أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين طعمة - حكاية من ايار في الزمن الصعب














المزيد.....

حكاية من ايار في الزمن الصعب


حسين طعمة

الحوار المتمدن-العدد: 4445 - 2014 / 5 / 6 - 07:49
المحور: الادب والفن
    


كان العامل سامي ,يأتي الى البار(1) كل ليلة بملابس العمل بعد قضاء عمله في الحي الصناعي ,ببدلته الزرقاء المحملة بالاتربة والدهون وهو يحتل اول طاولة في البار ,تلك التي تقع على الساتر الحديدي , المطل على الشارع الوطني ليحتسي ما تعود ان يحتسيه ,وهو ربع من الزحلاوي المفضل لديه .كان نهما وسريعا في احتساء كؤوسه ومن بعد يمضي سريعا الى العبارات التي تقله الى التنومة حيث منزله .تعودنا ان نرى مراسيم وطقوس مكابداته وضجره وحيرته وهو مشدودا ومقيدا ومستسلما الى ما تبقى في زجاجته التي يرفعها بين الحين والحين ليرى بقيتها الباقية .
في تلك الليلة التي تناساها الجميع انذاك ,وسط زحمة اللاجدوى والضياع,حين أفل النهار وأشتدت الظلمة وضاع الحلم وتبدى في سراب الخراب الجديد في العام 1979 ,كانت الليلة ,ليلة الاول من ايار ,حين دلفنا الى البار ,كانت المفاجأة كبيرة لم نجد تفسيرا لها !!! .كان العامل سامي يجلس في المكان نفسه,وطاولته نفسها ,ولكن الامر المثير للأستغراب هو ما ظهر عليه من قيافته وتأنقه وشياكته , ببدلته الجديدة والجميلة ,ورباط عنق احمر ووجه ضل يرسم ضحكة وفرحا وأنسجاما مع ما يصدر من مكبرات الصوت ,او لترنيمة او موالا يصدر من احد الجالسين بجنبه ,او عبارة يطلقها مخمور متحد للوضع !!.كان الامر مثيرا ..,لم نعد نستوعب ما يحصل ,أو نعرف سر هذا التغير والتأنق هذه الليلة ؟؟!!
أصوات الحالمين تتعالى , وشجنها يمتزج مع صوت ام كلثوم ,ورؤوس تدار مع كل تنهيدة من الخيام ورباعياته ,وسامي يجدد معها ربعا اخرا في سابقة لم تحصل من قبل .كان يفترش ورقة على منضدته الخشبية,ساهيا يدون بين الحين والحين بعض من كلمات تأتي متأخرة ومتباعدة ,مرة يرفع كأسه ومرة يرفع ورقته الحبلى بالانين ,وكلاهما تبعثان الامل بالتحدي وتنفيذ ارادته . يتطلع أحيانا الى ساعته ,ربما كان قد نسي وقت مغادرته المعتاد ,أو ربما كان مشغولا ومضطرا بأمر اخر حتم عليه التأخير !!.نظر الى ساحة البار وعاد مرة اخرى الى ورقته متفحصا ومسترسلا بأفكاره ,تنتابه حسرة وقلق ومكابدة ,تتجلى في تسارعه بتناول كئوسه الواحدة تلو الاخرى .كان يتحين فرصة لتنفيذ الامر ,بان عليه قلقه ,وفضحته نضراته المتكررة للمكان بين اونة واخرى .حين انتهى بث المذياع وصمتت مكبرات الصوت ,أنتفض فجأة لأنه كان ينتظر هذه اللحظة على أحر من الجمر,فأندفع كالمأخوذ يقرأ مادونه وكتبه من تداع والم وقلق .كان صوته هادرا وجهوريا أسكت الجميع ,وكلماته كانت مثل منشورا سريا مر عليهم في وريقة وزعت بعيدا عن الاعين وتداولوها في اجتماع سري ,غاية في السرية .
