أسامة مساوي
الحوار المتمدن-العدد: 4456 - 2014 / 5 / 17 - 02:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أنا أعرف أن الصَّدمة ستكون قوية نوعا ما, خاصة بالنسبة لأولئك الذين يفتحون أفواههم قبل أي كتاب أو حتى جريدة رصيف أو كتيب أصفر,لكن مع ذلك سنواصل حصصنا هذه مع من رأينا أنهم لن يعالجوا ويستفيقوا من غيبوببة التوحد العربي الإسلامي وإطلاقية حقيقة يعتقدون إمتلاكها إلا بواسطة العلاج بالصدمة..مع كامل الإحترام والتقدير لمن يؤمن بأدبيات الحوار والإحتكام للحجج العقلية الرصينة قبل إصدار حُكم أو مصادرة رأي.
لا أخفيكم أني فكرت مليا قبل الإقدام على طرح هذا الموضوع-من موقعي كأستاذ- الذي قادني إليه بحثي عن شيئ آخر مغاير تماما لهذا الموضوع ’’الطابو’’ في نظر الثقافة وليس في نظر الإسلام!
لكن السؤال عن غياب ثقافة جنسية داخل مجتمعنا ومؤسساتنا,دفعني بإلحاح إلى تقاسم ثمار هذا البحث السريع والخفيف-على أمل تعميقه أكثر- معكم. وزاد من إصراري الذاتي (مونولوغ) وجود أحاديث نبوية كثيرة في هذا الباب,والمسلمون يغفلونها بل لا يعرفونها أصلا وفصلا رغم أنها من صميم دينهم,ومن جهة ثانية أن الكثير من حالات الطلاق والإهتزاز الأسري راجعة بالأساس لعدم فتح الأباء لهذا الموضوع مع أبنائهم وبناتهم لتنويرهم وتوعيتهم في هذا الباب. وهو ما يخلف مشاكل نفسية وأحيانا عضوية كنتيجة للحياء الذي لا يكون في محله البيداغوجي. بل فقط لأن تمة سلطة عليا تمارس على الجميع(الأفراد) باسم الجميع ,داخل المجتمع وهي نسق بنيوي متشابك ومتداخل يعبر عنه إميل دروكيام قائلا : ’’أنه وراء الفرد توجد بنية واحدة عُليَا يمكن ملاحظتها تجريبيا و هي المجتمع ، فمن المجتمع يأتينا خير ما فينا و منه تنبع الأشكال العليا لنشاطنا . ما يعني بأن الفرد محكوم عليه أن يعيش وفقا للتنشئة التي تلقاها من قِبل مجتمعه’’.
ولكي أكون عَمليا بَرجمَاتيا وبسيطا بعيدا عن ’’الفلسفة’’ والتجريد,دعوني أقدم بين أيديكم هذه الشواهد ولكم عقولكم. ولعل الفكرة التي أود إيصالها دون مراوغة أو احتيال على القارئ إنما هي : أن ما قد نعتقده دينا قد لا يكون كذلك. بمعنى قد نكون على دين مجتمعنا وليس على دين محمد مثلا ونحن في ’’دار غفلون’’ لا نفقه ولا نعلم. كما أن الفكرة الأخيرة المستهدفة هي أن : حتى السلف الذي نريد اتباعه واقثفاء أثره, قد كان مختلفا مع بعضه البعض, بل ومجتهدا في مثل هذه الأمور ولم يُزندق أو يُمَرِّق من طرحها. بل إن عبد الله ابن عمر ابن الخطاب, الخلفية الثاني للمؤمنين,قد أجاز في أقوال كثيرة إتيان المرآة من دبرها وكان يمارس ذلك. السلف إذن يجوزون إتيان المرآة من دبرها! أليس ابن عمر من السلف,زيد ابن أسلم,نافع ثم مالك؟
هذه أدلة على الأمر.
لنرى :
هناك بعض ’’الصحابة’’ الذين أجازوا إتيان المرآة من دبرها، ومنهم عبد الله ابن عمر( عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي، ويكنى بأبي عبد الرحمن، صحابي جليل وابن ثاني خلفاء المسلمين عمر بن الخطاب وراوي حديث وعالم من علماء الصحابة) كان يرى بأن الرجل له الحق في أن يستمتع بزوجته كيفما شاء في قُبلها ودُبرها، وتبعه على ذلك المذهب المالكي.فالإمام مالك نفسه كان يرى أن للزوجين أن يستمتعا كل منهما بالآخر كما شاءا.
