هي العنصر المكون لكل جهاز عضوي حيواني. ان فضل شوان هو أنه اثبت بصورة خاصة أن الخلايا الحيوانية والنباتية المختلفة تملك تراكيب متشابهة تقريباً وتؤدي كلها نفس الوظيفة الفيزيولوجية. ان ولادة وتطور كل جهاز عضوي يتحققان بتكون وتكاثر الخلايا, وهي عملية تسود الوظائف العضوية لكل كائن حي, وبالتالي فان النظرية الخلوية قد اتت ببراهين ساطعة عن واقع ان العلاقات المتبادلة والروابط العميقة توحد المادة الحية, وكان ذلك دليلاً غير مباشر على المناشئ المشتركة لكل الأجهزة العضوية.
ولكن لم يستطع اي من هذين الباحثين الألمانيين ان يستخلص من اكتشافاته الاستنتاجات اللازمة. وقد رفض شليدن ذلك, لأنه كان يعتقد بأن طبيعة الأشياء لا يمكن ان يدركها العقل الانساني. أما شوان الكاثوليكي المتحمس فقد أكد من جانبه ان النظرية الخلوية لا تنطبق على الانسان الذي خلقه الله كما جاء في الكتب.
ان ماركس وانجلز بعد ان استخلصا النتائج الفلسفية للنظرية الخلوية, فقد ذكرا بصورة خاصة انها تمكن من استشفاف المناشئ التاريخية للتنوع اللامتناهي لأشكال الحياة, الأمر الذي أكدته نظرية داروين (1809-1882) حول اصل الأنواع.
وكان ذلك الاكتشاف الثالثمن الاكتشافات الكبرى التي هيأت للمادية الدياليكتيكية. وقد وضعت تحولية داروين نهاية للمفاهيم القائلة بأن الأنواع الحيوانية والنباتية منعزلة وثابتة, وغريبة عن بعضها البعض, وخاضعة لمشيئة الهية, أو لتأثير الصدفة. ولأول مرة في التاريخ, نقلت البيولوجيا الى صعيد علمي, صعيد قابلية الأنواع للتحول والاستمرار.
ومن المعلوم انه قبل داروين بكثير, فان علماء طبيعيين وفلاسفة قد روجوا افكار التطور. وقد افترض ديدرو بأن أصغر دودة يمكن ان تتحول الى حيوان كبير بواسطة التغيرات المقسطة على الوف السنين, الا انه لم يكن هناك شيء يثبت اراءه التخيلية.
ان فضل داروين هو انه اعلن نظرية علمية للاصطفاء الطبيعي التلقائي للأنواع (بالتشابه مع الاصطفاء الصناعي الذي يمارسه اانسان), أو نظرية الصراع من أجل البقاء, الصراع الذي تتوفر حظوظ البقاء فيه فقط للكائنات الأكثر تكيفاً, الأمر الذي يتيح تفسير الفروق ذات الصفات النوعية, وهي فروق ضعيفة نسبياً توجد بين الأنواع, ومثلاُ بين الحصان والحمار, البنفسج واللاتنسي, وكذلك التكيف النسبي للأجهزة العضوية مع بيئتها. ان داروين الذي رفض كل التفسيرات الباطنية قد أثبت بأن هذا التكيف يعود لتطور الكائنات الحية. ولدى تحقيق التركيب النظري لمشاهداته التي لا تحصى, اكتشف القوانين التي تسوس تطور الأنواع. وهو لم يكن يفكر بأنه يعد بذلك, في حقل العلوم الطبيعية, عنصراً اساسياً للمادية الدياليكتيكية.
هذه هي المقدمات التي جعلت ولادة الماركسية وفلسفتها شيئاً ضرورياً تاريخياً: المادية الدياليكتيكية والمادية التاريخية. انهما تعودان في ان واحد الى حقلي الاجتماع والاقتصاد, وحقلي النظرية الصرف والعلوم الطبيعية.

7- نشوء الماركسية
نشأت الفلسفة الماركسية خلال العقد الواقع بين اواخر الثلاثينيات وأواخر الاربعينيات من القرن التاسع عشر.
ان ماركس وانجلز قد انحدرا كلاهما من البرجوازية. وقد ولد ماركس في تريف في رينانيا, في 5 ايار 1818 في عائلة محامي مشهور كان يوافق على الأفكار المتقدمة لعصره, أفكار الديمقراطية البرجوازية, وكان يحلم ان يجعل ابنه موظفاً.
وكان فريدريك انجلز هو ايضاً من هذه المقاطعة الأكثر تطوراً من وجهة نظر الانتاج الرأسمالي. وقد ولد في 28 تشرين الثاني 1820 في عائلة صناعي كبير. ان الشاب انجلز الذي كان موجهاً ان يعمل في التجارة والذي اضطر ان يعمل في مكتب ابيه, قد درس مع ذلك, الفلسفة والتاريخ والعلوم الطبيعية.
