أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - الأمة المصرية ...امة كانت وتكون وستكون















المزيد.....

الأمة المصرية ...امة كانت وتكون وستكون


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4443 - 2014 / 5 / 4 - 17:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مقاله، المنشور في جريدة الاهرام اليومي الصادرة بتاريخ 30 ابريل 2014 بعنوان "ثـــورةٌ كانــت، وأمـــةٌ لم تكـن"، أنكر الدكتور محمد عبد الشفيع عيسى وجود "الأمة المصرية" !. فهي من منظوره "لم تزد عن كونها ادعاءً ثقافيا وإيديولوجياً مجردا، لا يسندها دليل تاريخي أو عقائدي صحيح". والغريب في الأمر ان الكاتب الذي أورد تعريفا منضبط لمفهوم الأمة، وهو "جماعة من الناس تكونت تاريخيا على أرض محددة، ولها نمط حضاري متميز، ممتد وعميق، في المجالين المادي والمعنوي"، لم يستخدمه في اثبات مقولته بل قفز الى نتيجة لا علاقة لها بمضمون التعريف الذي ذكره؟ وهي النتيجة التي صاغها على الوجه التالي "وفى ضوء هذا التعريف، يمكن القول بدرجة عالية نسبياً من الثقة العلمية، إن مصر جزء من أمة أوسع منها هي الأمة العربية".

ولنبدأ بأول فقرة من فقرات التعريف الذي أورده وهو "جماعة من الناس تكونت تاريخيا على أرض محددة". في البداية شكل المكان المصري ببعديه، "الموقع" و"الموضع"، العناصر الموضوعية المؤسسة للأمة المصرية. فكان موقعا فريدا بتعدد إطلالاته على شمال أوروبي وجنوب إفريقي، وشرق عربي أسيوي وغرب عربي أوسطي. وأعتقد أنه لا يستطيع أحد إنكار أنه في هذه البقعة من العالم قامت مصر "الموقع"، بحدودها المعروفة منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، لتكون نموذجا فريدا لم ولن يتكرر لـ "الثبات الجغرافي للحدود". فمنذ عصر الاتحاد الثالث بين مملكة الشمال ومملكة الجنوب على يد الفرعون المصري مينا وحدود الديار المصرية لم تتغير من سيناء شرقا الى السلوم غربا ومن المتوسط شمالا الى أرض النوبة جنوبا. هكذا كانت سمة "الثبات الجغرافي للحدود" للدولة المصرية سمة مصرية خالصة لم تحظ بمثلها أية دولة من دول العالم القديم أو الحديث. وهكذا عرف المصريون الحدود يوم أن كانت حدود الآخرين ملتصقة بخفاف إبلهم الباحثة عن مرعى أو تجرجرها سنابك خيولهم الساعية وراء غزوة، ويوم أن أصبحت تلك الحدود تقررها جغرافيا بنوك تأتيهم منها الأموال أو تحفظ لهم فيها الأرصدة. وهكذا كان مفهوما "الوطن" و"المواطنة" من أول وأهم الاكتشافات العبقرية التي أهدتها الأمة المصرية لحضارة الإنسان.

أما موضع الكيان المصري فكان أرضا زاوجت بين الرمل والطين وكان فيها النيل الذي شكل البيئة المصرية التي يصفها جمال حمدان البيئة المصرية قائلا: "هي البيئة النهرية بامتياز، وبالتحديد نموذج البيئة الفيضية المطلق، بل هي بكل سهولة "أكثر الفيضيات فيضيه" في الدنيا. فأكثر من أي بلد آخر، حياتها كلها هي النهر، لا وجه لها بدونه" (حمدان, 1995، ص 59). ويستطرد جمال حمدان قائلا "الحقيقة الأولى في الوجود المصري في أن مصر هي النيل". فـ "النيل في واقع الأمر ليس مجرد حقيقة جغرافية فقط، بل هو ضابط إيقاع الحياة في مصر، فإذا كان النيل في البداية حقيقة جغرافية أدت الى خلق هذا الكيان في قلب الصحراء الكبرى، فإنه لم يلبث أن تحولا أن يكون الفيصل في كافة جوانب الحياة في مصر. والوجود المصري هنا هو الاقتصاد والديانة والأدب والقانون والعلاقات الاجتماعية، وأخيرا وليس آخرا نظام الحكم والعلاقة بين الحاكم والمحكوم" (أبواليسر, 2005، ص 34-35).


اما بالنسبة لثاني فقرات تعريف الامة "ولها نمط حضاري متميز، ممتد وعميق، في المجالين المادي والمعنوي " فتعدد الشواهد الا أنني بالنسبة للمجال المادي سأنتقي منها ما يتعلق بفن العمارة اذ ان حديثنا عن أمة بناءة. أنظر حولك وتأمل بيت السحيمي ودير الأنبا مقار ... معبد دندرة والكنيسة المعلقة ... وكالة الغوري وضريح أمير كبير ... ضريح اﻹ-;-مام الشافعي ومعبد الدير البحري. وتتعدد الأشكال وتتباعد الأمكنة وتتفرق الأزمنة ولكنها كلها تجسد وحدة المضمون فـ " العمارة القبطية هي العمارة الفرعونية، وهي العمارة اليونانية الرومانية في مصر ... وهي العمارة اﻹ-;-سلامية في مصر. وأما الفوارق التي تفصل بينها فهي فوارق إقليمية اقتضتها السلطات الزمنية في عهد ما، ثم اعتبارات الدينية ... ولكنها في الحقيقة تلتقي عند الأصول والأسس التي قامت عليها العمارة الفرعونية ومهما يكن فإن ما دخل عليها من تحوير أو تكيف بما يلائم ظروف البيئة لم يمنعها من أن تظل محتفظة بروحها وعناصرها الأساسية".