كانت كلماته أستذكارا لأيار والطبقة العاملة وعيدها الذي تناساه الجميع ,ومحاولات الدكتاتورية وسياستها في تجهيل الشعب وتسطيح وعيه من خلال محاولتها طمس الذكرى وأحلال مناسبة أخرى بديلا عنها ,من خلال وعاضها الانتهازيين ,الذين تملقوا للدكتاتور وأوجدوا له عيدا للميلاد قريبا من الذكرى في محاولة لتغييب المناسبة ومحو اثرها !!.كان مندفعا ,لا يترك فراغا بين كلماته كي يبسط سطوته على الحظور .
كان التصفيق الذي تعالى في البار شديدا ,لسامي الذي ضل منحنيا ومؤشرا بيديه امتنانا لهم ,كان جميع عمال البار قد اخذتهم نوبة التصفيق الذي ضل طويلا ,وهناك الكثير من المارة في الشارع الوطني ضل مستطلعا ومشدوها لما يجري . في الطاولة المجاورة ,فز ثمل من رقدته ,صائحا :منو لينين ؟؟!! والله ما أدري بيه ,شوكت اجه !!.
كان عامل البار الطيب (حسنين)يقف جنب العامل سامي ,يطلب منه المغادرة على الفور ,لكنه ابى الا ان يطلب مشروبا اخرا .تودد اليه متوسلا ,ماسكا به من يده كي يترك المكان فورا ,ولكن عناد سامي ,اوقعه في حيرة لا يجدي معها نفعا .كرر سامي طلبه المشروب ,لكن (حسنين)أبى ان ينفذ طلبه .كان تأثير الخمرة والتعب باديا عليه ,حتى انه لم يفطن الى سقوط ورقته من المنضدة حين حركها الهواء قريبا منا .
لحظات بين شكوى سامي وتردد عامل البار الطيب ,دلف الى البار ثلاث اشخاص يحمل اثنان منهم هراوات قصيرة ,توجهوا مباشرة الى العامل سامي ,الذي حاول ان ينهض من مكانه ,غير انهما أنهالا عليه ضربا قاسيا ومبرحا ,واضعا يديه على رأسه لتلافي الضربات التي انهكته ,ولما لم يجدي الامر ,اسقط نفسه الى الارض ,غير انهما استمرا بتوجيه الضربات اليه بكل قسوة ,فأغمي عليه .....أوعز الشخص الثالث لهما بسحبه الى العجلة التي كانت تقف امام البار ,فكانت حالته يرثى لها ,امام صمت جميع من كان في البار .
كانت طاولتنا قريبة منه ,كنا نسمع داخل البار مشادة بين الطيب (حسنين)وأحدهم .كان التجهم والحنق باديا على وجهه وحين أقترب منا قال:الخيانة كانت من احدنا ,ماذا أفعل !!!ولكنكم حسنا فعلتم حين أخفيتم الورقة !!
(1)بار الشعب من بارات الشارع الوطني في البصرة رواده من الطبقة المسحوقة ,وصعاليك ومثقفين ناقمين وطلبة اقسام داخلية ,وهو من ارخص بارات البصرة انذاك



#حسين_طعمة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استحالة
- حلم
- قصةحب حقيقية بين شاب عراقي وشابة روسية قتلتها ارادة الطغاة و ...
- في العراق قتل ممنهج
- محطات مستحيلة
- السبعينيات وذكريات الميلاد
- محاولة لكتابة الغزل
- أسانيتنا الى أين ؟
- الى استاذي صالح البدري
- اليسار والثورات العربية
- من اجل ارساء مشروع المجتمع الحداثوي
- البطالة ..ورم يتفشى في الجسد العراقي
- اوقفوا الهجرة ونزيف الدم
- ازمة المثقف السبعيني في الواقع العراقي
- تداعيات انحسار الحركة الفنية في العراق
- التسامح الديني والشخصية العراقية
- في الناصرية ..نهاية لعلاقة حب مندائية


المزيد.....




- كيف عمّق فيلم -الحراس الخالدون 2- أزمة أبطاله بدلا من إنقاذه ...
- فشل محاولة إقصاء أيمن عودة ومخاوف استهداف التمثيل العربي بال ...
- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين طعمة - حكاية من ايار في الزمن الصعب