أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - ثامر ابراهيم الجهماني - كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي كامل















المزيد.....



كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي كامل


ثامر ابراهيم الجهماني

الحوار المتمدن-العدد: 4436 - 2014 / 4 / 27 - 08:01
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


مفهوم الارهاب كتاب
في القانون الدولي
دراسة قانونية ناقدة
طبعة أولى 1998
دار حوران
تأليف المحامي ثامر إبراهيم الجهماني
ساقوم بنشره على حلقات لتعم الفائدة
((1))
مقدمة
" كان الذي في الطابور ، صبياً في السابعة من العمر موسوماً بجروح عميقة حدثت نتيجة ربطه بسلك فولاذي ، بينما كان الجنود الفرنسيون ينزلون ويقتلون أقاربه وأخواته ، في حين وقف ضابط يمسك له : عينيه مفتوحتين بالقوة على المشهد لكي يراه ويتذكره طويلاً .." .
وتضيف الشاهدة ، الصحفية السويدية " كريستيانا ليليستريا "- والكلام للاستاذ الزين - : وهذا الطفل كان قد حمل جده ، خمسة أيام وخمس ليالٍ بطولها حتى أوصله إلى المعسكر .
وذات يوم قال الولد : إنني لا أشتهي إلا شيئاً واحداً وهو أن أتمكن من تقطيع جندي فرنسي ، إلى نتف صغيرة جداً . وبقوله ها ألصق بنفسه تهمة "إرهابي " فأعدم كي تبقى الجزائر " نظيفة من كل إرهاب " ! .
إن " الإرهاب "Terrorism من اشد المسائل القانونية تعقيداً .. فهو ليس مسألة عادية ، ويعتبر من المظاهر الأكثر بروزاً على الساحة الدولية والداخلية – داخل الحدود الإقليمية لكل دولة – وإن الإرهاب موضوع حساس كدراسة نظرية ، وهو موضوع فضفاض لايمكن حصره ضمن إطار محدود وخصوصاً حين نطبّق التعبير الشائع "بأن من يعتبر إرهابياً من وجهة نظر احدهم يعتبر بطلاً أو مناضلاً في سبيل الحرية من وجهة نظر آخر " . ولا يخفى على أحد أن التلاعب بالمصطلحات ، ومحاولة إطلاق التعاريف وتشكيلها في قوالب تخدم الدول ، والحكومات الإرهابية ، لعب دوراً خطيراً لآن كلمة الإرهاب بمدلولاتها ، من الكلمات التي أسيء استعمالها دون غيرها وبشكل تعسفي واضح في العلاقات الدولية المعاصرة .
وللسياسة في هذا السبيل حيل كثيرة ٌ .. تخفي وراءها حلاوة البيانوالكلام ن وعلقم المعاني ، كأن نقول : في سبيل حل الصراع العربي – الصهيوني ، يجب " الاعتراف بحق جميع الدول في العيش بسلام " . كي يختفي داخل هذه العبارة ن إقرارنا في نهاية المطاف بحق الحركة الصهيونية في استبقاء ما اغتصبت ، وإضفاء الشرعية عليه ، وانتزاع اعتراف من الذين اغتصبت أراضيهم ، بحق المغتصب فيما اغتصب .
ويتعزز هذا الاستخدام لكلمة الإرهاب باساس مؤسس ، إذ اصبحت موضوعاً لكتب ومؤلفات ، وصار للارهاب "خبراء " معتمدون ، ومعمّدون ، بل ودخلت إلى برامج الدراسة في اقسام العلوم السياسية وسواها من العلوم الاجتماعية ، في عدد غير قليل ومتزايد من الجامعات الغربية والأمريكية بالذات .
لذلك نجد أن أهمية هذه الدراسة تكمن في تحديد المفاهيم التي كثر استعمالها في الادبيات المنشورة وفي الكتب والدراسات المعاصرة ، والتي عجزت "عن تفسير ظاهرة الإرهاب العنف بصورة عامة ، والإرهاب بوجه خاص كما سنرى ، وخاصة عندما يتعلق الأمر (بالإرهاب السياسي ) وصولاً إلى الإرهاب الذي يمارسُ على مستوى دول ، أو الصادر عن قرار سياسي حكومي ". لذلك وجب علينا طرح التساؤلات التالية : ماهو الإرهاب ؟ وما هي الكيفية التي يتم بموجبها إلصاق وصف الارهابي ببعض مرتكبي العنف الإرهابي فقط وليس بهم جميعاً ؟
ويتساءل القارئ : ماهي خصائص العنف ؟ وما هي الشروط التي يجب توافرها لنصف العنف بالإرهاب ؟ وماهو مدى وجود إرهابيين جيدين ، وإرهابيين سيئين ؟ وهل يختلف الأمر إن كانوا موظفين حكوميين أم ثوريين ؟ رغم أن القانون الدولي لم يتطرق إلى كل ذلك كما سنرى ..
تشكل هذه التساؤلات مجتمعه إشكالية ضخمة لم يستطع إزاءها الباحثون والدارسون خلال عشرات السنين من وضع ضوابط وقواعد محددة تحكم هذه الاشكالية وتضع لها الحلول " فخلال العشرين سنة الأخيرة ،تم نشر حوالي 6000 كتاب ، ومقال ، وبحث حول الإرهاب ، والإرهاب المضاد ، كما ظهرت إلى حيز الوجود مجلات ، ونشرات وكتيبات تركز على هذا الموضوع " . وطبقاً للكاتب "شميد" فقد تم تسجيل 5831 مؤلفاً حتى نهاية عام 1987 . إن كل هذا العدد الضخم من المحاولات بنوعيها الهادف والمفخخ ، حاولت وضع حدود وضوابط لهاته الإشكالية ، لكنها لم تزل تحتاج إلى الكثير من الدراسات الموضوعية لتحديدها ، وأن الدراسات التي بين ايدينا والتي اعتمدناها كمراجع لم نجد من بينها كدراسة قانونية إلا القليل القليل .
لذلك نرجو أن نكون قد وفقنا نوعاً ما بالإجابة على الأسئلة المطروحة في هذه المقدمة ، فقد قسمنا هذه الدراسة إلى ثلاثة أقسام ن أو ثلاثة مباحث : فالمبحث الأول : درسنا من خلاله مفهوم الارهاب ونشأته ، وموقف مختلف الأنظمة منه ، أما المبحث الثاني : فقد تناولنا فيه اشكال الإرهاب وتمييزه عن الكفاح المسلح ، وتركنا موقف القانون الدولي والفقه من الإرهاب ، وتحديد المسؤولية الدولية للمبحث الثالث .
لندخل سوية ونفك الستار عن جوانب هذه الظاهرة .

المبحث الأول
مفهوم الإرهاب ونشأته وموقف مختلف الأنظمة منه

إن وجود الإرهاب قديم قدم التاريخ المكتوب . وكان استعمال العنف قديم قدم الانسان نفسه ، للدفاع عن النفس ، أو حباً في التملك والانتقام ، هذا ما أكده مصطفى غالب في كتابه "في سبيل موسوعة نفسية" (1) .
إن استعمال حق الدفاع مشروع قانونياً ، لكن أختلط الأمر حديثاً بين الإرهاب ذي البواعث الدنيئة ، وحق الدفاع عن النفس ، ودفع الظلم ، مما أدى لاختلاف النظرة نحو الإرهاب بإختلاف الآنظمة . ولهذا قسّمنا هذا المبحث إلى مطلبين :
الأول : مفهوم الإرهاب ونشأته .
الثاني : موقف مختلف الأنظمة من مفهوم الإرهاب .


المطلب الأول : مفهوم الإرهاب ونشأته :
تطور الإرهاب بحكم تطور الإنسان وتطور المجتمعات ، تطوّر بأساليبه وتصوراته ومفاهيمه .وقبل إظهار جوانب هذا التطور ، لابد من الوقوف على ماهية الإرهاب ، وكيفية نشأته ، وكيفية تطور مفهومه ، والإفرازات التي أدت به للوصول إلى ما هو عليه حالياً ، لذلك قسمنا هذا المطلب إلى فرعين هما على التوالي :
فرع أول : مفهوم الارهاب لغة ً واصطلاحاً .
فرع ثاني : نشأته وتطوره .

الفرع الأول : مفهوم الإرهاب لغة واصطلاحاً .
أولاً : الإرهاب لغة ً: إن كلمة "رهبة " من الناحية اللغوية ، ينحدر أصلها من اللغة اللاتينية ، ثم انتقلت فيما بعد إلى لغات أخرى ، لدرجة أن أصبحت مشتقاتها "الإرهابي ، الإرهاب ، الأعمال الإرهابية ، والإرهاب المضاد ...إلخ " واسعة الانتشار " وطبقاً لما يقوله ( بوغدان زلاتريك (BOGDAN ZLATRIC )( فإن مصطلح " الإرهابيين ..أصبح مصطلح موضع استعمال تعسفي مقروناً بمضامين جنائية(2) "
إن الإرهاب بمعنى ( TERRORISM) ككلمة ظهرت بعد تطور الثورة الفرنسية وبالتحديد بدءاً من سنة 1794، هي مشتقة من كلمة (TERREUR)وهذه الكلمة بدورها مشتقة من أصل لاتيني هو (TERRERE-TERSERE) بمعنى جعله يرتعد ويرتجف . كما إن كلمة (TERRORISER)كما جاءت في قاموس المنهل هي أَرْهَبَ، رَوَّعَ . وجاء تصريفها " إرهاب ، ترويع (TERRORISM) ، إرهابي ّ( TERRORISTE) . (3).
وجاء " تعريف (TERREUR) في قاموس الأكاديمية الفرنسية لعام 1694 كما يلي : رعب ، خوف شديد ، اضطراب عنيف (4).وهذا التعريف ما تؤكد عليه بعض القواميس القديمة ، مثل قاموس ( فورتير FURETIERE) ، وقاموس ( ريشليه –RICHELET ) وغيرها .
ووفقاً " للمعجم القانوني " (5) لمؤلفه (بلاك –BLACK) ،فإن ( الرهبة –TERRER ) تعرَّف على أنها ذعر ، أو رعب ، أو فزع أو حالة ذهنية تسببها الخشية من لحوق ضرر جراء حادث أو مظهر معاد أو متوعد ، أو هي خوف يسببه ظهور خطر.
إن كلمة الإرهاب (TERRORISME) الفرنسية ، تقابلها (TERRORISM ) بالانكليزية ، وكلتاهما تدلان على استعمال أساليب إرهابية من قبل أشخاص عاديين وضعفاء ، أي ليسوا في مركز سلطة أما لو استعملت هاته الأساليب من أشخاص في السلطة أي أقوياء ، كأداة للسيطرة فهنا نعني كلمة (TERROR-TERROUR) بالفرنسية والإنكليزية – بالترتيب – أما في اللغة العربية فلا يوجد تمييز بين المصطلحيين .
أما القرآن الكريم فقد أعطانا تحديد لغوي لكلمة رهبة ، ومشتقاتها في الكثير من السور (6) ، مثال في سورة الانفال ، الآية 60، يقول الله تعالى (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم )) (7). أي أن كلمة الإرهاب هي التخوبف ، حيث جاء في مختار الصحاح معنى كلمة الإرهاب من الفعل " ر هـ ب - رَهِبَ – خاف وبابه طَرِبَ و (رهْبَة ً ) أيضاً بالفتح و( رُهْبَا ) بالضم ، ورجُلٌ ( رَهبوت ) بفتح الهاء أي (مرهوب ) " (8) . ويقال ( رَهَبُوْتٌ خيرٌ من رَحَموتْ) أي لآن تَرهب خير من أن تُرْحَم . والراهب مصدره ( الرهبة ) و ( الرهبانية ) بفتح الهاء فيهما و ( التَّرَهُّبُ ) تعني التعبد .
وجاء في قاموس لسان العرب في معنى كلمة الإرهاب من الفعل رهب نفس ما سبق ذكره . وتأكيداً عليه . أما ابن الأثير فقال : الترهب أي التخويف ، وأصبح راهباً أي خائفاً ، وترهب الرجل إذا صار راهباً يخشى الله .

ثانياً : الإرهاب اصطلاحاً :
انطلقت الثورة الجزائرية في الفاتح من تشرين الثاني - نوفمبر 1954 ، بقيام مجموعة صغيرة من الثوار المزودين بالأسلحة الخفيفة بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي ومواقعه في أنحاء البلاد في وقت واحد . إن هذه المجموعات كانت في نظر فرنسا مجموعات إرهابية ، وكذلك الأمر للفلسطيني في نظر أمريكا و"إسرائيل " فهو إرهابي . وكل مظلوم يثور في وجه ظالميه فهو إرهابي !!! لكن من وجهة نظر الرأي العالمي كان الجزائري والفلسطيني وأي مظلوم ، كلهم ثوار .

إن مصطلح الإرهاب يعود ظهوره إلى القرن الثامن عشر ، مع بداية ظهور الثورات والانتفاضات الشعبية ، وبالتحديد في القانون المتعلق بالإرهاب والصادر في 10 حزيران - يونيو 1794 ، كوسيلة لمحاربة القائمين بالثورة الفرنسية ، حيث كان مصطلح الإرهاب يعني كل عمل إجرامي يرتكب ضد الثورة – بعد ظهور الجمهورية الأولى ( الدولة الجاكوبية ) – وأجهزتها الحاكمة .
إن كلمة الرهبة (TERREUR) اصبحت وسيلة حكم يقوم على الترهيب . لذلك قدّم ( روبسيبير ROBESPIERRE) عام 1793 تقريراً عن مبادئ الحكومة الثورية ، فقال : (( ليس علينا أن نزرع الرهبة في قلوب المواطنين والتعساء ، بل في مخابئ المجرمين الغرباء ، حيث يتقاسمون الأشلاء ، وحيث يشربون دماء الشعب الفرنسي )) . (9)
ويؤكد "جان توشار " بأن روبسيبير " ROBESPIERRE الذي لايفسَد يتجلى بتقديس الفضيلة ، فلا سياسة بدون أخلاق ، ولاتمييز بين الأخلاق العامة والأخلاق الخاصة ، والأخلاق العامة هي التي تفتح الفضائل الخاصة . من هنا ذلك المزيج من المثالية والإرهاب : حيث أن الإرهاب يصدر عن الفضيلة . (10).
يتضح إذن أن الرهبة (TERREUR) قد تجاوزت في هذه المرحلة حدود كونها ردة فعل تلقائية تقوم بها الجماهير بدافع من الحماس الوطني المتزمت ، وأصبحت وسيلة حكم يقوم على الترهيب ، والذي انتهى بسقوط ( روبسيبير ) الذي حوكم وأعدم في ساحة الثورة باعتباره إرهابيا ً ، فكان أول استعمال للمصطلح في اللغة الفرنسية .
لكن في بداية القرن التاسع عشر تبدل مفهوم الإرهاب على أيدي الفوضويين الذين كانوا يرفضون جميع اشكال السلطة ، أشخاصاً ومؤسسات ، ويتضح ذلك من برنامج المنظمة الإرهابية العدمية التي أطلقت على نفسها ( إدارة الشعب ) حيث يمكننا الاطلاع على دور الإرهاب في عملها السياسي : > .إلا أن المفهوم قد تطور بفعل تطور المجتمع الدولي ، حيث اشارت إلى ذلك الكثير من الوثائق الرسمية ذات الصفة الدولية أو الإقليمية .(11)
وبعد إنتصار الثورة الاشتراكية 17 تشرين الأول - أكتوبر 1917 ، اطلقت الراسمالية على الثورة الفتية ( صفة الإرهاب ) ، في حين كانت الرأسمالية – والحاكمة للدول الغربية – تنكل بالقوى العاملة ، وتزيد من اضطهاد ةإحكام سيطرتها عليها ، مستخدمة التطور التكنولوجي ، ووسائل القمع الحديثة ، واصفة اي تحرك جماهيري بالإرهاب . فظهر ما يسمى هناك ( بالإرهاب الأبيض Wihte terror-La Terrreur Blanche) حسب الدكتور عبد الوهاب الكيالي ، الذي مردّه بالأصل إلى مرحلتين من تاريخ فرنسا الحديث "الأولى في عام 1795 ، وفي بعض مناطق جنوب فرنسا ، عندما لاحقت جماعات من أنصار الملكية ( اليعقوبيين ) فقتلت بعضهم رداً على إرهاب الأخيرين ( الأحمر ) الذي اتبعوه في السنوات السابقة . والثانية في أواخر 1815 عندما اتخذ شكل ردة الفعل الملكية على حكم المائة يوم (12) . ويتابع الكيالي قائلا : " فقامت من جهة حركات شعبية عفوية بسجن وتعذيب وحتى قتل بعض أنصار الإمبراطور مثل الماريشال ( برون ) والجنرال ( راميل ) في جنوب فرنسا ، ونفذت الحكومة من جهة اخرى ، عقوبات بحق اشخاص اعتبروا مسؤولين لمساعد تهم نابليون كالماريشال ( ني ) الذي أعدم في 7 كانون الأول - ديسمبر 1815 " (13)
إن من أخطر الآثار في هذا السياق في عصرنا الحديث أن " المتهمين " بالإرهاب انبروا ينكرونه ويستنكرون ما يفعلون أو كانوا يفعلون . بينما ( الإرهاب ) ، الكلمة والفعل ، حمّال أوجه كما أكد الاستاذ مصطفى الحسيني (14).
أما استخدام كلمة إرهاب – في عصرنا الحديث – مرة أخرى لأغراض سياسية فقد أحيته " الدولة " الصهيونية ، عندما أطلقتها على حركة المقاومة الفلسطينية ، وبلغ من فعالية هذا الاستخدام أن بعض المتحدثين باسمها يتحدثون عن " القتال " وعن " الإرهاب " باعتبارهما ظاهرتين متمايزتين . وأخذت الولايات المتحدة ، في مستوى الاعلام كما في مستوى السياسة الرسمية ، تروج لهذا الاستخدام وتتوسع فيه ، وكان المستهدف الأول في هذا الترويج الأمريكي هو الفلسطينيين ، ثم توسع ليشمل دولاً عربية (15)، ثم اضيفت غيران بعد سقوط الشاه – الموالي لأمريكا – ثم دمغت بالإرهاب الطائفة الشيعية بالعموم ومذهبها ذاته ، ثم أصبح الإرهاب "إسلامياً " ، حتى كاد الإسلام يصبح في الذهن الأمريكي العام صنواً للعنف (16) .
وبالمقابل نجد أن إدارة ريجان هي التي ركزت الضوء على معنى " الإرهاب الدولي " – في الاستخدام الغربي المحدد – منذ ان تولت السلطة في عام 1981 . وليس من الصعب إدراك الأسباب وراء ذلك رغم أنه كان – ولا يزال – يتعذر التعبير عن هذه الأسباب في النظام المذهبي .
فقد كانت إدارة ريجان ملتزمة بثلاث سياسات مرتبطة ببعضها البعض ن وكلها تحققت بقدر كبير من النجاح وهي (17):
1- نقل الموارد من الفقراء إلى الغنياء .
2- تحقيق زيادة ضخمة في القطاع الحكومي من الاقتصاد بالطريقة الأمريكية التقليدية ، من خلال نظام البنتاجون ( وزارة الدفاع الأمريكية ) ، وهو وسيلة لإجبار الشعب على تحويل صناعات التكنولوجيا رفيعة المستوى عن طريق قيام الحكومة بضمان سوق لمنتجات نفايات التكنولوجيا ، وبالتالي الإسهام في برنامج الدعم الحكومي والربح الخاص ، الذي يسمى " المشروع الحر " .
3- إنجاز زيادة كبيرة في التدخلات الأمريكية في شءون الدول الأخرى والتخريب والإرهاب الدولي ( بالمعنى الحقيقي للكلمة ) . إن مثل هذه السياسات لايمكن أن تنطبق إلا إذا تم تخويف الشعب بصورة صحيحة من وحوش يتعين أن يحمي نفسه منها ، والتي يسميها الرئيس" المؤامرة المتكتلة التي لاترحم " .
بناءً على ما تقدم أصبح الإرهاب تهمة إجرامية تطلقها الإمبريالية وحلفاؤها على حركات التحرر الوطني ، لتبرر سلوكها الإجرامي – اي الامبريالية – ضد قوى التحرر العالمية .
الفرع الثاني : نشأة الارهاب وتطوره .
إن الانسان أناني بطبعه ، وميال لحب التملك ، تبعاً لذلك فإن الإ رهاب وليد العصور القديمة ، عرف الإنسان الإرهاب ومارسه دفاعاًعن نفسه ووجوده ، وعن ملجئه ، وكوخه ، وبيته .
إن اللجوء إلى القوة والعنف أمر فطري لجأ إليه الإنسان لتأكيد ذاته ، أو لاستغلال أخيه الانسان > (18) .
غير أن صورة الإرهاب أصبحت أكثر وضوحاً بنشوء المجتمعات الأولى القائمة على الملكية مروراً بمرحلة المشاعية البدائية التي تجبر على قانون تفاعل العلاقات الاجتماعية والقوى المنتجة . وهو قانون لا يمكن الإخلال به ، فعدم التوافق بين العلاقات الإنتاجية والقوى المنتجة يسير بالأمر نحو الثورة الاجتماعية .
أما في مرحلة الرق فإن المجتمع ينقسم إلى طبقتين متضادتين ، طبقة مالكي العبيد ، وطبقة العبيد . هذه المرحلة نشأ فيها الصراع الطبقي ، نتيجة للكبت الإجتماعي والظلم الاقتصادي ، فكانت النهاية لهذه المرحلة بثورة العبيد ولإسقاط مجتمعات الرق ، التي ولد على حطامها النظام الإقطاعي ، الذي إحتوى في مضمونه عدة طبقات ( النبلاء ، والكهنوت ، والفلاحين ، والتجار ، وأخيرا الاقطاعيين ...الخ ).
فكان الفلاح هو الضحية ، مما ولد لديه روح التمرد . كما ظهرت المدن ، وأُنشئت ورشات العمل اليدوي ، ونما الرأسمال التجاري ، معتمداً على طبقات أخرى تحالفت وقامت بثورات قضت خلالها على النظام الإقطاعي ليحل محله النظام الرأسمالي .
إن النظام الرأسمالي قد طور الاقتصاد ، وكرس رأس المال ، وأدخل العلم لجميع الميادين ، كما أشار لذلك ماركس بقوله :>(19).
انقسم العالم على إثر النظام الرأسمالي إلى تكتلات سياسية واقتصادية ، وظهرت الاحتكارات الرأسمالية المتطورة ، والبلدان النامية التي احصرت سيادتها تدريجياً عن طريق سياسة الإفساد على نطاق واسع ، حيث استعملت الدول الاحتكارية وسائل أكثر عنفاً لإخضاع شعوب العالم لسيطرتها ، لذلك ازدادت عمليات الارهاب ، وتنوعت وسائلها في ممارسة هذه العمليات .
إن المستفيد الوحيد من انتشار ظاهرة الإرهاب وتعميمها في العالم هو الإستعمار ، والإمبريالية العالمية ، وعملائها . وعندما جاء القرن العشرون ، عصر التحرر من الإستعمار القديم " التقليدي والتبعي " وبالتحديد بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية 1917 ، بدأت تظهر إلى الوجود دول جديدة ذاقت شعوبها ويلات الحروب ، من خلال الثورات الشعبية ضد الغاصب المحتل ، وكان الوصف الدائم لجميع هذه الثورات ( الإرهاب والارهابيين ) . بينما أمريكا سيدة الكون تعمل على أمركة العالم : حيث كتب ( تيودور روزفلت ) إلى السيناتور ( هنري كابوت لودج ) ما يلي : << آمل أن ينفجر الصراع عما قريب وقد أقنعتني صيحات الاجتماع التي أطلقها أنصار السلام أن البلاد تحتاج إلى الحرب >> !! وبعد سنوات قليلة كان روزفلت يقول :<< إن قدرنا هو أمركة العالم .. تكلموا بهدوء واحملوا عصا غليظة ، عندئذ يمكن أن تتوغلوا بعيداً >> . (20) .
وكان الوصف الدائم لتلك الثورات كما ذكرنا ( الارهاب والارهابيين ) . فلم يكن هناك تمييز بين الإرهاب والعنف ، والكثير من المصطلحات ، فإذا كان العمل العنفي مداناً ، ف-اين موقع الإرهاب الذي تجاوز أي عمل عنفي بآلاف المرات ، لما يتركه من أثر نفسي وسياسي على الشعوب واقتصادياتها ، فمن باب أولى إدانته هو – أي الإرهاب – بداية تبعاً للآثار المترتبة عليه .
إن الإجابة على هذا السؤال ، نجدها من خلال التمييز بين (العنف والإرهاب ).
التمييز بين العنف والإرهاب :
إن تعريف العنف من جهة ، والإرهاب من جهة ثانية ، هو موضع خلاف شديدبين المفكرين ورجال القانون المختصين ، حيث لا يوجد مقياس ، أو مكيال يقاس عليه الفعل ، ليحدد هل هو من الأعمال الإرهابية ، أم عمل من أعمال العنف ، هناك فرق بينهما حسب التعريف الذي أورده أستاذ أمريكي ، يدعى ( بول واتر ) نجد أن من خصائص الإرهاب ، أو العنف الارهابي (21) :