لنتقدم أكثر:
ففي كتاب المُغني لابن قُدامة في الجزء 7 ص 225 قال: رُوِيَت إباحته (اتيان الدبر) عن عبد الله ابن عمر وزيد بن أسلم (زيد ابن اسلم الذي وصفه الامام الذهبي بأنه الإمام الحجة القدوة الفقيه. ظهر لزيد بن أسلم في مسند الامام أحمد بن حنبل أكثر من مئتي حديث، توفي سنة 136هـ.) وكذلك نافع ومالك، وروي عن مالك أنه قال: ما أدركت أحدا أَقتَدِى بهِ فِي دِيني يَشُكُّ في أنه حَلال(يقصد الدبر) وهو حلال حسبه لا شك فيه.واحتَجَّ من أجل ذلك بقول الله عز وجل: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) البقرة 223.
ونَقل السيوطي في دره المنثور الجزء الأول ص 256: وأخرج ابن جرير عن ابن أبى مليكة(عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي القرشي. من فخذ ابي بكر الصديق و طلحة بن عبيد الله التيميان القرشيان وهو تابعي وراوي وحافظ للأحاديث) رُوي عنه أنه سُئل عن إتيان المرأة في دبرها فقال: قَد أَرَدتُهُ من جَاريَّة لي البارحة، فاعتاصت عليّ، فاستعنت بدهن!(ليسهل الإيلاج)...وموضوع الجاريات وما ملكت اليمين سنعود إليه لاحقا.
أما في كتاب ( فيض القدير للمنوي ج6 ص 24)، قال الحافظ ابن حَجر في اللِّسان في تَرجمة سَهل بن عَمَّار ـ الأصل الحَلِيلَة في الدبر ـ أي أن فعله مَروِيٌ عن عبد الله ابن عمر عن نافع وعن مالك,من طرق عدة صحيحة بعضها في صحيح البخاري.
وفي غريب مالك للدارقنطي. قال في جزء 1 ص 144: وما رواه الحاكم عن مالك في قوله: الآن فَعَلتُهُ بأُمِّ وَلَدِي وَفعَلهُ نافع وابن عمر وفيه نزل قول الله تعالى : (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) البقرة 223.
أما عن ’’أدب المعاشرة الجنسية’’ للزوجة في الإسلام ,وهو موضوع سنفرد له مقالا مفصلا لاحقا. فنكتفي الآن فيه بهذا,في أفق تنوير المسلمين وتفقيههم أكثر في دينهم :
فهناك حديث ورد فيه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يمص لسان عائشة’’أم المؤمنين’’, وهناك حديث آخر تقول فيه، إنه خلال أيام البرد الشديد كان النبي يأمرها بأن تعري فخذيها، ويضع وجهه بينهما كي يدفِّئه، وأيضا إن في ذلك استمتاعا من الناحية الجنسية، كما كان يقبلها وهو صائم خلال شهر رمضان أو صيام النافلة.
خلاصة :
لماذا الخوض في هذا الموضع؟ ببساطة لأنه من صميم الدين الإسلامي وخاض فيه علماء وفقهاء...فهل يحرم علينا ذلك؟
بباسطة مرة أخرى,ليس الغرض هنا هو إثارة هذا الموضوع كغاية في ذاته,فالأكدي أن الموضع في نقاش,بقدر ما يتعلق الأمر بالوصول إلى أن الناس الذين سبقونا(السلف) كما يسميهم البعض,كانوا أكثر جرآة من الخلف على أمر الدين وقضاياه,وأكثر عملا بقاعدة الإجتهاد (من اجتهد وأخطأ فله أجر ومن اجتهد وأصاب فله أجران) بل ولم يزجهم أحد باسم الدين على الكف والتوقف على مناقشة مثل هذه القضايا, فلماذا هذا الخوف والإرتجاف وهذا التخلف في المسير اليوم؟ لماذا الوفاء لماض بعينه وتغييب النقاشات التي كانت دائرة ورائجة حينها,عن أنظار الناس؟ لماذا حجب الشمس بالغربال,حتى أمسى كل شيء ’’طابو’’ في دين مجتمعاتنا؟
لعل الجواب يأتينا من القول بوجود الفكر السلفي المعاصر خارج التاريخ,فهو ظاهرة تطور عكسي,إذ كلما تقدمنا معه في الزمن لاحظنا تأخره على صعيد المبادئ والأفكار والمواقف. فمواقف الشاطبي ومالك وابن خلدون وابن عمر متقدمة جدا بالقياس إلى مواقف سلفية القرن 19,أما سلفية اليوم فهي لا تقاس أصلا في هزالتها وفقرها المعرفي..تكتفي بالصياح وطواح وصناعة التكفير والتَّمريق عن المِلة والدين,تحت طائلة الجهل بالملة والدين!
#أسامة_مساوي (هاشتاغ)