وبالطبع, فلكي يتمكنا من خلق نظرية علمية للطبقة العاملة, كان على ماكس وانجلز ان يقطعا صلتهما اولاً بالايديولوجية البرجوازية التي جرى السعي لتلقينهما اياها في بيئتهما الأصلية, العائلة والمدرسة. وقد اقتضى الأمر ايضاً, وعلى الأخص, اجراء بحث انتقادي للأيديولوجيات الفلسفية والاقتصادية والاشتراكية الكبرى واعادة النظر فيها من زاوية جديدة والقيام بتركيب الوقائع الاقتصادية وااجتماعية والسياسية الحديثة, اي الأعمال الثورية للطبقة العاملة وأزمات فائض الانتاج.
ان العملية التاريخية لنشوء الماركسية تنقسم الى مرحلتين اساسيتين: اولاً انتقال ماركس وانجلز من المثالية الى المادية الدياليكتيكية, ومن الديمقراطية الثورية الى الشيوعية العلمية. وثانياً نشوء مجموعة من المبادئ (المادية الدياليكتيكية والتاريخية, والشيوعية العلمية) انتهت بظهور مؤلفات النضوج الاولى, وهي بؤس الفلسفة والبيان الشيوعي.
ان المعركة التي خاضها ماركس وانجلز دفاعاً عن مصالح (الفئات الدنيا), ضد اولئك الذين كانوا يدافعون صراحة, او بأشكال مستترة عن الاضطهاد وعن استثمار الانسان للانسان, تشكل نابض هذه العملية الغنية جداً والمعقدة جداً.
))تباين فلسفتي الطبيعة عند ديمقريطس وأبيقور)).. هذا هو عنوان المؤلف الأول للشاب ماركس, أطروحته للدكتوراه التي دافع عنها في عام 1841. وكان لا يزال يظهر فيها مثالياً هيغيلياً يرى أن التقدم في معرفة الذات يشكل اساس وجوهر التاريخ. الا أن اختيار الموضوع بحد ذاته قد كشف عن بعض الاختلافات في الرأي. فخلافاً لهيغل, الذي كان ينظر من فوق الى ماديي العصور اليونانية القديمة, الى اؤلئك (الفلاسفة, فلاسفة الوعي العادي) أعطى ماركس التفصيل للمذاهب الماركسية. ومن جهة اخرى, فحول بعض النقاط ابتعدت اطروحته عن المثالية, وذلك مثلاً حين اثنى على ابيقور وعلى مدرسته لأنهما كافحا الدين والخوف من المجهول, ومن الوهمي وما هو خارق للطبيعة.
ان هذا المؤلف الهام لماركس كان مفعماً بالاحتجاج السياسي ضد واقع اجتماعي يستعبد الفرد. وهذا الواقع الذي كان اكثر بشاعة في المانيا شبه الاقطاعية, مما في أي مكان اخر, قد عارضه ماركس بفلسفة تحدث كل الهة السماء والأرض باسم الحضارة والانسان.
وهذه الطريقة في تصور علة وجود ورسالة الفلسفة, كانت غريبة بصورة عميقة عن هيغل وغيره من المفكرين المثاليين الذين كانوا يعتبرون العالم عقلانياً في الأصل. وبرأيهم فان الفسلفة تستحق كل المدائح باعتبارها ارفع من كل مطمح, ومن المصالح والاهتمامات المبتذلة, ومن البحر الذي لا يمكن سبره, البحر الهائج للمشاعر الانسانية. وضد هذا التقليد البالغ القدم, والعزيز جداً على الناس المتعلقين بالسلطة, انما ارتفع صوت ماركس الشاب معناً (فلسفة العمل) هذا الشكل الروحي العظيم المدعو الى ارواء تعطش الانسان الى المعرفة ولكن ايضاً الى القيام بتجديد عقلاني للعالم.
وهكذا فان الفلسفة تصبح انتقاد العلاقات الاجتماعية: (تندمج الفلسفة في العالم بمقدار ما يصبح العالم فلسفياً).
وقد عرض على ماركس منصب استاذ في جامعة بون فرفضه وانضم الى الحركة السياسية. وفي عام 1842 اصبح محرر صحيفة (راينيشر تزايتونغ) اي صحيفة الراين وهي صحيفة ليبرالية أصبحت بادارته صحيفة ديمقراطية ثورية. ويعتبر ماركس هذا الدخول الى الصحافة والشناطات السياسية بمثابة مرحلة منطقية وضرورية في التقريب الذي ينبغي اجراؤه بين الفلسفة والواقع. وكتب يقول بأن الفلسفة لا ينبغي ان تحلق فوق العالم, ولا ينبغي ان تظل مجرد (نظرة للفكر). فهي تحتاج بصورة مطلقة الى تغيير قفطانها (ردائها), رمز الزهد والكهنوتية, وأن ترتدي الملابس الخفيفة والحديثة, ملابس الصحف. وهي حين تصبح (محررة) وترسخ قدميها في الحياة اليومية, وسط صيحات اعدائها, تتغير ليس فقط من حيث الشكل, بل ايضاً من حيث الجوهر: انها تعرف ان تختار من بين المسائل العملية الراهنة, أكثرها الحاحاً كي تسجلها على جدول الأعمال. ومنذ البداية يظهر لنا ماركس في مقالاته الفلسفية في صحيفة (راينيشر تزايتونغ), كمدافع متحمس عن المصالح السياسية والاقتصادية للشغيلة. وقد انتقد قانون مشروع بربري حول (قمع سرقات حطب التدفئة), لأنه يستهدف الفلاحين الذين يجمعون الحطب في الأحراش وقد القى الضوء على الطبيعة الطبقية لهذا المشروع. وقد تولى الدفاع عن كرامي الموزيل المنهوبين من قبل النبلاء لبروسيين, وشن حملة لحرية الصحافة, وطالب بالغاء الرقابة.