1- له مظهر بسيكولوجي لكونه يتعاطى مع الطبيعة الإنسانية من خلال الحالة النفسية التي يحدثها .
2- أنه ذو طبيعة لا تمايزية ( أي لا تمييز في هدفه بين رجل وامرأة – طفل أو كهل ...الخ ) .
3- صفة المفاجئة ، أو عدم القدرة على التنبؤ بوقائع العنف .
4- له محتوى سياسي ، أي لا يكون لدوافع ذاتية أو مصالح شخصية .
فكل عمل يتصف بالعنف وتختل في خاصية لا يرقى إلى درجة الإرهاب . ثم إن الإرهاب كمصطلح لم يتم اتفاق دولي على تحديد مفهومه تبعاً لاختلاف الرؤى الفردية ، والأحادية ، والأيديولوجية ، والأهداف .
فيعرِّف ( جوليان فرويند ) الإرهاب بقوله : << الإرهاب يقوم على استعمال العنف دون تقدير ، أو تمييز بهدف تحطيم كل مقاومة ، وذلك بإنزال الرعب في النفوس ، ويضيف بأنه لا يرمي فقط ، وكما يفعل العنف إلى القضاء على أجساد الكائنات وتدمير الممتلكات المادية ، بل يستعمل العنف بشكل منسق ليخيف النفوس ويرهبها ، أي أنه يستعمل جثث العنف ليزرع اليأس في قلوب الأحياء >>(22) .
ويعرّف ( جورج لافو ) الإرهاب بأنه :<< استخدام العنف ضد الجسد أو تهديده من خلال استخاد مظاهر مختلفة من الضغط والسيطرة >> (23)).
أما في موسوعة السياسة ، فقد جاء تعريف الإرهاب كالتالي : << الإرهاب هو استخدام العنف غير القانوني ، أو التهديد به ، بأشكاله المختلفة ، كما الاعتيال والتشويه ، والتعذيب ، والتخريب ، بغية تحقيق هدف سياسي معين ، مثل كسر روح المقاومة عند الأفراد ، وهدم المعنويات عند الهيئات والمؤسسات ، أو كوسيلة من وسائل الحصول على معلومات أو مال أو بشكل عام استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية >> (24).
أما الكاتب ( جينيكنز ) يعرّف الإرهاب بأنه : << العنف الذي يهدد ضحايا ، سواء جاء من قبل الأفراد أو الجماعات من أجل تحقيق مظاهر الخوف والرهبة . إن الإرهاب هو العنف الموجه ضد العامة من أجل تحقيق مظهر الخوف >> (25).
إن جملة التعاريف لا تميز بشكل جدي قاطع بل إن أغلبها تدمج بين الإرهاب والعنف دون تمييز ، رغم أن العنف هو أحد مظاهر أو صور الإرهاب ، لأن هذا الأخير أكثر شمولية ، فهو يشمل بالإضافة للعنف ، هناك البعد النفسي والايديولوجي للمفهوم .
فالعنف هو اغتيال شخص ، أو الاعتداء على ملكيته ، كتفجير بيته ، أو سيارته ، أو مصنعه ، حيث إن تجرّد هذا العمل العنفي من مضمونه النفسي والشمولي أصبح جريمة عادية . كما أن الإرهاب يمكن أن يقع دون عنف كالتهديد باستعمال السلاح ، أو القوة ، أو التلميح بها كالتهديدات الصادرة من الولايات المتحدة باستعمال السلاح ضد دولة معينة ، ورضخت هذه الدولة دون استعمال القوة ، فهل يمكن القول أن أمريكا ليست إرهابية ؟ . كذلك الأمر في الحصار الاقتصادي والعسكري ضد الدول ، كما يحدث الآن في ليبيا والعراق ، وحدث مع سوريا سابقاً ، أليس الأمر إرهاباً ؟ . وكذلك إسقاط الحكومات غير الخاضعة لأمريكا عن طريق إرسال المرتزقة ، وتغذية الخلافات والنعرات القبلية ، والطائفية ، وخير مثال على ما نقول ما حدث في إيران عند تنظيم انقلاب عسكري ضد " مصدّق " 1953 ، على إثر تأميمه للنفط الإيراني . وكذلك تنحية ( محمد الخامس ) ملك المغرب في السنة نفسها ، والأمر نفسه في الانتهاكات الدائمة لسيادة دول أمريكا اللاتينية والتدخلات الخارجية ضد حركات الإصلاح والديمقراطية فيها .
أما العنف فقد اتضح أنه أنواع ، فهنلك العنف العادي الذي يوصف بالجريمة العادية ( جريمة قتل ) ، والعنف الثوري ( العنف التحرري ) ، والذي هو : << مبرَّر تاريخياً لأنه يقوم من أجل تقرير المصير وتحقيق الاستقلال وإنهاء التبعية بناءً على قرار الأمم المتحدة رقم / 1514/ لعام 1960 ، والقرارات اللاحقة >> (26) . وأخيراً العنف السياسي فهو ليس إلا نتيجة حتمية لأعمال القمع والإرهاب التي تقوم بها الأنظمة الإستعمارية والعنصرية ضد ابناء البلد . كما حدث في روسيا عام 1917 ، فلم تستطع الجماهير المسحوقة والمظلومة الوصول إلى أهدافها في التحرير دون العنف المبرّر .
فإن أدين العمل العنفي فمن باب أولى إدانة ومحاربة الإرهاب الذي تجاوز العنف مئات المرات بما تركه من آثار نفسية وسياسية واقتصادية . فهل يمكن اعتبار الهجوم على سجن الباستيل وتحرير مساجينه عملاً إرهابيا ً مخالفاً للنظام ؟ وفي المقابل هل يمكن تبرير الأعمال التي قامت بها واشنطن في أعقاب تدمير مقر ( المارينز ) في بيروت عام 1983 << اعتمدت واشنطن مبدأ ضرب الإرهابيين وهم في قواعدهم واتخذت قراراً بمعاملة الإرهاب وفقاً لمقاييس نزاع إقليمي >> (27) . أليس هو الإرهاب بعينه ؟ .

المطلب الثاني :
موقف مختلف الأنظمة من مفهوم الإرهاب .
إن محاولة وضع تعريف جامع مانع لمفهوم الإرهاب من الأمور الصعبة ، وشبه المستحيلة ، تبعاً لتعدد الأيديولوجيات في العالم ، وإختلاف نظرات الدول للإرهاب انطلاقاً من توظيفها المصطلح لما يخدم مصالحها .
وللوصول إلى وضع خطوط عريضة ، والتي من خلالها نفهم الإرهاب على حقيقته فيما يخدم مصالحنا كدول عالم ثالث ، ويخدم قضيتنا كعرب ومسلمين ، لابد أن نستعرض مواقف بعض الأنظمة من مفهوم الإرهاب . أولها المنظومة الإشتراكية في الفرع الأول ، ثم النظام الرأسمالي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وموقفها من مفهوم الإرهاب في الفرع الثاني ، وفي النهاية نصل إلى موقف دول العالم الثالث من الإرهاب في الفرع الثالث .
الفرع الأول : موقف المنظومة الإشتراكية من مفهوم الإرهاب .
إن أول سؤال يطرح من المتتبع لهذه الدراسة هو : ما الفائدة من استطلاع موقف " الاتحاد السوفييتي " سابقاً ؟ أو منظومة اشتراكية منهارة ؟ فنجيب السائل بأن النظرية الإشتراكية ورغم انحسارها في الكثير من الدول التي تخلت عنها فور سقوط الاتحاد السوفييتي ، إلا أنها تشكل إلى حد الساعة قوة لا يستهان بها ، متمثلة ببعض الأنظمة القائمة ، مثل كوبا والصين والكثير من دول العالم الثالث .
إن قراءة متأنّية في أدبيات الماركسية اللينينية تؤكد أنها ضد الإرهاب سواء الداخلي أو الخارجي . ومن استقراء مبادئ النظرية الاشتراكية نقف على أنها تسعى لإحقاق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص ، ومنع استغلال الإنسان للإنسان ، ومساندة الشعوب المقهورة لتقرير مصيرها ، وهذا ما يتضح من خلال خطاب الرئيس الراحل " جمال عبد الناصر " حين قال لأكثر من مبعوث أمريكي في نهاية الستينيات : << إن الاتحاد السوفييتي لم يبد اي شعور عدائي ، إلا نحو مشاريع الأحلاف الدفاعية المنوي محاصرتهم فيها >>(28) .
أعلنت ثورة أكتوبر 1917 عن تمسكها صراحة بمبدأ تقرير المصير منذ أيامها الأولى : << فقد نادى إعلان حقوق شعوب روسيا الصادر في تشرين الثاني / نوفمبر 1917 بالمساواة بينهما وبسيادتها وحق تقرير مصيرها بملء حريتها حتى تستطيع كل منها الانفصال وتكوين دولة مستقلة>> (29).
أما في الأدبيات التي سبقت ثورة أكتوبر ف ثورة أكتوبر فإننا نشهد موقف المفكر ( أنجلز ) في نص مقالة عن الجزائر نشر في " نيو أمريكان أنسيكلوبيديا " عام 1858 بقوله : << ... ومنذ احتل الفرنسيون الجزائر لأول مرة ( 1980 ) حتى الآن ، كانت هذه البلاد البائسة ميداناً لأعمال متواصلة من إراقة الدماء والسلب والعنف ..>> (30).
لكن موقف ( لينين ) من مسألة الإرهاب كان أكثر وضوحاً ، حين فرق بين الإرهاب كعار ، والإرهاب الثوري كمفخرة ، حيث توجّه بكتاباته إلى مستخدمي الإرهاب التحرري وأسماهم " أبطال الإرهاب " وهو يقصد الإرهاب التحرري : العنف التحرري " .
وكان لينين ينظر بعين الاهتمام إلى منطقة الشرق الأوسط ، ويتجلى ذلك بالمؤتمر الذي أوصت بعقده اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لتحديد اتجاه ومبادئ السياسة السوفييتية في منطقة الشرق الأوسط بوجه عام ، واتجاه المسلمين بوجه خاص .
وقد أوكلت اللجنة الى الثوري "رادك" وهو يهودي . هذا ما كره الغادري مؤلف كتاب التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية (31) .
إن الاتحاد السوفييتي أول من اعترف اعترافاً قانونياً بالدولة ( الاسرائيلية ) (32) .
كان الموقف السوفييتي غير واضح وجلي اتجاه هذه المنطقة من العالم . وكان التفسير الوحيد لهذا الموقف آنذاك يختصر فيما يلي – والكلام للغادري(33) :
- إن الاتحاد السوفييتي بوصفه دولة متحررة كان حريصاً على طرد الاستعمار ( البريطاني ) أولاً وقبل كل شيء .
- إن الاتحاد السوفييتي متأثر بحربه الوحشية مع النازية وبضحاياه .
- إن الاتحاد السوفييتي كان يرمي إلى اصطناع مشكلة في منطقة الشرق الأوسط تساعد على تحريك شعوبها المتخلفة وبالتالي على تحريرها (34).
أما في 18 كانون / ديسمبر 1972 اتخذت الأمم المتحدة قرارها رقم ( 3034) بعد توصية اللجنة السداسية المعنون بـ ( الإجراءات المتعلقة بدرء الإرهاب الدولي ) الذي << يهدد حياة الناس الأبرياء أو يؤدي إلى هلاكهم أو يشكل خطراً على الحريات الأساسية >> (35) . تبنّى الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية هذا القرار وصوَّتوا لصالحه .
وكذلك الأمر بالقرارات الخاصة بالتحرر والتقدم وعدم جواز الغزو والتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى في 9 كانون الأول / ديسمبر 1981 طبقاً لقرارها رقم 36/103 .
في حين وضّح المؤتمر الثاني للحزب الديموقراطي الاشتراكي العالمي موقفه من الإرهاب في الفصل الخاص بـ ( الإرهاب ) موسيلة للنضال حيث نقرأ :<< إن المؤتمر يرفض الإرهاب وبحزم ، أي يرفض حوادث القتل السياسي الفردية ، كطريقة للنضال السياسي ، والتي تشغل القوى الأساسية عن العمل المنظم ، وتقطع الصلات بين الثوار والطبقة الثورية العريضة ، وتشوه صورة النضال والتضحية في نفوس الثوار أنفسهم >> (36 ) .


إذن ، آمنت الأحزاب الاشتراكية بأن النضال الثوري ( العنف المشروع ) هو القانون الطبيعي للتطور التاريخي ، وبأنه يحق للشعوب المضطهدة إن لم تجد وسيلة للدفاع عن حريتها باللجوء للسلاح . ورفضت هذه الاحزاب والمنظومة بشكل عام وكلّي الإرهاب ، وحاصرته . وما ترتب عن ذلك أن حق اللجوء السياسي محرم على المنظمات الارهابية والارهابيين . هذا من الجانب النظري ، أما من الجانب العملي والتطبيقي نجد تجاوباً وتناغماً مع الجانب التنظيري حيث صادقت حكومات الدول الاشتراكية ومن بينها الاتحاد السوفييتي ( سابقاً ) على اتفاقية لاهاي 1970 ومونتريال ( 1971-1973) :" بشأن مكافحة الاختطاف غير الشرعي للطائرات 16/12/1970 ، الأعمال غير الشرعية ضد أمن الطائرات المدنية 23/9/1971 ، ومكافحة الجرائم المرتكبة بحق الأشخاص المحميين دولياً 14/12/1973 " (37) .
أقرّت المنظومة الاشتراكية أيضاً اتفاقية جنيف ، 1949 وبروتوكول (1+2) اللاحقين بها ، أما المواقف الرسمية في المحافل الدولية فكان الاتحاد السوفييتي (سابقاً ) أول من استعمل حق النقض الفيتو في مكافحة الارهاب العسكري والاقتصادي الممارس من قبل الامبريالية والاستعمار ، وأبرز مثال على ذلك موقفه من جمهورية مصر العربية في حربها 1956 أثناء العدوان الثلاثي المعروف الفرنسي – البريطاني –( الاسرائيلي ) ، ضد سلامة وحقوق الشعب العربي في مصر وسيادته على قناة السويس .
ولا ننسى في النهاية التذكير نمحاولات الاغتيال التي تعرض لها الكثير من قيادات الاشتراكية في العالم وأبرز مثال لها اغتيال ( ارنستو تشي جيفارا ) على يد المخابرات الامريكية . وكذلك " العمليات الارهابية ضد كوبا وزعيمها ( فيديل كاسترو ) . بعد ثبوت 24 محاولة لاغتياله " (38) باءت كلها بالفشل ومنّيت المخابرات الامريكية بأكثر الخسائر مقابلها .
نصل الى نتيجة أن ( الاتحاد السوفييتي ) سابقاً ، وما ذكر عنه من تناقض المواقف مع وضد العرب ، كان يكيف تبعاً لمصالحه وما يخدم انتشار أفكاره ونفوذه . فهو لم يكن ذو ملف أبيض ...حيث هنالك أحداث واحصائيات على المستوى الداخلي تدل على وجود ( إرهاب الدولة ) أو الدولة الارهابية ، وخير دليل ومثال : فترة حكم ستالين الدكتاتور ، حيث تدل الاحصائيات على /12/ مليون ضحية في فترة حكمه ..ونترك الباب مفتوحاً لآراء أخرى .
الفرع الثاني : موقف النظام الرأسمالي من مفهوم الارهاب .
بداية لابد من الاشارة الى أن مصطلح ( الرأسمالية ) هو مصطلح اقتصادي بحت ، ولكن لم نجد مصطلحاً أكثر تعبيرا ً لوصف الدول الامبريالية وعلى رأسها الولايات الامريكية .
ومن نافل القول أن الولايات المتحدة الامريكية وبصفتها زعيمة الرأسمالية العالمية وباعتبارها زعيمة العالم ( النظام العالمي الجديدة) – وحيد القرن – في نهاية القرن العشرين ، فإن أدبياتها تنص على نقض الإرهاب ومحاربته . ويظهر سؤال جليّ هنا !أي إرهاب تعني أمريكا ؟! .فأدبياتها تنص على الرفض القطعي للارهاب ومحاربته ، أما الممارسة العملية فالعكس تماماً . في معرض الحديث هنا نجد أن الكاتب المحافظ ( جورج ويل ) طرح عنواناً " حرب إلى الابد " ، أكد فيه أن الحروب هي القاعدة التي تحكم العلاقات الدولية ، أما السلام فهو استثناء .واستشهد بدراسة تؤكد أنه من أصل /3421/ سنة من تاريخ البشرية المعروف فإن /268/ سنة فقط سادها السلام ، أما الباقية فقد كانت مسرحاً للحروب ( 39) . وفي سؤال طرحته صحيفة " واشنطن بوست " الامريكية ..كم تبلغ نفقات " البنتاغون " – وزارة الدفاع الامريكية – في الثانية الواحدة ؟ . وتولى " مركز المعلومات العسكرية " في واشنطن الاجابة ، التي جاءت فيها : إن هذه النفقات تصل إلى مبلغ /8612/ دولار في الثانية وإلى /516/ ألفاً و /720/ دولاراً في الدقيقة وإلى ما يزيد على /3/ ملايين دولار في الساعة الواحدة (40) .
إن أمريكا لها قانون طبيعي في تعاملها مع العالم وهو القانون الذي تسير عليه الحياة في الغابات ، وهو قانون ( البقاء للاقوى ) ، رغم أنها وصلت إلى القمر واستخدمت الذرة والحاسوب و....إلخ !!.
وموقف النظام الرأسمالي من مفهوم الإرهاب سوف نراه فيما يلي : حيث تقدم الوفد الأمريكي إلى الامم المتحدة في الدورة 28 لعام 1973 باقتراح حول مسألة الإرهاب معتبراً هذه الظاهرة ( الإرهاب ) كل فعل يقوم به :<< كل شخص يقتل آخر ، في ظروف مخالفة للقانون ، أو يسبب له ضرراً جسدياً بالغاً أو يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا ، أو يشارك شخصاً قام ، أو حاول القيام بفعل كهذا (41) .
إن هذا التحديد لمفهوم الإرهاب يحصره بأنه عمل فردي معزول عن الصفة السياسية ، أولاً ولا يشير التعريف بأي حال من الأحوال إلى إرهاب الدولة المنظم ، كما أنه يغفل ويستخف بحقوق الشعوب المكافحة من أجل حريتها واستقلالها . ولو نظرنا إلى التاريخ وبالتحديد بعد اكتشاف الأرض الجديدة ( أمريكا ) نجد كيف كان المهاجرون ( البيض ) يفاخرون بحفلات المطاردة والقتل الجماعي لأصحاب الأرض الأصليين ( الهنود الحمر ) . فكان من باب أولى ، وتبعاً لمفهوم القياس أن يكون هؤلاء البيض هم الارهابيون .
وتبعاً لما سبق ذكره حول الاقتراح الأمريكي وجميع التعاريف المختلفة والمقدّمة من قبل سلطات الحكومة الأمريكية ، نجد أن العامل المشترك الذي لم يتغير هو صفة الفاعل ، أي الفرد أو الأفراد العاملين بصفتهم الشخصية ، أو من باب أولى بصفتهم أعضاء في حركة ، أو مجموعة ، أو منظمة . وسوف نستعرض بعض هذه التعاريف المقدمة والتي أوردها الدكتور محمد عزيز شكري في كتابه ( الإرهاب الدولي ) (42) .
1- تعريف الكونغرس 1977: << الإرهاب الدولي (يشمل ) ...بغض النظر عن جنسية الفاعلين المزعومين >>.
2- تعريف وزارة العدل 1984:<< سلوك جنائي عنيف يقصد به بوضوح ...التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتبال أو الخطف ...>> .
3- تعريف الجيش الأمريكي 1983 ، حيث اعتبر التعريف الموعد لاستعماله من قبل الجيش الامريكي والقوى الجوية الامريكية والاسترالية والبريطانية والكندية والنيوزيلاندية :<< استعمال العنف أو التهديد باستعماله تعزيزاً لهدف سياسي >>.
4- تعريف وزارة الخارجية 1988 :<< عنف ذو باعث سياسي يرتكب عن سابق تصور وتصميم ضد أهداف غير حربية من قبل مجموعات وطنية مرعبة أو عملاء دولة سرّيين ويقصد به عادة التأثير على جمهور ما ..>>.
إن العنف السياسي ليس صفة تختص بها الولايات المتحدة وحدها ، فقد فقد سبقها إليه كل من : بريطانيا – فرنسا – إيطاليا – اسبانيا – البرتغال – في كثير من المناطق التي احتلتها هذه الدول . إلا أن العنف هو الصفة التي تميز سياسة الولايات المتحدة في النصف الثاني من هذا القرن ، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية << حيث استعملت القوة العسكرية (263) مرة ضد دول معارضة لسياستها وتحت شعار الدفاع عن النفس ضد الإرهاب >>( 43) .
إن الاعمال الارهابية يصفها مرتكبوها عادة ً بأنها " انتقامية " ، أو كما هو الحال بالنسبة للإرهاب الأمريكي و (الاسرائيلي ) ، توصف بأنها " وقائية " وهكذا تم قصف تونس فيما زعم أنه انتقام من عمليات الاغتيال التي وقعت في لارنكا ، على الرغم من أنه لم يكن هناك بالكاد أي زعم بأن ضحايا قصف تونس كانت لهم أي علاقة بمذبحة لارنكا . وعملية لارنكا نفسها ، كانت تبرر بأنه رد " انتقامي " على قيام " اسرائيل " باختطاف السفن التي تسافر من قبرص إلى لبنان . في حين تقبل الولايات المتحدة الزعم الأول ( الاسرائيلي ) وتعتبره مشروعاً ، في حين أنها تتجاهل الزعم الثاني أو تهزأ به ، فيما يمثل تمييزاً يقوم على الالتزام الايديولوجي كما يقضي العرف السائد . وسوف نستعرض الآن مجموعة من الأعمال الإرهابية الأمريكية في أنحاء العالم كدليل على ما ذكرناه .
• تسير سياسة الولايات المتحدة وفقاً لمبدأ " ترومان " الذي أعلنه الرئيس الأمريكي " ترومان " 1947 ، والخاص بالتزاماتها في الشرق الأوسط التي تهدف إلى أربع عناصر كما جاء في " وثيقة مجلس الأمن القومي ذات الرقم ن.س. سي. 1/2 تاريخ 10/2/1948 " (44) .
1- السيطرة على النفط والموارد الاقتصادية الكبرى .
2- الاسئثار بالممرات المائية الأساسية بحجة منع الاتحاد السوفييتي من التحكم بالمضائق .
3- الحلول مكان بريطانيا وفرنسا في كل مكان يغادرانه .
4- التزام بريطانيا وفرنسا بدعم اليونان وتركيا في مواجهة الروس .
• ويعد مبدأ " ترومان " بـ 10 سنوات 1957 ، ظهر الى الوجود مبدأ " أيزنهاور " الذي يتضمن بشكل عام أن الفراغ الحالي في الشرق الأوسط لابد أن يجري إشغاله من قبل الولايات المتحدة قبل أن يتم ذلك من قبل الاتحاد السوفييتي .
• قامت وحدة من القوات النظامية الأمريكية بقيادة " الملازم ويليام كالي Lt.William Calley " بتنفيذ مذبحة في فيتنام تسمى " ( مذبحة –ماي لاي- ) في شهر آذار / مارس عام 1967 ، حيث تم ذبح 400 مدني عمداُ على يديه وأيدي جنوده " (45).
• تورطت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بحادثة التفجير التي جرت في سوريا في شهر نيسان / ابريل من عام 1986 والتي اسفرت عن مقتل أكثر من 150 شخصاً .
• محاولات سرية وعلنية جرت لاغتيال " فيديل كاسترو " .

