أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الحرب وزمن السفلة














المزيد.....

الحرب وزمن السفلة


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4431 - 2014 / 4 / 22 - 15:20
المحور: الادب والفن
    


الحرب وزمن السفلة
سعد محمد موسى
مازال صراخ الجندي يعيد في ذاكرتي صدى الصدمة والفجيعة عن مآسي ليلة السابع عشر من تشرين الثاني لعام 1991 حين انتفض مرعوباً بعد ان أيقظ مضاجع الجنود الاخرين من عنابر نومهم في (معسكرالغزلاني). وقد اختلط الكابوس بالحقيقة أثناء صراخه الهستيري الذي كان يتعالى
"لقد ضربوا العراق .. لقد ضربوا العراق.. لقد ابتدأت الحرب" !!!
...
كانت أيام قاسية وصعبة عشتها في معسكر الغزلاني والذي كان يعد من أقسى معسكرات التدريب العسكري في العراق وربما في الشرق الاوسط أيضاً لتخريج مراتب عرفاء ومدربين للجنود الجدد.
لقد كان اسمي حينها من ضمن أسماء الجنود الذين زجوا الى جحيم هذا المعسكر بعد تخرجي من أكاديمية الفنون الجميلة - بغداد ولم أكن سعيداً بهذا الترشيح القسري الذي قام به أحد الضابط القساة وهو كان يشير الى مجاميع الجنود ويوزعهم حسب مزاجه ولايسمح باي اعتراض أو نقاش .
....
حفرنا الخنادق بعيداً عن قاعات المعسكر التي كانت تؤوينا والتي كانت مستهدفة من القصف الجوي لطائرات الحلفاء.
لم أستطع تحمل النوم ليلاَ في تلك الخنادق الضيقة التي لم يتجاوز طولها المتر والنصف وعمقها مايقارب المتر الواحد .
وذات ليلة شعرت بكابوس الموت يجثم فوق صدري ثم يتسلل الى أوصال جسدي المقمط بشرنقة تراب الخندق الضيق وأنا كنت أحاول جاهداً أن اعيد الحركة والحياة الى جسدي مرة أخرى، فانتفضت بشق الانفس كي أنعتق من خندق الرعب . ثم قررت بعدها الذهاب للنوم في كرفانات المعسكرالتي كانت مشيدة من صفائح معدنية.
وكنت أحدث نفسي حينها "حتى لو حصل وأن قصفت الطائرات هذا المعسكر فالموت ربما سيكون فوق سرير مريح أهون بكثير من الموت في الخندق المظلم وحيداً".
....

في كل ظهيرة كان جنود المعسكر يجتمعون وهم يتناولون صمون افران الجيش اليابس وهم يغمسوه بحساء شوربة العدس في (القصع العسكرية) والقدور المصنوعة من الالمنيوم .
كثيراً مانقطع الغداء ونحن كنا مضطرين أن نعدو بخفة ومسرعين للاختباء في جوف الخنادق المحيطة في المعسكر أثناء سماعنا لصافرات الانذار المستمرة .
ثم نعود مرة اخرى فعسى أن نكمل الغداء
لكن بعد لحظات تزعق صافرة انذار لعينة اخرى وهكذا يبقى الموت يتعقبنا ويطارد الجميع .
لم يكن بوسعنا أن نحدس بمخططات قوات التحالف الجوية واي هدف قادم ستنسفه "طائرات الشبح وفانتوم وتورنادو وغيرها".
كنت أشاهد في مدينة الموصل همجية الطائرات على مدار الاربع وعشرين ساعة وهي كانت تلقي بقنابلها فوق المعامل والجسور والابنية والمنشآت العسكرية والمدنية ايضاً .
....
بعد أيام تم اجلائنا بقرار من قيادة الوحدة العسكرية وابعادنا خارج معسكر الغزلاني على أثر توقع وأمر من الاستخبارات العسكرية العراقية حول احتمالية قصف المعسكر في أية لحظة.
كان التمويه والسرية في تنقلاتنا مابين قاعات المدارس الابتدائية الفارغة من الطلبة والتنقل تحت جنح الليل بحذر الى قلاع الموصل القديمة المشيدة من الصخور.
شاهدت في احدى القلاع التي نمت بها في الليلة الاولى ان احد جدرانها كان محفور عليه بعض الرسوم والكتابات .. وقد أثار فضولي نقش كان أسفل الجدار محفور عليه الكويت حبيبتي ومرفق برسم قلب .. أدركت حينها بان قلاع الموصل كانت تضم اسرى كويتيين وكانت قوات التحالف تبحث عنهم.