- تابع... نشوء الماركسية
ماركس الذي ندد بالدولة البروسية لأنها تدافع عن مصالح النبلاء, قد تخلى عن المفهوم الهيغيلي القائل بأن الدولة والقانون بصورة عامة يماثلان بالأخلاق والحرية. وبالنسبة له, فان الدولة تستطيع ان (تجسد) الحرية والأخلاق وذلك بشرط تمثيل مصالح الجماهير الشعبية, وليس مصالح بعض المستغلين. ان ماركس مع بقائه في ذلك الوقت اسيراً لنظرية مثالية عن الدولة, قد اتجه نحو المادية, كما يثبت انتقاده للدولة البروسية التي يسيطر عليها النبلاء والموضوعة في خدمة اقلية مالكة على حساب الأكثرية المحرومة. والى تلك الفترة يعود تاريخ ذكرة ماركس التالية: صحيح انه لا يمكن معارضة الأفكار الشيوعية بالمدافع, ولكن لا يمكن خنقها.
وفي ربيع 1843, اغلقت الحكومة البروسية الصحيفة لقيامها بالدعاية الثورية. وقد كان مؤلماً جداً بالنسبة لماركس أن يعمل في الجو المسموم والخانق لنظام رجعي على استعداد دائم لقمع اقل ميل للبحث المستقل, الى حد انه سافر في خريف 1843 الى باريس, حيث تولى مع روج (1802-1880) اصدار (الحوليات*) الفرنسية-الألمانية. ان الرجلين الذين افلتا من القيود المفروضة من قبل الرقابة البروسية قد تمتعتا اخيراً بحرية نسبية كي يشرحا مفاهيمهما النظرية. واشترك ماركس في العاصمة الفرنسية بنصيب فعال في النضال السياسي, ودرس الحركة العمالية والاشتراكية الطوباوية الفرنسية والانجليزية وتاريخ ثورة 1789, وفلسفة الأنوار وما سبقها.
وفي باريس انما ابرز عيوب مبدأ فويرباخ مع ثنائه عليه, لأنه اتخذ موقفاً ضد الدين والفلسفة الخيلية. وخلافاً لفويرباخ, الذي كان يعتبر الدين بمثابة مجرد انعكاس للجوهر البشري الثابت, لم يكتفي ماركس بالاحاطة بالمحتوى الأرضي للمعتقدات بل اكتشف فيها صورة علاقات (مغشوشة) بين الناس, متناولاً على هذا النحو مسألة العلاقة بين الوجدان الديني من جهة, والاستثمار واضهاد الانسان للانسان من جهة اخرى.
وقد عمق انتقاده اذ كتب يقول: (ان حكم فويرباخ لا يمكن ان ترضيني, وذلك على الأقل بسبب انه يصر كثيراً على الطبيعة, وقليلاً جداً على السياسة, في حين ان تحالفهما هو وحده الذي يمكن ان يجعل من الفلسفة المعاصرة حقيقة).
وحين أعد اصدار الحوليات وحدد اتجاهها, عارض كل تفسير متحجر لدور النظرية الاجتماعية والفلسفة. وخلافاً للرأي القائل بأن الفلسفة هي (علم المنطق) الذي عورضت به في أكثر الأحيان الممارسة العملية والنضال, رأى ماركس رسالة الفلسفة والنظرية الاجتماعية في (انتقاد دون هوادة للنظام القائم, انتقاد دون هوادة من وجهة نظر مزدوجة علماً بأن هذا الانتقاد لا ينبغي ان يخشى الاستنتاجات التي يسمح هو نفسه باستخلاصها, ولا ان يتراجع في النزاع مع "عظماء هذا العالم")
وأعلن ماركس نفي الفلفسة بالمفهوم القديم للكلمة, وضرورة تخطي التعارض بين الفلسفة التي اعتبرت خلال العهود التاريخية السابقة بمثابة (مرجع اعلى) والعلوم المسماة بالعلوم الايجابية.
وفي الواقع, ففي حين ان الفلسفة السابقة كانت تعتقد احياناً كثيرة بأن رسالتها هي تهدئة المشاعر, والهاء الناس عن النضال كي تغرقهم في تأمل هادئ وعميق, عهد اليها ماركس بمهمة متعارضة تماماً فكتب يقول: (وهكذا, فليس هناك اي شيء يمنعنا من ربط انتقادنا بانتقاد السياسة, وبموقف حزبي محدد في السياسة, وفي هذه الحالة فلن نظهر امام العالم كمجرد نظريين, يأتون بمبدأ جديد جاهز: هذه هي الحقيقة وهنا ينبغي الركوع) واضاف: (ان مهمة العلوم الاجتماعية, والفلسفة بصورة خاصة, تتلخص في دراسة وفي "تأمل" التجربة التاريخية, تجربة النضالات التي خاضتها الطبقات المضطهدة في سبيل تحررها الاجتماعي, بدلاً من اختراع شتى انواع الوصفات والأدوية الشافية من جميع الأوجاع كما فعل مثاليون انسانيون عديدون والطوباويون من مختلف الاتجاهات, باحثين في دماغهم عن حل لمسائل المجتمع)
لقد وضع ماركس الفلسفة في خدمة العمل الثوري لتجديد المجتمع.