• زعزعت نظام " الليندي " في تشيلي وتعذيب مناصريه وقتلهم من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية .
• " عدوان الولايات المتحدة على الجماهيرية العربية الليبية قي 14 نيسان /ابريل سنة 1986 بدعوى الدفاع عن النفس ضد أعمال إرهابية متكررة من قبل جماعات تدعمها ليبيا "(46) . حيث تم العدوان على طرابلس الغرب وبنغازي من قبل ثماني عشرة قاذفة قنايل أمريكية من طراز (ف 111) ، انطلقت من قواعد أمريكية في انجلترا بإذن وتصريح من حكومة تاتشر . << وقد انضمت إلى هذه الطائرات خمس عشرة طائرة من طراز (آ 62) و ( آ7 ) وهي طائرات نفاثة هجومية كانت ترابط فوق حاملات طائرات تابعة للولايات المتحدة موجودة في البحر الأبيض المتوسط >> (47) . وقد أسفرت الغارة الثأرية الأمريكية عن إزهاق أرواح مائة إنسان ، ومن ضمنهم إبنة الرئيس القذافي بالتبني والبالغة من العمر خمسة عشر شهراً .
• الاعتراض الأمريكي لطائرة ركاب مدنية مصرية في عام 1985 تقل على متنها الخاطفين للباخرة ( آكلي لاورو ) ، وهذا العمل الذي أقدمت عليه الولايات المتحدة يشكل خرقاً للمادة 2(ف2) من ميثاق الأمم المتحدة ، لأنه يعرض السلامة الإقليمية لمصر واستقلالها السياسي للخطر .
• تفجير طائرة ركاب كوبية في تشرين الأول / أوكتوبر عام 1976 بواسطة قنبلة موقوتة أسفرت عن مقتل ثلاثة وسبعين شخصاً ، من ضمنهم جميع أعضاء فريق المبارزة الأولمبي الكوبي الحائز على الميدالية الذهبية . وكان الفاعل هو ( أورلاند بوش ORLANDO BOCH) الذي تلقى تدريبات على أيدي ال C.I.A .
• تقديم المعونة من قبل (C.I.A ) إلى منظمة (يونيتا UNITA) لإسقاط طائرة مدنية تحمل على متنها 260 مدنياً بريئاً .
• غزو بناما في شهر كانون الاول /ديسمبر من عام 1989 ، لاختطاف نورييغا.
إن الأمثلة كثيرة وكثيرة جداً ولا مجال لذكرها وحصرها ، لكن هنالك اعتراف للجنة من مجلس الشيوخ الامريكي بأن وكالة المخابرات المركزية " نفذت /81/ عملية حرب نفسية في عهد الرئيس ترومان ، و/170/ عملية مماثلة في عهد الرئيس أيزنهاور ، و /163/ عملية في عهد جون كندي ، و /142/ في عهد جونسون ، واستمر هذا النشاط الهدّام على نطاق واسع خلال الحكومات اللاحقة " ( 48) .
إن أمريكا ( هي الإمبراطور) هذه التسمية تذكرنا بقصة ذكرها الكاتب تشومسكي على لسان " القديس أوغسطين " (49) . وهي قصة قرصان وقع في الأسر على أيدي الإسكندر الأكبر الذي سأله : كيف تجرؤ على تعكير صفو البحر ؟ كيف تجرؤ على تعكير صفو العالم بأجمعه ؟ فرد عليه القرصان بقوله : لأنني أفعل ذلك بسفينة صغيرة ، فإنهم يدعونني وحدي لصاً ، أما أنت فتفعل ذلك بأسطول كبير ولذلك تدعى إمبراطوراً .
وهذا ما جسده تصريح وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر << علينا أن نكون مستعدين علناً لقتل الأبرياء إذا كان هذا ضرورياً لتحقيق استراتيجيتنا >> . وفعلاً هذا ما حدث قبله وبعده . ولنستطيع سوياً هاته التواريخ وما تحمله من ديموقراطية على الطريقة الأمريكية :
- 1900- احتلت بورتريكو .
- 1902- احتلت كوبا ، وغزت غواتيمالا.
- 1904 – 1909 غزت الهندوراس .
- 1911- حتى 1913غزت نيكاراغوا .
- 1914-أدخلت قواتها إلى هاييتي .
- 1916-1924 كان مشاة البحرية الأمريكية يرابطون في جمهورية الدومنييك .
- 1927- أنزلت قواتها في الصين .
- 1950-1953 خاضت حرباً ضد الشعب الكوري .
- 1958- محاولة اغتيال جمال عبد الناصر .
- 1961-1975 خاضت حرباً قذرة في الهند الصينية .
- 1975- تدبير عدوان ضد الشعب الافغاني .
- 1983- غزوات المرتزقة لنيكاراغوا والعدوان على غرينادا ، وغيرها الكثير .
نخلص بذلك إلى القول بأن النظام الرأسمالي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وهي رأس الأفعى وبيت " الإرهاب " لا تتورع في استخدام كل الوسائل والتقنيات المتوفرة لديها . وكذلك امتلاكها لوسائل الاعلام والفقهاء الذين يفلسفون الأمور مع ما يتطابق ومصالحها وأفعالها الإرهابية ، حيث يصف ريغان جماعة من الإرهابيين بقوله : << المناضلون في سبيل الحرية والواعدون بإعطاء الحرية فرصة أخرى >> (50) .
وهذا ما يشجع الأفراد وبعض الجماعات على القيام بأعمال إرهابية ، ضد مصالح دول وأفراد لأغراض نفعية أو مادية أو سياسية ، كاختطاف بعض الأشخاص أو اختطاف الطائرات وغيرها .
الفرع الثالث : موقف العالم الثالث من مفهوم الإرهاب .
يتقارب موقف العالم الثالث من الإرهاب كثيراً من مواقف النظام الاشتراكي لعدة أسباب : أهمها الإرث التاريخي للعالم الثالث والذي استمده من الماضي الاستعماري الكلاسيكي ، والذي لم تزل تحمل معاناة صوره القديمة وتعاني الآن من صور الاستعمار الجديد بأساليبه الجديدة والمختلفة . كذلك إن الكثير من دول العالم الثالث تبنت النظرية الاشتراكية ، اعتقاداً منها أنها سبيل الخلاص . كل هذه العوامل كانت السبب في تقارب الكثير من الأفكار بين الموقفين .
دفع الإرث الاستعماري والتبعية بكل أنواعها ( اقتصادية ، سياسية ، اجتماعية ، ....الخ ) بعض النظم التي تنتمي للعالم الثالث للسير في استخدام ديمقراطية السيف بديلاً عن الديمقراطية غلى صعيد السياسة الداخلية ، كاستخدام وسائل التعذيب والتنكيل بالمواطنين المعارضين لهذا الاستبداد . وعلى الصعيد الدولي استغلت بعض نظم العالم الثالث – التابعة والميلة – إخفاقات حركة التحرر العالمية ، لحرفها عن المسار الحقيقي للنضال الوطني التحررّي . وبذلك كان استخدام العنف وصولاً إلى امتشاق السلاح وركوب الخطر ، والذي << كان ولا يزال في عدة حالات الملجأ الأخير لمواجهة أنظمة تصر على تأكيد سيطرتها المطلقة وترفض أن تعترف للشعوب التي تستعمرها بحقها في الهوية الوطنية والوجود المستقل >>(51) .
ولتحديد مفهوم الارهاب بالنسبة لنظم العالم الثالث نقول : إنها ( هذه الأخيرة ) كانت خلال حروب كفاحية مريرة ضد تعسف الاستعمار وظلمه . فمنذ ظهور حركات التحرير ، وتحقيق الانتصارات << لجأت هذه الدول الاستعمارية إلى إطلاق صفة التخريب على هذه الحركات ، ووصف نضالها وأعمالها المختلفة بأنها أعمال تخريبية >> (52).
وأخيراً لجأت إلى استخدام تعبير الارهاب والأعمال الارهابية كوسيلة ومبرر للقضاء على نضال الشعوب من أجل الحرية وتقرير المصير .
وقد عرفت الموسوعة السياسية الارهاب بأنه :<< هو استخدام العنف غير القانوني أو التهديد به ..من أجل تحقيق هذف سياسي معين مثل كسر روح المقاومة والالتزام عند الافراد وهدم المعنويات عند الهيئات والمؤسسات >>(53). أما الدكتور إسماعيل صبري مقلد فيعرف الإرهاب بقوله :<< أنه نوع من العنف المبرر وغير المشروع بالمقياس الأخلاقي والقانوني الذي يتخطى الحدود السياسية للدوب >>(54).
إن هذه التعاريف الصادرة عن رجال فكر وقانون وسياسة في دول العالم الثالث تؤكد أن الإرهاب عمل تعسفي يهدد حياة الأفراد والجماعات ، وأنه عمل مخالف للقانون والأخلاق . فالإرهاب الموجه ضد دول العالم الثالث هو ذلك السيف المسلط عليها من الولايات المتحدة ، والذي يقف حائلاً دون تحقيق أمانيها في الاستقلال والأمن والسيطرة على ثرواتها الطبيعية ، كما أن شيوخ الإرهاب الدولي ( العنف ) في العالم ، إن صح التعبير ، يبرز كصرخة احتجاج مدوية عندما يعجز النظام السياسي من تحقيق المطالب النبيلة والمشروعة للقوى والحركات الوطنية . فمن يستطيع أن يتهم منظمة التحرير الفلسطينية مثلاً أنها إرهابية عند قيامها بعمل فدائي للفت انتباه العالم للفظائع المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني من قبل قوات الاحتلال الاستيطاني ، وكذلك حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره ، هذا الحق المؤكد في القرار رقم 35/169 بتاريخ 15/12/1980 . كما أن العمل الفلسطيني لم يظهر في شكله الحالي إلا في عام 1965 ، مع العلم أن احتلال فلسطين واغتصابها وقع من قبل الصهاينة عام 1948 ، وهذا يؤكد أن أعمال العنف كانت نتيجة لحالة المعاناة والقهر ومحاولة القضاء على الشعب الفلسطيني ببطء .
كذلك هو الأمر بالنسبة للكفاح المسلح الجزائري إبّان الاحتلال الفرنسي ، فهو لم يصل إلى ذروته إلا في تشرين الثاني / نوفمبر 1954 ، بعد وصول الشعب الأعزل إلى مرحلة اليأس ولتعرضه إلى الضياع والاستلاب << ومع كل ذلك لم تسلم هذه الثورات التحررية من إطلاق وصف "الإرهاب" والنعوت التحقيرية الأخرى >> (55) . ومن طرق التواطؤ في إصدار هذه النعوت نجد أن أكبر دليل هو توقيع الولايات المتحدة و( اسرائيل ) مذكرة التفاهم الاستراتيجي بينهما في نهاية 1981، التي نتج عنها تدمير المفاعل النووي العراقي ( تموز ) ، وضرب مقرات منظمة التحرير الفلسطينية في تونس ، وإجبار الطائرة المصرية المقلّة لمختطفي الباخرة الإيطالية ( أكيلي لاورو ) على الهبوط في صقلية من قبل مقاتلات ( لإسرائيلية وأمريكية ، كما أسلفنا الذكر ، والكثير الكثير من الاغتيالات .
ولا يسعنا في النهاية ، إلا أن نقول وننادي بحق الشعوب بالحرية والاستقلال ، وحقها أيضاً في استعمال جميع الأساليب ، بما فيها الكفاح المسلح للوصول إلى حقوقها ، وانتزاعها بالقوة تصديقاً لقول الراحل جمال عبد الناصر :<< إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة >> .
وكل ذلك في إطار القانون تبعاً << للقرار رقم 2189 تاريخ 13/12/1966 الصادر عن الجمعية العامة في دورتها الحادية والعشرين والذي يتضمن >> (56) : الاعتراف بشرعية نضال الشعوب الخاضعة لحكم الاستعمار من أجل ممارسة حقها في تقرير المصير ، وكذلك القرار رقم 3326 تاريخ 16/12/1974 المتضمن << الإعتراف بشرعية نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية في سبيل استقلالها وتقرير مصيرها بنفسها >> . وكذلك << تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بأغلبية ساحقة وصلت إلى 153 صوتاً ، قراراً لعقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب >>(57) . والتمييز بينه وبين نضال الشعوب في سبيل التحرر الوطني .
المبحث الثاني
أشكال الارهاب
تعرّضنا إلى مفهوم الإرهاب ، ونشأته ، وتطوّر مفهومه ، وعلاقته بالعنف ، وكذلك موقف النظم المختلفة منه ، وتحليل عدد من التعاريف التي تبنّاها عدد من الفقهاء والحقوقيين الدوليين .
وهنا نقول بأن مفهوم الارهاب مفهوم فضفاض لا يمكن حصره ضمن إطار معين ، أو قواعد محددة يقاس عليها ، لأنه يمكن أن يمارس بصور وأشكال شتّى ، من حيث الوسائل المستعملة ، والأهداف المبتغاة ، وكذلك القائمين به ، فمن هم القائمون بالإرهاب ؟ وهل يمكن حصرهم في أشخاص ؟ ...هيئات ؟...دول ...مجموعات ؟...الخ .
هذا ما سوف يجيبنا عليه المبحث الثاني من هذه الدراسة والذي يحمل عنوان (أشكال الإرهاب ) .
وقد قسمناه إلى ثلاثة مطالب ، وسوف نتناول في المطلب الأول :الإرهاب الذي تقوم به الدول ، والمطلب الثاني : الإرهاب الذي يقوم به الأفراد . ولكثرة صور هذا الأخير فقد اقتصرنا على ذكر ثلاثة أنواع هي بالترتيب : الاغتيال ، خطف الطائرات ، احتجاز الرهائن .
ونصل في النهاية الى المطلب الثالث : الذي تكلمنا فيه عن المنظمات الإرهابية بأنواعها وتمييز الإرهاب عن الكفاح المسلح ، وأعمال حركات التحرر الوطني ، وشرعية المقاومة ، وختاماً الإرهاب والإسلام .
المطلب الأول : إرهاب الدول
ذكرنا أن الإرهاب يمكن أن نميز فيه عدة أنواع ، وذلك تبعاً للغاية المرجوة منه (أي هدفه ) ، والوسط الذي ينتشر فيه ، أو الجهة القائمة به، أو الطريقة التي ينفذ بها << من حيث الجهة القائمة بالإرهاب يمكننا أن نميز بين إرهاب الدولة من جهة ، وإرهاب الأفراد ، وبعض المجموعات غير الحكومية من جهة أخرى >> (1) .
يقصد بمفهوم إرهاب الدولة : هو أعمال العنف التي تقوم بها الدول ضد أفراد ، أو جماعات ، أو دول أخرى ، بقصد الانتقام ودون مبرر قانوني أو << بهدف تحويل صفة الارهاب عنها >> (2) . يقول الدكتور عبد اللله سليمان سليمان أن << إرهاب الدولة ونعني به الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الدولة نفسها ، وكذلك الإرهاب الذي ترعاه الدولة وتكفله ولو قام به أفراد أو مجموعات من أناس آخرين >> (3) .
من ذلك نفهم أن الإرهاب الذي تقوم به الدولة هو مجموعة الأعمال التي تقوم بها الدولة عن طريق أفراد ، أو تباشرها بنفسها ، أو ترعاها ، وقد تكون أحادية ، أو ثنائية ، أو جماعية ، وخير دليل على ذلك العدوان الثلاثي على مصر الذي شنته كلٍّ من بريطانيا وفرنسا و(إسرائيل ) ، إثر تأميم قناة السويس 1956.
وفي هذا المجال لايسعنا إلا أن نقول : بأن أمريكا هي أبرز وأكبر قوة إرهابية دولية في العالم . وهذا ما أكده الاستاذ (تشومسكي ) في كتابه - الإرهاب الدولي – الأسطورة والواقع . حيث يقول : << بأن مصطلح (الإرهاب ) و(الرد الانتقامي ) ، هما مصطلحان يتسمان بخصوصية ، فالأول يشير إلى الأعمال التي يقوم بها القراصنة ولا سيما العرب منهم ( حسب مفهوم أمريكا ) وأما الأعمال التي تقوم بها أمريكا وعملاؤها فتسمى (رداً انتقاميا ً ) (4).
كما نجد أن الارهاب من الناحية التاريخية قد اقترن بالحكومات في حقبة اليعاقبة ، وخصوصاً حين تسلم (روبسبير ) ، أحد كبار رجال الثورة الفرنسية مقاليد الحكم في الأيام الأخيرة من الثورة الفرنسية ، بحيث حكم البلاد بالحديد والنار ، وأرسل يومياً العشرات بل المئات من الفرنسيين إلى المقصلة . وقد سمي ذلك العهد من التاريخ (بعهد الإرهاب ) ، حيث اختفى حكم القانون والعدل والنظام ، وعمّت الفوضى أرجاء البلاد وساد الظلم والتعسف .