أما التاريخ، "تاريخ شعب مصر"، لا تاريخ غزاته من فرس وروم وعرب وأتراك، فيقول لنا أنه نشأت في مصر الموقع أمة حرفتها "صنع الحضارة"، على حد قول د. حسين فوزي أحد رواد القومية المصرية الأوائل. أمة من الزراع والبنائين والصناع احترف أبناؤها مهنة ترويض النهر وزرع الأرض التي أشبع إنتاجها بطون النهابين الغزاة. أمة احترف أبناؤها مهنة العمارة فشيدوا الأهرام والكرنك ودير المحرق وجامع السلطان حسن. فلم تكن الأمة المصرية، عبر تاريخها الطويل، أمة حرب تقوم حياتها على غزو الآخرين ونهب خيراتهم وعلى التباهي بتلك الغزوات وعلى التباكي على ما فقدوه من أراض اغتصبوها عنوة من أصحابها بحد السيف. ولم تكن الأمة المصرية أمة من التجار تسترزق من عمل الآخرين بل كانت ولاتزال أمة تقوم على عمل أبنائها وكدهم.

أما بالنسبة للمجال المعنوي فلقد خاضت الأمة المصرية، على سبيل المثال، عبر تاريخها الألفي تجربة إنسانية فريدة أسهمت في تشكيل الوجدان المصري على نحو مغاير لما حدث في الأمم المجاورة. فلم تعتمد هذه الأمة في معاشها على الاستيلاء على ثروات الآخرين ولم تستحل خيراتهم تحت أي ستار فكرى كما فعلت أمم أخرى. وقد عبرت الأمثال الشعبية للمصريين أصدق تعبير عن هذه التوجهات. فنراهم يقولون "ازرع كل يوم تأكل كل يوم" و"إعمل بخمسة وحاسب البطال" و"الإيد التعبانة شبعانة". وكما خلت أمثالهم من كلمات مثل "اغزو" و"إنهب" نراها تحتفى بالاستقرار والتوطن فنراهم يقولون "من فات داره إتقل مقداره" و "مانبنا من غربتنا إلا عوجة ضبطنا".

ان الأمة المصرية يا سيدي هي هذا الكيان الذي نشأ وتطور عبر مئات القرون كمحصلة لتفاعل حضارات مختلفة، فرعونية ويونانية وقبطية وإسلامية وحديثة، تمثلتها الأمة وهضمتها لتفرز خصوصيتها المتميزة. فقد قال قائل، وقد صدق، "إن مصر وسبقة من جلد الرق، الإنجيل فيها مكتوب فوق هيرودوت، وفوق ذلك القرآن، وخلف الجميع لاتزال الكتابة القديمة مقروءة جلية". فهكذا تشكلت الأمة المصرية لتكون أمة مركبة ومتعددة الأبعاد، ولكن في وحدة وتكامل غير منقوصين. وهذا التعدد هو في حقيقة الأمر هو رصيد قوتها الكامنة والمتجددة، وهو سر قدرتها على البقاء وتجاوز الأزمات، وهو محرك آلياتها للإبداع وللتكيف مع الجديد.

كان هذا رد في عجالة على مقولة صادمة تنفي وجود "الأمة المصرية" ولا تدرك خطورة هذا النفي، غير المبرر علميا، على وحدة هذا الوطن في ذلك الوقت بالذات. ان "الأمة المصرية" هي هذا الإطار الجامع الذي يجمع بين المختلفين، عرقا او دينا، في كيان واحد يسعى، في المقام الأول، الى رفاه افراده والي التعاون الخلاق بينه وبين جيرانه.

المراجع
أبواليسر, ف. 2005. الحاكم يأتي عبر البحر. مجلة الهلال, سبتمبر: 46-32.
حمدان, ج. 1995. مختارات من شخصية مصر. القاهرة: مكتبة مدبولى.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاساطير الثقافية: (5) أسطورة -زي السمن على العسل-
- الاساطير الثقافية: (3) اسطورة الزمن الجميل
- العصا والجزرة ورفيقتهما الناعمة: من القوة المحتملة الى القوة ...
- العصا والجزرة ورفيقتهما الناعمة (1-2)
- الاساطير الثقافية: (2) الغزو الثقافي (او حكاية -الناس اللي ف ...
- الثروة الخفية
- من يخاف من العولمة؟
- علمنة المجتمع وشكة الدبوس
- العلم من بارادايم البساطة الى بارادايم التعقد
- الاساطير الثقافية: (1) اسطورة العروبة
- الحل برة الصندوق
- تانجو الفوضى والانتظام
- أزمة العقل البسيط
- جاليليو الذي تجاهلناه
- الة الزمن المعكوس
- جاءنا البيان التالي
- زمن الهوجة
- عن الثورة الثقافية ... معالم على الطريق (3/3)
- عن الثورة الثقافية ... عشان ايه وليه؟ (2/3)
- عن الثورة الثقافية ... ترويض المفاهيم (1/3)


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - الأمة المصرية ...امة كانت وتكون وستكون