8- الحوليات الفرنسية- الألمانية
ان المجموعتين الأوليتين من الحوليات الفرنسية الألمانية اللتين صدرتا في 1844, كانتا حدثاُ بارزاً. ان ما يقرر الأهمية التاريخية للدراسات المنشورة في هذه المجموعة, وهي (مساهة في نقد فلسفة الحق عند هيغل), و(المسألة اليهودية), و(مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي) و(وضع انجلترا) لأنجلز, هو الارتسام بشكلها النهائي للمرحلة التي قادت المؤلفين من المثالية الى المادية الدياليكتيكية, ومن الديمقراطية الثورية الى الشيوعية العلمية, وفي هذه المقالات انما حدد مؤسسا الماركسية لأول مرة الدور التاريخي والعالمي للبروليتاريا, وحددا نقاط انطلاقهما.
وقد كتب ماركس في (مساهة في نقد فلسفة الحق عند هيغل) ان مجرد تحويل الوعي بانتقاد نظري للعلاقات الاجتماعية البالية, لا يكفي ابداً لتحويل المجتمع. وفي اخر تحليل, فان القوة المادية, اي الثورة, هي التي تشكل العامل الحاسم, والقاطع لكل تحويل جذري, وليس الانتقاد النظري, الفلسفة او النظرية بصورة عامة. ومن غير ان يرغب في الاقلال من شأن النظرية, اكد أنه في ظروف ملائمة, فان النظرية من شأنها ان تصبح هي ايضاً قوة مادية, اداة واتحاد تنظيم الجماهير: (من الجلي ان سلاح النقد لا يمكن ان يحل محل نقد السلاح. فالقوة المادية لا يمكن القضاء عليها الا بالقوة المادية. لكن النظرية تتحول هي ايضاً الى قوة مادية حالما تتوغل في الجماهير).
ان البروليتاريا هي وحدها التي تظهر كقوة مادية قادرة على تدمير العلاقات الرأسمالية وتحقيق الانتعتاق النهائي للانسان, لأنها من حيث وضعها ذاته داخل المجتمع البرجوازي, فهي في ان واحد النتاج والنفي لهذا المجتمع. ولكي تتمكن من تحقيق هذه الرسالة التاريخية الكبرى, فهي تحتاج الى فلسفة تقوم على مبادئ جديدة, فلسفة ثورية حقاً تتيح لها ان تتوغل بعمق في الواقع المحيط. وكتب ماركس يقول: (وكما ان الفلسفة تجد في البروليتاريا اسلحتها المادية, فان البروليتاريا تجد في الفلسفة اسلحتها الفكرية) ومما لا بد منه اذاً, حلق فلسفة بروليتارية تختلف تماماً عن كل المذاهب السابقة التي لم تكن ابداً, ولم يكن من الممكن ان تكون السلاح الروحي للجماهير الثورية.
وفي مقالة (المسألة اليهودية), بدد ماركس الأوهام الليبرالية القائلة بأن التحرر السياسي (اي التحولات الديمقراطية البرجوازية) تكفي للتحرر الحقيقي للانسان. ولدى الاشارة الى الدور التقدمي لهذا التحرر, اعتبره مع ذلك تحرر جزئي, غير كافي, لأنه لم يدمر سيطرة الملكية الخاصة التي هي في منشأ الظلم الاجتماعي والاستثمار والاضطهاد وعارضه ب(التحرر الانساني), الثورة الاشتراكية المدعوة لوضع حد للملكية الخاصة ولاضطهاد الانسان للانسان بأي شكل كان.

ان معارضة كارل ماركس للظلم الاجتماعي ب(التحرر الانساني) قد طورت في مخطوطات 1844, وهو مؤلف لم ينجز, وصف فيه ماركس دون ان يسمي نفسه شيوعياً بعد, نظريته ب(النزعة الانسانية الحقة), معارضاً النزعة الانسانية المبهمة للبرجوازية. ومن حيث الأساس, فان النطاق الضيق لانثروبولوجية فويرباخ, قد فات زمانه, بالرغم من أن التعابير وبعض المقاطع لا تزال تحتفظ بطابعه. ان الدور الحاسم للعمل والنشاط المنتج في صيرورة وتطور الانسانية, يشكل الموضوع الرئيسي للمخطوطات. لقد خلق العمل الانسان, وهو يسوس تطوره. الا انه بسبب طابعه البدائي في بعض مراحل التاريخ, يأخذ من الانسان كل قواه وكل وقته, وهو يستعبده بالتالي. انه العمل, النشاط الذي يجب ان يقوم به الانسان حتماً لكي يعيش, لكنه نشاط يجعله عاجزاً عن ان يطور بصورة منسجمة كفائاته, وأن يلبي حاجاته. ان التقدم الاجتماعي ونهوض الانتاج, يخلقان ثانوياً وبالضرورة, ظروفاً ملائمة للقضاء على هذا الافراغ للذات بمعنى انهما يتيحان التغلب على التناقض الذي يجعل العمل والمتعة, العمل وتفتح الشخص الانساني, شيئان لا يتفقان. وبعد ازالة افراغ الذات في حقل الانتاج, فانه يتوارى ايضاً من الحياة السياسية والفكرية للمجتمع, وتتوارى معه الملكية الخاصة والظلم الاجتماعي والاستثمار والاضطهاد الخ. ومثل هذا التحول للعلاقات الاجتماعية, هو تحول شيوعي من حيث جوهره ذاته.