فيعرّف تبعاً لذلك قاموس وبستر الإرهاب على أنه :<< أسلوب للحكم أو لمعارضة الحكم عن طريق التهديد >>(5) .
ومهما يكن من أمر فإن اتفاقية عصبة الأمم المتحدة لعام 1937 بشأن خطر وعقاب الإرهاب << اقتصرته على الأفعال المرتكبة من قبل الفرد والموجهة ضد الدولة >>(6) . يستشف ذلك من المادتين (1و2) من ميثاق العصبة ، ومن طبيعة الأعمال المحظورة في المادتين (2و3) ، وفي تقرير لوزارة العدل الأمريكية حول تورط بعض الدول في تمويل الإرهاب يورد أسماء ستة من البلدان تعتبرها الإدارة الأمريكية متورطة في أعمال الإرهاب وهي بعض الأعمال في السنوات القليلة الماضية والتي دبرتها الولايات المتحدة وهي << التي دبّرت الانقلاب الدموي في تشيلي والحصار على كوبا ونيكاراعوا وموّلت عصابات الكونتراس ، وهي التي اجتاحت غرينادا وبنما ، وهي التي أرسلت طائراتها الفاشية في إيطاليا لتدمير انقلاب يميني فاشي هناك >> (7).
ويتساءل الأستاذ الدكتور المهدي المنجرة في كتابه ( الحرب الحضارية الأولى ) بقولة : << من هي البلدان التي بدأت إرهاب الدولة .. غير تنظيم انقلاب عسكري ضد مصدّق في إيران عام 1953، وخطف طائرة أحمد بن بلّة في تشرين الأول / أكتوبر 1956 ...ومن استخدام باضطراد حق ( الفيتو ) ضد إرادة المجموعة الدولية كاملة ؟>> (8) .
لقد أكد الجنرال ( سترلينكوف ) في حوار مع مجلة الكفاح العربي ، وهو الخبير بالجاسوسية على مدى /27/ عاماً ، والمعروف جيداً وبامتياز لدى شبكات المخابرات الدولية بالفكر والعقل والتحليل والمنطق ، بأن الولايات المتحدة تنزع في مخططها إلى عملية إبادة كونية ، وخلق الظروف المناسبة للدمار ، والكوارث ، والمجاعات ، والأوبئة للإبقاء على " المليار الذهبي " من مجمل سكان العالم البالغ حوالي /5/ مليارات نسمة (9).
وكذلك لا ننسى امتلاك أمريكا للسلاح النووي كسلاح إرهابي ولكن لم يعد ها السلاح الأكثر إخافة في العالم لأنه إن استعمل دمر كل شيء في بقعة محدودة ويدمر الممتلكات . أما السلاح الجديد يتمثل في الأسلحة الكيميائية والجرثومية والبيولوجية والتي اكتشفت مع بداية القرن العشرين ، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى . وفيما لو افترضنا بأن ( إسرائيل دولة ) !! نجدها قد أنشأت مؤسسات عسكرية عدة مهمتها ممارسة الإرهاب ، قال بن غوريون – زعيم الإرهابيين / إن حدود (إسرائيل ) سوف يحددها الجندي ( الإسرائيلي ) ، وكان أول ما فعله بن غوريون إقامة لواء مهمته إرهاب الدول العربية ( جيران الدولة الجديدة ) وكان هذا اللواء ، هو اللواء /101/ . حيث قام بالعديد من الأعمال الإرهابية ضد السكان المدنيين العزّل في الأراضي المحتلة وكذلك في المناطق المجاورة للدول العربية .
وهناك مجازر قامت بها المنظمات اليهودية الصهيونية لا يمكن حصرها لكثرتها . نذكر أشهرها ، على سبيل الذكر لا الحصر .
- مجزرة الدوايمة : في 28 تشرين أول / أوكتوبر عام 1948 ، راح ضحيتها 75 شخصاً . وقد قتلوا في المسجد و 35 أسرة قتلت خارج القرية .
- مجزرة نحالين : داخل الحدود الأردنية بمسافة 3.5 كم . وفي 28/5/1954 قتل فيها 16 مدنياً وجرح 14.
- مجزرة وادي الغار : أيضاً داخل الحدود الاردنية في 4/3/1955.
- مجزرة كفر قاسم ( الشهيرة ) : وقعت مساء 29/10/1956 .
- عام 1947 مجزرة ضد سكان بلدة " الشيخ " قرب حيفا ، نفذتها عصابات صهيونية متطرفة وأدت إلى استشهاد 40 فلسطينياً .
- 9/4//1948 مجزرة " دير ياسين " الشهيرة قرب القدس ، نفذتها منظمات ( اشترن وأرغون ) الصهيونية وأدت إلى استشهاد /135/ شخصاً منهم نساء وأطفال .
- 1953 مجزرة بلدة "قبية " وأدت إلى سقوط عشرات الشهداء .
- 30/3/1976 مجزرة في منطقة الجليل أدت إلى استشهاد فلسطينيين ، وعرف ذلك اليوم بـ " يوم الأرض " .
- 1985 مجزرة جامعة الجليل نفذها مستوطنون يهود ، أدت إلى استشهاد ثلاثة طلبة فلسطينيين .
- 6/12/1987 مجزرة حي الشجاعية بغزة سقط خلالها /4/ عمال فلسطينيين بعد أن دهستهم سيارة اسرائيلية وأدت إلى تفجير شرارة الانتفاضة الفلسطينية .
- 20/5/1989 مجزرة " عيون قارة " قرب تل أبيب أدت إلى سقوط /7/ شهداء على يد مستوطن يهودي .
- 13/4/1990 مجزرة المسجد الأقصى نفذها جنود إسرائيليون وسقط خلالها /22/ شهيداً .
- 25/2/ 1994 مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل ، نفذتها مجموعة مستوطنين وأدت إلى استشهاد ما يربو على /80/ فلسطينياً / وجرح نحو /300/ آخرين (10) .
- عملية الموساد الأخيرة التي ذهب ضحيتها ركاب حافلة خط : دمشق – حلب ، والتي تمت في دمشق ، راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى.
- ولا تنسى العمل الإجرامي الإرهابي الجبان الذي نفذته القوات "الإسرائيلية " ، ويعرف بمذبحة (قانا ) ...وهي سلسلة من عمليات سميت " بعناقيد الغضب ". ذاك الوليد الشرعي للمؤتمر الخياني في " شرم الشيخ " الذي كان ستاراً قانونياً لهذا العمل الإرهابي .
إذن من هو الإرهابي ؟ هل استطعناالإجابة على تساؤل الأستاذ الدكتور المهدي المنجرة ؟ ..أرجو ذلك .
وفي العودة لسياق التحليل نجد أنه ذهب " بعض المحللين السياسيين في العالم إلى الاعتقاد بأن الإرهاب أصبح بديلاً عن الحرب ، في حين يعتبره الدكتور أحمد عز الدين بأنه أصبح بديلاً للحرب فعلاً _ ولكن التقليدية – ذلك لأن الإرهاب أصبح وسيلة للتأثير على القرار السياسي (11).
أما الدكتور نبيل أحمد حلمي فيعرّف الإرهاب بأنه الجريمة الدولية التي بدورها هي :<< عبارة عن التصرفات التي تخالف قواعد وتقاليد النظام الدولي ، وقواعد الانسانية >>( 12).
ولايتم إرهاب الدولة دوماً على نحو غير مباشر ، ولو أن هذا الأسلوب هو الأكثر شيوعاً ، ذلك أن إرهاب الدولة الدولي يمكن له أن يكون هو الأكثر مباشراً أيضاً . ويكون ذلك حينما تقوم القوات المسلحة النظامية لدولة من الدول بشن هجوم على دول أخرى أو على ممتلكاتها . وهذا ما حدث في الغارات " الاسرائيلية " على مطار بيروت سنة 1968 ، ومطار عنتيبي سنة 1976 ، والمفاعل النووي العراقي "تموز" 1981 ، وغزو لبنان سنة 1982 ، والإغارة على تونس سنة 1985 ...إلخ .
ولقد أثارت الجزائر موضوع ( إرهاب الدولة ) ومحاربة أسبابه المتمثلة بالاستعمار والاحتلال الأجنبي والتمييز العنصري (13) ، وأيدها في ذلك مجموعة الدول الاشتراكية ، ودول عدم الانحياز . والذي أجبر الجمعية العامة على اتخاذ القرار رقم (61/40) بتاريخ 11/12/1985 ، والذي حدّد إرهاب الدولة (14) .
وقد يتعدد إرهاب الدولة ويتجاوز الأعمال الإرهابية المباشرة لغير المباشرة التي ذكرناها ، وذلك تبعاً للتطور الصناعي والإعلامي ...إلخ مثل الإرهاب الدعائي ،والإعلامي ، والإرهاب الاقتصادي ، والإرهاب الفكري والثقافي ، والإرهاب الصحي ، بعكس ما كان عليه قديماً ، فمثلاً إرهاب الدولة إبان حكم لينين ارتدى طابعين رئيسيين ، << الأول هو أن الأشكال التي اتخذتها عمليات القمع اإرهابية والشمول الذي اتصفت به ..والثاني هو أن الإرهاب قد اتخذ صفة الصراع الطبقي بصورة واضحة >>(15) .يتضح ذلك في خطاب ألقاه " تروتسكي " بعد أحداث أيلول بوقت قصير .
يدخل مثلاً ضمن الإرهاب الاقتصادي للدول ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في عقد الثمانينات بإالقاء آلاف الأطنان من الرز في البحر سعياً منها للمحافظة على سعره العالمي ثابتاً ، رغم وجود مجاعات إنسانية في بقع كثيرة من العالم . وكذلك القروض والمساعدات الباهضة والأرقام الخيالية التي تقدمها إلى " إسرائيل " بحجة تأمين المهاجرين .
لن نتطرق أكثر في هذا المجال لأنه يحتاج إلى دراسة خاصة به لاتساعه وتشعبه ، أردنا التنويه إليه فقط .
المطلب الثاني : إرهاب الأفراد .
رأينا إرهاب الدولة وأشكاله في عجالة سريعة ، وهنا سنتطرق إلى إرهاب الأفراد .
ولنتذكر سوياً الإعلان العالني لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة . وبالتحديد المادة /3/ ، حيث نصت على أنه :<< لكل فرد الحق في الحياة والحرية ، والأمان على شخصه >>. ولكن إذا فقد الفرد حقه ، وما يضمن الأمان له ولأسرته . فماذا يفعل ؟ .
لابد له من الدفاع عن حقوقه ، وحقوق أخوانه ..لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد . حيث يصبح إرهابياً في نظر العالم كله ..إلا المظلومين مثله .
تطوّر الإرهاب الفردي << مر بعدة مراحل ، وقد تأثر بالإيديولوجية الشيوعية في صورة حركات التحرير في جميع أنحاء العالم مثل فيتنام وأمريكا اللاتينية ، وتطور بعد ذلك الإرهاب الفردي ، واستخدمته الاتجاهات اليمينية واليسارية لغرض ضرب نظام الحكم القائم >>(16) . وقد كان شعار الإرهابيين في عملياتهم هو <<أرهب عدوك وانشر قضيتك >> (17) .
من ذلك نجد أن للإرهاب أسباباً لابد من ذكرها : فهناك الدوافع السياسية والدوافع الإعلامية ، والدوافع الشخصية ، وقد يكون له سبب أو دافع روعي أو ثأري ، ونذكر هنا على سبيل المثال << حادث التفجير الذي تعرض له (قصر الشتاء )القيصري في روسيا عام /1880/ على يد المنظمة الإرهابية ( ناردونيا فوليا )، أو الحادث الأخر المشابه الذي تعرض له في باريس منزل المدعي العام الفرنسي ( بونو ) على يد الارهابي الفوضوي ( رافاشول ) عام 1892>>( 18) .
أما فيما يخص الدوافع الثلاثة الأولى فنذكر مثالاً أورده اليهودي ضابط المخابرات في الموساد سابقاً ( فيكتور أو ستروفسكي كلير هوي ) في كتابه (عن طريق الخداع ) حيث يقول :<< في الثامن والعشرين من تشرين الثاني 1971، قام أربعة رجال باغتيال رئيس الوزراء الأردني وصفي التل ..وكان التل أول هدف لمجموعة (إرهابية ) من الفلسطينيين تسمى بالعربية "أيلول الأسود" (19) .ويستطرد قائلاً : وفي الخامس من أيلول الأسود هاجموا المقر "الإسرائيلي " في القرية الأولمبية ، فقتلوا /11/ رياضياً ومدرباً " إسرائيلياً " ، وذلك بناءً على دوافع سياسية .
ونسوق هنا شخصية وصفت بالإرهابية من وجهة نظر الامبريالية والدول الأوروبية ، هذه الشخصية "الأسطورة" المناضل الأممي (كارلوس ). وهو إيليتش راميريز سانشيز- المعروف أيضاً بكارلوس – والمولود في 12 تشرين الأول /أوكتوبر سنة 1949. كان والده محامياً شيوعياً ثرياً . بدأ حياته الثورية عام 1964 بانتسابه إلى حركة الطلاب الشيوعية في كاراكاس (فنزويلا) ثم توجه لاحقاً إلى كوبا حيث تلقى تدريبات على " حرب العصابات " عام 1968، ثم أرسله الحزب الشيوعي الفنزويلي إلى الاتحاد السوفييتي لمتابعة دراسته في جامعة لومومبا . وفي وقت لاحق طرد من الجامعة المذكورة لـ " عدم جدّيته " . نسبت إليه عشرات العمليات خصوصاً في فرنسا مثال عملية شارع " تولييه" في باريس سقط فيها شرطيان فرنسيان ومخبر لبناني في حزيران /يونيو 1975. أو ضد مصالح فرنسية في الخارج . حوكم غيابياً في فرنسا وحكم عليه بالسجن المؤبد . ولقد وصفته دائرة الهجرة الأمريكية في مذكرة أصدرتها سنة /1991/ بأنه " خطير جداً ولا يتردد في إطلاق النار وهو ماهر في تغيير شكله وهويته " (21) . ألقي عليه القبض في السودان وتم تسليمه إلى فرنسا في 15 آب / أغسطس 1994 . بعد أن كان طيلة ربع قرن هاجس أجهزة الأمن والإعلام ، لدرجة أن وزير الداخلية الفرنسي الأسبق " غاستون دوفير " وصفه عام 1983 بأنه " الرجل الأخطر في العالم " .
أما بخصوص تعريف الإرهاب الفردي ومنفذيه فنجد أننا لو نظرنا للتشريعات الوطنية لأقطار ودول بعيدة عن مجرى الصراع الدائر فنجد مثلاً مكتب جمهورية ألمانيا الاتحادية لحماية الدستور /1985/ يعرّف الإرهاب الفردي بأنه : <<...كفاح موجه نحو أهداف سياسية بقد تحقيقها بواسطة الهجوم على أرواح وممتلكات أشخاص آخرين ، وخصوصاً بواسطة جرائم قاسية >> (22). اما (لاسول ) فيقول :<< اإرهابيون هم المشاركون في العمليات السياسية التي يكافحون بشدة للحصول على نتائج سياسية >>(23).
أما الأستاذ قرحالي يضيف بعض الأسباب للإرهاب الفردي : << التغيير السياسي والاجتماعي – الديني مثلاً تعتبر عملية اغتيال الرئيس الأمريكي (إبراهام لنكولن ) عام 1865 عملية إرهابية قام بها عميل لأصحاب مزارع امتلاك العبيد في الجنوبي الأمريكي >>(24).
لكن في عصرنا الحديث يذكر الدكتور عبد الله سليمان سليمان أن الإرهاب الفردي :<< يشمل الأعمال التي يقوم بها الأفراد والعصابات والمجموعات الأخرى لحسابهم الخاص دون أن يكونوا مدعومين من قبل دولة ما >> . ونجد هنا أن الدكتور سليمان قد خلط بين عمليات السطو والسرقات وبين الأعمال الإرهابية حيث نفى أن يكونوا مدعومين من قبل دولة ما .
لقد عرفنا أن صور الإرهاب الفردي كثيرة ، ومتنوعة ومتغيرة تبعاً للزمان والمكان والأسباب وحتى للشخصية القائمة بها . لذلك لا يمكن حصرها في صورة معينة . فاقتصرنا تبعاً لذلك ذكر ثلاث صور لأهميتها ولكثرة حدوثها في الواقع العالمي وهي : الاغتيال وسوف نتناوله في الفرع الأول ، أما الفرع الثاني فنتناول
فيه اختطاف الطائرات . والفرع الثالث فنتركه لموضوع احتجاز الرهائن .
الفرع الأول : الاغتيال.
يتبادر إلى الذهن لأول وهلة سؤال حول الفرق بين القتل العادي والاغتيال ؟ والسلاح المستعمل هو نفسه والشخص الفاعل هو نفسه أيضاً ، ولكن الفرق يقع في اصطباغ وترابط فكرة الاغتيال بالعامل أو الدافع السياسي .
أما قديما ً فقد عرفت المجتمعات هذا النوع من الجرائم منذ القدم ، وكانت الاغتيالات لسباب دينية هي الأسبق في تلك المجتمعات ويعود ذلك حسب رأي علماء النفس والاجتماع إلى أن العاطفة الدينية تلعب دوراً مهماً (25).
لكن في العصر الحديث كان موضوع الاغتيال وحق الإنسان في الحياة من المواضيع التي أخذت نصيباً هاماً من أعمال الأمم المتحدة . ففي قرار الجمعية العامة 260/أ / (د .3) المؤرخ في 6/12 من سنة 1948 أعلنت في مادتها الثانية :<< أن الإبادة الجماعية تعني أياً من الأفعال الآتية عن قصد :....
أ – قتل أعضاء من الجماعة .
ب – إلحاق اذى جسدي أو روحي خطير ...إلخ >> (26) .
تعتبر جريمة الاغتيالات السياسية من أبشع الجرائم على الإطلاق وخاصة إذا كانت ترتبط بالاختلاف الأيديولوجي ، أو الاختلاف بالرأي كما سنورد أمثلة لذلك لاحقاً .
أما الاتفاقيات الدولية ، فإن أشهرها في هذا الشأن "اتفاقية عام 1937" بشأن قمع الإرهاب والمعاقبة عليه . والتي كانت كرد فعل " على اغتيال الاسكندر الأول " ملك يوغسلافيا ، و (لويس بارثون ) رئيس مجلس الدولة الفرنسي في مرسيليا على أيدي اشخاص يمكن للمرء أن يصفهم اليوم لإما بأنهم مناضلون يوغسلافيون من أجل الحرية ، أو ارهابيون (27) .
لكن هذه الاتفاقية لم تجد بداً من الاندثار لعدم حصولها على المصداقية الدولية الحقيقية ، رغم توقيعها من طرف مندوبي أربع وعشرين دولة ، وهناك اتفاقية أخرى بشأن منع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد الشخصيات المحمية دولياً ،وأطلق عليها ( اتفاقية نيويورك ) ، وقد أقرت بتاريخ 14/ كانون الأول / ديسمبر/ 1973 ، وأصبحت سارية المفعول بتاريخ 20/ شباط / فبراير /1977 (28) .
وهناك المشروع الأمريكي ( لاتفاقية منع ومعاقبة أعمال معينة من الإرهاب الدولي ) ، والذي قدمته الولايات المتحدة على عجل للجنة السادسة للجمعية العامة في 25 أيلول / سبتمبر 1972 ، والذي اقتصر عمداً أو حصراً على :
1- العنف الإرهابي الفردي .
2- أشكال محددة من العنف .
3- العنف الإرهابي المرتكب في مناطق معينة على أيدي فاعلين معينين (29).
وإليكم قائمة بأشهر الاغتيالات السياسية في العالم وأسماء ضحاياها والتي تعود أغلبها إلى الدافع السياسي :
1- اغتيال ( ابراهام لنكولن ) : يوم 4 نيسان / ابريل 1865 من طرف ( جون ويلكس بوت . و- ذلك لأنه – اشتهر بأنه محرر العبيد وإلغاء نظام الرق ، وكان قد فاز بالانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة عن الجمهوريين .
2- ( عبد الرحمن الكواكبي ) : اغتيل يوم الخميس 4 تموز / يوليو 1902 عن طريق دس السم في القهوة من طرف عملاء السلطان عبد الحميد سلطان الدولة العثمانية لإطفاء الشعلة المتقدة من جرّاء كتابة طبائع الاستبداد .
3- اغتيال الرئيس الفرنسي ( المسيو دومر ) : في مساء يوم 6 أيار / مايو من عام 1932 ، سقط رئيس الجمهورية الفرنسية دومر قتيلاً برصاص لاجئ روسي إلى فرنسا .. وكان سبقه إلى القبر رئيس آخر لجمهورية فرنسا قبل ثمانية وثلاثين عاماً بسكين لاجئ إيطالي في مدينة ليون يوم 24 حزيران / يونيو 1894 (30) . القاتل الروسي ( غورغولوف ) كان عمره يوم الجرية إثنين وثلاثين عاماً . وهو ولد لأبوين روسيين فلاحين ميسورين وشارك في الحرب العالمية الثانية .. المهم أن سبب إقدامه على اغتيال رئيس الجمهورية الفرنسي دومر ، هو اعتراف فرنسا بدولة الاتحاد السوفييتي .
4- ( الملك غازي ) : اغتيل صباح 4 نيسان /ابريل 1939 عن طريق الميكانيكي الذي كان عميلاً للمخابرات الانجليزية ، وقتل بعد يومين من اغتيال الملك .
5- ( اللورد موين ) : في عام 1944 فوجئ الرأي العام العربي والدولي بمصرع اللورد " موين " المندوب السامي البريطاني في مصر ، واستطاعت قوى الأمن بسرعة أن تقبض على القتلة وكانا يهوديين ، هما ( إلياهو بنزوري ، وإلياهو حكيم ) وقد اعترفا في التحقيق أنهما معاً ينتميان إلى عصابة ( شتيرن ) الإرهابية في فلسطين ، وأنهما صرعا اللورد البريطاني احتجاجاً على موقف بريطانيا من القضية الفلسطينية وللفت نظر العالم إلى هذا الموقف ... ثم لتأزيم العلاقات المصرية – البريطانية (31) . ورفض القاتلان أن يبوحا بأسماء زملائهما من بقية أفراد العصابة ، وقد حكما بالإعدام ونفذ فيهما فعلاً .
6- ( الإمام موسى الصدر) : الذي اختفى ، ويعتبر بحق من ضحايا الإرهاب السياسي ، تمّ ذلك وهو : << في طريقه إلى المطار يوم 31 آب / أغسطس 1978 من قبل خصومه في لبنان الذين يعتبرونه هقبة تقف في طريقهم >> (32) .
7- ( الملك فيصل ) : اغتيل يوم الخميس – آذار / مارس 1975 ، من طرف ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز الذي عاش في أمريكا لفترة طويلة ، وكان الملك فيصل قد طالب بعد حرب أوكتوبر 1973 بعودة القدس إلى السيادة العربية (33).
8- ( جون كينيدي ) : يوم الجمعة 22 تشرين الثاني / نوفمبر 1963 بولاية تكساس بجنوب الولايات المتحدة الامريكية يثلاثة عيارات نارية ، وكل الأصابع تشير إلى تورط المخابرات الأمريكية بالتعاون مع المافيا (34) .
9- مجموعة اغتيالات طالت شخصيات لبنانية معروفة :
أ – ( كمال جنبلاط ) : زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي والحركة الزطنية اللبنانية ، اعتيل في 6 آذار / مارس 1977 .
ب- ( طوني فرنجية ) : وزير سابق اغتيل في حزيران / يونيو 1977 .
ج- ( بشير الجميّل ) : رئيس لبناني منتخب ، اغتيل في كانون الأول / ديسمبر 1982 .
د – ( رشيد كرامي ) : رئيس الوزراء ، اغتيل في حزيران / يونيو 1987 .
هـ - ( الشيخ حسن خالد ): مفتي لبنان ، اغتيل في 16 أيار / مايو 1989 .
و – ( رينيه معوّض ) : رئيس لبناني منتخب ، اغتيل في 22 / تشرين الثاني / نوفمبر 1989 (35 ) .
10 – ( أرنستو تشي غيفارا ) : اغتيل في 8 تشرين الاول / أوكتوبر 1967 من قبل أمريكا .
11- مجموعة الاغتيالات التي قام بها الجيش الجمهوري الإيرلندي السري :
أ – اغتيال النائب الاتحادي ( جون بارنهيل ) في 22 شباط / فبراير 1972 .
ب – اغتيال الجمهوري ( بللي فوكس ) في آذار/ مارس 1972.
ج – اغتيال الوزير ( آري نيفي ) في آذار / مارس 1979 .
د - اغتيال اللورد ( نتباتن ) في 27 أوغسطس 1979 .
هـ - محاولة اغتيال ( مارغريت تاتشر ) بتفجير الفندق الذي نزلت فيه في مدينة براتون في تشرين الأول / أوكتوبر 1984 (36 ) .
12- اغتيال القائد الفلسطيني ( خليل الوزير ) أبو جهاد في 16 نيسان / ابريل 1988 في تونس من قبل مجموعة من الموساد .
وقائمة الاغتيالات كبيرة وكبيرة جداً ، وإليكم قائمة لبعض الأسماء العالمية التي وقعت ضحية الاغتيالات :
- المهاتما غاندي – الهند .
- أنديرا غاندي – الهند .
- ألدو مورو – إيطاليا .
- محمد غلي رجائي – إيران .
- المهدي بن بركة – المغرب .
- د . سلفادور الليندي – التشيلي .
- القيصر اسكندر الثاني – روسيا .
- الكونت برنادوت – بريطانيا .
- الملك عبد الله – الأردن .
- مارتن لوثر كينغ – أمريكا .
- غسان كنفاني – فلسطين .
- وائل زعيتر – فلسطين .
- محمود الهمشري – فلسطين .
- أبو اياد – فلسطين .
- أبو الهول – فلسطين .
- ناجي العلي – فلسطين
- تروتسكي – الاتحاد السوفييتي ( سابقاً ).
- رياض الصلح – لبنان .
- أبو علي حسن سلامة – فلسطين .
- حسن البنا – مصر .
- فوزي الغزي – فلسطين .
- رازام آراه .
- ترجيللو .
- سعد صايل – فلسطين .
- كمال عدون – فلسطين .
- أبو يوسف النجار – فلسطين .
- كمال ناصر- فلسطين .
- أنور السادات – مصر .
- نبيل فليفل – فلسطين .
- ماجد أبو شرارة – فلسطين .
- الرئيس الجزائري محمد بو ضياف – الجزائر .
- فتحي الشقاقي – الأمين العام للجهاد الاسلامي – فلسطين .
والقائمة طويلة جداً لا تنتهي .
أما في الوقت القريب جداً :
13- محاولة اغتيال ( حسني مبارك ) (37) : عام 1995 وقعت محاولة فاشلة لاغتيال حسني مبارك الرئيس المصري في أديس أبابا عاصمة إثيوبيا وهو في طريقه من المطار إلى مكان انعقاد قمة الوحدة الافريقية ولم تعرف شخصية الجناة .
14- اغتيال ( إسحاق رابين ) (38) : في الرابع من تشرين الثاني / نوفمبر 1995 ، وبينما يحضر اجتماعاً جماهيرياً مؤيداً لمسيرة السلام جرى في ساحة – ملوك " اسرائيل " – في تل أبيب ، اغتيل رئيس الوزراء " الاسرائيلي " إسحاق رابين على يد قاتل يهودي متطرف يدعى ( يغال عامير ) ( طالب ، 27 عاماً ) .. وجاء في المعلومات : أن القاتل اقترب من رابين عندما نزل عن المنصة في الساعة 21,40 مساءً ، وأطلق عليه ثلاثة عيارات نارية من مسافة لا تتعدى المتر الواحد . إحدى الطلقات أصابته في صدره ، والثانية في العمود الفقري ، والثالثة في الطحال . وقد تم نقل رابين بسيارته فاقداً للوعي ... وتحدد موته على طاولة العمليات عند الساعة 23,10 .
15- محاولة اغتيال خالد مشعل : في الاردن عام 1997 من قبل عناصر في الموساد " الاسرائيلي " .

الفرع الثاني :
خطف الطائرات " ويدخل في نطاق النوان تفجير الطائرات " .
نعلم أن التقدم التكنولوجي ، والعلمي فريضة حتمية ، وهذه الفريضة لها ضرائب ، لآن الحياة تبنى على النقائض .
الطائرات من أهم الاختراعات في القرن العشرين ، وتعتبر في وقتنا الحالي – أي الطائرة – من وسائل النقل والاتصال الرئيسة في العالم وبفضلها صار العالم قرية صغيرة ....هذا التطور الملحوظ ، قابله تطور في أساليب الاستعمار الاستغلالية لثروات الشعوب وتهديد أمنها ، كالعدوان على سيادة الدول عن طريق ( التهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعلاً ) .
كما نعلم أن الطائرات تتعرض لكثير من حوادث الاعتداء . تجلّى معظمها في المحاولات بـ " تحويل أو خطف الطائرات " ، ونعلم كذلك أن الطائرات تعتبر ( امتداداً ) لسيادة الدولة باعتبارها تحمل علم الدولة . ولذلك نعرّف العدوان بناءً على ما جاء في مضمون المبدأ الرابع الذي تقوم عليه الأمم المتحدة ، حيث تقول المادة ( 1) من التعريف : << العدوان ...هو استخدام القوة المسلحة من جانب دولة ضد سيادة دولة أخرى أو وحدتها الإقليمية أو استقلالها السياسي ، أو بأي أسلوب آخر يتناقض وميثاق الأمم المتحدة >> ( 39 ) .
وكما أسلفنا الذكر فالطائرات هي امتداد لسيادة الدولة ...بمعنى أنها من توابع إقليمها ، والاعتداء عليها اعتداء على سيادة الدولة التابعة لها ، لذلك تعتبر سابقة خطف الطائرة الليبية سنة 1973 من قبل ( الطائرات "الاسرائيلية " ) بعد دخولها خطأ أجواء سيناء ثم تفجيرها بالمضادات الصاروخية وقتل جميع ركابها وطاقمها البالغ عددهم 104 أفراد ، هي سابقة خطيرة من نوعها << وفي ذات العام اختطفت الطائرات " الاسرائيلية " الحربية ، طائرة مدنية لبنانية كانت متوجهة من مطار بيروت إلى بغداد ، وأجبرتها على الهبوط في مطار اللّد " ( 40) .
إن اختطاف الطائرات ظاهرة لم تنبع من الشرق بل صدّرت إلينا من الغرب . هذا ما أكده العلاّمة السيد ( محمد حسين فضل الله ) في حوار صريح مع الكفاح العربي حيث قال :<< إن الخطف هو أسلوب تعلمه الشرقيون من الغرب . فنحن نجد أن الفرنسيين خطفوا طائرة ( أحمد بن بللا ) ، كما أن يهود " إسرائيل " خطفوا عدة أشخاص من النازيين ..>>( 41 ) . ونظراً لخطورة مثل هذه الاعتداءات على خطوط المواصلات الدولية ، وتعريض حياة المسافرين للخطر ، حظي هذا الموضوع بهتمام كبير من جانب الدول التي سارعت إلى التداول فيما يمكن عمله . وأسفرت جهود الدول عن توقيع الاتفاقيات الثلاث التالية :
1- اتفاقية طوكيو : بشأن الجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات ، المحررة والموقعة بطوكيو بتاريخ 14 أيلول / سبتمبر 1963 .
2- اتفاقية لاهاي : الخاصة بـ " قمع الاستيلاء غير القانوني على الطائرات " ، المحررة والموقعة في لاهاي بتاريخ 16 كانون الأول / ديسمبر 1970 .
3- اتفاقية مونتريال : الخاصة بـ " قمع جرائم الاعتداء على سلامة الطيران المدني " ، المحررة والموقعة في مونتريال بتاريخ بتاريخ 23 أيلول / سبتمبر 1971 (42 ) .
وعلى الرغم من صراحة أحكام هذه الاتفاقيات ، ورغم اتخاذ احتياطات الأمنية ، إلا أن ذلك لم يمنع من التزايد المستمر لعمليات اختطاف الطائرات . ففي عام 1950 لم يقع في العالم إلا حالات نادرة وقليلة ، إلا أنه خلال العقدين الأخيرين ، الواقعين من 1950 إلى 1970 نجد أنه " وقع في الولايات المتحدة وحدها /73/ حادثاً ، وفي أمريكا اللاتينية /51/ حادثاً ، وفي أوروبا الغربية /9/ حوادث ، وفي الاتحاد السوفييتي /3/ حوادث ، وفي أوروبا الشرقية /9/ حوادث ..وفي الوطن العربي وقعت /3/ حوادث (43 ) .
ويذكر الدكتور ابراهيم أحمد شبلي أن الاتفاقيات الثنائية المنظمة لمسائل الطيران بين الدول المختلفة يبلغ عددها الآن أكثر من 600 اتفاقية ثنائية ( 44 ) .
ويجب النظر إلى الباعث في هذا التصرف لنستطيع تكييفه ، فقد يكون الباعث شخصياً . مثل ( خطف طائرة تعود إلى شركة نورث – ويست ) من قبل ( د.ب. كوبر D.B.cooper ) (45) .
وقد يكون الباعث عقائدياً ( أيديولوجياً ) كقيام ( ليلى خالد ) باختطاف الطائرة الأمريكية في 1985 للضغط على أمريكا من أجل إرغام " إسرائيل " على الافراج عن معتقلي سجن عتليت . وقد أصبح اختطاف الطائرات لأسباب سياسية منتظماً اعتباراً من عام 1960 على أيدي المنشقين الكوبيين بتشجيع مكشوف من حكومة الولايات المتحدة كما " أن خطف الطائرات الذي قام به أفراد عرب لم يكن أبداً من أجل فدية أو الابتزاز أو ما شابه ذلك في الدرجة الأولى "( 46) .
ولن ننسى بعض العمليات التي أوصلت اختطاف الطائرات إلى معدلات أشبه بالوباء ، في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات ، وأصبحت تشكل مشكلة خطيرة وتهديداً كبيراً لآمن الركاب الأبرياء بأكثر مما يمكن تحمله ، ويمكن أن نذكر كذلك أول عملية احتطاف ظائرة تقع في "الشرق الأوسط " والتي لم تؤخذ هي الأخرى بشكل مألوف فقد قامت بها "إسرائيل " في عام 1954 ، عندما اعترضت الطائرات المقاتلة " الإسرائيلية " طائرة مدنية سورية وأجبرتها على الهبوط في مطار اللد وقد كتب " موشيه شاريت " رئيس الوزراء في مذكراته الشخصية :<< لم يكن لدينا مبرر مهما كان لاحتجاز الطائرة >> (47) . وهناك الكثير من الأدلة والبراهين تؤكد على أن حوادث اختطاف الطائرات ظاهرة جديدة على الوطن العربي صُدّ رت إلينا من الغرب .
يؤخذ على الاتفاقيات التي ذكرناها سابقاً وكذلك الدراسات القانونية إغفال الأسباب والبواعث السياسية والوطنية والتي تم إغفالها قصداً كباعث لاختطاف الطائرات ، التي يلجأ لها كنوع من أنواع التعبير بعد استنفاذ الطرق السلمية والقانونية .