ثم جاء أمر من القيادة العسكرية بعد أيام بتوزيعنا الى الواجبات المختلفة بعضنا ذهب لحماية الجسور والمباني والمنشآت وممرات المدن والبعض كان واجبه الذهاب الى الجنوب لمواجهة قوات التحالف في معركة عبثية وغير متكافئة لبلد لمحاصر كان يقوده طاغية متهور ضد ثلاث وأربعين دولة بقيادة الولايات المتحدة الامريكية .
جاء الامر بنقلي الى احدى الجبهات المفتوحة والمتاخمة مع الكويت لمواجهة قوات التحالف خلال ثلاثة ايام . سلمت الجعبة العسكرية وبندقيتي الى المشجب ثم غادرت المعسكر نحو الطريق العام الذي كان ينحدر نحو بغداد.
لوحت الى باص ريم لنقل الركاب فتوقف سائقها قفزت بداخله مسرعاً وكان مكتظاً بالجنود . البعض كان متكوراً مابين الكراسي او مستلقياً فوق ممر الباص وهنالك كان بعض المصابين بالجراح من جراء القصف ويحملون ضمادات فوق رؤوسهم واطرافهم .
كانت ثمة شاحنات عسكرية وأخرى مدنية محترقة فوق الطريق العام وجثث الضحايا كانت متناثرة وممزقة .
مرت طائرة فوق عجلتنا وكنت أتوقع انها ستنسف لكن الطيار أتخذ هدفاً أخر.
سلك سائق الباص دروب وعرة وزراعية بعيدة عن خطورة استهداف الطريق العام.
بصعوبة بالغة وصلت العجلة الى كراج النهضة في بغداد .. كان المدينة معتمة يلفها الفزع والخراب وكآنها مدية أشباح وطائرات الاوغاد المسعورة كانت مستمرة بطلعاتها فوق سماء بغداد . اخترت الذهاب الى منطقة الكاظمية فهي ربما ستكون من أكثر المناطق آمنة في العاصمة.
قضيت الليلة الاخيرة في بغداد بفندق شعبي كان زبائنه مجتمعين في مكان الاستقبال وهم يستمعون الى المذياع بقلق وتوجس الى نشرات الاخبار . وكانت هنالك بضعة شموع موزعة تضيء المكان وينعكس ضوئها الهادىء فوق الماء الذي يحتويه قدر كبير كانت تطفوا فوق سطحه طاسة نحاسية يتشاطر جميع زبائن الفندق باستعمالها لشرب الماء الشحيح .
وفي اليوم الاخر غادرت بغداد المحترقة بعجلة أخرى وبمغامرة أخرى . حتى وصولي بإعجوبة الى مدينة الناصرية .



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجدة علاّهن
- حكايات الرمل والنمل
- مذكرات الانتفاضة والمنفى
- الفنان سعد محمد موسى وريث الحضارة السومرية
- تجليات في مبخرة العشق
- ابتهالات في ليلة عشق
- تنفيذ عملية إعدام لعاشق ٍ متهم بجريمة حب
- الارنب والقمر
- أمنية متأخرة تطرق الباب
- صهيل الفرس المفجوعة فوق التل
- تعويذة الفيروز
- توني الخياط
- حكايات من الطفولة
- تعويذات الدرويش
- بستان الاب مرزوق
- احتراقات في خلوة
- الاقدام الحافية تتعقب القافلة
- صلاة غيمة في محراب فضاء
- تجليات في إيقونة القدر
- سورة العشق


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الحرب وزمن السفلة