وفي ايامنا هذه فان نقاد الماركسية يزعمون, بالرجوع الى المخطوطات, ان النظرية الشيوعية تقوم تقوم على النتائج التي يدعون بأن ماركس استخلصها حين حلل بشكل تخيلي المفاهيم (الفلسفية) للافراغ, وافراغ الذات المقتبسة من هيغل وفويرباخ. وفي الواقع, فان ماركس الذي اختار, كنقطة انطلاق الوقائع الاقتصادية الواقعية مستبعداً كل مفهوم تجريدي, قد حمل تعبير الافراغ محتوى نوعي جديد, ككل المفاهيم الاخرى للفلسفة القديمة, التي نجدها ايضاً في هذا المؤلف.

من المثالية الى المادية الدياليكتيكية, ومن الديمقراطية الثورية الى الشيوعية العلمية, سار انجلز في نفس الطريق. ويظهر لنا انجلز نصيراً صلباً للديمقراطيين الثوريين, وعدواً لدوداً للملكية البروسية, منذ 1839-1840, في رسائله الى الاخوان غرايبر, رفاقه في المدرسة: ((انني اشعر تجاهه, (اي ملك بروسيا) بكره عنيف الى درجة انه يكاد لا يوجد رجلان او ثلاثة رجال استطيع ان امقتهم بهذه الدرجة. انني امقته مقتاً شديداً الى اقصى حد, وسيكون مقتاً اكبر ايضاً لو لم اكن احتقر كثيراً هذا الوغد... انني لا اتوقع شيء حسن من قبل الملك, الا في اللحظات التي يطن فيها رأسه من الصفعات التي تتساقط عليه من قبل الشعب, وحين تحطم الثورة زجاج قصره)).
وفي نهاية 1842 سافر انجلز الى انجلترا وأقام في مانشستر, حيث عمل في معمل لغزل القطن كان والده شريكاً في ملكيته. وفيما بعد كتب يقول: (في مانشستر ادركت بأجلى شكل بأن الوقائع الاقتصادية التي لم يعطها المؤرخون حتى ايامنا سوى دور ثانوي, هذا حين يعطونها دوراً ما, تشكل, على الأقل في العالم الحديث قوة تاريخية حاسمة, وتشكل الاساس الذي تقوم عليه التناقضات الطبقية الراهنة. وأن هذه التناقضات الطبقية في البلدان التي ساعدت فيها الصناعة الكبرى الازدهار التام, وخاصة في انجلترا, تشكل بدورها اساس نشوء الأحزاب السياسية والنضالات الحزبية, وبالتالي كل التاريخ السياسي.)
وانصرف انجلز الى دراسة الاقتصاد السياسي, وحتى قبل لقائه مع ماركس كان قد كتب (مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي) الذي نشر في الطبعة الاولى من الحوليات. ان انجلز الذي عارض الاقتصاديين البرجوازيين الزاعمين بأن الملكية الخاصة هو مبدأ مقدس لا يخرق, قد اثبت بأنها السبب الرئيسي لكل التناقضات التي تمزق المجتمع البرجوازي. وهذا الأثر الذي وصفه ماركس بأنه (عبقري) قد القى الضوء على الجوهر البرجوازي لمبادئ سميث وريكاردو, وحددوا قاعدة الانطلاق لاقتصاد سياسي بروليتاري. ان اثر انجلز الذي هو نقد للاقتصاد السياسي البرجوازي للنظام الرأسمالي الذي يغذيه, يتوصل الى نقي الرأسمالية و(ايديولوجيتها) الاقتصادية.
وهكذا فحوالي 1844, وبالرغم من ان ماركس وانجلز عملا مستقلين احدهما عن الاخر, وبالرغم من ان الوضع الاقتصادي والاجتماعي, والمؤلفات التي درسها كل منهما لم تكن هي نفسها, فقد توصل كلاهما الى النظر بشكل واحد تقريباً الى المجتمع البرجوازي ورسالة البروليتاريا. ان صداقتهما ونضالهما المشترك ضد الأيديولوجيا البرجوازية, وصياغة النظرية العلمية للطبقة العاملة, يعود تاريخها الى تلك الفترة.