الفرع الثاني :
احتجاز الرهائن .
إن الإرهابي في استخدامه لهذا النوع من الإرهاب يحقق أهدافاً ومكاسب شخصية عن طريق استغلال حياة الرهينة للضغط على الجهة المعنية لتغيير وجهة نظرها في مسألة ما .
ومن الثابت أن العرب قد تكرست لديهم مبادئ اجتماعية تحرّم هذا الأسلوب انطلاقاً من المثل السائد والمعروف ( المرسل لا يخجل ولا يخاف ) ، أي الرسول يعبر عن وجهة النظر لمن أرسل إليه دون خوف لآنه في مأمن من غضب مَن أرسل إليهم ، حيث أن الإخلال بهذه العادات كانت سبباً في وقوع الحروب بين القبائل .
أما ما يتهم به الإسلام من الإرهاب من جهة أن بعض الإسلاميين يخطفون الغربيين ، فهذا ليس مقتصراً على الإسلامي ، ففي لبنان كان المسيحيون يخطفون المسلمين ، والمسلمون يخطفون المسيحيين . وهناك لا يزال في أوروبا وغير أوروبا يخطفون الناس للابتزاز .
إن أكبر حادثة اختطاف يعيشها العالم هذا العام من حيث الأهمية قامت بها مجموعة تنتمي إلى حركة منحلة عسكرياً ، وليس لها أي قاعدة شعبية تستند إليها ، أقدمت على اقتحام منزل السفير الياباني في البيرو بطريقة أذهلت العالم برمته في العاصمة البيرونية ليما ، الشهر الفائت (48) . هذه الحركة الثورية تدعى ( توباك أومارو ) وتعني الدرب المضيء . لقد احتجزت هذه الحركة قرابو الـ 70 شخصية دبلوماسية من دول مختلفة . إن هذه العملية تعود أسبابها إلى المطالبة بالإفراج عن زعماء الحركة المحتجزين من عام 1992 ، وأعضاء آخرين من الحركة . هذا وقد تناقلت وكالات الانباء مؤخراً خبر انتهاء هذه القضية بمجزرة قامت بها حكومة البيرو .
وفي التاريخ الحديث وقعت في أثيوبيا عام 1833 أول عملية لاحتجاز الرهائن في عهد الامبراطور ( تيو دوروس) (49) . حيث طلب هذا الامبراطور من الدول الغربية مساعدة . وبعد رفضها بادر باحتجاز /6/ مبشرين انجليز والقنصل العام لكل من بريطانيا وفرنسا و/2/ من علماء الطبيعة الألمان . واستمرت المفاوضات ثلاث سنوات دون جدوى . وخلال هذه المدة بلغ عدد المحتجزين /60/ رهينة من بينهم المفاوضين الأوربيين .
وفي الوقت الحالي كانت لبنان معقلاً لحوادث الاختطاف والاحتجاز ، والذي لم يعهد له مثيل . حيث ابتدأت عمليات الخطف المنهجية لكل من أطراف الحركة الوطنية اللبنانية ورجال المقاومة الفلسطينية (50) ، من قبل قوات الاحتلال " الاسرائيلي " إبان الغزو " الإسرائيلي " للبنان حتى غصّت المعتقلات بعدد كبير من هؤلاء ، واشهر المعتقلات هو معتقل ( أنصار /1/ وأنصار /2/ وأنصار /3/ وعتليت ) .
لقد وجهت أصابع الاتهام إلى ايران لتورطها في مثل هذه العمليات ، خصوصاً فيما يعرف ( بقضية الرهائن ) الشهيرة سنة 1987.
وكذلك قضية احتجاز رجال الأمم المتحدة لحفظ السلام كرهائن من قبل قوات الصرب إثر اتخاذ حلف الشمال الاطلسي قراراً بقصف مواقع الصرب ، وفعلاً ما أن تم القصف حتى تم احتجاز رجال القوات الأممية كرهائن لفك الحصار ودفع الهجمات عن مواقعهم . فأين اتفاقيات الأمم المتحدة الموقعة عام 1979 ، التي تنص على تحريم احتجاز الرهائن ، ذات القرار رقم ( 146/34) .
ترد في في ذاكرة الغرب المنتقاة بشكل ملائم ، أن العرب وحدهم هم الذين يمثلون ( بلاء الإرهاب ) . فبعد اختطاف السفينة اكيلي لاورو كرد انتقامي (51) . بينما يتجاهل العالم وأجهزة الإعلام الجرائم الحقيقية التي ارتكبتها حكومة ( نيكسون ) باعتبارها ذات علاقة بالموضوع . ويصف ( جورج شولتز ) الزعم القائل بأن :<< الإرهابي في نظر شخص ما ، هو مناضل من أجل الحرية في نظر شخص آخر >> . يصفه بأنه زعم خبيث ، وبقول :<< إن المناضلين من أجل الحرية أو الثوريين لا يقومون بنسف الأتوبيسات التي تحمل غير المقاتلين . والقتلة الإرهابيون هم الذين يفعلون ذلك . المدافعون عن الحرية لا يغتالون رجال الأعمال الأبرياء أو يخطفون الرجال والسيدات والأطفال الأبرياء – والقتلة الإرهابيون هم الذين يفعلون ذلك . رجال المقاومة في أفغانستان لا يدمرون القرى أو يقتلون من لا حول لهم . ورجال الكونترا في نيكاراغوا لا يقومون بنسف أتوبيسات المدارس ، أو يقومون بعمليات قتل جماعية للمدنيين >>(52).
وفي الواقع ، فإن الإرهابيين الذين يقودهم شولتز في نيكاراغوا متخصصون بكل أنواع العنف والارهاب ، من الهجمات الإجرامية القاتلة على المدنيين وصولاً إلى التعذيب والاغتصاب والتشويه . وقبل بضعة أشهر فقط من حديث ( شولتز ) ، كان أصدقاؤه من أعضاء منظمة ( يونيتا ) في أنغولا يتفاخرون بإسقاطهم طائرة مدنية تحمل /266/ شخصاً ، كما كانوا قد أطلقوا سراح /26/ رهينة كانوا قد احتجزوهم لمدة تسعة أشهر ، ومن بينهم /21/ من المبشرين الرتغاليين والإسبان ومن أمريكا اللاتينية . وذكرت وكالة ( الأسوشيتد برس ) عن احتجاز مدرسين وأطباء أوروبيين وغيرهم . كما ذكرت الصحف أن عددهم بلغ /140/ أجنبياًمن بينهم /16/ من الفنيين البريطانيين احتجزوا كرهائن ، على حد قول زعيمهم ( جوناس سافيمبي ) ، وتقرر عدم إطلاق سراحهم حتى تقدم رئيسة الوزراء ( مارغريت تاتشر ) لمنظمة نوعاً من الاعتراف (55).
أما فيما يتعلق بجيوش الكونترا التي يدعمها ( شولتز) ، فإن مهمتها الأساسية ، كما لاحظنا من قبل ، هي احتجاز كل سكان نيكاراغوا المدنيين كرهائن تحت تهديد الإرهاب الوحشي لإجبار الحكومة على التخلي عن أي إلتزام لتلبية حاجات الأغلبية الفقيرة ، ولصالح السياسة " المعتدلة " و " الديموقراطية " التي تخدم المتطلبات العليا لقطاع الأعمال الأمريكي وعملائه المحليين .
ينصب موضوع احتجاز الرهائن على كل فئات الشعب البسيطة كما رأينا في لبنان أو ركاب الطائرات ، وامتد أخيراً إلى السلك الدبلوماسي ورجال الأعمال . لذلك وبناء على ما تقدم في التاريخ وكثرة تكرار حوادث الاختطاف وحجز الرهائن قام " المجتمع الدولي بتحريم الأعمال الإرهابية الموجهة ضد الدبلوماسيين بموجب اتفاقية واشنطن /1973/ ، الخاصة بمنع وقمع الجرائم التي ترتكب ضد المبعوثين الدلوماسيين " ( 54) ، وكذلك اتفاقية تجريم احتجاز الرهائن /1979/ بموجب قرار الجمعية العامة 146/34 وتشترط هذه الاتفاقية على كل دولة " طرف فيها أن تجعل أخذ الرهائن أو محاولة أخذ الرهائن عملاً معاقباً عليه بالجزاءات المناسبة " ( 55) . ويعتبر أخذ الرهائن من ضمن الجرائم التي تعتبر انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي ، وذلك وفقاً لما جاء في اتفاقية جنيف لعام 1949 وما لحقها في جنيف لعام 1979 .
وعلى الرغم من أن " إسرائيل " كانت من ضمن " الدول " الموقعة على الاتفاقية ، إلا أنها رفضت وبشدة تطبيقها على أراضي الضفة الغربية بحجة أنها ( أراضي محررة ) تدعى يهودا والسامرة (56) .
وما دعم " إسرائيل " في موقفها هو استعمال أمريكا المتواصل لحقها في النقض ( الفيتو ) ضد جميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والتي تدين " إسرائيل " بسبب أنشطتها الإرهابية في الأراضي العربية المحتلة ، بما فيها القدس الشرقية ومرتفعات الجولان .
ومن الجدير بالذكر في معرض حديثنا عن إرهاب الدولة ، أن نذكر بالسلاح الخطير الذي راحت الدول تلهث وراء اختراع أصناف مختلفة منه ، هو الأسلحة الكيميائية والجرثومية والبيولوجية ، والتي اكتشفت مع بداية القرن /20/ وخصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى ، لكن تعاظمت المخاوف عندما بدأت المنظمات الحصول عليها ، مما زاد المخاوف من كارثة قد تصيب أي مجتمع وخصوصاً بعد أن جرى استخدام نوع من هذه الأسلحة ( غاز السارين السام ) في عمل إرهابي خطير في اليابان في آذار / مارس داخل نفق المترو ، الأمر الذي أوقع 12 قتيلاً و 5200 مصاب .
أما أنواع هذه الأسلحة فقد توصل خيال العلماء إلى اختراع صنوف لا تعد ولا تحصى منها ، ويصل عددها إلى أكثر من مائة نوع تستطيع القضاء على الأحياء من دون انفجارات وتدمير مبان وأهم هذه الأسلحة هي ( 57) :
1- غاز ( س. أس ) : رائحته شبيهة برائحة البهار ، وهو على شكل رذاذ . اكتشفته واخترعته بريطانيا في مطلع أواسط القرن الحالي . يسبب شللاً في حركة أعضاء الجسم ويؤدي إلى الوفاة بعد فترة .
2- غاز ( د . ان ) : يسبب ألاماً حادة وموجعة في الصدر تترافق مع غثيان وصداع شديد .
3- غاز ( س. ان ) : يأخذ شكل رذاذ . اكتشفته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى . يسبب دواراً شديداً وإحساساً حارقاً في الجلد وصعوبة في التنفس .
4- غاز ( س. اي ) : مركب من مواد كيميائية ينطلق كالبخار . اكتشفته فرنسا بعد الحرب العالمية . من مضاعفاته اضطرابات شاملة وإفراز دموع وصداع شديد .
5- غاز الأعصاب ( سارين ) : هو عبارة عن مجموعة من المواد تركب ويخلط بعضها ببعض ، عديم اللون والرائحة . يدخل إلى جسم الإنسان بواسطة الجلد أو الرئتين . وبعد فترة يضرب الجهاز العصبي ويشل دفاعات الجسم مسبباً احتقاناً في الأنف والعيون والرئتين . الأعراض الجانبية الغثيان والعرق الشديد . يموت المصاب خلال دقائق إذا تأخر إسعافه بلقاح مضاد اسمه ( الأتروبين ) اكتشفه العالم الألماني النازي ( جيرارد شرايد ) . تكفي نقطة واحدة بحجم رأس الدبوس لقتل إنسان .
ورغم أنني استفضت في هذا المقام قليلاً ، إلا أنني آليت إلا أن أركز أكثر على ذكر ضحايا الأسلحة السامة لخطورتها الآن وفي المستقبل ، لأنها تعتبر السلاح المستقبلي الأكثر رعباً .
ضحايا الأسلحة السامة :
يعتبر البريطانيون أول من استخدم قذائف مدفعية تحتوي على مواد كيميائية قاتلة ويقال أن الأوروبيين استخدموا أيضاً هذه الأسلحة في أمريكا ضد الهنود الحمر ، فأصيب الآلاف بمرض الجدري . كما استخدمت هذه الأسلحة في الحرب الأهلية الأمريكية عام 1863. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى بدأ الألمان باستخدام المواد السامة على نطاق واسع على الجبهتين الروسية والفرنسية وأطلقوا عام 1915 غاز ( الكلورين ) في الحرب العالمية الأولى (58) :
- 275 ألف إصابة بين الروس .
- 190 ألف إصابة بين الفرنسيين .
- 181 ألف إصابة بين الإنكليز .
- 80 ألف إصابة بين الألمان .
70 ألف إصابة بين الأمريكيين
المطلب الثالث :
المنظمات الإرهابية ، وحركات التحرر الوطني .

تمارس الدولة الإرهاب كما رأينا سابقاً لتحقيق أهداف عديدة ، ويمكن لها أن تمارس الإرهاب بكل طرقه . ومن بين هذه الطرق هي تلك التي تلجأ إليها العصابات المسلحة ضد الشعوب المستضعفة ، أو الدول التي تعاديها .
لكن هناك شعوب مضطهدة قد تلجأ إلى الكفاح المسلح كوسيلة شرعية وقانونية لتقرير مصيرها بناءً على ما أقرته المادتين الأولى و (55) من ميثاق الأمم المتحدة . ويمكن أن نستشهد على ذلك من صيغة قرار الجمعية العامة رقم 427 (د.5) المؤرخ في 4/12/1950 (59) .
بيد أنه من الواضح في الحقبة الزمنية الأخيرة ، حيث اختلط الحابل بالنابل بين الصورة الأولى ، والتي استعملت فكرة ( الدفاع عن النفس ) ، والصورة الثانية التي اتهمت فيها بأنها إرهابية . لذلك سنتطرق في هذا المطلب إلى ثلاث قضايا هامة وحساسة :
- الفرع الأول : المنظمات الإرهابية مع دراسة تطبيقية على المنظمات الصهيونية .
- الفرع الثاني : الكفاح المسلح وتمييز أعمال حركات التحرر الوطني عن الإرهاب .
- الفرع الثالث : الإرهاب وعلاقته بالدين .
الفرع الأول : المنظمات الإرهابية .
المنظمات الارهابية كما يذكرها الأستاذ ( سعيد سليمان ) نقلاً عن توزيع الباحثين الغربيين ، هي ثلاثة أنواع من المنظمات (60) :
1- المنظمات الوطنية والاستقلالية والانفصالية ، وأبرزها منظمات التحرر الوطني ، والمنظمات الأرمنية ، وجبهة تحرير كوبيك ، وجبهة تحرير الباسك ، ومنظمة تحرير كرواتيا .
2- حركات اليسار الجديد وأهم منظماتها : المنظمات الألمانية ، والجيش الأحمر الياباني ، ومنظمات اليسار الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية ، والألوية الحمراء الإيطالية ، وجيش التحرير التركي .
3- منظمات اليمين المتطرف : وتشمل منظمات تركية وإيطالية وأمريكية وألمانية وعنصرية مثل : كوكولس كلان الأمريكية ، والمنظمات الدينية المتطرفة .
وتنقسم دراسة هذا الفرع إلى ثلاث نقاط رئيسية : تتمحور النقطة الأولى في نموذج من المنظمات الإرهابية الداخلية ، والنقطة الثانية حول نماذج من المنظمات الإرهابية العالمية ، أما النقطة الثالثة فهي دراسة تطبيقية للمنظمات الإرهابية الصهيونية على المستويين الداخلي والخارجي .
1- على المستوى الداخلي : من أهم المنظمات الإرهابية الداخلية والتي اقتصر معظم نشاطها داخل حدود بلدانها والتي تقوم بأعمال منافية للقوانين والأعراف الدولية والمحلية ، تلك التي وجدت في الولايات المتحدة الأمريكية وهي :
أ – منظمة ( فرسان الطوق الذهبي ) (61) : وهي منظمة سرية شهيرة بلغ عدد أعضائها سنة /1860/ حوالي /115/ ألف عنصر ، وكانت أعمالها منصبّة ضد الاتحاديين وأنصار الغاب ونظام الرق .
ب- الكوكلوكس كلان (ك.ك.ك) (k.k.k) (62) : وتأسست في 24 كانون الثاني / ديسمبر 1865، بلغ عدد أعضائها سنة 1867 حوالي مليوني شخص ، مارست أعمالها الإرهابية ضد العبيد والرقيق .وفي عام 1975 انبعثت من جديد للاستيلاء على السلطة ودعم الحزب الديمقراطي، وانبثق عنها العديد من المنظمات التي انتشرت في العالم مثل كلان النسائية 1923، وكلان الفتيان من 12 إلى 18 عام ، سنة 1924 ، وكذلك أسست لها فروعاً في جنوب أفريقيا .
ج- المنظمات الماسونية : هي منظمات إجرامية محظورة طبقاً للقوانين الدولية وقوانين الدول التي تمارس بها نشاطها ، وهي ذات صلة بالمخابرات المركزية الأمريكية ، وتنصب أعمالها في ملاحقة وقتل الشخصيات الحكومية التقدمية ، ومقاومة القوى التقدمية وسحق حركات التحرر في العالم .
د- المافيا الإيطالية : منظمة تحمل اسم ( كوسانستوا) أي قضيتنا . وكان أول تأسيس لها في الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية العشرينيات من هذا القرن . ويشترك في عضويتها حوالي /5/ آلاف عضو .
2- على المستوى العالمي :
حيث أن العصابات العالمية المسلحة يمكن لها أن تمارس الاغتيال السياسي والهجوم ضد المنشآت والممتلكات العامة أو الخاصة وقد يذهب ضحيتها شخص أو عدة أشخاص بصورة مفاجئة وغير متوقعة . وقد حدث الكثير من هذه الاعمال مثل حادثة الأزبكية دمشق << ومن خلال مناقشة موضوع تعريف العدوان ، وخاصة ما يخص مفهوم القوة المسلحة –ARMED FORCE- كانت هنالك آراء في احتواء الأشكال في مثل هذا العدوان – القوة المسلحة – بدون أي تصنيف >>(63).
شرّعت بعض الدول الإرهابية مثل هذه المنظمات بوضع قوانين تبيح أعمالها مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، التي شكلت ورعت منظمات إرهابية دولية تمارس الإرهاب حيث جرى بناءً على قانون ( ضمان الأمن المتبادل ) الذي وقعه الرئيس الأمريكي بتاريخ 10/10/1951 (64) ، ومن أهم هذه المنظمات :
أ‌- ( أوميغا 7) و ( ألفا 66) : وهي منظمات كوبية مهاجرة تتمركز في ولايتي نيوجرسي وفلوريدا ، حيث تختص الأولى بشكل رئيسي بالاغتيالات السياسية والأعمال التخريبية ، والثانية وهي أقدم منظمة إرهابية ظهرت عام 1959 ، مختصة بإيقاف النقل البحري من وإلى كوبا ، علناً .
ب‌- منظمة المهاجرين الفييتناميين الإرهابيين : وهي منظمة إرهابية تلاحق المواطنين الفييتناميين ذوي المناصب السياسية والمفكرين ومثال ذلك اغتيال الصحفي الفييتنامي ( الام تشانغ دونغ ) في وضح النهار في سان فرانسيسكو ، إبان حملته الخاصة بتوعية الجالية الفييتنامية .
ج‌- المنظمات المعادية للثورة اليوغسلافية : وهي منظمة معادية للثورة اليوغسلافية وكذلك الاتحاد السوفييتي والمهاجرين الروس .

أما المنظمات الإرهابية الصهيونية فهي الأكثر انتشاراً في العالم وعلى كل المستويات الداخلية والعالمية . حيث صرّح بذلك ( صموئيل غالبيرن ) البروفيسور في جامعة العلوم السياسية في ( ديترويت ) في ميتشيغان ، عضو جمعية العلوم السياسية الأمريكية ، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية (65) .
لذلك خصصنا الجزء الثالث من هذا الفرع كلمحة سريعة عن هاته المنظمات .
3- المنظمات الإرهابية الصهيونية :
في محاولة منا لتفسير الروح العدوانية تجاه العرب لدى الشخصية اليهودية " الإسرائيلية "، فإن الكثير من علماء النفس الأمريكيين (66) و " الإسرائيليين " يطلقون على هذه الحالة " بحر العداء العربي " ، ويبنونه على أساس العمليات والهجمات من الفدائيين الفلسطينيين عبر الحدود المتاخمة " لإسرائيل " ويقولون : << إن الانتقام " الإسرائيلي " هو سلوك " قومي إسرائيلي " وإن "إسرائيل " تعتبر الانتقام صورة شرعية من صور السلوك القومي >>(67) . لكن الحقيقة غير ذلك تماماً ، حيث تعود دوافع هذه الروح العدوانية إلى غابر الزمان كطبيعة لصيقة بالشخصية اليهودية . فقد قال عنهم موسى عليه السلام : << أنا أعرف تمردكم وقلوبكم الصلبة ، إنكم بعد موتى تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم ، ويصيبكم الشر في آخر الأيام >> (68) .
ويقول لهم المسيح عيسى بن مريم عليه السلام : << ...يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار ؟ >> (69) . أما في بروتوكولات حكماء صهيون – خبثاء صهيون – كما يسميهم الأستاذ أبو جرة سلطاني – وبالتحديد في البروتوكول الأول ، فنجد تأكيداً لما سبق ذكره ، حيث نجدهم يقولون : << فخير النتائج في حكم العالم ما ينتزع بالعنف والارهاب . يجب أن يكون شعارنا ( كل وسائل العنف والخديعة )>> (70) .
ولقد طبق ( جابوتنسكي ) هذا الشعار بحذافيره في عام 1920 حيث نادى بثلاثة أمور ضرورية لإقامة المستعمرات والبقاء وهي :
أولاً : تعلم اللغة العبرية والتحدث بها .
ثانياً : الضرب بقوة وقسوة .
ثالثاً : إشاعة الإرهاب بين السكان العرب ...(71) .
هذا كان قبل إعلان الدولة في 1948 . لكن وبعد الإعلان عن " قيام الدولة " أصبح الإرهاب الصهيوني منظماً في أطر تنظيمية ذات أسماء معروفة ، نتطرق في هذه العجالة إلى بعض المنظمات والتنظيمات الصهيونية قبل إعلان الدولة وبعدها . فبعد أن دعا نابليون بونابرت اليهود لمساعدته على احتلال فلسطين ، وجه ( آروف ليفي ) الحاخام الأكبر للقدس في عام 1799 أي قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول بحوالي مائة عام ، نداء إلى اليهود يحثهم فيه على القدوم إلى فلسطين قائلاً : << ليجتمع جميع رجال الشعب اليهودي القادرين على حمل السلاح وليأتوا إلى فلسطين >> . كما دعا الى ذلك فيما بعد ( تيودور هرتزل ) الذي يعتبر أب الحركة الصهيونية ، فلبى اليهود النداء بمساعدة الإنكليز وتغاضى العالم أجمع وتداعى الرجل المريض – الدولة العثمانية – وراحوا يشكلون تنظيمات تقوم بتنفيذ أهدافهم . ومن هذه التنظيمات :
أ‌- ( الهاغاناه ) : رغم أن تأسيسها كان في كانون الأول / ديسمبر 1920 ، لكن أعمالها امتدت إلى فترة الخمسينيات ، حيث قامت في عام 1952 بتنفيذ مذبحة ( دير ياسين ) بناءً على دستورها الصادر في 1924 ، والقائل بما يسمى << التبادل السكاني . وقامت هذه الحركة الإرهابية بتنفيذ برامج مختلفة لطرد العرب والمحافظة على " دولة يهودية " خالية من العرب >> (73) .
ب‌- جمعية حماية اليهود : والتي كان يترأسها ( مائير كاهانا ) والذي حكم عليه بخمس سنوات سجن في أمريكا لممارسته الإرهاب علناً ، وهو ذو جنسية مزدوجة وله نشاط ضد الدول الاشتراكية والعربية . أسس جمعية حماية اليهود الإرهابية عام 1968 ، وفتح لها فروع في معظم الدول الغربية .
ج‌- الوحدة 101 : وتسمى أيضاً اللواء /101/ : تأسست هذه العصابة على غرار عصابة ( الهاغاناه ) . وكانت مهمتها الأولى والأخيرة قتل العرب خارج حدود الهدنة العربية " الإسرائيليلة " . لم يبلغ عدد أفراد وحدة /101/ أكثر من 50 قاتلاً ، وعلى الرغم من كونها وحدة صغيرة ونشاطها العملي ( الإرهابي ) لم يدم أكثر من خمسة أشهر (74) ، قامت خلالها بتنفيذ الكثير من العمليات الفظيعة مثل : عمليات قتل على الجبهات اللبنانية والأردنية والسورية والمصرية – مذابح مخيم البريج – عمليات إبعاد عرب العزازمة من النقب الفلسطيني المحتل – مذبحة قبية – عملية قليقلة وغيرها .
د- ( الأراغون) : قامت الأراغون على أساس أن كمية الدم المسفوكة هي الاختيار الوحيد التاريخي وليس مهماً جوهر هذا الدم حسب قول مناحيم بيغن << قامت هذه العصابة بالأعمال الإرهابية وحولت المدن الفلسطينية إلى حرائق واغتيالات ونسف وتدمير >> (75) .
أما تعاليمها فهي :
- اقتناص أي فلسطيني ، مهما كان سنه أو جنسه .
- اضرب واهرب . واضرب بقوة وقسوة .
- إلقاء القنابل على التجمعات العربية ، كالمقاهي التي يرتادها العرب ، والفرار فوراً .
- وضع عبوات ناسفة في أسواق الخضار بالمدن الكبرى .
- نصب الكمائن للحافلات العربية وقتل من فيها .
هـ - حركة ( غوش ايمونيم ) ( كتلة الإيمان ) : وهي مجموعة منظمات حديثة في الكيان الصهيوني . كلها قامت من أجل سياسة إرهابية واحدة موجهة ضد العرب . ومن بينها (76) :
- المنظمة اليهودية .
- منظمة القبضة والترس .
- منظمة وحدة الثأر .
- حركة كاخ .
- منظمة حركة بيت المقدس السرية .
- مجموعة عين كارم .
- منظمة الإرهاب ضد الإرهاب (ت.ن.ت ) (T.N.T) .
- حركة الفهود السود .
و- منظمة الماسونيين اليهود ( بناي بريت ) أو ( أبناء الوصية ) : وهي من أكثر المنظمات نفوذاً في أمريكا . حيث تحتوي على 900 محفل في أمريكا وحدها ، ومن الرؤساء المؤيدين لها الرئيس الأسبق جيمي كارتر . والذي ألقى خطاباً على منبر ( بناي بريت ) وأدى يميناً مهيباً لضمان مصالحها ومصالح " إسرائيل " والشعب اليهودي إبان حملته الانتخابية .
ز- المافيا اليهودية : منظمة إجرامية متشعبة ذات علاقة وثيقة مع جمعية حماية اليهود " قيادتها الحالية بزعامة أحد المؤسسين ( مايرلانسكي ) " (77) . تقوم هذه المنظمة بكل عمل أسود ، لقاء مكافأة مادية معينة ، وتتعامل كذلك بالمخدرات حسبما جاء في نشرة " النيوزويك " في نهاية 1981 في مقال ضكر فيه أن << نصف المخدرات على الأقل التي يستخدمها متعاطو المخدرات في لوس أنجلس ترد عن طريق المافيا " الإسرائيلية " بالتحديد >> ( 78) .
ح‌- منظمة ( الحشمونائيم ) الإرهابية : قام أعضاؤها بأهم عملية منظمة وهي محاولة تفجير قبة الصخرة في تموز من عام 1982 ، لكن هذه المحاولة اختفت بسبب اكتشاف الشرطة " الإسرائيلية " للشحنات الناسفة قبل انفجارها (79) .
وهناك الكثير الكثير من هذه المنظمات مثل : مجموعة " موكيد ياهف " الإرهابية المتطرفة – حركة " حيرف دافيد " سيف داوود ....الخ .
أما التيارات الدينية في " إسرائيل " حسب "يديعوت احرنوت" الصادرة في 23/11/1995 فهي كثيرة ، حيث تقدر أعداد اليهود المتدينين في " إسرائيل " بحوالي مليون ونصف – أي يشكلون نسبة 30% من السكان منهم 30% متزمتون وحوالي 70% منهم متدينون وطنيون ، وهذا الأمر يندرج تحت الخطوط العامة ، وبشكل دقيق . هناك مجموعتان أساسيتان :
المتدينون الوطنيون المتزمتون ، والمتدينون المتزمتون :
فالمتدينونالوطنيون حسب ما صنفهم ( تمار تربلسي ) (80) :
1- المجموعة التابعة للمدارس الدينية .
2- خريجو المدارس الثانوية الدينية .
3- أبناء الطوائف الشرقية وأبناء بلديات التطوير .
4- مجموعة الكيبوتسات .
المتزمتون :
1+2 – المجموعة الأولى والثانية تشمل اليتوانيين والأنقياء : وهي مجموعة غير صهيونية وغير حديثة والكلام هنا لـ ( تمار تربلسي ) .
3-المتدينون من المدرسة الدينية القديمة في القدس .
4-السفارديم : المتزمتون من ناخبي / شاس / .
5-الملتزمون من أصل أنكلوسكسوني .
نستخلص في النهاية أن كل عناصر الإرهاب والكراهية للعرب من أهم ملامح الحركات الإرهابية المتطرفة في الأراضي المحتلة والعالم ، وتمحورت كافة التنظيمات حول هذين العنصرين .
الفرع الثاني :
تمييز الإرهاب عن الكفاح المسلح وأعمال حركات التحرر الوطني .
إن طرح مثل هذه الاشكالية أمر غير عادي ، لأننا نؤمن بحقنا في المقاومة والكفاح المسلح ، من أجل تحرير الأرض والإنسان .
يجري خلط أو سكوت عن خلط لمفاهيم الإرهاب ، وخلط لمفهوم المقاومة الوطنية المشروعة ضد الاحتلال مع مفهوم الإرهاب ، وتصوير المقاومة إرهاباً ، أو السكوت عن التمييز . وتلك من المفارقات الأخلاقية لما يدعى " بالنظام العالمي الجديد " الذي يقوم على الإخلال بمنظومات القيم ، والسلوك ، والعلاقات ، في الوقت الذي يدعي فيه أنه يحافظ عليها !!!(81) .
وصف الإرهاب في العرف الدولي بأنه << نوع من السلوك الذي يتصف بالفوضوية أو العدمية >>(82) . لذلك نحن نتساءل هل أن الأعمال الوطنية التي كان يقوم بها بعض الجزائريين ضد المدنيين الفرنسيين دون تمييز أو الأعمال الوطنية في مقاومة الاحتلال " الإسرائيلي " من قبل القوى الوطنية اللبنانية ، ونضال الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه القومية ، فهل حقاً تكيف على أساس أنها إرهاب ؟ .
وتبعاً لما تقدم وللاجابة على السؤال المطروح آنفاً لا بد من دراسة مفهوم حركات التحرر وشرعية المقاومة وفقاً لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، حتى نصل إلى تمييزها عن الإرهاب . لذلك سنبدأ أولاً بمفهوم حركات التحرر الوطني ، وثانياً : شرعية المقاومة ، وثالثاً : تمييز أعمال حركات التحرر عن الإرهاب .
أولاً : مفهوم حركات التحرر الوطني .
يتجنب الكثير من الكتّاب إعطاء تعريف " للمقومة الشعبية المسلحة " ، ورغم ذلك نجد جانباً من الفقه السوفييتي ( سابقاً ) ومنذ وقت مبكر أعطاها المفهوم الواسع ، حيث يعبرون عنها في بعض الكتابات القانونية " بحروب التحرر الوطني " (83) . كلما احتلت دولة غاصبة أرض شعب من الشعوب ، كان من حق هذا الشعب مقاومة هذا الاحتلال بجميع الوسائل المتاحة لديه حتى النصر وطرد جحافل المغتصبين عن حياض الوطن المستباح ظلماً وعدواناً . ويعترف القانون الدولي بشرعية هذه المقاومة الوطنية ، كما تعترف بها جميع الدول في العالم ، فالمقاومة المشروعة التي تقوم بها الشعوب لتحرير بلادها من نير الاحتلال القائم ، أو الدفاع عن حقها في تقرير مصيرها بنفسها ، كلها حقوق معترف بها لكل الشعوب لا ينازعها فيها منازع ، وهي بالتالي لا تتصف بأية صفة من صفات الإرهاب، ولا يمكن أن تدخل في زمرة أعمال الإرهاب لأنها عمل مشروع ومبارك . وهذا ما يمكن أن يقال عن المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية . ونقول ذات الشيء بالنسبة لمقاومة شعوب البلقان بالنار والحديد للاحتلال الهتلري البغيض لبلادها خلال الحرب العالمية الضروس ذاتها . وهذا ما يجب أن يقال عن الشعب العربي في فلسطين الذي يقاوم الاحتلال " الاسرائيلي " البغيض لبلاده . فلا يمكن أن يقال عن هذه المقاومة المشروعة القائمة من أجل تحرير البلاد من رجس الاحتلال غير المشروع أنها إرهاب (84) .
انطلاقاً من المفهوم الواسع نستطيع أن نورد مفهوم المقاومة الشعبية المسلحة حسب ما أورده الكتور صلاح الدين عامر كما يلي :<< بأنها عمليات القتال التي بها عناصر وطنية من غير أفراد القوات المسلحة النظامية دفاعاً عن المصالح الوطنية أو القومية ، ضد قوى أجنبية سواء كانت تلك العناصر تعمل في إطار تنظيم ، يخضع لإشراف وتوجيه سلطة قانونية أو واقعية ، أو كانت تعمل بناءً على مبادرتها الخاصة ، سواء باشرت هذا النشاط فوق الإقليم الوطني ، أو من قواعد خارج هذا الإقليم >> (85) . وفي دراسة للأستاذ ( س . جي . أكوكو ) حول العداء الموجه ضد حركات التحرير نجد أن عبارة حركة التحرير قد أعطيت في هذه الدراسة تفسيرات واسعة ، فهي هنا تشمل :
1- حركات التحرير فيما تبقى من جيوب الاستعمار الاستيطاني .
2- الحركات المناهضة للتمييز العنصري في ازانيا . أفريقيا الجنوبية .
3- منظمة التحرير الفلسطينية .
4- الحركات الشعبية التي تكافح الاستعمار الجديد في الدول الأفريقية المستقلة (86) . كما أن فصول ميثاق الأمم المتحدة (11-13) تزكي فكرة تقرير المصير كمبدأ قانوني ، وتتم ممارسة حق تقرير المصير في إطار التنظيم الدولي المعاصر بأحد طريقتين كلاهما قانوني ومشروع :
الأولى : الوسائل السلمية كالإستفتاء . على أن يكون الإشراف على عمليات الاستفتاء عائداً إلى الأمم المتحدة .
والثانية : استخدام القوة المسلحة بواسطة حركات التحرر الوطني (87) . بمعنى أن من حق الشعوب المقاومة المسلحة فرادى وجماعات دفاعاً عن حقوقها المسلوبة ، وعملاً على استرداد سيطرتها على ثرواتها الطبيعية وأقاليمها .
نفس الفكرة أوردتها المادة /51/ من الميثاق بالنص على حق الأعضاء باللجوء للقوة في سبيل الدفاع عن النفس حيث تقول : << ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص من الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا وقع اعتداء مسلح على دول أعضاء في الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين ...>>(88) .
ثانياً : شرعية المقامة ( الكفاح المسلح ) .
بناءً على ما أوردناه سابقاً وقياساً عليه نقول أن مقاومة الاحتلال لاتشكل جريمة بل هي حق يعترف به القانون الدولي منذ نهاية القرن الماضي عندما أكدت اتفاقية لاهاي وجوب معاملة أعضاء حركة مقاومة منظمة كأسرى حرب في حال اعتقالهم (89) . ونؤكد من جديد أن الاستعمار والاستيطان هو السبب الرئيسي بوجود المقاومة والكفاح . فلو انتفى الأول بطل الثاني .
إن عنف النظام الاستعماري ، وعنف المستَعمَر ، يتوازنان ويتجاوبان في تجانس مشترك ، وسيطرة العنف هذه لابد أن تصبح أشد هولاً كلما زاد عدد المستوطنين . إن اشتداد العنف لدى الشعب المستَعمَر سيكون متناسباً مع العنف الذي يمارسه النظام الاستعماري المرفوض (90) .
إن الكثير من الاتفاقيات تناولت هذا الموضوع ونظمته ، ومنها اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بأسرى الحرب ، ويؤكد الأستاذ (فارس غلوب ) على دور منظمة التحرير الفلسطينية في تطوير القانون الدولي حين سجلت سابقتين ، لهما أهمية كبيرة ألا وهما :
1- أنها أصبحت الحركة التحريرية الأولى التي تتمتع بصفة مراقب في الأمم المتحدة .
2- أصبحت الحركة التحريرية الأولى التي نالت اعترافاً دولياً أوسع من " الدولة " التي تقاومها (91) .
وتأتي مسألة العنف الفلسطيني (كمثال هنا ) فنقول بأن " إسرائيل " تركت الفلسطينيين مشردين بلا مأوى جزئياً في عام 1948 ثم كلياً في عام 1967، الأمر الذي جعلهم يلجأون إلى استخدام العنف لتحرير أرضهم . وهكذا فإن أي عنف فلسطيني في مقاومة " إسرائيل " مشروع أينما وقع ، ما دام " الإسرائيليون " وحلفاؤهم هم هدف هذا العنف - << تماماً كما فعل بعض أعضاء حركة المقاومة الوطنية الفرنسية عند الغزو النازي لأوروبا في عام 1939 >>( 92) . كذلك الأمر عندما نتأمل بتاريخ الثورة الجزائرية (حرب التحرير الجزائرية ) ، والتي يعرّفها الأستاذ ( محمد بو طالب ) على أنها :<< حرب تحرير وطنية ثورية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي قام بها الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية ، وكانت نتيجتها استرجاع الجزائر لاستقلالها بعد استعمار شرس وطويل استمر أكثر من /130/ عاماً >> (93) .
انطلاقاً مما ورد سابقاً نجد أن الكفاح المسلح في الجزائر لم ينطلق بصورته المشار إليها كحرب تحرير وطنية إلا في عام 1954 ، أي بعد عذاب وإهانة مريرين داما قرابة 124 عاماً .
زكذلك نجد أن في الكفاح المسلح شيءٌ يصح أن نسمية " النقطة التي لا عودة بعدها " . ونستطيع القول أن الأمر الذي يحقق الوصول إلى هذه النقطة إنما هو أعمال القمع الضخمة التي تشمل جميع قطاعات الشعب المستَعمَر . وهذه النقطة تم الوصول إليها في الجزائر عام 1955 حين وقعت الأحداث التي أودت باثني عشر ألف ضحية في ( فيليبفيل ) ، وكذلك عام 1956 حين أنشأ ( لاكوست ) ميليشيا المدن والأرياف . فعندئذ أدرك جميع الناس ، أنه يتوجب عليهم أن يردوا على العنف بالعنف (94) .
كل ذلك ، رغم أن اتفاقية جنيف الرابعة والخاصة بشأن معاملة المدنيين في وقت الحرب سنة 1949 << أقرت نوعاً من الحماية على هؤلاء عندما يقومون بأعمال العصيان أو التمرد في المادة /3/ والمادة /27/ والمادة 54/1 من الاتفاقية المذكورة >> (95) . هذا بشأن العصيان والتمرد ، وأعمال العنف الغير منظمة والهوجاء . فمن باب أولى أن نشرّع العمل التحرري المنظم والذي يدور مجمله في نطاق القانون الدولي ، وميثاق الأمم المتحدة ، والعلاقات الدولية .
ثالثاً : تمييز أعمال حركات التحرر الوطني عن الإرهاب .
تعكس حروب التحرر الوطنية نوعاً من المنازعات التي لم تكن معروفة من قبل ، وقد اكتسب هذا النوع أهمية كبيرة منذ الحرب العالمية الثانية بسبب تزايد كفاح الشعوب الخاضعة للحكم الاستعماري والأجنبي من أجل التحرير وتقرير المصير . ويبدو جلياً أن تناول هذه المنازعات قد تم من الزاوية القانونية التي تبحث في علاج المركز القانوني لحروب التحرير الوطنية ، وفق التطورات التي حدثت وأدت إلى توسيع نطاق القانون الدولي نتيجة قرارات حيوية اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1960 وليس هناك من شك في أن ظاهرة حروب التحرير الوطنية كانت قد أثرت إيجابياً على التطور الذي أدخل على نصوص القانون الدولي خاصة تلك التي تتصل بالحروب ويأتي هذا التطور ليحدد الأنواع المختلفة للمنازعات المسلحة (96) .
ولقد تميزت حروب المقاومة من أقدم العصور باستخدام أساليب خاصة في قتالها (97) ، وكان أسلوب حرب المجموعات الصغيرة هو أبرز تلك الأساليب بسبب الظروف الخاصة ، ضد عدو متفوق من الناحية العسكرية والمادية في غالب الأحوال (98) . أما الإرهاب كمصطلح فليس له أي محتوى قانوني محدد وهو مصطلح لصيق بأمريكا وحلفائها وعلى رأسهم " إسرائيل " . وذلك موثق في الكثير من الدراسات القانونية والكتب الواقعية أمثال ما كتبته المحامية اليهودية التقدمية في الأرض المحتلة فيلسيا لانغر في كتابها " بأم عيني " (99) .
نلاحظ أيضاً أن أمريكا كانت ولا تزال تطلق صفة الإرهاب ، الإرهابي ، الأنشطة الإرهابية ، على حركات التحرر الوطني وأفضل مثال على ما نقول هو " قانون مناهضة الأنشطة الإرهابية " لعام 1987 (100) ، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية المحمية قانوناً ، وكذلك ما تتناقله الصحف ووكالات الأنباء .
تسعى الإمبريالية حثيثاً للتغلغل إلة مجتمعات دول العالم الثالث والسيطرة على الممرات المائية ، ومنابع النفط والبترول ، بكل الوسائل . وإن لم تستطع احتواء الوضع تطلق صفة الإرهابي على كل من يقف في وجهها من حركات تحرر أو حكومات وطنية ، وتهدف من وراء ذلك تحقيق الأغراض التالية (101) :
1- تضليل الجماهير الواسعة حتى لاتمكنها من معرفة صانعي الإرهاب ومسانديهم الحقيقيين .
2- استخدام الإرهاب ضد هذه الحركات والثورات التحررية الاجتماعية .
3- تشويه سمعة حركات التحرر والنضال الوطني أمام جماهيره ، والعالم ، ليفقد المؤيد والنصير .
تحصير الرأي العام لتقبل الانتقام من تلك الحركات بحجة المحافظة على السلم والأمن الدوليين وتصوير نضالها على أنه عمل إرهابي
الفرع الثالث : الإرهاب والدين .
يهدف الإسلام كدين سماوي إلى رفاهية الإنسان ، ويهدف إلى التوحيد بين البشر في ظل نظام قانوني واحد، هو الشريعة الإسلامية ، دون تمييز ( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ) . وكانت كلمات الله عز وجل في القرآن الكريم تنصب في هذا المجال بين الترغيب والترهيب ، لكن الترهيب هنا يدل على حالة الرهبة من الله ، فقد وردت في سورتي ( البقرة والنحل ) بصيغة الأمر (( وإياي فارهبون )) ، وصيغة الأمر تفرض الوجوب ، والرهبة في هذا النطاق تدخل ضمن الخضوع لله مخافة من غضبه ، وبالخضوع لله تنفي المعصية .
وقد تقع الرهبة في نفس الإنسان من شخص ، في حين لا يرهب الله ، وهذه الصورة عبّر عنها القرآن الكريم في سورة الحشر بقوله << لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون >> . ولقد حرّض الله المؤمنين على الدفاع عن أنفسهم وحياتهم بأن قال للمؤمنين في سورة الأنفال << وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم ، الله يعلمهم ، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون ، وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم >> . لكن هذا التحريض لا يعني – قطعاً – التعدي على الغير لأن الله (( لايحب المعتدين )) . لذلك فنحن لن نكون أبداً إرهابيين ، ونحن رواد حضارة عنوانها الاسلام .
تقوم الشريعة الاسلامية على مبدأ العدالة الاجتماعية والتعاون على الخير ورفض الظلم واستغلال الآخرين . كما أن الحرب العدوانية غير موجودة في الاسلام ، لأن الحرب بمنظورها الدفاعي هي الموجودة فقط وبصورتين :
1- حرب الدفاع عن النفس :
تجلّت في قوله تعالى : (( أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ...)) سورة الحج الآيات (39-41) . وسمي بالجهاد " وفقاً لقواعد محددة " (102) :
1- الجهاد فرض ولا يحل تركه بأمان أو موادعة .
2- أساس العلاقة بين المسلمين ومخالفيهم في الدين – الحرب .
3- دار الاسلام هي الدار التي تجري عليها أحكام الإسلام ويأمن من فيها سواء كانوا مسلمين أو ذميين .
لكن الشريعة الغراء لا تجعل المقاومة الشعبية المسلحة حقاً للشعب له أن يستغله أو يحجم عن استخدامه تخوفاً ورهبة ، إنها تجعله واجباً يأثم المتخاذل عن أدائه (103) . ويقول تعالى في سورة الأنفال الآية /65/ : (( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين ، وإن يكون منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون )) .
2- حرب الإغاثة : لشعب مسلم أو لأحد الحلفاء ، لقوله تعالى : (( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك نصيرا )) .
وفقاً لذلك فالشريعة الإسلامية تقف ضد الارهاب بكل صوره وأشكاله حتى أن آداب القتال في الحرب لها قيود أخلاقية مثل :
- لا تجوز فيه الحرب الهجومية .
- لا تجوز مباغته العدو قبل إنذاره .
- لا يكون الجهاد إلا مع العدو الحربي .
- لا يجوز قتل النساء والأطفال والشيوخ ورجال الدين المعتزلين .
- يجب معاملة الأسرى معاملة حسنة .
- لا تجوزمقاتلة من جنح للسلم ....إلخ (104) .
ونقول بملء أفواهنا ورداً على التراث الغربي الذي دعمته الحملات الصليبية إن الإسلام دين سماحة وغفران وهما من صفات الله عز وجل ، فهما بالتالي من الصفات التي يجدر بالمؤمنين التحلي بها .
فالدين يدعو إلى التسامح واللين وسماحة الإسلام تذكرنا بخرافة ( لافونتين ) عن الريح والشمس اللتين تراهنتا أيهما أقدر على أن تجرد رجلاً في أحد الحقول من عباءة يلبسها ، فأما الريح فهبّت تحاصره وتشدد من هجومها ، فإذا بالرجل يزيد من تشبثه بالعباءة وإحكام قبضته عليها ، وأما الشمس فقد طلعت في هدوء وثقة إلى كبد السماء ، تبث حرارتها ، حتى رأى الرجل من المناسب أن يخلع العباءة من تلقاء ذاته ويلقي بها جانباً (105) .
وكما نعلم أن الاسلام إنما انتشر ووطد دعائمه في أنحاء عديدة من أفريقيا السوداء وجنوب شرق آسيا ، وحتى حدود الصين ، لا بالسيف والقهر ، ولا حتى بالتبشير والدعوة ، وإنما بفضل سماحة خلق التجار المسلمين الوافدين إلى تلك المناطق للتجارة ، وأمانتهم ورفقهم ودماثة طبعهم ووقارهم ، مما دفع الناس إلى الاقبال على سؤالهم تعاليم دينهم ، ثم اعتناق هذا الدين ، الذي كان له الفضل الأكبر في غرس هذه الفضائل (106) . وللأسف نجد أن بعض مدعي الإسلام شوهوا صورته عن قصد أو غير قصد ، حين يشكلون مجموعات لاغتيال المواطنين الأبرياء واللجوء إلى السلاح من أجل موقف سياسي ، كما يحدث في مصر والجزائر وغيرها من البلدان . نحن هنا لا نتهم ولا نشير بالأسماء إلى كل من قال أنا مسلم ، ولكن نريد أن نعرف لماذا انساق البعض من هؤلاء الأشخاص إلى التعصب إلى أفكارهم والتفرد بالحل والقوة ؟ ولماذا وصلوا إلى هذا القدر من العنف ؟ يجيب الداعية الإسلامي ( يوسف القرضاوي ) عن هذا السؤال بشيء من العمومية << سياط السجن الملتهبة أرتني كيف ينبت العنف في قلوب الشباب >> ويضيف << كانوا يجبروننا على تلاوة الفاتحة بالمقلوب ويضعوننا في حبس انفرادي بغرف منتنة في أيام عصيبة قاتمة ومنع عنا كل ما نتسلى به من الكتب حتى المصاحف >> ( 107) .
هذه إشارة فقط لوضع الإصبع على الجرح . فالعنف يولد العنف . نحن لا نريد الدخول في غمار موضوع يندرج ضمن إطار داخلي للدول ، لكن نشير فقط إلى التقارير الأمنية في مصر ، التي تؤكد بأن محافظتي القاهرة والجيزة شهدتا 13 عملية إرهابية خلال العام الماضي بواقع عملية إرهابية كل 22 يوماً (108) .
ومن نافل القول أن هناك الكثير من الأقلام لا تنفك بأن تقول أن الإسلام والدين لا يخرّج إلا الإرهابيين ، تحت تسميات كثيرة " كالأصوليين – القوى الظلامية – المتطرفين ...إلخ " دون تحديد دقيق عن من يتكلمون ، وما علاقة هؤلاء بالإسلام ؟ والفهم الخاطئ والمبتذل يؤدي بنا للسقوط في بؤرة الرديء كقول أحد المفكرين العرب : << بأن النص المقدس في جميع الأديان ، بل في الايديولوجيات الحديثة هو مناط لنزوع الإرهابي ، وبتحقيقاتي الخاصة في تاريخ الأديان والمعتقدات ترسخت لدي قناعة بأن القداسة أخت الإرهاب هذا عندما تأخذ القداسة كنمط فكري >> (109) .
نشير أيضاً إلى نقطة هامة حسب رأيي وهي أن كلمة الإرهاب صارت كلمة لصيقة بالدين منذ أن أطلق (ريغان ) مشروعة ( مكافحة الإرهاب والإرهاب المضاد ). لكن الظاهر الآن أنها صارت كلمة رديفة للإسلام ؟ دون الديانة اليهودية التي زورت مثلاً .
في العاشر من أيار / مايو 1994 احتفل المركز الإسلامي ، في العاصمة الأمريكية واشنطن ، باليوم الأول من السنة الهجرية الجديدة ، بحضور نائب الرئيس الأمريكي ( ألبرت غور ) ، وألقى كلمة بدأها بجملة ( السلام عليكم ) ، عبّر من خلالها عن << تقدير الولايات المتحدة واحترامها للدين الإسلامي العظيم وما يدعو إليه من مبادئ وقيم سامية >> . ثم قال << إن الإسلام دين عظيم يدعو إلى السلام ، والعدالة ، والمحبة ، والتعايش ، والوحدة والتنوع >> (110) . ثم تجد الإعلام الأمريكي ينهال على الإسلام بالشتيمة والتحقير . فهل كانت هذه الكلمات هي حقنة تخدير للمسؤولين ؟ ربما !!!.
بالمقابل تظهر إلى الساحة دعوة تقول بأن القتل بإسم الله ، وهذا الأمر مرفوض شكلاً ومضموناً .
القتل : هو الفعل المزهق أي القاتل للنفس ، أو هو فعل من العباد تزول به الحياة أي أنه هدم للبنية الإنسانية (111) . ففي القرآن الكريم آيات كثيرة في شأن تحريم القتل منها قوله تعالى : (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً ، فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً )) الإسراء آية 33 .
وقال تعالى في سورة المائدة ، الآية 32 : (( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض ، فكأنما قتل الناس جميعاً )) .
ولم نسمع أن إسلامياً قال قتلت بأمر إلهي بينما كل الأعمال ضد الإسلام التي يقوم بها اليهود فهي بأمر إلهي مفضل ، أو حتى أعمال القتل فيما بينهم كما صرح بذلك ( إيغال عامير ) قاتل ( رابين ) . فالتعصب الديني في الديانة اليهودية واضح وجلي لا يحتاج إلى نقاش ويرفض التغيير والتعديل والنقاش لأن المبدأ صادر من الله . وفيما يلي نورد هذه المبادئ حسب ما أوردها الكاتب اليهودي رئيس وحدة البحوث حول أعمال العنف السياسية في جامعة " تل أبيب " (112) :
1- إن للحركات الدينية المتعصبة اليهودية ميزة بارزة فهي أولاً مناهضة للديموقراطية من حيث جوهرها . لأن الإرادة الإلهية مفضلة دائماً في نظرهم عن رأي الأغلبية . ولما لم يكن هناك من حوار مباشر بين هؤلاء والله فإن تفسيراتهم الشخصية فيما يتعلق بالدين والله هي الملزمة ، والمحددة للأمور وليس بيد الجمهور أو الحكومة المنتجة من قبل الشعب .
2- إن لهذه الحركات وجهة نظر موحدة وتعتمد عادة على إما معنا أو ضدنا . إذ لا يوجد في نظرهم أي شيء اسمه الوسط لأن الأمور كلها في نظرهم إما أبيض أو أسود .
3- في نظر المتدينين المتعصبين فإن الأمور والأحداث عادة ما تأتي من عند الله أو بإذن منه وإن كل الوسائل معقولة ومقبولة بما في ذلك أعمال العنف .
4- عادة ما توجد لدى الأوساط الدينية المتعصبة عادة الاستعداد للتضحية الذاتية والدليل على ذلك قاتل ( رابين ) الذي كان على استعداد لدفع ثمن عمله ولو بالموت أو السجن الطويل جداً .
وفي نفس السياق ، وفي ربيع عام 1942 ، وقف نائب في مجلس العموم البريطاني وهتف : << أنا من أتباع ( كرومويل ) إنني مؤمن بأنه يجب أن نقتل ...باسم الله >> . ويرد وزير الدفاع الجوي السيد ( ارتشيبالد سنكلير ) فيقول : << يغمرني الفرح عندما أكتشف أننا ، أنت وأنا متفقان تماماً حول سياسة القصف الجوي التي ننفذها ضد ألمانيا >>. وقد صدر كتاب " سياسة الهستيريا " في عام 1964 من تأليف الأمريكيين ( أوموند ستيلمان ) و ( وليام بغاف ) حيث يقول المؤلفان بأن القتل باسم الله استخدمته بريطانيا في إغارتها على مدينة هامبورغ ، ليلة السابع والعشرين من كانون الثاني / يناير وهو ما أسمته قنابل " عاصفة النار " فأحرقت المدينة بكاملها . وبين الرابع والعشرين والتاسع والعشرين من تموز / يوليو زاد عدد القتلى في هامبورغ وحدها على اثنين وأربعين ألف قتيل ، وبعضهم يرفع الرقم إلى مائة ألف (113) .
رغم أن هذه القضية حساسة جداً ، خاصة في هذا العصر الذي اختلط فيه الحابل بالنابل ، وكثرت فيه التهم الملصقة بالإسلام وخصوصاً مصطلح الإرهاب . لكن الحقيقة أكثر جلاءً من هذا الواقع المزيف . فالاسلام بريء من كل التهم الملصقة به ، وكل الأشخاص والمجموعات التي تتخذه ستاراً وذريعة لتنفيذ أغراضها الدنيئة ، فهو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام . حيث من المحتمل ، أن تكون هذه الجماعات مخترقة وتعمل لمصالح خارجية . ما دامت تعدياتها على الناس والممتلكات لا تخدم سوى أعدائها (114) .
المبحث الثالث
موقف القانون الدولي من الإرهاب وتحديد المسؤولية الدولية .
رأينا سابقاً في المبحثين الأول والثاني ، ماهية الإرهاب ومواقف مختلف الأنظمة منه . ورأينا بعض صوره وأشكاله ، وخرجنا بخلاصة مفادها : أن الإرهاب من أخطر الاشكاليات في العلاقات الدولية الحديثة والمعاصرة ، رغم أن جذورها ضاربة أطنابها في التاريخ .
وبعد هذه الدراسة وجدنا أنه من الضروري أن نحدد موقف المنظمات الدولية القانونية ، والقانون الدولي من هذه الظاهرة قديمة وحديثة ، وكذلك موقف لجنة القانون الدولي والفقهاء الدوليين . وكذلك وجب أن نعرف ما هو الوصف الحقيقي للإرهاب بحد ذاته ؟ وتبعاً لمل وجدناه من أن العوامل الأساسية لزيادة الاهتمام بظاهرة الإرهاب هو ارتباطه – حديثاً – بالجانب السياسي فقد أصبح مظهراً من مظاهر العنف السياسي ، وارتبط أيضاً بنواحي عديدة ، منها الأيديولوجية الاجتماعية والثورية ...إلخ .