9- تشكل المبادئ الأساسية للماركسية:
في 1845-1846 صدر كتابا العائلة المقدسة والأيديولوجيا الألمانية, وهما كتابان لهما اهمية رئيسية عارض فيهما ماركس وانجلز الفلفسة المثالية التي كانت سائدة انذاك في المانيا. وعارضا بصورة خاصة (الهيغيلية الفتية) والمذهب التي تستقي منه مناشئها, مذهب هيغل, وعارضا مذهب هيغل بمفهوم جديد هو المادية الدياليكتيكية.
لقد صدر كتاب العائلة المقدسة في عام 1845, اما الأيديولوجيا الألمانية, فان نصه الكامل الذي لم ينشر في حياة المؤلفين, قد صدر للمرة الاولى في الاتحاد السوفييتي عام 1932 في الاتحاد السوفييتي.
وشدد لينين في تلخيصه للعائلة المقدسة على المقاطع التي يضع فيها ماركس وانجلز المبادئ الأساسية لنظريتيهما, وخاصة اراء ماركس حول الدور الثوري للبروليتاريا, التي ظهرت بشكلها النهائي تقريباً منذ ذلك الوقت, والطريقة التي ينظر فيها ماركس الى نظرية قيمة العمل, وكذلك فكرته الرئيسية, فكرة علاقات الانتاج, والعلاقات الاجتماعية التي تنبثق منها.
ان ماركس وانجلز باستخلاصهما دياليكتيك العلاقات الرأسمالية والطبقات الكبرى للمجتمع البرجوازي قد بنيا نظرية تظهر من جهة الطابع الموضوعي والضروري, المحتم اذاً, للنزاع بين البروليتاريا والبرجوازية, وتحدد من جهة اخرى القانون الأساسي للدياليكتيك المادي: وحدة وصراع الأضداد. وقد اكتشفا جانبين للتناقض الذي يعارض بين العمل والرأسمال, الجانب المحافظ (البرجوازية), والجانب الثوري (البروليتاريا) واثبتا بأن منطق هذا الصراع يقود موضوعياً وبالضرورة الى الثورة الاشتراكية الأمر الذي يشكل مساهمة لا تقدر بثمن, ليس فقط في نظرية الشيوعية العلمية, بل ايضاً في الديالكتيك المادي بصورة عامة.
وخلافاً لما يزعمه الاقتصاديون البرجوازيون فقد اثبت ماركس وانجلز ان تناقضات المجتمع الرأسمالي لا تشكل وضع اختلال عابر, بل تسيطر على مقدراته, وأن الاساس ذاته لهذا المجتمع هو خليط متشابك من التناقضات والوقائع التي تتداخل والتي تحدد بعضها البعض كي تصبح متنافية في النهاية. ولا يمكن الفصل مثلاً بين فوضى الانتاج والنظام الشرعي البرجوازي. وجاء في كتاب العائلة المقدسة: (ان فوضى المجتمع البرجوازي هي اساس التنظيم العام الحديث, كما ان هذا التنظيم هو بدوره ضمان هذه الفوضى. وبالرغم من تعارضهما فان كل منهما يشترط الاخر).

ان ماركس وانجلز اللذين وجها رأس حربة انتقادهما ضد فلسفة مثالية تزعم بأنه (ينبغي البحث من جهة الجماهير لاكتشاف العدو الحقيقي للفكر) قد قدما حججاً تثبت: أولاً, بأن الأفكار بحد ذاتها, دون علاقة بالحاجات المادية للمجتمع, هي افكار عقيمة. ثانياً, أن الجماهير تشكل القوة الحاسمةالتي يتعاظم دورها بالضرورة بمقدار ما يتطور المجتمع. وثالثاً, ان الشخصيات التاريخية العظمى هي كذلك بالتحديد, لأنها تعبر عن مطالب ومصالح طبقات معينة.
وبكتاب الأيديولوجيا الألمانية تم اجتياز مرحلة جديدة في وضع المبادئ الأساسية للمادية الدياليكتيكية والتاريخية, والشيوعية العلمية. وقد أنجز ماركس وانجلز انتقاد الفلسفة المثالية الألمانية, وخاصة فلسفة التاريخ. وبالتخلي عن التعبير المبهم ل(الانسانية الواقعية) اطلقا بعد امعان نظر, على مبدئهما اسم (المفهوم المادي للتاريخ). وأطلقا على نفسيهما (الماديين الشيوعيين). وفي هذه الزاوية البصرية الجديدة اثبتا بأن فويرباخ ليس مادياً الا في مفهومه عن الطبيعة, انه يظل مثالياً على صعيد علم الاجتماع.
ان كتاب الأيديولوجيا الألمانية الذي اغنى بدراسات جديدة, عميقة وحسية, الموضوعة التي وضعها ماركس منذ 1844, في المخطوطات, وهي موضوعة تقول بأن العمل (الانتاج) يلعب دوراً حاسماً في تطور الانسان والانسانية, وصف باختصار عملية تطور القوى المنتجة وعلاقات الانتاج وقد بذلك براهين عديدة على واقع ان صراع الطبقات هو محتم, وأن الثورات الاجتماعية والانتقال الى مجتمع دون طبقات بواسطة الثورة الشيوعية, هي امور تتفق والقوانين الموضعية, وتحدد من قبلها. ويقول المؤلفان أن الأفكار التي تسيطر داخل مجتمع ما هي افكار الطبقة المسيطرة, في حين أن الدولة, مهما كان شكل الحكم (ملكي ام جمهوري ام ديمقراطي الخ) تمثل دائماً الدكتاكتورية السياسية للطبقة التي تمثل وسائل الانتاج. وهذا الشكل في طرح المسألة قد بعث لدى ماركس وانجلز فكرة دكتاتورية البروليتاريا.