لذلك قسّمنا هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب كالتالي :
المطلب الأول : موقف المنظمات الدولية من مفهوم الإرهاب .
المطلب الثاني : موقف الفقه الدولي .
المطلب الثالث : تحديد المسؤولية الدولية عن فعل الإرهاب .
المطلب الأول : موقف المنظمات الدولية من مفهوم الإرهاب .
إن توضيح موقف المنظمات الدولية من مفهوم الإرهاب يستلزم شطر هذا المطلب إلى فرعين أساسيين ، نحدد في أولهما مفهوم الإرهاب في عهد عصبة الأمم المتحدة ، وفي ثانيهما نبين مفهوم الإرهاب في عهد هيئة الأمم المتحدة .
الفرع الأول : مفهوم الإرهاب في عهد عصبة الأمم .
نشأت عصبة الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، حيث وضع مشروع عصبة الأمم في مؤتمر فرساي ، وكان من أهم أهداف العصبة ، تنمية التعاون بين الأمم وضمان السلم لها ، والبحث عن حل لتجنب الدخول في حرب عالمية ثانية . ومن مبادئ العصبة نذكر المبادئ التالية :
1- المحافظة على السلام العالمي ، وتسوية مشاكل النزاع بالطرق السلمية .
2- المحافة على استقلال الدول ، ومراقبة تنفيذ معاهدات الصلح .
3- التقيد بقواعد القانون الدولي ، وعدم اللجوء إلى الحرب .
4- تأسيس العلاقات الدولية على أساس قواعد العدل والشرف (1) .
وفي موضوع الحرب العدوانية كجريمة دولية ، ظهر في بروتوكول جنيف لعام 1924 ، وفي ميثاق باريس 1923 " لكن اقتصر على التمييز بين الحرب العدوانية والدفاعية " (2) .
وفي الثلاثينات كانت هنالك محاولات لتعريف العدوان ، إلا أنها منّيت بالفشل . وفي شباط / فبراير لعام 1933 قدم الوفد السوفييتي مشروعاً مفصلاً بخصوص تعريف العدوان إلى اللجنة الملحقة بمؤتمر نزع السلاح في العصبة ، المنعقد في لندن ، " وعقدت المعاهدة المعروفة ( بميثاق لندن ) في تموز / يوليو 1933 ، والتي تعتبر المحاولة الأولى في تاريخ القانون الدولي بخصوص إعطاء تعريف دقيق ومحدد لأنواع العدوان " (3) .
يمكننا القول أن تقنين ظاهرة الإرهاب قد بدأت مراحلها الأولى في ‘طار مشروع عام استهدف تنظيم الحرب الجوية ، بعد الخسائر المادية والبشرية الواسعة التي أخذت تبرز بعد استخدام الطائرات الحربية في الصراعات المسلحة والحروب المختلفة (4) ، وقد تضمنت المادة /22/ من مشروع لاهاي لعام 1907 " اعتبار عملية الضرب بالقنابل عملاً غير مشروع ، إذا كانت ترمي إلى إرهاب السكان المدنيين " (5) . لذلك تعمم ما أطلقه بعض الفقهاء ( بمنع الضرب من أجل الإرهاب ) . ومع استمرار ظاهرة الإرهاب ، وتوسعها ، اتخذت عصبة الأمم قراراً عام 1934 بتشكيل لجنة من الخبراء لدراسة هذه الظاهرة .
وخلاصةً لمواقف عصبة الأمم نستطيع القول أن العصبة قد فشلت في تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها . وخصوصاً في تحديد مفهوم العدوان ، الذي هو صورة من صور الإرهاب الدولي . وأكبر فشل منيت به هو أنها لم تستطع منع الحرب العالمية الثانية من النشوب . لكن النقطة الإيجابية في مواقف عصبة الأمم وأعمالها هو أنها ثبتت لدى المجتمع أن الحرب العدوانية إرهاب . وأن قتل المدنيين دون ذنب إرهاب لا يحتاج إلى النقاش . توقفت العصبة عن العمل فعلياً باندلاع الحرب العالمية الثانية ، وزالت قانونياً يوم 19 نيسان / ابريل 1946 لتفسح المجال أمام منظمة الأمم المتحدة .
الفرع الثاني :مفهوم الإرهاب في عهد هيئة الأمم المتحدة .
نلاحظ مما سبق وبوضوح أن المجتمع الدولي ، وقبل نشوء منظمة الأمم المتحدة كان يرى في الحرب العدوانية إرهاباً وقتلاً للمدنيين دون ذنب وهذا لايحتاج إلى نقاش .
وفي 24/ تشرين الأول / أوكتوبر 1945 شهد العالم ولادة المنظمة العالمية المرتقبة بعد تصريحات ومؤتمرات دولية عديدة (6) .
أما أهداف هذه المنظمة – الأمم المتحدة - فقد حددتها المادة الأولى من الميثاق بما يلي :
1- المحافظة على السلم والأمن الدوليين .
2- تنمية العلاقات الودية بين الدول على أساس مبدأ المساواة في الحقوق وحق الشعوب في تقرير مصيرها .
3- تحقيق التعاون الدولي في حل المشاكل الدولية ، من غير تمييز في العرق واللغة والدين .
4- جعل الأمم المتحدة مركزاً تنسيق فيه جهود الدول للوصول إلى أهداف مشتركة (7) .
عملت الأمم المتحدة ، وبعد ظهور مباشرة على دراسة ظاهرة الإرهاب وعبر سلسلة من الإجراءات << كان في مقدمتها القرار الصادر عن الجمعية العامة في تشرين الثاني / نوفمبر 1946 تحت اسم ( مبادئ الحقوق الدولية ) . وقد استهدف القرار تطويق ظاهرة الإرهاب الدولي من خلال تحميل المسؤولين في الدول والشخصيات الرسمية الذين يحولون الدولة إلى أداة لتنفيذ الجرائم الدولية ، بتحميلهم مسؤولية أعمالهم وتصرفاتهم وبالتالي إمكانية تقديمهم إلى المحاكم الدولية أو أية محاكم أخرى >> ( 8) .
استمر نشاط هيئة الأمم المتحدة على ذلك المنوال حتى الخمسينيات . وتجسد ذلك في مشروع قانون تبنته لجنة القانون الدولي العام ، لعام 1954 ، تحت عنوان ( مشروع قانون الجرائم التي تهدد السلام وأمن الإنسانية ) ، وقد وجهت الأمم المتحدة اصبع الاتهام إلى الدول الكبرى في تفشي ظاهرة الإرهاب الخطيرة ، عن طريق أمينها العام حينها ، حيث قدم تقريراً مفصلاً للجمعية العامة ، حيث اعترف بصعوبة حل هذه القضية لشدة تعقيدها تبعاً للخلفيات السببية للإرهاب والعنف << ولعل أول قرار صدر عن الأمم المتحدة بشأن معالجة الإرهاب القرار /1034/ تاريخ 18/12/ 1972 >> (9) . وفي 1/1/1973 اتخذت الجمعية العامة القرار رقم /2197/ << نص على وجوب اتحاذ إجراءات لمنع الإرهاب الدولي ودراسة الأسباب وراء تلك الأشكال من الإرهاب >> (10) .
نجد أيضاً أن الأمم المتحدة كانت على الدوام تراعي حق الشعوب في تقرير مصيرها وضمان حقوق الإنسان ، في معالجتها لقضية الإرهاب ، وتظهر هذه المراعاة من خلال القرار /3070/ تاريخ 30 تشرين الثاني / نوفمبر 1973 ، والذي جاء وفقاً لقرار الجمعية العامة رقم /1514/ المتضمن منح الاستقلال للشعوب المستعمرة ، وكذلك القرار رقم /3672/ تاريخ 3/12/1970 المتضمن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني
وقد توصلت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، في سنة 1974 إلى تعريف العدوان بأنه << استخدام القوة المسلحة من جانب دولة ضد سيادة وحدة الأراضي الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى ، وبأي طريقة لا تتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة >> (11) .
وبالرغم من كل القرارات التي اتخذتها هيئة الأمم المتحدة ، لكنها لم تتوصل إلى تحديد دقيق لمفهوم الإرهاب ، لكن في الآونة الأخيرة بعد دعوة ملحة من بعض الدول من بينها سوريا لعقد مؤتمر دولي لتحديد مفهوم الإرهاب ، جاء القرار 40/61 ، وتبعه القرار الجديد رقم 159/42 في 1987 يحمل عنوان القرار 40/61 نفسه ، كرد على الدعوة ، حيث استنكرت فيه الأمم المتحدة الأعمال الإرهابية ، وبالنسبة للتعريف تقول ما يلي : << إن فاعلية الكفاح ضد الإرهاب يمكن توسيعها بوضع تعريف متفق عليه عموماً للإرهاب الدولي >>( 12) . وقد أُدرج موضوع الإرهاب بكليته على جدول أعمال الجمعية العامة عندما انعقدت جلستها في أيلول / سبتمبر 1989 ، حيث نستنتج منها تأكيد الأمم المتحدة على وضع تعريف مقبول عموماً يمكن أن يكون اللبنة الأساسية للكفاح ضد الإرهاب . فعندئذ يمكن لهذا الكفاح أن يتعامل بطريقة مرضية مع الإرهاب .
رأينا أن هيئة الأمم المتحدة ، حاولت جاهدة البحث عن التعريف جامع مانع ، وللوصول إلى ذلك قامت بإنشاء لجنة القانون الدولي للاستعانة بها وسوف نرى الآن أعمال ومواقف لجنة القانون الدولي المتعلقة بمفهوم الإرهاب .
رأينا سابقاً أن الإرهاب سريع الانتشار . كما رأينا ارتباطه الوثيق بالحرب ، وكيف واجهت المنظمات الدولية الإرهاب وانتشاره ، حيث قامت بإنشاء لجان لوضع اللوائح والقوانين التي تضمن سلامة التعامل الدولي . فنجد مثلاً " عصبة الأمم في الثلاثينيات من هذا القرن – اتخذت قراراً بتشكيل لجنة من الخبراء مهمتها دراسة ظاهرة الإرهاب وإعداد مشاريع اتفاقيات تهدف إلى مكافحة الإرهاب ومحاصرته ، ورفعت اللجنة دراستها إلى عصبة الأمم المتحدة بتاريخ 16/2/1936" (13) . وقد قدمت هذه الدراسة تحديداً لمفهوم الأعمال الإرهابية بقولها : تلك الأعمال الإجرامية الموجهة ضد الحكومة ، وتستهدف بث الرعب عند البعض ، أو في وسط السكان ، وذلك كما نصت عليه المادة /1/ فقرة /2/ من الاتفاقية .
وجاء بعدها الاتفاقية الثانية في جنيف بتاريخ 16/11/1937 ، والتي نادت بتأسيس محكمة جنائية دولية .
إن فشل الاتفاقيات السالفة الذكر ، لم يثن جهود هذه اللجنة من متابعة العمل << تحقيقاً لمبادئ وأهداف هيئة الأمم المتحدة والتي من أبرزها ، تنمية التعاون الدولي بين الأمم ، وحل المشاكل الدولية سليماً ، والمحافظة على السلم والأمن الدوليين >> ( 14) .
استمر نشاط هذه الهيئة ، ولا سيما في مرحلة الخمسينات ، من أجل تقنين ظاهرة الإرهاب الدولي وتطويق آثاره . وظهر ذلك في المادة الثانية من مشروع تقنين الجرائم ضد سلام وأمن البشرية حيث نصت على : << إن العدوان المسلح والتهديد به والتحضير لاستعمال القوة في العدوان ، وتنظيم العصابات المسلحة ، بقصد الإغارة على إقليم دولة أخرى ، أو السماح بذلك التنظيم أو تشجيعه ، وسماح سلطات الدولة لأي نشاط إرهابي في دولة أخرى ، والأفعال المخالفة لقانون دولي مثل ضم إقليم تابع لدولة أخرى ، أو إقليم خاضع لنظام دولي ، أو التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى بإجراءات تسوية ذات صفة اقتصادية أو سياسية بقصد شل اختيارها والحصول على الفوائد أياً كانت طبيعتها ، لا يمكن ارتكابها إلا من قبل سلطات الدولة >> (15) .
وتضمن مشروع القانون المذكور منع الدول الامبريالية من القيام بالأعمال الإرهابية أو تشجيعها ، وأغفل التعرض للتدابير التي يجب اتخاذها لمواجهة وتطويق الأعمال الإرهابية التي ينفذها الأفراد والمنظمات أو الدول .
واتخذت لجنة القانون الدولي كذلك ، قرارات إيجابية لتحديد مفهوم ظاهرة الإرهاب ، ولمنع الدول الامبريالية من تحقيق أهدافها في اطلاق صفة الإرهاب والأعمال الإرهابية على حركات التحرر الوطني ، ومن هذه القرارات الإيجابية نذكر ما صدر في 21/2/1965 ، حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادئ هامة لمكافحة الإرهاب الدولي ، ومن هذه المبادئ نذكر أنه : << لا يحق لأي دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى .
- ليس من حق أي دولة أن تنظم ، أو تدعم ، أو تحرض ، أو تسمح بممارسة أي نشاط تخريبي أو إرهابي ...>> (16) .
وفي عام 1970 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة تقرير لجنة القانون الدولي العام 1967 حول تنمية مبادئ العلاقات الدولية الودية ، وتعرضت لموضوع الإرهاب الدولي كوسيلة من وسائل الإكراه في العلاقات الدولية . وقد سعت الجمعية العامة ومنذ عام 1972 وبشكل منظم ، تبني دراسات ومناقشات ظاهرة الإرهاب في اللجنة السادسة المنبثقة عن الجمعية العامة وتجسد ذلك في القرار رقم /3034/ بتاريخ 18/12/1972 .
وفي عام 1973 ثار خلاف في إطار اللجنة بين مجموعة دول عدم الانحياز والدول الاشتراكية من جهة ، وبين الدول الامبريالية والرجعية من جهة ثانية ، حيث هذه الأخيرة تحاول إعطاء مفهوم فردي للإرهاب وربطه بالأعمال الفردية فقط " بينما عملت مجموعة الدول الاشتراكية ومجموعة عدم الانحياز على إعطاء الصفة العامة الدولية لظاهرة الإرهاب ، وحاولت اعطائه صفة جريمة ذات طابع دولي " (17) .
وتبعاً لذلك تعطل عمل اللجنة حتى عام 1977 ، حيث درست موضوع أسباب الإرهاب ، وفيه أثارت الجزائر موضوع إرهاب الدولة في نفس السنة .
وفي عام 1980 ، وفي إطار دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وبالتحديد في الدورة الخامسة والثلاثين تقدمت اللجنة بتقرير عن سير أعمالها ومجموعة مقترحات منها محاولة تطويق ظاهرة الإرهاب . وخلال الثمانينات وبعد استفحال هذه الظاهرة ، أصرت دول عدم الانحياز على بحث هذه الظاهرة في إطار اللجنة السادسة المختصة بدراسة هذه الظاهرة << وكذلك عادت الجمعية العامة ، إلى بحث موضوع الإرهاب ، في دورتها الثامنة والثلاثين وأصدرت القرار 130/38 بتاريخ 19/12/1983 >> (18) . إلا أن استمرار الخلافات في إطار اللجنة المذكورة حال دون الوصول إلى تطبيق لفحوى هذا القرار . كما صدر القرار رقم 159/39 بتاريخ 17/12/1984 ، يدين ممارسات الإرهاب في العلاقات بين الدول .
وفي عام 1985 أثارت الجزائر موضوع ( إرهاب الدولة ) وتأييد محاربة أسباب الإرهاب . فاتخذت الجمعية العامة قراراً برقم 61/40 بتاريخ 11/12/1985 ، والذي حدد مفهوم إرهاب الدولة بأنه : << الإرهاب الذي تمارسه الدولة والذي يستهدف تقويض النظام السياسي الاجتماعي لدولة أخرى >> (19) .
أدانت الجمعية العامة في نفس القرار الآنف الذكر – 61/40 – الأعمال المختلفة التي تقوم بها الدولة الاستعمارية ، وأدانت الإرهاب بشكل عام ، وتم تكليف اللجنة السابقة – بالعمل على وضع مشاريع جديدة لتحديد مفهوم الإرهاب بجميع أشكاله وصوره المختلفة .
وبالرغم من ذلك فإن هيئة الأمم المتحدة ، وإلى الآن ، لم تستطع الوصول إلى تعريف قانوني لتحديد مفهوم الإرهاب .
المطلب الثالث :
تحديد المسؤولية الدولية عن فعل الإرهاب
لقد جاء في حكم محكمة العدل الدولية أنه << من مبادئ القانون الدولي أن كل إخلال يقع من دولة بأحد تعهداتها يستتبع التزامها بالتعويض الملائم ، وأن هذا التعويض أمر متلازم مع عدم القيام بالتعهد >>(29) . من ذلك نجد أن المسؤولية الدولية تنشأ في حالة الإخلال بالتعهدات . لكن في العصر الحديث وبعد ظهور الإرهاب الدولي كوضع أفرزته التطورات المعاصرة للعلاقات الدولية اختلفت النظرة القانونية ، والتي على أساسها يتم تحديد المسؤولية الدولية ، حيث يذكر الدكتور محمد عزيز شكري أن المادة /11/ من إعلان حقوق وواجبات الدول تنص على أنه : << على كل دولة واجب الامتناع عن الاعتراف بأية حيازة إقليمية تنالها دول أخرى إخلالاً بالمادة /9/ وهي التي تحرم اللجوء إلى الحرب والاعتداء على السلامة الاقليمية لدول أخرى >>(30) .
كما أننا نلاحظ أن المسؤولية الجنائية للدولة لم تحظ بعد بالتأييد الكامل من فقهاء القانون الدولي ، حيث ما زالت بين مؤيد ومعارض ، كما يؤكد الفقه والقضاء الدوليين على أن الالتزام بالتعويض هو النتيجة الوحيدة على مخالفة الدول لاالتزاماتها . وما حالة الجزاء إلا كاستثناء لذلك رأينا أن نقسّم هذا المطلب إلى فرعين :
الأول : نتكلم فيه عن الأحكام العامة للمسؤولية الدولية .
الثاني نتركه لجزاء المسؤولية الدولية عن الإرهاب .
الفرع الأول :الأحكام العامة للمسؤولية الدولية .
من القواعد المستقرة في القانون الدولي العام أنه لا يجوز تسليم المتهمين في جرائم سياسية . وقد ورد هذا المبدأ في كثير من الدساتير والقوانين الداخلية لمعظم دول العالم ( فالمجرم ) ، الذي يحركه باعث عقائدي ( أيديولوجي ) يسعى إلى تحقيق هدف عقائدي أو سياسي بوسائل غير قانونية . ويترتب على ذلك من ناحية على الاجرام ...بإدعاء الفاعل إما أنه ضحية نظام لم يترك له أي بديل قابل للتطبيق ، أو أنه يحمل مبادئاً وأفكاراً لا يمكن تطبيقها إلا بهذه الطريقة . فليس بمقدور المرء أن يقبل بأن مثل هؤلاء يجب أن يوضعوا على قدم المساواة التامة قانونياً أو أخلاقياً مع مجرم عادي ينتهك حرمة القانون من أجل بواعث شخصية أو أنانية . وقصارى القول وحسب الدكتور محمد عزيز شكري ، أنه لكي نحدد وصف جريمة معينة على أنها مظهر من مظاهر الإرهاب << فإن الباعث الذي يحرك الفاعل يجب أن يكون سياسياً (تسييس الجريمة ) >>(31).
والجريمة الدولية هي << عبارة عن التصرفات التي تخالف قواعد وتقاليد القانون الدولي وقواعد الإنسانية >>(32) .
يرتب النظام القانوني الدولي لأشخاصه حقوقاً كما يفرض عليهم التزامات واجبة النفاذ مهما كان مصدرها ، اتفاقياً أو عرفياً ، أو حكماً . وإن المسؤولية الدولية هي : << علاقة بين دولة وأخرى فقهاً واجتهاداً >>(33) . فهي تستلزم أن تتقدم إحدى الدول المتضررة بشكوى تطالب بالتعويض عن الضرر اللاحق بها حسب واجب يفرضه القانون الدولي .
وحتى تتحقق المسؤولية الدولية لا بد من توافر شروط ، حتى نقول عن عمل أنه غير مشروع ، وتسبب في حدوث ضرر لشخص دولي . وضع الاتجاه الحديث من الفقه الدولي شروطاً على الشكل التالي : الفعل غير المشروع – ثم الضرر – والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر الحاصل .
أولاً : الخطأ الدولي ( الفعل غير المشروع ) .
هناك مبدأ عام في القانون الدولي يقول :<< لا مسؤولية دون خطأ << وقد يقع الخطأ في أحد الصور التالية :<< الاهمال أو الرعونة أو عدم الاحتياط أو عدم الانتباه >>(34). قديماً كانت المسؤولية الدولية قائمة ، وبشكل أساسي ، على فكرة الخطأ . أما حديثاً فقد اتجت الأنظار إلى مبدأ تحمل التبعية أو نظرية المخاطر ، المعبر عنها فقهاً بالمسؤولية المطلقة أو الموضوعية ، حيث تأكدت هذه الأخيرة في اتفاق روما في 29/5/1932 ، كما أخذ بها بروتوكول بروكسل لعام 1938 . ثم جاءت اتفاقية روما في 7/10/1952 ، والخاصة بالأضرار التي تحدثها الطائرات الأجنبية لطرفٍ ثالث على سطح الأرض . وكذلك اتفاقية باريس 29/7/1960، بشأن نفس الموضوع ، بين أعضاء المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي ، واتفاقية بروكسل في 25/5/1962 المتعلقة بمسؤولية مستثمري السفن الذرية .
وفي عام 1976 اعتبر الخطأ أساس المسؤولية الدولية ، في ضوء مشروع لجنة القانون الدولي . لكن متى يعتبر الفعل منتهكاً لالتزام دولي ؟ الذي يوجب التعويض ، وكيفية التمييز بين الخطأ الناتج عن فعل الانتهاك بأنواعه وعن الخطأ الناتج عن الفعل الواقع في ظروف قاهرة ، أو حالة دفاع عن النفس . هنا نلاحظ أن الإجماع الدولي قد فصل في هذه المسألة ، من حيث أن سلوك الدولة الذي يتنافى مع سلوك كان متوقع منها ، في ضوء التزام دولي يشكل انتهاكاً لذلك الالتزام . ويلعب هنا مبدأ حسن النية دوراً كبيراً في تحديد سلوك الدولة . ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد نظام واحد للمسؤولية الدولية ، يمكن تطبيقه على جميع الأفعال الخاطئة ، مهما كانت جسامتها . ونستطيع القول أن عنصر الخطأ الدولي يبقى ركناً مهماً وأساسياً لتحميل الدولة المسؤولية الدولية . وتتوازى هذه المسؤولية مع جسامة الخطأ وتأثيره على المجتمع الدولي (36) .
من الملاحظ أنه من الصعوبة بمكان تحديد عنصر الخطأ في العلاقات الدولية وهو السبب الذي أدى إلى تطور المسؤولية الدولية . إلا أنه لا يكفي وقوع الخطأ الدولي وحده حتى تترتب المسؤولية الدولية ، حيث لا بد أن يؤدي هذا الخطأ إلى إلحاق ضرر لشخص دولي آخر .
ثانياً : الضرر
تعرّف المسؤولية الدولية على أنها << تصرف من طبيعة تعويضية >>(37) . وهذا ما أكده معهد القانون الدولي في دورة لوزان لعام 1927 . ونفس الشيء أوضحته الوثيقة التي وافقت عليها اللجنة الثالثة لمؤتمر تدوين القانون الدولي المنعقد في لا هاي عام 1930 .
يشترط في الضرر أن يكون جدياً ، كأن يكون انتهاكاً فعلياً لالتزام دولي ، يوجب حقاً للشخص المتضرر . ولا يختلف إن كان الضرر مادياً مثل خرق الحدود الإقليمية لدولة ما ، مثال ذلك : ما طلبته بريطانيا عام 1949 في إطار قضية ( مضيق كورفو ) من ألبانيا لتعويضها الخسائر التي أنزلها بسفنها وببحارتها انفجار مجموعة من الألغام المزروعة في مضيق ( كورفو) أي في المياه الإقليمية الألبانية . وقد يكون الضرر معنوياً كالإضرار بالمصالح السياسية للدولة ، أو الإجحاف الذي لحق بالدولة المعنية ، نظراً لعدم احترامها ، أو الاستهانة بكرامة ممثليها ، أو بها مباشرة ، ففي نفس قضية ( كورفو ) تقدمت ألبانيا بادعاء انجلترا ، طلبت بموجبه من محكمة العدل الدولية الحكم على هذه الدولة باعتبارها انتهكت سيادة الدولة حين قامت بتنظيف المضيق من الألغام في منطقة البحر الإقليمي الألباني ، رغماً عن السلطات الألبانية ، وهو ما أخذت به المحكمة حين قالت صراحة :<< بأن الحكومة البريطانية قد انتهكت قواعد القانون الدولي >>(38) .
ويمكن للضرر أن يكون مباشراً ، أي يصيب الشخص القانوني الدولي ، أو غير مباشر كأن يصيب أحد الأفراد . فتثار في هذه الحالة قضية الحماية الدبلوماسية للدولة التي يحمل الفرد جنسيتها . وكذلك حق المنظمات الدولية في مباشرة الحماية الوظيفية على موظفيها أو ممثليها. وجاء ذلك في << الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في قضية تعويض الأضرار التي أصابت موظفي الأمم المتحدة لعام 1949>>(39) . وفي هذا المجال لا بد من إثارة قضية اغتيال ( الكونت برنادوت ) الوسيط الأممي السويدي الأصل ، والذي اغتيل بعد أن أوصى بتقسيم فلسطين إلى شرطين والحد من توسيع حدود " إسرائيل " حين أصدر عدة توصيات لتخفيف حدة التوتر والنزاع في المنطقة ، ومن هذه التوصيات :
- تحديد الهجرة اليهودية إلى فلسطين .
- توحيد الجزء العربي في فلسطين مع الأردن .
- تدويل القدس >> (40) .
ولم يظهر القاتل الحقيقي إلا بعد مرور 28 سنة ، الذي كان الصديق والحارس لبن غوريون ، زعيم حزب العمل والذي استنكر اغتيال الوسيط الأممي ، أما القاتل فهو ( هيهو شواكوهين ) وكان ينتمي إلى منظمة إرهابية صهيونية .
تبدأ الحماية الدبلوماسية باتباع الطرق الدبلوماسية لدى سلطات الدولة التي تسببت في إحداث الضرر ، وعند فشل ذلك يرفع الأمر إلى المحاكم الدولية لتقرير مسؤولية الدولة المخالفة وإالزامها بالتعويض ، وهنا يشترط توافر ثلاثة شروط هي :
1- رابطة قانونية بين الفرد المتضرر والدولة المتكلفة بالحماية .
2- استنفاذ طرق التقاضي الداخلية التي تسمح بها قوانين الدولة التي صدر عنها العمل غير المشروع .
3- أن يكون سلوك الفرد المتضرر سليماً لا شائبة فيه . أي أن لا يكون قد ساهم بخطئه في الضرر الذي أصابه .
ولا بد من الإشارة إلى فكرة الاسناد . أي يجب لقيام المسؤولية الدولة أن يدلل المدعي أن الضرر الذي تعرض له هو بالتأكيد من فعل المدعى عليه .
وحتى يتمكن الشخص القانوني من الحصول على تحقيق المسؤولية الدولية تجاه الدولة المخلة والحصول على التعويض ، يستلزم وجوباً إثبات العلاقة السببية بين الخطأ الدولي والضرر الحاصل .
ثالثاً : العلاقة السببية .
لاحظنا من خلال دراستنا للشرطين السابقين ، أنه من المفروغ منه التسليم لقيام المسؤولية الدولية أن يكون الضرر قد وقع كنتيجة لفعل غير مشروع قامت به الدولة المذكورة مباشرة . لكن ما هو عليه الأمر في الأضرار غير المباشرة المتفرقة ؟ .
مبدئياً نستطيع القول أنه لا تترتب مسؤولية دولية عن الأضرار غير المباشرة وهذا ما أكدته المحكمة التحكيمية الناظرة في قضية ( الآلاباما) الشهيرة بين بريطانيا والولايات المتحدة ، حين رُفِض التعويض عن الأضرار غير المباشرة .
لكن نلاحظ << أن لجنة الدعاوي المختلطة الألمانية – الأمريكية قررت في قضية السفينة ( لوزيتانيا) بتاريخ 8/11/1923 أن التفرقة بين الأضرار المباشرة وغير المباشرة هي في الغالب تفرقة وهمية >>(41) .
وكذلك حكمت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر عام 1931 في قضية وضع (شوروزوف) بضرورة التعويض عن جميع الأضرار المباشرة وغير المباشرة .
وحديثاً في العصر الحاضر ، ونظراً للتطور التكنولوجي والرعب النووي يصعب إثبات رابطة السببية بين الفعل الضار والخطأ الدولي لأن التلوث النووي والكيميائي لا يعرف الحدود الطبيعية والسياسية ، وكذلك نقل المواد الذرية . بالإضافة إلى أن التلوث قد لا يخلو من ضرر ، إلا أنه لا يمكن إثباته بسهولة والوقوف على رابطة السببية .
والخلاصة أنه مهما كانت الصعوبة في إثبات العلاقة السببية بين الفعل الضار والخطأ الدولي ،فإن التكنولوجيا المعاصرة وإن صعّبت اكتشاف هذه الرابطة وسهلت نقل الأخطاء لنشر الرعب في العالم فهي غير عاجزة عن إيجاد الوسائل اللازمة لمعرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الفعل الضار والخطأ الموجب له . ولما كان الفقه الدولي يجعل من الالتزام بالتعويض النتيجة الوحيدة تقريباً التي يرتبها القانون الدولي على مخالفة الدولة لأحد التزاماتها الدولية ، لذلك سندرس الآن جزاء المسؤولية الدولية .
الفرع الثاني : جزاء المسؤولية الدولية عن الإرهاب .
يترتب على تثبوت المسؤولية الدولية توافر شروطها السابقة الذكر أثر قانوني ، الذي هو التزام الشخص المسؤول بتعويض الضرر الذي حدث للمتضرر ، وهو مبدأ أساسي أكده القضاء الدولي في أكثر من مناسبة ، كما جاء في حكم محكمة العدل الدولية في قضية وضع ( شوروزوف ) .
وعليه فإن أي إخلال بالتعهدات يكون ملزماً بالمقابل بدفع التعويضات المناسبة ، والتي قد تكون بإعادة الشيء إلى أصله أو بدفع مبالغ مالية معينة أو بإنزال عقوبة داخلية ( كتأديب موظف مسؤول ) وقد تكون ترضيات معنوية كالاعتذار أو الأسف أو غيرها كما يلي :
1- الترضية .
2- التعويض العيني .
3- التعويض النقدي .
غير أن مبدأ التعادل بين التعويض النقدي والضرر الحاصل يتضمن عنصرين :
1- يجب أن لا يقل التعويض عن الضرر الحاصل .
2- يقتضي أن لا يزيد التعويض عن هذا الضرر .
لكن ما يهمنا هنا المسؤولية الدولية عن الإرهاب ، وجزاؤها . لذلك سنبدأ بالجزاء الواقع على الدولة ثم على الأفراد .
أولاً : المسؤولية الجنائية الدولية للدولة الإرهابية .
لاحظنا من دراستنا السابقة أن الفعل الضار ، بشكل عام ، هو انتهاك الدولة لأحد التزاماتها اتجاه المجتمع الدولي . فهل يعتبر الإرهاب الذي تمارسه الدولة فعلاً ضاراً ؟ للإجابة لا بد من المرور بشكل سريع على بعض النقاط :
1- الإرهاب باعتباره إخلال بالتزام دولي . اعتبر الإرهاب إخلالاً بالتزام دولي تعاقدي ، انطلاقاً من مبدأ الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين في ميثاق الأمم المتحدة << ولقد حرصت اتفاقية وارسو عام 1927 بالنص على أن الإرهاب السياسي يقع ضمن جرائم قانون الشعوب >> (42) . ومن هنا أصبح الإرهاب الدولي جريمة عالمية .
2- الآثار الناشئة عن الإرهاب وصلتها بشروط تحقق المسؤولية الدولية : الفعل غير المشروع ، الضرر ، والعلاقة السببية .
3- الآثار الناشئة عن مسؤولية الدولية الإرهابية .
نقول نبعاً لذلك أن الأحكام العامة للمسؤولية الجنائية الدولية ، تحدد الجريمة وفقاً لأحكام القوانين الجنائية الداخلية ، وكذلك الأمر في القانون الدولي الجنائي على هدى أركان ثلاث هي :
أ‌- الركن المادي : يتمثل في الفعل المادي السلبي أو الايجابي << ويتمثل في انتهاك الالتزام الدولي سواء كان سلبياً أم ايجابياً >> (43) .
ب‌- الركن الشرعي : ويتمثل في القاعدة القانونية المجرّمة للفعل .
ج- الركن المعنوي : وبقصد به القصد الجنائي للفاعل . ويمكن استخلاصه من طبيعة الانتهاك الدولي للالتزام .
ويكمن الفرق في الفعل بين القانون الجنائي الداخلي والدولي ، أن الأول له معايير واضحة وعقوبة مناسبة ، مع ظروف التخفيف أو التشديد ( لا جريمة ولا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون ) ، أما في القانون الجنائي الدولي فإن النصوص الجنائية غير نحددة تماماً ، ولا يعتمد فيها على التفسير الحرفي لقاعدة الشرعية .
ومن خلال دراستنا السابقة نقول أن الإرهاب الذي تمارسه الدولة أو تدعمه رسمياً ، يحقق كل أركان الجريمة الدولية . يستتبع بالتالي تطبيق المسؤولية الدولية الجنائية بشكل عام . فالركن الشرعي هو مبادئ القانون الدولي ، وميثاق الأمم المتحدة ، والاتفاقيات الدولية . أما الركن المعنوي فيتمثل في انتهاك القاعدة الدولية ، والتي تحرّم ممارسة الفعل المادي . أما القصد الجنائي في العمل الإرهابي فيتمثل في الإكراه والضغط على بعض أطراف المجتمع الدولي للخضوع إلى مشيئة الدولة التي تمارس العمل الإرهابي ، بقصد تحقيق بعض المقاصد السياسية أو الاقتصادية أو المعنوية .
ويخرج عن إطار المسؤولية الدولية بعض الحالات ، وفق أحكام القانون الدولي المعاصر وهي :
1- حالة الدفاع عن النفس والاجراءات الوقائية .
2- بتخويل من الجهاز الخاص من الأمم المتحدة .
3- النضال من أجل التحرر الوطني وحق تقرير المصير .
ثانياً : المسؤولية الجنائية الدولية لإرهاب الأفراد .
استقر مركز الفرد في القانون الدولي العام والمعاصر على أنه شخص من أشخاص القانون الدولي وحجتهم الرئيسية أن << المجتمع الدولي يتكون من أفراد طبيعيين ينتمون إلى مجتمعات وطنية مختلفة >> ( 44) . ونستشهد هنا بما جاء في المادة الرابعة من الاتفاقية الثانية عشر لمعاهدة لاهاي عام 1907 ، التي أقرت السماح للأفراد في بعض المجالات بالمثول أمام المحاكم الدولية ضد الدولة ، وكذلك << معاهدة المحكمة بعد استنفاذهم طرق المراجعة الداخلية >> (45) .
ونلاحظ كذلك أن القانون الدولي يرتب قواعد قانونية تعاقب الفرد مباشرة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية أو السلم العالمي ، أو جرائم الحرب . إن المبدأ السادس من المبادئ المتفق عليها في الصيغة المقدمة من قبل لجنة القانون الدولي في عام 1950 ، والتي اقترنت باعتراف ميثاق محاكمات ( نورنبرغ ) يقدم لنا القائمة التالية للجرائم المعتبرة في ضوء القانون الدولي :
<< 1- الجرائم الموجهة ضد السلم والأمن الدوليين .
2- جرائم الحرب .
3- الجرائم الموجهة ضد الانسانية .
4- جرائم إبادة الجنس البشري >> ( 46) .
تبعاً لذلك نجد أن الانشغالات الدولية للحفاظ على السلام العالمي والأمن الدولي ، وحقوق الإنسان من الأعمال الإرهابية ، أدت إلى تشكيل المحكمة العسكرية الدولية من عام 1945 إلى 1947 لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان ، واليابانيين ، سواء كانت قوانين بلدانهم تسمح بها أم لا . حيث نص نظام المحكمة على تحميل المسؤولية الجنائية الدولية لمرتكبي هذه الجرائم سواء كان ارتكابها تنفيذاً لأوامر صادرة إليهم من حكوماتهم أو انصياعاً لأوامر القيادات العليا . وإذا كان هناك اعتراف بمسؤولية الأفراد الجنائية في نص القانون الدولي ، فإن المسألة الكطروحة في الظرف المعاصر هي كيفية تطبيق القوانين الدولية على الأفراد الذين ينتمون إلى دول يعرف عنها اختراقها الدائم للقوانين الدولية ، ودعمها للأفراد الإرهابيين ، وترفض إخضاعهم لغير قوانينها الداخلية ؟ .
والمشكلة الكبرى تكمن في كون قوانينها الداخلية تبيح هذه الأعمال ( التي توصف بالإرهاب ) لذلك نقول إن الإرهاب والأعمال الإرهابية التي تمارس بواسطة الأفراد بدأت تخلق مشاكل مختلفة الأبعاد ، تؤثر في بعض قواعد القانون الدولي . الأمر الذي يتطلب اتفاق دولي لتنظيم وحماية الأمن الدولي المشترك للإنسانية من الأعمال الإرهابية للدول والأفراد ، مع زيادة فاعلية القانون الجنائي الدولي لتشمل قواعده ومبادئه الأعمال الإرهابية للدول والأفراد .
ومهما يكن من أمر ، وبما أن الإرهاب عانى من غموض في التعريف ، الأمر الذي يتضح في التعريف الذي تبنته " اتفاقية عصبة الأمم المتحدة لعام 1937 " المادة (1/2) ، والتي تحدد بأن المجرم يعني الإنسان . وذلك طبقاً للمبدأ المعتمد الذي يقول : << إما أن تسلّم وإما أن تحاكم >> (47) .

خاتمة
يظهر لنا جلياً من خلال دراستنا التي بين أيديكم ، أن الإرهاب الدولي ليس جريمة بحد ذاته ، وفق مقاييس وقواعد القانون الدولي العام ، تبعاً لعدم تعريفه ، وعدم فرض العقوبات عليه بموجب القانون الدولي . ومن مبادئ القانون المعترف بها عالمياً أنه " لا جريمة ولاعقوبة ولا تدبير أمني إلا بنص قانوني " . كما أن هذا الوضع رسم له ليبقى كذلك حتى تبقى الدول الإرهابية – وعلى رأسها الولايات المتحدة – هي المتحكمة في فرض العقوبات أو بالأحرى إلصاق التهم وتجريم البريء على هواها . ولا تخضع هي أو من على شاكلتها تحت وطأة القانون . كذلك للتأكيد على فرض قراراتها على العالم مباشرة أو بشكل غير مباشر ، عن طريق هيئة الأمم المتحدة ، هذه المنظمة التي قامت لحفظ السلم والأمن الدوليين ، والتي أقرت بأن كل أعضائها متساوون . وكلهم يخضعون لقراراتها . فما بالك إن كانت لا تستطيع اتخاذ قرار انفرادي ، أو حيادي ، دون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي تستخدم سلاح الالتزامات المالية التي ترفض دفعها حتى وقت وضع هذه الدراسة قيد الطباعة . ومن جانب آخر فهي تستعمل حق النقض ( الفيتو ) في وجه أي قرار لا يتماشى مع مصالحها ، وخير مثال ما حدث مؤخراً في ترشيح العالم أجمع للأمين العام للأمم المتحدة الدكتور ( بطرس غالي ) لفترة ثانية . ورفضت الولايات المتحدة وكان لها ما أرادت دون العالم .
وجدنا سابقاً أن هيئة الأمم المتحدة تحاول جاهدة البحث عن تعريف موحد لظاهرة الإرهاب . لكنها لم تستطع الصمود في مواجهة هذه الظاهرة ، إلا بالشجب والاستنكار لكل أعمال الإرهاب وأساليبه وممارساته ، أينما ارتكبت وأياً كان مرتكبها ، بما فيها الأعمال التي تهدد العلاقات الودية بين الدول وتعرض أمنها للخطر .
نستطيع القول أن إيجاد تعريف للإرهاب الدولي متفق عليه عموماً سيسمح للعمل ضده ومكافحته . وبدون هذا التعريف فإن المكافحة لا يمكن أن تعطي ثمارها . فهل يعقل أن نكافح المجهول ؟ وهل يعقل أن نصل إلى العدل الإنساني ونحن لا زلنا لم نتفق بعد على المفهوم العام للعدل ؟ ومازلنا نشاهد الازدواجية في التعامل مع قرارات هيئة الأمم ، تبعاً لنظرة كل دولة نحو بعض المفاهيم ومنها الإرهاب . فالإرهاب في نظر الولايات المتحدة لم يزل هو مجموعة الأفعال التي يقوم بها الضعفاء ، والمناضلون ، ضد مصالحها – أي أمريكا – في العالم . أما موقف الدول الضعيفة فهو على العكس من ذلك .
أما الأمم المتحدة فتحاول تبني موقف معتدل بين الرأيين فتأخذ برأي الدول الضعيفة وتعتمده في نشراتها وأدبياتها ، في بعض الأحيان ، أما التطبيق فيكون وبكل تأكيد كما تريد أمريكا .
من نقطة أخرى لابد أن نؤكد على وجوب دراسة الإرهاب من كل جوانبه الاجتماعية والنفسية ، والعقائدية ....إلخ ، لما لذلك من فوائد جمة على تقليص القائمين به ، إن كانوا أفراداً أو جماعات . لأن ما يظهر لدينا جلياً أن الإرهاب المنظم يعود بصورة خاصة إلى خصوصية المجتمعات الاستهلاكية ونظام اقتصاد السوق ، والخصخصة كما في الولايات المتحدة واليابان ، وبعض الدول الأوروبية ، حيث أن هذه المجتمعات قد انهارت فيها كل القيم الإنسانية وأصبح الإنسان فيها مجرد آلة يعمل بنظام ميكانيكي لتحقيق أهداف هذه الأنظمة .
ولنأخذ لأنفسنا وللعالم أجمع قدوة ، ذلك البلد الصغير الذي لا يكاد يُعرف ألا وهو ( ( جزر القمر ) هذا البلد الذي لا يوجد فيه جهاز للشرطة ولا حتى شرطة تنظيم السير . وحتى شوارعه تخلو من الشاخصات المرورية . لنسعى جميعاً لتكون الأرض حديقة بلا سلاح ونقتدي بهذا البلد الصغير ، ونحميه بأفئدتنا وعقولنا ، فربما انتبهت أمريكا له ، فلن تتركه هانئاً....
خلاصة القول :
نؤكد بأننا لا نستطيع معالجة موضوع بهذه الخطوة إلا بإيجادتعريف جامع مانع يشمل كل الأفعال التي تهدد الأمن والسلم الدوليين . وكذلك الابتعاد الشامل عن الحساسيات والدوافع الذاتية لنصل إلى حقيقة موضوعية مجردة . لكننا نحن أبناء العالم الثالث كنا ولم نزل الهدف الأول للإرهاب ، بكل صوره وأشكاله . فلنسعى جميعاً لمحاربته والقضاء عليه .
للكتاب مراجع عديدة .



#ثامر_ابراهيم_الجهماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 35
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 34
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 33
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 32
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 31
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 30
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 29
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 28
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 27
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 26
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 25
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 24
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 23
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 22
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 21
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 20
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 19
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 18
- كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي الحلقة 17
- كتب الصحفي أيمن قحف : هيك عصابة بدها هيك صحفيين .


المزيد.....




- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - ثامر ابراهيم الجهماني - كتاب مفهوم الإرهاب في القانون الدولي كامل