ومن وجهة النظر المادية والتاريخية هذه, انما كافح ماركس وانجلز افكار اشتراكية بورجوازية صغيرة تزعم بأنها (اشتراكية حقيقية), وانصارها ك. غرون 1817-1887, م.هيس 1812-1875, أ.لوننغ 1818-1868, وهؤلاء الذين عارضوا الاشتراكية الطوباوية الانجليزية والفرنسية. الا انهم بدلاً من ان يحققوا تقدماً بالنسبة لتلاميذ سان سيمون وفورييه واوين, قد افقروا مبادئهم بتجريدها من كل ما كان يمكن ان تحتويه من بشائر مفهوم علمي للحياة الاجتماعية والمثل الأعلى الاشتراكي. وخلافاً لأسلافهم الفرنسيين والبريطانيين فهم لم يكونوا يمثلون البروليتاريا في عز تكونها, وكانت نظرياتهم تعكس وضع البرجوازية الصغيرة, المذعورة من نهوض الانتاج الرأسمالي الكبير واق تحول المنتجين الصغار الى بروليتاريين. وكان حلم (الاشتراكيين الحقيقيين) اذن (درء الرأسمالية) وهم بعد ان شبهوا الاشتراكية ينوع من مملكة الانتاج الصغير الحرفي, سعوا ليثبتوا, متجاهلين الوقائع التي لا تخفى حقيقتها على أحد, أن الحركة الاشتراكية لا صلة لها بوضع ومطالب الطبقة العاملة, وأن المثل الأعلى الاشتراكي ينطلق من العقل المجرد, أي من الفلسفة.
ان ماركس وانجلز بانتقادهما بصرامة الصيغ التجريدية ل(الاشتراكية الحقيقية), قد اثبتا بأن هذا المبدأ يعكس التأخر الاقتصادي لألمانيا ويهدف الى ادامته.

ولدى صياغة كارل ماركس وفريدريك انجلز نظريتهما, فانهما قد اتخذا موقفاً, ضد الايديولوجيا البرجوازية والبرجوازية الصغيرة في ان واحد. فالمعركة التي جرى خوضها ضد الاشتراكية البرجوازة الصغيرة, التي عارضاها بانتقاد بروليتاري للمجتمع الرأسمالي, تسجل مرحلة اساسية في تكوين مفهومهما عن العالم. وسنفهم اذن في سياق الأفكار هذا (بؤس الفلسفة), حيث قام كارل ماركس بانتقاد معمق لمذهب التناقضات الاقتصادية, أو فلسفة البؤس لبرودون, (1809-1865).
(ان الملكية هي السرقة): نعرف الفكرة الشهيرة لهذا الاشتراكي البرجوازي الصغير الفرنسي, الذي كان يسمى مع ذلك بمثابة (ملكية), الصناعة الرأسمالية الكبرى, بعكس الانتاج البضاعي الصغير, وملكية الحرفي الصغير التي كان يعتبرها صحيحة وطبيعية ومطابقة للجوهر الانساني. وقد ادان ماركس بشدة هذه الطريقة لتزيين الملكية البرجوازية الصغيرة, بكل الفضائل, لأنها كما قال لا تحرر من نير الرأسمالية, ويمكن ان تتعايش مع الاستثمار الرأسمالي للبروليتاريا, وكذلك مع استثمار الملاك الصغير الذي يملك وسائل انتاجه.
وبعكس برودون, الذي اكد بأن تطبيقاً سيئاً لقانون القيمة هو في منشأ الملكية الرأسمالية والذي ادعى اكتشاف قانون للقيمة (حقيقي وعادل) يجعل من المستحيل كل استئثار بالعمل من قبل الرأسمالي, اثبت ماركس ان الرأسمالية لا تخالف بشيء قانون القيمة وان الأمر لا يتعلق بالتالي ابداً ب(تصحيح) أو (تعديل) هذا القانون من اجل القضاء عليه, بل يتعلق الأمر بالانتقال الثوري الى نظام جديد للعلاقات الاجتماعية يتسم بالقوانين الموضوعية الجديدة, الملازمة لهذا النظام.
ان برودون الذي كان خصماً للحركة العمالية والنضال الثوري كان يعتقد بأن ليس هناك وسيلة للتغلب على الرأسمالية باستثناء تلك التي يقترحها: يتوجب على المنتجين التخلي عن استعمال النقد, ممارسة المقايضة بمنتجات عملهم. وهو لم يفهم ابداً ان سبب العلة ليس النقد بل استثمار الشغيلة, اي الملكية الخاصة لوسائل الانتاج التي هي اساس الانتاج البضاعي والنقدي الذي لا يتوافق, من حيث طبيعته مع المقايضة.
ان برودون الذي كان يظن نفسه دياليكتيكياً والذي نسب لنفسه فضل تطوير الاسلوب الهيغلي, كان في الواقع كما اثبت ماركس بين ما اثبته, غريباً عن طراز الفكر الديالكتيكي. فقد حولت مخيلته المقولات الاقتصادية الرأسمالية الى افكار ازلية ثابتة, ولكنها مشوهة باستعمال رديء.
ونعاين كم كانت ساذجة طريقة رؤيته للتناقضات الديالكتيكية الرأسمالية (التي يتحدث عنها كثيراً) حين اكد ان التعارض الرئيسي لهذا النظام يكمن في واقع ان له (جانباً حسناً) و(جانباً رديئاً), (الثروة والبؤس), وانه ينبغي بالتالي الاحتفاظ بالجانب الأول والقضاء على الجانب الثاني. وهذا ما يثبت جهله العميق لسبب ان الثروة أو الملكية الخاصة لوسائل الانتاج تولد حتماً, في ظل الرأسمالية, البؤس او فقدان وسائل الانتاج لدى الجماهير الكادحة, البؤس الذي يغني بدوره الرأسماليين. ونظراً لأن هذين الجانبين لا ينفصلان, فينبغي التخلي عن النظام الرأسمالي بدلاً من الرغبة في تحسينه.
وقد قال لينين عن بؤس الفلسفة أنه كان الكتاب الأول الذي توصلت فيه الماركسية الى نهاية النضوج.
وفي الواقع يطرح فيه مبادئ الشيوعية العلمية مطروحة بطريقة عبقرية.

ان دراسة الظروف التاريخية والمصادر النظرية والاكتشافات العلمية التي هي في منشأ الماركسية, وبحث المراحل الكبرى للنشوء التاريخي للفلسفة الماركسية, كل ذلك يتيح ان تحدد بصورة مختصرة الثورة التي حققها ماركس وانجلز في حقل العلوم الاجتماعية.
وهي تتلخص اولاً في ان ماركس وانجلز قد بنيا نظرية علمية تقوم على مفهوم مادي دياليكتيكي للعالم والتاريخ. وهي علمية فعلاً, لأنها بدلاً من ان عارض العلوم الأخرى, فهي تركب معطياتها وتضع حصيلتها وتقوم على مجمل المعارف المكتسبة من قبل الانسانية. وحيث ان العلوم المغتنية بالاكتشافات جديدة دائماً, هي في حركة دائمة, فان النظرية العلمية الماركسية هي نظرية خلاقة, فهي تتطور وتتضح اشكالها على ضوء التعاليم الجديدة المقدمة من قبل البحث, وهي لا تسمح لا بجمود عقائدي ولا بالابتذال لدى حل المسائل النظرية والعملية.
ان النظرية الماركسية, هي علمية, لأنها خلافاً لنظريات الماضي الفلسفية, ابعد ما تكون عن الرغبة في معارضة الممارسة العملية, بل تنضم اليها وتخدمها كمرشد. وهي تعمم المواد التي تقدمها لها الممارسة العملية, وتستخلص استنتاجات التطور التاريخي للمجتمع, وتغني بذلك الممارسة العملية. وقد قال ماركس وانجلز بأن نظريتنا ليست عقيدة جامدة, بل هي مرشد للعمل.
ان الماركسية اللينينية, هي سلاح بيد الأحزاب الشيوعية العالمية, والجماهير المكافحين, الذين يخوضون النضال في سبيل مستقبل سعيد للجنس البشري.


المصادر:
1- الثورات البرجوازية وما قبل البرجوازية, فيودور كيرسكي
2- تاريخ الماركسية, ناتاليا كيروفا
3- نشوء مقدمات الماركسية, ميخائيل قاديروف
4- اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني



#اللجنة_الاعلامية_للحزب_الشيوعي_الاردني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلسلة مادية فويرباخ الانثروبولوجية.
- الأخلاق عند ماركوس اوراليوس
- (البراغماتية) في الأخلاق
- الأخلاق عند جان بول سارتر
- (الصداقة), سويولوجياً, سيكولوجياً وأخلاقياً
- تجربة في ظل الاشتراكية الحية... بلغاريا آنذاك والآن
- الأمر القطعي (Categorical Imperative)
- الأمانة, كخصلة خلقية
- وجهة نظرنا في (الغاية تبرر الوسيلة), أخلاقياً (الأهداف والوس ...
- الأيديولوجيا في دول الطرف الرأسمالي
- التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الإقطاعية
- محاولة لقراءة ماركسية, للمملكة العربية السعودية.
- تربية الذات اخلاقياً:
- ما هي (البطولة), من وجهة نظرنا؟
- بعض جوانب النزعة اليسارية المغامرة
- التفاني Devotion
- التيوديسيا Theosdike
- الولايات المتحدة الأمريكية الاشتراكية
- الموقف من المرأة
- ماذا يعني مفهوم, الأخلاق البرجوازية؟


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني - سلسلة تاريخ نشوء الماركسية